
الصحابة في كتاب (الروض الأنف) لأبي القاسم السهيلي الأندلسي (581هـ) -وصف وتحليل-
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
مقدمة:
يحرص مركز سلف للبحوث والدراسات على توفية “السلف” من الصحابة ومنِ اتبعهم بإحسان في القرون الأولى حقَّهم من الدراسات والأبحاث الجادة والعميقة الهادفة، وينال الصحابةَ من ذلك حظٌّ يناسب مقامهم وقدرهم، ومن ذلك هذه الورقة العلمية المتعلقة بالصحابة في (الروض الأنف) لأبي القاسم السهيلي الأندلسي رحمه الله، ولهذه الورقة مقاصد، ترجع إلى التنبيه على استحباب تثوير فوائد كتاب “الروض الأنف” لأنه “مليء“، ومن المقاصد الكبرى لهذه الورقة:
1- بيان مكانة الصحابة في التراث الإسلامي الأندلسي، خاصة في كتاب (الروض الأنف).
2- بيان بعض أجزاء منهج السهيلي ومصادره في الكتاب.
3- التنبيه على أن (الروض الأنف) مصدر جيد لتاريخ الصحابة رضي الله عنهم.
4- التنبيه على ما يمكن تسميته “فقه سيرة الصحابة“، سواء كان في الزمن النبوي أو بعده.
وليس من مقصود الورقة الاستقراء ولا الإحاطة، بل التنبيه بالجزء على الكل، ولذلك ستبنى الورقة على أخذ عينات من الكتاب باعتبارها شواهد ونماذج، وقد اقتصرت على بعض التعليقات والملاحظات والتنبيهات، فإن مثل هذه الورقة لا تحتمل أكثر من ذلك، والله الموفق للصواب.
مركز سلف للبحوث والدراسات
ترجمة موجزة للسهيلي:
هو أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله الخثعمي المالقي المالكي، ولد بمالقة بكورة رية التي كانت تسمى باسمها، وقد توفي رحمه الله عام 581هـ، ومن شيوخه المشهورين: أبو بكر ابن العربي المعافري المتوفى سنة 543هـ، ومن أشهر مؤلفاته: “الروض الأنف” و”نتائج الفكر“، و”الأمالي“.
واللافت لنظر الباحث في المادة الترجمية المتعلقة بالسهيلي هو غلبة الجانب اللغوي والأدبي في أدائه وإنتاجه العلمي، وربما في تلقيه أيضا، فقد كان القدر المشترك بين غالب شيوخه كونهم نحويين لغويين، كابن الطراوة الذي أكثر عنه، بل ناظر عليه في كتاب ابن سيبويه الذي اختص به في الأندلس، ويشهد لهذا التميز الإنتاجُ الأدبي الشعري المتنوع، بل إن كتابه (الروض الأنف) و(المشرع الرّوى في تفسير ما اشتمل عليه حديث سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتوى) والذي يعد مذهبة مؤلفاته طافح بالمباحث اللغوية على غير عادة المؤلفات في السيرة النبوية التي تقوم على العمل التأريخي المحض، ولا يميل المؤلف فيها إلى المباحث الأخرى إلا عرضا لا أصالة.
عرض السهيلي لكثير من الصحابة رضي الله عنهم، مجموعات وأفرادا، ولكثير من الأحداث التي كانوا جزءا مهمًّا منها، بطريقة تثبت محلهم المهم في السيرة النبوية، فسيرة النبي صلى الله عليه وسلم حكاية لأحداث جرت من النبي صلى الله عليه وسلم منفردا، أو مع غيره من صحابته أو أعدائه، وحكاية أحداث وقعت في زمانه وقُبيله، وقد تبين بالدليل أن الصحابة كانوا ركنا أساسًا في بعض هذه الأحداث، بل جزءا مؤثرًا من سيرته عليه الصلاة والسلام، فالصحبة جزء من النبوة، فإليهم بعث، واصطفاهم الله له كما اصطفاه لهم، وشواهد هذا في الطريقة التي عرض السهيلي تراجمهم على القارئ، وهي طريقة فريدة ورفيعة الشأن، وسأعرض شواهد بعض ذلك في هذه الورقة إن شاء الله تعالى، كاشفا عن الخطوط العريضة، ومبينا بعض تفاصيلها بشواهد من تصرفاته في الكتاب والله المعين.
ويمكن تلخيص منهج المؤلف في التالي:
- يعتمد على أكثر من رواية لسيرة ابن إسحاق، مثل رواية يونس بن بكير والبكائي وإبراهيم بن سعد، ويقول أحيانا: (هكذا تقيد في النسخة).
