الاثنين - 12 محرّم 1447 هـ - 07 يوليو 2025 م

المنهج العلموي في العلوم التجريبية… تقويم ونقاش

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

مقدمة:

شهد التاريخ الإسلامي ازدهارًا غير مسبوق في مجال العلوم التجريبية خلال القرون الأولى من الحضارة الإسلامية، حيث لم يكن العلم مفصولًا عن الدين، بل كان الاستكشاف العقلي للظواهر الطبيعية يُعدّ جزءًا من عبادة الله والتأمل في خلقه. فقد أسّس الحسن بن الهيثم منهجًا تجريبيًّا في دراسة الضوء والرؤية، وابتكر ابن النفيس نظرية الدورة الدموية الصغرى، وقدم الخوارزمي إسهاماته الفارقة في الجبر والحساب، مؤسِّسًا بذلك أحد أهم دعائم المنهج العلمي، وقام أبو الريحان البيروني في الخلافة العباسية بقياس نصف قطر الأرض مستخدمًا المنهج التجريبي قبل أن يصل إليه الغرب بقرون طويلة.

كان هذا التفاعل المتناغم بين العقل والتجربة من جهة والوحي من جهة أخرى هو السمة المميزة للمنهج العلمي عند المسلمين، حيث لم يكن هناك تعارضٌ جوهري بين الدين والعلم، بل كانت المعرفة العلمية تُطلب من أجل فهمٍ أعمقَ للكون والوجود، ومن ثم توثيق العلاقة بالله تعالى.

غير أن هذه العلاقة بين العلم والدين لم تَسلم من التحول في العصور الحديثة، حيث بدأت النزعة العَلموية (Scientism) بالهيمنة على تصورات كثير من العلماء والفلاسفة الغربيين، وهي نزعة تُعلي من شأن العلوم التجريبية إلى درجة تحويلها إلى مرجعية معرفية وحيدة، تُقصي كل ما هو غيبي أو ميتافيزيقي أو غير قابل للاختبار الحسي.

إذن لم يعد العلم مجرد أداة لفهم الطبيعة، بل تحوّل في بعض الخطابات الفلسفية والإعلامية إلى أيديولوجيا مادية ترفض كل مصادر المعرفة الأخرى، وتُقصي الدين، وتزعم امتلاك الحقيقة المطلقة دون مساءلة.

لذا رأى مركز سلف للبحوث والدراسات تقويم هذا المنهج العلموي الذي أصبح يُفرض في كثير من البيئات الأكاديمية المعاصرة، خصوصًا في العالم العربي، من خلال دراسة نقدية لأصوله الفكرية، ومآلاته المعرفية، وموقعه من المنهج العلمي الحقيقي كما تطور في الفكر الإسلامي والحداثي معًا، كما يسعى إلى التفريق بين العلم التجريبي الرصين الذي يعتمد على الملاحظة والاختبار وبين العلموية التي تُحوّل العلم إلى أداة أيديولوجية تُقصي الدين والفلسفة باسم العقلانية.

مركز سلف للبحوث والدراسات

المبحث الأول: مكانة الحس والتجربة في الإسلام:

يُعدُّ الحس والتجربة من أركان المعرفة الأساسية في البناء العلمي، وقد نال هذا المصدر تأكيدًا خاصًّا في التراث الإسلامي، لا سيما عند شيخ الإسلام ابن تيمية الذي قرر أن التجربة الحسية أكمل وأتم مصادر المعرفة، مقارنة بالعقل المجرد والخبر الصادق.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “الاعتبار بالنظر والقياس، وإنما يحصل العلم به بعد العلم بالحِس، فما أفاده الحس معيّنًا يفيده العقل والقياس كليًّا مطلقًا… والخبر يتناول الكليات والمعيَّنات والشاهد والغائب، فهو أعلم وأشمل، لكن الحس والعيان أتم وأكمل”([1]).

وإن هذه المصادر الثلاثة متكاملة لا متعارضة، وقد نص على هذا التكامل قوله تعالى: {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].

تتضمن هذه الآية الحواس الثلاث: السمع (الذي يشمل الخبر الصادق)، البصر (الذي يشمل الملاحظات الحسية)، والفؤاد (الذي يمثل العقل والتفكير النقدي). ومن هنا يظهر أن الإسلام لم يقتصر على مصدر واحد للمعرفة، بل اعتبر كل مصدر مكملًا للآخر.

ومن هذا المنطلق قرر علماء الحديث والفقهاء أن معارضة الحس غير مقبولة، بل هي معيار نقد في ذاته. فكل ما ثبت بالحس لا يُرد بخبر حتى لو نُسب إلى الحديث الشريف؛ إذ إن من علامات وضع الحديث -كما يقول العلماء- أن يخالف ما هو معلوم بالحس والمشاهدة.

يقول ابن الجوزي: “من جملة دلائل الوضع أن يكون مخالفًا للعقل… ويلتحق به ما يدفعه الحس والمشاهدة”([2]).

ويمثِّل ابن القيم ذلك بحديث موضوع: (من حدّث حديثًا فعطس عنده فهو حق)، ثم يعلق: “هذا -وإن صحح بعض الناس سنده- فالحس يشهد بوضعه؛ لأنَّا نشاهد العطاس والكذب يعمل عمله… ولو عطس مائة ألف رجل عند حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُحكم بصحته بالعطاس”([3]).

وقد جاءت السنة النبوية بتقرير مكانة الحس والشهود، كما في حديث علي بن أبي طالب حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في مهمة، فقال له: أكون في أمرك كالسكة المحماة أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ فأجابه: «بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب»([4]).

فأقره النبي على الحس والمشاهدة حتى مع وجود أمره صلى الله عليه وسلم وهو أكرم الخلق وأصدقهم، فكيف بنصوص محتملة الدلالة؟! بل فكيف باجتهادات بشرية لبعض العلماء؟!

وعلى المستوى الفلسفي فإن الحواس هي المدخل الأول لإدراك الظواهر، بينما تُعد التجربة المعملية تكرارًا منظمًا لهذا الإدراك بهدف إثبات الارتباط السببي بين الظواهر. فهي التي تسمح -على سبيل المثال- بفهم العلاقة بين حركة القمر وظاهرة المد والجزر، أو سلوك مادة معينة عند تغيير ظروفها. ومع ذلك فإن التجربة وحدها لا تنتج قوانين عامة، وإنما تفتح المجال للعقل لاستنباط تلك القوانين من خلال نماذج تفسيرية تُبنى على تكرار المشاهدات تحت شروط منضبطة.

خطأ بعض الباحثين المعاصرين:

رغم منزلة الحس والتجربة، إلا أن بعض الباحثين الشرعيين يتبنون موقفًا مصادمًا من جُل العلوم التجريبية تقريبًا، ويُريدون فصل الدين عن العلم تمامًا؛ انطلاقًا من نظرة سوداوية تجاه جميع العلوم التجريبية؛ لأنها بزعمهم علوم غربية إلحادية، فأنكروا كروية الأرض ودورانها، وأنكروا وجود الفضاء الكوني، وأنكروا الأمور العلمية كتبخر المياه لتكوين السحاب، وغير ذلك.

ولا شك أن المجتمع العلمي أو الأكاديميا الغربية تنطلق من منطلقات علموية، بل وإلحادية أيضًا، تبعًا لخلل منظومة مصادر المعرفة لديهم، فيقع لهم بسبب ذلك استنتاجات دهرية باطلة، أو إطلاقات علمية غير دقيقة -كما سيأتي بيانه-.

