الاثنين - 14 ربيع الآخر 1447 هـ - 06 أكتوبر 2025 م

موقف الحنابلةِ من الفكر الأشعريِّ من خلال “طبقات الحنابلة” و”ذيله”

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

مقدمة:

تحتوي كتبُ التراجم العامّة والخاصّة على مضمَرَاتٍ ودفائنَ من العلم، فهي مظنَّةٌ لمسائلَ من فنون من المعرفة مختلفة، تتجاوز ما يتعلَّق بالمترجم له، خاصَّة ما تعلَّق بطبقات فقهاء مذهب ما، والتي تعدُّ جزءًا من مصادر تاريخ المذهب، يُذكر فيها ظهوره وتطوُّره، وأعلامه ومؤلفاته، وأفكاره ومواقفه، ومن المواقف التي يمكن ملاحظةُ وجود نصوص متعلقة بها المواقف المتعلقة بالمذاهب الأخرى، في الأصول والفروع، المتكلّمين والفقهاء والفلاسفة وغيرهم، وقد اختار مركز سلف للبحوث والدراسات أن يستخرجَ من كتابين منها في طبقات الحنابلة موقف الحنابلة من الفكر الأشعري([1])، وهما: “طبقات الحنابلة” لابن أبي يعلى الفراء (526هـ)، و”ذيل طبقات الحنابلة” لابن رجب([2]) (795هـ) رحمهما الله.

مدخل:

كان الصحابةُ رضي الله عنهم أمنَةَ هذه الأمة في دينها وإيمانها بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء زمنٌ أظهرت فيه البدع قرونَها، وكان أول ذلك بدعة السبئيةِ المتشيِّعة، ثم الخوارج النهروانية، ثم القدرية الأُنُفِيَّة في أواخر عهد الصحابة رضي الله عنهم، ثم استقرَّ الأمر بعد ذلك إلى أنِ افترق الناس عشرةَ أصناف كما يقول أبو الحسن الأشعري، فيهم من ذكرتُ، والمعتزلة والكُلَّابية أصحاب عبد الله بن كلاب القطان، والذي عاصر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، فقد توفي الإمام أحمد عام 241هـ، ويقدِّرون وفاة ابن كُلاب بعام 240هـ.

حاولَتْ هُدى بنت ناصر عرضَ اختياراتِ ابن كُلاب في كتابها “آراء الكلابية العقدية وأثرها في الأشعرية“، ومما اشتهر عنه ابتداعه القولُ بالكلام النفسي، ولازمه القول بأن اللفظَ -أي: العبارة والصيغة- بالقرآن مخلوقة، وهو ما كان يشتدّ الإمام أحمد في إنكاره، ثم ورث مذهبَ ابن كُلاب أبو الحسن الأشعري بعد تركه للاعتزال، ولن يطول أمره على ذلك، فسيرجع الأشعريُّ عن “الطريقة الكلابية” إلى مذهب أهل الحديث و”طريقة أحمد بن حنبل“، فيأخذ عن أئمة الحديث والحنبلية، وسيصرِّح بذلك في “مقالات الإسلاميين” و”الإبانة”، وربما في غيرهما مما لم يصِلنا من كتبه، ثم بدأ الانحرافُ عن طريقته مع الباقلاني، ثم الجويني، حيث تأثر المذهب المنحول بالاختيارات الاعتزالية، ثم بالمقالات الفلسفية القديمة، وبالتصوف المنحرف، والمطالع لـ”مقالات الإسلاميين” للأشعري يجد أن كثيرا من الاختيارات داخلَ المدرسة الاعتزالية صارت من “صلب المعتقد” الكلامي عند متأخري المنتسبين إليه، ومع الغزالي سيختلط ذلك بالتصوف، ثم يجهز عليه الفخر الرازي بتحويله إلى مذهب “فلسفي متصوِّف“.

كانت الأشاعرةُ في أولى مراحلها في نوع من الموافقة مع الحنابلة، فقد نسب الأشعريُّ نفسَه إلى أحمد، ونقل عن الباقلاني أنه كان ينسب نفسَه إلى الحنبلية([3]وكان ابن تيمية -الذي كان حريصًا مع نقده الفكريّ على وأد كل فتنة يشمّ دخان أولى شرارات نارها- يقرّر هذا للحنابلة أنفسهم في زمانه، بل قال أبو إسحاق الشيرازي صاحب “اللمع” و”التبصرة”: «إنما نفقَت الأشعريةُ عند الناس بانتسابهم إلى الحنابلة، وهذا ظاهر عليه وعلى أئمّة أصحابه في كتبهم ومصنفاتهم قبل وقوع الفتنة القشيرية ببغداد»([4])، لكن وقع تنافرٌ بعد ذلك في فتن متكررة، من أشدها أثرًا فتنة ابن القشيري، قال ابن عساكر: «ولم تزل الحنابلة ببغداد في قديم الدهر على ممرِّ الأوقات تعتضد بالأشعرية على أصحاب البدع»([5])، وقد استمرَّ ذلك إلى زمن شيخ الإسلام ابن تيمية، ومع ذلك لم يسلم الطرفان من تنافر وتدافع، خاصَّةً بعد وصول الفكر الأشعريّ إلى مراحله الفلسفية المتصوِّفة، فكلما ابتعد هذا الفكر عن الأصول المؤسسة لأبي الحسن أكثرَ كان التنافرُ بين المنتسبين إليه وبين الحنابلة أظهرَ، وقد عاش الحنابلة والأشاعرة بعد ذلك في قرب في الأزهر، ونشرت جوزاء بنت مرزوق العتيبيّ عن حنابلة الأزهر مقالا في “مجلة الفرائد في البحوث الإسلامية والعربية“([6]) التي تصدرها كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة، بعنوان: “الشيخ أحمد بسيوني الحنبلي الأزهري رحمه الله والحنابلة في الأزهر الشريف“.

وكان اختيار هذا الموضوع لأسباب ثلاثة:

الأول: أن ما سيستخرج من الكتابين هو وجهة نظر الحنابلة، في مقابل وجهة نظر الأشاعرة الذين تصدَّرهم ابن السبكي في “طبقات الشافعية الكبرى”.

الثاني: أن المادة الخامّ في الكتابين متوفرة وفرةً كافيةً تحكي نشأة الموقف الحنبلي وتطوّره من الاختيارات الفكرية الأخرى مثل علم الكلام والتصوف.

الثالث: أن الحنابلة كانوا يمثِّلون في المجال الزمني من أحمد بن حنبل إلى ابن رجب جزءًا كبيرا من أهل الحديث، إذ كانت البقية منهم في المذاهب الأخرى الحنفية والمالكية والشافعية لكن بقلَّة للأسف.