- ينقل عن كتب السنة مثل صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن النسوي -أي: النسائي-.
- ينقل عن كتب السير والمغازي مثل الواقدي وغيره.
- ينقل عن الطبري والدارقطني والبكري في معجمه، وابن حبان والفاكهي وابن المبارك.
- يذكر أحيانا ما رواه الصحابي، ويعدّ كم روى، مثل قوله: لم يرو إلا حديثين، أو يروي حديثا في المسح.
- يهتم بالأوليات، مثل أول من أسلم، وأول من مات، وأول من ضرب.
- يتوقف عند الإشكالات ليرفعها، وهو من أصول تعليقاته.
- يعرض الجرح والتعديل في الرواة، والتصحيح والتضعيف للروايات.
- يشير عند المقتضي إلى طرق الحديث ورواياته، مثل حديث الصلاة النبوية على القبر.
- قد يذكر موت الصحابي، ويؤرخ بزمن خلافة فلان وفلان، ويذكر الاختلاف في ذلك ومكان وفاته.
- يحقق في أسماء الصحابة وسلاسل أنسابهم، ويصحّح ويرجِّح.
- يجمع بين الروايات إذا اختلفت بتعدد القصة.
- يشير إلى السابق واللاحق من تحقيقاته في نفس الكتاب.
- يذكر عند ترجمة الصحابي الزوجة والأم والأب، وربما أم الأم وأم الأب.
- يذكر الحِكم من بعض التصرفات النبوية وأفعال الصحابة.
- يقف عند مقاطع شعرية، ويحقق في نسبتها، ويرفع بعض مشكلاتها ويشرح غريبها.
- يرجع إلى كتب أهل النسب.
- يعتمد أصالة على ابن عبد البر من (الاستيعاب) في ترجمة الصحابي.
- يهتم بفقه السيرة النبوية والصحابية.
الصحابة في الروض الأنف:
1- أبو بكر الصديق:
عند ذكر أبي بكر الصديق ذكر السهيلي الاختلافَ في وجه تلقيبه بـ”عتيق”، وحقق اسم أبيه وكنيته: أبي قحافة عثمان، واسم أم أبيه، واسم أمه وكنيتها، واسم زوجته، وقال في ذلك: (وسمي عتيقا، وسئل ابن معين عن أم أبي بكر فقال: أم الخير، عند اسمها، وهي: أم الخير بنت صخر بن عمرو بنت عم أبي قحافة، واسمها: سلمى، وتكنى: أم الخير، وهي من المبايعات، وأما أبوه عثمان أبو قحافة فأمه: قيلة -بياء باثنتين منقوطة من أسفل- بنت أذاة بن رياح، بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب. وامرأة أبي بكر أم ابنه عبد الله وأسماء: قتلة بنت عبد العزى، بتاء منقوطة باثنتين من فوق، وقيل فيها: بنت عبد أسعد بن نصر، بن حسل بن عامر).
واحتج بمدح حسان له:
خير البرية أتقاها وأفضلها … بعد النبي وأوفاها بما حملا
والثاني التالي المحمود مشهده … وأول الناس قدما صدق الرسلا
وقال: (وفي مدح حسان الذي قاله فيه وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكره دليل على أنه أول من أسلم من الرجال).
ومما يثير الانتباه في هذا تحقيقه في النسب من جهة الأب والأم، وفي ضبط الأسماء كما في حال “قيلة”، وفي الاستدلال الأصولي كما هو حال الإقرار النبوي على قول حسان في أبي بكر رضي الله عنهما.
دفاع عن أبي بكر:
عقد السهيلي فصلا خاصّا بالدفاع عن أبي بكر رضي الله عنه في وجه الرافضة ونصه:
(فصل: وزعمت الرافضة أن في قوله عليه السلام لأبي بكر: «لا تحزن» غضا من أبي بكر وذما له، فإن حزنه ذلك إن كان طاعة فالرسول عليه السلام لا ينهى عن الطاعة، فلم يبق إلا أنه معصية، فيقال لهم على جهة الجدل: قد قال الله لمحمد عليه السلام: ﴿فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ﴾ [يس: 76]، وقال: ﴿وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ [آل عمران: 176]، وقال لموسى: ﴿خُذْهَا وَلَا تَخَفْ﴾ [طه: 21]، وقالت الملائكة للوط: ﴿لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ﴾ [العنكبوت:33]، فإن زعمتم أن الأنبياء حين قيل لهم هذا كانوا في حال معصية فقد كفرتم، ونقضتم أصلكم في وجوب العصمة للإمام المعصوم في زعمكم، فإن الأنبياء هم الأئمة المعصومون بإجماع، وإنما قوله: «لا تحزن»، وقول الله لمحمد: ﴿لا يَحْزُنْكَ﴾، وقوله لأنبيائه مثل هذا تسكينٌ لجأشهم، وتبشير لهم وتأنيس على جهة النهي الذي زعموا، ولكن كما قال سبحانه: ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾ [فصلت: 30]، وهذا القول إنما يقال لهم عند المعاينة، وليس إذ ذاك أمر بطاعة ولا نهي عن معصية.
