الاثنين - 07 ذو القعدة 1446 هـ - 05 مايو 2025 م

(الاستواء معلوم والكيف مجهول) نصٌ في المسألة، وعبث العابثين لا يلغي النصوص

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فقد طُبِع مؤخرًا كتاب كُتِبَ على غلافه: (الاستواء معلوم والكيف مجهول: تقرير لتفويض المعنى لا لإثباته عند أكثر من تسعين إمامًا مخالفين لابن تيمية: فكيف تم تحريف دلالتها؟).

وعند مطالعة هذا الكتاب تعجب من مؤلفه كيف ركب الصعب والذلول لإثبات شذوذ ابن تيمية في منع تفويض المعنى، مع مخالفة المؤلف فيه لاعتقاد السلف في مسائل أصلية، كإثبات العلو لله تعالى، وإثبات الصفات الاختيارية، وتسويغه التأويل أو التفويض.

وقد انطلق المؤلف من جواب الإمام مالك: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)، واعتمد المؤلف في تفسيرها اعتمادًا تامًا أو قريبًا منه على كتب الأشاعرة، سواء ما كان منها مختصًا بمسائل الكلام، أو ما جاء في شرح حديثٍ أو تفسير آية.

ورجع أيضًا إلى كتب شيخ الإسلام وكثير من الدراسات السلفية المعاصرة، بهدف إثبات شذوذ أصحابها، الذي هو شذوذ عن قول الأشاعرة في حقيقة الأمر، وهو ليس مما يذم صاحبه في معيار الشرع.

ولما كان مركز سلف للبحوث الدراسات معتنيًا بمتابعة الدراسات الجديدة للمخالفين، وبيان ما فيها من أوجه التضليل والتزييف، جاءت هذه الورقة العلمية لتسلط الضوء على بعض المآخذ على هذا الكتاب، بقصد الذب عن منهج السلف الصالح رضي الله عنهم، واعتقاد القرون الثلاثة الأولى المفضلة.

مركز سلف للبحوث والدراسات

 

 

أولًا: التعقبات المتعلقة بإثبات صفة العلو لله تعالى:

سار المؤلف على طريقة الجهمية في نفي صفة العلو لله تعالى، وهو يسميها إثبات الجهة تشنيعًا، ويجعلها عقيدة فرعون([1]).

وسأورد هنا عددًا من التعقبات على ما ذكره المؤلف في نفي هذه الصفة، القصد منها بيان أوهامه في تصوّر المذاهب ونسبة الأقوال في هذه المسألة، دون خوضٍ في الرد على شبهات منكري العلو، كالشبهات التي ذكرها أبو عبد الله الرازي وغيره، ودون الخوض أيضًا في تقرير الأدلة على إثبات صفة العلو للباري تعالى، فقد صنّف الأئمة في ذلك مصنفاتٍ، ومن أحسنها بيان تلبيس الجهمية لشيخ الإسلام، وكتاب العلو للإمام الذهبي، واجتماع الجيوش الإسلامية والنونية لابن القيم.

  • نسبة المؤلف لابن تيمية القول: بأن العالم داخل في الله تعالى:

اتهم المؤلف شيخَ الإسلام ابن تيمية بأنه يقول بأن العالم داخل في الله، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا!!

يقول: (ولا قائل من علماء المسلمين بأن العلو في صفة الله تعني إحاطةَ ذات الله عز وجل بخلقه حتى عند من أثبت جهة العلو لله تعالى، اللهم إلا أن يكون من أهل الحلول والاتحاد).

ثم قال في الهامش: (اللهم إلا ظاهرَ عبارةٍ لابن تيمية، تدل على أن الله تعالى عنده محيطٌ بالعالم فإن أراد ما يبدو عليه ظاهر كلامه هذا، مع تقريره عن كروية الأرض والأفلاك والسموات، لزم منه أن يكون الله محيطًا بالعالم، وكأن العالم داخل الله ! تعالى الله وتقدّس عن ذلك)([2]).

فقد حكى الإجماع على نفي أن يكون المراد بالعلو أن يكون العالم داخل في الله تعالى، ثم استثنى من ذلك قول أهل الحلول والاتحاد، وابن تيمية -في ظاهر كلامه -.

ولعل هذا من المواضع التي يمكن القول بأن المؤلف تقوَّل فيها على ابن تيمية تقوُّلًا صريحًا، لم أجد له فيه عذرًا، سوى أن يكون قد ظنّ أن كثرة اتهامه لابن تيمية بالشذوذ والانفراد عن السلف والخلف، وسعيه في تقرير ذلك بأساليب متنوعة،  ظن أن ذلك كله قد هيأ القارىء لقبول أي شيء يلقيه عليه مما ينسبه لابن تيمية، ولو كان كذبًا وبهتانًا.

فإنه لا يُحصَى عدد المواضع التي بين فيها ابن تيمية مباينة الله تعالى للعالم، والمباينة تنافي المداخلة التي يدعي المؤلف أن ابن تيمية يقول بها.

يقول ابن تيمية في ردّه على الرازي: (قد يكون الحيز تارة موجودًا وتارة معدومًا، فإنه إذا كان في الأزل وحده، لم يكن معه شيء موجود، فضلاً عن أن يكون في شيء موجود.

ثم لما خلق العالم: فإما أن يكون مداخلاً للعالم، وإما أن يكون مباينًا له.

وإذا امتنع أن يكون هو نفسه داخل العالم، أو دخل العالم فيه، وجب أن يكون مباينًا له.

وإذا كان مباينًا للعالم، أمكن أن يكون فوق العالم، ويكون ما يسمى حينئذ مكانًا أمرًا وجوديًا.

ولا يلزم أن يكون ملازماً له، فلا يلزم قدم المخلوقات، ولا افتقاره إلى شيء منها، بل كان مستغنياً عنها، وما زال مستغنياً عنها وإن كان عالياً عليها.

فعلوه على العرش وعلى غيره من المخلوقات لا يوجب افتقاره إليه، فإن السماء عالية على الأرض وليست مفتقرة إليها، والهواء عال على الأرض وليس مفتقراً إليها، وكذلك الملائكة عالون على الأرض وليسوا مفتقرين إليها، فإذا كان المخلوق العالي لا يجب أن يكون مفتقراً إلى السافل، فالعلي الأعلى، الخالق لكل شيء والغني عن كل شيء، أولى أن لا يكون مفتقراً إلى المخلوقات مع علوه عليها)([3]).

وليس لابن تيمية في هذه المسألة كلامٌ يدل ظاهره على أن العالم داخل في الله تعالى، وإنما السر في هذا أن المؤلف نقل شبهة ذكرها أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي في كتابه (تأسيس التقديس) في الرد على القائلين بالجهة، وادعى بناءً عليها أن القول بكروية الأرض يلزم منه نفي العلو لله تعالى.

قال المؤلف: (ولكن يُبطل هذا الاستدلال حقيقة كروية الأرض، والتي تجعل جهة العلو التي يستشعرها المتوجهون إلى الله تعالى في الدعاء والاستغاثة ليست جهة واحدة من الجهات الست؛لأن العلو الحسي لمن كان في القطب الشمالي من الأرض هو سُفل لأهل القطب الجنوبي، والعلو لأهل خط الاستواء أمامٌ أو خلفٌ لأهل القطبين، وهكذا سيكون العلو لأهل الأرض محيطًا بالأرض من جميع جهاتها، فكيف يستقيم الاستدلال بتوجه أهل الأرض لجهة العلو على أنهم يثبتون جهة خاصة يسمونها بالعلو ؟!)([4]).

وهذا الكلام هو عين كلام فخر الدين الرازي في (تأسيس التقديس)([5]) في البرهان الخامس من البراهين التي ذكرها على أنه تعالى ليس مختصًا بشيء من الأحياز والجهات، وقد أبطل شيخ الإسلام كلامه في (بيان تلبيس الجهمية)([6]).

فبدلًا من أن ينقل المؤلف هذه الحجة عن صاحبها اكتفى بتقريرها وكأنها مسلمة مجمعٌ عليها، ثم لم يجب عن معارضات شيخ الإسلام لها، وإنما اكتفى بتشويه قوله، وهذا دليل عجزٍ.

والسؤال: لماذا لم يحرر مذهب ابن تيمية؟ لعل الجواب عن ذلك في ما قاله المؤلف معلقًا على تفسير الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله لكلمة الإمام ابن أبي زيد القيرواني، حيث قال: (ولعل شافعيةَ العزِّ ابن عبد السلام لا تجعله متحمِّسًا لتحرير مذهب ابن أبي زيد المالكي ، ولذلك اقتصر في الجواب عن ظاهر العبارة ، وترك تحريرَ مذهبِ هذا الإمام المالكي للمالكِيّينَ ، وهذا ما عمله أئمةُ المالكية في الواقع ، فَوَفَوْا وكَفَوْا ، كما رأيتَ فيما سبق ، وكما سترى فيما يأتي)([7]).

فإن كانت المخالفة المذهبية سببًا للكلام في تفسير مذهب العالم دون تحريره: فالمؤلف لمخالفته لابن تيمية في عقيدته لم يكن متحمسًا لتحرير كلامه، وجمعه، وتفسير بعضه ببعض، فاقتصر على تفسير ما توهمه من عبارته، لكنه لم يترك تحرير كلامه لمن هو أدرى وأخبر منه بكلام ابن تيمية، كما نسب ذلك إلى العز في تعامله مع كلمة ابن أبي زيد، بل استطال عليهم في كتابه هذا كثيرًا، واستخف بهم، كما في قوله في أحد المواضع من كتابه هذا: (ولكني سأُقيم الآن على هذا النص درسًا عمليًّا لطريقة الفهم، عسى أن يتعلَّم المتعلِّم، ويرتدع المتعالم!)([8]).

  • إيهام المؤلف أن القاضي أبا بكر ابن الباقلاني موافق لمتأخري الأشعرية في قولهم في نفي العلو:

نقل المؤلف عن القرطبي قوله: (والسادس: قولُ الطبري، وابن أبي زيد، والقاضي عبد الوهاب، وجماعةٍ من شيوخ الحديث والفقه، وهو ظاهرُ بعض كتب القاضي أبي بكر، وأبي الحسن، وحكاه عنه – أعني عن القاضي أبي بكر القاضي عبد الوهاب – نصًّا، وهو أنه سبحانه مستوٍ على العرش بذاته، وأطلقوا في بعض الأماكن: فوق عرشه. قال الإمام أبو بكر: «وهو الصحيح الذي أقول به، من غير تحديد)([9]).

ثم علق المؤلف في الهامش بما يأتي: (السلفي المعاصر إذا وقف على هذه العبارة للباقلاني (إمام الأشعرية في زمنه) تَوهّم أو أوهم أنها تدل على ما ينسبه هو للسلف، ويجعل الباقلاني بذلك قد رجع عن أشعريته ! أو تناقض ! أو حصل له شيءٌ  لا ندري ما هو  أنطقه بالحق خِلافًا لمعتقده !! وقد يتحذلق هذا الجاهلُ فينتقد السُّلُوبَ الواردة في كلام الباقلاني، فيقول: «قوله «مستوٍ على العرش بذاته، فوق عرشه » هو مذهب السلف، ولكن ليس من منهج السلف أن ينفوا الألفاظ المجملة التي لم يَرِد في الكتاب ولا في السنة نَفْيُها ولا إثباتُها: كالحدّ والمكان والتمكّن والمماسّة ». فيتغافل عن دلالة هذه المنفيات، ليجعل الباقلاني موافقا للمعتقد الذي ينسبه للسلف.

هذا التحذلقُ ونحوه مما يتعالمون به باغترارٍ بائسٍ دائما، وكرّروه حتى استقاءت وَخامتَه العلومُ والعقولُ ! فهم لا يعلمون (أو يعلمون ويتغافلون تدليسًا وتعصبًا للباطل) أن الأشعري إذا قال: «مستوٍ على العرش بذاته، فوق عرشه » لا يقصد إثبات الجهة كما يقصدون، ولا يقصد إثبات القدر المشترك للاستواء والفوقية، وإنما يقصد إثبات اللفظ كما ورد، وأنه صفةٌ ذاتية لله تعالى، وأنه صفة أزلية، لم تَحدُثْ بعد خَلْق العرش في ذات الله، ولذلك يقولون (كما قال القرطبي) وإنما خُصّ العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات. فهذا أحد قولي الأشعرية في هذا الباب، وليس هو رجوعًا منهم عن أشعريتهم إلى إثبات المعنى الذي يُثبته التيميّون.

يقول الباقلاني في (رسالة الحرة): «أنه تعالى متقدِّسٌ عن الاختصاص بالجهات، والاتصاف بصفات المحدَثات، وكذلك لا يوصف بالتحوِّل والانتقال، ولا القيام ولا حَدُ﴾ۢ؛ القعود، لقوله تعالى ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِ شيء﴾، وقوله ﴿وَلَمۡ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أ ولأن هذه الصفات تدل على الحدوث، والله تعالى يتقدّس عن ذلك. فإن قيل: أليس قد قال ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلىَ ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ ﴾ ؟ قلنا: بلى، قد قال ذلك، ونحن نطلق ذلك وأمثالَه على ما جاء في الكتاب والسنة، ولكن ننفي عنه أمارة الحدوث، ونقول: استواؤه لا يُشبه استواءَ الخلق، ولا نقول إن العرش له قرار ولا مكان؛لأن الله تعالى كان ولا مكان، فلما خلق المكان لم يتغيَّر عما كان.