لكن تكذيب كل ما وصل إليه علماء الفيزياء والكونيات، واعتبار أن كل ما وصلوا إليه هو مؤامرة على الإسلام، هذا الكلام لا يصح إيراده في البحث العلمي؛ وذلك لسببين:

السبب الأول: أنهم يتوصلون إلى أمور تخالف معتقداتهم الدهرية أحيانًا، ومن ذلك لما توصَّلوا إلى نظرية الانفجار الكبير، أبدى كثيرٌ منهم استياءه وأعربوا عن قلقهم لأنها ستجر بشكلٍ أو بآخر إلى إثبات التدخل الإلهي، ولهم تصريحات قد أشار إليها الدكتور جعفر شيخ إدريس في كتابه (الفيزياء ووجود الخالق).

السبب الثاني: الأكاديميا الغربية لا يختصون بتلك العلوم التجريبية، فيوجد مراكز علمية مُستقلة ووكالات فضاء في الصين واليابان وروسيا والهند، ومعلوم التنافس بين هذه الدول، بل وفيهم علماء من العرب والمسلمين أيضًا.

ومن القواعد العقلية المُقررة: أن الجمع الغفير من الأمم -على اختلاف ثقافاتها- لا تتواطأ على مخالفة الضروريات أو المشاهدات أو النظر العقلي. هذه من القواعد المنطقية المتفق عليها بين الأمم.

فإقدام بعض الباحثين الشرعيين على إنكار جُل هذه العلوم التجريبية يُعد من المُكابرة الحسيَّة التي تُضعف من موقف الإسلام، فيكون ضرر المسلم على الإسلام أشدَّ من ضرر الملحد نفسه، من حيث يظن المسلم أنه ينصر الإسلام، كما ذكر ابن القيم.

يقول ابن القيم رحمه الله: “الطائفة الثانية -أي: من المسلمين- رأت مقابلة هؤلاء -أي: الفلاسفة والطبائعيين- بردِّ كل ما قالوه من حقّ وباطل، وظنوا أن من ضرورة تصديق الرسل ردّ ما علمه هؤلاء بالعقل الضروريّ وعلموا مقدماته بالحِس، فنازعوهم فيه وتعرّضوا لإبطاله بمقدمات جدلية لا تغني من الحقّ شيئا، وليتهم مع هذه الجناية العظيمة لم يضيفوا ذلك إلى الرسل، بل زعموا أن الرسل جاؤوا بما يقولونه! فساء ظن أولئك الملاحدة بالرسل… كمكابرتهم إياهم في كون الأفلاك كروية الشّكل والأرض كذلك، وأن نور القمر مُستفاد من نور الشمس، وأن الكسوف القمري عبارة عن انمحاء ضوء القمر بتوسط الأرض بينه وبين الشمس من حيث إنه يقتبس نوره منها، والأرض كرة والسماء محيطة بها من الجوانب، فإذا وقع القمر في ظل الأرض انقطع عنه نور الشمس كما قدمناه… وضرر الدين وما جاءت به الرسل بهؤلاء من أعظم الضرر، وهو كضرره بأولئك الملاحدة، فهما ضرران على الدين: ضرر من يطعن فيه، وضرر من ينصره بغير طريقه، وقد قيل: العدو العاقل أقلّ ضررًا من الصديق الجاهل”([5]).

المبحث الثاني: الخطأ في مناهج المعرفة في الأكاديميا الغربية:

خطأ المنهج العلموي في العلوم التجريبية مبنيٌّ بشكلٍ رئيس على خلل ترتيب مصادر المعرفة وبُعدهم عن الوحي الإلهي وغلبة المنهج الإلحادي في القرن العشرين، ويمكن بيان أهم الأخطاء من الناحية العلمية كما يلي:

أولًا: حصر مصادر المعرفة في الحس والتجريب:

تُعد مسألة مصادر المعرفة من القضايا الأساسية في فلسفة العلوم الحديثة، إذ تحدد الأُطر التي يتم من خلالها بناء التصورات حول العالم. وفي السياق الإسلامي تُقسم مصادر المعرفة إلى قسمين: مصادر التلقي الشرعي، وهي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، ومصادر المعرفة الإنسانية الصحيحة، وهي: الحس، والعقل، والخبر الصادق. وهذه المصادر الأخيرة تتفق عليها غالبية الفلاسفة والعقلاء، وتُعدّ أركانًا مركزية في البنية المعرفية البشرية.

غير أن الرؤية المهيمنة في الأوساط العلمية -وخاصة في الأكاديميا الغربية- تميل إلى اختزال المعرفة في مصدرٍ واحدٍ تقريبًا، هو الحس والتجريب، وتُقصي بقية أشكال التلقي، في تبنٍ غير معلن للعلموية (Scientism) كنموذج معرفي مهيمن. ويترتب على هذا التصور الاعتقاد بأن كل ما يمكن معرفته يجب أن يخضع لقوانين الفيزياء والنمذجة الرياضية، وأن ما لا يمكن اختباره أو قياسه تجريبيًّا فهو خارج نطاق المعرفة أو لا معنى له. وهذه الرؤية -رغم شيوعها- قد تعرضت لانتقادات جادة من قِبل فلاسفة وعلماء بارزين، مثل ألبرت أينشتاين، وبيير دوهيم، وكارل بوبر، ولاري لودان، وروبرت لوفلين، وغيرهم.

وقد وقع ستيفن هوكينج في هذا الخطأ المنهجي عندما صرّح في كتابه (The Grand Design): “الفلسفة ماتت… والعُلماء التَّجريبيُّون أصبحوا حَمَلة شُعلة الاكتشاف في رحلتنا للمعرفة”([6]).

يعكس هذا القول نزعةً نحو اختزال المعرفة في ما هو مادي وتجريبي فقط، مع إقصاءٍ لأي بعد وجودي أو ميتافيزيقي. غير أن هذا ليس خطأً في الفيزياء ذاتها، بل في المنهج المعرفي الذي يتبناه الفيزيائي الباحث؛ إذ ينطلق بعض الفيزيائيين من فرضيةٍ مسبقة مفادها أن الواقع ينحصر فقط في العالم المحسوس، وكل ما لا يخضع للنمذجة أو التجريب فهو غير موجود أو غير ذي معنى.

وهذا الإقصاء يتنافى مع القاعدة العقلية البديهية التي تقول: “عدم العلم ليس علمًا بالعدم”. فعدم إدراك الإنسان لشيء لا يعني بالضرورة عدم وجوده.

والنظرة المادية القائلة بأن كل شيء يخضع لقوانين الفيزياء أو النمذجة الرياضية أثبتت فشلها لما أثبت ماكس بلانك وجود جدار تنهار عنده كل قوانين الفيزياء، وسماه حاجز بلانك، أو نقطة بلانك، وهي تمثل ما قبل الجزء (10-43) من الثانية([7]).

كما أنَّ قوانين الفيزياء تنهار عند الثقوب السوداء، خاصة في مركزها المعروف بالانفجار المركزي أو التفرد (Singularity) بسبب قوة الجاذبية، بحيث تتجمع كثافة الكتلة والطاقة؛ مما يؤدي إلى انكسار قوانين الفيزياء وميكانيكا الكم([8]).

وأيضًا توصَّل كورت غودل إلى مبرهنته الشهيرة وهي: (مبرهنة عدم التمام)، بأن كل نظامٍ رياضي أو منطقي لا بد وأن يكون ناقصًا([9]).

