الاثنين - 06 ذو الحجة 1446 هـ - 02 يونيو 2025 م

‏‏ترجمة الشيخ الداعية سعد بن عبد الله بن ناصر البريك رحمه الله

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

اسمه ونسبه:

هو الشيخ سعد بن عبد الله بن ناصر البريك.

مولده:

ولد الشيخ رحمه الله في مدينة الرياض يوم الاثنين الرابع عشر من شهر رمضان عام واحد وثمانين وثلاثمائة وألف للهجرة النبوية 14/ 9/ 1381هـ الموافق 19 فبراير 1962م.

نشأته العلمية:

نشأ رحمه الله نشأته الأولى في مدينة الرياض، فبِها درس في الكتاتيب، ثم التحق بالمدارس النظامية، فدرس في عاصمة المملكة أيضًا المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية وتخرج بها.

وقد كان الشيخ صاحبَ همة وجَلَد، فلم يكتفِ بدراسة الثانوية مع أنها كانت ذاتَ مستوى عال، وقلَّ من ينالها آنذاك، بل واصل دراسته الجامعية، فالتحق بمرحلة البكالوريوس ودرسها بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، واختار تخصُّص الاقتصاد، وقد تخرج بها عام 1403هـ – 1983م. ثم عيِّن الشيخ لتميُّزه معيدًا بالقسم نفسه.

إثر ذلك نجد أن همة الشيخ كانت أسمى وأعلى؛ فالتحق بمقاعد الدراسات العليا وتحديدًا مرحلة الماجستير في المعهد العالي للقضاء بقسم الفقه المقارن، وقد جدَّ واجتهد حتى أتم مرحلة الماجستير وتخرج بها، وكانت رسالته بعنوان: (التأمين التجاري في الإسلام).

وقد رُشِّح رحمه الله للقضاء لتميُّزه وطُلِب للعمل في وزارة العدل بالمملكة، ولكنه ترك هذا الأمر واعتذَر عنه، وآثر أن يعمل في التدريس، فعمل محاضرًا في كلية المعلّمين في قسم الدراسات الإسلامية.

ولم يتوان ولم يتكاسل رغم ذلك عن مواصلة الدراسات العليا، بل بادر رحمه الله بعد تخرُّجه من مرحلة الماجستير بالالتحاق بمقاعد مرحلة الدكتوراه في المعهد العالي للقضاء في قسم الفقه المقارن أيضًا، وقد تخرج بها بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى، وكانت رسالته بعنوان: (تنصيص اختيارات الإمام الخطَّابي الفقهية).

جهوده:

سيرة الشيخ سعد رحمه الله كانت سيرةً مباركةً حافلةً بالإنجازات العظيمة والجهود الجليلة التي سطَّرها في حياته، وله أثر كبير على المجتمع والجيل الذي عاش فيه، سواء أهل المملكة أو غيرها ممن اهتدى على كلماته ودروسه ومواعظه، وتنوُّع جهوده جعلَ أثره ممتدًّا لأكبر شريحة من الناس، وقد كان في جهوده عامّة على نهج السلف، سائرًا بسيرهم، منتهجًا نهج الكتاب والسنة، ناصرًا للحقّ وأهله، مكافحا لأعداء الملة من المبتدعة واللادينيين، يقول زميله الدكتور محمد بن إبراهيم السعيدي: “فيما يتعلَّق بتاريخه الفكريّ فهو كذلك تاريخ سلفيّ، يقف مع الدعوة الإصلاحية التي تبنّتها الدولة السعودية بجميع تفاصيلها، من الاعتقاد بالله الواحد لا إله غيره بأسمائه وصفاته، ويقف مع فقه الدعوة وشيخ الإسلام ابن تيمية… كما كان قويًّا جدًّا في الرد على المبتدعة، ولم يكن لأحد منهم قِبل في منازلته. وكذلك مع العلمانيين والليبراليين والقوميين، فهو مثال للسلفيّ الحق الذي لا تأخذه في الله لومة لائم. كل ذلك وهو سالك سبيله في مسجده وبيته ومكتبه، يتعجَّب المتعجِّب منه كيف يجمع هذا مع هذا إلا بتوفيق من الله”([1]).

