الخميس - 10 ربيع الآخر 1447 هـ - 02 أكتوبر 2025 م

مسألة التحسين والتقبيح العقليين بين أهل السنة والمتكلمين -الجزء الثالث- (أخطاء المخالفين في محل الإجماع)

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

الفصل الثالث: أخطاء المخالفين في محل الإجماع:

ذكر الرازي ومن تبعه أن إطلاق الحسن والقبح بمعنى الملاءمة والمنافرة وبمعنى الكمال والنقصان محلّ إجماع بينهم وبين المعتزلة، كما تقدّم كلامه.

فأما الإطلاق الأول وهو كون الشيء ملائمًا للطبع أو منافرًا: فقد مثَّلُوا لذلك بإنقاذِ الغَرقى واتهامِ الأبرياء، وبحسن الشيء الحلو مثل العسل، وقبح الشيء المر مثل الحنظل([1]).

قالتِ الأشعرية: هما بهذا المعنى عَقليَّان -إجماعًا- إضافيَّان عارضان غيرُ حقيقيَّين.

والمرادُ بالملاءمة والمنافرة هنا: ملاءمة الطبع ومنافرتُه، أو ملاءمة الغَرَض ومُنافَرَتُه. وتكون ملاءمة الطبع أو الغرض بحصولِ فائدةٍ أونفعٍ أو لذة من الفعل. وقد يُعبَّرُ عنهما بالمصلحةِ والمفسدة([2]).

قال الشيخُ كمالُ الدين ابنُ أبي شريف: “والتعبيرُ بملاءمة الغَرَضِ وعدمِها أولى من تعبيرِ بعضهم عن هذا المعنى بملاءمة الطبع ومنافرتِه؛ لأن ملاءمة الغرض أعمُّ كما يظهرُ للمتأمِّل”([3]).

قال القرافي: “معنى قولي: (الأولان عقليان إجماعًا): أنا وافقنا المعتزلة على أن الحُسن والقُبح بهذين التفسيرين ‌يستقلُّ ‌العقل بإدراكهما من غير ورُود الشرائع، فيُدرك العقل أن الإحسان ملائمٌ والإساءةَ منافرة، وأن العلم كمالٌ والجهلَ نقصٌ”([4]).

وقال حُلُولو المالكي: “وصرح القرافي بأن هذا القسم عقليّ اتفاقًا، وهو ظاهر كلام المصنف، وعليه حمله ولي الدين”([5]). والمصنف هو التاج السبكي، ووليّ الدين هو أبو زرعة العراقي، وهما والقرافي تبعٌ للرازي في هذا.

وجادل بعض الأشاعرة في كون هذا القسم عقليًّا، ومن أبرزهم: ابن التلمساني الفهري في شرحه على (معالم أصول الدين)، و(معالم أصول الفقه) للرازي.

قال في شرح (معالم أصول الدين) متعقبًا اختيار الجويني والرازي في بعض كتبهما التحسين والتقبيح في أفعال العباد: “وما حكمَا به من الحسن والقبح خارجٌ عن محل النزاع بين الأشعرية والمعتزلة، فإن ذلك يرجع إلى الملاءمة والمنافرة، وهذه ليست قضيةً عقلية، وإنما هي قضية عرفية تختلف باختلاف الأمم والأعصار والأحوال، فإن المرء قد يستقبح من نفسه ما يستحسنه في بعض أحواله، فإن سمَّوا هذا القدر حسنًا وقبحًا فلا ننازعهم فيه، فإن ذلك يرجع إلى الألقاب والتسميات”([6]).

وقال في شرح (معالم أصول الفقه): “الحسن عبارة عن الملاءمة، والقبح عبارة عن المنافرة، وهما بهذا التفسير ‌عرفيان يختلفان باختلاف الأمم والأعصار، وهذا لا نزاع فيه، وإن كانت هذه القضية هي منشأ الغلط، فإن المعتزلة والبراهمة اعتقدوها عقلية مطردة”([7]).

وقد تبع حلولو في شرحيه على (جمع الجوامع) و(تنقيح الفصول) ابنَ التلمساني، قال في الأول: “والحق ما قاله الفهري”([8])، وقال في الثاني متعقبًا القرافي بكلام ابن التلمساني: “فجعل المصنف -أي: القرافي- وغيره هذا القسم عقليًّا إجماعًا ليس كما ذكر”([9]).

ومن تأمل في كلام ابن التلمساني في شرحه على (معالم أصول الدين) وجد فيه إقرارًا ضمنيًّا بأن التسليم بعقلية التحسين والتقبيح في محل الإجماع سيؤدي إلى التسليم به في محل النزاع، كما سيأتي تقريره، وهو ما حمله على المناقشة في عقليتهما بمعنى الملاءمة والمنافرة، حتى لا يؤدي ذلك إلى التسليم بعقليتهما بمعنى ترتب المدح والذم والثواب والعقاب، فما صنعه هو نوع من الدفاع عن مذهب الأشاعرة الموروث في المسألة أمام ما اختاره الجويني في (البرهان) والرازي في بعض كتبه، كما تقّدم بيان كلامهما.

وقال نجم الدين الطوفي عند قول الرازي في (المحصل): “وهما بهذين المعنيين عقليان”: “أي: يُعرَفان بالعقل، وفي هذا الإطلاق نَظرٌ أو تجوُّز، فإنهما بالمعنى الأول إنما يُعرَفان بالطبع والحس والوجدان، والأمر قريب”([10]).

وأما الإطلاق الثاني وهو كون الشيء صفة كمال أو نقص: فمثلوا له فقالوا: نحو: العلمُ حسنٌ والجهلُ قبيحٌ.

قال شارح (المواقف): “(ولا نزاعَ) في أن هذا المعنى ثابتٌ للصفات في أنفُسِها، و(أن مَدرَكَه العقلُ) ولا تعلُّقَ له بالشرع”([11]).

قال القَرَافِيُّ: “وكذلك يُدرِكُ العقلُ أنَّ العلمَ كمالٌ وأن الجهل نقصٌ وإن لم يبعثِ الله الرُّسُلَ، كما يُدرك أن خمسةً في خمسةٍ بخمسةٍ وعِشرين، وجميعُ الأحكامِ العقليَّةِ من الحسابيَّاتِ والهندسيَّاتِ، وكذلكَ الأُمُور العاديَّةُ كالطِّبِّيَّاتِ وغيرِها لا يتوقَّفُ دركُهَا على الشرائعِ، وكذلك الأُمُور الإلهية فيما يجبُ لله تعالى ويستحيلُ عليه أو يجوزُ في أفعاله يكفي فيها العقلُ، وأما وقوع أحد طرفي الجائز على الله تعالى فلا يستقل العقل به، ولا يتوقف كله على الشرائع، بل قد يكفي فيه الحواس الخمس أو إحداها، كما ندرك أن الله تعالى خلق الرائحة في المسك واللون في الثلج والصوت في الجنين والخشونة في القنفذ، أو بقرائن الأحوال كخجَل الخجِل ووجَل الوجِل وغير ذلك”([12]).

وهذا القسم لم يَذكُرْهُ الجوينيُّ والغزاليُّ، وأوَّلُ من ذَكَرَهُ من مُحقِّقِي الأشعريَّةِ الفخرُ الرَّازِي.

وها هنا تنبيهات تتعلق بأخطاء الأشاعرة والمعتزلة في ما ذكروه في تفسير الحسن والقبح بمعنى الملاءمة والمنافرة، إذ ليس لهم كبير كلامٍ في ما يتعلق بالحسن والقبح بمعنى الكمال والنقصان.

المبحث الأول: في مذهب الأشعرية في الحسن والقبح بمعنى الملاءمة والمنافرة:

قال إلكِيَا الهَرَّاسي: “اعلم أن غموض هذه المسألة إنما كان وتَنَشَّأ من تلبس في عبارتها، فإذا كشف عن ذلك اتضح مقصودها، وذلك أن يقال: هذه الأمور إنما يعرفها العقلاء بعقولهم، ويدركون قبح المقبحات وحسن المستحسنات بأوائل أذهانهم، وإنما كان ذلك لسر، وهو ميل الطباع ونفرتها، وذلك لأن الطباع تميل إلى ما فيه مسرتها، وتنفر عما فيه مضرتها، وهذا لا يختص بالعقلاء، فإن البهائم تميل طباعها إلى نفعها، وتنفر من مضارها”([13]).