ووجه آخر من التحقيق، وهو: أن النهي عن الفعل لا يقضي كون المنهي فيه، فقد نهى الله نبيه عن أشياء، ونهى عباده المؤمنين، فلم يقتض ذلك أنهم كانوا فاعلين لتلك الأشياء في حال النهي، لأن فعل النهي فعل مستقبل، فكذلك قوله لأبي بكر: «لا تحزن» لو كان الحزن كما زعموا لم يكن فيه على أبي بكر رضي الله عنه ما ادعوا من الغض، وأما ما ذكرناه نحن من حزنه على النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان طاعة، فلم ينهه عنه الرسول عليه السلام إلا رفقا به وتبشيرا له، لا كراهية لعمله، وإذا نظرت المعاني بعين الإنصاف، لا بعين الشهوة والتعصب للمذاهب، لاحت الحقائق، واتضحت الطرائق، والله الموفق للصواب.
وانتبه -أيها العبد المأمور بتدبر كتاب الله تعالى- لقوله: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: 40]، كيف كان معهما بالمعنى وباللفظ، أما المعنى فكان معهما بالنصر والإرفاد والهداية والإرشاد، وأما اللفظ فإن اسم الله تعالى كان يذكر إذا ذكر رسوله، وإذا دعي فقيل: يا رسول الله، أو فعل رسول الله، ثم كان لصاحبه كذلك يقال: يا خليفة رسول الله، وفعل خليفة رسول الله، فكان يذكر معهما بالرسالة وبالخلافة، ثم ارتفع ذلك فلم يكن لأحد من الخلفاء ولا يكون)([1]).
وفي هذا النص مسائل:
- غيرته على مقام سيدنا أبي بكر رضي الله عنه، إذ استطرد فعقد فصلا للذب عنه.
- استعمل السهيلي النظائر القرآنية لإسقاط الشبهة.
- نفيه التلازم المزعوم بين النهي عن الفعل وكون المنهي فيه ذلك الفعل، أي: فعل الحزن.
- أفسد الشبهة بدلالة السياق، فإن الله تعالى قال: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾، فذكر المعية الإلهية لهما معا، وهذه فضيلة عظمى تكنس كل شوائب الشبهة
- جعل الإنصاف مقابلا على جهة المناقضة لـ”الشهوة والتعصب للمذاهب”.
فالناظر في المسألة الثانية والثالثة والرابعة يجدها أنماطا من “الحجاج” و”الجدل” العلمي، وهو معدود من أدق مسالك “فقه السيرة” النبوية.
ومن جميل تحقيقات السهيلي أن عرض لما نسب من شعر لأبي بكر رضي الله عنه مشككا في صحة نسبته إليه وقال: (وذكر ابن هشام أن قوما من أهل العلم بالشعر أنكروا أن تكون هذه القصيدة لأبي بكر، ويشهد لصحة من أنكر أن تكون له، ما روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: «كذب من أخبركم أن أبا بكر قال بيت شعر في الإسلام»، رواه محمد البخاري عن أبي المتوكل عن عبد الرزاق)([2]).
وهذه لطيفة علمية وحلاوة بحثية، فقد استعمل السهيلي هنا المعرفة الأدبية ومزجها بالتحقيق الحديثي، فضعف نسبة القصيدة بإيراد أثر بالإسناد، وهذا من متين العلم ومليح النقد.
2- عمر بن الخطاب:
قال في قصة إسلام عمر: (فصل: في حديث إسلام عمر، ذكره إلى آخره، وليس فيه إشكال، وكان إسلام عمر والمسلمون إذ ذاك بضعة وأربعون رجلا، وإحدى عشرة امرأة). ثم عقد فصلا لشرح غريب رواية إسلام عمر رضي الله عنه، واستطرد فتكلم في حكم مس المصحف والدخول في الإسلام، وشرطية الطهارة في ذلك، وجعل ذلك مبحثا فقهيا وحديثيا ولغويا لطيفا يحسن مراجعته([3]).