وتفصيل جهوده على النحو الآتي:

أولا: جهوده الدعوية:

إن تعجب فعجبٌ ما كان من أمر الشيخ من تفانيه في سبيل الدعوة إلى الله؛ فلم يترك فرصة أو مجالا من مجالات الدعوة إلا واستثمرها؛ بدءًا بالإمامة والمنبر، فقد كان إمامًا وخطيبًا مفوَّها، يَقصده أهل الرياض لخطبته التي عرف فيها بفصاحته وبلاغته وقدرته على الإقناع والتأثير، ومرورًا بمحاضراته وكلماته التي كان يلقيها هنا وهناك في المساجد والملتقيات أو أشرطة الكاسيت المسجلة، والتي تأثر بها كثير من الشباب في ذلك الوقت واهتدَوا بسببها، وانتهاء بمشاركاته الإعلامية، سواء كتاباته ومقالاته الصحفية، أو عنايته بإثراء البرامج والحلقات المصورة المنشورة على شاشات التلفاز.

ويمكننا هنا تفصيل جهوده الدعوية على النحو الآتي:

  • الإمامة والخطابة: فقد أم الناس في جامع الأمير خالد بن سعود رحمه الله بظهرة البديعة قريبا من ثلاثة عقود، وكان الشيخ يعتني بإعداد خطبه وتطعيمها بالعبارات والجمل الفصيحة، كما يعتني بأسلوب إلقائها وأدائها بحيث تكون مؤثرة ومقنعة؛ فالشيخ منذ بواكير عمره كان منخرطًا في طريق الدعوة والخطابة والإمامة؛ فكان خطيبًا في جنوب الرياض يُقصد لخطبه، وإمامًا يقصد لتلاوته.
  • إلقاء المحاضرات والكلمات: وقد كان الشيخ نشيطا فيها، وله في ذلك عشرات المحاضرات التي ألقاها، سواء التي أُلقيت في المساجد والملتقيات أو تسجيلاتها التي في أشرطة الكاسيت، وقد أثرت ليس في مجتمع المملكة وحسب، بل على كثير من المجتمعات في العالم الإسلامي، ومن أبرزها محاضرة: “ربانيون على فراش الموت”، حيث تناولت أهمية الاستعداد للآخرة عبر تربية النفس على التقوى، مستخدمًا قصص الصحابة كنماذج عملية. وتعتبر سلسلة “وإنك لعلى خُلق عظيم” من أشهر محاضراته في السيرة النبوية، حيث حلّل أخلاق النبي ﷺ وتطبيقاتها المعاصرة في بناء المجتمعات. أما محاضرة “أشراط الساعة الصغرى” فتناولت العلامات الصغرى ليوم القيامة وتحليلها في ضوء المستجدات العالمية.

وفي محاضرة “فن التغيير” ناقش آليات تغيير الذات والمجتمع وفق المنهج الإسلامي، مستشهدًا بتجارب تاريخية مثل تحوّل عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وفي محاضرة “الشباب والخرفنة” حلَّل ظاهرة انحراف الشباب ثقافيًّا وأخلاقيًّا، مقترحًا حلولًا تربوية مستمدَّة من السنة النبوية.

ومن محاضراته التي تميزت وأحدثت دويًّا سلسلة “خذوا عني مناسككم” والتي شرح فيها شرحًا تفصيليًّا مناسك الحج والعمرة وفق المذاهب الفقهية، مع التركيز على الجوانب العملية التي تهمّ الحجاج.

  • كتابة المقالات العلمية والفكرية والدعوية ونشرها في الصحف: وكانت الصحف لها أثرها في صناعة الوعي والتأثير على المجتمع، ومن أبرز مقالاته التي تركت أثرها مقالاته العلمية العقدية مثل مقال: “لا إله إلا الله فضلها وآثارها”، فسلّط الضوء على التحول الجذري الذي أحدثته كلمة التوحيد في المجتمع العربي قبل الإسلام وبعده، فحوّلته من مجتمعات متناحرة إلى أمة متحابّة.

ونجده يناقش في مقال “أشراط الساعة الكبرى (الدابة)” العلامات الكونية الكبرى ليوم القيامة وفق الوارد في العقيدة الإسلامية، مع تحليل أدلة ظهور الدابة الواردة في القرآن والسنة.