قال أبو عثمان المغربي يوما لخادمه محمد المحبوب: لو قال لك قائل: أين معبودك؟ ماذا كنتَ تقول له ؟ فقال: أقول حيث لم يزل ولا يزول. قال: فإن قال: فأين كان في الأزل ؟ ماذا تقول ؟ فقال: أقول حيث هو الآن. يعني: إنه كما كان ولا مكان قلت: هذا قول القاضي أبي بكر في كتاب (تمهيد الأوائل) له، وقد ذكرناه.

وقال أبو عثمان: كنتُ أعتقد شيئًا من حديث الجهة، فلما قدمتُ بغداد وزال ذلك عن قلبي، فكتبتُ إلى أصحابنا: إني قد أسلمتُ جديدًا. وقد سُئل الشِّبْلي عن قوله تعالى ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلىَ ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ ﴾، فقال: الرحمن لم يزل ولا يزول، والعرش محدَث، والعرش بالرحمن استوى. وقال جعفر بن محمد الصادق: من زعم أن الله تعالى في شيء أو من شيء أو على شيء: فقد أشرك؛لأنه لو كان على شيء لكان محمولا، ولو كان في شيء لكان محصورًا، ولو كان من شيء لكان محدَثًا، والله يتعالى عن جميع ذلك ». الإنصاف فيما يجب اعتقاده (وهو رسالة الحرة) لأبي بكر الباقلاني  تحقيق: عماد الدين أحمد حيدر. عالم الكتب: 1407هـ. (64-66).

وقال الباقلاني أيضًا في كتابه المصنَّف لنصرة الأشعرية، وهو كتاب (التمهيد): «فهل تقولون: إنه في كل مكان ؟ قيل: معاذ الله ! بل هو مستوٍ على العرش، كما أخبر في كتابه فقال: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلىَ ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ ﴾، وقال: ﴿ إِلَيۡهِ ‌يَصۡعَدُ ‌ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرۡفَعُهُ﴾ وقال: ﴿ءَأَمِنتُم ‌مَّن ‌فِي ‌ٱلسَّمَآءِ أَن يَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾.

التمهيد للباقلاني تحقيق: الأب رتشرد يوسف مكارثي اليسوعي. المكتبة الشرقية: بيروت. سنة: 1376 ﻫ = 1957 م  (260).

وكلام الباقلاني وغيره من الأشعرية أكثر من أن يُحصى، وفي هذا الكتاب نماذج كثيرة منه، ليعلم المنتسبون للسلفية ما الذي يخالفون فيه الأشعرية وما الذي يوافقونهم فيه!)([10]).

هذا هو كلام المؤلف بطُوله، والعبرة ليست في تكثير النقولات والإطالة فيها، فكلام الباقلاني في (التمهيد) و(رسالة الحرة) معروف وهو في متناول الأيدي، لكن العبرة في فهم كلامه على وجهه.

وفي الكلام على مذهب القاضي أبي بكر الباقلاني في مسألة الاستواء والعلو أمور:

أولًا: القاضي أبو بكر الباقلاني من القائلين بأن الله تعالى فوق العرش وليس بجسمٍ،  وهو كقول غيره من متقدّمي الأشاعرة.

قال شيخ الإسلام: (وابن رشد هذا، مع خبرته بكلام هؤلاء وموافقته لهم، يقول: إن جميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله والملائكة في السماء، كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك، وقرر ذلك بطريق عقلية من جنس تقرير ابن كلاب والحارث المحاسبي، وابن العباس القلانسي، والأشعري والقاضي أبي بكر، وأبي الحسن التميمي، وابن الزاغوني، وأمثالهم ممن يقول إن لله فوق العرش وليس بجسم.

وقال هؤلاء المتفلسفة كما يقوله هؤلاء المتكلمون الصفاتية: إن إثبات العلو لله لا يوجب إثبات الجسمية، بل ولا إثبات المكان، وبناء ذلك على أن المكان هو السطح الباطن من الجسم الحاوي الملاقي للسطح الظاهر من الجسم المحوي، وهذا قول أرسطو وأتباعه)([11]).

ثانيًا: قول من قال إن الله تعالى فوق العرش وليس بجسم أقرب للعقل والفطرة من قول من قال: إن الله تعالى لا داخل العالم ولا خارجه، كما يقوله متأخرو الأشعرية.

قال شيخ الإسلام: (إذا عرضنا على العقل وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه، ولا مباين له ولا محايث له، ووجود موجود مباين للعالم فوقه وهو ليس بجسم، كان تصديق العقل بالثاني أقوى من تصديقه بالأول، وهذا موجود في فطرة كل أحد، فقبول الثاني أقرب إلى الفطرة ونفورها عن الأول أعظم.

فإن وجب تصديقكم في ذلك القول الذي هو عن الفطرة أبعد كان تصديق هؤلاء في قولهم أولى)([12]).

ونص القاضي أبي بكر في (التمهيد) – والذي نقله المؤلف – دال دلالة ظاهرة على أنه لا يقول بأن الله تعالى لا داخل العالم ولا خارجه.

قال شيخ الإسلام بعد أن أورد كلام القاضي في (التمهيد): (فقد وافق القاضي أبو بكر لأبي الحسن الأشعري، وأنكر أن يكون في كل مكان، وجعل مقابل ذلك أنه على العرش، لم يجعل مقابل ذلك أنه لا داخل العالم ولا خارجه، فإن الأقسام أربعة ليس لها خامس: إما أن يكون نفسه مبايناً للعالم، وإما أن يكون مداخلاً له، وإما أن يكون مبايناً ومداخلاً، وإما أن يكون لا مبايناً ولا مداخلاً.

فهؤلاء جعلوا مقابلة المُداخلةَ: المباينةَ، ولم يقولوا: لا داخل العالم ولا خارجه، وهؤلاء أئمة طوائفهم)([13]).

ثالثًا: قول من أثبت العلو لله تعالى من الصِّفَاتية ومتكلمة أهل الإثبات ليس تفويضًا للمعنى، سيما من جعل العلو صفةً عقلية كابن كلاب.

يقول شيخ الإسلام: (كان طائفة يقولون: العلو من الصفات السمعية الخبرية، كالوجه واليد ونحو ذلك، وهذا قول طوائف من الصفاتية، ولهذا نفاه من متأخري الصفاتية من نفى الصفات السمعية الخبرية كأتباع صاحب (الإرشاد).

وأما الأشعري وأئمة أصحابه، فإنهم متفقون على إثبات الصفات السمعية، مع تنازعهم في العلو: هل هو من الصفات العقلية أو السمعية.

وأما أئمة الصفاتية كابن كلاب وسائر السلف، فعندهم أن العلو من الصفات المعلومة بالعقل، وهذا قول الجمهور من أصحاب أحمد وغيرهم، وإليه رجع القاضي أبو يعلى آخِرًا، وهو قول جمهور أهل الحديث والفقه والتصوف، وهو قول الكرامية وغيرهم.

وأما الاستواء فهو من الصفات السمعية عند من يجعله من الصفات الفعلية بلا نزاع، فإن ذلك لم يعلم إلا بالسمع)([14]).

على أن مقتضى ما ذكره المؤلف في مناقشة كلمة الإمام ابن أبي زيد القيرواني، وهي أن الله تعالى فوق العرش المجيد بذاته؛ مقتضى ما ذكره هو تخطئة الباقلاني أيضًا، فإن الباقلاني صرح بأن الله تعالى فوق العرش، وإن لم يصرح بلفظ (بذاته)، وهذا ما بحث فيه المؤلف في كلامه عن كلمة ابن أبي زيد حيث قال في شرح لقول من خطأ ابن أبي زيد: (ومن مُخَطِّئٍ لأن العبارة أضافت ما لم يَرِد في النصِّ فقط، وهو لفظ «بذاته »، وإضافة الفوقية على العرش، والسمع إنما ورد بـ﴿ٱسۡتَوَىٰ عَلىَ ٱلۡعَرۡشِ﴾، ولم يَرِد بـ(فوق العرش). وإلا فالعبارة عندهم صحيحةُ المرادِ من قائلها، ولا تخرج عن تفويض المعنى. لكنّ منهج تفويض المعنى يُوجب الاكتفاء باللفظ الوارد في أدلة السمع دون زيادة عليه، وأدلة السمع لم تقل: استوى بذاته، ولا أنه تعالى فوق عرشه بذاته)([15]).

فقوله: (وإضافة الفوقية على العرش، والسمع إنما ورد بـ﴿ٱسۡتَوَىٰ عَلىَ ٱلۡعَرۡشِ﴾، ولم يَرِد بـفوق العرش): فيه تخطئة لابن الباقلاني أيضًا.

  • ما ذكره المؤلف من احتمالية كون أبي نصر السجزي موافقًا للأشعرية في نفي العلو:

على الرغم من وضوح مباينة الإمام أبي نصر السجزي للأشعرية في كتابه (الرد على من أنكر الحرف والصوت)، وتصريحه بذمّهم وتبديعهم في مواضع كثيرة، فقد حاول المؤلف أن يصوّر السجزي على أنه غير مدرك لمذهب الأشعرية، فهو – بحسب زعمه –: (كان يَرُدُّ على تصوّره الخاص به عن الأشعرية، لا عن حقيقة مقالاتهم)([16])، وأنه شدد مع احتمال أن يكون موافقًا لهم في نفس الأمر، وأن يكون معطلًا مفوضًا في نفس الأمر.

يقول المؤلف في رده على السجزي: (وأما نفي أن يكون عز وجل في السماء، فهذا إطلاق لا يصح أيضًا؛ لأنه إن قُصد بــ(في السماء): على السماء، وإثبات صفة العلو كما وردت في النص، مع تنزيه الله تعالى عن الجهة والمكان، فلا يخالف الأشعرية في ذلك، على منهج تفويض المعنى عندهم)([17]).

ومن طالع كلام السجزي علم أنه مثبت لفوقية الله تعالى وعلوه على خلقه بلا ريب، وأن محاولة حمل كلامه في ذلك على مذهب المفوّضة لا يكون إلا بتفويض معنى كلامه، كما فعل المسناوي الدلائي في فهمه لكلمة الشيخ عبد القادر الجيلاني في إثبات الفوقية في كتابه (تنزيه ذوي الولاية والعرفان).

ولك أن تتساءل: إذا كان الخلاف بين السجزي والأشعرية نابعًا من غلط في فهمه لمذهبهم، فهل كانوا هم أيضًا غالطين في فهمهم لمذهبه حين صرحوا بذمّه؟ حتى إن إمام الحرمين الجويني سبه وشتمه ولعنه وألمح إلى استحلال دمه.

قال التقي السبكي في مطلع ردّه على نونية ابن القيم: (وها أنا أذكر مجامع ما تضمنته القصيدة ملخصًا من غير نظم، وناظمها أقل من أن أذكر كلامه، لكني تأسيت في ذلك بإمام الحرمين في كتابه المسمى بنقض كتاب السجزي.

والسجزي هذا كان محدثًا له كتاب مترجم بمختصر البيان، وجده إمام الحرمين حين جاور بمكة شرفها الله، اشتمل كتاب السجزي هذا على أمور منها أن القرآن حروف وأصوات.

قال إمام الحرمين: وأبدي من غمرات جهله فصولًا، وسوى على قصبة سخافة عقله نصولا، ومخايل الحمق في تضاعيفها مصقولة، وبعثات الحقائق دونها معقولة.

وقال إمام الحرمين أيضًا: وهذا الجاهل الغر المتمادي في الجهل المصر، يتطلع إلى الرتب الرفيعة بالدأب في المطاعن في الأئمة والوقيعة.

وقال إمام الحرمين أيضًا: صدر هذا الأحمق الباب بالمعهود من شتمه فأفِّ له ولخرقه، فقد والله سئمت البحث عن عواره وإبداء شَنَاره.

وقال الإمام أيضًا: وقد كسا هذا التيس الأئمةَ صفاتِه.

وقال الإمام أيضًا: أبدي هذا الأحمق كلامًا ينقض آخره أوله في الصفات وما ينبغي لمثله أن يتكلم في صفات الله تعالى على جهله وسخافة عقله.

وقال الإمام أيضًا: قد ذكر هذا اللعين الطريد المهين الشريد فصولًا، وزعم أن الأشعرية يكفرون بها، فعليه لعائن الله تترى واحدة بعد أخرى، وما رأيت جاهلًا أجسر على التكفير وأسرع إلى التحكم على الأئمة من هذا الأخرق.

وتكلم السجزي في النـزول والانتقال والزوال والانفصال والذهاب والمجئ، فقال الإمام: ومن قال بذلك حل دمه.

وتبرَّم الإمام كثيرًا من كلامه معه)([18]).

وقد أيد الكوثري في حواشيه ما نقله السبكي عن الجويني من تبديع السجزي وتضليله.

يقول المؤلف بعد أن أورد كلامًا للسجزي زعم أنه مخالفٌ لفهم ابن تيمية لقول الإمام مالك (الاستواء معلوم والكيف مجهول): (فقول السجزي: «من غير مماسة» أمرٌ منتقد عند التيميين، ولذلك علق أحد من حقق الكتاب على هذه العبارة بقوله: «الأولى عدم إطلاق لفظ المماسة نفيًا أو إثباتًا؛لأنه لم يَرِدْ نَفْيُه ولا إثباته عن الشارع ».

لكن هذا النفي من السجزي يدل على أنه لا يُثبت معنى للاستواء؛لأن نفي ما لم يَرِد في الشرع لا يقع من عالم أثري غالٍ في الأثرية (كالسجزي) إلا إذا كان يريد نفي المعنى الذي يُظن مستفادًا من إثبات الصفة.

