السبت - 21 جمادى الأول 1446 هـ - 23 نوفمبر 2024 م

ماهيَّةُ التوحيد.. حديثٌ في المعنى (يتضمن الكلام على معنى التوحيد عند السلف والمتكلمين)

A A

 

 للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

التوحيد هو الحقُّ الذي أجمعت كل الدلائل على صحته، والشرك هو الباطل الذي لم يقم دليل على أحقيته، ومع ذلك كان الإعراض عن المعبود الحقّ والصدُّ عن عبادته هو الداء العضال الذي توالت الكتب الإلهية على مقاومته ومنافحته، وهو الوباء القتّال الذي تتابعت الرسل على محاربته ومكافحته، ولما كان هذا الأمر معارضًا كل المعارضة للغاية النبيلة التي خلق الله من أجلها الخلق، وكرَّم من أجلها بني آدم، وحملهم في البر والبحر، وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض= كان لزامًا على أهل الحق في كل حين على اختلاف البلدان والأزمان أن يدعوا الناس إليه، ويرشدوا الخلق إلى الحق الذي لا مرية فيه، وينذروا الناس من الشرك الباطل الذي لا حجة عليه؛ يقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].

ولكن هذا التوحيد الذي يتفق المسلمون على أهميته نجد من يشوِّه حقيقته، ويزَخْرف القول في ماهيَّته، ويبعد الناس عن طريقته، ويوعِّر على أولياء الله طريق فهمه وتحقيقه. وفي هذه الورقة سنبيِّن ما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في معنى التوحيد، مع الإشارة إلى مزالق من انحرف عن هذا الأصل الأصيل.

تمهيد:

المباني وعاء المعاني، والمعاني الاصطلاحية هي في الحقيقة مأخوذة من المعاني اللغوية، وانتخاب المصطلحين لِلَفظ من الألفاظ غالبًا ما يكون بالالتفات إلى بعض ما فيه من المعاني اللغوية الدالة على معناه الاصطلاحي؛ ولذا يرجَّح أحد المعاني الاصطلاحية على معنى آخر بناء على قربه من المعنى اللغوي. والمعنى الاصطلاحي للتوحيد عند أهل السنة موافق للمعنى اللغوي، وإذا تصفحنا المعاجم اللغوية تأكد لنا ذلك:

المعنى اللغوي للتوحيد:

التوحيد في اللغة تفعيل من: وَحَّد، وهذه المفردة نجد أهل اللغة ينصُّون على أن معناها الانفراد، يقول الخليل (ت: 170هـ) : “الوحد: المنفرد… والتوحيد: الإيمان بالله وحده لا شريك له، والله الواحد الأحد ذو التوحد والوحدانية”([1]).

وعبَّر الزجاج (ت: 311هـ)  بعبارة توضِّح المقصود بالانفراد أيضًا عند غيره من أئمة اللغة حيث قال: “الواحد: وضع الكلمة في اللغة إنما هو للشيء الذي ليس باثنين ولا أكثر منهما”([2]).

ونجد الأزهري (ت: 370هـ)  أيضًا ينصّ على ذلك حيث يقول: “وحد أحد: قال الليث: الوحد المنفرد… والوحدة الانفراد… قال: والتوحيد الإيمان بالله وحده لا شريك له، والله الواحد الأحد ذو الوحدانية والتوحد”([3]).

ويقول الزجاجي (ت: 337هـ)  “والوحدة والوحدانية من التوحد، يقال: توحد الرجل إذا انفرد فهو متوحد”([4]).

وعلى هذا نصَّ ابن فارس (ت: 395هـ)  في مادة هذه الكلمة حيث قال: “الواو والحاء والدال: أصل واحد يدل على الانفراد. من ذلك: الوحدة. وهو واحد قبيلته: إذا لم يكن فيهم مثله”([5]).

ومن هذه المادَّة اشتق اسم الله تعالى (الواحد)، وفي معاني هذا الاسم واشتقاقه يقول الزجاجي : “الواحد على ضروب: الواحد: الفرد الذي لا ثاني له من العدد… فالله عز وجل الواحد الأول الأحد الذي لا ثاني له ولا شريك ولا مثل ولا نظير، لم يسبقه في أوليته شيء عز وجل… والواحد أيضًا: الذي لا نظير له ولا مثل، كقولهم: فلان واحد قومه في الشرف أو الكرم أو الشجاعة وما أشبه ذلك، أي: لا نظير له في ذلك ولا مساجل، ويقول القائل: من واحد بني تميم اليوم يا فلان؟ فيقال له: واحدهم اليوم فلان، أي: هو رئيسهم وعمدتهم. فالله عز وجل الواحد الذي لا نظير له، والله عز وجل الواحد الذي يعتمده عباده ويقصدونه ولا يتكلون إلا عليه عز وجل. ويقال: رجل وحد للمنفرد”([6]).

ويقول الزجاج : “وفائدة هذه اللفظة في الله -عز اسمه- إنما هي تفرده بصفاته التي لا يشركه فيها أحد، والله تعالى هو الواحد في الحقيقة، ومن سواه من الخلق آحاد تركبت”([7]).

ومن مادَّة وحد اشتقَّ اسم الله سبحانه وتعالى (الأحد)، وهو ما نبَّه إليه الأزهري  بعد الكلام على مادَّة وحد حيث قال: “وأما اسم الله -جل ثناؤه- أحد فإنه لا يوصف شيء بالأحدية غيره، لا يقال: رجل أحد، ولا درهم أحد، كما يقال رجل وحد أي: فرد؛ لأن أحدا صفة من صفات الله التي استأثر بها، فلا يشركه فيها شيء، وليس كقولك: الله واحد، وهذا شيء واحد؛ لأنه لا يقال: شيء أحد، وإن كان بعض اللغويين قال: إن الأصل في الأحد وحد”([8]).

ومن الملاحظ هنا أن أهل اللغة اجتمعوا على أن المراد بمادة التوحيد هو الانفراد، وبهذا المعنى المعروف في لغة العرب جاءت نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، وهو الموافق لتعريف أهل السنة كما سيأتي؛ ولذلك نجد فطاحلة اللغة كالخليل والأزهري والزجاجي وغيرهم يقرنون ذكر الانفراد بذكر توحيد لله سبحانه وتعالى.

المعنى الشرعي للتوحيد:

نجد المتقدمين من أهل العلم يسلكون أيضًا هذا النهج، وهو الانطلاق من اللغة لبيان معنى التوحيد، فيؤكدون على أن معنى التوحيد لغة هو الإفراد، وهو ما عرفه به أهل العلم، فالتوحيد هو: إفراد الله سبحانه وتعالى بما يختص به، أي: في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وممن أشار إلى ذلك الإمام السمعاني (ت: 489هـ) ، حين وقف على تفسير قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] أرجع معنى التوحيد إلى المعنى اللغوي وإلى أقوال أهل اللغة، ثم ذكر انفراده تعالى في ربوبيته وألوهيته؛ حيث قال في تفسيره: “قال الأزهري: الواحد: الذي لا نظير له، يقال: فلان واحد العالم أي: لا نظير له في العالم. وحقيقة الواحد هو: المنفرد الذي لا نظير له ولا شريك”([9]).