وقال أبو حامد الغزالي: “الاصطلاحُ المشهورُ العامِّي: وهو أنَّ الأفعال تنقسِمُ إلى ما يُوافق غرضَ الفاعل، وإلى ما يُخالِفُه، وإلى ما لا يوافق ولا يخالف. فالموافق يُسمَّى حسنًا، والمخالف يسمّى قبيحًا، والثالثُ يسمّى عبثًا.

وعلى هذا الاصطلاح: إذا كان الفعلُ مُوافقًا لشخصٍ مُخالفًا لآخر فهو حسنٌ في حقِّ من وافَقَهُ قبيحٌ في حق من خالَفَه، حتى إن قتلَ الملك الكبير يكونُ حسنًا في حقِّ أعدائِه قبيحًا في حقِّ أوليائِه”([14]).

وقال: “وهُمَا أمران إضافيانِ، يختلفانِ بالأشخاصِ، ويختلفُ في حق شخصٍ واحد بالأحوال، ويختلف في حال واحد بالأغراض؛ فرُبَّ فعلٍ يوافق الشَّخص من وجه ويخالفه من وجه فيكون حسنًا من وجه قبيحًا من وجهٍ.

فمن لا ديانة له يستحسِنُ الزِّنَا بزوجة الغير ويَعُدُّ الظَّفَرَ بها نعمةً، ويستقبحُ فعلَ الذي يكشِفُ عورتَه ويُسمِّيه غمَّازًا قبيحَ الفِعلِ، والمتديِّنُ يسمِّيهِ مُحتسِبًا حَسَنَ الفعل، وكلٌّ بحسب غرضه يُطلق اسم الحَسن والقبيح.

بل يُقتلُ ملكٌ من الملوك فيستحسن فعل القاتل جميعُ أعدائه، ويستقبحه جميعُ أوليائه.

بل هذا التفاوت في الحسن المحسوس جارٍ، ففي الطباع ما خُلِق مائلًا من الألوان الحسان إلى السمرة فصاحبه يستحسنُ الأسمر ويعشقُه، والذي خُلِق مائلًا إلى البياض المشرب بالحمرة يستقبحُهُ ويستكرهُهُ، ويُسفِّهُ عقل المستحسنِ له المستهترِ به.

فبهذا يتبين على القطع أن الحَسَنَ والقبيح عبارتان عند الخلق كلِّهم عن أمرين إضافيين يختلفانِ بالإضافات، لا عن صفاتِ الذَّوات التي لا تختلفُ بالإضافة.

فلا جرم جَازَ أن يكُون الشَّيء حسنًا في حقّ زيد قبيحًا في حقّ عمرو، ولا يجوز أن يكون الشيء أسودَ في حق زيد أبيض في حق عمرو، لمَّا لم تكن الألوان من الأوصاف الإضافية”([15]).

ومن الأسباب التي ذكروها لتحسين فعل أو تقبيحه والتي ترجع إلى الملاءمة والمنافرة: طلبُ الفاعل للثناءِ على فعله، وهذا يُلائمُ غرضَه، إذ به يلتَذُّ ويُسرّ، وكذلك ما أَلِفَهُ واعتاده، وجعلُوا كُلَّ استحسانٍ لفعلٍ واستقباحٍ لَهُ يرجِعُ إلى هذا، دُونَ أن يكُون للفعل صفةٌ أوجبت تحسينًا أو تقبيحًا، وقد أطنب الغزاليُّ في تقرير ذلك([16]).

وهذا كله إنما لجأ إليه الأشاعرة لأنهم نفوا أن يكون للفعل وصفٌ ينشأ عنهُ، يقتضي حُسنَهُ وقبحه.

قال الشهرستاني: “لو كان الحُسنُ والقبح والحلالُ والحرامُ والوجوبُ والنَّدبُ والإباحةُ والحظرُ والكراهةُ والطهارةُ والنجاسةُ راجعةً إلى صفاتٍ نفسيَّةٍ للأعيان أو الأفعالِ، لما تُصُوِّر أن يردَ الشرع بتحسينِ شيء وآخر بتقبيحه، ولما تُصور نسخ الشرائع حتى يتبدل حظر بإباحة وحرامٌ بحلال وتخييرٌ بوجوب، ولما كان اختلفت الحركات بالنسبة إلى الأوقات تحريمًا وتحليلًا.

أليس الحُكمُ في نكاح الأختِ للأب والأم في شرع أبينا آدم عليه السلام بخلاف الحكم في الجمع بين الأختين المتباعدتين في شرع نبيِّنَا محمد صلى الله عليه وسلم؟! كيف حلَّ ذلك على اتحِّاد اللُّحمة وحَرُمَ هذا على تباعُدِ اللحمة؟!”([17]).

وما ذكرهُ مُعترَضٌ من وُجُوه:

الوجه الأول: أن هذا ليس في كُلِّ الأفعال، فالأمور الكلية العقلية لا اختلاف فيها، فكونُهُ في البعض لا يُسوِّغُ هذا الإطلاقَ فيُقَال: هي إضافيَّةٌ بإطلاقٍ.

قال ابنُ القيِّم: “‌الكلِّيَّاتُ ‌العقليةُ لا يكاد يَعْرِضُ فيها ذلك، فلا يكون العدلُ والصِّدقُ والإحسانُ حَسَنًا عند بعض العقول قبيحًا عند بعضها، كما يكون اللونُ الأسودُ مُشْتهًى حَسَنًا موافقًا لبعض النَّاس مبغوضًا لبعضهم، ومن اعتَبر هذا بهذا فقد خَرَجَ واعتَبر الشيءَ بما لا يصحُّ اعتبارُه به.

ويؤيِّد هذا: أنَّ العقل إذا حكم بقُبح الكذب والظُّلم والفواحش، فإنه لا يختلفُ حكمُه بذلك في حقِّ نفسه ولا غيره، بل يعلمُ أنَّ كلَّ عقلٍ يستقبحُها وإن كان يرتكبُها لحاجته أو جهلِه، فكما أصابَ في استقباحها أصابَ في نسبة القُبح إلى ذاتها، وأصابَ في حُكمه بقُبحها مطلقًا، ومن غلَّطه في بعض هذه الأحكام فهو الغالطُ عليه.

وهذا بخلاف ما إذا حَكَمَ باستحسان مطعمٍ أو ملبسٍ أو مسكنٍ أو لونٍ فإنه يعلمُ أنَّ غيرَه يحكمُ باستحسان غيره، وأن هذا مما يختلفُ باختلاف العوائد والأمم والأشخاص، فلا يحكمُ به حكمًا كلِّيًّا إلا حيث يعلمُ أنه لا يختلف، كما يحكمُ حكمًا كلِّيًّا بأنَّ كلَّ ظمآنٍ يستحسنُ شربَ الماء ما لم يَمْنَع منه مانع، وكلَّ مَقْرورٍ يستحسنُ لباسَ ما فيه دِفؤه ما لم يَمْنَع منه مانع، وكذلك كلُّ جائعٍ يستحسنُ ما يَدْفعُ به سَوْرَة الجوع.

فهذا حكمٌ كلِّيٌّ في هذه الأمور المحسوسة لا غَلَط فيه، مع كون المحسوسات عُرضةً لاختلاف النَّاس في استحسانها واستقباحها بحسب الأغراض والعوائد والإلف، فما الظَّنُّ بالأمور الكلِّيَّة العقليَّة التي لا تختلف، إنما هي نفيٌ وإثبات؟!”([18]).

الوجه الثاني: أن أسباب التحسين والتقبيح لا تنحصر في اختلافِ الزمانِ والمكانِ والإضافةِ والحالِ.

قال ابن القيم: “‌لا ‌ننكِرُ ‌أنَّ ‌للعادة ‌واختلاف ‌الزَّمان ‌والمكان والإضافة والحال تأثيرًا في الملاءمة والمنافَرة، ولا ننكرُ أنَّ الإنسان يلائمُه ما اعتاده من الأغذية والمساكن والملابس، وينافِرُه ما لم يَعْتَدْه منها وإن كان أشرفَ منها وأفضل، ومن هذا إلفُ الأوطان، وحبُّ المساكن والحنينُ إليها.