أحمد وأحاديث الصفات:

لمعرفة أسبابِ المواقف الحنبلية من الفكر الأشعري وعلَلِها -خاصّة ما تعلق منها بأحاديث الصفات والقرآن- يجب مراجعةُ أصول موقف إمام المذهب نفسه، فهو الأصل والأساس، وإليه المرجع، والبدء ببيان موقفه من أحاديث الصفات، وقد سئل أحمد عنها، والتي يردّها المعتزلة وغيرهم مما ورد في العرش ورؤية الله تعالى والإسراء والمعراج، فقال: «قد تلقَّتها الأمة بالقبول، وتُمَرّ الأخبار كما جاءت»([7])، فعليها “الإجماع“، وتمَرّ بدون تكييف ولا تحريف لمعانيها، وهذا راجع إلى الأصول التي ارتضاها الإمام أحمد لنفسه، متبعا في ذلك مع الكتاب والسنة السلفَ والأئمةَ من أهل الحديث، وقد قال: «أصول السنة عندنا: التمسُّك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم»([8])، وهو الأصل الجامع المميِّز العاصم، فكلٌّ يدَّعي اتباعَ الكتاب والسنة، لكن الصحابة هم الميزان في هذا، والبرهان على صحة الدعوى، ولذلك جعل الإمام أحمد أصله التمسّكَ بهديهم وطريقتهم وعقيدتهم، أو قل: هذه هي السلفية.

أحمد والقول بخلق القرآن:

وأما موقفه من صفة الكلام والقرآن، فإنه حينما أظهر مخالفته للمعتزلة([9])، وأصر على أن القرآنَ كلام الله خير مخلوق، لم يكن يقصِد معناه دون لفظه وعبارته، بل كانت عقيدته هذه في القرآن معنى ولفظًا، فالقرآن عنده هو المكتوب في المصاحف، المحفوظ في الصدور، المتلوُّ على الألسنة، أي: عبارته ولفظه، المبتدأ والخبر، والفعل والفاعل، فإن شئت قلت: هو ما يسمَّى عند النحاة كلامًا، ويخطئ من يظنُّ أنه يقصد المعنى دون اللفظ، وقد ثبت عن أحمد إنكارٌ شديد على من يزعم أن العبارة القرآنية مخلوقة([10])، وليس المقصود صوتَ الآدمي ولا مداد الكتب ولا الورق نفسه، بل المقصود الصيغة القرآنية المركبة من الكلمات، المركبة من الحروف التي هي أصوات، فالله تعالى عند الإمام أحمد تبعًا لأهل الحديث تكلَّم بالقرآن بصوت مسموع، سمعه جبريل، فبلَّغه النبيّ محمّدا صلى الله عليه وسلم، من أول آية أنزلت وهي ﴿اِقرأ﴾ [العلق: 1]، إلى سورة المائدة([11]).

ومما نُقل عنه في هذا: قوله فيمن يزعم أن اللفظ مخلوق: «هذا شرّ من قول الجهمية، ومن زعم هذا فقد زعم أن جبريلَ جاء بالمخلوق، وأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم تكلَّم بمخلوق»([12])، وقال أيضا: «القرآن كلامُ الله، من أوله إلى آخره، ليس شيء منه مخلوق، ومن زعم أن شيئا من القرآن مخلوق فهو كافر»([13])، وصحَّ عنه وصفُ من قال عن لفظ القرآن مخلوق بأنه جهمي([14])، ويسميهم الإمام أحمد: “اللفظية“، ومما احتجّ به عليهم قوله تعالى: ﴿حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [التوبة: 6]، وقال: «ممن يسمع؟!»([15])، فالمسموع كلام الله تعالى، والكلام يُنسب إلى قائله لا ناقله، وبقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «منعوني أن أبلِّغ كلام ربي»([16])، فنسب أبو بكر القرآن المتلوَّ المسموع إلى الله تعالى، وجعله من كلامه، وقيل للإمام أحمد: منه بدأ وإليه يعود؟ فقال مُقِرًّا: «منه بدأ عِلمُه، وإليه يعود حُكمُه»([17]).

كان من طريقة السلف وهديهم عدمُ الخوض في مفاوضة المخالفين في مسائل الاعتقاد، لكن بعد أن أظهر هؤلاء أمرهم وتظاهروا على نشره ونصرته قام الإمام أحمد يناقضهم باللسانين: لسان اللفظ ولسان القلم، وقد قال: «كنا نرى السكوتَ عن هذا قبل أن يخوضَ فيه هؤلاء، فلما أظهروه لم نجد بدًّا من مخالفتهم»([18])، أما لسان اللفظ فكثير منقول عنه بالرواية، وأما لسان القلم فكتابه: “الرد على الجهمية والزنادقة” وغيره.

موقف أحمد من علم الكلام:

كان موقف الإمام أحمد -مثل غيره من أئمّة الحديث والسنة- من علم الكلام وأهله شديدًا، فمن ذلك قوله: «من تعاطى الكلامَ لا يُفلح، ومن تعاطى الكلام لا يخلو من بدعة»([19])، وكان يرى أن للكلام أثرَ سوء على القلب، إذا تمكن من القلب لم يفارقه، فقال في ذلك: «من أحبَّ الكلام لم يخرج من قلبه»([20])، وحذَّر من بعض مقدَّمي الكلابية، وموقفه من الحارث المحاسبي مشهور، وهو الذي قال فيه: «حارث أصل البلية… حذِّروا عن حارث أشدَّ التحذير»([21])، وكان يقصد موافقته لابن كلاب في مسألة القرآن وغيرها، فإن الكلابية يرون أن القرآنَ اللفظَ هو عبارةٌ عن كلام الله، وليس كلامَ الله نفسه باعتبار قائله، وكانت علة شدته هذه على الجهمية ومن يوافقهم أن ذلك يبطل القرآن والحديث النبوي، فقال: «ما أحدٌ أضرّ على أهل الإسلام من الجهمية، ما يريدون إلا إبطال القرآنِ وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم»([22])، ولأن في ذلك إسقاطًا لمقامه وقدسيته، واستهانةً بمحتواه وعبارته، فكان أحمد يأمر بمجانبتهم وتجنُّب مجالستهم، وإن بدا منهم شيء من نصرة الحقِّ في بعض المسائل، وهذا أبلغ، فقال: «لا تجالس أصحاب الكلام وإن ذبُّوا عن السنة»([23])، وما ذلك إلا خشيةَ أن يتأثر الْمُجالس بشيء من كلامهم، أو يكون ذبُّه عنها حجابًا دون رؤية خطئه في بعض مقالاته، فيضرّ دينَه وعقيدته وإيمانه.