وأما مقالاته الفكرية المعاصرة فقد غدا لها أثرها على المجتمع في أطروحاته؛ كمقاله “العلمانية لا تقبل التجزئة 1/ 3″، والذي تناول فيه مفهوم العلمانية وتأثيرها على الهوية الإسلامية، موضحًا أن العلمانية -بمعنى فصل الدين عن الحياة- تؤدي إلى تفكك المجتمع وانحدار القيم الأخلاقية. وفي الجوانب الاجتماعية نجده في مقاله “العنف الأسري” يقدم تحليلًا شرعيًّا ونفسيًّا لظاهرة العنف داخل الأسر، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ حول التعامل مع الأخطاء البشرية بأسلوب تربوي يراعي التغافل المدروس.

وعند التأمل في جهود الشيخ في محاضراته وكلماته ومقالاته العلمية والفكرية نجد أنه في كثير منها جعل أهداف الدعوة نصبَ عينيه؛ ونلاحظ هذا منه في غير ما موضع حتى في تأليفاته؛ كما في كتابه (الإيجاز في بعض ما اختلف فيه الألباني وابن عثيمين وابن باز)؛ فقد أكد أن من أهم الأهداف الدعوية التي استخلصها بعد انتهائه من بحثه ما يأتي:

  1. أن الاختلاف بينهم لم يكن طعنًا ولا تجريحًا، بل على العكس كان فيه احترام وتقدير كبير للشخص الآخر وعلمه وورعه ومكانته.
  2. أن الخلاف لم يكن بدافع الهوى أو التعصب، وإنما كان بسبب اختلافهم في فهم الدليل أو ثبوته غالبا.
  3. أنه ظلّ الاحترام المتبادل والثناء بينهم قائمًا، ومنها ثناء بعضهم على بعض كلما سنحت فرصة كسؤال أحد عنهم أو نحوه؛ فمثلا الشيخ الألباني وصف الشيخ ابن باز بأنه “يملأ علمه العالم الإسلامي”، ومثله الشيخ ابن باز أثنى على الشيخ الألباني في رسالة رسمية، وكذلك الشيخ ابن عثيمين أثنى على كلٍّ منهما، واعتبرهما من أكبر مراجع الحديث والعلم.
  4. أن المسائل التي اختلفوا فيها لم تؤدِّ إلى فرقة، بل كانت بابًا للعدل والرحمة.
  5. أن غالب الخلاف بينهم كان خلافا اجتهاديا، وسلكوا منهج الاعتذار للمخالف والرفق به.
  6. أنهم جميعا اتفقوا على انتقاد التعصب الذي يحصل بين بعض طلبة العلم لأقوالهم وآرائهم.
  7. أنهم جميعا اتفقوا على شدة الحرص على اجتماع الكلمة ووحدة الصف وعدم التفرق، ويدعون لذلك([2]).
  • تسجيل البرامج والحلقات التلفزيونية: وكان ذلك منه مواكبة للتطور التقني الذي شهدته المملكة والعالم بأسره في وسائل التأثير وأدوات الدعوة، فانتقل الشيخ من مجرد تسجيل الصوت ونشره على أشرطة الكاسيت إلى تصوير الحلقات والبرامج التلفزيونية الدعوية، وبالفعل كان لها صدى واسعًا وأثرًا كبيرًا في نفوس المجتمع، ومن تلك البرامج:
  1. خذوا عني مناسككم.
  2. وثبت الأجر.
  3. وإنك لعلى خُلق عظيم.
  4. فاستبقوا الخيرات.
  5. برنامج النجاة.
  6. سواعد الإخاء.

ويمكن القول بأن مشاركاته الإعلامية تدور في فلك الموضوعات الآتية:

١ – التحذير من الفكر التكفيري.

٢ – التحذير من المناهج المستوردة.

٣ – مواجهة التغريب والعلمنة.

٤ – نشر الوسطية والاعتدال.

وهكذا “ظل رحمه الله صوتًا رفيعًا في الدعوة إلى الجماعة وطاعة ولي الأمر التي بها تتّحد الأمة ويتآلف الناس؛ وكان شديد النكير على ثقافة الغرب وما ينادون به من ديمقراطية لا تتّفق وواقعنا ولا أهدافنا ولا أوَّلياتنا؛ كما كان شديد النكير على المبادئ الغربية التي ينقلها الليبراليون ولا يدرون مدى ما تضر بنا وبدولتنا لو طُبِّقت”([3]).