وإلى مثل ذلك المعنى يشير إبراهيم التيمي (ت: 535هـ) ، فقد عقد فصلًا بعنوان: (فصل في بيان التوحيد والتشبيه) وقال فيه: “التوحيد على وزن التفعيل، وهو مصدر: وحدته توحيدا، كما تقول: كلمته تكليما… ولهذا الفعل معنيان: أحدهما: تكثير الفعل وتكريره والمبالغة فيه، كقولهم: كسَّرت الإناء وغلَّقت الأبواب وفتَّحتها، والوجه الثاني: وقوعه مرة واحدة، كقولهم: غدَّيت فلانا، وعشَّيته، وكلَّمته.

ومعنى وحَّدته: جعلته منفردًا عما يشاركه أو يشبهه في ذاته وصفاته، والتشديد فيه للمبالغة، أي: بالغت في وصفه بذلك… وتقول العرب: واحد وأحد ووحد ووحيد أي: منفرد، فالله تعالى واحد، أي: منفرد عن الأنداد والأشكال في جميع الأحوال. فقولهم: وحَّدت الله: من باب عظَّمت الله، وكبَّرته، أي: علمته عظيما وكبيرا، فكذلك وحَّدته، أي: علمته واحدا، منزَّها عن المثل في الذات والصفات.

قال بعض العلماء: التوحيد: نفي التشبيه عن الله الواحد، وقيل: التوحيد نفي التشبيه عن ذات الموحَّد وصفاته، وقيل: التوحيد العلم بالموحد واحدًا لا نظير له، فإذا ثبت هذا فكل من لم يعرف الله هكذا فإنه غير موحد له”([10]).

وهذا المعنى للتوحيد هو ما نجد علماء السلف يقررونه في كتبهم، فيؤكّدون على ما أكَّد ونافح من أجله الأنبياء، فلا يخطئ الناظر مثلًا في تفسير الإمام الطبري (ت: 310هـ)  عن هذا المعنى الجليل حين يتكلم عن الوحدانية، فحين فسر قوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: 171] قال عن الوحدانية: “ما الله -أيها القائلون: الله ثالث ثلاثة- كما تقولون؛ لأن من كان له ولد فليس بإله، وكذلك من كان له صاحبة، فغير جائز أن يكون إلها معبودا. ولكن الله الذي له الألوهة والعبادة إله واحد، معبود، لا ولد له، ولا والد، ولا صاحبة، ولا شريك”([11]).

وفي معنى الوحدانية في قوله تعالى: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} [المائدة: 73] قال: “يقول: ما لكم معبود -أيها الناس- إلا معبود واحد، وهو الذي ليس بوالد لشيء ولا مولود، بل هو خالق كل والد ومولود”([12]).

وهذا المعنى للتوحيد والوحدانية تكرر كثيرًا في كتابه([13]).

ولم يختلف الأمر عند الإمام ابن كثير (ت: 774هـ) ، فقد فسَّر الوحدانية في القرآن الكريم بما فسَّر به السلف رضوان الله عليهم، ففي تفسير قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] قال رحمه الله: “يخبر تعالى عن تفرده بالإلهية، وأنه لا شريك له ولا عديل له، بل هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لا إله إلا هو”([14]).

وفي قصة وصية يعقوب عليه السلام لبنيه بالتوحيد يقول ابن كثير : “يقول تعالى محتجا على المشركين من العرب أبناء إسماعيل، وعلى الكفار من بني إسرائيل -وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام- بأن يعقوب لما حضرته الوفاة وصى بنيه بعبادة الله وحده لا شريك له، فقال لهم: {مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ}… وقوله: {إِلَهًا وَاحِدًا} أي: نوحده بالألوهية، ولا نشرك به شيئا غيره، {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} أي: مطيعون خاضعون”([15]).

وقد كان الإمام الطبري  خبيرًا بأقاويل أصحاب المذاهب، بصيرًا بنحلهم في هذه المسألة؛ ولذا استعرض هذه الأقوال وأعرض عنها، وإنما اكتفى بتصديرها بالمعنى الحق للتوحيد دون ما يقرّره المتكلمون، ففي معنى الوحدانية عند تفسير قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] قال: “قد بينا فيما مضى معنى الألوهية، وأنها اعتباد الخلق، فمعنى قوله: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} والذي يستحق عليكم -أيها الناس- الطاعة له ويستوجب منكم العبادة معبود واحد ورب واحد، فلا تعبدوا غيره، ولا تشركوا معه سواه، فإن من تشركونه معه في عبادتكم إياه هو خلق من خلق إلهكم مثلكم، وإلهكم إله واحد لا مثل له ولا نظير. واختلف في معنى وحدانيته تعالى ذكره، فقال بعضهم: معنى وحدانية الله معنى نفي الأشباه والأمثال عنه كما يقال: فلان واحد الناس وهو واحد قومه، يعني بذلك أنه ليس له في الناس مثل، ولا له في قومه شبيه ولا نظير؛ فكذلك معنى قول الله {وَاحِدٌ} يعني به: الله لا مثل له ولا نظير. فزعموا أن الذي دلهم على صحة تأويلهم ذلك أن قول القائل: (واحد) يفهم لمعان أربعة، أحدها: أن يكون واحدا من جنس كالإنسان الواحد من الإنس، والآخر: أن يكون غير متفرق كالجزء الذي لا ينقسم، والثالث: أن يكون معنيا به المثل والاتفاق كقول القائل: هذان الشيئان واحد، يراد بذلك أنهما متشابهان حتى صارا لاشتباههما في المعاني كالشيء الواحد، والرابع: أن يكون مرادا به نفي النظير عنه والشبيه. قالوا: فلما كانت المعاني الثلاثة من معاني الواحد منتفية عنه صح المعنى الرابع الذي وصفناه.

وقال آخرون: معنى وحدانيته -تعالى ذكره- معنى انفراده من الأشياء وانفراد الأشياء منه. قالوا: وإنما كان منفردًا وحده؛ لأنه غير داخل في شيء ولا داخل فيه شيء. قالوا: ولا صحة لقول القائل واحد من جميع الأشياء إلا ذلك. وأنكر قائلو هذه المقالة المعاني الأربعة التي قالها الآخرون”.