التأريخ الهجري في عهد عمر:
ومن لطائف الروض -ولطائفُه كثيرة- هذا المحلّ الذي تحدّث فيه السهيلي عن التأريخ بالهجرة النبوية، أبان فيه عن محل فقه الصحابة عنده، وقد عرض ذلك بطريقة جميلة، فإنه قال: (وفي قوله سبحانه: ﴿مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ [التوبة: 108] وقد علم أنه ليس أول الأيام كلها، ولا أضافه إلى شيء في اللفظ الظاهر، فتعين أنه أضيف إلى شيء مضمر، فيه من الفقه صحة ما اتفق عليه الصحابة مع عمر حين شاورهم في التاريخ، فاتفق رأيهم أن يكون التاريخ من عام الهجرة، لأنه الوقت الذي عز فيه الإسلام، والذي أمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأسس المساج، وعبَدَ الله آمنا كما يحب، فوافق رأيهم هذا ظاهر التنزيل، وفهمنا الآن بفعلهم أن قوله سبحانه: ﴿مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ أن ذلك اليوم هو أول أيام التاريخ الذي يؤرخ به الآن، فإن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذوا هذا من الآية فهو الظن بأفهامهم، فهم أعلم الناس بكتاب الله وتأويله، وأفهمهم بما في القرآن من إشارات وإفصاح، وإن كان ذلك منهم عن رأي واجتهاد، فقد علم ذلك منهم قبل أن يكونوا، وأشار إلى صحته قبل أن يفعل، إذ لا يعقل قول القائل: فعلته أول يوم، إلا بإضافة إلى عام معلوم أو شهر معلوم، أو تاريخ معلوم، وليس هاهنا إضافة في المعنى إلا إلى هذا التاريخ المعلوم لعدم القرائن الدالة على غيره، من قرينة لفظ أو قرينة حال، فتدبره ففيه معتبر لمن اذَّكَر، وعِلمٌ لمن رأى بعين فؤاده واستبصر، والحمد لله)([4]).
3- عثمان بن عفان:
وذكر عثمان بن عفان رضي الله عنه، فحقّق اسمه منسوبا، وقال: (وعثمان هو ابن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، ولا يختلف في عبد شمس أنه بالدال، وأما عب شمس بن سعيد بن زيد مناة بن تميم، فقال فيه أبو عبيد والقتبي: عبد شمس، كما في الأول)([5]).
وذكر في باب الهجرة إلى الحبشة زواجَه من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفاختة بنت غزوان وأبناءَه منهما([6]).
4- علي بن أبي طالب:
وأما علي بن أبي طالب فقال فيه: (وكان علي أصغر من جعفر بعشر سنين، وجعفر أصغر من عقيل بعشر سنين، وعقيل أصغر من طالب بعشر سنين، وكلهم أسلم إلا طالبا، اختطفته الجن، فذهب ولم يعلم بإسلامه، وأم علي: فاطمة بنت أسد بن هاشم، وقد أسلمت، وهي إحدى الفواطم التي قال فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: «اقسمه بين الفواطم الثلاث»، يعني: ثوب الحرير…)([7]).
5- ورقة بن نوفل:
وذكر ورقة بن نوفل، ونسبه، واسم أمه، وهي هند بنت أبي كبير، وأنه لم يكن له عقب، ووصفه بأنه (أحد من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم)، وذكر رواية الترمذي في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم له في المنام عليه ثياب بيض، وقال: (حديث في إسناده ضعف، لأنه يدور على عثمان بن عبد الرحمن) ، ثم قواه برواية أخرى جود إسنادها عند الزبير بن بكار([8]).
6- أول من أسلم:
ومن الأوليات التي حققها السهيلي أول من أسلم، فقال: (أول من أسلم أبو بكر، ولكن ذلك -والله أعلم- من الرجال، لأن عليا كان حين أسلم صبيا لم يدرك، ولا يختلف أن خديجة هي أول من آمن بالله وصدق رسوله، وكان علي أصغر من جعفر بعشر سنين، وجعفر أصغر من عقيل بعشر سنين، وعقيل أصغر من طالب بعشر سنين، وكلهم أسلم إلا طالبا، اختطفته الجن، فذهب ولم يعلم بإسلامه)([9]).
فهو هنا يطلق ويقيد الأولوية، فيفرق بين أول من أسلم مطلقا، فيجعله خديجة، وبين أول من أسلم من الرجال وهو أبو بكر، وبين أول من أسلم من الصبيان وهو علي رضي الله عنهم، وهذه طريقة العلماء.
