الأحد - 05 رجب 1446 هـ - 05 يناير 2025 م

دعوى غلو النجديين وخروجهم عن سنن العلماء

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة 

مقدمة:

تكثر الدعاوى حول الدعوة النجدية، وتكثر الأوهام حول طريقتهم سواء من المخالفين أو حتى من بعض الموافقين الذين دخلت عليهم بعض شُبه الخصوم، وزاد الطين بلة انتسابُ كثير من الجهال والغلاة إلى طريقة الدعوة النجدية، ووظفوا بعض عباراتهم -والتي لا يحفظون غيرها- فشطوا في التكفير بغير حق، وأساؤوا الأدب إلى علماء الأمة الإسلامية، فتوهم البعض أن هؤلاء الغلاة على طريقة الدعوة النجدية، ومن ثَمَّ ظنوا أن النجديين لهم زلات خطيرة وخالفوا علماء الأمة بما يوهم أنهم أتوا بمذهبٍ جديد، والحقيقة أنهم لم يخالفوا الأصول العلمية أو الأسس المنهجية، ولم يخرجوا عن إجماع الأمة المحمدية، وما من قولٍ قالوه إلا وهم مسبوقون فيه.

نعم، إنَّ الخطأ وارد منهم، وممن هو أكبر منهم، إلا أننا ينبغي أن نضع الخلاف في موضعه الصحيح، دون تهويل المسائل وتصوير أنهم خالفوا البدهيات الشريعة.

وفي هذه الورقة سوف نناقش دعوى خروج النجديين عن سنن العلماء السابقين في مسائل التكفير، وهل بنوا مذهبهم على أصولٍ وأسسٍ علمية أم لا؟ وذلك في ثمانية مطالب:

المطلب الأول: بيان رتبة العلماء النجديين من العلوم الشرعية:

بادئ ذي بدء ينبغي معرفة رتبة العلماء النجديين من العلوم الشرعية؛ وذلك لأن مناقشة الأقوال فرعٌ عن معرفة رتبة قائليها، فإذا كان قائل القول من أهل العلم الراسخين المشهود لهه لم يُنكر عليه اجتهادُه؛ لأنه إنما بنى كلامه على أصولٍ شرعية.

وهنا ينبغي تصحيح ما هو مشهور عند عوام المخالفين أن النجديين ليس لهم كبير علم في الأصول أو الفروع، وأنهم بسطاء لم يأخذوا العلم من مظانه الصحيحة، والحقيقة على العكس من ذلك تمامًا، فعلماء نجد مشهودٌ لهم بالعلم والفقه، وطول الباع في العلوم الشرعية.

1- يقول ابن حميد -وهو من أشد معارضي الدعوة- في ترجمة العلامة عبد الله أبا بطين: “فقيه الدّيار النّجديّة في القرن الثّالث عشر بلا منازع… -إلى أن قال:- وكان يقرّر تقريرا حسنا، ويستحضر استحضارًا عجيبًا، فإذا قرّر مسألة يقول: هذي عبارة «المقنع» مثلا، وزاد عليها «المنقّح» كذا، ونقص منها كذا، وأبدل لفظة كذا بهذه، مع شدّة التّثبّت والتّأمّل، إذا سئل عن مسألة واضحة لا تخفى على أدنى طلبته تأنّى في الجواب حتّى يظنّ الجاهل أنّه لا يعرفها، والحال أنّه يعرف من نقلها ومن رجّحها ومن ضعّفها ودليلها، وأمّا اطّلاعه على خلاف الأئمة الأربعة بل وغيرهم من السّلف والرّوايات والأقوال المذهبيّة فأمرٌ عجيب، ما أعلم أنّي رأيت في خصوص هذا من يضاهيه، بل ولا من يقاربه… -إلى أن قال في آخر ترجمته:- وبموته فُقد التّحقيق في مذهب الإمام أحمد، فقد كان فيه آية، وإلى تحقيقه النّهاية، فقد وصل فيه إلى الغاية”([1]).

فانظر إلى هذه الشهادة من أحد خصوم الوهابية، وهو يضع أبا بطين في مرتبة المحقِّقين، ومرتبة التحقيق هي مرتبة من يعوَّل على كلامه في المذهب كالحجاوي والبهوتي ومرعي الكرمي ونحوهم، وهذا معناه أن العلامة أبا بطين قد بلغ تلك الرتبة، وهو آخر من يعوَّل على كلامه في المذهب، فبموته انتهى التحقيق في مذهب أحمد.

مع العلم أن ابن حميد صاحب (السحب الوابلة) من فقهاء الحنابلة، وله حاشية على (شرح منتهى الإرادات)، فكلامه في مدح علم أبا بطين ليس فيه مجاملة، ومع كونه كان له موقف معادٍ للوهابية وللشيخ محمد بن عبد الوهاب إلا أنه لم يجد بُدًّا من قول الحقيقة التي رآها وعاينها بنفسه.

إذن ينبغي التريُّث والتأمُّل قبل إصدار أحكام بالجهل والسطحية لعلماء أجلاء مشهود لهم بالرسوخ العلمي من خصومهم.

2- تتلمذ عدد من أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب على علماء الجامع الأزهر، ومنهم الشيخ عبد الرحمن بن حسن صاحب كتاب (فتح المجيد)، وابنه عبد اللطيف، وكذلك أبناء عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب. ولهم ثناءات متبادلة مع شيوخ الجامع الأزهر.

يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن بعد أن ذكر جملةً من مشايخه في نجد: “وأما مشايخنا من أهل مصر فمن فضلائهم في العلم الشيخ حسن القويسني، حضرت عليه شرح جمع الجوامع في الأصول للمحلي ومختصر السعد في المعاني والبيان… ومنهم إبراهيم البيجوري قرأتُ عليه شرح الخلاصة للأشموني إلى الإضافة، وحضرت عليه في السلم وعلى محمد الدمنهوري في الاستعارات والكافي في علمي العروض والقوافي، قرأها لنا بحاشيته بالجامع الأزهر عمَّره الله تعالى بالعلم والإيمان”([2]).

بل قد تولى الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب كرسي الحنابلة بالجامع الأزهر، وقد ترجم له البيطار في تاريخه فقال: “الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن عبد الوهاب النجدي الحنبلي العالم المشهور، والهمام الذي فضله مأثور… التفت إلى الطلب والتعلُّم والتعليم والاستفادة والإفادة إلى أن صار في الأزهر شيخ رواق الحنابلة، وكان ظاهر التقوى والصلاح والزهادة والعبادة”([3]).

ويقول علامة الأزهر الشيخ محمد العزيزي الشافعي الصوفي الخلوتي: (فإنه لما حضر إلى مصر السادة الوهابية، وكان من أجلهم وأعظمهم حبيبنا العمدة الفاضل والهمام الكامل مولانا الشيخ عبد الله الحنبلي ]يقصد: الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب[، وأخيه العمدة الفاضل حبيبنا صاحب الأخلاق المرضية، والأفعال المصطفوية: الشيخ إبراهيم الحنبلي، وكذلك من أعيانهم النبلاء الأذكياء: سيدي عبد الرحمن بن عبد العزيز، رحمه الله رحمةً واسعة بمنِّه وكرمه، وكان حبيبنا الشيخ عبد الله -رحمه الله رحمةً واسعة- من العلماء الفضلاء وأنجب ولده الشيخ عبد الرحمن الحنبلي، وهو من أذكياء أهل العلم وصلحائهم…”([4]).

3- مما يدلُّ على رسوخ النجديين أنه قد رجع عدد من الأشاعرة لما ناقشوا بعض علمائهم، كرجوع التلمساني([5]) لما ناقش أحمد بن عيسى النجدي (شارح النونية)، ورجوع الشيخ خوقير المكي أيضًا صاحب (مختصر خوقير) في المذهب الحنبلي، وقد كان شافعيًّا من تلامذة زيني دحلان، ثم لما ناقش الشيخ أحمد بن عيسى رجع إلى مذهب السلفية([6]).

فرجوع أمثالهما مع كونهما من العلماء فيه دليل على أن النجديين كان لديهم من العلم الشرعي والاستدلال الأصولي ما يُمكِّنهم من مناقشة الفحول.

والقصد مما سبق: أن الوهم الشعبويّ السائد أن علماء نجد سطحيّون ولم يأخذوا العلم من مظانه لا يقوله من خبر حالهم وقرأ سيرتهم في طلب العلم.

وكلامنا السابق ليس دفاعًا بقدر ما هو توصيف للأمر الواقع، ونقل الصورة كاملة، وإعطاء كل ذي حقٍّ حقه بعدلٍ وإنصاف، ووضع كل شيء في منزلته، ثم للباحث أن يتَّفق معهم أو يختلف في جزئيات، فذاك مبحث آخر.

المطلب الثاني: تكفير القبائل ووصفهم بالمرتدّين أو المشركين:

يستدلّ بعض الناس بأن ابن بشر وابن غنام وغيرهما من النجديين قد وصفوا جيوشهم بـ”جيوش المسلمين”، كما وصفوا حروبهم بالفتوحات، ووصفوا من يُقاتلونهم بالمرتدين تارة وبالمشركين تارة أخرى.

وهذه تعتبر من أعظم الشبه على النجديين، التي يردّدها المخالفون أو بعض الموافقين، وهي عند التحقيق لا تقوم على بحث علمي مستقيم.

وجواب هذا من وجوه:

الوجه الأول: أن الوصف بالكفر والردّة لأهل الحرب ليس وصفًا مستهجنًا عند أهل الشريعة وأصحاب التواريخ، بل هو أمرٌ مشتهر عند السابقين وإن جهله المعاصرون.

1- يقول ابن منظور: “ويُقال لأهل الحرب: قد كفروا أي: عصوا وامتنعوا، والكفر كفر النعمة، وهو نقيض الشكر، والكفر: جحود النعمة، وهو ضد الشكر. وقوله تعالى: {إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ}، أي: جاحدون”([7]).