ثم شرح رحمه الله تعالى كلمة التوحيد فقال: “وأما قوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} فإنه خبر منه -تعالى ذكره- أنه لا رب للعالمين غيره، ولا يستوجب على العباد العبادة سواه، وأن كل ما سواه فهم خلقه، والواجب على جميعهم طاعته، والانقياد لأمره وترك عبادة ما سواه من الأنداد والآلهة وهجر الأوثان والأصنام؛ لأن جميع ذلك خلقه، وعلى جميعهم الدينونة له بالوحدانية والألوهية، ولا تنبغي الألوهية إلا له، إذ كان ما بهم من نعمة في الدنيا فمنه دون ما يعبدونه من الأوثان، ويشركون معه من الأشراك، وما يصيرون إليه من نعمة في الآخرة فمنه، وأن ما أشركوا معه من الأشراك لا يضر ولا ينفع في عاجل ولا في آجل، ولا في دنيا ولا في آخرة. وهذا تنبيه من الله -تعالى ذكره- أهل الشرك به على ضلالهم، ودعاء منه لهم إلى الأوبة من كفرهم، والإنابة من شركهم. ثم عرفهم -تعالى ذكره- بالآية التي تتلوها موضع استدلال ذوي الألباب منهم على حقيقة ما نبههم عليه من توحيده وحججه الواضحة القاطعة عذرهم، فقال تعالى ذكره: أيها المشركون، إن جهلتم أو شككتم في حقيقة ما أخبرتكم من الخبر من أن إلهكم إله واحد دون ما تدعون ألوهيته من الأنداد والأوثان، فتدبروا حججي وفكروا فيها، فإن من حججي: خلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزلت من السماء من ماء فأحييت به الأرض بعد موتها، وما بثثت فيها من كل دابة، والسحاب الذي سخرته بين السماء والأرض”([16]).

التوحيد عند المتكلمين:

وجدنا أهل السنة حين تكلموا عن وحدانية الله سبحانه وتعالى استفتحوا وختموا بالكلام عن توحيد الألوهية؛ إذ هو الغرض من إرسال الرسل وإنزال الكتب كما ذكرنا، ولكن الأمر عند المتكلمين لم يكن كذلك، فرغم وجود من أشار إلى أهمية إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة منهم، إلا أنهم في تأصيلاتهم إنما يعرفونه بالتعريف المشهور عنهم وهو قولهم: “إنه سبحانه وتعالى واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له”([17]).

أما المعتزلة فيقول القاضي عبد الجبار في تعريف التوحيد: “والأصل فيه أن التوحيد في أصل اللغة عبارة عما يصير به الشيء واحدا، كما أن التحريك عبارة عما به يصير الشيء متحركا، والتسويد عبارة عما به يصير الشيء أسود، ثم يستعمل في الخبر عن كون الشيء واحدا لما لم يكن الخبر صادقا إلا وهو واحد، فصار ذلك كالإثبات فإنه في أصل اللغة عبارة عن الإيجاب”([18]).

وقد أورد صاحب الأصول الخمسة السؤال التالي: “فإن قيل: فما التوحيد؟”، ثم أجاب: “قيل له: أن تعلم أن الله عز وجل واحد لا ثاني له في الأزل وتفرد بذلك.

فإن قيل: فما علم التوحيد؟ قيل له: هو العلم بما تفرد الله عز وجل به من الصفات التي لا يشاركه فيها أحد من المخلوقين، وتفسير ذلك أن تعلم أن لهذا العالم صانعًا، وأنه موجود فيما لم يزل، قديمًا فيما لا يزال، لا يجوز عليه الفناء، والواحد منا يوجد بعد العدم ويجوز عليه الفناء. وتعلم أنه قادر فيما لم يزل ولا يزال، ولا يجوز عليه العجز. وتعلم أنه عالم لم يزل ولا يزال ولا تجوز عليه الجهالة…”.

ثم ذكر جملة من الصفات كالحياة والسمع والبصر والرؤية والغنى ثم قال: “وتعلم أنه لا يشبه الأجسام، ولا يجوز عليه ما يجوز عليها من الصعود والهبوط والتنقل والتغير والتركيب والتصوير والجارحة والأعضاء…”([19]).

ويقول القاضي عبد الجبار أيضًا: “فأما في اصطلاح المتكلمين فهو: العلم بأن الله تعالى واحد لا يشاركه غيره فيما يستحق من الصفات نفيا وإثباتا على الحد الذي يستحقه، والإقرار به. ولا بد من اعتبار هذين الشرطين: العلم والإقرار جميعا؛ لأنه لو علم ولم يقر أو أقر ولم يعلم لم يكن موحدا”([20]).

ويقول القاضي الباقلاني (ت: 403هـ): “الإيمان بالله هو التصديق بالقلب… والإيمان بالله تعالى يتضمن التوحيد له سبحانه، والوصف له بصفاته ونفي النقائص عنه الدالة على حدوث من جازت عليه. والتوحيد له هو الإقرار بأنه ثابت موجود، وإله واحد فرد معبود ليس كمثله شيء على ما قرر به قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163]، وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]. وأنه الأول قبل جميع المحدثات، الباقي بعد المخلوقات على ما أخبر به تعالى من قوله: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3]، والعالم الذي لا يخفى عليه شيء، والقادر على اختراع كل مصنوع وإبداع كل جنس مفعول…”([21]).

ويقول ابن فورك: “والواحد والأحد بمعنى التوحد الذي هو التفرد النافي للاشتراك والازدواج في النفس والفعل والحكم والصفة؛ لأنه في نفسه غير منقسم، وفي نعته لا مثل له، وفي تدبيره لا شريك له، فهو واحد من هذه الوجوه”([22]).

وقال أبو المعالي الجويني (ت: 478هـ) عند الكلام على صفة الوحدانية: “الباري سبحانه وتعالى واحد، والواحد في اصطلاح الأصوليين الشيء الذي لا ينقسم، ولو قيل: الواحد هو الشيء لوقع الاكتفاء بذلك. والرب سبحانه وتعالى موجود فرد متقدس عن قبول التبعيض والانقسام، وقد يراد بتسميته واحدًا أنه لا مثل له ولا نظير”([23]).

ويقول فخر الدين الرازي (ت: 606هـ) في أحد كتبه التأصيلية للعقيدة وهو كتاب (المطالب العالية من العلم الإلهي) وهو المسمى في لسان اليونانيين: (باثولوجيا) وفي لسان المسلمين علم الكلام أو الفلسفة الإسلامية، قال فيه وهو يتكلم عن معنى اسم الله الواحد: “واعلم أن الواحد قد يراد به نفي الكثرة في ذاته، وقد يراد به: نفي الضد والند”، ثم ذكر معاني الواحد وذكر منها: “أنه لا ينقسم… الواحد الحقيقي هو الذي لا يصح فيه الوضع والرفع… الواحد ما لا يكون عددًا”.