إذن الفيزياء -أو القوانين الكونية- رغم منزلتها في المعرفة، إلا أنها من جملة الأسباب المخلوقة لله عز وجل، فكان من المنطقي أن يكون لها حدود معينة لا تتخطاها.

من هذا المنطلق يصبح من الضروري النظر إلى قوانين الفيزياء لا بوصفها حقائق مطلقة، بل كأدوات تفسيرية داخل منظومة مخلوقة لها حدودها التي وضعها الخالق سبحانه وتعالى. وهذه القوانين -رغم أهميتها- لا يمكن أن تُفسّر كل شيء في الوجود؛ لأن الوجود ذاته أوسع من أن يُحاط بمجرد الأدوات الكمية أو المعادلات الرياضية.

يقول آلبرت أينشتاين: “كثيرًا ما يُقال، وبما نقطع بأن له ما يُسوِّغه في الواقع: أن العالم التجريبي فقيرٌ في الفلسفة. فلماذا إذن لا يكون من الصواب في حق الفيزيائي أن يترك النظر الفلسفي للفلاسفة؟ قد يكون هذا هو الموقف الصحيح في زمان يكون من المستساغ للفيزيائي فيه أن ما بين يديه من منظومة للمفاهيم الأساسية والقوانين الكلية هو من القوة والمتانة في التأسيس بما لا يُمكن أن تمسه موجات الشك والاحتمالية، ولكنه لا يُمكن أن يكون هو الموقف الصحيح في زمانٍ أصبحت فيه أسس علم الفيزياء نفسه محلًّا للإشكال الكبير كما هو الشأن في زماننا هذا. ففي زماننا الحاضر، عندما تُرغمنا التجربة وتضطرنا إلى أن نبحث عن أسس أحدث وأرسخ لعلم الفيزياء، فلا يليق بالفيزيائي أن يترك مهمة التأمل النقدي في الأصول النظرية لعلم الفيزياء نفسه للفيلسوف، فإنه بوصفه متخصصًا في الفيزياء أكثر إلمامًا وإدراكًا بمواضع الخلل -أي: في البناء النظري المعتمد- فعند البحث عن أصول وأسس جديدة يجب أن يُحاول استجلاب الأسباب العقلية التي تسوغ له قبول تلك الأسس العلمية، وإلى أي مدى يصح ذلك التسويغ، ويصح اعتبار تلك الأسس من الضروريات العلمية”([10]).

ويُضيف كارل بوبر -رائد فلسفة العلوم الحديثة- نقدًا لاذعًا للتوجه العلموي في الأوساط التجريبية، فيقول: “إن الوضعي -يعني: العالِم التجريبي- يمقت الفكرة القائلة بوجود مشكلات ذات معنى خارج ميدان العلم الإمبريقي الوضعي، أي: المشكلات التي تهتم بها أي نظرية فلسفية أصلية، كما أنه يكره الفكرة القائلة بوجود نظرية معرفية أصلية سواء في ميدان الأبستمولوجيا أو الميثودولوجيا. وإنه يرى في المشكلات الفلسفية مجرد مشكلات زائفة أو معضلات، ومن ثم فإن رغبته تلك -وإن كان لا يُعبر عنها كرغبة بل كقضية واقعية- دائمًا ما ترضيه! فليس أسهل من كشف القناع عن مشكلة القول بأنها (بلا معنى) أو (زائفة). فكل ما يتعيَّن عليك عمله أن تُركز على المعنى الضيق لكلمة (بلا معنى)، وسوف تجدك مقودًا على الفور لأن تقول عن أي تساؤل: إنك غير قادر على تبيين أي معنى فيه. وفضلًا عن ذلك فإنك إذا لم تسمح لمشكلات أخرى بخلاف الموجود في العلم الطبيعي على أنها ذات معنى، فإن أية مناقشة حول تصوّر المعنى سوف تصبح بلا معنى”([11]).

إن هذا النقد يعيد الاعتبار للفلسفة في بنية التفكير العلمي، ويدعو إلى تحرير العلوم من القيد الصارم للمنهج التجريبي وحده، والاعتراف بأن المعرفة أوسع من التجريب، وأن العلم يحتاج دومًا إلى قاعدة فلسفية راسخة تستوعب أسئلته الكبرى، وتُعطي المعنى لغاياته النهائية.

ثانيًا: الانطلاق من مذهب الواقعية في الأكاديميا الغربية:

يغلب على الأكاديميا الغربية مذهب الواقعية العلمية، وهو المذهب القائل بأن النظريات العلمية -على الأقل الناجحة منها- تصف الكون بما هو عليه، بما في ذلك الكيانات غير المرئية، لكنه موقف غير سديد، ولذلك عارضهم كارل بوبر واشترط أن يكون هناك مبدأ “القابلية للتكذيب”، فمع أهمية النظريات العلمية، إلا أنها تتفاوت مراتبها من حيث الظن واليقين.

وموقف كارل بوبر وغيره هو الأقرب إلى الصواب؛ لأن النظرية هي نوع من إعمال العقل، وهو نوع من الاجتهاد. حتى ولو تم إثبات النظرية رياضيًّا، فلا يعني أن التفسير العلمي أو التوصيف للواقع كان دقيقًا. بل هذا الأمر يعتمد على مدى تكرار التجربة وتعميمها كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية.

وأقرب مثال على ذلك: أن قانون الجاذبية لإسحاق نيوتن رغم صحته رياضيًّا وفيزيائيًّا إلا أن تفسيره العلمي لم يكن صوابًا -كما وضَّح أينشتاين فيما بعد-.

فالحس والتجريب يؤكدان صحة قانون الجاذبية لنيوتن، حيث إنَّ التجربة التي أجراها نيوتن أثبتت أن الأشياء تسقط بتسارع ثابت يتناسب مع كتلتها. هذه القياسات الرياضية الدقيقة تم رصدها وتوثيقها، وبالتالي فالتجربة هنا صحيحة. لكن تفسير نيوتن للجاذبية ليس دقيقًا، حيث أظهر أينشتاين أن الجاذبية ليست “قوة سحب” كما تصور نيوتن، بل هي نتيجة انحناء الزمكان بسبب وجود الكتلة والطاقة. وهذا يعني أن الكواكب تدور حول الشمس نتيجة لانحناء الزمكان حول الشمس، وليس بسبب انجذابها إليها كما كان يظن نيوتن([12]).

كما أن القانون الذي صاغه نيوتن لا يشمل كل شيء في الكون؛ لأنه لم يُعممه على الكون كله، إلا أنه تم تعميمه بصورةٍ أكبر في “النسبية” لأينشتاين ليشمل ظواهر لم يرصدها نيوتن، مثل جاذبية الثقوب السوداء وتأثير الجاذبية على الضوء والزمن. ورغم هذا فقوانين نيوتن صحيحة في إطارها الكلاسيكي الذي يعرفه الناس على كوكب الأرض.

ومن المثال السابق يتبيَّن أنَّ النظرية قد تُصيب رياضيًّا وواقعيًّا، إلا أن التوصيف أو التفسير العلمي قد لا يكون دقيقًا.