ثانيا: جهوده التأليفية:

ترك الشيخ في عالم الكتب والمؤلفات أيضًا بصماته، فله عدة مؤلفات ومنها:

  1. التأمين التجاري في الإسلام، وهي رسالته للماجستير.
  2. الاختيارات الفقهية للإمام الخطابي -دراسة مقارنة-، وهي رسالته الدكتوراه، وتقع في ست مجلدات (رسالة).
  3. فتاوى الفضائيات الضوابط والآثار، وهو بُحَيث يقع في 78 صفحة، تناول فيه نازلة من النوازل، وهي ظاهرة الإفتاء عبر القنوات الفضائية، وسلط عدسات بحثه على الضوابط والآثار المتعلقة بها، وكانت المشكلة التي دفعته إلى هذا البحث تفشي التهاون في الفتوى في الفضائيات، وغياب الضوابط الشرعية، مما تسبب في فوضى فقهية وإرباك للمجتمع الإسلامي، وقد بحث الموضوع بطلب من المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وأكد على خطر الإفتاء بغير علم، وفصَّل كيفية الإفتاء عبر القنوات الفضائية.

ومن أبرز نتائج البحث: تحريم الإفتاء بغير علم بنصوص من الكتاب والسنة وإجماع العلماء، وضرورة تعيين المؤهلين في الإفتاء ومنع الجهال من التصدر في هذا المجال، وكذلك ضرورة قول المفتي: “لا أدري” فيما يجهله، والتأكيد على تجزّؤ الاجتهاد، وأنه ليس كل فقيه يصلح لكل المسائل، وأهمية تدريس “علم الإفتاء” كعلم مستقل في الجامعات الشرعية ومعاهد القضاء.

  1. الإيجاز في بعض ما اختلف فيه الألباني وابن عثيمين وابن باز، ويقع في مجلدين، وقد جمع الشيخ فيه المسائل التي اختلفت فيها فتوى هؤلاء الأعلام؛ فعلى الرغم من أن هؤلاء المشايخ كانوا يسيرون على منهج واحد وعلى اتباع الكتاب والسنة واتباع الدليل والسير بنهج سلف الأمة، إلا أنهم اختلفوا في نتائج اجتهادهم وأحكام هذه المسائل؛ وهو ما يؤكد قضية مهمة صرح بها الشيخ في مقدمة كتابه وهي أهمية التراحم بين أهل العلم بقبول مساحة الاختلاف ما دام أنه في المسائل التي يحتمل فيها الخلاف وليست في أمور العقائد؛ فينبغي أن يتصف أهل العلم بسعة الصدر للخلافات العلمية، وألا تنتقل إلى عداوات شخصية ونحوها، بل ينبغي أن يحتمل أهل العلم بعضهم بعضا، خاصة في مسائل الخلاف والاجتهاد، وهذا من أهم مؤلفاته التي تبرز لنا صفة من أهم صفاته التي امتاز بها عن أقرانه، وهو التوازن في شخصيته والوسطية في أطروحاته بلا غلو ولا جفاء.

وقد صرح الشيخ بهذا في مقدمة كتابه حيث قال: “والمتأمل في منهج أهل العلم وطريقتهم يجد أن الخلاف بينهم لم يكن سببا للبغضاء أو التنافر، ويدرك سلامة الصدور وحسن الظن بين هؤلاء العلماء والاعتراف بفضل وعلم المخالف، وأن هذا الخلاف لم يسوغ لأحد منهم إسقاط ما يجب بينهم من المودة، أو فعل ما لا يجوز من القدح أو التعدي، ولا شك أن طلبة العلم والدعاة إلى الله أحوج من غيرهم لتحقيق هذا؛ حفظًا لرحم العلم بينهم، وتحقيقًا لما هم أهله من علو المكانة التي لا تتأتى إلا بهذا الخلق النبيل…

وهؤلاء المشايخ الفضلاء رغم اتفاقهم على أصول المنهج السلفي، فإنهم قد اختلفوا في كثير من المسائل الفقهية، وبعض المسائل المتعلقة بالعقيدة، ومع ذلك فلم يكن هذا سببًا للتنافر بينهم، بل كانوا يقدرون المخالف القاصد للحق، ويثنون عليه ويعترفون بعلمه وفضله، ويظهرون له الإخاء والود والمحبة.

فعلى المسلمين عامة وطلاب العلم خاصة أن تتسع صدورهم لمثل هذه الخلافات، وأن يقتدوا بهؤلاء المشايخ الفضلاء في كيفية تعاملهم مع المخالف”([4]).