ثم فرَّع جملة من المسائل على ذلك، فقال: “ويتفرع على ما ذكرنا فروع:

الفرع الأولى: اعلم أنه تعالى واحد في ذاته وواحد في صفاته وواحد في أفعاله… وهاهنا بحث آخر على ما تقدم: أن صفات الله تعالى إما أن تكون إضافية أو سلبية… فقولنا: (الله) يدل على جميع الصفات الإضافية المعتبرة في الإلهية، وقولنا: (أحد) يدل على جميع الصفات السلبية؛ وذلك لأن قولنا: (الله) معناه أنه الذي يستحق العبادة، واستحقاق العبادة لا يكون إلا لمن يكون مستقلًّا بالإيجاد والإبداع، وذلك لا يحصل إلا لمن كان موصوفًا بالقدرة التامة والحكمة التامة، وأما الأحدية فهي دالة على كونه منزهًا عن التركيبات الحسية والعقلية، وهذا يدل على أنه ليس بجسم ولا متحيز“.

ثم عرَّف بالتوحيد صراحة فقال: “الفرع الخامس: الكلام في التوحيد: وهو عبارة عن الحكم بأن الشيء واحد، وعن العلم بأن الشيء واحد، يقال: وحدته إذا وصفته بالوحدانية([24]).

وقال الجرجاني (ت: 816هـ) في تعريف التوحيد: “التوحيد ثلاثة أشياء: معرفة الله تعالى بالربوبية، والإقرار له بالوحدانية، ونفي الأنداد عنه جملة”([25]).

وكثيرًا ما يندرج الكلام عن التوحيد في كتب أصول الدين الكلامية تحت موضوع الصفات وتحديدًا صفة الوحدانية، والتي تعتبر إحدى الصفات السلبية عند المتكلمين، وعليه لا نجد ذكرًا لتوحيد الألوهية في كتب أصول الدين غالبًا؛ فكتاب أصول الدين للغزنوي (ت: 593هـ)  استفتحه بالحديث عن الصفات قائلًا: “فصل: صانع العالم ليس بحادث، فلو كان حادثًا فلا بد له من صانع أحدثه ومبدع أنشأه”([26])، وتتوالى المباحث عن الصفات من وجود وقدم ووحدة وغيرها.

واقتصر الكلام عن الوحدة بقوله: “فصل: صانع العالم واحد لا شريك له؛ لأنه لو كان له صانعان أو أكثر لوقع بينهما تمانع وتدافع، وذلك خفض إلى الفساد ويؤدي إلى عجز أحدهما، والعاجز لا يصلح أن يكون إلها. فإذا تعذر إثبات صانعين كان واحدًا ضرورة”([27])، وانتهى المبحث ولا نجد ذكرًا لتوحيد الألوهية، ثم توالت المباحث في الصفات والأسماء والقدر وغيرها دون ذكر لتوحيد الألوهية.

وقد ذكر من ذكر من المتكلمين الألوهية، ولكنهم بعيدون كل البعد عن التوحيد العملي واعتبار العمل أصلًا في التوحيد، وإنما يردون الألوهية إلى الربوبية، فيفسرونه بأنه القادر على الاختراع، يقول البغدادي (ت: 429هـ) : “واختلف أصحابنا في معنى الإله: فمنهم من قال: إنه مشتق من الإلهية، وهي قدرته على اختراع الأعيان، وهو اختيار أبي الحسن الأشعري، وعلى هذا القول يكون الإله مشتقًّا من صفة”([28]).

“قال أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري: إذا كان الخالق على الحقيقة هو الباري تعالى لا يشاركه في الخلق غيره، فأخص وصفه تعالى هو: القدرة على الاختراع. قال: وهذا هو تفسير اسمه تعالى الله”([29]).

وقال أبو بكر البيهقي (ت: 458) : “الله: معناه من له الإلهية، وهي القدرة على اختراع الأعيان، وهذه صفة يستحقها بذاته”([30]).

ولا يختلف الأمر كثيرًا في كتب التفسير والحديث وغيرها، فهذا الرازي  الذي سبق إيراد تعريفه للتوحيد من كتابه (المطالب العالية) لم يتطرق إلى توحيد الألوهية عند تفسير قول الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] كما فعل مفسِّرو أهل السنة كالطبري وغيره، بل أطال القول في تفصيلات في معنى الوحدانية، بدءًا بالكلام على الواحد هل هو اسم أم صفة؟ وهل هو صفة زائدة على الذات أم لا؟ ومعنى كون الواحد هو الشيء الذي لا ينقسم، وأطال القول في تفصيل هذه المسائل كعادة المتكلمين، فمن نصوصه على سبيل المثال: “المسألة الثانية: الواحدية هل هي صفة زائدة على الذات أم لا؟ اختلفوا فيها فقال قوم: إنها صفة زائدة على الذات، واحتجوا عليه بأنا إذا قلنا: هذا الجوهر واحد، فالمفهوم من كونه جوهرا غير المفهوم من كونه واحدا، بدليل أن الجوهر يشاركه العرض في كونه واحدا، ولا يشاركه في كونه جوهرا، ولأنه يصح أن يعقل كونه جوهرا حال الذهول عن كونه واحدا والمعلوم مغايرا لغير المعلوم، ولأنه لو كان كونه واحدا نفس كونه جوهرا، لكان قولنا: الجوهر واحد جاريا مجرى قولنا: الجوهر جوهر، ولأن مقابل الجوهر هو العرض، ومقابل الواحد هو الكثير، فثبت أن المفهوم من كونه واحدا إما أن يكون سلبيا أو ثبوتيا، لا جائز أن يكون سلبيا؛ لأنه لو كان سلبيا لكان سلبا للكثرة، والكثرة إما أن تكون سلبية أو ثبوتية، فإن كانت الكثرة سلبية، والوحدة سلب الكثرة، كانت الوحدة سلبا للسلب وسلب السلب ثبوت، فالوحدة ثبوتية وهو المطلوب، وإن كانت الكثرة ثبوتية ولا معنى للكثرة إلا مجموع الوحدات، فلو كانت الوحدة سلبية مع الكثرة كان مجموع المعدومات أمرا موجودا وهو محال، فثبت أن الوحدة صفة زائدة ثبوتية، ثم هذه الصفة الزائدة إما أن يقال: إنه لا تحقق لها إلا في الذهن أو لها تحقق خارج الذهن”([31]).