وبناءً على ذلك يمكننا أن نخلص إلى أن (الحس والتجريب) قد يصل إلى العلم اليقيني، لكن (دور العقل) في القوانين العلمية أو التفسيرات الفيزيائية المُستنبطة يبيّن أنها ليست دائمًا قاطعة أو يقينية، بل تفيد الظن أو غلبة الظن أو اليقين، بناءً على مدى تكرار التجربة وتعميمها.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “وكذلك المجربات، فعامة الناس قد جربوا أن شرب الماء يحصل معه الري، وأن قطع العنق يحصل معه الموت، وأن الضرب الشديد يوجب الألم، والعلم بهذه القضية تجريبي، فإن الحس إنما يدرك ريًّا معينا وموتَ شخص معين. أما كون كل من فعل به ذلك يحصل له مثل ذلك فهذه القضية الكلية لا تعلم بالحس، بل بما يتركب من الحس والعقل”([13]).

ولذلك على الباحث أن يعرف أنَّ النظريات العلمية هي أدوات لتفسير الظواهر الطبيعية، وليس بالضرورة أن تُمثل الواقع بما هو عليه، وهذا يقترب من مذهب الأداتية (Instrumenralism)([14]) الذين يعتبرون القوانين أدوات لتفسير الظواهر الطبيعية، وليس بالضرورة تُمثل الحقيقة الموضوعية. وهو بعكس مذهب الواقعية (Realism) الذي يغلب على الأكاديميا الغربية([15]).

إذن يُمكن أن نقول باختصار: إنَّ الحس والتجريب أعلى درجات المعرفة، ثم يأتي بعدها دور الاستنباط العقلي في صياغة القانون والتفسير العلمي للظواهر وهذه العملية تفيد إما اليقين أو الظن أو تغليب الظن، حسب مدى تعميم التجربة واستمراريتها، وسلامة ذهن المستنبط في التفسير. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية دقيقًا لما فرَّق بين الحس والتجربة من جهة، واستنباط المناط من جهة أخرى.

وخطأ الواقعيين أو الأكاديميا الغربية في أنهم يسوون بين المرتبتين، ولذلك يجعلون بعض الاستنتاجات الاجتهادية تمثل الواقع بما هو عليه.

على أنه ينبغي التنبيه أن ظنية النظرية العلمية أو التفسير لا يقدح في الإيمان بتأثير الأسباب؛ لأن تأثير الأسباب يتعلق بالحس والتجربة فقط؛ فتكرار الشيء يدل على نتيجة سببية، وإن لم ندركها.

أما النظرية العلمية والتفسير العلمي فهو يتعلق بالعقل، والمعوَّل عند أهل السنة هو الإيمان بتأثير الأسباب الطبيعية، أما صياغتها وشروحاتها على هيئة قواعد وقوانين فهذه خاصة بالاجتهاد الفكري. ومثال ذلك:

– استمرار ظاهرة المد والجزر للبحار عند ظهور القمر وغيابه، هذا يدل على أنَّ للقمر تأثيرًا معيَّنًا بسبب المشاهدة الحسية، أما تفسير الظاهرة وصياغة القوانين فهي تتعلق بالعمل الذهني.

يقول ابن القيم: “لا ندفع تأثير القمر في وقت امتلائه في الرطوبات حتى في جزر البحار ومدها، فإن منها ما يأخذ في الازدياد من حين يفارق القمر الشمس إلى وقت الامتلاء، ثم إنه يأخذ في الانتقاص ولا يزال نقصانه يستمر بحسب نقصان القمر حتى ينتهي إلى غاية نقصانه عند حصول المحاق، ومن البحار ما يحصل فيه المد والجزر في كل يوم وليلة مع طلوع القمر وغروبه… ونحن لا ننكر ارتباط المُسببات بأسبابها كما ارتكبه كثيرٌ من المتكلمين وكابروا العيان”([16]).

ففي النقل السابق أثبت ابن القيم تأثير القمر بسبب تكرار حصول الظاهرة (الحس والتجربة)، وإن لم يُدرك تفسير تلك الظاهرة أو قانونها.

ثالثًا: الإطلاقات الدهرية في العلوم التجريبية:

الخلل في منهج المعرفة وحصره في الحس والتجربة وعدم الإيمان بغير المحسوس أدى إلى استنتاجات دهرية قد تتعارض مع العقيدة الإسلامية إذا أُخذت على إطلاقها، فجاءت العقيدة الإسلامية لتقيِّد هذه الإطلاقات، على سبيل المثال:

1- المادة لا تفنى ولا تستحدث من عدم:

في إطار الفيزياء التقليدية نجد أن هذا المبدأ يُسمى: (قانون حفظ المادة والطاقة) ينص على أن المادة والطاقة لا تفنى ولا تُستحدث من العدم، بل تتحول من شكل إلى آخر، هذا المبدأ له جانب صحيح في الإطار التجريبي الذي يخضع للحس والملاحظة، وهو أن كمية المادة والطاقة في الكون تظل ثابتة. على سبيل المثال: إذا احترقت مادة مثلًا فإنها لا تفنى كما يظن الناس، بل تتحول إلى غازات وعناصر أخرى، ستبقى كتلة المادة ثابتة([17]).

إلا أن هذا الإطلاق يجب تقييده بقدرة الله عز وجل؛ لأن المادة ليست أزلية أو مستقلة عن الله عز وجل، فكل شيء في الكون خاضع لمشيئته، والمادة خاضعة تحت إرادة الله، إذن يُمكن القول بأنَّ: (المادة لا تفنى ولا تُستحدث من عدم إلا بقدرة الله).

من خلال هذه الفكرة يُمكن للمسلم فهمُ أن الطبيعة تعمل وفقًا لقوانين محكومة، لكن هذه القوانين يمكن أن تتغير أو تنكسر بحسب مشيئة الله تعالى، وهو ما لا يتم التأكيد عليه في الفيزياء التقليدية.

2- الصدفة في نشأة الكون أو نشأة الإنسان:

من الإطلاق الدهري أيضًا قولهم: (بالصدفة) في تفسير النشأة الأولى سواء نشأة الكون، أو نشأة الإنسان، رغم أنهم إلى اليوم لا يملكون تفسيرًا مُقنعًا لحدوث هذه الصدفة. فما زال الضبط الدقيق للكون (Fine-Tuning) يُمثل لهم إشكالية حادة في المجتمع الغربي؛ فالعلم لا يقدم تفسيرًا لهذه الدقة الفائقة التي تؤكد وجود إرادة إلهية.

لكن التفسير بوجود إله هو تفسير غير علمي -بحسب نظرتهم المادية العلموية- ولذلك يضطرون إلى تفسيرات أخرى تتوافق مع المادة، وإن كانت غير منطقية.

رابعًا: الخلط بين الإجماع التجريبي وإجماع الأكاديميا الغربية:

يُعد التمييز بين مراتب المعرفة في العلوم التجريبية أمرًا جوهريًّا لفهم طبيعة التفسير العلمي، وحدود ما يمكن تسميته بـ”الإجماع العلمي”. فليس كل ما يُتداول في أروقة الأكاديميا الغربية يُمثّل بالضرورة علمًا تجريبيًّا بالمعنى الدقيق، بل تتفاوت قضايا العلوم الطبيعية بين ما هو قائم على الرصد والتجربة والقياس وبين ما هو افتراض تأويلي أو تفسيري مبني على أُطُر فلسفية ومقدمات ميتافيزيقية ضمنية.