وفي هذا يقول زميله الدكتور محمد بن إبراهيم السعيدي: ألف كتابًا فيما وقع بين الشيوخ الثلاثة ابن باز والألباني وابن عثيمين من الخلاف سماه كتاب (الإيجاز)، وذلك إبرازًا لقيمة الخلاف في الدعوة السلفية، وكان مقدرًا لعلمائها الكبار سامعًا مطيعًا لما يصل إليه من توجيهاتهم”([5]).

ثالثا: أعماله الإدارية ومناصبه:

تولى الشيخ بعض المناصب والأعمال الإدارية، ومنها:

– مستشار ونائب لرئيس اللجنة العليا في مكتب الأمير عبد العزيز بن فهد للبحوث والدراسات.

– عضو في لجنة التربية العليا التي يرأسها الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام حفظه الله.

– عضو في اللجنة الفرعية المنبثقة عنها والتي يرأسها معالي الشيخ د. عبد الله المطلق وفقه الله.

– عضو في فريق مناصحة السجناء الذين يحملون الفكر الإرهابي.

– المشرف العام على المكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالبديعة والصناعية الجديدة.

– عضو الهيئة الشرعية في الندوة العالمية للشباب الإسلامي.

– عضو في مجلس أمناء مؤسسة الوقف الإسلامي في السويد، وفي مجلس أمناء مسجد التوحيد في هاتشي يوتشي بمدينة طوكيو في اليابان.

صفاته وأخلاقه:

عُرف الشَّيخ وعرفه عامّة من عاشره بتميزه بحسن الخلق وبشاشة الوجه ولين الجانب وطيب المعشر ورقي التعامل مع الناس عمومًا، ومع المقربين من الأهل والإخوة والأصحاب، وهذا من منن الله التي وهبه إياها؛ وبهذا كَسب قلوب الناس وتوسَّعت علاقاته مع الوجهاء والكبراء وكُتب له القبول بينهم؛ ليس ذلك إلا برفيع الأخلاق ومعالي الآداب والتواضع والصلة والرحمة؛ فقد كان دائم الابتسامة طلق المحيا بشوش الوجه طيب الكلمة يحبه كل من عرفه، وهذا ما أجمع عليه كلُّ من عرفه من أهله وأقاربه وزملائه وأصدقائه، فقد كان بحقّ مدرسة في الأدب والعلم والخلق والتربية للصغير والكبير والقريب والبعيد، بحيث يُدخل السعادة على قلوبهم جميعا.

ومن أهم السمات التي جعلت له القبول بين الناس أنه كان حازما مع لسانه، لا يطلق الكلمة ولا يتكلم إلا بما ينفعه في دنياه وبما ينال به محبة الله ورضاه؛ ومن هنا كان قد حفظ سمعه ولسانه؛ فلم يُعرف عنه الوقيعة في أحد ولا الكلام عن أحد بسوء، لا العامة من الناس فضلا عن أهل العلم رغم تجرؤ بعضهم على العلماء والدعاة لاختلافهم معهم في بعض الآراء.

وهذا الرقيُّ في التعامل والحسن في الخُلق لم يكن حلية الشيخ في وقت الرضا دون الغضب أو حين اللقاء بالأحبة دون العامة أو في سن الرشد دون عمر الشباب، فعلى الرغم من توافد المناصب عليه وكثرة علاقاته واتساعها إلا أنه بقي محافظًا على حسن خلقه ورقي تعامله وأخلاقه التي كانت فيه طبعًا لا تطبُّعًا([6]).

ومن السمات المهمة التي امتاز واتسم بها الشيخ عن أترابه أنه كان صاحب حكمة وأناة جعلت منه رجلا صاحب آراء ثابتة ومواقف راسخة ليس فيها تموجات ولا تقلبات، بل عاش على خطى ثابتة وسنن مستقيم لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا، فقد هدى الله الشيخ للسير في طريق مستقيم بلا اعوجاج، والوقوف في المواقف الحقة بلا لجاج، يقول زميله الشيخ د. محمد بن إبراهيم السعيدي: “ليست العبرة في فقد الناس للرجل؛ بل العبرة في فقد المواقف له، فسعد البريك رجل المواقف التي لم يقفها غيرُه في وقته، فأنا وغيري نذكره منذ خمسة وأربعين عامًا، وكل مواقفه لم يقفها غيرُه ممن هم في سنّه أو أكبر منه قليلًا، ولا يعرف الكثير من الشباب أن الحقّ كان معه، وأنهم كانوا في ضلال مبين، إلا بعدما يأتي حدث آخر يُنسيهم ذلك الحدث الأول.

