الأربعاء - 27 ذو الحجة 1445 هـ - 03 يوليو 2024 م

مناقشة دعوى المجاز العقلي في الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

من أعظم البدع التي يتعلّق بها القبوريّون: الاستغاثة بالأموات فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ كمغفرة الذنوب، وتفريج الكروب، وهداية القلوب، ونحو ذلك، فهي رأس الانحرافات عند القبوريين، وهي “الهدف الأسمى للقبورية والغاية العظمى، والمقصد الأعلى لهم من سائر عقائدهم الباطلة وغلوّهم في الصالحين وقبورهم هو التوصل بها إلى الاستغاثة بالأموات عند إلمام الملمّات؛ لدفع الكربات والمضرات، وجلب المنافع والخيرات، وأما سائر عقائدهم فهي لها تبع”([1]).

ولذا كثرت الشبهات التي يقرّرها المجوّزون لهذه الضلالة، ومن هذه الشبهات: دعوى المجاز العقلي، وخلاصة تقريرها:

أن المستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم والصالحين هو في حقيقة الأمر مستغيث بالله تعالى، متشفِّع بالنبي صلى الله عليه وسلم، طالب منه الدعاء، وأُسْنِد الفعل إلى الواسطة من باب إسناده إلى السبب، كما في قولهم: بنى الأمير القصر، وأنبت الربيع البقل، والقرينة في حالة الاستغاثة قرينة عقلية، وهي كون القائل موحّدًا؛ فإن هذا كافٍ في حمل كلامه على المجاز في الإسناد، أي: كن سببًا في ذلك بشفاعتك ودعاء الله لي.

قالوا: ومن ذلك سؤال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم مرافقته في الجنة -وسيأتي لاحقًا-، مع أن دخول الجنة والنار مما لا يقدر عليه إلا الله، فيحمل على: كن سببًا في ذلك بدعائك وشفاعتك، فكما حمل سؤال الصحابي على المجاز فكذلك استغاثة المستغيثين بالصالحين اليوم.

وأَجَلُّ من روَّج هذه الشبهة هو تقي الدين السبكي (ت756هـ) في كتابه “شفاء السقام”، والذي تعرض فيه لشيخ الإسلام وكلامه في قضية الاستغاثة بغير الله، مع أن شيخ الإسلام قد أورد عن البكري (ت724هـ) -صاحب الكتاب الذي ردّ عليه شيخ الإسلام في كتاب الاستغاثة- مثل هذه الشبهة، ولكن مكانة السبكي العلمية تفوق كثيرًا مكانة البكري كما يظهر من كلام ابن تيمية عليه.

 وقد وجدوا في كلام السبكي -عفا الله عنه- مخرجًا لهم يبرِّرون به ضلالهم، وعامّة من كتب في ذلك بعده اعتمد على شبهة المجاز والسببية؛ كالنبهاني (ت1350هـ) في كتابه “شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق”، والذي رد عليه العلامة الألوسي رحمه الله (ت1342هـ) في كتاب “غاية الأماني في الرد على النبهاني”، وعامة خصوم الدعوة السلفية كابن جرجيس (ت1229هـ) وغيره، فضلا عن علماء الرافضة الذين هم أصل شرك القبورية في هذه الأمة، كمحسن العاملي (ت1371هـ) في كتابه “كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب”، وغيرهم كثير ممن يُنَظِّر لهذه الضلالة.

قال التقي السبكي في سياق تقرير هذه الشبهة: “فالمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث من غيره، وإن كان أعلى منه، فالتوسل والتشفع والتوجُّه والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والصالحين ليس لها معنى في قلوب المسلمين غير ذلك، ولا يقصد بها أحد منهم سواه”([2]).

وقبل الجواب عن هذه الشبهة تفصيلا، نبين الأصول التي ينشأ عنها هذا الضلال؛ فإن هذه الأقوال غالبًا تنشأ عن أصول فاسدة اعتقدها أصحابها بغير دليل صحيح، والتزموا لوازمها الفاسدة، وكما قال شيخ الإسلام رحمه الله: “من لم يعرف أسباب المقالات -وإن كانت باطلة- لم يتمكن من مداواة أصحابها وإزالة شبهاتهم”([3]).

فمن هذه الأصول:

الأصل الأول: الاعتقاد بأن الإيمان هو التّصديق، وأن التوحيد هو إثبات الصانع وتوحيد الله في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وحصرهم التوحيد في ذلك، مع إغفالهم توحيد الألوهية، وهذا الغالب على كثير من المتأخرين من أهل الكلام والتصوف، وهم الذين تنتشر فيهم هذه البدع القبورية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وهؤلاء الذين يريدون تقرير الربوبية من أهل الكلام والفلسفة يظنون أن هذا هو غاية التوحيد، كما يظنّ ذلك من يظنه من الصوفية الذين يظنون أن الغاية هو الفناء في توحيد الربوبية، وهذا من أعظم ما وقع فيه هؤلاء وهؤلاء من الجهل بالتوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب؛ فإن هذا التوحيد -الذي هو عندهم الغاية- قد كان مشركو العرب يقرون به كما أخبر الله عنهم”([4]).