7- المعذَّبون في مكة:
وعند حديثه على المعذبين في مكة تعرض لفقه ذلك وحقَّقه، وهذا نص جميل في ذلك، ذكر فيه فقه الصبر على الابتلاء، فقال في الإكراه على الكفر والمعصية: (ولما كان الإيمان أصله في القلب رخص للمؤمن في حال الإكراه أن يقول بلسانه إذا خاف على نفسه حتى يأمن)([10]). ثم فصل في مسألة المكره، وذكر اختلاف الأصوليين وعلماء الكلام في ذلك، وانتقد إنكار بعض الأصوليين على الباقلاني قولا له في “التقريب والإرشاد” بدعوى أنه كان ناقلا لا مقررا، وهذا شاهد على المكون الكلامي والأصولي في كتاب (الروض الأنف) عند السهيلي.
8- سلمان الفارسي:
وذكر سلمان الفارسي فقال: (وذكر حديث سلمان بطوله، وقال: كنت من أهل إِصبهان، هكذا قيده البكري في كتاب المعجم بالكسر في الهمزة، وإصبه بالعربية: فرس، وقيل: هو العسكر، فمعنى الكلمة: موضع العسكر أو الخيل أو نحو هذا، وليس في حديث سلمان على طوله إشكال، ووقع في الأصل في هذا الحديث: فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته)([11]).
9- النجاشي:
ذكر السهيلي النجاشي والنور الذي يزعم أنه كان على قبره، فقال: (فصل: وذكر حديث عائشة: كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على قبر النجاشي نور، وقد خرجه أبو داود من طريق سلمة بن الفضل، وعن ابن إسحاق عن يزيد بن رومان عن عائشة، وأورده في “باب النور يرى عند الشهيد”، وليس في هذا الحديث ولا غيره ما يدل على أن النجاشي مات شهيدا، وأحسبه أراد: أن يشهد بهذا الحديث ما وقع في كتب التاريخ من أن عبد الرحمن بن ربيعة أخا سلمان بن ربيعة الذي يقال له: ذو النور، وكان على باب الأبواب، فقتله الترك زمان عمر، فهو لا يزال يرى على قبره نور، وبعضد هذا حديث النجاشي، يقول: فإذا كان النجاشي -وليس بشهيد- يرى عنده نور، فالشهيد أحرى بذلك لقول الله سبحانه: ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ [الحديد: 19])([12]).
فوثق مصدر الخبر، وانتقد دلالته على ما زعموه، وعرض ذلك على القرآن، وحقق المقصود بالاستشهاد بالحديث بعرضه على ما ورد في التاريخ، وهي طريقة علمية دقيقة في قراءة الأخبار ونقدها.
10- زيد بن ثابت:
توقف السهيلي عند ذكر ابن إسحاق إسلام زيد بن حارثة فقال: (وذكر زيد بن حارثة، وقال فيه: حارثة بن شرحبيل، وقال ابن هشام: شراحيل، قال أصحاب النسب كما قال ابن هشام، ورفع نسبه إلى كلب بن وبرة، ووبرة هو ابن ثعلبة بن حلوان بن الحاف بن قضاعة، وأم زيد سعدى بنت ثعلبة بن عبد عامر، من بني معن، من طيئ، وكانت قد خرجت بزيد لتزيره أهلها، فأصابته خيل من بني القين بن جسر، فباعوه بسوق حباشة([13])، وهو من أسواق العرب، وزيد يومئذ ابن ثمانية أعوام، ثم كان من حديثه ما ذكر ابن إسحاق، ولما بلغ زيد قول أبيه: بكيت على زيد، ولم أدر ما فعل…)([14]).
ثم ذكر قصة تخيير زيد بين أهله وبين النبي صلى الله عليه وسلم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اشهدوا أن هذا ابني، وارثا وموروثا»، فطابت نفسه.
11- المهاجرون:
وفيهم نص فاخرٌ للسهيلي، أُورِدُه بنصه للطيف ما فيه، فقد قال: (وليس فيها إشكال، وفيه من الفقه الخروج عن الوطن، وإن كان الوطن مكة على فضلها، إذا كان الخروج فرارا بالدين، وإن لم يكن إلى إسلام، فإن الحبشة كانوا نصارى يعبدون المسيح، ولا يقولون: هو عبد الله، وقد تبين ذلك في هذا الحديث، وسموا مهاجرين، وهم أصحاب الهجرتين الذين أثنى الله عليهم بالسبق، فقال: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ﴾ [التوبة:100]، وجاء في التفسير أنهم الذين صلوا القبلتين، وهاجروا الهجرتين، وقد قيل أيضا: هم الذين شهدوا بيعة الرضوان، فانظر كيف أثنى الله عليهم بهذه الهجرة، وهم قد خرجوا من بيت الله الحرام إلى دار كفر، لما كان فعلهم ذلك احتياطا على دينهم، ورجاء أن يخلى بينهم وبين عبادة ربهم، يذكرونه آمنين مطمئنين، وهذا حكم مستمر، متى غلب المنكر في بلد وأوذي على الحق مؤمن، ورأى الباطل قاصرا للحق، ورجا أن يكون في بلد آخر -أي بلد كان- يخلى بينه وبين دينه، ويظهر فيه عبادة ربه، فإن الخروج على هذا الوجه حتم على المؤمن، وهذه الهجرة التي لا تنقطع إلى يوم القيامة، ﴿ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله﴾ [البقرة: 115])([15]).