ومن أبرز الإشكالات المنهجية في هذا السياق: الخلط بين “العلم التجريبي” كمنهج قائم على الرصد والتحقق وبين “التفسير الدهري” الذي يفترض مسبقًا أن الوجود لا يخضع إلا لقوانين فيزيائية مادية، ويستبعد -كأصل منهجي- أي بُعد غيبي أو تفسير غير مادي. وهذا الخلط لا يصدر غالبًا عن أهل التخصّص الدقيق، وإنما يتسرب من خلال الخطاب الثقافي العام، خاصة في الأوساط التي تتلقى المعرفة من الأكاديميا الغربية دون تمحيص فلسفي أو إبستمولوجي.

ويُلاحظ في هذا الإطار أن بعض المثقفين العرب -الواقعين تحت وطأة الانبهار بالغرب- يتعاملون مع ما يصدر عن المؤسسات الأكاديمية الغربية وكأنه إجماع علمي لا يُردّ، مع أن كثيرًا مما يُقدَّم بوصفه “رأيًا علميًّا” هو في حقيقته مجرد “أفضل الفرضيات الممكنة” ضمن النموذج التفسيري السائد، والذي قد يتغير إذا تبدلت الفروض أو المنطلقات. وهو ما أشار إليه كارل بوبر في نقده لمنهج “التحقق” (Verification) الذي تتبناه الوضعية المنطقية، حيث عدّه مسلكًا غير علمي؛ لأنه ينطلق من مسلَّمات غير قابلة للنقد، ثم يُبنى عليها الدليل، فيقع الباحث في الدور المنطقي (Circular Reasoning) ويُغلق الباب أمام النقد أو تطوير النموذج التفسيري([18]).

تتجلى هذه الإشكالية بوضوح في النظريات المتعلقة بنشأة الكون والحياة، مثل نظرية التطور أو النظريات الكونية الكبرى، إذ تُبنى غالبًا على استبعاد تام لأي بُعد غيبي، فيُفترض -على سبيل المثال- أن أصل الإنسان لا بد أن يكون تطوريًّا، ثم تُنتقى الأدلة من السجل الأحفوري أو غيره لتدعيم هذه الفرضية. وإذا ثبت أن أحفورة معينة لا تصلح يبحثون عن غيرها.

والسبب في ذلك لا يعود إلى فساد العلم التجريبي، بل إلى تبنِّي مسلَّمة مادية تستبعد الخيار الإلهي مسبقًا.

إن هذا اللون من التفسير العلمي لا يمثل العلم التجريبي نفسه، بل هو تفسير مؤَدلج بمقولات ميتافيزيقية دخيلة على المنهج العلمي الصرف. ولذلك فإن نقده لا يعني رد العلم أو معارضته، بل هو تفريق ضروري بين ما هو علم محض، وما هو تأويل مادي قائم على فرضيات فلسفية مسبقة.

ولعل من أبرز الأمثلة على الإطلاقات الدهرية التي تصادف الباحث في هذا السياق: التعميم القائل: (المادة لا تُستحدث من عدم ولا تفنى)، أو (الكون وُجد بالصدفة)، وهي عبارات تخالف العقيدة الإسلامية إذا أُخذت على إطلاقها، لكنها تُمرّر ضمن الخطاب العلمي المعاصر وكأنها نتائج تجريبية، في حين إنها تُمثل موقفًا تفسيريًّا محدودًا بأُفق النموذج العلمي السائد.

ومن هنا تبرز أهمية التمييز المنهجي بين مستويين من المعرفة العلمية:

المستوى الأول: الحقائق والمشاهدات التجريبية القائمة على الرصد والقياس، وهذا هو جوهر العلم التجريبي، وهو محل اتفاق وتسليم العقلاء، وهذا النوع قطعي عند علماء الإسلام.

المستوى الثاني: التفسيرات الافتراضية المستندة إلى رؤى ميتافيزيقية مسبقة وفق فرضيات، هذا النوع مبني على استنتاجات وليس على الرصد والتجربة، كرفض الغيب المطلق، أو حصر الوجود في المادة، أو التسليم بنظرية التطور، وهذا هو المجال الذي يُطلب فيه النقد والتحليل، وليس التسليم والتقليد.

هذا التمييز يساعد الباحث على فهم بنية الخطاب العلمي الحديث، وتمييز ما يمكن الاتفاق معه، مما ينبغي مناقشته ونقده ضمن الإطار الفلسفي والعقدي.

المبحث الثالث: الرؤية الإسلامية في المعالجة:

1- دور العقل في استنباط القوانين العامة:

العقل لا يقتصر دوره على مجرد تلقي المعلومات الحسية، بل يمتد ليشمل تحليل هذه المعلومات واستنباط القوانين العامة التي تحكم الظواهر. فالتجربة الحسية قد تكشف لنا عن ظاهرة معينة أو حدث معين، لكن هذا ليس كافيًا لإنشاء قوانين عامة، بل يحتاج الأمر إلى تدخل العقل الذي يستطيع تعميم التجربة.

يقول ابن تيمية: “وكذلك المجرَّبات، فعامة الناس قد جربوا أن شرب الماء يحصل معه الري، وأن قطع العنق يحصل معه الموت، وأن الضرب الشديد يوجب الألم، والعلم بهذه القضية تجريبي، فإن الحس إنما يدرك ريًّا معينا وموتَ شخص معين. أما كون كل من فعل به ذلك يحصل له مثل ذلك فهذه القضية الكلية لا تعلم بالحس، بل بما يتركب من الحس والعقل”([19]).

وقد يصل العقل إلى القضية الكلية (أو القانون العام) إذا تكررت التجارب أو تكرر حدوث الظاهرتين، فهذا التكرار يدل على وجود علاقة بين الظاهرتين.

من هنا يُمكن القول: إن التجربة الحسية توفر لنا البيانات الأولية حول الظواهر، ولكن العقل هو الذي يعمل على تجريد القوانين العامة من هذه البيانات. على سبيل المثال: قد يلاحظ الطبيب أن دواءً معينًا يساعد في علاج مرض معين لدى عدد من المرضى. لكن معرفة أن هذا الدواء سوف يؤثر على جميع المرضى بنفس الطريقة يتطلب تدخلَ العقل في استنباط القانون العام.

2- تقديم القطعي على الظني:

من المسائل المنهجية الدقيقة مسألة تعارض العقل والنقل، وهي مسألة لطالما أُسيء فهمها من طرفين متقابلين: أحدهما يعلي من شأن العقل حتى يجعله الحاكم على النصوص الشرعية مطلقًا، والآخر يظن أن مجرد انتماء الدليل إلى دائرة “الشرع” كافٍ لتقديمه على أي دليل عقلي مهما بلغت قوته. وكلا الطرفين يتجاهلان القاعدة الأصولية: “إذا تعارض العقل والنقل قُدِّم القطعي منهما، فإن كانا ظنيين قُدِّم الراجح منهما، سواء كان عقليًّا أم نقليًّا”.

وقد بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية أن الخطأ المنهجي يكمن في تقديم الجنس على الجنس، أي: تقديم جنس الدليل الشرعي على جنس الدليل العقلي أو العكس، دون نظرٍ في خصوصية كل دليل ودرجته. فالعبرة ليست بانتماء الدليل، بل بدرجته من حيث القطعية أو الظنية، ومن حيث دلالته ومصدره.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “وتبيَّن بذلك أن تقديم الجنس على الجنس باطل، بل الواجب أن يُنظر في عين الدليلين المتعارضين، فيُقدَّم ما هو قطعي منهما، والراجح إن كانا ظنيين، سواء كان هو السمعي أو العقلي”([20]).