ولكن هل يلزمُ من هذا أن تكون الملاءمةُ والمنافَرةُ كلُّها ترجعُ إلى الإلف والعادة المجرَّدة؟ ومعلومٌ أنَّ هذا مما لا سبيل إليه؛ إذ الحكمُ على فردٍ جزئيٍّ من أفراد النَّوع لا يقتضي الحكمَ على جميع النَّوع، واستلزامُ الفرد المعيَّن من النَّوع للازمٍ معيَّنٍ لا يقتضي استلزامَ النَّوع له، وثبوتُ خاصَّةٍ معيَّنةٍ للفرد الجزئيِّ لا يقتضي ثبوتها للنَّوع الكليِّ”([19]).

وقال في التَّعليقِ على زَعمِهِم بأنَّ ذلك راجعٌ لطلبِ الثناء: “طلبُ الثَّناء يقتضي أنَّ هذا الفعلَ مما يتعلَّقُ الثَّناء به، وما ذاك إلا لأنه في نفسه على صفةٍ تقتضي الثَّناءَ على فاعله، ولو كان هذا الفعلُ مساويًا لضدِّه في نفس الأمر لم يتعلَّق الثَّناءُ به ‌والذَّمُّ ‌بضدِّه، وفِعْلُه لتوقُّع الثَّناء لا ينفي أن يكون على صفةٍ لأجلها استحقَّ فاعلُه الثَّناء، بل هو باقتضاء ذلك أولى مِنْ نفيه”([20]).

الوجه الثالث: في نفيِهِم أن يكُونَ للفعل صفةٌ أنشأتِ الحُسنَ أو القُبحَ، وهو ما يسمونه: “الوصف الذاتي”.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “زعمُوا أن الحسن لو كان صفةً ذاتيَّةً للفعل لم يختلف حالُه، وغلِطُوا، فإنَّ الصفة الذاتية للموصوف قد يُرادُ بها اللَّازمَةَ له، والمنطقيُّون يقسِّمُون اللازم إلى ذاتي وعرضي -وإن كان هذا التقسيم خطأ([21])-.

وقد يُرادُ بالصفَةِ الذاتية ما تكونُ ثبوتيَّةً قائمةً بالموصوف احترازًا عن الأُمُور النِّسبَيَّة الإضافيَّة.

ومن هذا الباب اضطربوا في الأحكام الشرعية، فزعم نفاة الحسن والقبح العقليين أنها ليست صفةً ثبوتيَّةً للأفعال، ولا مُستلزمة صفةً ثبوتيةً للأفعال، بل هي من الصفات النسبيَّةِ الإضافيَّةِ، فالحسَنُ هو المقول فيه: (افعله) أو (لا بأس بفعله)، والقبيح هو المقول فيه: (لا تفعلْهُ).

قالوا: وليس لمتعلَّق القول من القولِ صفةٌ ثبوتيةٌ.

وذكرُوا عن منازعيهم أنهم قالوا: الأحكامُ صفاتٌ ذاتيَّةٌ للأفعال، ونقضُوا ذلك بجواز تبدُّلِ أحكام الفعل مع كونِ الجنس واحدًا.

وتحقيق الأمر: أن الأحكام للأفعال ليست من الصِّفَات اللازمة، بل هي من العارضة للأفعال بحسب مُلاءمتها ومُنافرتها، فالحُسنُ والقبح بمعنى كون الشيء محبوبًا ومكروهًا ونافعًا وضارًا وملائمًا ومنافرًا، وهذه صفةٌ ثبوتيَّةٌ للموصوف، لكنها تتنوع بتنوُّع أحواله فليست لازمةً له”([22]).

وقال أيضًا: “وقد ذكروا عن القائلين بالحسن والقبح العقلي: هل هذا الحكم ثابتٌ لذات الفعل، أو لصفةٍ قائمةٍ به، أو في الحسن لذاته وفي القبح لصفةٍ قامت به؟ ثلاثة أقوال([23]).

ولم يقل أحد: إن الحسن والقبح هو وصف لازم لذات الفعل، كما يظنه طائفة نقلت قولهم، بل يقولون: تختلف صفات الفعل باختلاف أحواله وأنواعه، فكونه حسنًا من جنس كونه محبوبًا، وكونه قبيحًا من جنس كونه بغيضًا.

ويقولون: قد يقوم به المقتضي لحُسنه أو قبحه، ولكن يتخلف عن مقتضاه لفواتِ شرطٍ أو وجود مانع”([24]).

وقال ابن القيم: “‌كون ‌الفعل ‌حسنًا ‌أو ‌قبيحًا لذاته أو لصفةٍ لم نَعْنِ به أنَّ ذلك يقومُ بحقيقةٍ لا ينفكُّ عنها بحال، مثل كونه عَرَضًا، وكونه مفتقِرًا إلى محلٍّ يقوم به، وكون الحركة حركةً والسَّواد لونًا.

ومِنْ ها هنا غَلِط علينا المنازعون لنا في المسألة وألزمونا ما لا يلزمنا، وإنما نعني بكونه حسنًا أو قبيحًا لذاته أو لصفته: أنه في نفسه مَنْشَأٌ للمصلحة والمفسدة، وترتُّبهما عليه كترتُّب المسبَّبات على أسبابها المقتضية لها، وهذا كترتُّب الرِّيِّ على الشُّرب، والشِّبَع على الأكل، وترتُّب منافع الأغذية والأدوية ومضارِّها عليها”([25]).

فالحق أننا عندما نقول: إن الحسن والقبح أوصاف ذاتية للأفعال، فلا نعني بذلك “إلا أنه ناشئ من الفعل، فالفعلُ مَنْشؤه”([26]).

قال ابن القيم: “وخصومكم يقولون: إنَّ معنى كون الحسن والقبح ذاتيَّين للصِّدق والكذب: أنَّ ذاتَ الصِّدق والكذب تقتضي الحُسْن والقُبْح، وليس مرادهم أنَّ الحُسْن والقُبْح صفةٌ داخلةٌ في مسمَّى الصِّدق والكذب، وأنتم ‌لم ‌تُبْطِلوا ‌عليهم ‌هذا”([27]).

وأما الجواب عما ذكره الشهرستاني: فهو أن كونَ الفعلِ يقتضي الحُسنَ في وقتٍ لا يلزمُ منهُ أن يقتضيَهُ في كُلِّ وقتٍ، بل يجوزُ أن يقتضيَ ضِدَّهُ، كما أنَّ الطعام الطَّيِّبَ يقتضي الشِّبَعَ للإنسان الصَّحيحِ، وتجدُ العليلَ لا يُشبعُهُ نفس ذلك الطعام، وهكذا نكاحُ الأخت كانَ حسنًا في وقتِه، حتى لم يكن بد منه في التناسل وحفظِ النَّوع الإنساني، ثمَّ صار قبيحًا لمَّا استُغنيَ عنهُ فحرمه على عبادِهِ، فأباحه في وقتٍ كان فيه حسنًا، وحرَّمَهُ في وقتٍ صار فيه قبيحًا، وكذلك كُلُّ ما نسخه من الشرع، بل الشريعة الواحدة كلها لا تخرجُ عن هذا، وإن خفي وجه المصلحة والمفسدة فيه على أكثر الناس([28]).

المبحث الثاني: في مذهب المعتزلة في الحسن والقبح بمعنى الملاءمة والمنافرة:

اعلم أنَّ إثباتَ المعتزلة للحُسن والقُبح في الفعل لا يلزمُ منه عندَهم حصولُ اللَّذةِ أو الألمِ.

قال العَضُد الإيجي: “وأحسنُ ما نُقِل عنهم في العِبَارات الحدِّيَّة قول أبي الحسين: القبيحُ ما ليسَ للمُتمَكِّنِ منهُ ومن العلم بحاله أن يفعَلَهُ”([29])، فلم يشتَرِطْ حصولَ الألمَ.

واعترض القاضي عبد الجبار هذا التعريف بقوله: “هذا لا يستمر؛ لأن فيها ما لا يصح ذلك فيه، وهو ما يقع ممن لا يصح أن يحترز منه، كالطفل والنائم، ولأن العلم بأنه ليس لفاعله أن يفعله كالتابع للعلم بقبحه، ولأنه لا يكشف عما له القبح، ولا نبه عن الحكم المتعلق به، وما قدمناه أصح”([30]).

وقال أيضًا: “وجملةُ ما نُحصِّلُهُ في حدِّ القبيح: أنه ما إذا وقع على وجهٍ من حقِّ العالمِ بوقُوعه كذلك من جِهَتِه، المُخلَى بينه وبينه أن يستحقَّ الذمَّ، إذا لم يمنع منه مانعٌ”([31]).