ولذا لا يتصوّرون الشرك في صرف العبادة لغير الله إلا إذا كان صاحبه متلبسًا باعتقاد الربوبية فيمن يدعوه ويستغيث به، وهذا ما يصرح به كبارهم إلى يومنا هذا، ففي مقطع مصور على موقع (اليوتيوب) بعنوان: (جواز التوسل بالأنبياء والصالحين) للدكتور علي جمعة، يقرر فيه جواز الاستغاثة بالأنبياء والصالحين في كل شيء طالما اعتقد الشخص أن الله هو القاهر فوق كل شيء، وأن المستغاث به ما هو إلا سبب من الأسباب! ومثل هذا كثير لرؤوس هذه البدعة في هذا الزمان.

أما أهل السنة فيعتقدون أن الإيمان قول وعمل، والكفر يكون بالقلب واللسان والجوارح، وأن من الأفعال ما يكون كفرًا بذاته؛ لمناقضته أصل الإيمان، ولا يُحْتَاج في هذه الحالة للسؤال عن الاستحلال واعتقاده الباطن؛ لدلالة الفعل الظاهر على ذلك دلالة لازمة([5]).

ويعتقدون كذلك أن التوحيد نوعان، توحيد المعرفة والإثبات، وتوحيد القصد والطلب، وأن توحيد الألوهية هو حقيقة دعوة الأنبياء والمرسلين، وفيه كانت الخصومة بين الرسل وأقوامهم، فكما يكفر الرجل بجعله لله ندًّا في الربوبية وإن لم يصرف له شيئا من العبادة؛ يكون مشركًا باتخاذه ندًّا في الألوهية وإن لم يعتقد فيه اعتقاد الربوبية.

الأصل الثاني: اعتقادهم أن الفاعل في الحقيقة هو الله تعالى، وأن نسبة جميع الأفعال إلى المخلوق مجاز، باعتبار الكسب والسبب([6])؛ وعليه فالمستغيث بالأنبياء والصالحين لا يعتقد فيهم التأثير بداهةً؛ لأنه لا يعتقد فاعلًا على الحقيقة إلا الله تعالى، وإنما هو في الحقيقة طالب من الله تعالى مستغيث به.

وأما جمهور أهل السنة فيعتقدون أن العبد فاعل لفعله حقيقة، والله تعالى خالقه وخالق فعله، فالعبد مصل صائم طائع حقيقة، والله تعالى هو الذي يوفقه لذلك، ويجعله يفعل، ويخلق فعله.

وقد اعتمد البكري الصديقي في تجويزه للاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، ونقض كلامه شيخ الإسلام في رده عليه، وبين غلطه فيما أورده من أدلة، وسيأتي بعض ذلك لاحقا.

الأصل الثالث: الخلط بين معنى الاستغاثة والتوسل والسؤال، وجعل الجميع في منزلة واحدة، كما في كلام التقي السبكي المشار إليه قبل، وهذا من أعظم الخلط في الألفاظ واستخدامها في غير محلها؛ فإن الله تعالى أمر بابتغاء الوسيلة إليه في قوله: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35]، ولا يصح تفسيرها بالاستغاثة لا لغة ولا شرعًا، ولم يرد ذلك عن أحد من السلف قط، لا من أئمة الدين ولا اللغة، وتسبَّب هذا الخلط في اضطراب التصور، ومن ثم الحكم الصحيح، فترى الاستدلال بدلائل التوسل المشروع على الممنوع، كالاحتجاج بأحاديث التوسل بالأعمال الصالحة وطلب الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم في حياته على طلب الدعاء منه بعد مماته، أو الاستغاثة به في قبره، وتسمية ذلك كله توسلا!

قال شيخ الإسلام رحمه الله في بيان كيفية دخول الخطأ على البكري في مسألة الاستغاثة: “فدخل عليه الخطأ من وجوه: منها: أنه جعل المتوسِّل به بعد موته في الدعاء مستغيثًا به، وهذا لا يعرف في لغة أحد من الأمم لا حقيقة ولا مجازًا”([7]).

فالاستغاثة طلب الغوث، كالاستعانة والاستنصار طلب العون والنصر، فإذا كانت بنداء للمستغاث به كان ذلك سؤالًا منه، وليس توسّلًا به إلى غيره.