وقال الإمام الشافعي: “فالردة: الارتداد عمَّا كانوا عليه بالكفر، أو الارتداد بمنع الحق، قال: ومن رجع عن شيء جاز أن يُقال: ارتدّ عن كذا”([8]).

2- وصف النجديين جيشَهم بجيش المسلمين هو باعتبار أنهم مع الإمام، وقد تعارف أهل الشريعة على تسمية جيش الإمام بجيش المسلمين إذا ما قاتلوا الخوارج أو الممتنعين عن بعض الشريعة.

وقد جرى المؤرخون على ذكر جيش الإمام بــ(المسلمين) حتى وإن كان الذين يُقاتلونهم من المسلمين أيضًا، ومنه ما ذكره الخطيب البغدادي بقوله: “كان الذين خرجوا على عليٍّ بالنهروان أربعة آلاف في الحديد، فركبهم المسلمون فقتلوهم، ولم يقتلوا من المسلمين إلا تسعة رهط”([9]).

وقد جرى مؤرخو هذه الفترة على ذلك الوصف مثلما جاء في تاريخ الفاخري ما نصه: “وفي سنة 1176 غزا المسلمون الأحساء”([10])، وفي تاريخ ابن لعبون ما نصه: “وفي سنة 1194 سارت جيوش المسلمين على أهل الزلفي”([11]).

ولا شك أن النجديين كانوا متأثرين بألفاظ أهل الشريعة والتوارخ، وأصبح عُرفًا عندهم، حتى إنَّ الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة -والمعروف عنه التسامح مع الآخر بشهادة المخالفين- وصف جيشه بالمسلمين في معركة (السبلة) التي وقعت بينه وبين الإخوان، فقال في رسالته إلى أمير الكويت: “ولذلك قام المسلمون في التاسع عشر من الشهر الماضي بالهجوم عليهم، وقتلوهم، ولقنوهم درسًا مخيفًا”([12]).

ومعلوم أن حركة إخوان من أطاع الله ليسوا كفارًا، فهم قوم متشدِّدون في الإسلام، ومع هذا فقد أسمى النجديون أنفسهم بالمسلمين لما حاربوهم.

3- وصف الشوكاني حروب ابن سعود بالفتوحات، وذكر أنَّ البلاد النجديّة دخلت في دين الإسلام بعدما كانت في جاهلية، ولم يدل ذلك على كون الشوكاني تكفيريًّا أو يُكفّر مخالفي الوهابية بالضرورة.

ومن ذلك ما قاله الشوكاني ممتدحًا حروبهم: “وكانت تلك البلاد قد غلبت عليها أمور الجاهلية، وصار الإسلام فيها غريبًا، ثم مات محمد بن سعود، وقد دخل في الدين بعض البلاد النجدية، وقام ولده العزيز مقامه، فافتتح جميع الديار النجدية والبلاد العارضية والأحساء والقطيف، وجاوزها إلى فتح كثير من البلاد الحجازية”([13]).

الوجه الثاني: من كفَّروهم من القبائل لم يكن تكفيرًا بالعموم إنما هو من باب: (العام الذي أُريد به الخاص)، فتكفير قرية من القرى معناه تكفير ذوي الحل والعقد ممن أقيمت عليهم الحجة، فيُطلق عليهم مشركون أو مرتدّون ونحو ذلك من باب التغليب، ويجوز قتال القرية من قِبل ولي الأمر مع مراعاة بأن من سُكان القرية مُسلمين.

وقد نبَّه على ذلك الشيخان حسن وعبد الله ابنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمهم الله- حيث قالا: “وقد يُحكم بأنَّ أهل هذه القرية كفار، حكمهم حكم الكافر، ولا يُحكم بأنَّ كلَّ فردٍ منهم كافر بعينه؛ لأنه يحتمل أن يكون منهم من هو على الإسلام، معذورٌ في ترك الهجرة، أو يُظهر دينه ولا يعلمه المسلمون”([14]).

وهذا أمرٌ جائز شرعًا قياسًا على الطائفة الممتنعة، فإنَّ الفقهاء اتفقوا على أن الطائفة الممتنعة عن شعيرة من الشعائر إذا دُعيت بسيف الإمام يطلق عليهم اسم المرتدين، واختلفوا هل هي ردة عن الإسلام أم ردة عن قبول الحق. ولا شك أن النجديين اختاروا القول بالردة عن الإسلام؛ لأن عبادة القبور من المكفِّرات عندهم، وليس مجرد امتناع عن بعض الشريعة.

وعلى كل حال، كلا القولين معتبر، ولا تثريب على من أخذ بهذا القول أو ذاك، وهو -كما ذكرنا- من باب العام الذي أُريد به الخاص، أي: أنَّ الحكم بالكفر خاص بولاة أمور القرية، دون الرعية -كما سبق من كلام أبناء الشيخ-.

وقد نقل الجبرتي أن القوات السعودية في حربها مع الدولة العثمانية لم تكن تتبع المنهزمين، بل كانوا يعاملونهم معاملة البغاة، وهذا ما نص عليه الجبرتي في روايته لأحداث هزيمة الجيوش العثمانية أمام كتائب الدعوة([15]).

الوجه الثالث: تكفير النجديين لبعض القبائل لم يكن من أجل مسألة واحدة أو مسألتين، بل هو تكفير لمجموع أحوالهم واعتقاداتهم، فقد كان مِن القبائل من ينكر البعث، ويستحل المحرمات، وبعضهم يزعم أنه غير مُلزم بالشريعة كما أن الخضر لم يُلزم بشريعة موسى، ويعتقدون في شيوخ الاتحادية الغلاة، وفي كل قبيلة يوجد منهم من يدّعي علم الغيب ويخاطب الملائكة والجنّ ويدعوهم من دون الله، مثل الشيخين: تاج وشمسان([16]).

وهذا ليس مبالغةً من الوهابيين في توصيف الأحوال العامة -كما ادعى بعض الكُتَّاب المعاصرين-، بل قد شاركهم في توصيف هذه الأحوال كثير من الأشاعرة كالشيخ السنوسي والبيجوري والخليلي، وذكروا أن كثيرًا من أهل البادية مرتدون لاعتقاداتهم الباطلة([17])، بل زاد الخليلي الأشعري في فتاواه وجوب قتالهم وسبي نسائهم إن عاندوا، فمما قال عن عرب السعادنة وبني عطية وغيرهم من عرب الشام ومصر والحجاز وغيرهم من عرب البوادي: “من استحلَّ حكمًا علم أمره وحرمته في دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وحيث نهوا ووعظوا مرارا حلّ قتلهم وقتالهم وأخذ أموالهم، ثم ينظر في حال نسائهم إن كن مؤمنات مكرَهات لا ذنب لهن فيعلَّمن الأحكام، وإن لم يكنّ كذلك حلّ سبيهنّ وبيعهنّ كالحربيات انتهى… هذا حكمهم مع كونهم كفّارا، وبه يعلم حلّ قتلهم مطلقًا والحالة هذه، ويثاب قاتلهم، وأجر المقاتل لهم كأجر المقاتل لأهل الحرب مع خلوص النية؛ لأنه مجاهد في سبيل الله. والله أعلم”([18]).

والعلامة صنع الله الحنفي -وهو يسبق الوهابية بقرنٍ من الزمان- وصف الأحوال العامة في الجزيرة العربية وذكر أنهم يعتقدون النفع والضرّ في الأولياء بذواتهم([19]).

وذكر الشوكاني أيضًا مثل ذلك ثم قال: “وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة”([20]).

وما سبق يعتبر بمثابة وثائق تاريخية تمنع رمي الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه بالغلو في التكفير، فينبغي الوقوف على أحوال تلك الحقبة الزمنية ودراستها دراسة متأنّية، بعدلٍ وإنصاف، قبل التعجل في إصدار الأحكام على علماء تلك الحقبة.

المطلب الثالث: الاستدلال بآيات نزلت في المشركين وتنزيلها على المسلمين:

من عجيب قول المخالفين أن النجديين قاموا بتنزيل آيات نزلت في المشركين في أناس من هذه الأمة المحمدية، وهذا القول لولا اشتهاره ودخوله على كثير من الناس لما أقمنا له وزنًا؛ لأنه ما فائدة القرآن إذا لم يُستدل به في موضع النزاع؟!

وليس هذا بصنيع الوهابيين فحسب -كما يزعم البعض-، بل هو أمر جار في عرف العلماء بلا نكير.

يقول الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى: {وَيَعبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُم وَلَا يَنفَعُهُم وَيَقُولُونَ هَـٰؤلَاءِ شُفَعَـٰؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ{ [يونس: 18]: “وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم، وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل، فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله تعالى، ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر، على اعتقاد أنهم إذا عظَّموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله”([21]).

وقال الصاوي عند تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ٦٤]: “هذه الآية وإن كانت خطابًا لليهود والنصارى، إلا أنها تجر بذيلها على من يشرك بالله غيره من المسلمين، كضعفاء الإيمان الذين يعتقدون في الأولياء أنهم يضرون وينفعون بذواتهم ويحلّون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله، ومع ذلك يحدثون بدعًا عظيمة ما أنزل الله بها من سلطان، ويجعلون تلك البدع طرقًا لهؤلاء الأولياء، ويزعمون أنها منجية وإن كانت مخالفة للشرع، ويحسبون أنهم على شيء، ألا إنهم هم الكاذبون”([22]).

فأنزل الصاوي الأشعري آيات نزلت في الكفار أصالةً على جماعات من المسلمين.

المطلب الرابع: موقف العلماء النجديين من علماء المتأخرين:

من الأمور التي ينبغي أن تُصحَّح في الأروقة العلمية الظنُّ الشائع عن علماء الدعوة النجدية أنهم يُكفِّرون بعض علماء المتأخرين ممن لهم أخطاء كالسبكي والهيتمي والقسطلاني وزكريا الأنصاري وابن الجزري ونحوهم، وهذا الظنّ يقع فيه المخالفون وغلاة السلفيين أيضًا، وهو ظنٌّ خاطئ ليس من الحقيقة في شيء.