وحتى على تعريف عبد الجبار فليس هناك اشتراط لحصول الألم.

ومنعُ الملازمة بين الحسن والقبح والملاءمة والمنافرة مما انتُقِد على المعتزلة، قال شيخُ الإسلام: “والمعتزلة أثبتوا حُسنًا وقُبحًا عقليين في فعل القادرِ مُطلقًا سواء كان قديمًا أو مُحدَثًا، وقالوا: الحسنُ ما للقادرِ فعلُه والقبيحُ ما ليس له فعلُه، وقالوا: إنَّ ذلك ثابتٌ بدُون كونه مستلزمًا للَّذةِ والألمِ، كما ادَّعَوا ثُبُوتَ حكمَتِه للفاعلِ القادرِ ولا تعودُ إليهِ ولا يستلزمُ اللذَّةَ، فادَّعَوا ما هو خلافُ الموجود والمعقولِ.

ولهذا تسلَّطَ عليهِمُ النُّفَاةُ، فكان حُجَّتُهم -أي: الأشعريَّةِ النفاة- عليهم أن يثبتُوا -أي: الأشعريةُ- أنَّ هذا -أي: الحسنَ والقبحَ- أمرٌ لا يعقل إلا مع اللَّذَةِ والألَمِ، ثم يقولُون: وذلك في حَقِّ الله مُحال.

فحجَّتُهم مبنيَّةٌ على مُقدِّمتينِ: أن الحُسنَ والقبحَ والحكمةَ مستلزمٌ للذة والألمِ، وذلك في حقِّ الله مُحال.

والمعتزلة مَنَعُوا المقدمة الأولى فغُلِبُوا معهم، والمقدِّمَةُ الثانية جعلُوها محلَّ وفاق”([32]).

ولهذا تعجب التاج الأرموي في الحاصل من كونهم ينفون الملاءمة والمنافرة في حقّ الله تعالى، مع كونهم يقبحون الأفعال في حقه، قال: “وأما الذم فقالوا: إنه قول أو فعل أو ترك قول أو فعل، ينبئ عن اتِّضاع حال الغير.

وهو أيضًا باطل؛ لأن المفهوم من الاتضاع ما ينفر عنه الطبع ولا يلائمه، والنفرة الطبيعية على الله محال، وكذا الملاءمة، مع أنهم يقبحون الأفعال في حق الله تعالى”([33]).

والمعتزلة يعيدون الحكمة في أفعال الله تعالى للمخلوق دون الخالق.

قال شيخ الإسلام: “وليس لمثبتي التحسين والتقبيح دليل يدل على حسن وقبح بغير اعتبار الملاءمة للفاعل والمنافرة له، بل كل ما يذكرونه على إثبات حسنٍ وقبح بدون ذلك فهو باطل، وليس لهؤلاء دليل على أنه يفعل بداعٍ لا يعود إلا إلى غيره”([34]).

وقال أيضًا: “فقال لهم الناس -أي: للمعتزلة-: ‌أنتم ‌متناقضون ‌في ‌هذا ‌القول؛ لأن الإحسان إلى الغير محمود؛ لكونه يعود منه على فاعله حكم يحمد لأجله، إما لتكميل نفسه بذلك، وإما لقصده الحمد والثواب بذلك، وإما لرقة وألم يجده في نفسه يدفع بالإحسان ذلك الألم، وإما لالتذاذه وسروره وفرحه بالإحسان، فإن النفس الكريمة تفرح وتُسر وتلتذ بالخير الذي يحصل منها إلى غيرها.

فالإحسان إلى الغير محمود لكون المحسن يعود إليه من فعله هذه الأمور حكم يحمد لأجله، أما إذا قُدِّر أن وجودَ الإحسان وعدمَه بالنسبة إلى الفاعل سواء لم يُعلم أن مثل هذا الفعل يحسُن منه بل مثل هذا يُعدُّ عبثًا في عقول العقلاء.

وكل من فعل فعلًا ليس فيه لنفسه لذة ولا مصلحة ولا منفعة بوجه من الوجوه، لا عاجلة ولا آجلة كان عابثًا، ولم يكن محمودًا على هذا.

وأنتم عللتم أفعالَه فرارًا من العبث فوقعتم في العبث، فإن العبث هو الفعل الذي ليس فيه مصلحة ولا منفعة ولا فائدة تعود على الفاعل.

ولهذا لم يأمر الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من العقلاء أحدًا بالإحسان إلى غيره ونفعه ونحو ذلك إلا لما له في ذلك من المنفعة والمصلحة، وإلا فأمر الفاعل بفعل لا يعود إليه منه لذة ولا سرور ولا منفعة ولا فرح بوجه من الوجوه لا في العاجل ولا في الآجل لا يستحسن من الآمر”([35]).

ولما ذكر ابن القيم الأصول التي انبنى عليها اختلاف الناس في التحسين والتقبيح، ذكر هذه المسألة وهي: “أنَّ تلك الحِكَم المقصودة فعلٌ يقومُ به سبحانه قيامَ الصِّفة به، فيرجع إليه حكمُها، ويُشتقُّ له اسمُها، أم يرجع إلى المخلوق فقط مِنْ غير أن يعود إلى الربِّ منها حكمٌ أو يُشتقَّ له منها اسم؟”([36]).

وقال في بيان أخطاء المعتزلة في المسألة: “إنهم أعادوا تلك الحكمة إلى المخلوق، ولم يعيدوها إلى الخالق سبحانه، على فاسد أصولهم في نفي قيام الصِّفات به، فنفَوا الحكمةَ من حيث أثبتوها، وجَحَدوها من حيث أقرُّوا بها”([37]).

وبيانُ هذا الغلط الذي وقع فيه هؤلاءِ: أنَّهُ لما كانَ الأصلُ المتَّفقُ عليه بينَهُم وبين مخالفِيهم من الأشعريَّة في هذِهِ المسألَةِ هو نفيُ الصِّفَاتِ الاختياريَّةِ نفوا أن يكون لأفعاله تعالى علة ترجع إليه، بل أثبتوا علة منفصلة لا تعود إليه بل لعباده، وقالوا: الحكمة في الأمر تعويض المكلفين بالثواب، وقالوا: إن فعل الإحسان إلى الغير حسن محمود في العقل، فخلق الخلق لهذه الحكمة من غير أن يعود إليه من ذلك حكم، ولا قام به فعل ولا نعت”([38]).

وكذلك فإن إثبات الماتُرِيدِيَّةِ للحكمة كإثباتِ المعتزلة من جهةِ أنَّهُ لا يعودُ إلى الله تعالى منها شيءٌ، لاشتراك الجميع في نفي الصفات الاختيارية.

قال صدرُ الشريعة: “من تفاريعِ الخلافِ بيننا وبين الأشعريِّ أنَّ أفعالَهُ تعالى مُعلَّلةٌ بمصالحِ المخلُوقَات، لأنَّ الحكمةَ تُنافي كونَهَا لا لمصلحةٍ، لأنَّهُ يكُونُ عبثًا، ثم هو منزَّهٌ من أن تعودَ إليه فتعودُ إلى المخلوقات.

قالوا: عودُ المنفعة إلى الغير إن كان منفعةً فاستكمالٌ بالغير وإن لم يكن لا يَفعَلُ.

قلنا: لا نُسلِّمُ هذا، فإنه إذا صح عندكم أن يفعلَ لا لمنفعةٍ أصلًا، فالأولى أن يفعلَ إذا كان النَّفعُ لغيرِه”([39]).

وقال ابنُ الهمام في (المسايرة) التي ألَّفَها على (قواعد العقائد) للغزالي: “واعلمْ أن قولَنَا: (لهُ في كُلِّ فعلٍ حكمةٌ ظهَرَت أو خفيت) ليس هو بمعنى الغَرَض إن فُسِّر بفائدةٍ ترجعُ إلى الفاعل، فإنَّ فعلَهُ تعالى وخلقَهُ العالم لا يُعلَّلُ بالأغراضِ؛ لأنه يُنافي كمالَ الغنى عن كُلِّ شيءٍ: ﴿ إِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾، وإن فُسِّرَ بفائدةٍ ترجعُ إلى غيره فقد تنفِي أيضًا إرادته من الفعل وقد تجوزُ، والحكمةُ على هذا أعمُّ منهُ”([40]).