ثم انتقل بعد ذلك إلى معنى الوحدانية في حق الله سبحانه وتعالى، هل هو عدم التركيب من أجزاء أم هو انفراده بوجوب الوجود ومبدأ الممكنات؟ وأطال في تلك التفصيلات الكلامية كذلك، ومما قال: “المسألة الرابعة: الحق سبحانه وتعالى واحد باعتبارين: أحدهما: أنه ليست ذاته مركبة من اجتماع أمور كثيرة، والثاني: أنه ليس في الوجود ما يشاركه في كونه واجب الوجود وفي كونه مبدأ لوجود جميع الممكنات، فالجوهر الفرد عند من يثبته واحد بالتفسير الأول، وليس واحد بالتفسير الثاني. والبرهان على ثبوت الوحدة بالتفسير الأول أنه لو كان مركبا لافتقر تحققه إلى تحقق كل واحد من أجزائه، وكل واحد من أجزائه غيره، فكل مركب فهو مفتقر إلى غيره، وكل مفتقر إلى غيره ممكن لذاته واجب لغيره، فهو مركب مفتقر إلى غيره ممكن لذاته، فما لا يكون كذلك استحال أن يكون مركبا، فإذن حقيقته سبحانه حقيقة أحدية فردية، لا كثرة فيها بوجه من الوجوه، لا كثرة مقدارية كما تكون للأجسام، ولا كثرة معنوية كما تكون للنوع المتركب من الفصل والجنس، أو الشخص المتركب من الماهية والتشخص، إلا أنه قد صعب ذلك على أقوام؛ وذلك لأنه سبحانه عالم قادر حي مريد، فالمفهوم من هذه الصفات إما هو نفس المفهوم من ذاته أو ليس كذلك”([32])، ثم أورد أربعة من الإشكالات حول هذه المسائل وأجاب عنها، فقال وهو يستعرض تلك الإشكالات: “وإشكال آخر: وهو أنا قد دللنا على أن الوحدة صفة زائدة على الذات قائمة بالذات، فإذا كانت حقيقة الحق واحدة، فهناك أمور ثلاثة: تلك الحقيقة، وتلك الواحدية، وموصوفية تلك الحقيقة بتلك الواحدية، فذلك ثالث ثلاثة، فأين التوحيد؟

وإشكال ثالث: وهو أن تلك الحقيقة هل هي موجودة وواجبة الوجود أم لا؟ فإن كانت موجودة فهي بوجودها تشارك سائر الموجودات وبماهياتها تمتاز عن سائر الموجودات، فهناك كثرة حاصلة بسبب الوجود والماهية…

وإشكال رابع: وهو أن هذه الحقيقة البسيطة هل يمكن الإخبار عنها؟ وهل يمكن التعبير عنها أم لا؟ والأول محال لأن الإخبار إنما يكون بشيء عن شيء، فالمخبر عنه غير المخبر به، فهما أمران لا واحد، وإن لم يمكن التعبير عنه فهو غير معلوم البتة لا بالنفي ولا بالإثبات فهو مغفول عنه…”([33])، إلى غير ذلك من التفصيلات والتعقيدات الكلامية التي لم يرد شيء منها في الكتاب والسنة، ولا نطق بها الصحابة والسلف رضوان الله عليهم.

وبعد ذلك كله انتقل إلى معنى التوحيد وأقوال الناس فيه، ففصَّل وشرح تعريف المتكلمين الآنف الذكر، ومما قال: “المسألة الخامسة: قال الجبائي: يوصف الله تعالى بأنه واحد من وجوه أربعة: لأنه ليس بذي أبعاض، ولا بذي أجزاء، ولأنه منفرد بالقدم، ولأنه منفرد بالإلهية، ولأنه منفرد بصفات ذاته نحو كونه عالما بنفسه، وقادرا بنفسه، وأبو هاشم يقتصر على ثلاثة أوجه: فجعل تفرده بالقدم، وبصفات الذات وجها واحدا، قال القاضي: وفي هذه الآية المراد تفرده بالإلهية فقط؛ لأنه أضاف التوحيد إلى ذلك، ولذلك عقبه بقوله: لا إله إلا هو، وقال أصحابنا: إنه سبحانه وتعالى واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له، أما أنه واحد في ذاته فلأن تلك الذات المخصوصة التي هي المشار إليها بقولنا: هو الحق سبحانه وتعالى إما أن تكون حاصلة في شخص آخر سواه، أو لا تكون، فإن كان الأول كان امتياز ذاته المعينة عن المعنى الآخر لا بد وأن يكون بقيد زائد، فيكون هو في نفسه مركبا بما به الاشتراك وما به الامتياز، فيكون ممكنا معلولا مفتقرا وذلك محال، وإن لم يكن فقد ثبت أنه سبحانه واحد في ذاته لا قسيم له، وأما أنه واحد في صفاته فلأن موصوفيته سبحانه بصفات متميزة عن موصوفية غيره بصفات من وجوه:

أحدها: أن كل ما عداه فان؛ لأن حصول صفاته له لا تكون من نفسه بل من غيره، وهو سبحانه يستحق حصول صفاته لنفسه لا لغيره.

وثانيها: أن صفات غيره مختصة بزمان دون زمان لأنها حادثة، وصفات الحق ليست كذلك.

وثالثها: أن صفات الحق غير متناهية بحسب المتعلقات، فإن علمه متعلق بجميع المعلومات وقدرته متعلقة بجميع المقدورات، بل له في كل واحد من المعلومات الغير المتناهية معلومات غير متناهية؛ لأنه يعلم في ذلك الجوهر الفرد أنه كيف كان ويكون حاله بحسب كل واحد من الأحياز المتناهية، وبحسب كل واحد من الصفات المتناهية فهو سبحانه واحد في صفاته من هذه الجهة.

ورابعها: أنه سبحانه ليست موصوفية ذاته بتلك الصفات بمعنى كونها حالة في ذاته وكون ذاته محلا لها، ولا أيضا بحسب كون ذاته مستكملة بها؛ لأنا بينا أن الذات كالمبدأ لتلك الصفات، فلو كانت الذات مستكملة بالصفات لكان المبدأ ناقصا لذاته مستكملا بالممكن لذاته وهو محال، بل ذاته مستكملة لذاته، ومن لوازم ذلك الاستكمال الذاتي تحقق صفات الكمال معه، إلا أن التقسيم يعود في نفس الاستكمال فينتهي إلى حيث تقصر العبارة عن الوفاء به.

خامسها: أنه لا خبر عند العقول من كنه صفاته كما لا خبر عندها من كنه ذاته، وذلك لأنا لا نعرف من علمه إلا أنه الأمر الذي لأجله ظهر الإحكام والإتقان في عالم المخلوقات، فالمعلوم من علمه أنه أمر ما لا ندري أنه ما هو، ولكن نعلم منه أنه يلزمه هذا الأثر المحسوس، وكذا القول في كونه قادرا وحيا، فسبحان من ردع بنور عزته أنوار العقول والأفهام.