فمما أذكره حين كانت أزمة الخليج، وقف معظم الشيوخ الشباب المشهورون حينها موقفًا سيئًا من استعانة الدولة بالأمريكان، وكان وجود الشيخين ابن باز وابن عثيمين وأعضاء هيئة كبار العلماء في ذلك الوقت وكذلك كبار السن ومن يعرفون قيمة الدولة عاصما للكثيرين من الشبيبة عن الوقوع في شرك مخالفة الدولة التي لم يقع الشيخ سعد في مخالفتها، بل أصر على تأييدها وتأييد ما قامت به…

وجاءت بعد ذلك مشكلة أصحاب مذكرة ما يعرف بالنصيحة… ولم أكن أذكر وقتها أن الشيخ سعد البريك منهم… ومما نتج عن موقفهم من مفاسد: الاستهانة بالخروج على ولي الأمر، وهو أمر بعيد عن منهج السلف، نتج عنه تسرب الدعاية الخارجية إلى التكفير، وظهور خارجين على الدولة يتحدثون من الخارج، وآخرين من الداخل، وبروز أعمال إرهابية على أيدي هؤلاء، وكل تلك المشاكل كان الشيخ سعد ينهى عنها بشدة…

كما كان رحمه الله واقفًا بقلمه ولسانه في مواجهة داعش وكل من انتسب إليها أو تأثر بها، رغم أن داعش فيما تُظهره للناس تحارب أدعياءَ التشيع، فكان الشيخ يقول: إن حربهم هم وما يسمّى بالقاعدة في الرافدين للشيعة إنما يراد بها إيقاد الفتنة، ولا فرق بينهم وبين جيش المهدي إذ ذاك…

وجاء الربيع أو الخريف العربي الذي يعتبر فيما أرى مقياسًا حقيقيًّا لمدى سلفية الشخص، فكان سعد البريك تلك الشخصية السلفية الحقيقية التي لم تؤمن ساعة بصحة الخروج، وكان يرى أن الثورة في جميع البلاد ستذهب بالناس إلى أسوأ مما كانوا فيه؛ ولكنه وقف مع الثورة السورية لأمور خاصة بحاكم سوريا، كما أن الدولة السعودية وقفت الموقف نفسه قبل أن يقفه الشيخ سعد”([7]).

ومما اكتسبه الشيخ من دماثة خلقه توسّع علاقاته بالوجهاء والكبراء، ولا يهمّنا هنا -والحديث عن صفاته ومواقفه وأخلاقه- كونُه واسع العلاقات بقدر ما يهمنا حسن استثماره لها؛ حيث سخرها لخدمة الناس والشفاعة الحسنة للمحتاجين منهم على وجه الخصوص؛ سواء في عتق الرقاب والحيلولة دون تنفيذ القصاص -وهو كثير- أو قضاء الحاجات أو معالجة المرضى أو السعي في الإصلاح بين الناس.

وفاته:

عانى الشيخ مع مرض السرطان معاناة شديدة، وأجهده ذلك فترة طويلة من عمره، ولكن لم يُعرف عنه إلا الشكر على البلاء الذي ابتلاه الله به وحسن الظن به والثقة به سبحانه، فكان كثير الدعاء والإلحاح أن يمنّ عليه بالشفاء ليحيا على طاعة الله، وإن كان الله قد قضى وقدر أن يتوفاه فهو إنما عبد له.

توفي الشيخ رحمه الله بعد معاناة مع المرض مساء يوم السبت الخامس من شهر ذي القَعْدة عام ألف وأربعمائة وستّة وأربعين للهجرة 5/ 11/ 1446هـ يوافقه 3/ 5/ 2025م، وصُلِّي عليه بعد صلاة الظهر في اليوم التالي بجامع الراجحي، ودُفن في مقبرة النسيم، رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) نشره د. محمد بن إبراهيم السعيدي على موقعه يوم الأحد بتاريخ 6/ 11/ 1446هـ.

([2]) ينظر: الإيجاز في بعض ما اختلف فيه الألباني وابن عثيمين وابن باز، سعد البريك (1/ 26 وما بعدها).

([3]) نشره د. محمد بن إبراهيم السعيدي على موقعه يوم الأحد بتاريخ 6/ 11/ 1446هـ.