ومن لطيف ما يحسن التنبيه عليه من هذا أن ابن رجب انتقد حالة صدقة بن الحسين البغدادي الحنبلي المتكلِّم المتفلسِف بسبب خوضه في علم الكلام، فقال: «ما كانت مصيبة إلا من علم الكلام، ولقد صدق القائل: ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح، وبسبب شُبَه المتكلمين والمتفلسفة كان يقع له أحيانا حيرةٌ وشكّ، يذكرها في أشعاره، ويقع له من الكلام والاعتراض ما يقع»([24])، فلم ينج الحنبليُّ من شَرَك شُبَه الكلام والفلسَفة، ولذلك اشتدَّ نكير الحنابلة في ذلك.

ومثله إسماعيل بن علي البغدادي الحنبلي، أخذ المنطقَ اليوناني والفلسفةَ عن طبيب نصرانيّ، وكان يتردَّد إلى بيعةِ النصارى، فوقع له بسبب ذلك انحراف، وكان من ذلك أنه ألَّف كتابا سماه: “نواميس الأنبياء“، جعل فيه الأنبياء من الحكماء في زمرة هرمس وأرسطو! فنقل ابن رجب عن بعض من الثقات قوله فيه: «كان متسمِّحا في دينه متلاعبا… وكان دائما يقع في الحديث وفي رواته»([25]). وكذلك محمد بن علي بن طالب الخِرَقي الحنبلي، نقل ابن رجب عن ابن النجار من “ذيل تاريخ بغداد” «أنه كان يعتقد عقيدة الفلاسفة تقليدًا عن غير معرفة»([26]). وقريبا من هذا النمط ابن عقيل([27]) والطوفي الذي اشتدّ عليه ابن رجب فقال فيه: «وكان مع ذلك كله شيعيًّا منحرفًا في الاعتقاد عن السنة»([28]).

وقد تأثر طائفةٌ من الحنابلة ببعض مسائل المتكلمين بسبب مجالستهم، وقد عرف ذلك عن طائفة منهم، من ذلك أن ابن الدجاجي الواعظ الحنبليَّ جالس أبا جعفر السمناني([29])، وممن كان يحضر مجالسه في بيته أبو يعلى الفراء([30])، فظهر خلاف بين الحنابلة في ذلك لم يكن، وكانت بينهم في ذلك مفاوضات([31])، فلا أحد يأمن على نفسه، ومثل كلِّ هؤلاء مَن يسمَّون “الحنابلة الجدد“، نسأل الله السلامة والعافية في الدين والدنيا.

شدة تمسُّك الحنابلة بالسنة في الأصول:

تابع الحنابلة الإمام في منهجه، فاشتهر عنهم في الجملة شدَّةُ تمسكهم بالسنة النبوية، وما تقتضيه من توحيد وعقيدة أثرية، وكان ذلك من أسباب خلافهم الشديد لمذاهب المتكلمين الذين بدَا منهم أنواع من الاستهانة بها وبحواملها من الأحاديث النبوية، بدءًا بالمعتزلة إلى الأشاعرة المتأخِّرين، وكان يحرص صاحب “الطبقات” وصاحب “الذيل” على تحلية بعض الحنابلة بذلك من باب التنبيه بالمثال، وكانوا في ذلك بين معتدل ومبالغ، وهم في ذلك على نهج الإمام أحمد في أصل شدَّته، وجرى الحنابلة على ذلك، منه قول العلامة اللغوي محمد بن عبد الواحد أبو عمر الزاهد المعروف بـ”غلام ثعلب” في حديث ضحك الله تعالى: «الحديث معروف، وروايته سنَّة، والاعتراض عليه بالطعن عليه بدعة، وتفسير الضَّحِك تكلُّفٌ وإلحاد»([32])، وهذا كلام على نمط قول الإمام مالك في الاستواء. ومن حلية المترجمين في الذيل: “شديد في السنة“([33])، “متشدِّد في السنة“([34])، “شديد القيام في نصر السنة والذّبّ عنها والقمع لمن خالفها“([35])، “كان متمسِّكا بالسنة معرضًا عن أهل البدع“([36])، “كان مظهرًا للسنة في مجلسه“([37]).

إمامة أحمد عند الحنابلة:

كانت مكانة الإمام أحمد بن حنبل في نفوس الحنابلة كبيرةً، وقد صحَّت عنهم عبارات تدلّ على تعلّقٍ كبير بمذهبه وطريقته في الأصول والفروع، وهو ما يشرح ويفسِّر شدَّتَهم في مخالفة ومدافعة مخالفيهم كالمعتزلة والأشاعرة وغيرهم من الفرق المخالفة لهم، ومن أقوالهم اللطيفة في ذلك قول يعقوب بن سفيان أبي يوسف: «حُجَّتي أحمد بن حنبل وأحمد بن صالح المصريّ»([38])، وقول أبي خليفة الفضل بن الحباب البصري الجمحيِّ: «على أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضوان الله، فهو إمامنا، ومن نَقتَدِي به، ونقول بقوله، الواعي للعلم، المتقن لروايته، الصادق في حكايته، القيّم بدين الله عز وجل، المتسنِّن بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إمام المسلمين، والناصح لإخوانه من المؤمنين»([39])، بل ذهب شيخ الإسلام الهروي إلى أن قال ناظما:

«أنا حنبليّ ما حييتُ فإن أمت *** فوصيَّتي ذاك إلى إخواني

إذ دينُه ديني وديني دينه *** ما كنتُ إمَّعةً له دينان»([40])

وهي من قصيدة طويلة([41])، بل ذهب عبد القادر الجيلاني إلى أعظم من ذلك، فقد سئل: هل كان وليّ على غير اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل؟ فقال: «ما كان، ولا يكون»([42])، أو: «لا وليّ إلا على اعتقاد أحمد»([43])، وقال يحيى بن منده: «إن أحمد بن حنبل إمام المسلمين، وسيّد المؤمنين، وبه نحيا، وبه نموت، وبه نبعث إن شاء الله تعالى، فمن قال غير هذا فهو عندنا من الجاهلين»([44]).

سعي الأشاعرة عند السلاطين على الحنابلة:

بدأ التضييقُ على المذهب الحنبليّ مع الإمام أحمد نفسه، فقد سعى المعتزلة عند جناحهم السياسيّ الخليفة وعماله وقضاته لإعلان فتنة للناس في عقيدتهم في القرآن وغيره، وإذ كان مذهب المعتزلة القولَ بخلق القرآن فقد امتُحن العلماء في ذلك، ونال الإمامَ أحمدَ من ذلك شدةُ البلاء، ثم رفعةُ المقام، ولم تنقطع محنةُ الحنابلة بعد ذلك، فقد كان من بعض الفئات الأشعرية نوع أذى بنفس الطريقة، بالسعي عند السلاطين وعمالهم.