وسيعجب القارئ أن الحقيقة على العكس من ذلك تمامًا، فهم يتولَّونهم ويترحمون عليهم، ويستشهدون بأقوالهم في مصنفاتهم.

فأولًا: الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كان يُحاجج خصومه بكلام المتأخرين، فقال رحمه الله: “قلت لهم: أنا أخاصم الحنفي بكلام المتأخرين من الحنفية والمالكي والشافعي والحنبلي، كل أخاصمه بكتب المتأخرين من علمائهم الذين يعتمدون عليهم، فلما أبوا ذلك نقلت لهم كلام العلماء من كل مذهب، وذكرت ما قالوا بعد ما حدثت الدعوة عند القبور والنذر لها فصرفوا ذلك وتحققوه ولم يزدهم إلا نفورا”([23]).

ثانيًا: يقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: “ونحن كذلك لا نقول بكفر من صحَّت ديانته، وشهر صلاحه، وعُلم ورعه وزهده، وحسنت سيرته، وبلغ من نصحه الأمّة ببذل نفسه لتدريس العلوم النافعة والتآليف فيها، وإن كان مخطئًا في هذه المسألة أو غيرها -أي: الاستغاثة بالرسول-؛ كابن حجر الهيتمي، فإنا نعرف كلامه في (الدرّ المنظم)، ولا ننكر سعة علمه؛ ولهذا نعتني بكتبه كـ(شرح الأربعين) و(الزواجر) وغيرها، ونعتمد على نقله إذا نقل؛ لأنه من جملة علماء المسلمين”([24]).

ويقول العلامة أبا بطين: “وأما قول المعترض -يعني ابن جرجيس-: لو أن عبارات العلماء مثل البيضاوي والقسطلاني وغيرهما تجدي لديكم شيئا لذكرناها، ولكنها تمحى بلفظة واحدة، وهي أنهم كفار، انتهى”.

فجاء جواب أبا بطين: “وأما افتراؤه علينا أننا نكفر علماء المسلمين فهو قد افترى على الله الكذب وعلى رسوله، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ} [النحل: ١٠٥]. ونحن ندعو للمسلمين عموما ولعلمائهم خصوصا، فنقول: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: ١٠]، ومع ذلك نقول كما أوصونا به: كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولهم زلات، وفي الحديث المشهور: (اتقوا زلة العالم)، فإذا تبين لنا زلة من أحد منهم لم نتابعه عليها وندعو له”([25]).

ثالثًا: من تأمل مصنفات النجديين سيجد الثناء العاطر على العلماء المتأخرين:

1- قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بعد أن نقل تحقيق الإمام النووي في مسألة: “فانظر إلى ما حكاه النووي رحمه الله.. وحسبك بهذا الإمام”([26]).

2- وكان الشيخ عبد الرحمن يصف بعض المتأخرين بشيوخ الإسلام، مع كونهم من الأشاعرة أو المتأثرين بهم، ودونك بعض الأمثلة:

– قال في معرض كلامه عن مسألة عقدية: “وقال شيخ الإسلام البلقيني: استخرجت ما في الكشاف من دسائس الاعتزال بالمناقيش”([27]). فسمَّى البلقيني بشيخ الإسلام، فتأمل.

– وفي كتابه (الإيمان والرد على أهل البدع) ذكر الحافظ ابن حجر وسماه بشيخ الإسلام الحافظ، وذكر زكريا الأنصاري وسماه بشيخ الإسلام أيضًا، فيقول رحمه الله: “عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري عن الحافظ شيخ الإسلام أحمد ابن علي بن حجر العسقلاني صاحب فتح الباري، وأكثر روايات من ذكرنا من مشايخنا للكتب تنتهي إليه”([28]).

3- مصنفات النجديين التي كتبوها في التكفير كرسالة عبد الله: (الكلمات النافعة عن المكفرات الواقعة) أو (العذر بالجهل) للشيخ أبا بطين وغيرهما، اعتمدوا فيها بشكلٍ رئيس على نصوص فقهاء المتأخرين، كابن دقيق العيد وابن حجر الهيتمي وغيرهما، ويترحمون عليهم عند ذكر كلامهم، ومن ذلك ما قاله الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: “ونبدأ بكلامهم في الشرك الأكبر وتكفيرهم لأهله حين وقع في زمانهم من بعض المنتسبين إلى الإسلام والسنة، لأنه هو المهم، فنقول: أما كلام الشافعية فقال ابن حجر رحمه الله في كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر…”([29]).

فذكر الهيتمي مُستشهدًا به وترحَّم عليه، وهو ما يدفع هذا الوهم الشائع عنهم.

والمقصود مما سبق: أن علماء النجديين -سواء اتفقت أو اختلفت معهم في اجتهاداتهم- لم يخرجوا عن سنن العلماء السابقين، ولم يُهدروا علماء المتأخرين، بل هم تبعٌ لعلماء الأمة المحمدية.

ولا عبرة بالجهال أو بعض طلبة العلم المعاصرين ممن ينتسبون إلى النجديين، ممن شطَّ بعضهم في التكفير أو أهدر العلماء السابقين، فالعيب يعود على هؤلاء الجهال الذين لم يفهموا كلام العلماء على وجهه. فالعالم قد يقول كلمة لها تخريج وضوابط عنده، فيأخذها الجاهل ويلتزم لوازمها دون ضوابط.

وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “والناس ‌المشهورون -أي: العلماء- قد يقول أحدهم من المسائل والدلائل ما هو حق، أو فيه شُبهة حق، فإذا أخذ الجهال ذلك فغيَّروه صار فيه من الضلال ما هو من أعظم الإفك والمحال”([30]).

ويقول أيضًا: “الجاهل بمنزلة الذباب الذي لا يقع إلا على العقير، ولا يقع على الصحيح”([31]).

المطلب الخامس: هل النجديون يرون كل بدع القبور شركًا أكبر؟

من الأمور الشعبوية الشائعة أن النجديين يرون كل بدع القبور شركًا أكبر بالجملة، ولا يُميزون بين مراتب البدع، وهذا الظن لا يمت للحقيقة بصلة، بل هم يفرقون بين مراتب بدع القبور، فمنها ما هو شركٌ أكبر، ومنها ما هو بدعة محرمة، ومنها ما هو خلافٌ فروعي. بل حتى الشرك الأكبر عندهم على مراتب، والبدع عندهم على مراتب أيضًا. ويتبيَّن ذلك فيما يلي:

1- التبرك والطواف بالقبر ليس شركًا أكبر بمجرده:

يقول الشيخ ابن باز: “الطواف بالقبور إذا طاف يتقرب بذلك إلى صاحب القبر فهو مثل إذا دعاه واستغاث به، يكون شركًا أكبر، أما إذا طاف يحسب أن الطواف بالقبور قربة إلى الله، كما يطوف الناس بالكعبة وليس يقصد الميت، هذا من البدع ووسائل الشرك المحرمة الخطيرة”([32]).

ويقول الشيخ ابن عثيمين عن التبرك بالقبور باللمس والتقبيل: “إن كان يعتقد أنها تنفع من دون الله عز وجل فهذا شرك في الربوبية مخرج من الملة، وإن كان يعتقد أنها سبب وليست تنفع من دون الله فهو ضال غير مصيب، وما اعتقده فإنه من الشرك الأصغر”([33]).

2- النجديون لا يكفرون المتوسل بالصالحين ولا من يدعو الله عند القبر:

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: “الدعاء الذي يفعل في هذا الزمان أنواع:

النوع الأول: دعاء الله وحده لا شريك له الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم.

النوع الثاني: أن يدعو الله ويدعو معه نبيا أو وليا، ويقول: أريد شفاعته، وإلا فأنا أعلم ما ينفع ولا يضر إلا الله، لكن أنا مذنب، وأدعو هذا الصالح لعله يشفع لي؛ فهذا الذي فعله المشركون وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتركوه، ولا يدعو مع الله أحدا لا لطلب شفع ولا نفع.

النوع الثالث: أن يقول: اللهم إني أتوسل إليك بنبيك أو بالأنبياء أو الصالحين؛ فهذا ليس شركا، ولا نهينا الناس عنه على أنه شرك، ولكن المذكور عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهم أنهم كرهوه، لكن ليس مما نختلف نحن وغيرنا فيه”([34]).

وقال أيضًا: “قولهم في الاستسقاء: لا بأس بالتوسل بالصالحين، وقول أحمد: يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، مع قولهم: إنه لا يستغاث بمخلوق؛ فالفرق ظاهر جدا، وليس الكلام مما نحن فيه؛ فكون بعض يرخص بالتوسل بالصالحين، وبعضهم يخصه بالنبي صلى الله عليه وسلم وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه؛ فهذه المسألة من مسائل الفقه، ولو كان الصواب عندنا قول الجمهور أنه مكروه؛ فلا ننكر على من فعله، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد… أو يقصد قبر معروف -يعني: الكرخي- أو غيره يدعو عنده، ولكن لا يدعو إلا الله مخلصا له الدين؛ فأين هذا مما نحن فيه؟!”([35]).

وفي النصين السابقين يعتبر الشيخ مسألة (التوسل) مسألة فقهية، بل واختار الكراهة فقط وليس التحريم، ولا ينكر على من فعلها، ولا ينهى الناس عنها. نعم إن النجديين من أتباع الشيخ يعبترون التوسل بالصالحين بدعة محرمة -وهو اختيار ابن تيمية أيضًا-، إلا أنهم لا يُشددون فيها؛ لكون أدلتها قد اشتبهت في المتأخرين، وقال بها فقهاء أجلاء من المذاهب الأربعة.