قال شيخ الإسلام: “فمن ادَّعى حُسنًا أو قبحًا عقليًّا أو شرعيًّا بلا فرحٍ ولذةٍ ولا غمٍّ وألم فقد قال ما لا يعرف، ولا يتصوَّر ما يقول، وهو مطالبٌ بتحقيق ما يقوله”([41]).

تنبيه: أشار المقبلي إلى أنه مما يؤخذ على الأشاعرة إدخالُهم هذا المعنى في تحرير محلِّ النِّزَاع، مع أنَّهُ ليس من اصطلاح المعتزلة.

وبيان هذا: أنهُ إذا كان حُسنُ الفعل أو قبحه عند المعتزلة ليس مُلازمًا لملاءمة الطبع ومُنافرته، أو اللَّذة والألم، بل الحَسَنُ مقصُورٌ على ما لفاعله أن يفعله، سواء التذَّ أم تألَّمَ أم كان ممن لا يجُوزُ عليه اللَّذَةُ والألَمُ -كما يدَّعُونه في حقِّ الباري تعالى-، فمِنَ الخطأ أن يُقال في تحرير محلِّ النزاع: إنَّ الحسن والقبح بمعنى الملاءمة والمنافرة إجماعيَّان.

قال المقبلي: “ومنَ المغالطة والخلطِ لمحل النزاع بغيره قولهُم في هذا المقام: الحُسْنُ والقبح يُطلقان لمَعانٍ منها: موافقةُ الغَرَضِ ومخالفته، وحينًا يقولون: ملاءمة الطَّبعِ ومخالفتُه، ومنها كذا، ومنها كذا، وهذا اصطلاحٌ لهم، ليس بلُغَةٍ -كما صرح به السَّعدُ وغيرُه-، وليس باصطلاحِ الخصم حتى يُذكَر في مقام تلخيصِ محلِّ النزاع، وقد أنكَر هذا ابن الملاحمي وقالَ: ينبغي لهم صرفُ فِطَنِهم إلى محلِّ النزاعِ ثم المحاجَّةُ فيه.

وكذلك سائرُ المعتزلة، يُنكرون هذا الاصطلاحَ وإدخالَهُ في تحرير المسألة، وردَّ مُراد الخصم إليه، وشدَّدَ النكيرَ في الغايات على الرازي في ذكر ذلك، فتنبَّه لهذا.

وإن رأيتَ في كُتُب الأشاعرة قولَهُم: يطلَقُ الحُسن والقُبح لثلاثة معانٍ اتفاقًا([42])؛ فإنما مُستَنَدُهم كلامُ أسلافِهم، من دُونِ معرفةِ كلام الخَصم، كما مضى نظيرُه.

وهُم في كل المذاهب يجعلُون نقلَ أسلافهم حُجَّةً على خَصمِهِم في أنَّهُ يقولُ القولَ مع أنه يتبرَّأ مِنهُ، وهو مثلُ ما يُقالُ في الحِمصِيَّاتِ: شَهِدَ عليك من هُوَ أعدَلُ منكَ!”([43]).

المبحث الثالث: معنى الحسن والقبح في محل النزاع هو معناه في محل الإجماع:

قال النفاة: “نحنُ لا نُنكرُ أنَّ في الأفعال ما يُعلَمُ حُسنُهُ وقُبحُهُ قبلَ الشرع، ولمن لا يقولُ بالشرع، لكنَّ ذلكَ الحُسنَ والقُبحَ إنَّمَا هُوَ بأحدِ المعنَيينِ الأوَّلينِ من وجهِ الحُسنِ والقبح التي يُطلقُ عليهَا -كما سبق- وهُمَا الميلُ والنُّفرَةُ الطبيعيَّانِ أو صفةُ الكمالِ والنقصِ، فإن المعروفَ والبرَّ تميلُ إليهما الطِّبَاعُ، وهما لفاعلهما صفتا كمالٍ وضدُّهُمَا المنكرُ والفُجُور، تنفرُ عنهُمَا الطِّبَاعُ وهما لفاعلهما صفتَا نقصٍ”([44]).

وقد بين شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم أن إقرار الأشاعرة بأن الحسن والقبح بمعنى الملاءمة والمنافرة عقليان هو إقرار بأن الفعل ينشأ عنه الحسن والقبح، وبذلك يظهر: “أن معنى الحسن والقبح في محل النزاع هو معناه في محل الإجماع، وهو يرجع إلى كونه يوجب لذةً للفاعل أو ألمًا له”([45]).

قال شيخ الإسلام: “وأصلُ المسألةِ الذي به تنكشفُ حقيقتُها: معنى كون الشيء حَسَنًا وسيئًا، هل له حقيقة غير كونه ملائمًا للفاعل ومنافرًا له؟ فإنهم قد اتفقوا على أن كون الفعل حسنًا وقبيحًا بمعنى كونه ملائمًا للفاعل بحيث يحصل له به فرح ولذة، أو منافرًا بحيث يحصل له به غمُّ وألم هو مما قد يعرف بالعقل.

وزاد بعضهم: كون الفعل صفةَ كمالٍ وصفة نقص، فجعل ذلك مما يعلم بالعقل اتفاقًا، وجعلوا مورد النزاع في كون الفعل هل يكون سببًا للذم والعقاب عاجلًا وآجلًا.

وإذا كان كذلك فيقال: كون الفعل يكون سببًا للذم والعقاب هو من أنواع كونه ملائمًا للفاعل ومنافرًا له، فإن حمد الفاعل وثوابه يلائمه، وذمه وعقابه ينافره.

فإذا قيل: الملاءمة الطبيعية والمنافرة الطبيعية قد تعلم بالعقل باتفاق العقلاء.

فيقال: كل ملاءمة ومنافرةٍ للإنسان إنما تعود إلى الملاءمة الطبعية والمنافرة الطبعية، لكن من الأفعال ما يكون فيه ملاءمة ولذة، ويكون فيه منافرة وألم أرجح من ذلك، فيكون ملائمًا من وجهٍ منافرًا من وجه، محبوبًا لذيذًا من وجه بغيضًا مؤلمًا من وجه.

وقد تكون اللذة عاجلةً والألم آجلًا، فعقل الإنسان يأمره بترجيح أحب الأمرين إليه، وهو أصلحهما وأنفعهما وأكملهما لذة، ويأمره بترجيح اللذة الكاملة الآجلة على اللذة القليلة العاجلة، ولهذا كان جميع العقلاء يحتملون ألمًا قليلًا للذة كثيرة، ويمتنعون عن لذة قليلة لتحصيل لذةٍ جليلة، ويقولون: هذا مقتضى الهوى والطبع، وهذا مقتضى العقل والشرع.

فمن ادَّعى حُسنًا أو قبحًا عقليًّا أو شرعيًّا بلا فرحٍ ولذةٍ ولا غمٍّ وألم فقد قال ما لا يعرف، ولا يتصور ما يقول، وهو مطالبٌ بتحقيق ما يقوله، فإن كثيرًا من نزاع العقلاء يكون لكونهم لم يتصوروا تصورًا تامًا ما تنازعوا فيه، ولو تصوروه تصورًا تامًّا لارتفع النزاع”([46]).

وقال ابن القيم: “فما لجأتم إليه ‌من ‌موافقة ‌الغَرض ومخالفته من أكبر الأدلَّة على أنَّ ذاتَ الفعل متَّصفةٌ بما لأجله وافق الغَرض وخالفه، وهذا كموافقة الغَرض ومخالفته في الطُّعوم والأغذية والرَّوائح؛ فإنَّ ما لاءم منها الإنسانَ ووافقه مخالفٌ بالذَّات والوصف لما نافَره منها وخالفَه، ولم تكن تلك الملاءمةُ والمنافرةُ لمجرَّد العادة، بل لِمَا قام بالمُلائم والمُنافِر من الصِّفات؛ ففي الخبز والماء واللَّحم والفاكهة من الصِّفات التي اقتضت ملاءمتها الإنسانَ ما ليس في التُّراب والحجر والقَصَب والعَصْف وغيرها، ومن ساوى بين الأمرين فقد كابر حِسَّه وعقله.