البربهاري:

وممن نالهم أذى الأشاعرة البربهاري، فقد «كان المخالفون يغيظون قلبَ السلطان عليه، ففي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، في خلافة القاهر ووزيره ابن مقلة، تقدَّم بالقبض على البربهاري، فاستتر، وقبض على جماعة من كبار أصحابه، وحملوا إلى البصرة»([45])، ولم يستمرَّ هذا، فقد انقلب الأمر على السلطان ووزيره، ثم بطل ذلك كله، ووقع نقيض المقصود بالسعي، فـ«أعاد الله البربهاري إلى حشمته وزادت»([46])، ومثل ما حصل للإمام أحمد حينما تولّى المتوكل الخلافة، «ففي خلافة الراضي… ازدادت حشمة البربهاري، وعلت كلمته، وظهر أصحابه، وانتشروا في الإنكار على المبتدعة»([47])، وقد عاود المخالفون له الكرة بالسعي عند الراضي، «ولم تزل المبتدعة ينقلون قلب الراضي على البربهاري، فتقدم الراضي إلى بدر الخرشني صاحب الشرطة بالركوب والنداء ببغداد أن لا يجتمع من أصحاب البربهاري نفسان، فاستتر البربهاري، وكان ينزل بالجانب الغربي باب محول، فانتقل إلى الجانب الشرقي مستترا، فتوفي في الاستتار في رجب سنة تسع وعشرين وثلاثمائة»([48]).

أبو جعفر عبد الله بن عيسى:

قال ابن أبي يعلى في ترجمة شيخه أبي جعفر عبد الله بن عيسى: «فوصل إلى مدينة السلام بالجانب الشرقي ولدُ القشيري، وأظهر على الكرسي مقالة الأشعري، ولم تكن ظهرت قبل ذلك على رؤوس الأشهاد؛ لما كان يلحقهم من أيدي أصحابنا وقمعهم لهم، فعظم ذلك عليه، وأنكره غاية الإنكار، وعاد إلى نهر المعلى منكرًا لظهور هذه البدعة وقمع أهلها، فاشتد أزر أهل السنة، وقويت كلمتهم، وأوقعوا بأهل البدعة دفعات، وكانت الغلبة لطائفتنا طائفة أهل الحق، فلما أدحض الله تعالى مقالتهم وكسر شوكتهم عظم ذلك على رؤسائهم، وأجمعوا للهرب والخروج من بلدنا إلى خراسان، فبلغ ذلك وزير الوقت، فقال: ما الذي حملكم على ذلك؟ فأظهروا الشكاية مما قد تمَّ عليهم، فوعدهم بأن يكفَّ عنهم ذلك، واجتمعوا ودبّروا على حضوره»([49])، وكان قصدهم التضييقَ عليه، ودفعَ الوزير إلى حبسهم عن إظهار عقيدتهم، بحيث كتبوا إليه يشكون الحنابلة، ويسألونه المعونة عليهم بالسلطان، فأُلزم أبو جعفر الإقامة الجبرية، ومنع أصحابه من الدخول عليه، بل اتفق جماعة من الأشاعرة على الهجوم على أبي جعفر لإيقاع الأذى البدنيّ به وبأصحابه([50])، ونادَوا باسم السلطان العبيدي الشيعي المستنصر بالله، تشنيعًا على الخليفة العباسي بدعوى ميله إلى الحنابلة([51]).

تكرَّر الأمر مع أبي جعفر، وتكرَّر منع أصحابه منه، وألزم بيته واستتر كما استتر غيره ممن ابتُلُوا بسعايات الأشاعرة عند السلاطين ووزرائهم وعُمالهم، فكلما ضُيِّق عليهم فكريًّا اتَّسعوا في السعاية في غير عدل ولا إنصاف، فكانوا يقصدون إلى الظهور بغير حجة العلم، بل بظلم السلطان، وهذه حال مستمرة إلى الآن، فحيثما كانت عقيدة الإمام أحمد، وأظهر عالم وأصحابه مذهبه ونصره، سعوا إلى تغيير قلب السلطان عليه، والظاهر أن هذا باق ما بقي المخالفون لعقيدة الإمام أحمد التي هي عقيدة الكتاب والسنة.

عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي:

وممن نالتهم فتنة الأشاعرة المحدث الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي صاحب التصانيف الكثيرة، ومنها “محنة الإمام أحمد“، ويقدِّر الله تعالى له أن يقع له محنةٌ أيضا، فقد أرادوا أن يفسدوا عليه مجلسَ تحديثه، والوقيعة بينه وبين الناصح أبي الفرج ابن الحنبلي، ثم سعى كبارهم وثلَّة من رؤوسهم عند الولي في قلعته، وكان رأسهم القاضي، وقالوا له: «هؤلاء الحنابلة ما قصدهم إلا الفتنة، واعتقادهم يخالف اعتقادنا»([52])، وطلبوا إحضارَ عبد الغني بين يديه، فبلغ الخبر طائفة من الحنابلة، فطلبوا منه عدمَ الحضور، وأنهم سيباشرون مناظرة الأشاعرة نيابة عنهم، فأُحضِر خفية وناظروه واستثاروه، فخرج من دمشق إلى غيرها، ونبه الحافظ ابن رجب على أن قصةَ هذه الفتنة رُويت عند الأشاعرة على غير وجهها، وأن فيها أنهم كفَّروه وأهدروا دمه لقوله -في ما زعموه- بالجهة والحرف لله تعالى([53])، وهذا من الظلم العظيم، والتجاوز لحدود الشرع والعقل، وما هذا إلا أهواء وحظوظ نفس نسأل الله السلامة والعافية، وهذا من مقاصد هذه الورقة العلمية: الدعوة إلى أن تُعرَض الرواية الحنبلية، وتقابَل بالرواية الأشعرية، ويستخلَص منهما الأقرب إلى ما كان في الواقع، والله المستعان.

عبد اللطيف بن علي بن النفيس البغدادي:

وممن امتُحن بسبب اعتقاده في الصفات على طريقة أحمد وأهل الحديث عبد اللطيف بن علي بن النفيس البغدادي، «امتُحن لقراءته شيئًا من أحاديث الصفات بجامع القصر، فسعى به بعض المتجهمة، وحبس مُدَيْدَة، وأُسقطت عدالته، ثم أفرج عنه، وأعاد عدالته ابن مُقْبِل، ثم أسقطت، ثم أعاد عدالته قاضي القضاة أبو صالح، فباشر ديوان الوكالة إلى آخر عمره»([54]).

شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية:

أشهرُ مَنِ امتحن في كل هذا بعد الإمام أحمد هو شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، وقد امتُحن معه ثلةٌ من تلامذته، بل امتُحن معه أخوه، قال ابن رجب فيه: «حبِس مع أخيه بالديار المصرية مدَّة، وقد استُدعي غيرَ مرة وحدَه إلى المناظرة، فناظر وأفحم الخصوم»([55])، وقد دوِّنت تفاصل محنته وتلاميذه وأصحابه، وحسبي ما وقفت عليه في “الذيل” لابن رجب، فقد نقل عن الذهبي من “معجم شيوخه” قوله: «ونظر في العقليات، وعرف أقوال المتكلمين، وَرَدَّ عليهم، وَنبَّه على خطئهم، وحذَّر منهم، ونصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين، وأُوذي في ذات اللّه من المخالفين، وأُخيف في نصر السنة المحضة، حتى أعلى الله مناره، وجمع قلوب أهل التقوى على محبته والدعاء له، وَكَبَتَ أعداءه، وهدى به رجالًا من أهل الملل والنحل، وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالبًا، وعلى طاعته، أحيى به الشام، بل والإسلام، بعد أن كاد ينثلمُ بتثبيت أولي الأمر، لما أقبل حزب التتر والبغي في خيلائهم، فظُنت بالله الظنون، وزلزل المؤمنون، واشْرَأَبّ النفاق، وأبدى صفحته، ومحاسنُه كثيرةٌ، وهو أكبر من أن ينبِّه على سيرته مِثلي، فلو حلفتُ بين الركن والمقام لحلفت: إني ما رأيت بعيني مثلَه، وإنه ما رأى مثل نفسه»([56])، ونقل عن الذهبي أيضا قوله: «قام عليه خلقٌ من علماء مصر والشام قيامًا لا مزيد عليه، وبدَّعوه وناظروه وكابروه، وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي… جرى بينه وبينهم حملات حربية، ووقعات شامية ومصرية، وكم من نوبة قد رموه عن قوس واحدة، فينجيه الله»([57]).

وقد امتُحن الشيخ بسبب “الحموية و”الواسطية” وغيرها، وأحضِر بين يدي السلطان ليناظر، قال ابن رجب: «ووقع الاتفاق بعد ذلك على أن هذه العقيدة سنية سلفية»([58])، فانحاز له السلطان، ثم سعى في أذاه المصريون، واحتالوا في ذلك، في تفاصيل يطول ذكرها، وكان آخر محنته أن حبس بقلعة دمشق سنتين وأشهرا، وفيها مات رحمه الله([59]).

فتنة ابن القشيري:

يسمّيها الحنابلة: “فتنة ابن القشيري([60])، ويسمّيها ابن السبكي: “فتنة الحنابلة“([61])، ولعلَّها من أكثر الفتن شهرةً في تاريخ خصومةِ الأشعرية لأهل الحديث والحنابلة([62])، ومن أوائل الفتن التي أفسدَت ما كان بين الطرفين، فلا يزال دخانها مشمومًا إلى الآن، فقد كانت فتنة مذهبيّة قامت في بغداد سنة 469هـ، بين الحنابلة وخصومهم من الأشاعرة ومن تعصَّب لهم، بقيادة أبي نصر بن القشيري، وبسند من أبي سعد الصوفي وأبي إسحاق الشيرازي، وبحماية سياسيّة من الوزير نظام الملك، وكان سبب الفتنة أن قدِم أبو نصر بن القشيري إلى بغداد وجلس في المدرسة النظامية مظهرًا للعقيدة الأشعرية، عائبًا على الحنابلة مذهبَهم، متّهمًا إياهم بالتجسيم، فأثار ذلك الحنابلةَ، وزادها اشتعالًا تحالفُ أبي إسحاق الشيرازي والمتصوفة مع ابن القشيري، وكتابتهم لنظام الملك يشكونهم إليه، طالبين مساعدته ضدَّ الحنابلة، فآل الأمر إلى محاولة اعتداء بدَني على الشريف أبي جعفر في مسجده، وقد أظهر الشريفُ مدافعة قوية للجانب الأشعري، ثم عقد لقاءَ مصالحةٍ بدعوة من الوزير، لكن الشريف رفض المصالحة معتبرًا أن الخلاف بينهم عقديّ لا يمكن رفعه، وقد كان الخليفة العباسيّ في كل هذا في موقف محرج، بين ضغط سياسيّ من الوزير نظام الملك بمقتضى طلب الأمن والاستقرار والسّلم المجتمعي، وبين وقوفه مع قريبه الشريف، واتهامه بالميل إلى الحنابلة، فاختار إكرام الشريف وفرض الإقامة الجبرية عليه في صورة استضافة، مع نفي ابن القشيري وأمره بلزوم بلده، واستقرّ الأمر لذلك في بغداد.

عرض ابن أبي يعلي في “الطبقات” وابن رجب في “الذيل” هذه القصة بإيجاز، وكان من مهمّات ما عُرِض قول ابن أبي يعلى: «وصل إلى مدينة السلام بالجانب الشرقي ولَدُ القشيري، وأظهر على الكرسي مقالة الأشعري، ولم تكن ظهرت قبل ذلك على رؤوس الأشهاد؛ لما كان يلحقهم من أيدي أصحابنا وقمعهم لهم، فعظم ذلك عليه، وأنكره غاية الإنكار، وعاد إلى نهر المعلى منكرًا لظهور هذه البدعة، وقمع أهلها فاشتدّ أزر أهل السنة، وقويت كلمتهم، وأوقعوا بأهل هذه البدعة دفعات، وكانت الغلبة لطائفتنا: طائفة الحق، فلما أدحض الله تعالى مقالتهم وكسر شوكتهم عظُم ذلك على رؤسائهم، وأجمعوا للهرب والخروج عن بلدنا إلى خراسان»([63])، وهذا نصّ دالّ على طبيعة الخصومة التي كانت بينهما، بل المغالبة، ففيه أن مقالة الأشاعرة كانت طارئة.

كانت النظامية في الجملة مَجمَعا للأشاعرة، فُتن الناس بما كان يُذاع فيها من مذاهب الأشاعرة، وحكى بعضهم شيئا من ذلك، ففي الذيل عن أبي الفضل محمد بن ناصر قال: «كنت أسمع الفقهاءَ من النظامية يقولون في القرآن: معنى قائم بالذات، والحروف والأصوات عبارات ودلالات على الكلام القديم القائم بالذات، فحصل في قلبي شيء من ذلك، حتى صرتُ أقول بقولهم موافقةً»([64])، ثم ذكر رجوعه إلى مذهب الحنابلة بعد رؤيا رأى فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وقِس على النظاميةِ الجامعاتِ في العالم الإسلامي، التي تسلَّطت عليها مذاهب الكلام، بل الإلحاد، نسأل الله السلامة.