قال الشيخ سليمان بن عبد الله: “واعلم أن التوسّل بذات المخلوق أو بجاهه غير سؤاله ودعائه، فالتوسُّل بذاته أو بجاهه أن يقول: اللهم اغفر لي وارحمني وأدخلني الجنة بنبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو بجاه نبيك محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ونحو هذا، فهذا بدعة ليس بشرك”([36]).

وكان من أجوبة الإمام محمد بن سعود لما سأله القاضي المغربي: وبلغنا عنكم تمنعون من زيارته صلى الله عليه وسلم وزيارة سائر الأموات مع ثبوتها في الصحاح التي لا يمكن إنكارها، فقال: معاذ الله أن ننكر ما ثبت في شرعنا! وهل منعناكم أنتم لما عرفنا أنكم تعرفون كيفيتها وأدبها؟! وإنما نمنع منها العامّة الذين يشركون العبودية بالألوهية، ويطلبون من الأموات أن تقضِيَ لهم أغراضهم التي لا تقضيها إلا الربوبية، وإنما سبيل الزيارة الاعتبار بحال الموتى وتذكّر مصير الزائر إلى ما صار إليه المزور، ثم يدعو له بالمغفرة ويستشفع به إلى الله تعالى، ويسأل الله تعالى المنفرد بالإعطاء والمنع بجاه ذلك الميت -إن كان ممن يليق أن يستشفع به-، هذا قول إمامنا أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ولما كان العوام في غاية البعد عن إدراك هذا المعنى منعناهم سدًّا للذريعة، فأيُّ مخالفة في هذا القدر؟!”([37]).

3- النجديون لا يكفرون بالركوع والسجود لغير الله إلا مع قصد العبادة:

قال الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم: “الانحناء عند السلام حرام، إذا قصد به التحية، وأَما إن قصد به العبادة فكُفر”([38]).

وقال الشيخ عبد العزيز عبد اللطيف: “فمن المعلوم أن سجود العبادة القائم على الخضوع والذل والتسليم والإجلال لله وحده هو من التوحيد الذي اتفقت عليه دعوة الرسل، وإن صرف لغيره فهو شرك وتنديد. ولكن لو سجد أحدهم لأب أو عالم ونحوهما، وقصده التحية والإكرام، فهذه من المحرمات التي دون الشرك، أما إن قصد الخضوع والقربة والذل له فهذا من الشرك”([39]).

وهذا موافق لما عليه شيخ الإسلام ابن تيمية وعلماء الحنابلة، قال ابن تيمية: “السجود على ضربين: سجود عبادة محضة، وسجود تشريف، فأما الأول فلا يكون إلا لله”([40]).

وقال الرحيباني الحنبلي: “السجود للحكام والموتى بقصد العبادة كفر، قولا واحدا، باتفاق المسلمين. والتحية لمخلوق بالسجود له كبيرة من الكبائر العظام”([41]).

وفي المقابل: قد ذهب جمعٌ من الشافعية إلى أن السجود لغير الله كفر مطلقًا سواء قصد العبادة أو التحية، ولا عبرة بقصده؛ وحجتهم أنَّ العادة جرت -في هذه الأمة- أن السجود للعبادة، وممن ذهب إليه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري واختاره ابن حجر الهيتمي([42]).

قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في منهج الطلاب في كتاب الردة: “أو إلقاء مصحف بقاذورة أو سجود لمخلوق. انتهى. وعلَّق العلامة الجمل في حاشيته: أي ولو نبيًا وإن أنكر الاستخفاف أو لم يطابق قلبه جوارحه لأن ظاهر حاله يخالفه… نعم إن دلت قرينة قوية على عدم دلالة الفعل على الاستخفاف كسجود أسير في دار الحرب بحضرة كافر خشية منه فلا كفر”([43]).

وقال ابن حجر الهيتمي في (تحفة المحتاج) في كتب الردة: “كإلقاء المصحف.. أو سجود لصنم أو شمس أو مخلوق آخر وسحر فيه نحو عبادة كوكب، لأنه أثبت لله تعالى شريكًا، وزعم الجويني أن الفعل بمجرده لا يكون كفرًا، رده ولده، نعم إن دلت قرينة قوية على عدم دلالة الفعل على الاستخفاف كأن كان الإلقاء لخشية أخذ كافر أو السجود من أسير في دار الحرب بحضرتهم فلا كفر، وخرج الركوع؛ لأن صورته تقع في العادة للمخلوق كثيرًا بخلاف السجود، نعم يظهر أن محل الفرق بينهما عند الإطلاق، بخلاف ما لو قصد تعظيم مخلوق بالركوع كما يعظم الله به، فإنه لا شك في الكفر حينئذٍ”([44]).

فالهيتمي يفرق بين السجود والركوع؛ لأن الانحناء يقع في العادة للتحية، فلا يدل على الكفر بمجرده، وأما السجود فلا يقع في العادة إلا على السجود الذي هو شعيرة دينية، ولذلك رآه كفرًا مطلقًا سواء ادعى الساجد التحية أو العبادة.

لكن نازعهم الجمهور واستدلوا بأن بعض الصحابة سجد للنبي صلى الله عليه وسلم، فنهاه ولم يكفره، مما يبطل الاستدلال بحكم العادة في هذه الأمة. لكن يُرد على ذلك: أن الصحابة لم يكرروا ذلك بعد نهيهم، ثم جرت العادة بعدها إلى يومنا هذا أنَّ السجود صار من الشعائر فقط، وهو مما يقوي ما ذهب إليه الهيتمي.

وعلى كل حال، تبقى المسألة اجتهادية، وكلا القولين اتفقا على أن السجود لغير الله كبيرة من الكبائر سواء بقصد العبادة أم لا.

4- الاستغاثة منها ما هو جلي، ومنها ما هو مُشتبه:

يظن كثير من الناس أن النجديين يُكفرون مطلقًا بالاستغاثة بالرسول، والحق أنها ليست على مرتبة واحدة عندهم، فمنها ما هو ظاهر جلي، ومنها ما هو مُشتبه، فالظاهر الجلي: هو الدعاء المباشر والصريح للمخلوق بما لا يقدر عليه إلا الله.

وأما طلب الدعاء أو الشفاعة من صاحب القبر فقد وقع فيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يراه بدعة، ومنهم من يراه شركًا أكبر، ومنهم من ينقل الخلاف ولا يُرجح.

وحتى من اختار أنها شرك أكبر لم يجعلها من الأمور الظاهرة ظهورًا بينًا بحيث يُكفَّر فاعلها مباشرةً، وسيأتي بيانه.

وممن رآها بدعة فقط: الشيخ السهسواني والشيخ ابن عثيمين وغيرهما، وممن نقل الخلاف فيها: الشيخ ابن باز غيره.

يقول السهسواني في مسألة طلب الدعاء: “وإن كان ذلك المدعوّ ميتًا وينادى عند قبره، فهذا ليس بشرك ولكنه بدعة. فعلى كل حال ينبغي للمؤمن أن يجتنبَ دعاء غير الله، وذلك هو القول الذي لا إفراط فيه ولا تفريط”([45]).

ويقول الشيخ ابن عثيمين: “سؤال الميت أن يسأل الله، أو سؤاله قضاء الحاجة، بينهما فرق، إذا سئل قضاء الحاجة فهذا شرك أكبر، وإذا سئل أن يسأل الله فهذا بدعة وضلالة؛ لأن الميت إذا مات انقطع عمله، والدعاء من عمله، فكيف تسأله ما لا يمكن؟! ومن ذلك أن تقول: يا رسول الله اشفع لي، فإن هذا حرام وبدعة مُنكرة، لكن لو قلت: يا رسول الله أنجني من النار، كان شركًا أكبر”([46]).

ونقل الخلاف الشيخ عبد العزيز بن باز عند قول مالك الدار: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا. قال الشيخ رحمه الله: “ما فعله هذا الرجل منكر ووسيلة إلى الشرك، بل قد جعله بعض أهل العلم من أنواع الشرك”([47]).

أما من يرى طلب الدعاء من الميت من الشرك الأكبر فهو كثير من علماء النجدية، وهو ظاهر كلام العلامة عبد الله في رسالته إلى أهل مكة.

وهذا القول لم ينفرد به النجديون، بل قاله أيضًا من الحنفية: المولى إسماعيل الدهلوي الحنفي في رسالته: (تقوية الإيمان) وجزم بشركيته.

يقول المولى الدهلوي: “فظهر من ذلك أن الذين يستغيثون ويظنون أنهم ما أشركوا، فإنهم ما طلبوا منهم قضاء الحاجة، وإنما طلبوا منهم الدعاء، وإن لم يشركوا عن طريق طلب قضاء الحاجة، فإنهم أشركوا عن طريق النداء، فقد ظنوا أنهم يسمعون نداءهم عن بعد، كما يسمعون نداءهم عن قرب”([48]).

ولكنها -مع ذلك- من الصور المشتبِهة عندهم التي لا يكفر فاعلها مباشرةً، بل يجب التوضيح والبيان المستمرّ، يقول الشيخ عبد الله بن جبرين: “ومن أجل مانع التأويل أيضًا لم يكفر العلماء بعض من يغلون في الموتى ويسألونهم الشفاعة عند الله تعالى”([49]). ثم ذكر كلام عبد الله ابن الشيخ محمد في رسالته (مباحثة مع أهل مكة) حيث جعل علماء المتأخرين من جنس المتأولين المخطئين([50]).

وخلاصة ما سبق: أن النجديين يُميِّزون جيدًا بين مراتب بدع القبور، فليست كلها كفرًا عندهم -كما يظن البعض-، ولا عبرة بالجهال المنتسبين إليهم، ولا المنتسبين إليهم من طلاب العلم ممن أساؤوا إلى الدعوة، وإنما العبرة بكلام العلماء من واقع كتبهم.