([4]) الإيجاز في بعض ما اختلف فيه الألباني وابن عثيمين وابن باز (1/ 25 وما بعدها).

([5]) نشره د. محمد بن إبراهيم السعيدي على موقعه يوم الأحد بتاريخ 6/ 11/ 1446هـ.

([6]) أفادني به د. محمد بن إبراهيم السعيدي في لقاء معه بمنزله يوم الأحد بتاريخ 13/ 11/ 1446هـ.

([7]) نشره د. محمد بن إبراهيم السعيدي على موقعه يوم الأحد بتاريخ 6/ 11/ 1446هـ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

ذلك ومن يعظم شعائر الله .. إطلالة على تعظيم السلف لشعائر الحج

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: لا جرم أن الحج مدرسة من أعظم المدارس أثرا على المرء المسلم وعلى حياته كلها، سواء في الفكر أو السلوك أو العبادات، وسواء في أعمال القلوب أو أعمال الجوارح؛ فإن الحاج في هذه الأيام المعدودات لو حجَّ كما أراد الله وعرف مقاصد الحج من تعظيم الله وتعظيم شعائره […]

‏‏ترجمة الشيخ الداعية سعد بن عبد الله بن ناصر البريك رحمه الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه: هو الشيخ سعد بن عبد الله بن ناصر البريك. مولده: ولد الشيخ رحمه الله في مدينة الرياض يوم الاثنين الرابع عشر من شهر رمضان عام واحد وثمانين وثلاثمائة وألف للهجرة النبوية 14/ 9/ 1381هـ الموافق 19 فبراير 1962م. نشأته العلمية: نشأ رحمه الله نشأته الأولى في مدينة […]

تسييس الحج

  منذ أن رفعَ إبراهيمُ عليه السلام القواعدَ من البيت وإسماعيلُ وأفئدة الناس تهوي إليه، وقد جعله الله مثابةً للناس وأمنا، أي: مصيرًا يرجعون إليه، ويأمنون فيه، فعظَّمه الناسُ، وعظَّموا من عظَّمه وأقام بجواره، وظل المشركون يعتبرون القائمين على الحرم من خيارهم، فيضعون عندهم سيوفهم، ولا يطلب أحد منهم ثأره فيهم ولا عندهم ولو كان […]

البدع العقدية والعملية حول الكعبة المشرفة ..تحليل عقائدي وتاريخي

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة تُعدُّ الكعبةُ المشرّفة أقدسَ بقاع الأرض، ومهوى أفئدة المسلمين، حيث ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بعقيدة التوحيد منذ أن رفع قواعدها نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، تحقيقًا لأمر الله، وإقامةً للعبادة الخالصة. وقد حظيت بمكانةٍ عظيمة في الإسلام، حيث جعلها الله قبلةً للمسلمين، فتتوجه إليها وجوههم في الصلاة، […]

الصد عن أبواب الرؤوف الرحيم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من أهمّ خصائص الدين الإسلامي أنه يؤسّس أقوم علاقة بين الإنسان وبين إلهه وخالقه سبحانه وتعالى، وإبعاد كلّ ما يشوب هذه العلاقة من المنغّصات والمكدرات والخوادش؛ حيث تقوم هذه العلاقة على التوحيد والإيمان والتكامل بين المحبة والخوف والرجاء؛ ولا علاقة أرقى ولا أشرف ولا أسعد للإنسان منها ولا […]

إطلاقات أئمة الدعوة.. قراءة تأصيلية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: يقتضي البحث العلمي الرصين -لا سيما في مسائل الدين والعقيدة- إعمالَ أدوات منهجية دقيقة، تمنع التسرع في إطلاق الأحكام، وتُجنّب الباحثَ الوقوعَ في الخلط بين المواقف والعبارات، خاصة حين تكون صادرة عن أئمة مجدِّدين لهم أثر في الواقع العلمي والدعوي. ومن أبرز تلك الأدوات المنهجية: فهم الإطلاق […]

التوحيد في موطأ الإمام مالك

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يختزن موطأ الإمام مالك رضي الله عنه كنوزًا من المعارف والحكمة في العلم والعمل، ففيه تفسيرٌ لآيات من كتاب الله تعالى، وسرد للحديث وتأويله، وجمع بين مختلفه وظاهر متعارضه، وعرض لأسباب وروده، ورواية للآثار، وتحقيق للمفاهيم، وشرح للغريب، وتنبيه على الإجماع، واستعمال للقياس، وفنون من الجدل وآدابه، وتنبيهات […]