ومما يدلّ على بطلان ذلك شرعًا أنه لو كان القائل: “أستغيث برسول الله” مستغيثًا بالله تعالى متوسلًا بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لكانت الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم جائزة مشروعة، بل مستحبّة، سواء في حياته أو بعد مماته؛ فإن دعاء الله والاستغاثة به من أجل العبادات كما هو معلوم، ولكن الثابت في السنة وسيرة الصحابة عكس ذلك، وسيأتي بيان ذلك في الوجه الثامن من الجواب.

 فهذه هي الأصول الفاسدة التي تفرّعت عنها هذه الشبهة، وليس الغرض الاستقصاء في نقض هذه الأصول، ولكن الغرض ما قدمناه من بيان أسباب المقالات.

الجواب التفصيلي عن دعوى المجاز:

يُجاب عن ذلك بوجوه:

الأول: عدم التسليم بالإجماع على وقوع المجاز أصلًا، ففي ذلك نزاع مشهور على ثلاثة أقوال: إثباته في اللغة والقرآن، نفيه في اللغة والقرآن، إثباته في اللغة دون القرآن([8]).

فمن يمنع المجاز يقول: ليس لأحد أن يتكلم بكلام لا يبين منه مراده بما يمنع اللبس على المستمع؛ لأن المقصود بالكلام البيان والإفهام، فإن بين مراده فقوله حقيقة وليس مجازًا.

ومن يجوّز وقوعه يشترط لصحته وجود القرينة والعلاقة كما هو مبين في مواضعه([9])، والقائل: (يا رسول الله، اغفر لي)، وهو يزعم أنه يريد بذلك اشفع لي عند الله قد لبَّس على المستمع ولم يبين مراده، وهو قد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة، ولا تُسْمع دعواه المجاز ولو سلمنا بوقوعه كما سنوضح في الوجه الآتي.

الثاني: على التسليم بوقوع المجاز فإنه لا يصح هنا لعدم وجود العلاقة؛ لأن المجاز العقلي -وهو: “إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له في الظاهر من حال المتكلم لعلاقة، مع قرينة تمنع من أن يكون الإسناد إلى ما هو له”([10])– لا تتوافر شروطه هنا؛ إذ لا بد فيه من علاقة وهي غير موجودة، ودعوى السببية لا تصح؛ فإنه لم يثبت أن دعاء الأموات وسؤالهم مما جعله الله سببًا لحصول النفع أو دفع الضر، لا كونًا ولا شرعًا، بل هو كذب على الشرع والقدر، ولا وجه له في اللغة، بخلاف قولهم: أنبت الربيع البقل، وبنى الأمير المدينة؛ فإن الماء سبب في الإنبات، والأمر سبب البناء؛ فصح الإسناد لغة.

الثالث: لو سلمنا بصحته لغة فإنه ليس واردًا في الاستعمال، بل لا نشك أن أكثر هؤلاء الدعاة للأموات لا يعرفون هذه المسألة المجازية أصلًا، ولا يدرون ما المجاز العقلي ولا اللغوي ولا غيرهما، فضلًا عن أن يعرفوا أن هذه المسألة بعينها من المجاز، وأن القرينة هي الإيمان والتوحيد، فمن يتصوّر أن هؤلاء الجهال من الطغام والعوام حينما يقولون: اشفنا يا رسول الله أنهم يريدون بذلك: كن لنا سببًا وشفيعًا؟! هذا بمثابة التبرير للشرك والمجادلة عنه، كمن يجادل عمن يسبّ الرب بأنه يقصد ربَّ الدار مثلا، مع كون ذلك جائزًا من جهة اللغة، إلا أنه غير شائع في الاستعمال، وكذا المجادلة عمن يسبّ الدين بأنه يسبّ الطريقة والخُلُق، مع القطع بأن قائل هذه الكلمات لا يعرف هذه الاستعمالات اللغوية، ولو جوزنا مثل هذا لما وُجِد كفرٌ على وجه الأرض أصلًا، ولتأوَّلنا لألفاظ الكفر الصريحة بإيجاد مخرج لغوي لها، وبيان ذلك أكثر في الوجه الآتي.

الرابع: أن المخالف إما أن يقول: إن كل ما لا يطلب إلا من الله يجوز أن يطلب من خلقه إذا أمكن حمله على المجاز، وإما أن لا يجوز.