فالمعيار الصحيح في حال التعارض الظاهري ليس نوع الدليل، بل قوته البرهانية. فالدليل العقلي قد يكون قطعيًّا، وقد يكون ظنيًّا، وكذلك الدليل النقلي، فقد يكون قطعيَّ الثبوت والدلالة (كنصوص القرآن المحكمة)، وقد يكون ظنيَّ الثبوت أو الدلالة (كحديث ضعيف أو نصوص ذات دلالة المحتملة). ومن ثم فالتفضيل المطلق لنوع الدليل -بغض النظر عن حالته التفصيلية- هو تهافت منهجي، لا يليق بميزان العلم.

وإذا تأملنا في هذا الميزان الترجيحي فإننا نقف على ثلاثة تنبيهات جوهرية ينبغي لكل باحث أن يستحضرها، حتى لا يقع في مغالطات شائعة:

التنبيه الأول: ضرورة التحقق من قطعية دلالة النص الشرعي:

فكثير من الباحثين الشرعيين يظنون أن مجرد ورود النص في القرآن أو السنة يعني بالضرورة قطعية دلالته، بينما قد تكون دلالته محتملة خاضعة لتأويل أو تخصيص أو تقييد. وبالتالي فإن تقديم هذا النص على دليل عقلي أو تجريبي قطعي بناءً على وهم القطعية يؤدي إلى خلل في الترجيح، ويفتح الباب للطعن في النصوص بسبب سوء الفهم البشري لها.

التنبيه الثاني: تقديم الواقع اليقيني إذا تعارض مع تأويل بشري ظني:

إذا وُجد دليل تجريبي قطعي -أي: ثبت بالتكرار، والانضباط، والمشاهدة المباشرة- ثم بدا أن ثمة تعارضًا مع دلالة شرعية، فإن المفترض هنا مراجعة فهمنا للنص الشرعي، لا رفض الواقع المحسوس؛ وذلك لأن الشرع -كما تقرر عند أهل العلم- جاء مصدقًا للواقع لا مناقضًا له، ومقرًّا للحقائق الكونية لا متجاهلًا لها. ومن ثم فإن التعارض الظاهري بين النص والواقع لا يكون -في هذه الحالة- إلا نتيجة خلل في فهمنا لأحدهما. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المعنى في مواضع متفرقة: “إن العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح”، بل كلما ظهر التعارض كان ذلك دليلًا على خطأ الفهم لأحد المصدرين، لا على بطلان أحد المصدرين.

التنبيه الثالث: الحذر من وهم القطعية في الدليل العقلي أو التجريبي:

في المقابل ينبغي التنبيه إلى أن كثيرًا من المعاصرين -وخاصة من التيار العلموي- يتوسعون في إطلاق القطعية على ما هو في حقيقته ظني أو متغير. فليس كل ما تقرره الأوساط الأكاديمية الغربية يمثل بالضرورة “إجماعًا علميًّا”، ولا كل ما يُنشر في المجلات العلمية يُعد من المسلمات؛ إذ لطالما تغيّرت النظريات، وتهاوت التصورات الكبرى، وانقلبت الموازين العلمية بفعل اكتشافات جديدة. وبالتالي فاستعمال العقل أو العلم كذريعة لرد النصوص يجب أن يكون منضبطًا، مبنيًّا على قواعد راسخة، لا انبهارًا بمركزية معرفية خارجية أو سلطات ثقافية مستوردة.

إن المسألة الجوهرية ليست في التعارض بين العقل والنقل، بل في فهم كل منهما، وتنزيله في موضعه. فالعقل السليم لا يتعارض مع الوحي الصادق، وإنما قد يقع التعارض الظاهري بسبب أحد أمرين: إما خلل في الدلالة، أو خلل في الفهم. وحل هذا التعارض ليس بالإقصاء، بل بالموازنة الدقيقة، التي تراعي القطعية والظنية، وتُقدّم الراجح بالدليل، لا بالهوى أو العاطفة.

3- معرفة الظني والقطعي من النظريات التجريبية:

لكي تتم المعالجة الشرعية بصورةٍ دقيقة يجب على الباحث أن يعرف مراتب الأمور القطعية والظنية من علوم الفيزياء والكونيات، حتى لا يقع في رفض الأمور المثبتة علميًّا، ثم يُعارض بها الآيات القرآنية، وبذلك تكون أعظم الجناية على الإسلام.

ومن الخطأ الشائع عند طائفة من الباحثين ظنهم أن (النظرية) أمرٌ ظني غير مثبت علميًّا، ولا يُمكن قبولها، بخلاف الحقيقة العلمية، وهو ظنّ غير صحيح، فكثير من النظريات يرتقي إلى مقام اليقين أو ما يُقاربه من تغليب الظن.

فالنظرية العلمية تدعهما أدلة تجريبية قوية، ناتجة عن اختبارات وملاحظات متكررة وموثوقة، على سبيل المثال: النظرية النسبية لأينشتاين تفسّر كيفية تأثير الجاذبية على الزمان والمكان، وهي مدعومة بأدلة تجريبية قوية، وأثبتت صحتها حتى الآن، ويعتمد عليها في الأنظمة الذكية وتحديد مواقع الـ(GPS) من خلال الأقمار الصناعية([21]).

ولذلك يجب على الباحث أن يعرف مراتب الظني والقطعي، سواء من الشريعة أو من العلوم الحديثة، حتى يضبط العلاقة بينهما بشكلٍ علمي صحيح.

4- احترام النظريات العلمية المثبتة حتى ولو لم تكن قطعية:

الإسلام يحترم العقل، ويحترم قواعد التفكير والاستدلال المنطقي -حتى وإن لم يكن قطعيًّا-، فالإسلام لا يقدح في الظن جملةً، ولا يقبله جملةً، بل يضع الظن وفق مرتبته من حيث إفادة العلم.

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الكتاب: «إذا حدَّثَكم أَهلُ الْكتابِ فلا تصدِّقوهم ولا تُكذِّبوهم»([22])؛ وذلك لأنه لا دليل على بطلان قولهم، ولا دليل على صدقه.

ولقد عرف المسلمون طرق التفكير العقلي، سواء في أصول الفقه أو في علم الحديث، وكشف علماء الحديث عن العلة في الحديث بطرقٍ عقلية.

ومن الاستدلال العقلي في القرآن: قول الله تعالى مُصدقًا قول الشاهد: ﴿وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [يوسف: 27]. وذلك لأن قطع القميص من الخلف دليلٌ على أن هذا الشخص كان يُلاحقه شخص من خلفه، وعليه فلا يكون هو المعتدي، وهي طريقة استدلالية عقلية مكوَّنة من مقدمات ونتائج.

وهذه الطريقة لا تُفيد القطع بالضرورة، وإنما تفيد تغليب الظن؛ لأنه قد يكون القميص قد قُطع بطريقة أخرى، كأن يكون لعدم قدرتها على دفعه من الأمام فأمسكته من الخلف وقطعت القميص، أو انزلق قميصه بسبب المشاجرة والفوضى فقطع من هذه الناحية، لكن تبقى هذه الاحتمالات ضعيفة.

والمقصود أن الاحتمال الأول وإن كان يُفيد لا يفيد القطع، فقد أقرَّه الإسلام، ولم ينفِ الاستدلال به.