كما أن نسبة القول بالمماسة إلى مجسِّمة الكَرّامية (كما في كلام السجزي) يدل على أن سبب منع القول بالمماسة عنده هو التجسيم، مما يعني أن اعتقاد المماسة عند السجزي منافٍ للتنزيه من التشبيه.

ومع ذلك: لا أجزم بأن تفويض المعنى هو مذهب السجزي؛لأن السجزي مضطرب التقرير متشنّج الخصومة. لكني أجزم أنه مخالفٌ لتقرير ابن تيمية: بإثباتاته ولوزامها)([19]).

هذا هو السجزي عند أسلاف المؤلف في التجهم.

وإن كان مذهب السجزي كما فهمه المؤلف فَلِمَ قال التقي السبكي في شأنه: (وتكلم السجزي في النـزول والانتقال والزوال والانفصال والذهاب والمجئ، فقال الإمام: ومن قال بذلك حل دمه)؟!

ونفي المماسة ليس كافيًا في تبرئة الرجل من التجسيم عند الأشعرية، وفي ذلك يقول ابن المعلم: (وأما القسم الذين نفوا الجسمية، وقالوا: لا نقول بالمماسة ولا بالملاقاة، لأن ذلك لا يكون إلا بواسطة الجسمية، وذلك محال على الله تعالى، وإنما نقول بالجهة من غير جسمية ولا مماسة ولا ملاقاة، وبه قال المتأخرون من الحنابلة، فهو أيضًا باطل، لما تقدم في باب الاستدلال على التأويل من جهة العقل، وأن القائل بالجهة لا يخلو من أن يجعله شاغلًا لحيز أو لأحياز، إلى آخره)([20]).

فاحتمال أن يكون السجزي موافقًا للأشعرية باعتبارٍ ما، وأنه إنما أغلظ عليهم لسوء فهمه لمذاهبهم= احتمالٌ ساقط، وفيه اتهام ضمني للسجزي ومن خالفه من الأشعرية كالجويني أنهم جميعًا كانوا حمقى يخالف كل منهم الآخر في أصول الاعتقاد مع غفلة منه عن حقيقة مذهب خصمه، وموافقته له في نفس الأمر.

ثانيًا: الملحوظات المتعلقة بإثبات الصفات الاختيارية:

إن تقصير المؤلف في النظر في كلام العلماء ومنهم شيخ الإسلام كان أمرًا مقصودًا، وذلك أن في كتب شيخ الإسلام وتقريراته ما يُبطِل دعاويه، وليس في قدرته نقلها ومناقشتها، فلجأ إلى حيلةِ العاجز حيث يقول بعد أن نقل بعض كلام شيخ الإسلام ابن تيمية: (فانظروا كيف بَتَرَ ابنُ تيمية منه أجزاءً مهمة، وساقه مساقَ من يُقرِّرُ تقريرَه، وراجعوه في كتابه؛ فإني قد خجلت من ذكره والتعقب عليه!)([21]).

فابن تيمية عند المؤلف غير أمين في نقله، وهذا يجعل المؤلف مترفعًا عن نقل كلامه ومناقشته([22]).

غير أننا سنجد أنه لدى التأمل في كلام شيخ الإسلام نفسه تدفع كثير من الشبهات التي أثارها عليه، ومن أمثلة ذلك: ما ادعاه المؤلف من معارضة كلام شيخ الإسلام لكلام الإمام أحمد في صفة الكلام.

يقول المؤلف مُعَلِّقًا على قول الإمام أحمد: (لم يزل الله عالمًا مُتكلِّمًا): (هذا التقرير بـ«أن الله لم يزل عالما متكلِّما» يعارض التقرير التيمي، الذي يزعم أن الكلام الإلهي قديم النوع حادث الآحاد، وأن الله تعالى يتكلّم بكلامٍ مُحدَثٍ متى شاء. فها أنت ترى بنفسك أن معتقد الإمام أحمد بخلاف ذلك : فصفة الكلام عند الإمام أحمد صفةٌ أزلية)([23]).

ثم استطال المؤلف بإيراد نصوصٍ للإمام أحمد لا تَخفى على شيخ الإسلام، بل هي أو أكثرُها منقولةٌ في كتبه، كالتسعينية وغيرها، وقد اعتنى بشرحها وانتزاع الردود منها على المخالفين أتم العناية.

تمسك المؤلف بدعواه مخالفة كلام الإمام أحمد لشيخ الإسلام بخمس شبهات:

الشبهة الأولى: أن صفة الكلام عند الإمام أحمد صفةٌ أزلية، واستدل لذلك بقول الإمام أحمد: (ولم يزل الله عز وجل متكلمًا)، وقوله: (ولم يزل الله متكلما عالمًا)، وقوله: (إن الله عز وجل لم يَخْلُ من العلم والكلام وليسا من الخلق ، لأنه لم يخل منهما ، فالقرآن من علم الله) وقوله: (لم يزل متكلِّمًا قبل أن يخلق الخلق).

والجواب عن هذه الشبهة من وجوه:

الأول: أن المؤلف انتقى من كلام الإمام أحمد ما ظنّه موافقًا لقول الكلابية والأشعرية، وهم أنفسهم قد يستدلون ببعض هذا الكلام للإمام أحمد، فإنما المؤلف مقلدٌ لهم، وإن أوهم أنه ينقل من كتب السنة كالسنة للخلال والإبانة لابن بطة بنفسه، وبالجزء والصفحة والسطر.

الثاني: أن المؤلف أغفَلَ قول الإمام أحمد في تَعلُّق صفة الكلام بالمشيئة، فقول الإمام أحمد: (يتكلم إذا شاء) ثابتٌ عنه، نقله أئمة الحنابلة على اختلاف توجهاتهم الاعتقادية، كالقاضي أبي يعلى وغيره، وإنما اختلفوا في تفسيره.

الثالث: أنه لا تعارض بين النصوص الواردة عن الإمام أحمد في أن الله تعالى لم يزل الله مُتكلمًا عالمًا، وأن الله عز وجل لم يَخْلُ من العلم والكلام، وبين ما ثبت عنه من أن صفة الكلام متعلقةٌ بالمشيئة، وهو ما يجعله الجهمية قولًا باطلًا، ويسمونه حلول الحوادث في الذات العلية.

قال شيخ الإسلام: (وما ذكره أئمة السنة والحديث متبعين لما جاء من الأثار من أنه سبحانه ‌لم ‌يزل ‌كاملًا بصفاته، لم تحدث له صفة ولا تزول عنه صفة ليس هو بمخالف لقولهم: إنه ينزل كما يشاء، ويجيء يوم القيامة كما يشاء، وإنه استوى على العرش بعد أن خلق السموات، وأنه يتكلم إذا شاء، وأنه خلق آدم بيديه، ونحو ذلك من الأفعال القائمة بذاته، فإن الفعل الواحد من هذه الأفعال ليس مما يدخل في مطلق صفاته، ولكن كونه بحيث يفعل إذا شاء هو صفته، والفرق بين الصفة والفعل ظاهر، فإن تجدد الصفة أو زوالها يقتضي تغير الموصوف واستحالته، ويقتضي تجدد كمال له بعد نقص، أو تجدد نقص له بعد كمال، كما في صفات الموجودات كلها إذا حدث للموصوف ما لم يكن عليه من الصفات، مثل ما تجدد العلم بما لم يكن يعلمه، والقدرة على ما لم يكن يقدر عليه، ونحو ذلك، أو زال عنه ذلك بخلاف الفعل، وهكذا يقوله طوائف من أهل الكلام المخالفين للمعتزلة والذين هم أقرب إلى السنة منهم من المرجئة والكرامية وطوائف من الشيعة)([24]).

وبهذا يجاب عن قول المؤلف أيضًا في ما نسبه للإمام أحمد أنه: (لا زعم أن كلام الله يتجدد، كما لم يزعم أن علم الله يتجدد ، خلافًا لما يزعم التيميون في العلم والكلام معًا).

الرابع: أن كلام الإمام أحمد فيه ردٌّ على الجهمية، وهم قدوة المؤلف في نفي الصفات الاختيارية، فعند الجهمية لم يَكُن مُتكلمًا ‌ولا ‌رحيمًا ولا غفورًا، إذ هذا لا يكون إلّا بخلق أمور منفصلة عنه، فحينئذ كان كذلك([25]).

قال شيخ الإسلام بعد أن ذكر حكاية الأشعري عن ابن كلاب قوله: (إن الله لم يزل متكلمًا)، قال: (فهذه حكاية الأشعري عن ابن كلاب أنه يقول: إن الله ‌لم ‌يزل ‌متكلمًا، وإن كلامه صفة قائمة به كعلمه وقدرته، وكذلك سائر الصفات التي يثبتها لله تعالى هي عنده قديمة قائمة بالله غير متعلقة بمشيئته وقدرته.

وأما الجهميّة المحضة من المعتزلة وغيرهم فعندهم لا يقوم به شيء من هذه الصفات ولا غيرها، بل كل ما يضاف إليه فإنما يعود معناه إلى أمر مخلوق منفصل عنه)([26]).

الشبهة الثانية: نص الإمام أحمد على أن القرآن من علم الله([27]).

والجواب عن هذه الشبهة من وجهين:

الأول: أن هذا لا يخالف اعتقاد شيخ الإسلام ابن تيمية، فهو يقرر مستدلًا بكلمة الإمام أحمد أن العلم الذي تضمنه القرآن داخل في ‌مسمى ‌القرآن، بل كل كلام حق فإن العلم أصل معناه([28]).

الثاني: أن في قول الإمام أحمد ردٌّ على الأشعرية الذين يقولون بأن الكلام النفسي مغاير للعلم، لا ردٌّ على ابن تيمية، وهذا مما لم يدركه المؤلف، لعدم خبرته بهذه المباحث.

يقول ابن تيمية: (وأما اشتمالُ القرآن على العلمِ فهذا يُنازِعُ فيه:

 1- من يقولُ إنَّ القُرآن هو مُجرَّدُ الحروفِ والأصواتِ، فإن هؤلاء لا يجعلون القرآن فيه علمُ الله.

 2- بل والذين يقولون: الكلام معنىً قائمٌ بالذات: الخبرُ والطلب، وأنَّ معنى الخبر ليس هُوَ العلمُ ومعنى الطلب لا يتضمَّنُ الإرادةَ؛ ينازعِون في أنَّ مسمى القرآن يدخُلُ فيه العلمُ)([29]).

الشبهة الثالثة: أن الإمام أحمد قرن بين صفة الكلام والعلم.

والشبهة الرابعة: كان الإمام أحمد يكفِّر من وصف القرآن أو شيئَا منه بأنه مُحْدَث! قال المؤلف: (فأين هذا ممن يدعي الانتساب إليه ويزعم أن الكلام قديم النوع حادث الأفراد، ويزعم أن إحداثه في ذات الله لا يعني أنه مخلوق!)

والجواب عما ذكره أن هذا الاقتران بين هاتين الصفتين لا يدل على امتناع تعلق العلم بالمشيئة، فإن الإمام أحمد قرن بينهما أيضًا وبين صفة المغفرة، كما في رواية حنبل بن إسحاق، قال الإمام أحمد: (لم يزل الله متكلمًا عالمًا غفورًا).

يقول شيخ الإسلام: (فذكر أحمد ثلاث صفات: ‌متكلمًا ‌عالمًا غفورًا، فالمتكلم يشبه العلم من وجه، ويشبه المغفرة من وجه، فلا يشبه بأحدهما دون الآخر، فالطائفة التي جعلته كالعلم من كل وجه، والطائفة التي جعلته كالمغفرة من كل وجه، قصرت في معرفته.

وليس هذا وصفًا له بالقدرة على الكلام، بل هو وصف له بوجود الكلام، إذا شاء، وسيجيء كلام أحمد في رواية المروذي.

وقوله: إن الله لم يخل من العلم والكلام، وليسا من الخلق، لأنه لم يخل منهما، ولم يزل الله متكلمًا عالمًا، فقد نفى عنهما الخلق في ذاته، أو غير ذاته، وبين أنه لم يخل منهما، وهذا يبين أنه لم يخلق القرآن لا في ذاته، ولا خارجًا عنه، وفي كلامه دليل على أن قول القائل: تحله الحوادث أو لا تحله الحوادث، كلاهما منكر عنده، وهو مقتضى أصوله، لأن في ذلك بدعة، وفي إثباته -أيضًا- بدعة، ولهذا أنكر أحمد على من قال: القرآن محدث إذا كان معناه عندهم معنى الخلق المخلوق)([30]).

ولا غرابة في هذا القيد الذي ذكره شيخ الإسلام في آخر كلامه، فإن الإمام أحمد ثبت عنه القول بإثبات الصوت لله تعالى، والصوت لا يكون قديمًا، والكلابية والأشعرية ينفون الحرف والصوت.

يقول شيخ الإسلام: (فلو أن المحتج قال: اتفق المسلمون على أنه لا يخلق في ذاته شيئًا لكان هذا كلامًا صحيحًا، فإن أحدًا لم يُطلق عليه أنه يخلق في نفسه شيئًا -فيما أعلم- بخلاف اللفظ الذي ادعاه)([31]).

ولذلك يقول الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله: (‌فليس ‌من ‌صفات ‌الله تعالى شيء مخلوق، تعالى الله عن ذلك وتعالى عن أن تكون ذاته محلا للمخلوقات، بل هو الأول بأسمائه وصفاته قبل كل شيء والآخر بأسمائه وصفاته بعد كل شيء)([32]).

الشبهة الخامسة: وَصْفَ القرآنَ بأنه ليس ببائن عن الله تعالى: فقد قال أبو داود في (مسائل أحمد) : «سمعت العنبري ، قال : سمعت أبا الوليد، يقول : «القرآن كلام الله ، ليس ببائنٍ من الله»([33]).