فإن قال بالأول قيل: إذن يجوز أن يقول المسلم الموحد: إنَّ الرسولَ خالقُ السماوات والأرض، وبديعُ السموات والأرض، وربُّ كل شيء ومليكه، ويكون التقدير في ذلك: (إنَّ رب الرسول)، ويكون مجازًا بحذف المضاف، وهو جائز لغة، ثم لا فرق في هذا بين النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والصالحين، فيجوز على هذا أن يقول المسلم الموحد: إن البدوي هو ربُّ الكون ومحيي الموتى وخالق الخلق؛ بدعوى المجاز! وبهذا نفتح الباب للتأويلات الباطنية التي لن تعدم وجهًا لغويًّا، كالقول بأن الصوم هو الإمساك عن سرِّ الطائفة، والزنا هو إفشاء سرها، ونحوها من التأويلات القرمطية الباطنية.

وإن قال بالثاني -وهو لازم- قيل: إذن كيف جعلت الاستغاثة بالأموات في مغفرة الذنوب وهداية القلوب وشفاء المرضى ونحوها مما لا يقدر عليه إلا الله مما يجوز بدعوى المجاز؟!([11]).

الخامس: أنه لو كان هذا المجاز سائغًا في اللغة شائعًا في الاستعمال لما جاز استخدامه ولا إطلاقه في حكم الشرع؛ فإن من الألفاظ ما يكون شركًا وكفرًا بذاته، وهو ما يعرف بأفعال الردة وأقوالها؛ كسب الله، والاستهزاء بالدين، وسب النبي صلى الله عليه وسلم، أو التنقيص منه، قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66].

والآيات في النهي عن دعاء غير الله تعالى والاستغاثة بالأموات فيما لا يقدر عليه إلا الله قاطعة بالنهي عن ذلك ووصفه بالشرك، قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5، 6]، والآيات في ذلك كثيرة مشهورة.

السادس: لو سلمنا بأن مقصد المستغيث بالأموات كون الميت سببًا في حصول الضر والنفع وأنه متشفع متقرب به إلى الله لما غير من حكم المسألة شيء؛ فإنَّ هذا هو حقيقة شرك العرب في الجاهلية، كما قال الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18]، وقال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]، قال الفخر الرازي -ومنزلته معلومة عند المخالف في هذه المسألة- في تفسيره لآية يونس السابقة: “إنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم، وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله تعالى، ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر على اعتقاد أنهم إذا عظَّموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله([12]). ويشرح التفتازاني مثار الشرك عند عباد الأصنام بقوله: “إنه لما مات منهم من هو كامل المرتبة عند الله تعالى اتخذوا تمثالًا على صورته، وعظموه تشفعًا إلى الله وتوسلًا”([13]).

فهذان النقلان عن اثنين من كبار منظّري الأشاعرة يدلانك -أخي القارئ الكريم- على بطلان ما يروّجه بعض المبتدعة من انفراد ابن تيمية -أو من يسمّيهم بالوهابية- بتحريم هذا الشرك والنهي عنه، وبعضهم يتجاسر فيدَّعي الإجماع على ذلك، “وليس مع عباد القبور من الإجماع إلا ما رأوا عليه العوام والطغام في الأعصار التي قلَّ فيها العلم والدين، وضعفت فيها السنن، وصار المعروف فيها منكرًا والمنكر معروفًا؛ من اتخاذ القبر عيدًا والحج إليه، واتخاذه منسكًا للوقوف والدعاء، كما يفعل عند مواقف الحج بعرفة ومزدلفة، وعند الجمرات، وحول الكعبة، ولا ريب أن هذا وأمثاله في قلوب عباد القبور لا ينكرونه ولا ينهون عنه، بل يدعون إليه ويرغبون فيه، ويحضّون عليه؛ ظانين أنه من تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم والقيام بحقوقه، وإن من لم يوافقهم على ذلك أو خالفهم فيه فهو منتقص تارك للتعظيم الواجب”([14]).

السابع: أنا لا نسلم بأن دعاة الأموات والمستغيثين بهم فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى لا يعتقدون فيهم إلا مجرد السببية؛ فإن ما نراه وما نقل من أحوالهم يقطع بخلاف ذلك.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: “وهؤلاء إذا قَصَدَ أحدهم القبر الذي يعظمه يبكي عنده ويخضع ويدعو ويتضرع، ويحصل له من الرقة والتواضع والعبودية وحضور القلب ما لا يحصل له مثله في الصلوات الخمس والجمعة وقيام الليل وقراءة القرآن، فهل هذا إلا من حال المشركين المبتدعين، لا الموحدين المخلصين المتبعين لكتاب الله ورسوله؟!…

ومن هؤلاء من يحلف بالله ويكذب، ويحلف بشيخه وإمامه فيَصْدُق ولا يَكْذِب، فيكون شيخه عنده أعظم في صدره من الله”([15]).