فهكذا ما لاءم العقولَ والفِطر من الأعمال والأحوال وما خالفها هو لِمَا قام بكلٍّ منها من الصِّفات التي اختصَّت به، فأوجبَ الملاءمةَ والمنافرة؛ فملاءمةُ العدل والإحسان والبِرِّ للعقول والفِطر والحيوان هي لِمَا اختصَّت به ذواتُ هذه الأفعال من أمورٍ ليست في الظُّلم والإساءة، وليست هذه الملاءمةُ والمنافَرةُ لمجرَّد العادة والتَّديُّن بالشرائع، بل هي أمورٌ ذاتيةٌ لهذه الأفعال، وهذا مما لا ينكرُه العقلُ بعد تصوُّره”([47]).

وقال شيخ الإسلام في ردّه على الرازي في كلامه في (الأربعين) في نفي التحسين والتقبيح العقليين: “فيقال له: بل يدل على ذلك؛ لأنه دل على استحسان العقلاء قاطبةً لأشياء، كالعدل والصدق، واستقباحهم قاطبة لأشياء، كالظلم والكذب، وأن ذلك الاستحسان والاستقباح -الذي سلّمه هو- لأجل صفةٍ قائمة بالفعل.

وفسر هو ذلك الاستحسان والاستقباح بأنه رغبة الطبع ونفرته، وذلك يعود إلى المحبة والبغض، وإلى ما يتبع ذلك من اللذة والألم.

فيقال له: وهكذا مورد النزاع، فإن كون الفعل سببًا للذم والعقاب أو للمدح والثواب هو كونه مرغوبًا فيه ومرهوبًا منه، ومحبوبًا ومبغضًا، ومحصلًا للذة أو للألم، لكن المرغوب فيه قد يكون عاجلًا في الحال، وقد يكون آجلًا، إما في الدنيا، وإما بعد الموت، فإذا كان إفضاء الفعل إلى لذة عاجلة هو لأجل صفةٍ قائمةٍ به؛ فما المانع أن يكون إفضاؤه إلى لذةٍ آجلة هو لأجل صفةٍ قائمة به؟”([48]).

وهذا ردٌّ على الرازي في ما ذكره في الأربعين، فإنه في الأربعين وغيره ينفي التحسين والتقبيح العقليين، كما يقوله سائر الأشعرية، وفي (المطالب العالية) وفي (معالم أصول الدين) يثبتهما في أفعال العباد دون أفعال الله كما تقدم، وكلامه في (المعالم) ينحو نحو ما ذكره شيخ الإسلام هنا، فإنه لما أراد إقامة الدليل على ثبوت التحسين والتقبيح العقليين في أفعال العباد جعل معنى التحسين والتقبيح في محل النزاع هو عين معناه في محل الإجماع.

قال في (المعالم): “أما بيان أن التحسين والتقبيح بمقتضى العقل في الشاهد، فيدل عليه وجوه:

أحدها: أن اللذة والسرور وما يفضي إليهما أو إلى أحدهما محكوم عليه بالحسن من هذه الجهة بمقتضى بديهة العقل، وأن الألم والغم وما يفضي إليهما أو إلى أحدهما محكومٌ عليه بالقبح ووجوب الدفع من هذه الجهة بمقتضى الفطرة الأصلية، إلا إذا صارت هذه الجهة معارضةً بغيرها، فحينئذٍ يزول هذا الحكم.

مثاله: أن الفسق وإن كان يفيد نوعًا من اللذة، إلا أن العقل يمنع عنه، وإنما يمنع عنه لاعتقاده أنه يستعقب ألمًا وغمًّا زائدًا، وهذا يفيد أن جهتي الحسن والقبح والترغيب والترهيب ليس إلا ما ذكرناه.

الثاني: هو أن القائلين بالتحسين والتقبيح الشرعيين فسروا الحسن بأنه هو الذي لزم من فعله حصول الثواب، والقبيح بأنه هو الذي يلزم من فعله حصول العقاب.

فيقال لهم: وهل تسلمون أن العقل يقتضي وجوب الاحتراز عن العقاب، أو تقولون: إن هذا الوجوب لا يثبت إلا بالشرع؟

فإن قلتم بالأول فقد سلمتم أن الحسن والقبح في الشاهد ثابت بمقتضى العقل.

وإن قلتم بالثاني فحينئذٍ لا يجب عليه الاحتراز عن ذلك العقاب إلا بإيجابٍ آخر، وهذا الإيجاب معناه ترتب العقاب، وذلك يوجب التسلسل في ترتب العقابات، وهو باطل.

فثبت أن العقل يقضي بالتحسين والتقبيح في الشاهد”([49]).

وقال شارح (المعالم) أفضل الدين الخونجي: “والتحقيق أن العقل إنما يحكم بحسن الشيء من حيث إنه لذة وسرور أو مفضٍ إليهما، أو فيه نفع ومصلحة إذا كان خاليًا عن جهةٍ قبيحة، أما إذا عارضت جهة كونه لذةً وسرورًا ومنفعةً جهة أخرى موجبة للقبح؛ فإن العقل لا يحكم بحسنه، بل يمنع منه، وقد يحكم بقبحه لاعتقاده أنه يستعقب ضررًا، وكذلك إنما يحكم بقبح الشيء المؤلم بشرط خلوِّه عن شيء من المصالح والمنافع، أما إذا اشتمل ذلك الألم على نوع مصلحة؛ فإنه لا يحكم بقبحه، بل قد يحكم بحسنه”([50]).

ولا يخفاك تلاقي كثير مما ذكره الرازي مع ما تقدّم نقله عن شيخ الإسلام، فإنه لم يفرق بين التحسين والتقبيح في محل الإجماع ومحل النزاع، كما أنه شرط في الحسن والقبح الخلو من المعارض، وهذا عين ما قرره شيخ الإسلام في كلامه المتقدم آنفًا.

يقول الزركشي: “ومن المحققين ‌مَن ‌رَدَّ ‌هذا ‌القسم -يعني محل النزاع- إلى الأول -يعني محل الإجماع-، وقال: إنه في الحقيقة راجع إلى الألم واللذة.

ولهذا سَلَّم الرازي في آخر عمره ما ذكره في كتابه (نهاية العقول): أن الحسن والقبح العقليين ثابتان في أفعال العباد، إذ كان معناهما يؤول إلى اللذة والألم”([51]).

وممن قال من المعاصرين بأن التسليم بالحسن والقبح في محل الإجماع تسليم به في محل النزاع: محمد صالح الغرسي، حيث يقول في حواشيه على (المسامرة): “الأشاعرة عندما قالوا بالحسن والقبح بالمعنى الثاني -وهو اشتمال الفعل على المصلحة والمفسدة- فقد اعترفوا بوجود الصفة المذكورة للفعل قبل ورود الشرع، فيكون نفيهم للحسن والقبح من الأساس تناقضًا منهم.

وذلك لأن تقسيم الحسن والقبح إلى المعاني الثلاثة قد يجتمع في فعل واحد، ويتصف الفعل الواحد بثلاثتها: كالعدل والظلم، فإن العدل صفة كمالٍ، وملائم للطبع، بمعنى أنه مشتملٌ على المصلحة، وقد ورد الشرع بطلبه، كما أن الظلم صفة نقصٍ ومشتمل على المفسدة، وقد ورد الشرع بالنهي عنه، فالقول باتصافه بالحسن والقبح بالمعنى الثاني ليس إلا قولًا بوجود الصفة المذكورة للفعل قبل ورود الشرع، والله تعالى أعلم”([52]).

وما تقدّم بالنسبة لإطلاق الحسن والقبح بمعنى الملاءمة والمنافرةِ يقال في إطلاقِ الحُسن والقُبح بمعنى الكمَال والنُّقصان، فإن هذا يعود للملاءمة والمنافرة أيضًا.

قال شيخُ الإسلامِ: “‌ومن ‌الناس ‌من ‌أثبت ‌قسمًا ‌ثالثًا ‌للحسن ‌والقبح وادعى الاتفاق عليه: وهو كون الفعل صفة كمال أو صفة نقص وهذا القسم لم يذكره عامة المتقدمين المتكلمين في هذه المسألة؛ ولكن ذكره بعض المتأخرين: كالرازي وأخذه عن الفلاسفة.

والتحقيق أن هذا القسم لا يخالف الأول فإن الكمال الذي يحصل للإنسان ببعض الأفعال هو يعود إلى الموافقة والمخالفة وهو اللذة أو الألم، فالنفس تلتذ بما هو كمال لها، وتتألم بالنقص، فيعود الكمال والنقص إلى الملائم والمنافي”([53]).