يهمُّني من هذا أنه مهما كانت فتنة فإنها لا تبلغ إفسادَ عقائد الناس إن قام في وجهها عالم يأتمون به، يقول كلمة الحقّ، ويدفع في وجه المحدَث المبتدَع، كما فعل الشريف أبو جعفر في فتنة ابن القشيري وغيره في غيرها، ولذلك قال الإمام أحمد: «الفتنة إذا لم يكن إمامٌ يقوم بأمر الناس»([65])، وهي كلمة ممتازة نافعة، ومقتضاها أنه إن لم يكن إمام للناس في الحقّ نفذت الفتنة إلى قلوبهم، فأفسدت دينهم.

قضية أبي إسحاق الشيرازي:

ظهر اسم أبي إسحاق الشيرازي الشافعيّ في قصة فتنة ابن القشيري، وقد أثار هذا الباحثين، فحاولوا تحقُّق موقفه من أحداث تلك الفتنة، وإلى أيّ الجانبين كان يميل، وقد أشار ابن عساكر إلى أنه وقع اختلاف في نسبته عقيدة([66])، وقد ألف أبو إسحاق الشيرازي رسالة في بيان معتقده، سماها: “الإشارة إلى مذهب أهل الحق“([67])، نسجها على منوال المنتسبين إلى الأشعري ممن كان بعد ابن مجاهد ثم الباقلاني، وتلخيص قصته في الفتنة أنه بعد إظهار ابن القشيري التنقيصَ من الحنابلة، وردهم عليه ومن معه بالتضييق، أظهر أبو إسحاق الشيرازي موافقةَ ابن القشيري، ومال إلى نصره، وأظهر الغضبَ على الحنابلة، وعزم على الخروج من بغداد، وبعد أن تدخلت الجهات السياسية للإصلاح بين الجهتين، وحضر المختصمون في مجلس واحد، قام أبو سعد الصوفي وأبو نصر بن القشيري فأظهرا التعظيمَ للشريف أبي جعفر، و«قام إليه أبو إسحاق، وكان يتردد في أيام المناظرة إلى مسجده بدرب المطبخ، فقال: أنا ذاك الذي تعرف، وهذه كتبي في أصول الفقه، أقول فيها: “خلافًا للأشعرية”، ثم قبّل رأسه، فقال له الشريف: قد كان ما تقول، إلَّا أنك لما كنت فقيرًا لم تُظهِر لنا ما في نفسك، فلما جاء الأعوان والسلطان خواجا بُزُرْك -يعني النظَّام- أبديتَ ما كان مخفيًّا»([68]).

أما اعتذار الشيرازي بأنه يُظهر المخالفة للأشاعرة في كتبه فهذا صحيح، فإنه يذكر في التبصرة في أصول الفقه مثلا مذهب الشافعي وأتباعه، ويذكر مذهب الأشاعرة، ويظهر مخالفته، فيتكلّم بلسان الشافعية فيقول: «لنا»، ثم يذكر أدلتهم في نقض مذهب الأشاعرة([69])، ويناقض هذا في الظاهر “إشارته إلى مذهب الحق” أي: الأشاعرة، في المعتقد، والظاهر أنه كان يفرق بين الجهتين، فهو في المعتقد على مذهب الجويني ومدرسته ومن يشاكله، وفي أصول الفقه على مذهب الشافعي وأتباعه الكبار، وقد أقرَّه الشريف أبو جعفر على ما اعتذر به، لكنه كرَّ عليه بتهمة التقية الفكرية، والله يتجاوز عنهما، وقد كان الأَوْلى بأبي إسحاق أن يكون مصلحًا لا مرجِّحًا في مثل هذه الفتن التي قد تسيل فيها الدماء، والله يغفر لنا وله.

مفاوضات بين الحنابلة والأشاعرة:

كان للحنابلة مع الأشاعرة مفاوضاتٌ مباشرة في مناظرات، وأخرى عن طريق مؤلّفات الردّ والنقد، وقد كانت تُعقَد مجالس مناظرات بين الحنابلة وخصومهم من المتكلمين، كان أوَّلها مناظرة الإمام أحمد للمعتزلة في حضور المعتصم، واستمرَّ الأمر على ذلك، وقد مرَّ التنبيه على بعضها، ومن لطائف هذا أنه عُقِدت في المغرب أيضا مجالس مناظرة بين ممثِّلين لمذهب أهل الحديث والسلفية وبين ممثِّلين للأشاعرة في عهد مَلِكين علويَّين، الأولى بين العلامة عبد الله السنوسي وبينهم زمن الحسن الأول، والثانية بين العلامة عبد الرحمن النتيفي زمن محمد الخامس رحمهم الله جميعا، وكان للنتيفي كتاب في الرد عليهم طُبع باسم: “نظر الأكياس في الرد على جهمية البيضاء وفاس“، ثم خفّف في طبعة أخرى باسم: “نظر الأكياس في الرد على علماء البيضاء وفاس“([70])، والمقصود بالبيضاء مدينة الدار البيضاء.

ومن المناظرات المشهورة التي عرضت في ذيل الطبقات محاورة قصيرة بين شخص سمِّي ابن تميم من الحنابلة وبين أبي البيان نبأ بن محمد الأشعري في كلام الله تعالى، ومما فيها قول ابن تميم في احتجاج الأشاعرة ببيت الأخطل النصراني: إن الكلام لفي الفؤاد…: «فالحنابلة أتوا بالكتاب والسنة، وقالوا: قال الله تعالى، وقال رسوله، وأنتم قلتم: قال الأخطل، شاعر نصراني خبيث»([71]).

ومن مؤلفات الحنابلة في الردّ على الأشاعرة ردٌّ لأبي يعلى الفراء، وردود ابن تيمية المفردة والمبثوثة في مصنفاته، ومن لطيف ما أحِبُّ ذكره هنا أن ابن أبي يعلى نسب لمحمد بن أحمد بن أبي موسى القاضي المتوفى سنة 428ه كتابا في المعتقد بدأه بقوله: «بابٌ تنطق به الألسنة، وتعتقده الأفئدة من واجب الديانات»([72])، واللطيف في هذا أن ابن أبي زيد القيرواني المالكي المتوفى سنة 386ه بدأ جزءَ المعتقد في “الرسالة” بقوله: «باب ما تنطق به الألسنة وتعتقدُه الأفئدة من واجب أمور الديانات»([73])، وهذه من مُلَح العلم في هذه الورقة العلمية، وقد تكون من متينه، وبها الختم، والحمد لله ربِّ العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) ينظر: نظرة الإمام أحمد بن حنبل لبعض المسائل الخلافية بين الفرق الإسلامية، لـمصطفى حمدو عليان.

([2]) له ترجمة في المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد (6/ 128)، وفيها: «هو الذي نشر مذهب الإمام أحمد ببيت المقدس ثم بدمشق».