الثامن: أنه لو صحَّت دعوى المجاز في ذلك لكانت الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بل وسائر أصحابه مشروعة؛ باعتبارها استغاثة بالله ودعاءً له، فإن دعاء الله تعالى من أجلّ العبادات، وهذا مخالف للثابت من سنته وسيرة أصحابه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لابن عباس رضي الله عنهما: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله»([16])، وذكر في صفة الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم «هم الذين لا يسترقون»([17]) أي: لا يطلبون الرقية من غيرهم، وهي طلب للدعاء، وليس حرامًا ولكن الأولى تركه، فإذا كان الأولى ترك طلب الاسترقاء من الحي؛ طلبًا لتمام التوكل على الله، مع كونه قادرًا على فعله، فكيف بسؤال هذا الحي ما لا يقدر عليه إلا الله؛ كغفران الذنوب وتفريج الكروب وهداية القلوب؟! وكيف بسؤال ذلك من الأموات الذين قال الله تعالى فيهم: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14]؟!

 والثابت من سيرة أصحابه رضي الله عنهم أنهم لم يطلبوا شيئا من النبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته، بل عدلوا عن ذلك إلى التوسل بغيره، كما في استسقاء عمر بالعباس([18])، واستسقاء معاوية رضي الله عنه بيزيد بن الأسود الجرشي([19])؛ لعلمهم أن الاستسقاء به صلى الله عليه وسلم بعد مماته ممتنعٌ شرعًا، فكيف أطبق الصحابة والتابعون والسلف على ترك دعاء الله والاستغاثة به في صورة الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم؟! كيف أطبقوا على ترك ذلك مع كونه دعاءً لله، وقيامًا بحق النبي صلى الله عليه وسلم كما يدعي القبوريون؟! حتى حكم بعضهم بكفر من أنكر الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بزعم أنه ينتقص من قدره الشريف!! كما فعل البكري صاحب الكتاب الذي رد عليه شيخ الإسلام في كتابه “الاستغاثة”.

تاسعا: وأما ذكر الآيات والأحاديث التي فيها إسناد بعض الأفعال للمخلوقين على وجه المجاز مع كون فاعلها على الحقيقة هو الله، مثل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 62]، وقوله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال: 72]، وقوله تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: 15]، ومن ذلك قول ربيعة بن كعب الأسلمي للنبي صلى الله عليه وسلم: “أسألك مرافقتك في الجنة”([20])، قالوا: فنسبة هذه الأفعال للمخلوق مجازية على جهة التسبُّب، وإن كان النصر والتأييد والغوث خلقًا وإيجادًا من الله، فكذلك الاستغاثة بغير الله تُنفى عن العبد خَلقًا وإيجادًا، وتثبَت له تسبُّبًا وكسبًا.

والجواب إجمالًا: أن الله سبحانه لم ينسب شيئًا من أفعاله الخاصة به سبحانه إلى أيٍّ من المخلوقين، بل ما أضافه الله إلى نفسه المقدسة غير ما أضافه إلى بعض مخلوقاته، فهذا جنس وذاك جنس غيره تمامًا، ونسبة النصر والتأييد والغوث إلى المخلوق نسبة حقيقية ليست مجازية، وفعل العبد لذلك وقيام الفعل به حقيقة لا مجاز فيه؛ ولذلك لا يَصحُّ أن تُنفى عنه بإطلاق، ولا يقال لمن فعل مختارًا: إنه لم يفعل، فلا يقال مثلًا: إنَّ الصحابة لم ينصروا النبي صلى الله عليه وسلم، ولا إن موسى عليه السلام لم يغث الإسرائيلي، ولا إن فلانًا لم يتزوج أو يأكل على قصد أن الله هو الخالق، وإنما يصحّ نفي الفعل لمن فعل بغير اختياره، كما في قوله صلى الله عليه وسلم فيمن أفطر ناسيًا: «إنما أطعمه الله وسقاه»([21]).

والبعض يظن أن قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] مُطَّرِدٌ في مثل الآيات المذكورة، بل في كل الأفعال، وأن النفي كان لملاحظة مشهد التوحيد والخلق، وليس صحيحًا؛ “فإن الله لم يضف الرمي هنا إلى نفسه؛ لمجرد كونه خالقًا لأفعال العباد، فإن هذه قدر مشترك بين رمي النبي صلى الله عليه وسلم وسائر أفعاله غير الرمي، وبين رمي غيره من الناس وبين أفعالهم، فأفعال العسكرين يوم بدر خلقها الله… والله تعالى قال: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حفنة من تراب وغيرِه، فرمى بها المشركين، فأصابت عيونهم، وهزمهم الله بها، ولم يكن في قدرة النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، بل الله تعالى أوصل ذلك إليهم، والرمي له طرفان: حَذْفٌ بالرمي، ووصول إلى العدو ونكاية فيهم، والنبي صلى الله عليه وسلم فعل الأول، والله فعل الثاني… فالذي أثبته الله لنبيه غير الذي نفاه عنه”([22]).