وأما أنه سبحانه وتعالى واحد في أفعاله فالأمر ظاهر؛ لأن الموجود إما واجب وإما ممكن، فالواجب هو هو، والممكن ما عداه، وكل ما كان ممكنا فإنه يجوز أن لا يوجد ما لم يتصل بالواجب، ولا يختلف هذا الحكم باختلاف أقسام الممكنات سواء كان ملكا أو ملكا أو كان فعلا للعباد أو كان غير ذلك، فثبت أن كل ما عداه فهو ملكه وملكه وتحت تصرفه وقهره وقدرته واستيلائه، وعند هذا تدرك شمة من روائح أسرار قضائه وقدره، ويلوح لك شيء من حقائق قوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] وتعرف أن الموجود ليس البتة إلا ما هو هو، وما هو له، وإذا وقعت سفينة الفكرة في هذه اللجة، فلو سارت إلى الأبد لم تقف؛ لأن السير إنما يكون من شيء إلى شيء، فالشيء الأول متروك، والشيء الثاني مطلوب، وهما متغايران، فأنت بعد خارج عن عالم الفردانية والوحدانية، فأما إذا وصلت إلى برزخ عالم الحدوث والقدم، فهناك تنقطع الحركات، وتضمحل العلامات والأمارات، ولم يبق في العقول والألباب إلا مجرد أنه هو، فيا هو ويا من لا هو إلا هو أحسن إلى عبدك الضعيف، فإن عبدك بفِنائك ومسكينك ببابك”([34]).

نقد تعريف المتكلمين:

لقد نبَّه كثير من أهل السنة إلى انحراف المتكلمين عن المعنى الصحيح للتوحيد؛ حيث التزموا في التوحيد بلوازم ما أنزل الله بها من سلطان؛ كان من أهمها نفي صفات الله الحسنى عنه سبحانه وتعالى، ومنها إهمالهم وإعراضهم عن توحيد الألوهية الذي هو مقصود الرسل، لقد فطن السلف رضوان الله عليهم للإشكالات المتبادرة إلى الذهن عند إدراك الفروقات بين تعريف أهل السنة وبين المتكلمين؛ ولذا عقَّب الإمام إبراهيم التيمي بفصل عنون له بـ: (فصل في بيان الأمور التي يكون بها الرجل إماما في الدين وأن أهل الكلام ليسوا من العلماء) فقال: “قال بعض العلماء عقيب مثل هذا الكلام: وإذا ثبت هذا نظرنا في أمر جماعة ادعوا أنهم أصحاب مذاهب واخترعوا مذاهبهم على عقولهم؛ كالجبائي وأبي هاشم والكعبي والنجار والنظام وابن كلاب ومن نحا نحوهم، وسألنا الخاص والعام عن هؤلاء، فقلنا: أهؤلاء أهل العلم كالصحابة رضوان الله عليهم والتابعين رحمة الله عليهم؟ قالوا: لا، وليسوا بمعروفين من أهل العلم”، ثم أخبر أنهم ليسوا من أهل الفقه ولا من أهل اللغة والأدب والنحو ولا القراءات ولا علوم القرآن ولا الحديث والآثار، إلى أن قال: “قلنا: فمن أي الناس هم؟ قالوا: من أهل القول بالعقل، فمن نظر بعين الإنصاف علم أنه لا يكون أحد أسوأ مذهبا ممن يدع قول الله وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول الصحابة رضوان الله عليهم، وقول العلماء والفقهاء بعدهم ممن يبني مذهبه ودينه على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتبع من ليس بعالم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كيف لا يأمن أن يكون متبعا للشيطان؟! أعاذنا الله من متابعة الشيطان”([35]).

وقد كان السلف يُسألون عن معنى التوحيد بعد ظهور خلاف المختلفين وأقوال المتكلمين، فكان علماء السلف ينكرون أقوال المتكلمين، فقد سئل أبو العباس بن سريج: ما التوحيد؟ قال: “توحيد أهل العلم وجماعة المسلمين: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وتوحيد أهل الباطل من المسلمين الخوض في الأعراض والأجسام، وإنما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بإنكار ذلك”([36]).

وقال أبو يوسف القاضي: “ليس التوحيد بالقياس، ألم تسمع إلى قول الله عز وجل في الآيات التي يصف بها نفسه أنه عالم قادر قوي مالك، ولم يقل: إني قادر عالم لعلة كذا أقدر، ولسبب كذا أعلم، ولهذا المعنى أملك؟! فلذلك لا يجوز القياس في التوحيد، ولا يعرف إلا بأسمائه ولا يوصف إلا بصفاته، وقد قال الله عز وجل في كتابه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونِ} الآيات… فقد أمرنا الله أن نوحده، وليس التوحيد بالقياس؛ لأن القياس يكون في شيء له شبه ومثل، والله لا شبه له ولا مثل {تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ}… وكيف يدرك التوحيد بالقياس وهو خالق الخلق بخلاف الخلق؟! ليس كمثله شيء تبارك وتعالى”([37]).

وفي إنكار المنهج الكلامي في التعريف بالتوحيد وتناول القضايا العقدية وتقليدهم للفلاسفة تقليدًا أعمى يقول إبراهيم التيمي : “لا ننكر أدلة العقول والتوصل بها إلى المعارف، ولكنا لا نذهب في استعمالها إلى الطريقة التي سلكتموها في الاستدلال بالأعراض، وتعلقها بالجواهر وانقلابها فيها على حدوث العالم وإثبات الصانع، ونرغب عنها إلى ما هو أوضح بيانا وأصح برهانا، وإنما هو شيء أخذتموه عن الفلاسفة، وإنما سلكت الفلاسفة هذه الطريقة؛ لأنهم لا يثبتون النبوات، ولا يرون لها حقيقة، فكان أقوى شيء عندهم في الدلالة على إثبات هذه الأمور ما تعلقوا به من الاستدلال بهذه الأشياء”([38]).

ونحن نورد مكامن الخطأ في التفسير الكلامي للتوحيد في النقاط التالية:

  • لم يقل أحد من أهل اللغة بأن معنى الواحد ما ذكروه بأنه الذي لا ينقسم أو الذي ليس بجسم (واحد في ذاته لا قسيم له)؛ وفهم النصوص إنما يكون بإدراك لسانها العربي المبين وإدراك مواقع التنزيل، وإلا كان فهمه إلى السقم أقرب وإدراكه إلى الخطل أدنى؛ يقول الشاطبي (ت: 790هـ) : “إن هذه الشريعة المباركة عربية، لا مدخل فيها للألسن العجمية، وهذا وإن كان مبينا في أصول الفقه، وأن القرآن ليس فيه كلمة أعجمية عند جماعة من الأصوليين، أو فيه ألفاظ أعجمية تكلمت بها العرب، وجاء القرآن على وفق ذلك، فوقع فيه المعرَّب الذي ليس من أصل كلامها، فإن هذا البحث على هذا الوجه غير مقصود هنا، وإنما البحث المقصود هنا أن القرآن نزل بلسان العرب على الجملة، فطلب فهمه إنما يكون من هذا الطريق خاصة؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2]، وقال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195]، وقال: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانُ عَرَبِيُّ مُبِينٌ} [النحل: 103]… إلى غير ذلك مما يدل على أنه عربي وبلسان العرب، لا أنه أعجمي ولا بلسان العجم، فمَن أراد تفهمه فمِن جهة لسان العرب يفهم، ولا سبيل إلى تطلب فهمه من غير هذه الجهة، هذا هو المقصود من المسألة…”([39]).
  • على عكس ما ذكروه؛ فإن المعهود في لغة العرب إطلاق الواحد على ما نفوه عنه، فليس الواحد في اللغة ما ليس بجسم؛ بل لا يكاد يطلق الواحد إلا على ما كان جسمًا بحسب تفسيرهم هم، والنصوص في القرآن على ذلك كثيرة كقوله تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أُرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36]، إلى قوله: {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} [يوسف: 41]، وقوله: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} [القصص: 26]. وتقول العرب: رجل واحد وامرأة واحدة، وأحد الرجال وهكذا([40]).
  • لم يرد في كلام الله ولا كلام رسوله المعنى الذي ذكروه للواحد، ولم يقل به أحد من الصحابة والتابعين والسلف والأئمة، فلم يقل أحد منهم بأن معنى الواحد هو الذي لا يتميز جانب منه عن جانب، ولا يرى منه شيء دون شيء، أو الذي لا ينقسم أو ما ليس بجسم، فأنى لهم ذلك الفهم؟! ومن أين لهم ذلك المعنى؟!([41]).
  • ما ذكروه من معنى للواحد غير مقبول في بدائه العقول؛ لأنه أمر ذهني لا يمكن وجوده في العالم الواقعي؛ فليس في العالم الواقعي شيء غير متصف بالصفات ولا يتميز منه شيء عن شيء ولا يمكن أن يرى ولا يدرك ولا يحاط به، وهذا صفة العدم لا الوجود([42]).
  • قولهم: (الواحد هو الذي لا قسيم له) أو (لا ينقسم، ولا يتجزأ، ولا يتبعض، ولا يتعدد، ولا يتركب) هذه الألفاظ كلها مجملة؛ فإن قصد قائلها أن الله تعالى أحد فرد صمد، لم يلد ولم يولد، وأنه يمتنع أن يتفرق أو يتجزأ، أو يكون قد ركب من أجزاء، فهذا أمر وارد في النصوص وهو المعنى الحق، ولكن إن قصد القائل أنه يمتنع عليه اتصافه بالصفات كالعلو والنزول والاستواء وغيرها، وهم يقصدون هذا إذ كل متحيز منقسم، وكل منقسم فليس بأحد كما يقولون([43])، فهذا مناقض للنصوص الصريحة المحكمة الواردة في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو باطل مردود، وهذا من أكبر الأبواب الذي ولج منه نفاة الصفات([44]).
  • قولهم: (واحد في صفاته لا شبيه له) فهذا أيضا فيه إجمال؛ ولم يرد نفي التشبيه في الكتاب ولا في السنة ولا على ألسنة الصحابة والسلف رضوان الله عليهم، وإنما الوارد نفي التمثيل، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، ونفي التشبيه من كل وجه يؤول إلى وصف الله بالعدم([45]). وأما إن قصدوا بأنه متصف بصفات الكمال ولا يماثله في صفاته مخلوق فهذا حق، ولكن لا يصح إطلاق نفي التشبيه؛ لأن التماثل غير التشبيه.
  • نفي التشبيه أيضًا كسابقه (نفي التجسيم) اتخذ شمَّاعةً لنفي الصفات؛ فهو كذلك من أكبر الأبواب الذي ولج منه نفاة الصفات، ولكن لا ضابطَ للتشبيه الذي ينفى بسببه الصفات؛ فما يزعم بعضهم أنه تشبيه ينفي بسببه الصفات يزعم غيره أنه ليس بتشبيه ويمكن معه إثبات الصفات، فكل طائفة تجعل ما تنفيه من الأسماء أو الصفات من التشبيه الذي يجب تنزيه الله عنه، فالأشاعرة نفوا ما عدا الصفات السبع -على خلاف بينهم- بدعوى التشبيه، والمعتزلة نفوا جميع الصفات بدعوى التشبيه، والجهمية نفوا الأسماء والصفات جميعا بدعوى التشبيه، وغلا القرامطة والباطنية فقالوا: لا يوصف لا بالنفي ولا بالإثبات بدعوى التشبيه، فبقول من نأخذ؟!([46]).
  • نفي الصفات بدعوى تحقيق التوحيد فكرة قديمة سبق إليها الجهمية والمعتزلة، فمن أثبت الصفات عندهم شبه الله بالمخلوقات ونسبه إلى التعدد ونفى عنه التوحيد؛ فهذا التوحيد أحد أصول المعتزلة الخمسة!([47])، وهي إحدى المطارحات التي دارت في فتنة الإمام أحمد مع المعتزلة.
  • جاء في الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد: “فقالت الجهمية لنا لما وصفنا هذه الصفات: إن زعمتم أن الله ونوره، والله وقدرته، والله وعظمته، فقد قلتم بقول النصارى حين زعمتم أن الله لم يزل ونوره, ولم يزل وقدرته. قلنا: لا نقول: إن الله لم يزل وقدرته، ولا نقول: ولم يزل ونوره، ولكن نقول: لم يزل بقدرته، ونوره، لا متى قدر، ولا كيف قدر. فقالوا: لا تكونون موحدين أبدًا حتى تقولوا: قد كان الله ولا شيء، قلنا: نحن نقول: قد كان الله ولا شيء, ولكن إذا قلنا: إن الله لم يزل بصفاته كلها أليس إنما نصف إلهًا واحدًا بجميع صفاته؟!”([48]).
  • قولهم: (واحد في أفعاله لا شريك له)، فهذا حق لا مرية فيه، وتوحيد الله سبحانه وتعالى في أفعاله هو توحيد الربوبية، ولكنهم ضلُّوا حين ظنُّوا أن هذا التوحيد هو مقصود الرسل الأعظم ودعوة الكتب الأولى، والأمر ليس كذلك؛ فتوحيد الله سبحانه وتعالى بالألوهية وإفراده سبحانه وتعالى بالعبادة هو المقصود الأعظم من إرسال الرسل، وهي الغاية الكبرى من خلق الخلق؛ قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]([49]).

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) العين (3/ 280)، وينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 547).

([2]) تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (ص: 57).

([3]) تهذيب اللغة (5/ 124).

([4]) اشتقاق أسماء الله (ص: 93).

([5]) مقاييس اللغة (6/ 90).

([6]) اشتقاق أسماء الله (ص: 90 وما بعدها).

([7]) تفسير أسماء الله الحسنى (ص: 57).

([8]) تهذيب اللغة (5/ 127).

([9]) تفسير السمعاني (1/ 161).

([10]) الحجة في بيان المحجة (1/ 331).

([11]) جامع البيان (9/ 423).

([12]) جامع البيان (10/ 482).

([13]) ينظر: جامع البيان (3/ 98، 14/ 213، 16/ 104، 17/ 188).

([14]) تفسير ابن كثير (1/ 474).