([3]) قال ابن تيمية في الصفدية (2/ 162): «كان القاضي أبو بكر يكتب: محمد بن الطيب الحنبلي، إذ كانت الأشعرية منتسبة إلى السنة وإلى أئمتها، منتصرة للمقالات المشهورة عن إمام السنة أحمد بن حنبل وغيره».

([4]) ينظر: مجموع الفتاوي ابن تيمية (47/ 18).

([5]) تبيين كذب المفتري، دار التقوى، الطبعة الأولى، 1440ه-2018م (ص: 326).

([6]) المجلد السادس والأربعون، إصدار يونيو 2024م، من (ص: 2099) إلى (ص: 2134).

([7]) طبقات الحنابلة (1/ 138).

([8]) طبقات الحنابلة (2/ 166).

([9]) ينظر: محنة الإمام أحمد بن حنبل، لعبد الغني المقدسي.

([10]) ينظر: العقيدة السلفية في كلاب رب البرية، لعبد الله الجديع، مؤسسة الريان، الطبعة الثانية، 1430ه-2009م (ص: 201).

([11]) طبقات الحنابلة (1/ 141).

([12]) طبقات الحنابلة (1/ 46).

([13]) طبقات الحنابلة (1/ 104).

([14]) طبقات الحنابلة (1/ 191، 326، 270).

([15]) طبقات الحنابلة (2/ 262).

([16]) طبقات الحنابلة (2/ 305).

([17]) طبقات الحنابلة (2/ 518).

([18]) ذيل طبقات الحنابلة (1/ 300).

([19]) طبقات الحنابلة (1/ 148).

([20]) طبقات الحنابلة (1/ 178).

([21]) طبقات الحنابلة (1/ 150).

([22]) طبقات الحنابلة (1/ 108).

([23]) طبقات الحنابلة (2/ 405).

([24]) ذيل طبقات الحنابلة (3/ 310).

([25]) ذيل طبقات الحنابلة (3/ 143).

([26]) ذيل طبقات الحنابلة (1/ 308).

([27]) ذيل طبقات الحنابلة (1/ 322).

([28]) ذيل طبقات الحنابلة (4/ 409).

([29]) ذيل طبقات الحنابلة (3/ 58).

([30]) طبقات الحنابلة (3/ 386).

([31]) ذيل طبقات الحنابلة (3/ 416).

([32]) طبقات الحنابلة (3/ 133).

([33]) ذيل طبقات الحنابلة (1/ 157).

([34]) ذيل طبقات الحنابلة (1/ 166).

([35]) ذيل طبقات الحنابلة (1/ 118).

([36]) ذيل طبقات الحنابلة (1/ 53).

([37]) ذيل طبقات الحنابلة (1/ 257).

([38]) طبقات الحنابلة (2/ 557).

([39]) طبقات الحنابلة (2/ 187).

([40]) ذيل طبقات الحنابلة (3/ 461).

([41]) ذيل طبقات الحنابلة (1/ 122).

([42]) ذيل طبقات الحنابلة (2/ 200).

([43]) ذيل طبقات الحنابلة (2/ 202).

([44]) ذيل طبقات الحنابلة (1/ 306).

([45]) طبقات الحنابلة (3/ 77).

([46]) طبقات الحنابلة (3/ 78).

([47]) طبقات الحنابلة (3/ 78).

([48]) طبقات الحنابلة (3/ 78، 79).

([49]) طبقات الحنابلة (3/ 442).

([50]) ذيل طبقات الحنابلة (1/ 39).

([51]) ذيل طبقات الحنابلة (1/ 40).

([52]) ذيل طبقات الحنابلة (3/ 30، 31).

([53]) ذيل طبقات الحنابلة (3/ 32).

([54]) ذيل طبقات الحنابلة (3/ 549).

([55]) ذيل طبقات الحنابلة (4/ 479).

([56]) ذيل طبقات الحنابلة (4/ 497).

([57]) ذيل طبقات الحنابلة (4/ 506).

([58]) ذيل طبقات الحنابلة (4/ 511).

([59]) ذيل طبقات الحنابلة (4/ 518).

([60]) ترجمة ابن القشيري في تبيين كذب المفتري (ص: 562).

([61]) طبقات الشافعية الكبرى (7/ 163).

([62]) ينظر: الحركة الحنبلية وأثرها في بغداد من وفاة الإمام أحمد إلى نهاية القرن الخامس الهجري، لخالد كبير علال.

([63]) طبقات الحنابلة (3/ 442).

([64]) ذيل طبقات الحنابلة (1/ 228).

([65]) طبقات الحنابلة (2/ 339).

([66]) تبيين كذب المفتري (ص: 518).

([67]) حقَّقها محمد السيد الجليند.

([68]) ذيل طبقات الحنابلة (1/ 41).

([69]) ينظر مثلا: التبصرة (ص: 195، 196).

([70]) نظر الأكياس في الرد على علماء البيضاء وفاس، تحقيق محمد أمحزون، كلية الآداب والعلوم الإنسانية في مكناس، المغرب (ص45، 46).

([71]) ذيل طبقات الحنابلة (3/ 104).

([72]) طبقات الحنابلة (3/ 336).

([73]) شرح عقيدة ابن أبي زيد القيرواني للقاضي عبد الوهاب، تحقيق مشترك، الرابطة المحمدية للعلماء، الطبعة الأولى، 1435ه-2014م (ص: 88).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

موقف الحنابلةِ من الفكر الأشعريِّ من خلال “طبقات الحنابلة” و”ذيله”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: تحتوي كتبُ التراجم العامّة والخاصّة على مضمَرَاتٍ ودفائنَ من العلم، فهي مظنَّةٌ لمسائلَ من فنون من المعرفة مختلفة، تتجاوز ما يتعلَّق بالمترجم له، خاصَّة ما تعلَّق بطبقات فقهاء مذهب ما، والتي تعدُّ جزءًا من مصادر تاريخ المذهب، يُذكر فيها ظهوره وتطوُّره، وأعلامه ومؤلفاته، وأفكاره ومواقفه، ومن المواقف التي […]

مسألة التحسين والتقبيح العقليين بين أهل السنة والمتكلمين -الجزء الثالث- (أخطاء المخالفين في محل الإجماع)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الفصل الثالث: أخطاء المخالفين في محل الإجماع: ذكر الرازي ومن تبعه أن إطلاق الحسن والقبح بمعنى الملاءمة والمنافرة وبمعنى الكمال والنقصان محلّ إجماع بينهم وبين المعتزلة، كما تقدّم كلامه. فأما الإطلاق الأول وهو كون الشيء ملائمًا للطبع أو منافرًا: فقد مثَّلُوا لذلك بإنقاذِ الغَرقى واتهامِ الأبرياء، وبحسن الشيء الحلو […]