الجواب عن حديث “أسألك مرافقتك في الجنة”([23]):

يقال: هل سأل الصحابي رضي الله عنه النبيَّ صلى الله عليه وسلم شيئًا يقدر عليه، أم سأله ما لا يقدر عليه إلا الله؟ وبصيغة أخرى: هل سأله أن يدخله الجنة، أم سأله أن يدعو له ربه بذلك؟

الأول باطل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملكه، ولو أن أحدًا اعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم بيده الجنة والنار لكان مشركًا في الربوبية؛ فإن هذا من خصائص الله تعالى التي لا يشركه فيها أحد، قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113]. والمخالف مقر بهذا لا ينازع فيه؛ فإنهم يجوزون أن يستغيث المرء بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، ويسأله الجنة؛ بحجة أن يشفع له عند الله، لا أنه يملك ذلك؛ فتعين الجواب الثاني، وهو أن الصحابي سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع له عند الله تعالى، وهذا خارج عن محل النزاع أصلًا، فإنا لا نخالف في جواز مثل هذا النوع من التشفّع والتوسّل، وهو طلب الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، كما كان الصحابة يفعلون، كما في حديث المرأة السوداء([24])، وقول الأعرابي له وهو على المنبر: “استسق لنا”([25])، وليس هذا خاصًّا به صلى الله عليه وسلم، بل يجوز طلب الدعاء من الحي الحاضر والتوسل إلى الله بدعائه.

 وأمره صلى الله عليه وسلم لربيعة بكثرة السجود؛ ليكون أقوى في حصول مطلوبه؛ ليجتمع له التوسل بالعمل الصالح ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له، قال ملا علي القاري: “وفيه إشارة إلى أن هذه المرتبة العالية لا تحصل بمجرد السجود، بل به مع دعائه عليه السلام له إياها الله تعالى”([26]).

وقد جاء في مسند أحمد بلفظ: “أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار”([27])، وهذا صريح فيما قدمنا، فيكون الحديث مثل الأعمى الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يرد الله عليه بصره، بأن يدعو الله تعالى بذلك، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يجمع مع ذلك صلاته ودعاءه ربه مع دعاء النبي صلى الله عليه وسلم([28]).

فليس في حديث ربيعة أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم الجنة، ولا أنه طلب الدعاء منه حال موته، ولا سأله ما لا يقدر عليه إلا الله، وإنما فيه طلب الدعاء من الحي الحاضر، وهذا سؤال مشروع لا إشكال فيه، وإنما الكلام في الاستغاثة بالأموات أو الغائبين أو فيما لا يقدر عليه إلا الله، فهذا الذي اتفقت نصوص الدين على النهي عنه، والتحذير منه، واعتبار فاعله مشركًا شركًا أكبر، نسأل الله العافية.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) جهود علماء الحنفية في إبطال القبورية (2/ 1047) ط. الصميعي، بتصرف يسير.

([2]) شفاء السقام (ص: 377)، ط. دار الكتب العلمية. وقد جعل الفصل الثامن من كتابه هذا (ص: 357) في تقرير التوسل والاستغاثة والتشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت ردًّا على ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة، وغالب تقريراته قد أشبع شيخ الإسلام الكلام في الرد عليها في رده على البكري المعروف بـ: “الاستغاثة”.

([3]) تلخيص الاستغاثة، لابن كثير، من مقدمة تحقيق كتاب الاستغاثة للدكتور عبد الله بن دجين السهلي.

([4]) درء التعارض (9/ 345) ط. جامعة الإمام محمد بن سعود، الطبعة الثانية.

([5]) يراجع في ذلك كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية، وأبواب الردة في كتب الفقهاء؛ ككتاب روضة الطالبين للنووي رحمه الله، فقد ذكر جملة من الأفعال والأقوال التي يكفر المرء بها دون اشتراط للاستحلال.

([6]) للاستزادة حول نظرية الكسب عند الأشاعرة ينظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة (1/ 427) ط. الرشد.

([7]) الاستغاثة في الرد على البكري (ص: 367) ط. دار الوطن، الطبعة الأولى.

([8]) ينظر في ذلك: الإحكام للآمدي (1/ 45-50) ط. المكتب الإسلامي، الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية.

([9]) ينظر: جواهر البلاغة (ص: 249) وما بعدها. ط. المكتبة العصرية، بيروت.

([10]) المصدر نفسه (ص: 255).

([11]) مستفاد من كتاب: صراع بين الإسلام والوثنية (1/ 96).

([12]) التفسير الكبير (17/ 227) ط. إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة.