([15]) تفسير ابن كثير (1/ 447).

([16]) تفسير الطبري (2/ 745 وما بعدها).

([17]) ينظر: مفاتيح الغيب للرازي (4/ 144 وما بعدها).

([18]) شرح الأصول الخمسة (128).

([19]) شرح الأصول الخمسة (67).

([20]) شرح الأصول الخمسة (128).

([21]) الإنصاف (ص: 22).

([22]) مجرد مقالات الأشعري (ص: 55).

([23]) الإرشاد للجويني (ص: 52).

([24]) المطالب العالية (3/ 262).

([25]) التعريفات (ص: 73).

([26]) أصول الدين للغزنوي (ص: 59).

([27]) أصول الدين (ص: 64).

([28]) أصول الدين (ص: 123).

([29]) الملل والنحل للشهرستاني (1/ 100).

([30]) الاعتقاد (ص: 59).

([31]) مفاتيح الغيب (4/ 144).

([32]) مفاتيح الغيب (4/ 146).

([33]) مفاتيح الغيب (4/ 145 وما بعدها).

([34]) مفاتيح الغيب (4/ 149).

([35]) الحجة في بيان المحجة (1/ 333 وما بعدها).

([36]) الحجة في بيان المحجة (1/ 107).

([37]) الحجة في بيان المحجة (1/ 122).

([38]) الحجة في بيان المحجة (1/ 406).

([39]) الموافقات (2/ 101).

([40]) ينظر: درء تعارض العقل والنقل (7/ 116)، بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (3/ 193).

([41]) ينظر: يان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (3/ 146).

([42]) ينظر: درء تعارض العقل والنقل (7/ 125).

([43]) أساس التقديس للرازي (ص: 17).

([44]) ينظر: التدمرية (ص: 185).

([45]) ينظر: التسعينية (204).

([46]) ينظر: التدمرية (ص: 182).

([47]) ينظر: شرح الأصول الخمسة (128)، بيان تلبيس الجهمية (3/ 95)، درء تعارض العقل والنقل (9/ 377).

([48]) الرد على الجهمية والزنادقة (ص: 140).

([49]) ينظر: التدمرية (ص: 180)، التسعينية (207).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

جُهود الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي في نشر الدعوة السلفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي من العلماء البارزين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد برزت جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تأثر رحمه الله بالمنهج السلفي، وبذل جهودًا كبيرة في نشر هذا المنهج وتوعية الناس بأهميته، كما عمل على نبذ البدع وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تنشأ في […]

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

قياس الغائب على الشاهد.. هل هي قاعِدةٌ تَيْمِيَّة؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   القياس بمفهومه العام يُقصد به: إعطاء حُكم شيء لشيء آخر لاشتراكهما في عِلته([1])، وهو بهذا المعنى مفهوم أصولي فقهي جرى عليه العمل لدى كافة الأئمة المجتهدين -عدا أهل الظاهر- طريقا لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من مصادرها المعتبرة([2])، وقد استعار الأشاعرة معنى هذا الأصل لإثبات الأحكام العقدية المتعلقة بالله […]

فَقْدُ زيدِ بنِ ثابتٍ لآيات من القرآن عند جمع المصحف (إشكال وبيان)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: القرآن الكريم وحي الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، المعجزة الخالدة، تتأمله العقول والأفهام، وتَتَعرَّفُه المدارك البشرية في كل الأزمان، وحجته قائمة، وتقف عندها القدرة البشرية، فتعجز عن الإتيان بمثلها، وتحمل من أنار الله بصيرته على الإذعان والتسليم والإيمان والاطمئنان. فهو دستور الخالق لإصلاح الخلق، وقانون […]

إرث الجهم والجهميّة .. قراءة في الإعلاء المعاصر للفكر الجهمي ومحاولات توظيفه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إذا كان لكلِّ ساقطة لاقطة، ولكل سلعة كاسدة يومًا سوقٌ؛ فإن ريح (الجهم) ساقطة وجدت لها لاقطة، مستفيدة منها ومستمدّة، ورافعة لها ومُعليَة، وفي زماننا الحاضر نجد محاولاتِ بعثٍ لأفكارٍ منبوذة ضالّة تواترت جهود السلف على ذمّها وقدحها، والحط منها ومن معتنقها وناشرها([1]). وقد يتعجَّب البعض أَنَّى لهذا […]

شبهات العقلانيين حول حديث: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يزال العقلانيون يحكِّمون كلامَ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلى عقولهم القاصرة، فينكِرون بذلك السنةَ النبوية ويردُّونها، ومن جملة تشغيباتهم في ذلك شبهاتُهم المثارَة حول حديث: «الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم» الذي يعتبرونه مجردَ مجاز أو رمزية للإشارة إلى سُرعة وقوع الإنسان في الهوى […]

شُبهة في فهم حديث الثقلين.. وهل ترك أهل السنة العترة واتَّبعوا الأئمة الأربعة؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة حديث الثقلين يعتبر من أهمّ سرديات الخطاب الديني عند الشيعة بكافّة طوائفهم، وهو حديث معروف عند أهل العلم، تمسَّك بها طوائف الشيعة وفق عادة تلك الطوائف من الاجتزاء في فهم الإسلام، وعدم قراءة الإسلام قراءة صحيحة وفق منظورٍ شمولي. ولقد ورد الحديث بعدد من الألفاظ، أصحها ما رواه مسلم […]

المهدي بين الحقيقة والخرافة والرد على دعاوى المشككين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»([1]). ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالأمه أنه أخبر بأمور كثيرة واقعة بعده، وهي من الغيب الذي أطلعه الله عليه، وهو صلى الله عليه وسلم لا […]

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان الإيمان منوطًا بالثريا، لتناوله رجال من فارس) شبهة وجواب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  يقول بعض المنتصرين لإيران: لا إشكالَ عند أحدٍ من أهل العلم أنّ العربَ وغيرَهم من المسلمين في عصرنا قد أعرَضوا وتولَّوا عن الإسلام، وبذلك يكون وقع فعلُ الشرط: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ}، ويبقى جوابه، وهو الوعد الإلهيُّ باستبدال الفرس بهم، كما لا إشكال عند المنصفين أن هذا الوعدَ الإلهيَّ بدأ يتحقَّق([1]). […]

دعوى العلمانيين أن علماء الإسلام يكفرون العباقرة والمفكرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة عرفت الحضارة الإسلامية ازدهارًا كبيرًا في كافة الأصعدة العلمية والاجتماعية والثقافية والفكرية، ولقد كان للإسلام اللبنة الأولى لهذه الانطلاقة من خلال مبادئه التي تحثّ على العلم والمعرفة والتفكر في الكون، والعمل إلى آخر نفَسٍ للإنسان، حتى أوصى الإنسان أنَّه إذا قامت عليه الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها. ولقد كان […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017