وهذه الرواية عن الإمام أحمد حجةٌ على الكلابية، فإنه جاء فيها: (القرآن كلام الله من الله)، والذين جعلوا القرآن بائنًا من الله هم الكلابية والأشعرية، الذين قالوا: خلقه في جبريل أو اللوح المحفوظ أو في محمد صلى الله عليه وسلم.

ومخالفة الكلابية للإمام أحمد في مسألة القرآن تظهر من أوجه:

الأول : تصريحهم بذلك ، وهذا الأمر لم يكونوا يجرؤون على التصريح به ، مع أن العلماء كانوا يدركونه، كما كان الإمام أبو حامد الإسفراييني يقول: اشهدوا عليّ بأن القرآن كلام الله غير مخلوق كما قال أحمد بن حنبل لا كما يقول الباقلاني، ويتكرر ذلك منه، فقيل له في ذلك فقال: حتى تنتشر في الناس وفي أهل البلاد ويشيع الخبر في أهل البلاد أني بريء مما هم عليه- يعني الأشعرية- وبرئ من مذهب أبي بكر الباقلاني، فإن جماعة من المتفقهة الغرباء يدخلون على الباقلاني خفية ويقرءون عليه فيعتنون بمذهبه فإذا رجعوا إلى بلادهم أظهروا بدعتهم لا محالة فيظن ظان أنهم مني تعلموه وأنا قلته، وأنا بريء من مذهب الباقلاني وعقيدته([34]).

وبعض المعاصرين من المنتسبين إلى المذهب الأشعري يصرحون بمخالفة الأشعرية للإمام أحمد في المسألة .

الثاني : بتحذير الإمام أحمد من الكلابية ، وهم سلف الأشعرية .

الثالث : بمخالفتهم لنصوصه، فمن ذلك أن الإمام أحمد يقول إن القرآن العربي الذي له أول وآخر غير مخلوق ويكفر من قال بخلقه ، والأشعرية يقولون: هو مخلوق! .

قال ابن أبي حاتم: ” حَدَّثَنَا زكريا بن داود بن بكر النيسابوري ، حَدَّثَنَا أحمد بن سعيد الدارمي، قَالَ، قلت لأحمد بن حنبل: أقول لك قولي، وإن أنكرت منه شيئًا، فقل: إني أنكره، قلتله: نحن نقول: القرآن كلام اللَّه من أوله إلى آخره، ليس منه شيء مخلوق، ومن زعم أن شيئًا منه مخلوق، فهو كافر، فما أنكره منه شيئًا، ورضيه”([35])

ومن ذلك أيضًا: أن الإمام أحمد يثبت الصوت ، والأشعرية ينفونه.

ثالثًا: الملحوظات المتعلقة بالتأويل:

إن الذب عن التأويل البدعي المحرم لنصوص الصفات أصبح ديدنًا لمن ينتصر لمذهب التفويض من المعاصرين، حتى كأن الانتصار للتفويض لا يتم إلا بإثبات التأويل للسلف، وهو ربطٍ لم أجد له تفسيرًا، سوى شعور أصحابه بالحاجة إلى التلفيق بين قولي التفويض والتأويل، واستعمال كل منهما بحسب الحاجة، مع أن كلا القولين باطلٌ أشد البطلان.  

فبينما ينتصر المؤلف أشد الانتصار لمذهب التفويض تجده يدافع عن التأويل والمؤولة، وحجته في ذلك أن كلا المذهبين سائغ، وكأن بيتَ اللقاني المعروف في تسويغ المذهبين لا يصح تجاوزه ولا العمل بخلافه، أعني قوله:

وكل نصٍّ أوهم التشبيها… أوِّله أو فوض ورم تنزيهًا

وإبطال تأويلات الجهمية مما عقد الأئمة له المصنفات، منذ أن صنف الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله تعالى النقض على بشر المريسي، وليس هذا موضع الكلام عن كلِّ تأويل وإبطاله.

يقول المؤلف في نصٍّ واضح في دفاعه عن التأويل: (فهذا التأويل لصفة النزول ليس محصورًا في أهل البدع من أهل الكلام ، بل هو أحد مقالات أهل السنة الأثريين . وهذه النسِّبةُ ستكون غُصّةً في حلوق المنتسبين لأهل الأثر زورًا ؛ لأنها تُبيّنُ لهم أن مطلق التأويل ليس مخالفًا لمنهج أهل الأثر ، عند ابن عبد البر الذي يزعمونه موافقًا لهم)([36]).  

  • الموقف من تأويل الاستواء بالاستيلاء([37]):

لما جاء المؤلف إلى التعليق على كلام أحد علماء المالكية، وهو أبو بكر محمد بن موهب القبري المالكي، وقد استفاده من كتب ابن تيمية وابن القيم والذهبي، فلما جاء المؤلف إلى التعليق عليه اجتنب الصدام مع ما جاء في كلامه من إبطال تفسير الاستواء بالاستيلاء، مع أنه بالنسبة له قول له وجهٍ، وأعني بذلك قول القبري: (وقوله: ﴿عَلىَ ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ﴾ فإنما معناه عند أهل السنة على غير الاستيلاء والقهر والغلبة والملك الذي ظنت المعتزلة، ومن قال بقولهم: إنه معنى الاستواء. وبعضهم يقول: إنه على المجاز دون الحقيقة.

ويُبيِّنُ سوءَ تأويلهم في استوائه على عرشه، على غير ما تأولوه من الاستيلاء وغيره: ما قد علمه أهل المعقول: بأنه لم يزل مستويًا على جميع مخلوقاته بعد اختراعه لها، وكان العرش وغيره في ذلك سواء، فلا معنى لتأويلهم بإفراد العرش بالاستواء، الذي هو في تأويلهم الفاسد استيلاء وملك وقهر وغلبة).

هذا كلام القبري نقله المؤلف في كتابه الصفحة (109).

وفي التعليق عليه لم يتعرض أبدًا لما في هذا الكلام من إبطال تفسير الاستواء بالاستيلاء، سوى بتعليق فيه محاولة لتخفيف ما ذكره القبري من إبطال الاستواء بالاستيلاء، حيث قال: (والمقصود بذلك رفض التأويل الذي يحمل (الاستواء) على معنى مجازيّ)، وعلل ذلك بقول: (لأنه لا دليل على الصارف)([38]).

ثم جاء بعد ذلك بأربعين صفحة، وتعرض للمسألة نفسها، وبدأ يدافع عن التأويل الذي أبطله القبري، الذي كان يحتج بكلامه في فهم عبارة الإمام مالك ويرد على ابن تيمية في ما فهمه من كلامه!

قال عند قول الإمام أبي عمر الداني في وصف الباري جل وعلا: (مستولٍ على جميع خلقه): (فيه إشارة إلى أن تفسير استوى بـ(استولى) ليس مردودا عند الداني، وأن ما يُعترض عليه من أن فعل الاستيلاء قد وقع بعد مغالبة ليس اعتراضًا واردًا عنده)([39]).

ثم يدافع المؤلف عن هذا التأويل الذي نسبه القبري للمعتزلة فيقول: (سبب قول الداني «مستولٍ على جميع خلقه » ولم يخص العرش في تفسيره للاستواء؛لأن هذا هو معنى استيلائه على عرشه عند من أول الاستواء بالاستيلاء، ولم يقل أحدٌ من المسلمين إن قَهْر ربوبية المُلْك والسلطان يخص العرش وحده، ولذلك يُعلِّلُ المتأوّلون للاستواء بالاستيلاء بأن الآية إنما نصت على العرش لأن العرش هو أعظم المخلوقات وأعلاها، فالاستواء عليه (والذي معناه عندهم الاستيلاء) هو كنايةٌ على أنه تعالى «مستولٍ على جميع خلقه»، كما قال الداني)([40]).

فانظر إلى هذه المراوغة، لماذا لم يتعقب المؤلف القبريَّ في الموضع الذي أورد فيه كلامه([41]) ويدافع عن تأويل المعتزلة؟ إنما رأى أن في ذلك إضعافًا لموقفه سيما أنه يريد أن يجعل كلام المالكية معيارًا في فهم كلمة الإمام مالك، وهذا الإمام الذي نقل كلامه مالكي، ويريد أن يثبت شذوذ السلفية وأنهم لا سلف لهم سوى ابن تيمية، ونص المقبري يدمغه، فأخّر الكلام على مسألة تفسير الاستواء بالاستيلاء إلى هامش إحدى الصفحات([42]) وأورده في سياق المناقشة لأحد السلفية المعاصرين ممن حقق كتاب الداني.

وهو بدفاعه عن تأويل الاستواء بالاستيلاء أثبت أن هو الذي يتكلم بلا سلف له سوى الجهمية والمعتزلة ومن قال بقولهم من الأشاعرة، وليصدق فيه قوله نفسه: (وما أشد افتقار من لم يكن له سلف، وصار يتسوّل سلفًا)([43]).

على أن محاولة المؤلف لتخفيف رد القبري على من تأول الاستواء بالاستيلاء بأنه (لا دليل على الصارف) ليست – مع التسليم له بما اختزل فيه كلام القبري- محاولةً ناجحةً بشكل كامل، لأن الأصوليين كابن السبكي وغيره قد قرروا أن التأويل بدون قرينة ولا صارف = لعب.

يقول الإمام أبو سليمان الخطابي: (وزعم بعضهم : أن معنى الاستواء هاهنا الاستيلاء ، ونزع فيه ببيت مجهول ، لم يقله شاعر معروف يصح الاحتجاج بقوله . ولو كان معنى الاستواء هاهنا الاستيلاء لكان الكلام عديم الفائدة ؛ لأن الله قد أحاط ملكه وقدرته بكل شيء من الأشياء ، وبكل قطر وبقعة من السمٰوات والأرض وما تحت الثرىٰ ، فما معنى تخصيصه العرش بالذكر ؟! ثم إن الاستيلاء يتحقق معناه عند المنع عن الشيء ، فإذا وقع الظفر ، قيل : استولى عليه ، فأيُّ منعٍ كان هناك ، حتى يوصف بالاستيلاء بعده . وكذلك لو كان بكل مكانٍ كما زعموا: لم يكن بتخصيصه العرش بالذكر فائدة . فثبت أنه ليس المعنى إلا ما أشار إليه التوقيف)([44]).

وهذا النص نقله المؤلف عن الخطابي، وَأَمَرَّه بلا كيفٍ ولا مَعنى، وفَوَّض عِلْمَه إلى قائله!

  • الموقف من الخطابي لإبطاله التأويل:

من أمثلة مراوغات المؤلف اعتماده الشديد على كلام الأشاعرة في تحديد موقف أبي سليمان الخطابي من نصوص الصفات، حيث اعتمد كلام أبي عبد الله القرطبي المفسّر في فهم كلام الخطّابي([45])، بل جعل كلام أبي بكر ابن العربي صارفًا لظاهر كلام الخطابي عن دلالته، في الاحتجاج بقوله تعالى: (وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ‌يَٰهَٰمَٰنُ ٱبۡنِ لِي صَرۡحًا لَّعَلِّيٓ أَبۡلُغُ ٱلۡأَسۡبَٰبَ (٣٦) أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ) [غافر:36-37]، وكأن ابن العربي هو الخطابي عينه بحيث يفسر كلامُه كلامَ الخطابي ويبين مرادَه ومقصوده! ([46]).

وهذا كله من المؤلفِ في ردّه على ما سمّاه محاولة ابن تيمية اجتذاب الخطابي إلى مذهبه، فكان الحل بالنسبة له أن يحاول هو اجتذابه إلى مذهب الأشاعرة.

لكن عندما كان لبعض علماء الأشاعرة نقدٌ صريحٌ لكلام الخطابي في تبديع من تأول الصفات، وكان ذلك معكّرا على المؤلف في محاولته اجتذاب الخطابي إلى مذهب الأشاعرة، اكتفى بقوله في أحد الهوامش: (للخطابي عبارة أخرى في نقد بعض أهل الحديث الخائضين فيما لا يُحسنون: فقد قال في (الرسالة الناصحية) من تصنيفه: «إن أهل الحديث قد يُسرع قومٌ منهم إلى تكفير من يتَأوَّل الأحاديث في الصفات، وما هم عند العلماء وعامة الفقهاء بكفار، ولكنهم من أهل البِدع. وكيف يُكفّر من تُقبل شهادته، وتجوز مناكحته، وتحلّ ذبيحته… ». وقد تعقب أبو القاسم الأنصاري كلام الخطابي في إطلاق القول بتبديع من تأول أحاديث الصفات)([47]).

وتعقُّب أبي القاسم الأنصاري -تلميذ الجويني وشيخ الشهرستاني- لأبي سليمان الخطابي يُظهر التمايُز الواضح بين منهجِه ومنهج الأشاعرة، وهو ما تغافل عنه المؤلف، بحيث أظهر الخطابي كبعض آحاد الأِشاعرة، بل عدّ الإحالة إلى تعقب أبي القاسم الأنصاري كافية، وكأن الخطابي أقر بكلام الأنصاري ورضيه ورجع عن خطئه بعد أن نبهه الأنصاري عليه!

يقول أبو القاسم الأنصاري في ردّه على الخطابي بعد أن ساق كلامه آنف الذكر: (وأخطأ هذا الشيخ في قوله: ولكنهم من أهل البدعة، فإنهم قصدوا بالتأويل إنقاذ الناس من البدعة والضلالة)([48]).