وقد احتوى النص على توحيد الله بنقد النصرانية الحبشية، وتفسيرٍ وفقهٍ دقيق لمسألة الهجرة في سبيل الله، وهذا شاهد على المكون الفقهي والحِكَمي في كتاب (الروض الأنف).
12- الأنصار:
ذكر السهيلي الأنصار بتفصيل في مواضع ثلاثة، وهي فقرات نافعة يحسن إيرادها والتعليق عليها؛ لما احتوته من علم وفائدة، أما الموضع الأول فقال السهيلي فيه: (وكانت أرض يثرب لهم قبل نزول الأنصار بها، فلما كان سيل العرم، وتفرقت سبأ، نزلت الأوس والخزرج بأمر طريفة الكاهنة، وأمر مران بن عامر، فإنه كان كاهنا أيضا، وبما سجعت به لكل قبيلة من سبأ، فسجعت لبني حارثة بن ثعلب، وهم الأوس والخزرج، أن ينزلوا بيثرب ذات النخل، فنزلوها على يهود، وحالفوهم، وأقاموا معهم، فكانت الدار واحدة)([16]).
وأما الموضع الثاني فقال فيه: (الأنصار: هم الأوس والخزرج، والأوس الذئب والعطية أيضا، والخزرج الريح الباردة، ولا أحسب الأوس في اللغة إلا العطية خاصة… وأما أوس الذي هو الذئب فعلم كاسم الرجل، وهو كقولك أسامة في اسم الأسد، وليس أوس إذا أردت الذئب كقولك: ذئب وأسد، ولو كان كذلك لجمع وعرف… كما يفعل بأسماء الأجناس، ولقيل في الأنثى: أوسة، كما يقال: ذئبة، وفي الحديث ما يقوي هذا، وهو قوله عليه السلام: «هذا أويس يسألكم من أموالكم» فقالوا: لا تطيب له أنفسنا بشيء، ولم يقل: هذا الأوس، فتأمله، وليس أوس على هذا من المسمين بالسباع، ولا منقولا من الأجناس إلا من العطية خاصة)([17]).
وأما الثالث ففيه قوله: (والأنصار: جمع ناصر، على غير قياس في جمع فاعل، ولكن على تقدير حذف الألف من ناصر، لأنها زائدة، فالاسم على تقدير حذفها: ثلاثي، والثلاثي يجمع على أفعال، وقد قالوا في نحوه: صاحب وأصحاب، وشاهد وأشهاد)([18]).
المؤاخاة بين الصحابة:
ومن فقه السيرة النبوية قوله في المؤاخاة النبوية بين الصحابة: (آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه حين نزلوا المدينة، ليذهب عنهم وحشة الغربة، ويؤنسهم من مفارقة الأهل والعشيرة، ويشد أزر بعضهم ببعض، فلما عز الإسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة أنزل الله سبحانه: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: 75]، أعني: في الميراث، ثم جعل المؤمنين كلهم إخوة، قال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات:10]، يعني: في التواد وشمول الدعوة)([19]).
ففي هذا تفسير لآيتين، وهذا مما ينضاف إلى ما يكشف عن منهج السهيلي في (الروض الأنف) مما يتعلق بأصل الورقة العلمية.