إذن التضييق في مساحة العذر عندهم خاص بالأمور الجليَّة الواضحة جدًّا مثل دعاء غير الله بما لا يقدر عليه إلا الله، وهذا النوع وصفه السهسواني بأنه يلزم منه اعتقاد التأثير في الأولياء بما يعني إضفاء بعض خصائص الربّ على المخلوقين. بمعنى أنهم يكفِّرون بأمر واضح لا شكّ فيه.

ويبقى البحث في: هل دعاء الأولياء فيما لا يقدر عليه إلا الله من الأمور الظاهرة أم لا؟ وهل يُعذر فيها بالجهل أم لا؟

فإذا حُصر البحث في هذه المسألة فالأمر فيه يسير -إن شاء الله-، حتى لو كان قول ابن تيمية على خلاف قولهم في العذر بالجهل، فهذا لا يقدح فيهم، ولا يضرّ البحث العلميّ في شيء؛ لأن مسألة تكفير المعيَّن إذا ارتكب كفرًا من مسائل الخلاف السائغ، كما نصّ عليه ملا علي القاري الحنفي وغيره، وسيأتي كلامه.

المطلب السادس: هل عدم العذر بالجهل في الأمور الظاهرة من خصوصيات النجدية؟

الأصل أن المسائل الظاهرة (المعلوم من الدين بالضروة) لا يُعذر فيها بالجهل، وليس هذا بكلام النجديين وحدهم، بل هذا كلام كثير من فقهاء المسلمين، وحكاه بعضهم اتفاقًا.

قال القاضي عياض: “لا يُعذر أحدٌ في الكفر بالجهالة ولا بدعوى زلة اللسان”([51]). ومقصوده: في الأمور الظاهرة.

ومن ذلك ما جاء في كتاب الدرر -من كتب الحنفية-: “أن من تكلم بكلمة كفرية وإن لم يعتقد، أو لم يعلم أنها لفظة كفر، ولكن أتى بها عن اختيار، فقد كفر عند عامة العلماء، ولا يُعذر بالجهل”([52]).

ويقول ملا علي القاري الحنفي: “أما إذا تكلم بكلمة ولم يدر أنها كفر ففي فتاوى قاضيخان حكاية الخلاف من غير ترجيح، حيث قال: قيل: لا يكفر لعذره بالجهل، وقيل: يكفر ولا يُعذر بالجهل. قلتُ: والأظهر الأول، إلا إذا كان من قبيل ما يُعلم من الدين بالضرورة، فإنه حينئذٍ يكفر ولا يعذر بالجهل([53]).

وقال السيوطي: “كلّ من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس لم يقبل منه دعوى الجهل، إلا أن يكون قريبَ عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية يخفى فيها مثل ذلك؛ كتحريم الزنا والقتل والخمر والكلام في الصلاة والأكل في الصوم”([54]).

بل قد يعجب القارئ إذا علم أن ابن حجر الهيتمي لا يعذر بالجهل أيضًا في الأفعال المُكفِّرة، ولا يعتبر بنيَّة القلب ولا بقرائن الحال، وحصر العذر لمن هو في مكان بعيد أو قريب عهد بإسلام -كالنجدية تمامًا-.

يقول ابن حجر الهيتمي: “المدار في الحكم بالكفر على الظواهر، ولا نظر للمقصود والنيَّات، ولا نظر لقرائن حاله، نعم يُعذر مدَّعي الجهل -إن عُذر- لقرب عهده بالإسلام، أو بُعده عن العلماء”([55]).

وتأمل الجملة الاعتراضية (إن عُذر) وكأنه يشكّك حتى في قريب العهد بالإسلام، ولو قالها أحد النجديين لشمخت الآذان، ولقامت عليه الدنيا ولم تقعد.

لكن لعل قائلًا يقول: إنَّ الهيتمي يُجيز الاستغاثة بالرسول ولا يعتبرها كفرًا، فكيف يُستدل به؟!

وجواب ذلك من جهين:

الأول: لا مشكلة في ذلك، فقد يختلف العلماء في آحاد المسائل ويتفقون في التأصيل الشرعي.

الثاني: الاستغاثة بالرسول عند الهيتمي ليست من الدعاء، وليست هي من الطلب الذي لا يقدر عليه إلا الله، وإنما هي توسل وتشفُّع بالرسول، ويُسميها استغاثةً اصطلاحًا، ولا خصوصية للهيتمي في ذلك، بل كثير من المتأخرين يسمّون التوسّل استغاثة.

ونص على ذلك الآلوسي فقال: “أما قوله -أي: النبهاني-: إن السبكي والقسطلاني والسمهودي وابن حجر في الجوهر المنظّم قالوا: والاستغاثة به وبغيره في معنى التوسل إلى الله تعالى.. فيُقال: مسألة الاستغاثة به وبجاهه ليست مسألة النزاع، ومراد أهل العلم أن يسأل الله بجاه عبده ورسوله لا أن يسأل الرسول نفسه”([56]).

ويقول الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ: “ومنهم من يطلقه على سؤال الله ودعائه بجاه نبيه أو بحقّ عبده الصالح أو بعباده الصالحين، وهذا هو الغالب عند الإطلاق من كلام المتأخرين كالسبكي والقسطلاني وابن حجر -أي: الهيتمي-“([57]).

أما الدعاء المباشر والصريح عند ابن حجر الهيتمي: فهو من الكفر الأكبر المخرج من الملة، وقد نقل الهيتمي كلام ابن مفلح -مقرًّا له- في كفر من اتخذ وسائط يدعوهم ويتوكَّل عليهم([58]).

وبحسب أصول الهيتمي فإنه لا يُعذر فيها بالجهل ولا يعتبر النية والقصد -كما مرَّ-، فمذهبه هو مذهب النجدية في مسائل التكفير، بل هو أشدّ منهم في بعض المسائل كمسألة السجود؛ لأن النجدية يفرّقون بين سجود العبادة وسجود التحية متابعةً لجمهور العلماء، أما الهيتمي وجماعة من الشافعية فيرونَ كفر الساجد لغير الله مطلقًا كما سبق بيانه.

ومن ظنَّ أن القول بتكفير الداعي لغير الله -أو على الأقل: تكفير ظاهر المقالة- هو من خصوصيات ابن تيمية والوهابية فهو لا يعرف دين الإسلام، فهذا النوع لم يختلف على تكفير مقالته أحدٌ من علماء المسلمين، ومن نسب إلى التقي السبكي أو الأشاعرة أنهم يُجيزون هذا النوع فقد غلط عليهم.

قال أبو زرعة العراقي الأشعري -تلميذ السبكي- لما سُئل عن التوسل بالأولياء: “وأما قوله -أي المتوسل-: (أنا أطلب منك أن يحصل لي كذا وكذا) فأمرٌ مُنكر، فالطلب إنما هو من الله تعالى، والتوسّل إليه بالأعمال الصالحة أو بأصحابها أحياءً وأمواتا”([59]).

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كلامه عن قبر السيدة نفيسة: “نقل بعض العلماء أن المصريين كانوا يُسَمّونَ الدعاء عندها: الترياقَ المجرَّبَ، وقد غلا في ذلك بعضُ العوامِّ بل كلهم، حتى إن بعضهم يقع في الكفر وهو لا يشعُر، واللَّه المستعان”([60]).

ويقول الشيخ عبد الله الغماري الصوفي الأشعري: “شاع بين كثيرٍ من الناس في توسلاتهم وزيارتهم للأولياء، فقد توسَّعوا في ذلك توسعًا غير مرضٍ، وخرجوا عن الحدّ المشروع، وفاهوا بألفاظٍ منكَرة مثل: يا سيد اشفني، سقت عليك النبي.. إلى ألفاظٍ من هذا القبيل ظاهرها يقتضي الكفر”([61]).

ويقول الشيخ أحمد الغماري شيخ الصوفية: “ونراهم يحلفون بهم، وينطقون في حقِّهم بما ظاهره الكفر الصراح، بل هو الكفر حقيقة بلا ريب ولا شكّ.. فكثير من جهلة العوام بالمغرب ينطق بما هو كفر صراح في حقّ مولانا عبد القادر الجيلاني الموجود ضريحه ببغداد، وكذلك نرى بعضهم يفعل ذلك مع من يعتقده من الأحياء، فيسجد له ويُقبل الأرض بين يديه في حال سجوده، ويجعل يديه من ورائه علامة على التسليم وفرط التضرع والالتجاء، ويطلب منه في تلك الحال الشفاء والغنى والذرية ونحو ذلك مما لا يُطلب إلا من الله تعالى… وذكر أمورًا ثم قال: فهذا كفر”([62]).

المطلب السابع: هل يمكن إدراج دعاء غير الله في الأمور الظاهرة؟

الجواب: دعاء غير الله يسوغ إدراجه في الأمور الظاهرة، وذلك لثلاثة أوجه:

أولًا: أن الدعاء من مظاهر العبادة، ومن صرف العبادة لغير الله كفر بالإجماع.

ثانيًا: تلازم اعتقاد التأثير في الوليّ، إذ الداعي -على هذا النحو- لا يدعوه إلا وهو يعتقد التأثير بذاته، وإلا كان ذهابه وتضرعه إليه ضربًا من العبث، وقد أشار إلى ذلك السهسواني([63]).

ثالثًا: دعاء غير الله بما لا يقدر عليه إلا الله هو نوعٌ من إسباغ كلمات وأوصاف على مخلوق تُقال في حقّ الخالق فقط؛ ففيه استخفاف بمقام الله عز وجل، وهو موجبٌ للكفر عند الفقهاء، -كما سيأتي-.

يقول القاضي عياض: “إنَّ من نزع من الكلام لمخلوق بما لا يليق إلا في حق خالقه غير قاصد للكفر والاستخفاف، ولا عامد للإلحاد، فإن تكرر هذا منه وعُرف به دلَّ على تلاعبه بدينه، واستخفافه بحرمة ربه، وجهله بعظيم عزته وكبريائه، وهذا كفر لا مرية فيه”([64]).