وعلى منهاج المؤلف يكون الخطابي أحد الساعين في تفريق المسلمين، وهذا ما ينبغي عليه الاعتراف به، لا أن يشير لكلام الخطابي فقط في الهامش دون تعليق، فإنه وضع قانونًا في أول كتابه لوحدة المسلمين يكون الخطابي قد خرج عنه حيث قال: (فكانت جذوةُ الهداية في ساحة الاختلاف في مسألة الصفات الإلهية: هي القول بتفويض المعنى مع التنزيه في الصفات المشتبهة، وعدم التشنيع على التأويل: ما دام التأويلُ بقصد التنزيه (لا التعطيل)، وعلى نهج كلام العرب وأساليبهم في الكلام وليس يَنْحُو إلى تفاسير الباطنية الأجنبية عن دلالات اللغة) ([49]). والخطابي هنا من المشنعين على التأويل بل من المبدعين لأصحابه.

  • الموقف من دلالة قول الإمام مالك على إبطال التأويل:

لم يكن أبو سليمان الخطابي هو العالم الوحيد الذي بَدَّع المؤولة بإقرار المؤلف، بل إنه نقل في كتابه العديد من النصوص في تبديع المؤولة، بل منها ما جاء في تفسير كلمة الإمام مالك التي عقد كتابه في بحث مدلولها، مع أنها تُناقِض ما يعتقده ويدافع عنه من سواغية مسلك التأويل.

كما أن المؤلف لم يُدافِع فقط عن تأويل الاستواء بالاستيلاء، بل دافع عن جنس التأويل البدعي، حيث يقول: (فقد تأوَّلَ ابنُ عبد البر ما يسمونه بالصفات الفعلية كالغضب والرضا والضحك ، بما لا يجعلها صفاتِ فعلٍ لله تعالى في نفسه ، وينفي عنها أن تدل على حلول الحوادث بذات الله)([50]).

وقد نقل المؤلف كلام الإمام الترمذي في نسبة التأويل للجهمية، وهو قوله: (وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه : اليدَ والسمع والبصر ، فتأولت الجهمية هذه الآيات ، ففسروها على غير ما فسّر أهلُ العلم ، وقالوا : إن الله لم يخلق آدم بيده ، وقالوا : إن معنى اليد هاهنا القوة) ([51]).

وهذه التأويلات التي ينسبها الترمذي للجهمية هي عين تأويلات الأشعرية.

وكذلك فإن عددًا من الأشاعرة الذين نقل المؤلف كلامهم في تفسير قول الإمام مالك، نصّوا أن الإمام مالك يبدع مسلك التأويل.

فمن ذلك ما نقله المؤلف عن المشدالي وهو قوله: (ثم اختلفوا في جواز تأويله ، فذهب السلف إلى منع التأويل؛ إما لأنه من المتشابهات التي لا يعلم تأويله إلا الله ، وإما حذرًا من الوقوع في محظور التأويل)([52]).

وما نقله عن ابن جزي، وهو قوله: (ولم يتكلم الصحابةُ ولا التابعون في معنى الاستواء، بل أمسكوا عنه؛ ولذلك قال مالك: السؤال عنه بدعة)([53]).

وكذلك ما نقله المؤلف عن ابن سلامة التونسي شارح عقيدة ابن أبي زيد، وفيها قوله في شرح قول الإمام مالك: (والسؤال عنه بدعة): (أي: والسؤال عن تعيين أحد المحامل في اللفظ المتشابه بدعة، فمشى في ذلك على طريق جمهور السلف)([54]).

وهذا تصريح بأن كلمة الإمام مالك التي عقد المؤلف كتابه في شرحها، وبيان شذوذ ابن تيمية في فهمها: تدل على تبديع مسلك التأويل، الذي يجعله المؤلف سائغًا، ودلالتها بنصّ الأشعرية أنفسهم، الذين هم عنده أهل التحرير العقدي([55]). لا بتحريف التيميين – بحسب وصفه في مواضع كثيرة من كتابه هذا-.

والمؤلف وإن كان استدل بهذه النصوص على دعواه في تفويض السلف، إلا أنها حجةٌ عليه وعلى غيره من الأشعرية المسوغين للتأويل والتفويض.

ووجه ذلك: أننا لو سلمنا جدلًا أن التفويض مذهب مالك، فإن كلمته نفسها تدل على تبديع مسلك التأويل بإقرار الأشعرية أنفسهم، فإما أن يؤخذ كلامه في التفويض وتبديع التأويل معًا، أو يترك كلامه في الأمرين دون تناقض.  

رابعًا: الملحوظات المتعلقة بالتفويض:

قال ابن تيمية في شرح مذاهب الناس في الصفات: (الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها ستة أقسام؛ كل قسم عليه طائفة من أهل القبلة: قسمان يقولان: تجري على ظواهرها، وقسمان يقولان: هي على خلاف ظاهرها، وقسمان يسكتون.

أما الأولون فقسمان: أحدهما: من يجريها على ظاهرها ويجعل ظاهرها من جنس صفات المخلوقين، فهؤلاء المشبهة، ومذهبهم باطل أنكره السلف وإليهم يتوجه الرد بالحق.

الثاني: من يجريها على ظاهرها اللائق بجلال الله، كما يجري ظاهر اسم العليم والقدير والرب والإله والموجود والذات ونحو ذلك على ظاهرها اللائق بجلال الله.

وأما القسمان اللذان ينفيان ظاهرها – أعني الذين يقولون: ليس لها في الباطن مدلول هو صفة الله تعالى قط- ؛ فهؤلاء قسمان: قسم يتأولونها ويعينون المراد، مثل قولهم: استوى بمعنى استولى، أو بمعنى علو المكانة والقدر أو بمعنى ظهور نوره للعرش، أو بمعنى انتهاء الخلق إليه، إلى غير ذلك من معاني المتكلمين.

وقسم يقولون: الله أعلم بما أراد بها؛ لكنا نعلم أنه لم يرد إثبات صفة خارجية عما علمناه.

وأما القسمان الواقفان: فقوم يقولون: يجوز أن يكون ظاهرها المراد اللائق بجلال الله، ويجوز أن لا يكون المراد صفة الله ونحو ذلك، وهذه طريقة كثير من الفقهاء وغيرهم.

وقوم يمسكون عن هذا كله، ولا يزيدون على تلاوة القرآن وقراءة الحديث معرضين بقلوبهم وألسنتهم عن هذه التقديرات.

فهذه الأقسام الستة لا يمكن أن يخرج الرجل عن قسم منها)([56]).

والأشعرية قاطبة داخلون في القسم الثاني الذي ينفي ظاهرها، ثم يفترقون إلى القسمين المذكورين، وهما المؤولة والمفوضة.

وقد وقف الأشعرية هذا الموقف من نصوص الصفات، لأنهم لما فرغوا من تقرير أصولهم العقلية في إثبات الصانع التي مبناها على دليل حدوث الأجسام، اصطدموا بالنصوص الشرعية المثبتة لصفات تناقض دليلهم هذا ولوازمه رأسًا، فكان لا بد لهم من نفي تلك الصفات، ومنعهم إيمانهم الإجمالي بما جاء به الرسول من التكذيب بها صراحة، فسلك أئمتهم مسلك التأويل لتلك النصوص، وأدخل بعد ذلك مذهب التفويض -الذي ينسبونه إلى السلف-، وراج عند المتأخرين أن كلا المذهبين سائغ.

وموضوع التفويض هو الموضوع الأساسي في هذا الكتاب، وقد سعى المؤلف إلى حشد نصوص العلماء لإثبات شذوذ ابن تيمية، حيث كتب على غلاف كتابه: (تقرير لتفويض المعنى لا لإثباته عند أكثر من تسعين إمامًا مخالفين لابن تيمية)، لكنه أتى بما يتعجب منه، فإن من نقل عنهم جلهم من الأشاعرة، فكلامهم جميعهم في قوة كلام رجلٍ واحد، والتكثر بهم حيلةٌ نفسية، والعبرة إنما هي بإجماع السلف الثابت المتحقق.

ولو حذفنا كلام غير الأشاعرة من كتابه لبقيت أسماء معدودة، ولصار كتابه الذي طبعه في مجلدٍ في (495) صفحة لصار في صفحاتٍ أقل من ذلك بكثير.

ومن العجيب أيضًا أنه سعى في بعض الأحيان لإثبات أن العالم الفلاني أشعري، مفاخرًا بذلك، كما قال في شأن ابن رشد: (وأما تفسير الاستواء بالعلو مع نفي الحركة والسكون والزوال والانتقال والتغير والمكان: فإما أنه علو قَدْرٍ ومكانة، وإما أنه إطلاق اللفظ مع تفويض المعنى ، على طريقة الأشعرية، الذين ابنُ رشد منهم. فابن رشد كان من أئمة الأشعرية، كما اتضح من تقريراته السابقة)([57]). ثم نقل في أزيد من صفحة فتوى لابن رشد في الأشاعرة وأنهم أنصار الدين!!

ويقول في شأن الشاطبي مثلاً: (وكيف لا يكون كذلك والشاطبي أشعري في كل أبواب المعتقد؟! والأشعرية مفوضون للمعنى حتى عند مقلدة ابن تيمية)([58]).

والحق أن إثبات أشعرية أي رجلٍ ممن احتج بهم إنما هو دليل ضده لا معه، لأن كونه أشعريًّا هو إثبات لكونه خصمًا في المسألة، فالاحتجاج بكلامه مصادرةٌ على المطلوب، واستدلالًا بمحل النزاع.

وأما قول المؤلف في تمهيد الكتاب: (وسيأتي أن هذه الفُهوم الثلاثة هي ما كان يدور حولها فهمُ أكثر من تسعين إمامًا وعالمًا ، كلهم لم يفهموا من عبارة الإمام مالك إثبات المعنى ؛ ما عدا ابن تيمية والذين قلّدوه وحدهم ! ومن أولئك التسعين : ثلاثةٌ وثلاثون إمامًا من أئمة المالكية الذين يجب أن يكونوا هم أعرف الناس بكلام إمامهم ، ومع ذلك ما فهموا عبارةَ إمامِهم إلا على تفويض المعنى (وقلّةٌ منهم أجاز أن الإمام مالكًا قد مال إلى التأويل) ! والبقية من التسعين هم من أئمة بقية المذاهب (الحنفية والشافعية والحنابلة) ومن أهل الحديث، كل هؤلاء لم يجدوا في عبارة الإمام مالك إلا تفويض المعنى)([59]).

فمالكية من ذكرهم في الفروع لا تفيد في مطلوبه، إن كانوا على مذهب الأشاعرة في الاعتقاد، وكذا لا تفيد شافعيتهم، إن كانوا كالسبكي وابن حجر الهيتمي وغيرهم، وهؤلاء جل من ذكرهم، وأما الحنفية الذين ذكرهم كأبي المعين النسفي والسغناقي فهم ماتريدية، حالهم في هذا كحال الأشاعرة.

يقول شيخ الإسلام: (كثير من أهل المذاهب الأربعة وغيرها قد تلبَّس ببعض المقالات الأصولية، وخلَّطَ هذا بهذا، فالحنبلي والشافعي والمالكي يخلط بمذهب مالك والشافعي وأحمد شيئًا من أصول الأشعرية والسالمية وغير ذلك، ويضيفه إلى مذهب مالك والشافعي وأحمد، وكذلك الحنفي يخلط بمذاهب أبي حنيفة شيئًا من أصول ‌المعتزلة والكرامية والكلابية، ويضيفه إلى مذهب أبي حنيفة. وهذا من جنس الرفض والتشيع، لكنه تشيع في تفضيل بعض الطوائف والعلماء، لا تشيع في تفضيل بعض الصحابة) ([60]).

وفي كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ردٌّ على المؤلف حيث زعم أن دليل السلفية على مخالفة فئام من أتباع المذاهب الأربعة للأئمة الأربعة في الأصول واتباعهم لهم في الفروع هو مجرد الانتساب إلى الأشعري([61])، فإن الانتساب للأشعري وإن كان بدعةً، فإن دليل مخالفة هؤلاء لأئمتهم هو اعتقادهم ما اعتَقَدُوه في أبواب الصفات والقدر والإيمان وهي المقالات الأصولية التي لم يقل به أئمتهم، وليس مجرد انتسابهم للأشعري.

 وإذا كان ابن المعلم وغيره من غلاة الأشاعرة يحجرون على الحنابلة تفسير كلام إمامهم في الاعتقاد إذا خالف اعتقاد الأشعرية، كما نص على ذلك في كتابه (نجم المهتدي ورجم المعتدي) فكيف يحجر على السلفيين أن يرفضوا تأويل متأخري أتباع المذاهب الأربعة لكلام الإمام مالك وغير الإمام مالك إذا خالف اعتقاد السلف، وما كان عليه أهل القرون الثلاثة المفضلة؟

يقول ابن المعلم مخاطبًا ابن تيمية: (فإن قلتَ : نحن -معشرَ الحنابلة- نقلَةُ مذهب الإمام أحمدَ في الفروع، وكما نقَلْنا مذهبه في الفروعِ كابرًا عن كابرٍ إلى الإمام أحمدَ رضي الله عنه؛ فكذلك نقَلْنَا مذهبَه في الأصول؛ فوجبَ أن ترجِعوا إلينا في نقلنا المعتَقدَ كما رجَعتم إلينا في الفروع.

فالجوابُ أن الأئمةَ رضي الله عنهم لم تُترك مذاهبهم وأتباعُهم، ولا انفرَد أصحابُهم وأشياعُهم؛ بل نقَل الخصمُ مذهبَ خصمه، والمخالفُ مذهبَ مخالِفه، ونقلَ أدلتَه أيضًا؛ فالمالكيةُ ينصبون الخلافَ مع الشافعية وينقلونَ عنهم أدلَّتهم ويعترضون عليها؛ فلو انفرَدتُم بنقلٍ عن الإمام أحمدَ لم ينقله موافقٌ ولا مخالف= لم تُقرَّوا عليه.