تشريع الأذان:
وعلق عن قصة فرض الأذان وصيغته فقال: (ذكر حديث عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه: هكذا ذكره، وأكثر النساب يقولون: زيد بن عبد ربه، وثعلبة أخو زيد ذكر حديثه عندما شاور رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الأذان، فقال بعضهم: ناقوس كناقوس النصارى، وقال بعضهم: بوق كبوق اليهود، وفي غير السيرة أنهم ذكروا الشبور، وهو البوق، قال الأصمعي للمفضل، وقد نازعه في معنى بيت من الشعر، فرفع المفضل صوته، فقال الأصمعي: لو نفخت في الشبور ما نفعك، تكلم كلام النمل وأصب! وذكروا أيضا القنع وهو القرن، وقال بعضهم: هو تصحيف، إنما هو القبع، والقنع أولى بالصواب، لأنه من أقنع صوته إذا رفعه، وقال بعضهم: بل نوقد نارا ونرفعها، فإذا رآها الناس أقبلوا إلى الصلاة، وقال بعضهم: بل نبعث رجلا ينادي بالصلاة، فبينما هم في ذلك أري عبد الله بن زيد الرؤيا…) وذكر تمامه، وقال: (ففي هذا من الفقه جواز أن يؤذن الرجل ويقيم غيره، وهو معارض لحديث زياد بن عبد الله الصدئي حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: من أذن فهو أحق أن يقيم، في حديث طويل، إلا أنه يدور على عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، وهو ضعيف، والأول أصح منه). وقال: (وقد تكلمت العلماء في الحكمة التي خصت الأذان بأن رآه رجل من المسلمين في نومه، ولم يكن عن وحي من الله لنبيه كسائر العبادات والأحكام الشرعية، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم له: «إنها لرؤيا حق»، ثم بنى حكم الأذان عليها، وهل كان ذلك عن وحي من الله له أم لا؟ وليس في الحديث دليل على أن قوله ذلك كان عن وحي، وتكلموا: لمَ لمْ يؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل أذن قط مرة من عمره دهره أم لا؟
فأما الحكمة في تخصيص الأذان برؤيا رجل من المسلمين ولم يكن عن وحي، فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أريه ليلة الإسراء، وأسمعه مشاهدة فوق سبع سموات، وهذا أقوى من الوحي، فلما تأخر فرض الأذان إلى المدينة، وأرادوا إعلام الناس بوقت الصلاة، تلبّث الوحي حتى رأى عبد الله الرؤيا، فوافقت ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذلك قال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله، وعلم حينئذ أن مراد الحق بما رآه في السماء، أن يكون سنة في الأرض، وقوى ذلك عنده موافقة رؤيا عمر للأنصاري، مع أن السكينة تنطق على لسان عمر، واقتضت الحكمة لإلهية أن يكون الأذان على لسان غير النبي صلى الله عليه وسلم من المؤمنين، لما فيه من التنويه من الله لعبده، والرفع لذكره، فلأن يكون ذلك على غير لسانه أنوه به وأفخم لشأنه، وهذا معنى بيّن، فإن الله سبحانه يقول: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾، فمن رفع ذكره، أنْ أشاد به على لسان غيره، فإن قيل: ومن روى أنه أري النداء من فوق سبع سموات؟ قلنا: هو في مسند أبي بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار)([20]).
وفي هذا المقطع فوائد، منها:
- تنبيهه على الصحيح من نقط الكلمات، ورده دعوى التصحيف.
- نقله عن أئمة اللغة مثل الأصمعي والمفضل.
- نقده للرواية بتضعيف راويها.
- محاولة بيان الحكم التشريعية.
- ذكره بعض الأحكام الفقهية المستنبطة من أحداث في السيرة النبوية.
- تخريجه للآثار.
- توسعه في مصادر السنة النبوية.
نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم:
1- خديجة بنت خويلد:
ذكر السهيلي السيدة خديجة رضي الله عنها، وقال: (الطاهرة في الجاهلية والإسلام، وفي سير التيمي، أنها كانت تسمى: سيدة نساء قريش)، وذكر أمها، وسماها فاطمة بنت زائدة بن الأصم، بل نقل عن النسابين اسم أم فاطمة وهي هالة بنت عبد مناف، وقال: (وكانت خديجة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أبي هالة، وهو هند بن زرارة، وقد قيل في اسمه: زرارة، وهند ابنه).
وقال في بيان سن النبي صلى الله عليه وسلم عند زواجه بها: (واختلف في سنه صلى الله عليه وسلم حين تزوج خديجة، فقيل ما قاله ابن إسحاق، وقيل: كان ابن ثلاثين سنة، وقيل ابن إحدى وعشرين سنة، فصل: وذكر أن خديجة رضي الله عنها ولدت للنبي صلى الله عليه وسلم ولده كلهم إلا إبراهيم)([21]).
ومما يتعلق بترجمتها المفاضلة بينها وبين عائشة رضي الله عنهما، واختار تقديم خديجة على عائشة، بل وتقديم فاطمة على أمها رضي الله عنهن، مستحسنا جوابا نقله عن أبي بكر بن داود في المفاضلة بينهن، وقال: (وهذا استقراء حسن)، ثم فصل اختياره([22]).
2- سمية أم عمار بن ياسر:
وقال عند ذكره عمار بن ياسر رضي الله عنه: (وسمية أمه، وهي بنت خياط، كانت مولاة لأبي حذيفة بن المغيرة، واسمه مهشم، وهو عم أبي جهل، وغلط ابن قتيبة فيها، فزعم أن الأزرق مولى الحارث بن كلدة خلف عليها بعد ياسر، فولدت له سلمة بن الأزرق، وقال أهل العلم بالنساء: إنما سمية أم سلمة بن الأزرق سمية أخرى، وهي أم زياد بن أبي سفيان، لا أم عمار…)([23]).