ويقصد القاضي عياض من قال لمخلوق كلامًا هو خاصّ بحقّ الله، سواء كان هذا المخلوق حيًّا أو ميتًا كمن يقول لملك من الملوك: (يا ذا المنّ والإنعام، ويا ذا الجلال والإكرام)، فكيف بمن يقول: (اهدني فيمن هديت وبارك لي فيما أعطيت) أو (اشفني وعافني أو أنزل المطر) ونحو ذلك مما لا يجوز نزعه إلا لله؟!

بهذا الوجه يبطل قول بعض المعاصرين: إنه يجب اعتقاد الربوبية أو الاستقلال؛ لأن التكفير له وجهٌ آخر، وهو استخفافه بحرمة ربه، بإسباغ كلمات عليه تخصّ جناب الله عز وجل، كما قال القاضي عياض رحمه الله.

ويقول أبو الفتح الشهرستاني: “ومن رفع الحاجة إلى من لا تُرفع إليه الحوائج فقد أشرك كلَّ الشرك”([65]).

وقال الحافظ ابن عبد الهادي: “ولو جاء إنسان إلى سرير الميت يدعوه من دون الله ويستغيث به كان هذا شركًا محرمًا بإجماع المسلمين”([66]).

وقال أبو المعالي الجويني: “اتفق الأصوليون على أن من نطق بكلمة الردّة وزعم أنه أضمر توريةً كَفَر ظاهرًا وباطنًا”([67]).

وهذا الذي نقله الجويني يُبطل قول بعض المتأخرين أنّ الداعي لغير الله لا يكفر إذا أضمر التوسّل، فهذا الكلام لا ينبغي أن يلتفت إليه عاقل، فمن قال: (يا بدوي اشفني وعافني وارزقني) ثم زعم أن الداعي يريد التوسّل، أو يريد من البدوي أن يدعو له، فقد أضحك الناس على عقله، ولو جاز هذا التأويل لصار كل كلام بني آدم مؤوَّلًا، ولآلت الشريعة إلى السفسطة.

نعم قد يُعذر بالجهل حتى يُعلَّم -والعذر بالجهل رأي معتبر- لكن الادعاء أن الكلام ذاته ليس كفرًا فيه ما فيه.

أما زعم بعض الأشاعرة المعاصرين أن الكفر لا يتعلّق بأفعال العباد وإنما بعقائدهم فقط، فهذا قول باطل مخترع، لم يقله أحد من علماء المسلمين لا من الأشاعرة ولا من غيرهم؛ فإن الفقهاء ذكروا أن الكفر يتعلَّق بالاعتقادات وبالأفعال وبالأقوال.

يقول الدمياطي الأشعري: “وحاصل الكلام على أنواع الردة أنها تنحصر في ثلاثة أقسام: اعتقادات وأفعال وأقوال، وكل قسم منها يتشعب شعبا كثيرة”([68]).

وقال الكشميري الحنفي الماتريدي: “اتفقوا في بعض الأفعال على أنها كفر، مع أنه يمكن فيها ألا ينسلخ من التصديق؛ لأنها أفعال الجوارح لا القلب، وذلك كالهزل بلفظ كفر، وإن لم يعتقده، وكالسجود لصنم، وكقتل نبي، والاستخفاف به وبالمصحف والكعبة، واختلفوا في وجه الكفر بها بعد الاتفاق على التكفير”([69]).

فتأمل قول الكشميري: (ألا ينسلخ من التصديق.. وكالسجود لصنم)، وهذا صريح في أنَّ العلة هي مجرد الفعل، لا باعتقاد الربوبية.

وبالقياس الأصولي: فإن ما يُقال في السجود يُقال في الدعاء أيضًا ولا فرق، فدعاء الصنم كالسجود له سواءً بسواء.

حتى من رجحوا مذهب الإرجاء وقالوا: إن الإيمان هو التصديق، لم يشترطوا الاعتقاد في الأفعال التي ظاهرها العبادة؛ وذلك لسببين:

1- لأن قرائن الفعل نفسه دالة على اعتقاد القلب.

2- أنَّ الفعل من الشعائر التي تختص بالله، ففاعلها مستهزئ بمقام ربه ومكذّب لنبيه -ولو من دون اعتقاد-.

وفي ذلك يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله: “فإن قيل: السجود بين يدي الصنم كفر، وهو فعلٌ مجرد! لا يدخل تحت هذه الروابط، فهل هو أصلٌ آخر؟ قلنا: لا، فإن الكفر في اعتقاده تعظيم الصنم، وذلك تكذيبٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن، ولكن يُعرف اعتقاده تاره بتصريح لفظه، وتارة بالإشارة إن كان أخرس، وتارة بفعلٍ يدل عليه دلالة قاطعة كالسجود”([70]).

فالغزالي ذكر كفره من وجهٍ آخر غير اعتقاد الربوبية، وهو تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه حتى ولو لم يعتقد الربوبية أو العبادة، فقد كفر من وجهٍ آخر وهو تكذيب النبي، وهي لفتة مهمّة من الغزالي رحمه الله، ويُضاف إليه تخريج القاضي عياض: الاستهزاء بمقام الله.

ولذلك قال الكشميري: “واختلفوا في وجه الكفر بها بعد الاتفاق على التكفير”([71]).

وهي قضية غفل عنها بعض العلماء في القرون المتأخرة، ممن قالوا باشتراط اعتقاد الاستقلال بالتأثير للحكم بالكفر، وهذا غلط؛ لأن التكفير له أوجه متعدِّدة لا وجه واحد، فالداعي لغير الله أسبغ على المخلوق كلمات لا تليق إلا بالله، فهو مستخفّ بمقام ربه، وبذلك يرتفع وجه الإشكال الذي توهمه بعض المعاصرين.

والفخر الرازي نقل الإجماع أن العبادة لا يُشترط فيها اعتقاد الألوهية أو التأثير، إذ يكفي أن يأتي الإنسان بفعلٍ هو من مظاهر العبادة أو الشعائر.

يقول الفخر الرازي: “واعلم أنه من المستحيل أن يقول عاقل لموسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة وخالقًا ومُدبرًا؛ لأن الذي يحصُل بجعل موسى وتقديره لا يُمكن أن يكون خالقًا ومدبرًا، ومن شك في ذلك لم يكن كامل العقل، والأقرب أنهم طلبوا من موسى عليه السلام أن يُعيِّن لهم أصنامًا وتماثيل يتقربون بعبادتها إلى الله تعالى، وهذا القول هو الذي حكاه الله تعالى عن عبدة الأوثان حيث قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى) ]الزمر: 3[. إذا عرفت هذا فلقائل أن يقول: لِم كان هذا القول كفرًا؟ فنقول: أجمع كل الأنبياء -عليهم السلام- على أن عبادة غير الله كفر، سواء اعتقد في ذلك الغير كونه إلهًا للعالم، أو اعتقدوا فيه أن عبادته تقربهم إلى الله تعالى؛ لأن العبادة نهاية التعظيم، ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن يصدر عنه نهاية الإنعام والإكرام”([72]).

ويُلاحظ أن الرازي لم يجعل اعتقادَ الألوهية أو الربوبية شرطًا في مفهوم العبادة، بخلاف قول القبورية أنها مناط العبادة، بل العبادة عند الرازي تُعرف بالأفعال والأقوال التي لا تجوز إلا لله. ولذلك قال: (لأن العبادة نهاية التعظيم، ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن يصدر عنه نهاية الإنعام والإكرام).

والحاصل مما سبق: أن صرف مظاهر العبادة لغير الله كفر، وأن النجدية مسبوقون في تضييق مساحة العذر في المُكفرات الظاهرة.

نعم، قد نتفق أو نختلف هل دعاء غير الله يدخل في الأمور الظاهرة أم لا؛ إذ الأمور الظاهرة نسبية تختلف باختلاف الزمان والمكان، ولكن -مع هذه النسبية- فهي أيضًا اجتهادية ظنية، لا يُمكن أن تُفرض رؤية من يراها خفية، ثم يُحكم على من رآها ظاهرة بأنه من الخوارج، أو عنده خلل في العقيدة.

وممن نُقل عنه عدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر: ابن عقيل وابن القيم والشوكاني وغيرهم.

يقول أبو الوفاء ابن عقيل: “لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم”. قال: “وهم عندي كفارٌ بهذه الأوضاع؛ مثل تعظيم القبور وإكرامها بما نهى عنه الشرع من إيقاد النيران وتقبيلها وتخليقها وخطاب الموتى بالحوائج وكتب الرقاع فيها: يا مولاي افعل بي كذا وكذا، وأخذ التراب تبركا وإفاضة الطيب على القبور وشد الرحال إليها وإلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات والعزى”([73]).

ويقول ابن القيم: “فصل: يكفر من يعبد غير الله عز وجل من رسول أو نبي أو جني أو شيخ أو غير ذلك، وقد يقع في هذا بعض الجهال المنتسبين إلى دين الإسلام في أمور تقع منهم عن جهـل، فمن ذلك المنتسبون إلى المشايخ كالشيخ أحمد الرفاعي أو الشيخ يونس أو الشيخ عدي أو غيرهم؛ لأنهم متألهون بذكرهم ومحبتهم من دون الله عاكفين على قبورهم، يقبلونها، ويسجدون لها، ويستغيثون بهم، ويطلبون المغفرة وقضاء الحوائج، وهذا أصل عبادة الأوثان”([74]).

ويقول الشوكاني جوابًا عن سؤال: هل يُعذر الجاهل -أي: في شرك القبور- لقولهم: إن العمل متوقّف على العلم وكذا الوجوب؟ فأجاب رحمه الله: “من وقع في الشرك جهلا لم يُعذر؛ لأن الحجة قامت على جميع الخلق بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فمن جهل فقد أتي من قبل نفسه، بسبب الإعراض عن الكتاب والسنة”([75]).