فأما العقائد؛ فلم يظهر لنا مِنَ الإمام أحمدَ ولا مِن أمثاله مِن العلماء ممَّن هو في طبقته أو طبقةِ مشايخه إلا التنزيهُ المحض، ونفيُ ما يُوهِم من الظواهر؛ إما بتأويلٍ أو بغير تأويلٍ مع عدم اعتقادِ الظاهر؛ حتى أتى المتأخرون -كأبي يعلى وأمثاله-؛ فاختلقوا على الإمام أحمدَ ما لم يقله، كما قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} [مريم: 59] وأنتم قَفَوتموهم على الأثر، وذلك ولله الحمدُ لا يُنقِصُ مِن كماله ولا يَشين وجهَ جماله؛ فإن انحرافَ الأتباع لا يُؤثر في المتابَع)([62]).

وفي ما يأتي نقف بعض الوقفات مع ما ذكره المؤلف بشأن التفويض، ولا حاجةَ للإطالة في ذلك بعد تأمل ما تقدّم من سعي المؤلف لجعل كلام الأشاعرة حكمًا في المسألة([63]).

  • تفسير المؤلف كلام الإمام أحمد بما يقتضي قبول التفويض في جميع الصفات:

من الأدلة على أن المؤلف لا يضبط مذاهب الفرق وأقوالهم، ولا يتأمل في فهم كلام السلف، أنه قال معلقًا على قول الإمام أحمد: (لم يزل الله عالما متكلّمًا نعبد الله عز وجل بصفاته: غير محدودة، ولا معلومة؛ إلا بما وصف به نفسه). قال في الهامش (ص31): (نفي العلم: تصريحٌ بالتفويض المطلق).

وهذا الفهم خارجٌ عن قول الأشاعرة وقول السلفية جميعًا، فإن الأشاعرة إنما يفوّضون في النصوص المتشابهة، وكلامهم كله في ما يسمونه بظواهر التشبيه.

وأما ما فهمه المؤلف من عبارة الإمام أحمد من دلالةٍ على التفويض المطلق فمقتضاه أن يكون ذلك في جميع الصفات، لأن قول الإمام أحمد: (غير معلومة) قول عام متعلق بجنس الصفات فيدخل في ذلك الصفات السبع التي يثبتها الأشاعرة، وقد ذكر في النص نفسه العلم والكلام.

فلا أدري هل يكون المؤلف بذلك قائلًا بقول المعتزلة أم بقول الفلاسفة؟! فليختر منهما.

  • حجر المؤلف على شيخ الإسلام ابن تيمية دون غيره تفسير كلام السلف:

يقول  المؤلف: (ومع كثرة عبارات السلف الدالة على ضد تقرير ابن تيمية وهي عبارات قاطعة الدلالة، كقولهم: (بلا معنى)، و(بلا كيف ولا معنى) و(بلا تفسير) و(أمروها كما جاءت) و(تفسيرها قراءتها)؛ إلا أن المقلدين لابن تيمية حرفوا دلالات هذه العبارات كلها: فزعموا أن معنى عبارة: (بلا معنى) و(بلا تفسير): أي: بلا المعنى الذي يذكره أهل التشبيه، أو أهل التأويل، وبلا تفسير الجهمية والمعطلة، رغم أن عبارات السلف ظاهرةً بنفي كل معنى، وبرفض كل تفسير، بلا قيد للمعنى المنفي، ولا تخصيص للتفسير الممنوع) ([64]).

ومن نظر في كلام الأشاعرة وجدهم قاموا بنفس ما قام به السلفية في تقييد كلام السلف!!

ومن أمثلة ذلك: أن ابن المعلم الشافعي تلميذ أبي عبد الله القروي أحد أشهر القائمين على ابن تيمية في محنته، لما جاء إلى ما نسب إلى عليّ رضي الله عنه في وصف الباري جل وعلا: (لا يوصف بوصف، ولا يحد بحد، ولا يقدر بمقدار.. ) ([65]).

قال ابن المعلم: (معنى قوله رضي الله عنه: (لا يوصف بوصف) يعني: بوصفٍ يكيفه به ويحده كوصف المخلوق، لأن دل عليه كلامه أولًا، حيث قال: (تعالى عن تكييف الصفات)، وثانيًا حيث قال: (وإنما تدرك صفة رب الهيئة والأدوات)، والله أعلم. لا كما ظنت طائفة من الشيعة من هذا الكلام ظاهره، فقالوا: لا يجوز إطلاق الصفات التي يشترك فيها هو وغيره إلا ما أطلقه على نفسه، لا بمعنى الوصف، لكنا نطلق الأسماء بمعنى الإعطاء، فهو موجود بمعنى أنه يعطي الوجود، وعالم وقادر بمعنى أنه واهب العلم للعالمين والقدرة للقادرين، حي بمعنى أنه يحي الموتى، قيوم بمعنى أنه يقيم العالم، سميع بصير بمعنى أنه خالق السمع والبصر. وينسب هذا إلى محمد بن علي الباقر، ولم يثبت نقلًا متصلًا إليه، وهذا المذهب ليس بصحيح، ولا يظن بالإمام محمد بن علي اعتقاد ذلك والله أعلم)([66]).

فهذا هو ابن المعلم يقيد ما رُوِي عن علي رضي الله عنه بأن الله تعالى (لا يوصف بوصف) أي: بأوصاف أهل التشبيه والتمثيل، لأن ابن المعلم من الصفاتية الذين يثبتون الصفات السبع، فاحتاج إلى تقييد كلام السلف بما لا يبطل مذهبه، واستدل لذلك بتقييدات ذلك.

فالسؤال إذا: لماذا يَجُوز لابن المعلّم في رده على الرافضة تقييد كلام السلف ولا يجوز لابن تيمية في ردّه على المفوضة تقييد كلام السلف؟!

ولماذا يُنكَر على ابن تيمية أن يخصص كلام السلف في قولهم (بلا معنى)، و(بلا تفسير) بمخصصات متصلة أو منفصلة، يرد بها على مذهب المفوضة، ولا ينكر على ابن المعلم في تخصيصه ما نسبه لعلي رضي الله عنه بما خصصه به في ردّه على الرافضة؟!

فإن كان التخصيص والتقييد لكلام السلف ممنوعًا، فإنه يُعتَرض على ابن المعلم بالاعتراض عينه الذي اعترض به على ابن تيمية، وإن كان جائزًا فإنه يجوز لابن تيمية أن يقيد كلام السلف كما جاز لابن المعلم تقييد كلامهم.

أما أن يجوزوا التقييد في موضع، ويمنعوه في نظيره؛ فهذا تناقضٌ، سببه حملُ كلام السلف على المذاهب والآراء الحادثة بعدَهم، فإن ما حمل الأشاعرة على التفويض أو التأويل هو معارضة النصوص لدليل حدوث الأجسام الذي بنوا عليه إثبات وجود الصانع ومنع حلول الحوادث، وغيرها من الأدلة المانعة مما يسمونه تركيبًا وتجسيمًا. فصار نظرهم في نصوص الوحي وكلام السلف تبع لذلك، والله أعلم.

  • مذهب التفويض ليس مُرادِفًا للسكوت:

جاء لفظ السكوت في كلام عددٍ من السلف في تقريرهم الموقف من آيات الصفات، كقول سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: (كل ما وصف الله تعالى من نفسه في كتابه: فتفسيره تلاوته، والسكوت عليه).

ومن التدليس الرائج لدى المفوضة زعمهم أن التفويض سكوتٌ، مع أن الأشاعرة ينصُّون على أن التفويض لا يكون إلا مع التأويل الإجمالي، الذي يتضمن السلوب المبتدعة التي ينص عليها الأشاعرة، ويدخلونها في مسمى “التنزيه”.

يقول المؤلف: (وعبارات تفويض المعنى .. عديدة : منها السكوت ، واستبشاع الكلام فيه) ([67]).

وأين السكوت مع قول من يقول بنفي الحركة والسكون والزوال والانتقال والتغير والمكان  والجهة والحيز و.. و … و … و إلخ؟

ومع ذلك فإن المؤلف عكس القضية، وجعل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية مخالفًا لمذهب السكوت، أما السلوب التي ملأ بها كتابه فلا تعد مناقضة للسكوت عنده!!

يقول المؤلف: (فماذا يريد مبتغي الحق أكثر من هذا التصريح بالسكوت في صفات الله تعالى ، لنعلم أن الساكت لا يذكر معنى ، وإنما يكتفي بإثبات اللفظ الوارد في نصِّ الوحي . وإلا . . فهل أصبح السكوتُ معناه : ذلك الكلام الطويل في إثبات المعنى والاحتجاج له الذي في كتب ابن تيمية ومقلّديه ؟! إن كان هذا سكوتًا ، فليس في الدنيا كلام !!)([68]).

ويقول: (فهل السكوت هو ذكر المعنى والامتحانُ عليه ونَبْزُ من لم يتكلم به بالتعطيل والتجهيل؟ إن كان هذا سكوتًا ، فماذا هو الكلام ؟! وهل تكلم الصحابة عن المعنى الذي يُثبت القدر المشترك ، كما يزعم التيميون ؟! أم سكتوا سكوت مفوِّضة المعنى ؟!)([69]).

والحق أن السكوت في اصطلاح الأشاعرة عند النظر في كلامهم هو السكوت عن التأويل التفصيلي، لا مطلق السكوت، وليس هو مرادفًا للسكوت الوارد على ألسنة السلف والأئمة، وتفسير السكوت بما تقدم أمر يستعلن به الأشاعرة ويقررونه، وفي كتاب المؤلف نصوص كثيرة مما نقله عن الأشاعرة في ذلك.

ولذلك صرحوا بأن الإجراء على الظاهر (وهو كالسكوت في الدلالة على التفويض عند المؤلف) ليس مقبولًا إذا لم يتضمن ما أسموه تنزيهًا، وهو السلوب الكثيرة المبتدعة، يقول ابن المعلم: (أما الإجراء على الظاهر المحض، والحمل له على موضوعه حقيقة، فذلك لم يقل به أحد من السلف، بل انعقد إجماعهم على التنزيه)([70]).

  • دعوى الإجماع على قبول التفويض:

زعم المؤلف أن قبول التفويض يكاد يكون عليه إجماع السلف والخلف: (رفض التأويل قد يقابله قبول تفويض المعنى، كما هو واقع عند جماهير الأئمة، بل يكاد يكون عليه إجماعُ السلف والخلَف. فكيف استجازوا الاحتجاج برفض التأويل على أن الرافض له يُثبت معناهم الذي يزعمون؟! ولا يزداد عجبُك منهم، فهم أساتذة المصادرات والتحكُّمات، ولن يكون هذا بأول مصادرة ولا بأول تحكُّم، ولن يكون آخره !)([71]).

وهذا الإجماع المدعى ليس واقعًا بين الأشاعرة أنفسهم فضلًا عن غيرهم، يقول أبو بكر ابن فورك: «لا معنى لقَول من قَالَ إِن ذَلِك -أي تلك الأخبار المُشكِلَة- مِمَّا لا يفهم مَعْنَاهُ، إذ لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ خطابه خلواً من الفَائِدَة وكَلامه عَن مُرَاد صَحِيح وَذَلِكَ مِمَّا لا يَلِيق بِهِ ﷺ»([72]).

وقال الرازيُّ في الأدلَّةِ العقليَّةِ التي استدلَّ بها المتكلِّمُون على امتناعِ أن يحصلَ في كتاب الله تعالى ما لا سبيلَ إلى العلم به: «الأوَّلُ: إنه لو وردَ في القرآن شيءٌ لا سبيلَ لنا إلى العلمِ بهِ لكانت تلكَ المخاطبةُ تجري مَجرى مُخاطَبةِ العربيِّ بالزِّنجيَّةِ، وهو غيرُ جائزٍ.

الثاني: المقصودُ من الكلام الإفهامُ، ولو لم يكن مفهُوماً لكان عبثاً»([73]).

وأما النقول عن السلف المناقضة للقول بالتفويض فمما لا يتسع لها المقام، وإنما اقتصرنا على ذكر بعض كلام الأشاعرة لأن صنيع المؤلف في كتابه أفهم أنه يراهُمُ المعيار في القبول والرد.