وقال: “وكذلك قول القائل: أن يكون للفعل صفة كمالٍ أو صفة نقص مما يعرف بالعقل، هو يعود إلى الملاءمة؛ فإن الفعل الذي يكمل به الفاعل هو الذي يلائمه ويحصل به كمال الفرح والسرور والنعيم”([54]).

وقد بين ابن القيم أن هذا القسمَ على التحقيق لو أُعطي تمامَ معناه لثبتَ أنه ملازمٌ لتعلُّق المدحِ والذَّمِّ وهُمَا محلُّ النِّزَاعِ.

قال ابن القيم: “المدحُ والذَّمُّ ترتُّبُه على النُّقصَانِ والكمال عقلي كترتُّبِ المسبَّبَات على أسبَابِهَا، فمدحُ العُقلاءِ لمؤثرِ الكمالِ والمُتَّصِفِ به وذمُّهُم لمؤثرِ النقصِ والمتَّصِفِ به أمرٌ عقليٌّ فِطريٌّ، وإنكارُهُ يُزاحِمُ المُكابَرَة.

وأمَّا العِقَابُ فقد قرَّرنَا أن ترتُّبَهُ على فِعلِ القَبيحِ مشروطٌ بالسَّمعِ، وأنَّهُ إنَّمَا انتفى عندَ انتفاء السَّمع انتفاءَ المشرُوطِ لانتفاءِ شرطِهِ، لا انتفاؤُهُ لانتفاءِ سَبَبِه، فإنَّ سَبَبَهُ قائمٌ ومقتضِيهِ مَوجودٌ، إلا أنه لم يتمَّ لتوقُّفه على شرطه، وعلى هذا فكونُهُ مُتعلقًا للثَّوابِ والعقاب والمدحِ والذمِّ عقليٌّ، وإنْ كان وقوع الِعقَابِ موقُوفًا، على شرطٍ وهو وُرُودُ السَّمعِ”([55]).

وقال الشيخ صدر الشريعة المحبوبي مبينًا التلازم بين الحسن والقبح بعنى الكمال والنقصان، وبمعنى ترتب المدح والذم -وهو محل النزاع-: “على أن الأشعري يسلم القبح والحسن عقلًا بمعنى الكمال والنقصان، فلا شك أن كل كمال محمود، وكل نقصان مذموم، وأن أصحاب الكمالات محمودون بكمالاتهم، وأصحاب النقائص مذمومون بنقائصهم، فإنكاره الحسن والقبح بمعنى أنهما صفتان لأجلهما يحمد أو يذم الموصوف بهما في غاية التناقض”([56]).

وللمقبلي وقفةٌ مع هذا الانتقادِ، حاول فيها بيانَ مذهبِ الأشعريَّة وتخليصَهُم من هذا التناقُض، قال: “وفيه عندي وقفَة، فإنهم إنما يُثبتون الوصفين فيما هو من قبيلِ الغرائزِ كالعلمِ والجهلِ وكالصدقِ والكذب، أي:كونُهُ شأنُهُ الصِّدقُ وشأنُهُ الكَذِبُ، وأما في مِثلِ: صَدَقَ وكَذَبَ وحصل الصِّدقُ وحَصَلَ الكَذِبُ وحصل العلمُ وحصل الجهلُ المركَّبُ مثلًا؛ فيحتاجُ كونُهُم يقولُون بذلك إلى نقلٍ صحيحٍ عنهُم، والمتتبَّعُ من كلامهم خلافُه، فيسلَمُون من المُناقَضَةِ، ويُقَرّون على الخلاف.

وإنما التبسَ على الناظر ما كان بمعنى الثُّبُوت وما كان بمعنى الحُدُوثِ، فـ(صادقٌ) بمعنى: ذِي صدقٍ كمالٌ عندهم لا بمعنى حصلَ الصدق وأوجَدَه، وكيف وقد أنكَرُوا هذا المعنى الأخير في مُطلقِ الفعل وقالُوا: معنى آكل: أنه ذو الأكل لا أنه فعل.

وهذا تحقيقٌ بليغٌ، قد فات العَضُدَ وأضرابه من الفريقين، والحمدُ لله على العُثُورِ على الحقيقة”([57]).

ومع الإقرار بأنَّ هذا هو مُرادُ الأشعرية، فإنه يُعترَضُ عليه بأنَّ الكَمَالَ والنَّقص بهذا الاعتبارِ خارجَانِ عن محلِّ البحث؛ لأنَّ البحث في الأفعالِ وليس في الصِّفَاتِ، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) ينظر: البدور اللوامع لليوسي (1/ 182).

([2]) ينظر: المواقف (3/ 262، 269).

([3]) المسامرة بشرح المسايرة -طبعة المكتبة التجارية الكبرى- (ص: 174).

([4]) شرح تنقيح الفصول (ص: 212).

([5]) الضياء اللامع شرح جمع الجوامع (2/ 151).

([6]) شرح معالم أصول الدين (ص: 472).

([7]) شرح معالم أصول الفقه (2/ 119).

([8]) الضياء اللامع (2/ 152).

([9]) التوضيح في شرح التنقيح (1/ 280).

([10]) درء القول القبيح في التحسين والتقبيح (ص: 82).

([11]) شرح المواقف (8/ 182).

([12]) شرح تنقيح الفصول (ص: 213).

([13]) التعليقة في أصول الفقه (ص: 85).

([14]) المستصفى (1/ 179-180).

([15]) الاقتصاد في الاعتقاد (ص: 224).

([16]) راجع بحث الغزالي لهذه المسألة في المستصفى، وقد نقله ابن القيم في المفتاح بطوله، وتعقبه فقرة فقرة.

([17]) نهاية الإقدام (ص: 388-389).

([18]) مفتاح دار السعادة (2/ 1031-1032).

([19]) مفتاح دار السعادة (2/ 1030).

([20]) مفتاح دار السعادة (2/ 1041). 

([21]) انظر: الرد على المنطقيين (ص: 104) وما بعدها.

([22]) منهاج السنة (3/ 105-106).

([23]) هذا كلام المعتزلة كما نقله الأشاعرة، انظر: شرح الكبرى (ص: 536-537).

([24]) جامع الفصول (1/ 222).

([25]) مفتاح دار السعادة (2/ 928).

([26]) مفتاح دار السعادة (2/ 946-947).

([27]) مفتاح دار السعادة (2/ 1021).

([28]) مفتاح دار السعادة (2/ 928-930).

([29]) المواقف في علم الكلام (3/ 263).

([30]) المغني في أبواب التوحيد والعدل (6/ 27).

([31]) المغني في أبواب التوحيد والعدل.

([32]) النبوات (1/ 455-457).

([33]) الحاصل من المحصول (1/ 241).

([34]) جامع الفصول (1/ 223).

([35]) مجموع الفتاوى (8/ 89-90).

([36]) مفتاح دار السعادة (2/ 965-966).

([37]) مفتاح دار السعادة (2/ 1010).

([38]) مجموع الفتاوى (8/ 89).

([39]) المسائل الخلافية (ص: 210).

([40]) المسامرة بشرح المسايرة (ص: 215-216).

([41]) جامع الفصول (1/ 220).

([42]) لعل هذا مما سبق به قلمه، وصوابه كما هو ظاهر لك: لمعنيين اتفاقًا.

([43]) العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ (ص: 162-163).

([44]) درء القول القبيح بالتحسين والتقبيح (ص: 89)، ونحوه في المواقف (2/ 266).

([45]) شرح الأصبهانية -ط. دار العمرية- (2/ 544).

([46]) جامع الفصول (1/ 219-220).

([47]) مفتاح دار السعادة (2/ 1029-1030).

([48]) شرح الأصبهانية ط. دار العمرية (2/ 562-563).

([49]) معالم أصول الدين (ص: 109-110).

([50]) شرح معالم أصول الدين (ص: 427).

([51]) تشنيف المسامع شرح جمع الجوامع (1/ 560). وذِكْرُ نهاية العقول لعله وهم من الزركشي، فإنني وجدت الرازي سار في نهاية العقول على مذهبه الأول المذكور في المحصول والأربعين في منع التحسين والتقبيح العقليين مطلقًا، بخلاف ما ذكره في المطالب العالية ومعالم أصول الدين من إثبات التحسين والتقبيح العقليين في أفعال العباد دون أفعال الله.