وأعدل ما قيل في مسألة العذر بالجهل هو ما قاله الشيخ ابن عثيمين أنها من المسائل الفقهية الاجتهادية([76])، مع ملاحظة أن الظهور والخفاء أمر نسبيّ في الأغلب الأعمّ من المسائل، يختلف من شخص لآخر، ومن مكان لآخر، ومن زمانٍ لآخر.

وقد سبق نقل الخلاف في المسألة في كلام ملا علي القاري الحنفي رحمه الله([77]).

المطلب الثامن: هل يلزم من مذهب عدم العذر تكفير الصوفية أو تكفير أكثر الناس؟

الإجابة أن هذا لا يلزم، وبيان ذلك من وجهين:

الوجه الأول: ما ذكره الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني، فمع كونه من القائلين بالعذر بالجهل، إلا أنه رد على من يتهم الوهابية بالتكفير لأجل هذه المسألة، فقال ما نصه: “لا يحسن بالمنصف أن يلوم مَن قال بتكفير الداعي والمستغيث والمعتقد على الوجه المذكور، وإن لزم على قولهم تكفير أكثر الأمة، كما أنه لا يجترئ مسلم على القدح في الإمام أحمد بن حنبل في قوله: إن مَن تَرَك صلاةً من الفرائض فقد ارتدّ، وإن كان يعترف بوجوبها مع أنه يلزم على هذا القول أن أكثر الأمة مرتدون؛ لأنه ما من مدينة من المدن التي يسكنها المسلمون إلا وتاركو الصلاة منهم أكثر من المصلين، وإذا عطفت النظر إلى المصلين وجدت كثيرًا منهم لا يصحّحون صلاتهم مع إمكان التعلم، فهم مع ذلك غير معذورين، فيلتحقون بالتاركين بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم للمسيء صلاته: «صلّ فإنك لم تصلِّ»([78]).

الوجه الثاني: أن المسألة نظرية أكثر منها عملية؛ لأنه يصعب تتبّع تصرفات الناس وأحوالهم؛ وذلك لأن مراتب الأمور الشركية متفاوتة، فمنها ما هو مقطوعٌ بشركيته كالدعاء المباشر فيما لا يقدر عليه إلا الله، ومنه ما ليس مقطوعًا بشركيته وفيه نظر، كطلب الدعاء من الميت، ومنه ما هو بدعة ووسيلة للشرك كالتبرك والطواف حول القبر بغير نية العبادة، ومنه أمور ليست شركية أساسًا كالتوسل بالصالحين، أو زيارة القبور ونحو ذلك مما أجازه جمهور المذاهب الأربعة حتى من الحنابلة وأهل الحديث.

فإذا علمت ذلك فإنه يصعب تتبّع كل فردٍ من أفراد الصوفية، ومراقبة أحوالهم وتصرفاتهم عند الأضرحة؛ لأن هناك من يتوسل، وهناك من يطوف، وهناك من يزور، وهناك من ليس هذا ولا ذاك وإنما يذهب للصلاة والذكر فقط، إلى غير ذلك.

والله عز وجل لم يكلّفِ المسلم بمراقبة أحوال الناس ولا تصرّفاتهم؛ لأن هذا من التنطع والتكلف المنهي عنه، ولأن الأصل في المسلم الإسلام، والكفر هو الطارئ، ولا يُزال اليقين بمجرد الشك والتخرُّص.

ووفق ما سبق: فإن الإلزام بتكفير الناس لا يلزم النجدية بحال، ورسائلهم طافحة بالتبرؤ من تكفير الأمة.

والشاهد مما سبق: أنّ القضية نظريَّة أكثر منها عملية؛ لأن الشرع لم يأمر بمراقبة الناس، والخلاف -ما دام محصورًا بين أهل العلم لا بين الجهال والغلاة- فيقترب من الخلاف النظري الاعتباري.

ومن كان مستحقًّا للتكفير فإنه يكفر ولا مشكلة في هذا، ولا ينبغي الاستحياء من تكفير من كان مُستحقًّا لذلك، فهذه النزعة الموجودة عند بعض مناوئي الدعوة هي نزعة إرجائية غالية، لم يعرفها فقهاء المسلمين، فقد جرى الفقهاء على التكفير بألفاظ هي أيسر من دعاء غير الله، حتى قال بعضهم: إن من قال لرجل يريد أن يُسلم: انتظر حتى تغتسل: ارتدَّ عن الإسلام! فكيف بمن يدعو غير الله ويُسبغ عليه كلامًا لا يليق إلا به؟!

وقد كفَّر الفقهاء بألفاظ يسيرة ولم يعذروا فيها بالجهل، وقد ذكر كثيرًا منها الإمام القرافي المالكي في الفروق، فقال بعد أن ذكر بعض الأدعية الكفرية: “فينبغي للسائل أن يحذر هذه الأدعية وما يجري مجراها حذرا شديدا؛ لما تؤدّي إليه من سخط الديان والخلود في النيران وحبوط الأعمال وانفساخ الأنكحة واستباحة الأرواح والأموال، وهذا فساد كله يتحصّل بدعاء واحد من هذه الأدعية، ولا يرجع إلى الإسلام ولا ترتفع أكثر هذه المفاسد إلا بتجديد الإسلام والنطق بالشهادتين، فإن مات على ذلك كان أمره كما ذكرناه، نسأل الله تعالى العافية من موجبات عقابه، وأصل كل فساد في الدنيا والآخرة إنما هو الجهل، فاجتهد في إزالته عنك ما استطعت، كما أنّ أصل كل خير في الدنيا والآخرة إنما هو العلم، فاجتهد في تحصيله ما استطعت، والله تعالى هو المعين على الخير كله”([79]).

وقد صرح كثير من الفقهاء أنه يجري على ألسنة العامة أمور كفرية تخرجهم من الإسلام، كما ذكر الهيتمي والدمياطي([80])، بل قد بالغ بعضهم كالسنوسي والبيجوري والخليلي، وصرحوا أن كثيرًا من أهل البادية مرتدون لاعتقاداتهم الباطلة، كما سبق بيانه في أول هذا البحث.

فإذا كان هذا كلام كثير من الأشعرية ولم نر أحدًا اتهمهم بالتكفير بغير حق -مع أن بعض ما ذكروه من مُكفرات لا يُسلَّم لهم فيها- فما الذي يمنع شرعًا وعقلًا تكفير من يدعو غير الله تعالى ويُسبغ على المخلوق كلمات لا تجوز إلا في حق الخالق؟!

الخاتمة:

إنَّ الناظر بعين الإنصاف والتحرُّر من التعصّب لا يسعه إلا أن يُسلِّم أن النجديين لم يخرجوا عن سنن الفقهاء السابقين، بل هم تابعون لهم معظِّمون لفقهاء هذه الأمة المحمدية من المذاهب الأربعة، كما أنهم لم يُكفِّروا الناس بغير حقّ، سواء اتفقنا أو اختلفنا معهم في مسائل، فيبقى الخلاف في الإطار العلمي المقبول، ولا عبرة بالجهال أو الجماعات المتطرفة، أو طلاب العلم الذين ينتسبون إليهم ثم فهموا كلامهم باللوازم ولم يلتزموا بضوابطهم، والعبرة بكلام أهل العلم من واقع كتبهم.

هذا، وصلِّ اللهم على نبينا محمدٍ وآله وصحبه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة (2/ 531، 533).

([2]) من كتاب: الإيمان والرد على أهل البدع (ص: ٥٣)، مطبوع ضمن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ونقلها أيضا صاحب كتاب (علماء نجد وغيرهم).

([3]) حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر (1/ 839).

([4]) كتاب الإجازة العلمية في نجد، قراءة استقرائية (2/ 518-521). وانظر: مخطوط الإجازة بخط المُجيز محفوظة بمكتبة ليدن برقم (2496).

([5]) انظر: علماء نجد خلال ثمانية قرون (1/ 438).

([6]) مشاهير علماء نجد وغيرهم للبسَّام (1/ 302).

([7]) لسان العرب (5/ 144).

([8]) كتاب الأم (9/ 206).

([9]) تاريخ بغداد (1/ 536).

([10]) تاريخ الفاخري (ص: 139).

([11]) تاريخ ابن لعبون (ص: 191).

([12]) الإخوان السعوديون في عقدين (9/ 204).

([13]) البدر الطالع (1/ 182).

([14]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 145).

([15]) تاريخ الجبرتي (3/ 337).

([16]) تاريخ ابن غنام (1/ 8، 217، 225)، وانظر أيضًا: رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لعبد الله بن سحيم في تاريخ ابن غنام (1/ 210، 333).

([17]) انظر: شرح عقيدة أهل التوحيد الكبرى (ص: ٣٧)، وحاشية البيجوري على جوهرة التوحيد (ص: ٧٨).

([18]) فتاوى الخليلي (٢/ ٢٨٢).

([19]) سيف الله على من كذب على أولياء الله (ص: 27).

([20]) نيل الأوطار (4/ 95).

([21]) مفاتيح الغيب (16/ 58).

([22]) حاشية الصاوي على الجلالين (١/ ١٥٠).

([23]) الرسائل الشخصية (ص: 38).

([24]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 222).

([25]) الدرر السنية (12/ 177).

([26]) الدرر السنية (8/ 270).

([27]) الدرر السنية (11/ 172).

([28]) كتاب الإيمان والرد على أهل البدع -مطبوع ضمن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية- (ص: 21).

([29]) الكلمات النافعة عن المكفرات الواقعة (ص: 9).

([30]) نقض المنطق (ص: 120).

([31]) منهاج السنة النبوية (6/ 150).

([32]) فتاوى نور على الدرب (1/ 258).

([33]) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (2/ 231).

([34]) الدرر السنية (2/ 43).

([35]) مؤلفات الشيخ -القسم الثالث، الفتاوى- (ص: 59، 60، 68، 69).

([36]) الدرر السنية (2/ 165-166).