رابعًا: الملحوظات المتعلقة باستطالة المؤلف على شيخ الإسلام ابن تيمية وأتباعه:

ملأ المؤلف كتابه من أوّله إلى آخره بوصف “التيميين” بالتحريف، في محاولة يائسة منه للانتقام للجهمية المعطلة، لكونهم أوذوا زمانًا كثيرًا بوصفنا لهم بالتحريف، كما قال الإمام ابن القيم:

أُمِرَ اليهودُ بأنْ يَقُولُوا “حِطَّةٌ” … فَأَبَوْا وَقَالُوا: “حِنْطَةٌ” لِهَوَانِ

وَكَذَلِكَ الجهْمِيُّ قِيلَ لَهُ “اسْتَوى” … فأبَى وَزَادَ الحَرْفَ لِلنُّقْصَانِ

قَالَ اسْتَوى “اسْتَولَى” وَذَا مِنْ جَهْلِهِ … لُغَةً وعَقْلًا مَا هُمَا سِيَّانِ

نُونُ اليَهُودِ وَلَامُ جَهْميٍّ هُمَا … فِي وَحْي رَب العَرْشِ زَائِدَتَانِ

وهذه نماذج من مواضع مختلفة من الكتاب يلجأ فيها المؤلف إلى وصف “التيميين” بالتحريف كلما أراد أن يثبت صحة فهمه:

  • (وكل محاولة لتأويل هذه العبارات بخلاف ظاهرها، بنحو قولهم: «المراد: تفسير الجهمية » أو: «تفسير المجسِّمة » = فهو تحريف لدلالة ظاهر العبارة).
  • ( فإن أمكن المحرّفون أن يقولوا في عبارات نفي التفسير وحده: «إن المقصود هو نفي تأويل أهل البدع الذي يُخرج اللفظ عن ظاهره، » فماذا سيقولون عن نفي التأويل والتفسير معًا ؟! نعم لن يعجزوا عن مزيد تحريف ومعاندة، كعادة أهل الاستكبار، فلا تبالِ بهم في أي وادٍ بعد ذلك سقطوا).
  • (فهذا هو فَهْمُ الإمام الذهبي لعبارة أبي عبيد، والتي ما كان لأحد أن يفهم منها غير ما فَهِمَ، لقطعيّةِ دلالتها. ومع ذلك ستجد أصحاب التحريف يزعمونها تدل على إثبات المعنى الذي لم يأت له ذكر في كلام أبي عبيد).
  • (وقد طُبع مؤخرا كتاب يحاول تأويل عبارة الإمام أحمد بخلاف دلالتها القاطعة، والتي جمعت بين نفي المعنى ونفي الكيف. فحاول مؤلفُ الكتاب أن يتأول العبارة بخلاف دلالتها من خلال كتاب له يقع في مائتي صفحة، فما أتى بغير محاولة تحريفية جديدة لعبارات التفويض المعنوي عند السلف).
  • (مثل هذا النص (نص للإمام أحمد) لا يستوقف السطحيين، ويُمِرُّهُ الفاهمون كما جاء، وقد يحاول صفيقُ الوجه تحريف دلالته).
  • (حتى شيخ الحنابلة في زمنه الموفَّق ابن قدامة (ت 620 ﻫ)، والذي كانت صراحة عباراته في تفويض المعنى مستعصيةً عن تحريف دلالتها؛إلا على من اعتادوا التحريف واعتادوا قبول التحريف منهم لدى الذين دجّنوهم من الأتباع).
  • (ولا علاقة له بتاتًا بما يزعمه التيميون: أنه يريد إثبات معنى للاستواء. بل تحميل هذه العبارة للإمام مالك رحمه الله بهذا اللفظ الصحيح الصريح معناهم المزعوم: لا يصح أن يوصف بغير كونه تحريفًا لدلالة العبارة، وليس تأويلا، وبأنه تَقوُّلٌ على الإمام مالك ما لم يقله !).
  • (فلا أدري إلى متى سوف يستمر التيميون في الإصرار على تحريف كلام الأئمة لكي يزعموا لهم موافقًا في مسألة الصفات الإلهية ؟!).
  • (والعجب من التيمية: كيف يبيحون لأنفسهم تحريف العبارة المحكمة، في قول ابن عبد البر: «أما الانتقال وتَغيُّرُ الحال فلا سبيلَ إلى إطلاق ذلك عليه »، وهي عبارة صريحة في منع إطلاق ذلك بلا قيدٍ لهذا النفي).
  • (لكن هؤلاء القوم اعتادوا تحريف عبارات الأئمة لتوافق تصوراتهم، فإذا ظفروا بعبارة ليست قاطعة على خلافهم، وجدوا في عدم القطع مدخلً لتحريفها حسب ما قرره لهم ابن تيمية؛لأنه عندهم معيار الصواب والخطأ، وهمزة الوصل بين السلف والخلَف، إن لم يكن هو نفسُه السلفَ !).
  • (ولو سألتهم: مَن مِن السلف فَسَّر التكييف الذي نَفَوْهُ عن الله بهذا المعنى تفسيرًا صريحًا، لبقوا حائرين، لا يجدون إلا تحريفات جديدة، يزعمون زورًا وتلبيسًا أنها تدل على دعواهم !).
  • (فمن هو الملتزم بعدم التفسير: مفوِّضُ المعنى كما ورد ؟ أم من فسَّر اللفظ الوارد بادّعاء بيان المعنى ؟! ولن يُجديهم شيئًا تحريفُ دلالة عدم التفسير بادّعاء أن المقصود بعدم التفسير تفسير الجهمية؛لأن هذا تقييدٌ لم يذكره قائلو هذه العبارة من السلف).
  • (ولولا عبارة: «ويَكِلون علمه إلى الله » لوجد المحرّفون مجالًا أوسع لتحريفهم دلالة عبارة الصابوني).
  • (هذا هو ظاهر كلام الصابوني، ثم وازنه يا مبتغي الحق بتحريفات الشُّرّاح المعاصرين لعقيدة الصابوني !).

وأما شيخ الإسلام ابن تيمية، فقد نال حظًا وافرًا من قدح المؤلف، ومما قاله في ذلك: (وجدناه لا يعرف أحاديث صحيحة، ويحتج بما لا يصح وبما لا أصل له، وينسب للصحيحين ما ليس فيهما، ولا يعرف قولا لإمامه الإمام أحمد وهو موجود في كتاب مشهور لابنه عبد الله)([74]).

قال مقيده عفا الله عنه: ما يقع لابن تيمية من أخطاء في هذا الجانب سببه اتكاله على حفظه، وليس سببه الجهل كما يدعي المؤلف، والجهل بالمعقول والمنقول أليق به من غيره، كما دل عليه كتابه هذا، وغيره من كتبه.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في ترجمته لابن المطهر الحلي عن ابن تيمية: (كان لاتساعه في الحفظ ‌يَتَّكِل ‌على ‌ما ‌في ‌صدره) ([75]).

وقال الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله تعالى: ( وصاحب (الاقتضاء) يورد في مؤلّفاته الأحاديثَ من حفظه)([76]).

ومن تحري الشيخ أنه في سجنه وحال غياب كتبه لم يكن يكتب ما يتعذر كتابته من الحفظ، كالآثار المفصلة، والنصوص الدقيقة، قال في موضع: (ولقد بحثت في هذا الباب وكشفته، وطالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة نقلًا صحيحًا، ولم أجد عن أحد من الصحابة أنه تأوّل آية واحدة من الآيات التي ظاهرها صفة على نفي الصفة، بل وجدت عنهم من الآثار التي تقرر النصوص وتثبت الصفات وتصرح بمنافاة قول المتأولين والمعطلين ما لا يتسع هذا الموضع لكتابته، ولا يحضرني تفاصيل ذلك، وليست الكتب عندي، وكتابة مثل هذا من الحفظ متعذّر) ([77]).

ويقول في المؤلف في القدح في ابن تيمية: (يستدل الغلاة لبعض غلوهم بعبارات المفتونين بابن تيمية من تلامذته وأصحابه وأتباعه، وهي عباراتٌ إذا خرجت من أهل العلم فقد خرجت على وجه التجوّز (مع إحسان الظن بقائلها)، وعلى نحو عبارات الثناء التي يُطلقها المتأخرون ولا يريدون حرفيتها، كمثل قولهم عمن يُثنون عليه: فريد دهره، ونسيج وحده… »، وتجدهم قد قالوها في العشرات من أهل العصر الواحد !)([78]).

والحق أن الثناء البالغ من أهل عصر ابن تيمية عليه فمن بعدهم لم يحصل من أتباعه فقط، بل أثنى عليه كثير ممن لا يوافقه في آرائه ثناءً كبيرًا.

ثم ما هذه الجرأة على أهل العلم من المؤلف؟! وكيف يجوز له أن يسمي تلامذة ابن تيمية وأصحابه وأتباعه المثنين عليه الثناء الحسن كابن عبد الهادي وابن القيم وابن كثير وغيرهم؛ كيف يجوز له أن يسميهم بالمفتونين؟ وإن لم يكن يعني هؤلاء الذين سميتهم فمن يعني؟ أمن أجل الانتصار لمذهب التفويض البدعي وإرضاء الجهمية يُرد قول العدول من علماء الأمة وأفذاذها في ابن تيمية؟!

وامتياز ابن تيمية عن أهل عصره بما قيل فيه مدحًا وثناءً لو لم يكن حقيقة واقعةً لما افتخر التاج السبكي بأن المزي لم يكتب شيخ الإسلام سوى لأبيه ولابن تيمية.

قال الحافظ سبط ابن العجمي بعد أن أورد ثناء الحافظين الذهبي وابن سيد الناس على شيخ الإسلام ابن تيمية: (وثناء الناس عليه كثير جدًا، ولكن ذكرت كلام هذين الحافظين من أهل الفن، ليُعرف أن ابن تيمية إذا قال شيئًا لم يكن هاجمًا عليه، بل إنما يقول شيئًا بعد تروٍّ وتفكر) ([79]).

وجزى الله الإمام ابن ناصر الدين خيرًا على تصنيفه (الرد الوافر) فقد أغنانا عن الإطالة في نقل كلام العلماء في هذا الصدد.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) (الاستواء معلوم) (ص310-311).

([2]) (الاستواء معلوم) (ص182-183).

([3]) (درء تعارض العقل والنقل) (6/312-313).

([4]) (الاستواء معلوم) (ص180-181).

([5]) (ص94).

([6]) (4/3-59).

([7]) (الاستواء معلوم) (ص125).

([8]) (الاستواء معلوم) (ص243).

([9]) (الاستواء معلوم والكيف مجهول) (ص271).

([10]) (الاستواء معلوم) (ص272-273).

([11]) (درء تعارض العقل والنقل) (6/243-244).

([12]) (منهاج السنة النبوية) (2/336).

([13]) (درء تعارض العقل والنقل) (6/207).

([14]) (بيان تلبيس الجهمية) (6/208-209).

([15]) (الاستواء معلوم) (ص95).

([16]) (الاستواء معلوم) (ص328). هذه العبارة لا تخلو من سوء أدب، ولو أنه ضم السجزي للتيميين لكان خيرًا له من أن يعتذر له بما ذكره، وكذلك قال في حق العمراني الشافعي صاحب البيان (ص367): (وإن ردَّ على الأشعرية، وتَوَهَّمَ أنه يخالف بعضَهم ، كالغزالي). فهل كل من يرد على الأشاعرة يعيش في عالم أوهامه وتصوراته الخاصة عند المؤلف؟ لقد كتب العمراني ردودًا واضحة على الغزالي في صفة الكلام، وكان مدركًا لقوله، ونقل كلام الغزالي بحروفه من (الاقتصاد) وتعقبه.

([17]) (الاستواء معلوم) (ص327).  

([18]) (السيف الصقيل) (ص19-20).

([19]) (الاستواء معلوم والكيف مجهول) (ص326-327).

([20]) (نجم المهتدي ورجم المعتدي) (2/417).

([21]) (الاستواء معلوم والكيف مجهول) (ص259).

([22]) ولو عاملنا المؤلف بالمثل – على التسليم الجدلي بصحة زعمه أن ابن تيمية يبتر النصوص – لترفعنا عن الكلام معه جملةً، فإن البتر يقع منه، ومن أمثلته قوله في هامش كتابه (تكفير أهل الشهادتين) (ص43): (وشرح ابن رشد التكفير بالمآلات ونقل الإجماع على عدم التكفير بها)، ثم أورد قول ابن رشد: (إذ من البدع والأهواء ‌ما ‌لا ‌يكفر ‌معتقده بإجماع، وهو ما لا يؤول بمعتقده إلى الكفر إلا بالتركيب، وهو أن يلزم على قوله ما هو أغلظ منه، وعلى ذلك الأغلظ ما هو أغلظ حتى يؤول به ذلك إلى الكفر، فهذا لا يكفر بإجماع). وهذا نصٌّ مبتور، لا يدل على ما ادعاه المؤلف من حكاية ابن رشد الإجماع على عدم التكفير بالمآلات، فإن ابن رشد قال بعد ذلك: (وهذا مثل الذي يعتقد أن علي بن أبي طالب أفضل من أبي بكر وعمر رضي الله عنهم.

ومنها ما يختلف في تكفير معتقده بمآل قولهم، وذلك مثل القدرية الذين يقولون إنهم قادرون خالقون لأفعالهم بمشيئتهم وإرادتهم دون مشيئة الله وإرادته، وإن الله لم يرد الكفر ولا العصيان ولا شاءه ولا قدره عليهم ففعلوه بقدرتهم ومشيئتهم وإرادتهم دون مشيئة الله عز وجل وإرادته وفي مثل المعتزلة الذين ينكرون صفات ذات الباري جل وتعالى من علمه وحياته وكلامه وإرادته إلى ما سوى ذلك من الأشياء التي تسد عليهم طريق المعرفة بالله جل وتعالى، وأشباههم من الروافض والخوارج والمرجئة، لأن هؤلاء ونحوهم هم الذين يختلف في تكفيرهم بمآل قولهم).

وبترُ المؤلفِ للنص جعَلَه ينسب لابن رشد حكاية الإجماع على عدم التكفير بالمآل، مع أن حكاية الإجماع عند ابن رشد إنما هي في درجةٍ من درجات البدعة دون غيرها، مما اختلف في تكفير أصحابها بالمآل عنده.

وليس القصد هنا تحرير القول في مسألة التكفير بالمآل، وإنما بيان أن البتر الذي قام به المؤلف أفسد تصوير مذهب ابن رشد على وجهه في هذه المسألة، فكيف له أن يذم غيره ببتر النصوص؟

([23]) (الاستواء معلوم والكيف مجهول) (ص28-29).

([24]) (التسعينية) (1/329-330).

([25]) (التسعينية) (2/579).