المثير في هذا النص قوله: (أهل العلم بالنساء)، فلست أدري قصده، وهو أمر مثير مستحِقّ للنظر والبحث، وزاد في موضع آخر فقال: (وكان أهدى سمية إلى الحرث رجل من ملوك اليمن، يقال له: أبو جبر، وذلك أنه عالجه من داء كان به فبرئ، فوهبها له، وكانت قبل أبي جبر لملك من ملوك الفرس وفد عليه أبو جبر، فأهداها إليه الملك، ذكره ابن قتيبة)([24]). ثم رجع إلى الحديث عن عمار، وذكر قصته في بناء المسجد وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تقتله الفئة الباغية».
3- مارية القبطية:
توقف السهيلي عند ترجمة مارية بنت شمعون جارية النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (التي أهداها إليه المقوقس، واسمه جريج بن ميناء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرسل إليه حاطب بن أبي بلتعة وجبرا مولى أبي رهم الغفاري، فقارب الإسلام، وأهدى معهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغلته التي يقال لها دلدل، والدلدل القنفذ العظيم، وأهدى إليه مارية بنت شمعون، والمارية، بتخفيف الياء، البقرة الفتية، بخط ابن سراج، يذكره عن أبي عمرو المطرز، وأما الماريَّة بالتشديد، فيقال: قطاة ماريَّة، أي: ملساء، قاله أبو عبيد في الغريب المصنف)([25]).
وذكرها مرة أخرى فقال: (وذلك حين أرسلها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، وأهدى معها أختها سيرين، وهي التي وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان ابن ثابت رضي الله عنه فأولدها عبد الرحمن بن حسان، وأهدى معها المقوقس أيضا غلاما خصيا اسمه: مأبور، وبغلة تسمى: دلدل، وقدحا من قوارير كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب فيه، وتوفيت مارية رضي الله عنها سنة ست عشرة في خلافة عمر رضي الله عنه وكان عمر هو الذي يحشر الناس إلى جنازتها بنفسه، وهي مارية بنت شمعون القبطية من كورة حفن)([26]).
عيسى عليه الصلاة والسلام:
علق السهيلي على ذكر ابن إسحاق قصة لقاء سلمان عيسى بن مريم في العهد النبوي بقوله: (إسناد هذا الحديث مقطوع، وفيه رجل مجهول، ويقال: إن ذلك الرجل هو الحسن بن عمارة، وهو ضعيف بإجماع منهم، فإن صح الحديث فلا نكارة في متنه، فقد ذكر الطبري أن المسيح عليه السلام نزل بعدما رفع، وأمه وامرأة أخرى عند الجذع الذي فيه الصليب يتكئان فكلمهما، وأخبرهما أنه لم يقتل، وأن الله رفعه وأرسل إلى الحواريين، ووجههم إلى البلاد، وإذا جاز أن ينزل مرة، جاز أن ينزل مرارا، ولكن لا يعلم أنه هو حتى ينزل النزول الظاهر)([27]).
ومن الطريف أن الذهبي أورده في “تجريد أسماء الصحابة”، واعتبر ابن حجر ذلك استدراكا على من قبله، قال الذهبي: (عيسى بن مريم عليه السلام، صحابي ونبي، فإنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، وسلم عليه، فهو آخر الصحابة موتا)([28])، ووجه اعتباره صحابيا، لقاؤه بالنبي صلى الله عليه وسلم حيا لا ميتا، فإنه رفع كذلك، فالظاهر أنه نزل بجسده وصلى معه، والله أعلم. وتابعه ابن حجر في (الإصابة)، وجعل له ترجمة مختصرة حسنة.
خاتمة:
الناظر في هذه الورقة يجد الشواهد على أن كتاب (الروض الأنف) يستحق التثوير المعرفي، وصفًا وتحليلا لمسائل اللغة والتاريخ والتفسير والفقه والحديث، والأمل في أن يعاد النظر في هذا الكتاب، فإنه يختزن كثيرا من العلم المتعلق بالصحابة رضي الله عنهم، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) الروض الأنف (2/ 318، 319).
([3]) نفسه (2/ 122، 123، 124).
([13]) من أسواق العرب الاثني عشر المعروفة، أكبر أسواق تهامة، ينظر: أسواق العرب التجارية في شبه الجزيرة العربية لحقي إسماعيل إبراهيم -دار الفكر- (ص: 11)، وأسواق العرب لسعيد الأفغاني -دار الفكر- (ص: 258).