مناقشة دعوى مخالفة حديث: «لن يُفلِح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة» للواقع

مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وآله وصحبه أجمعين، أمّا بعد: تُثار بين حين وآخر بعض الإشكالات على بعض الأحاديث النبوية، وقد كتبنا في مركز سلف ضمن سلسلة –دفع الشبهة الغويّة عن أحاديث خير البريّة– جملةً من البحوث والمقالات متعلقة بدفع الشبهات، ونبحث اليوم بعض الإشكالات المتعلقة بحديث: «لن يُفلِحَ قومٌ وَلَّوْا […]

ترجمة الشيخ أ. د. أحمد بن علي سير مباركي (1368-1446هـ/ 1949-2025م)(1)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه: هو الشَّيخ الأستاذ الدكتور أحمد بن علي بن أحمد سير مباركي. مولده: كان مسقط رأسه في جنوب المملكة العربية السعودية، وتحديدًا بقرية المنصورة التابعة لمحافظة صامطة، وهي إحدى محافظات منطقة جازان، وذلك عام 1365هـ([2]). نشأته العلمية: نشأ الشيخ نشأتَه الأولى في مدينة جيزان في مسقط رأسه قرية […]

(الاستواء معلوم والكيف مجهول) نصٌ في المسألة، وعبث العابثين لا يلغي النصوص

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد طُبِع مؤخرًا كتاب كُتِبَ على غلافه: (الاستواء معلوم والكيف مجهول: تقرير لتفويض المعنى لا لإثباته عند أكثر من تسعين إمامًا مخالفين لابن تيمية: فكيف تم تحريف دلالتها؟). وعند مطالعة هذا الكتاب تعجب من مؤلفه […]

التصوف بين منهجين الولاية نموذجًا

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منذ أن نفخ الله في جسد آدم الروح، ومسح على ظهره، وأخذ العهد على ذريته أن يعبدوه، ظلّ حادي الروح يحدوها إلى ربها، وصوت العقل ينادي عليها بالانحياز للحق والتعرف على الباري، والضمير الإنساني يؤنّب الإنسان، ويوبّخه حين يشذّ عن الفطرة؛ فالخِلْقَة البشرية والهيئة الإنسانية قائلة بلسان الحال: […]

ابن تيميَّـة والأزهر.. بين التنافر و الوِفاق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يُعد شيخ الإسلام ابن تيمية أحد كبار علماء الإسلام الذين تركوا أثرًا عظيمًا في الفقه والعقيدة والتفسير، وكان لعلمه واجتهاده تأثير واسع امتدّ عبر الأجيال. وقد استفاد من تراثه كثير من العلماء في مختلف العصور، ومن بينهم علماء الأزهر الشريف الذين نقلوا عنه، واستشهدوا بأقواله، واعتمدوا على كتبه […]

القول بالصرفة في إعجاز القرآن بين المؤيدين والمعارضين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ الآياتِ الدالةَ على نبوّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم كثيرة كثرةَ حاجة الناس لمعرفة ذلك المطلَب الجليل، ثم إن القرآن الكريم هو أجلّ تلك الآيات، فهو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم المستمرّة على تعاقُب الأزمان، وقد تعدَّدت أوجه إعجازه في ألفاظه ومعانيه، ومع ما بذله المسلمون […]

الطاقة الكونية مفهومها – أصولها الفلسفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: إن الله عز وجل خلق الإنسان، وفطره على التوحيد، وجعل في قلبه حبًّا وميلًا لعبادته سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]، قال السعدي رحمه الله: […]

موقف الليبرالية من أصول الأخلاق

مقدمة: تتميَّز الرؤية الإسلامية للأخلاق بارتكازها على قاعدة مهمة تتمثل في ثبات المبادئ الأخلاقية وتغير المظاهر السلوكية، فالأخلاق محكومة بمعيار رباني ثابت يحدد مسارها، ويمنع تغيرها وتبدلها تبعًا لتغير المزاج البشري، فحسنها ثابت الحسن أبدًا، وقبيحها ثابت القبح أبدًا، إذ هي تحمل صفات ثابتة في ذاتها تتميز من خلالها مدحًا أو ذمًّا خيرًا أو شرًّا([1]). […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017