([26]) (التسعينية) (2/480).

([27]) وهو من النصوص المهمة عن الإمام أحمد، والمتداولة عند الحنابلة في مسألة حكم المبتدعة. انظر: (الإنصاف) للمرداوي (29/346).

([28]) (التسعينية) (3/577).

([29]) (التسعينية) (2/581)، وانظر (2/640).

([30]) (التسعينية) (1/336-337).

([31]) (التسعينية) (1/336-337).

([32]) (معارج القبول) (1/260).

([33]) (الاستواء معلوم والكيف مجهول) (ص28-30).

([34]) (شرح الأصبهانية).

([35]) طبقات الحنابلة (1/46) .

([36]) انظر: (الاستواء معلوم) (ص226، 278، 283، 293).

([37]) (الاستواء معلوم) (ص214).

([38]) (الاستواء معلوم) (ص111).

([39]) (الاستواء معلوم) (ص154-155).

([40]) (الاستواء معلوم) (ص155).

([41]) (الاستواء معلوم) (ص109).

([42]) (الاستواء معلوم) (ص155).

([43]) (الاستواء معلوم) (ص363).

([44]) (تهذيب السنن) (3/262-264).

([45]) (الاستواء معلوم) (ص309، 312-313).

([46]) (الاستواء معلوم) (ص311). وقد ذكر الأصوليون أن شرط الاستثناء – وهو أحد المخصصات المتصلة للعموم – أن يكون من متكلِّم واحد في الأصح، قال الشيخ زكريا الأنصاري في غاية الوصول شرح لب الأصول: (الاستثناء هو الإخراج بنحو إلا ‌من ‌متكلم واحد في الأصح)، وقيل لا يُشترط وقوعُه من واحد، فقول القائل: إلا زيدًا عقب قول غيره جاء الرجال استثناء على الثاني لغوٌ على الأول، ولهذا لو قال لي عليك مائة فقال له إلا درهمًا لا يكون مقرا بشيء في الأصح، نعم لو قال النبيّ صلى الله عليه وسلّم إلا الذميّ عقب نزول قوله تعالى {فاقتلوا المشركين} كان استثناء قطعا لأنه مبلغ عن الله وإن لم يكن ذلك قرآنًا).

([47]) (الاستواء معلوم) (ص318).

([48]) (شرح الإرشاد) (2/104).

([49]) (الاستواء معلوم) (ص9).

([50]) (الاستواء معلوم) (ص194) .

([51]) نقله المؤلف في (الاستواء معلوم) (299) من سنن الترمذي (1/70-71).

([52]) نقله المؤلف في (الاستواء معلوم) (ص281) عن مقدمة الرسالة لناصر الدين المشِدّالي (ص112).

([53]) نقله المؤلف في (الاستواء معلوم) (ص284)، من كتاب (التسهيل لعلوم التنزيل) لابن جُزي (1/711-712).

([54]) (الاستواء معلوم) (ص285)، وعزاه لكتاب (النكت المفيدة في شرح الخطبة والعقيدة) (ص83-86).

([55]) (الاستواء معلوم) (ص175).

([56]) (الفتوى الحموية الكبرى) ضمن (مجموع الفتاوى) (5/113-117).

([57]) (الاستواء معلوم) (ص228).

([58]) (الاستواء معلوم) (ص287).

([59]) (الاستواء معلوم) (ص39).

([60]) (منهاج السنة) (5/261).

([61]) (الاستواء معلوم) (ص250).

([62]) (نجم المهتدي ورجم المعتدي) (1/115-116).

([63]) من وَلَع المؤلف بالدفاع عن الأشعرية أنه أراد التنقص من ابن خويز منداد المالكي لأنه قال: (فكل متكلِّم فهو من أهل الأهواء والبدع : أشعريًّا كان أو غير أشعري ، ولا تُقبل له شهادة في الإسلام ، ويُهجَرُ ويؤدَّب على بدعته ، فإن تمادى عليها استتيب منها)، فنقل كلام ابن حزم فيه، قال  المؤلف (ص206-207): (بل سخر منه أبو محمد ابن حزم سخريةً مُمِضَّةً، حيث قال عنه: «وقد ذكر رجلٌ من المالكيين يُلقّب خويز منداذ: أن للحجارة عقلا! ولعل تمييزه يَقْرُبُ من تمييزها!! (إلى أن قال) فقال هذا الجاهل إن من الدليل على أن الحجارة تعقل … (إلى آخر كلامه). وابن حزم إن كان هو المرجع والحكم في مثل هذا، فليأت المؤلف بكلامه في الأشعرية أيضًا، فإنه قد ذمهم ذمًا شديدًا، وسبهم، في كتابه الفصل في الملل والنحل، ولذلك حذر منه ابن السبكي في الطبقات (1/90-91).

([64]) (الاستواء معلوم) (ص194).

([65]) (الاستواء معلوم) (ص24).

([66]) (نجم المهتدي ورجم المعتدي) (1/224).

([67]) (الاستواء معلوم) (ص212).

([68]) (الاستواء معلوم) (ص209).

([69]) (الاستواء معلوم) (ص208).

([70]) (نجم المهتدي) (1/131).

([71]) (الاستواء معلوم) (ص194).

([72]) «مشكل الحديث وبيانه» (ص 496).

([73]) «أساس التقديس» (ص 227).

([74]) (الاستواء معلوم) (ص23).

([75]) (لسان الميزان) (6/319).

([76]) (الأنوار الكاشفة) ضمن (الآثار) (12/ 175).

([77])(جواب الاعتراضات المصرية) (ص108).

([78]) (الاستواء معلوم) (ص23).

([79]) (نور النبراس على سيرة ابن سيد الناس) (8/278).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

(الاستواء معلوم والكيف مجهول) نصٌ في المسألة، وعبث العابثين لا يلغي النصوص

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد طُبِع مؤخرًا كتاب كُتِبَ على غلافه: (الاستواء معلوم والكيف مجهول: تقرير لتفويض المعنى لا لإثباته عند أكثر من تسعين إمامًا مخالفين لابن تيمية: فكيف تم تحريف دلالتها؟). وعند مطالعة هذا الكتاب تعجب من مؤلفه […]

التصوف بين منهجين الولاية نموذجًا

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منذ أن نفخ الله في جسد آدم الروح، ومسح على ظهره، وأخذ العهد على ذريته أن يعبدوه، ظلّ حادي الروح يحدوها إلى ربها، وصوت العقل ينادي عليها بالانحياز للحق والتعرف على الباري، والضمير الإنساني يؤنّب الإنسان، ويوبّخه حين يشذّ عن الفطرة؛ فالخِلْقَة البشرية والهيئة الإنسانية قائلة بلسان الحال: […]

ابن تيميَّـة والأزهر.. بين التنافر و الوِفاق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يُعد شيخ الإسلام ابن تيمية أحد كبار علماء الإسلام الذين تركوا أثرًا عظيمًا في الفقه والعقيدة والتفسير، وكان لعلمه واجتهاده تأثير واسع امتدّ عبر الأجيال. وقد استفاد من تراثه كثير من العلماء في مختلف العصور، ومن بينهم علماء الأزهر الشريف الذين نقلوا عنه، واستشهدوا بأقواله، واعتمدوا على كتبه […]

القول بالصرفة في إعجاز القرآن بين المؤيدين والمعارضين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ الآياتِ الدالةَ على نبوّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم كثيرة كثرةَ حاجة الناس لمعرفة ذلك المطلَب الجليل، ثم إن القرآن الكريم هو أجلّ تلك الآيات، فهو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم المستمرّة على تعاقُب الأزمان، وقد تعدَّدت أوجه إعجازه في ألفاظه ومعانيه، ومع ما بذله المسلمون […]

الطاقة الكونية مفهومها – أصولها الفلسفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: إن الله عز وجل خلق الإنسان، وفطره على التوحيد، وجعل في قلبه حبًّا وميلًا لعبادته سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]، قال السعدي رحمه الله: […]

موقف الليبرالية من أصول الأخلاق

مقدمة: تتميَّز الرؤية الإسلامية للأخلاق بارتكازها على قاعدة مهمة تتمثل في ثبات المبادئ الأخلاقية وتغير المظاهر السلوكية، فالأخلاق محكومة بمعيار رباني ثابت يحدد مسارها، ويمنع تغيرها وتبدلها تبعًا لتغير المزاج البشري، فحسنها ثابت الحسن أبدًا، وقبيحها ثابت القبح أبدًا، إذ هي تحمل صفات ثابتة في ذاتها تتميز من خلالها مدحًا أو ذمًّا خيرًا أو شرًّا([1]). […]

حجاب الله تعالى -دراسة عقدية-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: معرفة الله سبحانه وتعالى هي قوت القلوب، ومحفِّزها نحو الترقِّي في مقامات العبودية، وكلما عرف الإنسان ربَّه اقترب إليه وأحبَّه، والقلبُ إذا لم تحرِّكه معرفةُ الله حقَّ المعرفة فإنه يعطب في الطريق، ويستحوذ عليه الكسل والانحراف ولو بعد حين، وكلما كان الإنسان بربه أعرف كان له أخشى […]

ترجمة الشَّيخ د. عبد الله بن محمد الطريقي “‏‏أستاذ الفقه الطبي والتاريخ الحنبلي” (1366-1446هـ/ 1947-2024م)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   اسمه ونسبه([1]): هو الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمود بن محمد الطريقي، الودعاني الدوسري نسبًا. مولده: كان مسقط رأسه في الديار النجدية بالمملكة العربية السعودية، وتحديدا في ناحية الروضة الواقعة جنوبي البلدة (العَقْدَة) -ويمكن القول بأنه حي من […]

ضبط السنة التشريعية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: السنة النبوية لها مكانة رفيعة في التشريع الإسلامي، فهي المصدر الثاني بعد القرآن الكريم، وهي التطبيق العملي لما جاء فيه، كما أنها تبيّن معانيه وتوضّح مقاصده. وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة تأمر بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بسنته، وتحذّر من مخالفته أو تغيير سنته، وتؤكد أن […]

القواعد الأصولية لفهم إطلاقات السلف والتوفيق بينها وبين تطبيقاتهم العملية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تُعدّ مسألة التعامل مع أقوال السلَف الصالح من أهمّ القضايا التي أُثيرت في سياق دراسة الفكر الإسلامي، خاصةً في موضوع التكفير والتبديع والأحكام الشرعية المتعلقة بهما؛ وذلك لارتباطها الوثيق بالحكم على الأفراد والمجتمعات بالانحراف عن الدين، مما يترتب عليه آثار جسيمة على المستوى الفردي والجماعي. وقد تعامل العلماء […]

التدرج في تطبيق الشريعة.. ضوابط وتطبيقات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إن الله تعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب ليقوم الناس الناس بالقسط، قال تعالى: ﴿‌لَقَدۡ ‌أَرۡسَلۡنَا ‌رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِ﴾ [الحديد: 25] أي: “ليعمل الناس بينهم بالعدل”[1]. والكتاب هو النقل المُصَدَّق، والميزان هو: “العدل. قاله مجاهد وقتادة وغيرهما”[2]، أو “ما يعرف به العدل”[3]. وهذا […]

تأطير المسائل العقدية وبيان مراتبها وتعدّد أحكامها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إنَّ علمَ العقيدة يُعدُّ من أهم العلوم الإسلامية التي ينبغي أن تُعنى بالبحث والتحرير، وقد شهدت الساحة العلمية في العقود الأخيرة تزايدًا في الاهتمام بمسائل العقيدة، إلا أن هذا الاهتمام لم يكن دائمًا مصحوبًا بالتحقيق العلمي المنهجي، مما أدى إلى تداخل المفاهيم وغموض الأحكام؛ فاختلطت القضايا الجوهرية مع […]

توظيف التاريخ في تعزيز مسائل العقيدة والحاضر العقدي

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إنَّ دراسةَ التاريخ الإسلاميِّ ليست مجرَّدَ استعراضٍ للأحداث ومراحل التطور؛ بل هي رحلة فكرية وروحية تستكشف أعماقَ العقيدة وتجلّياتها في حياة الأمة، فإنَّ التاريخ الإسلاميَّ يحمل بين طياته دروسًا وعبرًا نادرة، تمثل نورًا يُضيء الدروب ويعزز الإيمان في قلوب المؤمنين. وقد اهتم القرآن الكريم بمسألة التاريخ اهتمامًا بالغًا […]

تصفيد الشياطين في رمضان (كشف المعنى، وبحثٌ في المعارضات)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  تمهيد يشكِّل النصُّ الشرعي في المنظومة الفكرية الإسلامية مرتكزًا أساسيًّا للتشريع وبناء التصورات العقدية، إلا أن بعض الاتجاهات الفكرية الحديثة -ولا سيما تلك المتبنِّية للنزعة العقلانية- سعت إلى إخضاع النصوص الشرعية لمنطق النقد العقلي المجرد، محاولةً بذلك التوفيق بين النصوص الدينية وما تصفه بالواقع المادي أو مقتضيات المنطق الحديث، […]

رمضان مدرسة الأخلاق والسلوك

المقدمة: من أهم ما يختصّ به الدين الإسلامي عن غيره من الأديان والملل والنحل أنه دين كامل بعقيدته وشريعته وما فرضه من أخلاق وأحكام، وإلى جانب هذا الكمال نجد أنه يمتاز أيضا بالشمول والتكامل والتضافر بين كلياته وجزئياته؛ فهو يشمل العقائد والشرائع والأخلاق؛ ويشمل حاجات الروح والنفس وحاجات الجسد والجوارح، وينظم علاقات الإنسان كلها، وهو […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017