([13]) شرح المقاصد (4/ 41-42) ط. عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثانية.

([14]) صيانة الإنسان (ص: 78) ط. السلفية، الطبعة الثالثة.

([15]) الاستغاثة في الرد على البكري (ص: 484، 586) باختصار.

([16]) رواه أحمد (2669)، والترمذي (2516) وقال: “حسن صحيح”.

([17]) رواه البخاري (5752)، ومسلم (218).

([18]) رواه البخاري (1010).

([19]) رواه ابن عساكر في تاريخه (65/ 112) ط. دار الفكر، وصححه الألباني في التوسل.

([20]) رواه مسلم (489).

([21]) رواه البخاري (1933)، ومسلم (1115).

([22]) الاستغاثة في الرد على البكري (ص: 197-198) بشيء من الاختصار.

([23]) سبق تخريجه.

([24]) رواه البخاري (5652)، ومسلم (2576).

([25]) رواه النسائي (1515)، وقال الألباني: “حسن صحيح”.

([26]) مرقاة المفاتيح (2/ 723) ط. دار الفكر، الطبعة الأولى.

([27]) المسند (16579)، وحسن إسناده بهذه الألفاظ الشيخ الأرناؤوط.

([28]) رواه أحمد (17240)، والترمذي (3578)، وصححه الألباني في التوسل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

هل يُمكِن الاستغناءُ عن النُّبوات ببدائلَ أُخرى كالعقل والضمير؟

هذه شبهة من الشبهات المثارة على النبوّات، وهي مَبنيَّة على سوء فَهمٍ لطبيعة النُّبوة، ولوظيفتها الأساسية، وكشف هذه الشُّبهة يحتاج إلى تَجْلية أوجه الاحتياج إلى النُّبوة والوحي. وحاصل هذه الشبهة: أنَّ البَشَر ليسوا في حاجة إلى النُّبوة في إصلاح حالهم وعَلاقتهم مع الله، ويُمكِن تحقيقُ أعلى مراتب الصلاح والاستقامة من غير أنْ يَنزِل إليهم وحيٌ […]

هل يرى ابن تيمية أن مصر وموطن بني إسرائيل جنوب غرب الجزيرة العربية؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة (تَنتقِل مصر من أفريقيا إلى غرب جزيرة العرب وسط أوديتها وجبالها، فهي إما قرية “المصرمة” في مرتفعات عسير بين أبها وخميس مشيط، أو قرية “مصر” في وادي بيشة في عسير، أو “آل مصري” في منطقة الطائف). هذا ما تقوله كثيرٌ من الكتابات المعاصرة التي ترى أنها تسلُك منهجًا حديثًا […]

هل يُمكن أن يغفرَ الله تعالى لأبي لهب؟

من المعلوم أن أهل السنة لا يشهَدون لمعيَّن بجنة ولا نار إلا مَن شهد له الوحي بذلك؛ لأن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، ولكننا نقطع بأن من مات على التوحيد والإيمان فهو من أهل الجنة، ومن مات على الكفر والشرك فهو مخلَّد في النار لا يخرج منها أبدًا، وأدلة ذلك مشهورة […]

مآخذ الفقهاء في استحباب صيام يوم عرفة إذا وافق يوم السبت

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد ثبت فضل صيام يوم عرفة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (‌صِيَامُ ‌يَوْمِ ‌عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)([1]). وهذا لغير الحاج. أما إذا وافق يومُ عرفة يومَ السبت: فاستحبابُ صيامه ثابتٌ أيضًا، وتقرير […]

لماذا يُمنَع من دُعاء الأولياء في قُبورهم ولو بغير اعتقاد الربوبية فيهم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة هناك شبهة مشهورة تثار في الدفاع عن اعتقاد القبورية المستغيثين بغير الله تعالى وتبرير ما هم عليه، مضمونها: أنه ليس ثمة مانعٌ من دعاء الأولياء في قبورهم بغير قصد العبادة، وحقيقة ما يريدونه هو: أن الممنوع في مسألة الاستغاثة بالأنبياء والأولياء في قبورهم إنما يكون محصورًا بالإتيان بأقصى غاية […]

الحج بدون تصريح ..رؤية شرعية

لا يشكّ مسلم في مكانة الحج في نفوس المسلمين، وفي قداسة الأرض التي اختارها الله مكانا لمهبط الوحي، وأداء هذا الركن، وإعلان هذه الشعيرة، وما من قوم بقيت عندهم بقية من شريعة إلا وكان فيها تعظيم هذه الشعيرة، وتقديس ذياك المكان، فلم تزل دعوة أبينا إبراهيم تلحق بكل مولود، وتفتح كل باب: {رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ […]