مسألة التحسين والتقبيح العقليين بين أهل السنة والمتكلمين -الجزء الثاني- (أخطاء المخالفين في محل النزاع)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الفصل الثاني: أخطاء المخالفين في محل النزاع: ابتكر الفخر الرازيُّ تحريرًا لمحل الخلاف بين الأشاعرة والمعتزلة في المسألة فقال في (المحصل): “مسألة: الحُسنُ والقبح‌ قد يُراد بهما ملاءمةُ الطبع ومنافرَتُه، وكون‌ُ الشي‌ء صفةَ كمال أو نقصان، وهما بهذين المعنيين عقليان. وقد يُراد بهما كونُ الفعل موجبًا للثوابِ والعقابِ والمدحِ […]

ترجمة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ (1362  – 1447هـ)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه([1]): هو سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب. مولده ونشأته: وُلِد سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ رحمه الله بمدينة مكة المكرمة في الثالث من شهر ذي الحجة عام 1362هـ. وقد […]

مسألة التحسين والتقبيح العقليين بين أهل السنة والمتكلمين -الجزء الأول- (تحرير القول في مسألة)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ مسألةَ التحسين والتقبيح العقليين من المسائل الجليلة التي اختلفت فيها الأنظار، وتنازعت فيها الفرق على ممرّ الأعصار، وكان لكل طائفةٍ من الصواب والزلل بقدر ما كُتب لها. ولهذه المسألة تعلّق كبير بمسائلَ وأصولٍ عقدية، فهي فرع عن مسألة التعليل والحكمة، ومسألة التعليل والحكمة فرع عن إثبات الصفات […]

جُهود الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي في نشر الدعوة السلفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي من العلماء البارزين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد برزت جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تأثر رحمه الله بالمنهج السلفي، وبذل جهودًا كبيرة في نشر هذا المنهج وتوعية الناس بأهميته، كما عمل على نبذ البدع وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تنشأ في […]

وصفُ القرآنِ بالقدم عند الحنابلة.. قراءة تحليلية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يُعدّ مصطلح (القِدَم) من أكثر الألفاظ التي أثارت جدلًا بين المتكلمين والفلاسفة من جهة، وبين طوائف من أهل الحديث والحنابلة من جهة أخرى، لا سيما عند الحديث عن كلام الله تعالى، وكون القرآن غير مخلوق. وقد أطلق بعض متأخري الحنابلة -في سياق الرد على المعتزلة والجهمية- وصف (القديم) […]

التطبيقات الخاطئة لنصوص الشريعة وأثرها على قضايا الاعتقاد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من الأمور المقرَّرة عند أهل العلم أنه ليس كل ما يُعلم يقال، والعامة إنما يُدعون للأمور الواضحة من الكتاب والسنة، بخلاف دقائق المسائل، سواء أكانت من المسائل الخبرية، أم من المسائل العملية، وما يسع الناس جهله ولا يكلفون بعلمه أمر نسبيٌّ يختلف باختلاف الناس، وهو في دائرة العامة […]

الصحابة في كتاب (الروض الأنف) لأبي القاسم السهيلي الأندلسي (581هـ) -وصف وتحليل-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يحرص مركز سلف للبحوث والدراسات على توفية “السلف” من الصحابة ومنِ اتبعهم بإحسان في القرون الأولى حقَّهم من الدراسات والأبحاث الجادة والعميقة الهادفة، وينال الصحابةَ من ذلك حظٌّ يناسب مقامهم وقدرهم، ومن ذلك هذه الورقة العلمية المتعلقة بالصحابة في (الروض الأنف) لأبي القاسم السهيلي الأندلسي رحمه الله، ولهذه […]

معنى الكرسي ورد الشبهات حوله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يُعَدُّ كرسيُّ الله تعالى من القضايا العقدية العظيمة التي ورد ذكرُها في القرآن الكريم وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نال اهتمام العلماء والمفسرين نظرًا لما يترتب عليه من دلالات تتعلّق بجلال الله سبحانه وكمال صفاته. فقد جاء ذكره في قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} […]

لماذا لا يُبيح الإسلامُ تعدُّد الأزواج كما يُبيح تعدُّد الزوجات؟

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (إنَّ النِّكَاحَ فِي الجاهلية كان على أربع أَنْحَاءٍ: فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ: يَخْطُبُ الرجل إلى الرجل وليته أوابنته، فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا. وَنِكَاحٌ آخَرُ: كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا أَرْسِلِي إِلَى فُلَانٍ ‌فَاسْتَبْضِعِي ‌مِنْهُ، وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا، حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي […]

مركزية السنة النبوية في دعوة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ الدعوةَ الإصلاحية السلفيَّة الحديثة ترتكِز على عدّة أسُس بُنيت عليها، ومن أبرز هذه الأسُس السنةُ النبوية التي كانت هدفًا ووسيلة في آنٍ واحد، حيث إن دعوةَ الإصلاح تهدف إلى الرجوع إلى ما كان عليه السلف من التزام الهدي النبوي من جهة، وإلى تقرير أن السنة النبوية الصحيحة […]

الحكم على عقيدة الأشاعرة بالفساد هل يلزم منه التكفير؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا شك أن الحكم على الناس فيما اختلفوا فيه يُعَدّ من الأمور العظيمة التي يتهيَّبها أهل الديانة ويحذرها أهل المروءة؛ لما في ذلك من تتبع الزلات، والخوض أحيانا في أمور لا تعني الإنسانَ، وويل ثم ويل لمن خاض في ذلك وهو لا يقصد صيانة دين، ولا تعليم شرع، […]

ترجمة الشيخ شرف الشريف (1361-1447هـ)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة ترجمة الشيخ شرف الشريف([1]) اسمه ونسبه:    هو شرف بن علي بن سلطان بن جعفر بن سلطان العبدلي الشريف. يتَّصل نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. نشأته ودراسته وشيوخه: ولد رحمه الله عام 1361هـ في محافظة تربة في العلاوة، وقد بدأ تعليمه الأوّلي في مدرسة […]

وهم التعارض بين آيات القرآن وعلم الكَونِيّات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يمتاز التصوُّرُ الإسلامي بقدرته الفريدة على الجمع بين مصادر المعرفة المختلفة: الحسّ، العقل، والخبر الصادق، دون أن يجعل أحدها في تعارض مع الآخر. فالوحي مصدر هداية، والعقل أداة فهم، والحسّ مدخل المعرفة، والتجربة طريق التحقُّق. وكل هذه المسالك تتكامل في المنهج الإسلامي، دون تصادم أو تعارض؛ لأنها جميعًا […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017