وكذلك (الدليل العقلي أو التجريبي) يُنظر فيه، إن كان الترجيح وفق قواعد علمية بحيث يصح تغليب الظن فيُسلَّم بذلك تغليبًا، ما لم يُخالف نصًّا شرعيًّا قطعيَّ الدلالة والثبوت. وهذا المنطق الاحتمالي هو ما استخدمه علماء الحديث في طرق النقد ومعرفة علل الحديث، وفق قواعد عقلية صحيحة.

والمقصود: عدم المُسارعة في نفي بعض النظريات العلمية التي عليها أدلة تجريبية بدعوى كونها ظنية، وهذا الاتجاه قد ظهر كردّ فعل مُقابل لغلو بعض الباحثين في قضية الإعجاز العلمي.

ويُنبِّه على هذا الخطأ العلامة ابن عثيمين، ويُحذِّر من إنكار ظنيات العلم التجريبي مما ظاهره يُخالف الشرع. ففي مسألة الصعود إلى القمر وأنها تُخالف النفاذ من أقطار السماوات يقول رحمه الله: “يجب التأني في الإنكار، إذ قد يكون غير المُتيقن اليوم مقطوعًا به غدًا، فبذلك يجلب المرء الطعن إلى نفسه في قصوره أو تقصيره، أو الطعن في القرآن الكريم في نظره مخالفًا للواقع المُتيقن”([23]).

الخـاتمة:

لقد حاولَت هذه الورقة تسليطَ الضوء على إشكالية متزايدة الحضور في الخطاب العلمي والفلسفي المعاصر، وهي إشكالية العِلموية، باعتبارها توجّهًا يسعى إلى احتكار المعرفة داخل إطار ضيق يتمثل في العلوم التجريبية وحدها، ويقصي ما عداها من أشكال المعرفة، كالدين والفلسفة والمجالات الإنسانية والروحية. وقد تم عرض وتحليل الأصول الفلسفية التي قادت إلى بروز هذا المنهج، وتمّ تتبُّع النقد الفلسفي والعلمي الذي وُجِّه إلى هذه النزعة على يد فلاسفة كبار مثل كارل بوبر، وكذلك المفكرون الإسلاميون المعاصرون الذين بيّنوا خطورة تحويل العلم من أداة بحث إلى أيديولوجيا شمولية.

كما تم التأكيد على أن المنهج العلمي التجريبي الحقيقي لا يقتصر على التفسير المادي، بل يستند إلى التراكم المعرفي، ويُقرّ بدور العقل، بل والحس المشترك والتجربة، ويُدرك حدود نفسه. في حين إن المنهج العلموي يتجاوز حدوده بطموح فلسفي غير مبرَّر، ويتعامل مع النظريات الظنية وكأنها حقائق نهائية، ويُقصي إمكانات المعرفة المستمدة من الدين أو من التجربة البشرية غير القابلة للقياس الكمي.

إن إشكالية العلموية ليست مجرد خطأ منهجي، بل هي اختزال للوجود، وتضييق للمعنى، وتحويلٌ للعلم من سعي نبيل لفهم الطبيعة إلى أداة تُبرّر المادية والعدمية، وتُقصي الإنسان من بعده الروحي والمعنوي. وفي المقابل، فإن التراث الإسلامي قدّم نموذجًا متوازنًا يجمع بين التحقيق العقلي والإيمان بالغيب، ويُبقي الباب مفتوحًا أمام تعدد مستويات المعرفة.

ومن هنا فإن النهوض بالمعرفة العلمية في العالم الإسلامي لا يعني تقليد الغرب في مناهجه ومقولاته الأيديولوجية، بل يعني استعادة الثقة في العقل المسلم، وإعادة بناء المنهج العلمي من داخل رؤية كونية توحيدية تُنصف العقل وتحترم التجربة، دون أن تطيح بالغيب أو تسجن الإنسان في مادية باردة.

تبقى الحاجة قائمة إلى خطاب علمي نقدي يحرر العقل المسلم من سطوة العلموية، ويعيد بناء العلاقة بين العلم والإيمان، على نحو يجعل من المعرفة مشروعًا إنسانيًّا متكاملًا، لا مجرد أداة تقنية خاضعة لنزعة استهلاكية أو أيديولوجيا إقصائية.

والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) درء تعارض العقل والنقل (7/ 324).

([2]) انظر: تدريب الراوي في شرح تقريب النووي (1/ 277).

([3]) المنار المنيف (ص: 51).

([4]) رواه أحمد (628)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1904).

([5]) مفتاح دار السعادة (2/ 212).

([6]) Stephen​​ Hawking,​​ The Grand Design, p. 5.

([7]) History of Science and Philosophy of Science, Pradip Kumar (P: 658).

([8]) James A. Hartle, Introduction to General Relativity (Addison-Wesley, 2003), pp. 150-160; L. P. L. (Leslie) R., Black Hole Physics (Springer, 2012), pp. 45-60; Stephen Hawking, A Brief History of Time (Bantam Books, 1988), pp. 100-120.

([9]) An Introduction to Gödel’s Theorems Cambridge University Press.P:50-70.

([10]) AS quoted by Howard,Don A., “Einsteins philosophy of Science”, The Stanford Encyclopedia of Philosophu (Summer 2010 Edition), Edward N.Zalta(ed.),

([11]) منطق الكشف العلمي (ص:89).

([12]) طبيعة العالم الفيزيائي، سير أرثر ستانلى أدنجتون (ص: 134).

([13]) الرد على المنطقيين (ص: 134).

([14]) فلسفة العلم في القرن العشرين، د. يُمنى طريف الخولي (ص: 296- 297).

([15]) فلسفة علم الفيزياء، مقدمة قصيرة، ديفيد والاس (ص: 28).

([16]) مفتاح دار السعادة (ص: 516).

([17]) وهذا موافق لمذهب ابن تيمية في استحالة الجواهر والأعراض وتحول المواد إلى مواد أخرى خلافًا للمتكلمين.

([18]) Karl Popper, The Logic of Scientific Discovery, Routledge, 2002, pp. 48-51.

([19]) الرد على المنطقيين (ص: 134).

([20]) درء تعارض العقل والنقل (1/ 136-137).

([21]) وتُعرّف النظرية العلمية (Scientific theory) بأنّها بنية التفكير المنتظم الذي يتصوّره الخيال البشري ضمن نطاق واسع، وتشمل مجموعة من القوانين التجريبية التي من شأنها تنظيم الأشياء والأحداث التي تمّت ملاحظتها وافتراضها، إذ تشرح النظرية العلمية هذه القوانين بطريقة عقلانية وعلمية، ويستخدم العلماء البيانات والملاحظات والتجارب الدقيقة، والنظريات التفسيرية المنهجية في تفسير الأحداث، والتعبير عن العلاقات المستمرّة بين الأشياء، والكشف عن النظام في سلوكها، وبالتالي تقديم خطّة منهجية أو نظرية علمية لبيان كيفية حدوثها. (Scientific theory”, www.britannica.com, Retrieved 6-3-2018. Edited).

([22]) أخرجه البخاري (4485).