([52]) بدر التمام -بهامش المسامرة في توضيح المسايرة- (ص: 447-448).

([53]) مجموع الفتاوى (8/ 309-310).

([54]) جامع الفصول (1/ 220).

([55]) مفتاح دار السعادة (2/ 970).

([56]) التوضيح على التنقيح مع حاشية السعد (1/ 362-363).

([57]) العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ (ص: 164-165). 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

مسألة التحسين والتقبيح العقليين بين أهل السنة والمتكلمين -الجزء الثالث- (أخطاء المخالفين في محل الإجماع)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الفصل الثالث: أخطاء المخالفين في محل الإجماع: ذكر الرازي ومن تبعه أن إطلاق الحسن والقبح بمعنى الملاءمة والمنافرة وبمعنى الكمال والنقصان محلّ إجماع بينهم وبين المعتزلة، كما تقدّم كلامه. فأما الإطلاق الأول وهو كون الشيء ملائمًا للطبع أو منافرًا: فقد مثَّلُوا لذلك بإنقاذِ الغَرقى واتهامِ الأبرياء، وبحسن الشيء الحلو […]

مسألة التحسين والتقبيح العقليين بين أهل السنة والمتكلمين -الجزء الثاني- (أخطاء المخالفين في محل النزاع)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الفصل الثاني: أخطاء المخالفين في محل النزاع: ابتكر الفخر الرازيُّ تحريرًا لمحل الخلاف بين الأشاعرة والمعتزلة في المسألة فقال في (المحصل): “مسألة: الحُسنُ والقبح‌ قد يُراد بهما ملاءمةُ الطبع ومنافرَتُه، وكون‌ُ الشي‌ء صفةَ كمال أو نقصان، وهما بهذين المعنيين عقليان. وقد يُراد بهما كونُ الفعل موجبًا للثوابِ والعقابِ والمدحِ […]

ترجمة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ (1362  – 1447هـ)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه([1]): هو سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب. مولده ونشأته: وُلِد سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ رحمه الله بمدينة مكة المكرمة في الثالث من شهر ذي الحجة عام 1362هـ. وقد […]

مسألة التحسين والتقبيح العقليين بين أهل السنة والمتكلمين -الجزء الأول- (تحرير القول في مسألة)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ مسألةَ التحسين والتقبيح العقليين من المسائل الجليلة التي اختلفت فيها الأنظار، وتنازعت فيها الفرق على ممرّ الأعصار، وكان لكل طائفةٍ من الصواب والزلل بقدر ما كُتب لها. ولهذه المسألة تعلّق كبير بمسائلَ وأصولٍ عقدية، فهي فرع عن مسألة التعليل والحكمة، ومسألة التعليل والحكمة فرع عن إثبات الصفات […]

جُهود الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي في نشر الدعوة السلفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي من العلماء البارزين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد برزت جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تأثر رحمه الله بالمنهج السلفي، وبذل جهودًا كبيرة في نشر هذا المنهج وتوعية الناس بأهميته، كما عمل على نبذ البدع وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تنشأ في […]

وصفُ القرآنِ بالقدم عند الحنابلة.. قراءة تحليلية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يُعدّ مصطلح (القِدَم) من أكثر الألفاظ التي أثارت جدلًا بين المتكلمين والفلاسفة من جهة، وبين طوائف من أهل الحديث والحنابلة من جهة أخرى، لا سيما عند الحديث عن كلام الله تعالى، وكون القرآن غير مخلوق. وقد أطلق بعض متأخري الحنابلة -في سياق الرد على المعتزلة والجهمية- وصف (القديم) […]

التطبيقات الخاطئة لنصوص الشريعة وأثرها على قضايا الاعتقاد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من الأمور المقرَّرة عند أهل العلم أنه ليس كل ما يُعلم يقال، والعامة إنما يُدعون للأمور الواضحة من الكتاب والسنة، بخلاف دقائق المسائل، سواء أكانت من المسائل الخبرية، أم من المسائل العملية، وما يسع الناس جهله ولا يكلفون بعلمه أمر نسبيٌّ يختلف باختلاف الناس، وهو في دائرة العامة […]

الصحابة في كتاب (الروض الأنف) لأبي القاسم السهيلي الأندلسي (581هـ) -وصف وتحليل-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يحرص مركز سلف للبحوث والدراسات على توفية “السلف” من الصحابة ومنِ اتبعهم بإحسان في القرون الأولى حقَّهم من الدراسات والأبحاث الجادة والعميقة الهادفة، وينال الصحابةَ من ذلك حظٌّ يناسب مقامهم وقدرهم، ومن ذلك هذه الورقة العلمية المتعلقة بالصحابة في (الروض الأنف) لأبي القاسم السهيلي الأندلسي رحمه الله، ولهذه […]

معنى الكرسي ورد الشبهات حوله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يُعَدُّ كرسيُّ الله تعالى من القضايا العقدية العظيمة التي ورد ذكرُها في القرآن الكريم وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نال اهتمام العلماء والمفسرين نظرًا لما يترتب عليه من دلالات تتعلّق بجلال الله سبحانه وكمال صفاته. فقد جاء ذكره في قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} […]

لماذا لا يُبيح الإسلامُ تعدُّد الأزواج كما يُبيح تعدُّد الزوجات؟

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (إنَّ النِّكَاحَ فِي الجاهلية كان على أربع أَنْحَاءٍ: فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ: يَخْطُبُ الرجل إلى الرجل وليته أوابنته، فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا. وَنِكَاحٌ آخَرُ: كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا أَرْسِلِي إِلَى فُلَانٍ ‌فَاسْتَبْضِعِي ‌مِنْهُ، وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا، حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي […]

مركزية السنة النبوية في دعوة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ الدعوةَ الإصلاحية السلفيَّة الحديثة ترتكِز على عدّة أسُس بُنيت عليها، ومن أبرز هذه الأسُس السنةُ النبوية التي كانت هدفًا ووسيلة في آنٍ واحد، حيث إن دعوةَ الإصلاح تهدف إلى الرجوع إلى ما كان عليه السلف من التزام الهدي النبوي من جهة، وإلى تقرير أن السنة النبوية الصحيحة […]

الحكم على عقيدة الأشاعرة بالفساد هل يلزم منه التكفير؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا شك أن الحكم على الناس فيما اختلفوا فيه يُعَدّ من الأمور العظيمة التي يتهيَّبها أهل الديانة ويحذرها أهل المروءة؛ لما في ذلك من تتبع الزلات، والخوض أحيانا في أمور لا تعني الإنسانَ، وويل ثم ويل لمن خاض في ذلك وهو لا يقصد صيانة دين، ولا تعليم شرع، […]

ترجمة الشيخ شرف الشريف (1361-1447هـ)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة ترجمة الشيخ شرف الشريف([1]) اسمه ونسبه:    هو شرف بن علي بن سلطان بن جعفر بن سلطان العبدلي الشريف. يتَّصل نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. نشأته ودراسته وشيوخه: ولد رحمه الله عام 1361هـ في محافظة تربة في العلاوة، وقد بدأ تعليمه الأوّلي في مدرسة […]

وهم التعارض بين آيات القرآن وعلم الكَونِيّات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يمتاز التصوُّرُ الإسلامي بقدرته الفريدة على الجمع بين مصادر المعرفة المختلفة: الحسّ، العقل، والخبر الصادق، دون أن يجعل أحدها في تعارض مع الآخر. فالوحي مصدر هداية، والعقل أداة فهم، والحسّ مدخل المعرفة، والتجربة طريق التحقُّق. وكل هذه المسالك تتكامل في المنهج الإسلامي، دون تصادم أو تعارض؛ لأنها جميعًا […]

لا يفتي أهلُ الدثور لأهل الثغور -تحليل ودراسة-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: في خِضَم الأحداث المتتالية والمؤلمة التي تمرُّ بها أمة الإسلام، وكان لها أثر ظاهر على استقرارها، ومسَّت جوانبَ أساسيّة من أمنها وأمانها في حياتها، برزت حقيقةٌ شرعيّة بحاجة لدراسة وتمييز، ورغم قيام العلماء من فجر الإسلام بواجبهم الشرعيّ في البيان وعدم الكتمان، إلا أنَّ ارتباطَ هذه الحقيقة بأحداث […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017