المعاهدة بين المسلمين وخصومهم وبعض آثارها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة باب السياسة الشرعية باب واسع، كثير المغاليق، قليل المفاتيح، لا يدخل منه إلا من فقُهت نفسه وشرفت وتسامت عن الانفعال وضيق الأفق، قوامه لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف، والإنسان قد لا يخير فيه بين الخير والشر المحض، بل بين خير فيه دخن وشر فيه خير، والخير […]

إمعانُ النظر في مَزاعم مَن أنكَر انشقاقَ القَمر

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن آية انشقاق القمر من الآيات التي أيد الله بها نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فكانت من أعلام نبوّته، ودلائل صدقه، وقد دلّ عليها القرآن الكريم، والسنة النبوية دلالة قاطعة، وأجمعت عليها […]

هل يَعبُد المسلمون الكعبةَ والحجَرَ الأسودَ؟

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وهدنا صراطه المستقيم. وبعد، تثار شبهة في المدارس التنصيريّة المعادية للإسلام، ويحاول المعلِّمون فيها إقناعَ أبناء المسلمين من طلابهم بها، وقد تلتبس بسبب إثارتها حقيقةُ الإسلام لدى من دخل فيه حديثًا([1]). يقول أصحاب هذه الشبهة: إن المسلمين باتجاههم للكعبة في الصلاة وطوافهم بها يعبُدُون الحجارة، وكذلك فإنهم يقبِّلون الحجرَ […]

التحقيق في نسبةِ ورقةٍ ملحقةٍ بمسألة الكنائس لابن تيمية متضمِّنة للتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وبآله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ تحقيقَ المخطوطات من أهمّ مقاصد البحث العلميّ في العصر الحاضر، كما أنه من أدقِّ أبوابه وأخطرها؛ لما فيه من مسؤولية تجاه الحقيقة العلمية التي تحملها المخطوطة ذاتها، ومن حيث صحّة نسبتها إلى العالم الذي عُزيت إليه من جهة أخرى، ولذلك كانت مَهمة المحقّق متجهةً في الأساس إلى […]

دعوى مخالفة علم الأركيولوجيا للدين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: عِلم الأركيولوجيا أو علم الآثار هو: العلم الذي يبحث عن بقايا النشاط الإنساني القديم، ويُعنى بدراستها، أو هو: دراسة تاريخ البشرية من خلال دراسة البقايا المادية والثقافية والفنية للإنسان القديم، والتي تكوِّن بمجموعها صورةً كاملةً من الحياة اليومية التي عاشها ذلك الإنسان في زمانٍ ومكانٍ معيَّنين([1]). ولقد أمرنا […]

جوابٌ على سؤال تَحَدٍّ في إثبات معاني الصفات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة أثار المشرف العام على المدرسة الحنبلية العراقية -كما وصف بذلك نفسه- بعضَ التساؤلات في بيانٍ له تضمَّن مطالبته لشيوخ العلم وطلبته السلفيين ببيان معنى صفات الله تبارك وتعالى وفقَ شروطٍ معيَّنة قد وضعها، وهي كما يلي: 1- أن يكون معنى الصفة في اللغة العربية وفقَ اعتقاد السلفيين. 2- أن […]

معنى الاشتقاق في أسماء الله تعالى وصفاته

مما يشتبِه على بعض المشتغلين بالعلم الخلطُ بين قول بعض العلماء: إن أسماء الله تعالى مشتقّة، وقولهم: إن الأسماء لا تشتقّ من الصفات والأفعال. وهذا من باب الخلط بين الاشتقاق اللغوي الذي بحثه بتوسُّع علماء اللغة، وأفردوه في مصنفات كثيرة قديمًا وحديثًا([1]) والاشتقاق العقدي في باب الأسماء والصفات الذي تناوله العلماء ضمن مباحث الاعتقاد. ومن […]

محنة الإمام شهاب الدين ابن مري البعلبكي في مسألة الاستغاثة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن فصول نزاع شيخ الإسلام ابن تيمية مع خصومه طويلة، امتدت إلى سنوات كثيرة، وتنوَّعَت مجالاتها ما بين مسائل اعتقادية وفقهية وسلوكية، وتعددت أساليب خصومه في مواجهته، وسعى خصومه في حياته – سيما في آخرها […]

العناية ودلالتها على وحدانيّة الخالق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ وجودَ الله تبارك وتعالى أعظمُ وجود، وربوبيّته أظهر مدلول، ودلائل ربوبيته متنوِّعة كثيرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن دلائل الربوبية وآياتها أعظم وأكثر من كلّ دليل على كل مدلول) ([1]). فلقد دلَّت الآيات على تفرد الله تعالى بالربوبية على خلقه أجمعين، وقد جعل الله لخلقه أمورًا […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017