([37]) الجيش العرمرم الخماسي، أكنسوس (1/ 291-292)، والإعلام بمن حلَّ مراكش وإغمات من الأعلام، عباس السملالي (6/ 171).

([38]) فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (1/ 109).

([39]) نواقض الإيمان القولية والعملية (ص: 278).

([40]) مجموع الفتاوى (4/ 361).

([41]) مطالب أولي النهى (6/ 278).

([42]) وحجتهم في ذلك أن سجود التشريف إنما كان معروفا في الأمم السابقة، فمن فعله من هذه الأمة فإنما أتى بمظهر من مظاهر العبادة.

([43]) حاشية الجمل على شرح المنهج (7/ 571).

([44]) تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 90).

([45]) صيانة الإنسان (ص: 238).

([46]) التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم رقم (1359).

([47]) تعليق الشيخ ابن باز على فتح الباري (2/ 575). وينظر: شرح صحيح البخاري، الراجحي (2/ 708).

([48]) رسالة تقوية الإيمان (ص: 35).

([49]) تسهيل العقيدة الإسلامية (ص: 243).

([50]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 222).

([51]) كتاب الشفا (2/ 231).

([52]) مجمع الأنهر (1/ 696).

([53]) شرح الفقه الأكبر (ص: 244-245).

([54]) الأشباه والنظائر (ص: 200).

([55]) الإعلام بقواطع الإسلام (1/ 185).

([56]) غاية الأماني في الرد على النبهاني (ص: 281).

([57]) منهاج التأسيس (ص: 267).

([58]) الإعلام بقواطع الإسلام (ص: ٢١٣).

([59]) فتاوى الفقيه ولي الدين أبي زرعة العراقي (ص: ١٦٦-١٦٨).

([60]) ينظر: الجواهر والدُرر للسخاوي (ص: ٩٤٤).

([61]) الرد المحكم المتين، ونقله الدكتور فاروق حمادة في كتابه: الحافظ الناقد عبد الله الغماري (ص: 95).

([62]) إحياء المقبور (ص: 19).

([63]) صيانة الإنسان من وسوسة الشيخ دحلان (ص: 213).

([64]) الشفا (2/ 1065).

([65]) الملل والنحل (2/ 94).

([66]) الصارم المنكي في الرد على السبكي (1/ 325).

([67]) ينظر: نهاية المحتاج (7/ 414).

([68]) إعانة الطالبين في حل ألفاظ فتح المعين (4/ 149).

([69]) إكفار الملحدين في ضروريات الدين (ص: 68).

([70]) الاقتصاد في الاعتقاد (ص: 160).

([71]) إكفار الملحدين في ضروريات الدين، الكشميري (ص: 68).

([72]) مفاتيح الغيب (14/ 232).

([73]) ينظر: تلبيس إبليس (ص: 448).

([74]) من كتاب الكبائر لابن القيم -وهو مفقود- نقلًا من العقد الثمين للسويدي (ص: 125).

([75]) الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (1/ ١٤٥).

([76]) مجموع فتاوى الشيخ العثيمين (2/ جواب السؤال 224).

([77]) شرح الفقه الأكبر (ص: 244-245).

([78]) تحقيق الكلام في المسائل الثلاث -ضمن آثار المعلمي اليماني- (4/ 448).

([79]) الفروق (4/ 265) -عالم الكتب-.

([80]) ينظر: إعانة الطالبين (4/ 149).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

دعوى غلو النجديين وخروجهم عن سنن العلماء

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تكثر الدعاوى حول الدعوة النجدية، وتكثر الأوهام حول طريقتهم سواء من المخالفين أو حتى من بعض الموافقين الذين دخلت عليهم بعض شُبه الخصوم، وزاد الطين بلة انتسابُ كثير من الجهال والغلاة إلى طريقة الدعوة النجدية، ووظفوا بعض عباراتهم -والتي لا يحفظون غيرها- فشطوا في التكفير بغير حق، وأساؤوا […]

التحقيق في موقف ابن الزَّمْلَكَاني من ابن تيّمِيَّة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: يُعتَبَر ابن الزَّمْلَكَاني الذي ولد سنة 667هـ مُتقاربًا في السنِّ مع شيخ الإسلام الذي ولد سنة 661هـ، ويكبره شيخ الإسلام بنحو ست سنوات فقط، وكلاهما نشأ في مدينة دمشق في العصر المملوكي، فمعرفة كلٍّ منهما بالآخر قديمة جِدًّا من فترة شبابهما، وكلاهما من كبار علماء مذهبِه وعلماء المسلمين. […]

الشَّبَهُ بين شرك أهل الأوثان وشرك أهل القبور

مقدمة: نزل القرآنُ بلسان عربيٍّ مبين، وكان لبيان الشرك من هذا البيان حظٌّ عظيم، فقد بيَّن القرآن الشرك، وقطع حجّةَ أهله، وأنذر فاعلَه، وبين عقوبته وخطرَه عليه. وقد جرت سنة العلماء على اعتبار عموم الألفاظ، واتباع الاشتقاق للأوصاف في الأفعال، فمن فعل الشرك فقد استوجب هذا الاسمَ، لا يرفعه عنه شرعًا إلا فقدانُ شرط أو […]

هل مُجرد الإقرار بالربوبية يُنجِي صاحبه من النار؟

مقدمة: كثيرٌ ممن يحبّون العاجلة ويذرون الآخرة يكتفون بالإقرار بالربوبية إقرارًا نظريًّا؛ تفاديًا منهم لسؤال البدهيات العقلية، وتجنُّبا للصّدام مع الضروريات الفطرية، لكنهم لا يستنتجون من ذلك استحقاق الخالق للعبودية، وإذا رجعوا إلى الشرع لم يقبَلوا منه التفصيلَ؛ حتى لا ينتقض غزلهم مِن بعدِ قوة، وقد كان هذا حالَ كثير من الأمم قبل الإسلام، وحين […]

هل كان شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني أشعريًّا؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: مِن مسالك أهل الباطل في الترويج لباطلهم نِسبةُ أهل الفضل والعلم ومن لهم لسان صدق في الآخرين إلى مذاهبهم وطرقهم. وقديمًا ادَّعى اليهود والنصارى والمشركون انتساب خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام إلى دينهم وملَّتهم، فقال تعالى ردًّا عليهم في ذلك: ﴿‌مَا ‌كَانَ ‌إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّا وَلَا نَصۡرَانِيّا وَلَٰكِن كَانَ […]

هل علاقة الوهابية بالصوفية المُتسنِّنة علاقة تصادم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تعتبر الصوفيةُ أحدَ المظاهر الفكرية في تاريخ التراث والفكر الإسلامي، وقد بدأت بالزهد والعبادة وغير ذلك من المعاني الطيِّبة التي يشتمل عليها الإسلام، ثم أصبحت فيما بعد عِلمًا مُستقلًّا يصنّف فيه المصنفات وتكتب فيه الكتب، وارتبطت بجهود عدد من العلماء الذين أسهموا في نشر مبادئها السلوكية وتعدَّدت مذاهبهم […]

مناقشة دعوى بِدعية تقسيم التوحيد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة    مقدّمة: إن معرفة التوحيد الذي جاء به الأنبياء من أهم المهمّات التي يجب على المسلم معرفتها، ولقد جاءت آيات الكتاب العزيز بتوحيد الله سبحانه في ربوبيته وأنه الخالق الرازق المدبر، قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]، كما أمر الله تبارك وتعالى عباده […]

اتفاق علماء المسلمين على عدم شرط الربوبية في مفهوم العبادة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدّمة: كنّا قد ردَدنا في (مركز سلف) على أطروحة أحد المخالفين الذي راح يتحدّى فيها السلفيين في تحديد ضابط مستقيم للعبادة، وقد رد ردًّا مختصرًا وزعم أنا نوافقه على رأيه في اشتراط اعتقاد الربوبية؛ لما ذكرناه من تلازم الظاهر والباطن، وتلازم الألوهية والربوبية، وقد زعم أيضًا أن بعض العلماء […]

هل اختار السلفيون آراءً تخالف الإجماع؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: كثير من المزاعم المعاصرة حول السلفية لا تنبني على علمٍ منهجيٍّ صحيح، وإنما تُبنى على اجتزاءٍ للحقيقة دونما عرضٍ للحقيقة بصورة كاملة، ومن تلك المزاعم: الزعمُ بأنَّ السلفية المعاصرة لهم اختيارات فقهية تخالف الإجماع وتوافق الظاهرية أو آراء ابن تيمية، ثم افترض المخالف أنهم خالفوا الإجماع لأجل ذلك. […]

الألوهية والمقاصد ..إفراد العبادة لله مقصد مقاصد العقيدة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: مما يكاد يغيب عن أذهان بعض المسلمين اليوم أن العبودية التي هي أهمّ مقاصد الدين ليست مجرد شعائر وقتيّة يؤدّيها الإنسان؛ فكثير من المسلمين لسان حالهم يقول: أنا أعبدُ الله سبحانه وتعالى وقتَ العبادة ووقتَ الشعائر التعبُّدية كالصلاة والصيام وغيرها، أعبد الله بها في حينها كما أمر الله […]

تحقيق القول في زواج النبي ﷺ بأُمِّ المؤمنين زينب ومعنى (وتخفي في نفسك ما الله مبديه)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لهج المستشرقون والمنصّرون بالطعن في مقام النبي صلى الله عليه وسلم بسبب قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، حتى قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: (دُعاة النصرانية يذكرون هذه الفرية في كل كتابٍ يلفِّقونه في الطعن على الإسلام، والنيل من […]

جُهود الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي في نشر الدعوة السلفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي من العلماء البارزين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد برزت جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تأثر رحمه الله بالمنهج السلفي، وبذل جهودًا كبيرة في نشر هذا المنهج وتوعية الناس بأهميته، كما عمل على نبذ البدع وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تنشأ في […]

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017