([23]) رسالة الوصول إلى القمر -ضمن رسائل العقيدة للشيخ ابن عثيمين- (ص: 126).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

المنهج العلموي في العلوم التجريبية… تقويم ونقاش

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: شهد التاريخ الإسلامي ازدهارًا غير مسبوق في مجال العلوم التجريبية خلال القرون الأولى من الحضارة الإسلامية، حيث لم يكن العلم مفصولًا عن الدين، بل كان الاستكشاف العقلي للظواهر الطبيعية يُعدّ جزءًا من عبادة الله والتأمل في خلقه. فقد أسّس الحسن بن الهيثم منهجًا تجريبيًّا في دراسة الضوء والرؤية، […]

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى “ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

ولاية الفقيه الشيعية.. أصولها العقدية، ومناقضتها للوحي والنبوة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: جريا على نهج مركز سلف للبحوث والدراسات في تعميق البحث في أصول المعتقدات وفروعها حررنا هذه الورقة العلمية في موضوع “ولاية الفقيه الشيعية.. أصولها العقدية، ومناقضتها للوحي والنبوة“، قصدنا فيها إلى الكشف عن أصولها العقدية داخل المذهب، وحقيقة شكلها السياسي من خلال القراءة الخمينية، معتمدين على تراث الخميني […]

مصطلح أهل السنة والجماعة.. دلالته وتاريخه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: مصطلح “أهل السنة والجماعة” من المصطلحات الكبرى التي حظِيت بعنايةِ العلماء عبر العصور؛ نظرًا لأهميته في تحديد منهج أهل الحق الذين ساروا على طريق النبي ﷺ وأصحابه، وابتعدوا عن الأهواء والبدع، ويُعدّ هذا المصطلح من أوسع المصطلحات التي استُخدمت في التاريخ الإسلامي، حيث لم يكن مجردَ توصيف عام، […]

نزعة الشّكّ في العقيدة .. بين النّقد والهدم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنَّ العقيدة هي الركيزة الأساسية التي يقوم عليها الإيمان، وهي أصل العلوم وأشرفها، إذ تتعلق بالله سبحانه وتعالى وأسمائه وصفاته، وبالإيمان برسله وكتبه، وباليوم الآخر وما أعدَّ الله فيه من ثواب وعقاب. فهي من الثوابت الراسخة التي لا تقبل الجدل ولا المساومة، إذ بها تتحقق الغاية العظمى من […]

السلفية في المغرب.. أصول ومعالم (من خلال مجلة “دعوة الحق” المغربية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مدخل: مجلة “دعوة الحق” مجلة شهرية مغربية، تعنى بالدراسات الإسلامية وبشؤون الثقافة والفكر، أسست سنة 1957م، من إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وهي مجلة رافقت بناء الدولة المغربية بعد الاستقلال، واجتمعت فيها أقلام مختلفة التخصصات، من المشرق والمغرب، وكانت “الحركة السلفية” و”العقيدة السلفية” و”المنهج السلفي” جزءا مهمًّا من مضامين […]

قطعية تحريم الخمر في الإسلام

شبهة حول تحريم الخمر: لم يزل سُكْرُ الفكرة بأحدهم حتى ادَّعى عدمَ وجود دليل قاطع على حرمة الخمر، وتلمَّس لقوله مستساغًا في ظلمة من الباطل بعد أن عميت عليه الأنباء، فقال: إن الخمر غير محرم بنص القرآن؛ لأن القرآن لم يذكره في المحرمات في قوله تعلاى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ […]

السَّلَف والحجاج العَقلِيّ .. الإمام الدارمي أنموذجًا

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: من الحقائق العلمية التي تجلَّت مع قيام النهضة العلمية لأئمة السلف في القرنين الثاني والثالث وما بعدها تكامل المنهج العلمي والمعرفي في الدين الإسلامي؛ فالإسلام دينٌ متكاملٌ في مبانيه ومعانيه ومعارفه ومصادره؛ وهو قائم على التكامل بين المصادر المعرفية وما تنتجه من علوم، سواء الغيبيات والماورائيات أو الحسيات […]

ذلك ومن يعظم شعائر الله .. إطلالة على تعظيم السلف لشعائر الحج

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: لا جرم أن الحج مدرسة من أعظم المدارس أثرا على المرء المسلم وعلى حياته كلها، سواء في الفكر أو السلوك أو العبادات، وسواء في أعمال القلوب أو أعمال الجوارح؛ فإن الحاج في هذه الأيام المعدودات لو حجَّ كما أراد الله وعرف مقاصد الحج من تعظيم الله وتعظيم شعائره […]

‏‏ترجمة الشيخ الداعية سعد بن عبد الله بن ناصر البريك رحمه الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه: هو الشيخ سعد بن عبد الله بن ناصر البريك. مولده: ولد الشيخ رحمه الله في مدينة الرياض يوم الاثنين الرابع عشر من شهر رمضان عام واحد وثمانين وثلاثمائة وألف للهجرة النبوية 14/ 9/ 1381هـ الموافق 19 فبراير 1962م. نشأته العلمية: نشأ رحمه الله نشأته الأولى في مدينة […]

تسييس الحج

  منذ أن رفعَ إبراهيمُ عليه السلام القواعدَ من البيت وإسماعيلُ وأفئدة الناس تهوي إليه، وقد جعله الله مثابةً للناس وأمنا، أي: مصيرًا يرجعون إليه، ويأمنون فيه، فعظَّمه الناسُ، وعظَّموا من عظَّمه وأقام بجواره، وظل المشركون يعتبرون القائمين على الحرم من خيارهم، فيضعون عندهم سيوفهم، ولا يطلب أحد منهم ثأره فيهم ولا عندهم ولو كان […]

البدع العقدية والعملية حول الكعبة المشرفة ..تحليل عقائدي وتاريخي

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة تُعدُّ الكعبةُ المشرّفة أقدسَ بقاع الأرض، ومهوى أفئدة المسلمين، حيث ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بعقيدة التوحيد منذ أن رفع قواعدها نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، تحقيقًا لأمر الله، وإقامةً للعبادة الخالصة. وقد حظيت بمكانةٍ عظيمة في الإسلام، حيث جعلها الله قبلةً للمسلمين، فتتوجه إليها وجوههم في الصلاة، […]

الصد عن أبواب الرؤوف الرحيم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من أهمّ خصائص الدين الإسلامي أنه يؤسّس أقوم علاقة بين الإنسان وبين إلهه وخالقه سبحانه وتعالى، وإبعاد كلّ ما يشوب هذه العلاقة من المنغّصات والمكدرات والخوادش؛ حيث تقوم هذه العلاقة على التوحيد والإيمان والتكامل بين المحبة والخوف والرجاء؛ ولا علاقة أرقى ولا أشرف ولا أسعد للإنسان منها ولا […]

إطلاقات أئمة الدعوة.. قراءة تأصيلية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: يقتضي البحث العلمي الرصين -لا سيما في مسائل الدين والعقيدة- إعمالَ أدوات منهجية دقيقة، تمنع التسرع في إطلاق الأحكام، وتُجنّب الباحثَ الوقوعَ في الخلط بين المواقف والعبارات، خاصة حين تكون صادرة عن أئمة مجدِّدين لهم أثر في الواقع العلمي والدعوي. ومن أبرز تلك الأدوات المنهجية: فهم الإطلاق […]

التوحيد في موطأ الإمام مالك

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يختزن موطأ الإمام مالك رضي الله عنه كنوزًا من المعارف والحكمة في العلم والعمل، ففيه تفسيرٌ لآيات من كتاب الله تعالى، وسرد للحديث وتأويله، وجمع بين مختلفه وظاهر متعارضه، وعرض لأسباب وروده، ورواية للآثار، وتحقيق للمفاهيم، وشرح للغريب، وتنبيه على الإجماع، واستعمال للقياس، وفنون من الجدل وآدابه، وتنبيهات […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017