قبس من حياة العلامة عبد الظاهر أبو السمح
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد، فهذا قبس من حياة عالم جليل، ومصلح كبير، دعا إلى الله تعالى على بصيرة وعلم وحكمة، هو الشيخ العلامة عبد الظاهر أبو السمح.
نسبه وولادته:
هو الشيخ محمد عبد الظاهر بن محمد نور الدين بن مصطفى بن علي الفقيه الأسمني التليني الأزهري المصري -أبو السمح-.
ولد عام 1300، في بلدة التلين، التابعة لمركز منيا القمح، مديرية الشرقية بمصر.
والفقيه: نسبة لآل الفقيه، وتعرف أيضاً: بـ آل جلال، وهي أسرة عربية، تنتمي لقبيلة بني سليم العدنانية.
وأبو السمح: لقب للعائلة، وليست كنية.
نشأته:
نشأ في أسرة معروفة بالصلاح، فنشأ محافظا على الأخلاق الحميدة، والخصال الحسنة، كما تربى على حب العلم وأهله، فقد كان أبوه معلم القرآن في القرية، فعلمه القرآن، وحفظه صغيرا .
ولما أتم حفظ القرآن.. أدخله والده في الأزهر، ودرس في الحديث والفقه والتفسير، وأخذ القراءات السبع وأتقنها.
طلبه للعلم:
أدخله والده الكتّاب، فحفظ القرآن في التاسعة من عمره، ثم أدخله الأزهر فمكث فيه عشرة أعوام متعلماً وقارئاً ودارساً جميع العلوم التي تدرس في الأزهر، حافظاً لمتونها، واستظهاراً لها.
فدرس غالب علوم الشريعة ، وكان يحضر للعلماء والمثقفين في بلده، فكان وهو صغير، يحضر مجلس الشيخ محمد عبده، ثم تتلمذ على الشيخ محمد الشنقيطي، فدلّه على كتب السلف، ورغبه فيها، وحببها إليه، فعكف على كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما.
وبعد الأزهر، دخل مدرسة المعلمين الأولية، وحصل على شهادتها، وكان العلامة الشهير الشيخ محمد رشيد رضا، قد أنشأ مدرسة، اسمها: دار الدعوة والإرشاد، فانضم إليها؛ متعطشاً للتزود من العلم والعلوم، ونهل من علومه، وجالسه في الدار والمنزل، وأصبح من تلاميذه النبغاء.
ولازم حضور مجالس الشيخ محمد أمين الشنقيطي، وأحب دروسه، وكانت هذه المجالس والدروس مفتاحاً له، لمعرفة كتب الشيخين: ابن تيمية، وابن القيم.
وقد حصل على دبلوم من مدرسة المعلمين بالقاهرة، تؤهله للتدريس، ويطلق على هذه الشهادة: كفاءة المعلمين.
صفاته:
كان المترجم، رجلاً فاضلاً عاقلاً، أديباً لبيباً، ذا بشاشة وتواضع، رزين الخلق، متين الديانة، له لحية كثّة بيضاء، ممتلئ الجسم، بهيّ المنظر، جهوري الصوت، حسن الخلق، زاهداً عن الدنيا، عابداً لربه سبحانه، رفيقاً بخلقه، لطيف المعشر، يحب الخير للغير، غيوراً على التوحيد، ثابتاً على المبادئ، قوياً في الحق، لا يهاب أحداً، وكان لخطبته وقراءته وقع في النفوس
زواجه:
تزوج في الإسكندرية، من أخت صديقه وتلميذه/ الشيخ محمد بن عبد الرزاق حمزة، وكان قد تزوج قبلها مرتين، أنجب من إحداهما: ابنه الأكبر عبد اللطيف أبو السمح، وقد رزق الشيخ أبو السمح من أخت الشيخ محمد عبد الرزاق، ثلاثة أبناء، وثلاث بنات، وتزوج للمرة الرابعة، زوجة أعقب منها ثلاثة أبناء، وثلاث بنات، فصار مجموع أبنائه وبناته: أربعة عشر .
وهم كالآتي:
-عبد الرحمن عبد الظاهر بن محمد نور الدين الفقيه (أبو السمح).
-محمد عبد الظاهر بن محمد نور الدين الفقيه (أبو السمح).
-زينب عبد الظاهر بن محمد نور الدين الفقيه (أبو السمح).
-عبد الله عبد الظاهر بن محمد نور الدين الفقيه (أبو السمح).
-سميحه عبد الظاهر بن محمد نور الدين الفقيه (أبو السمح).
-سهيل عبد الظاهر بن محمد نور الدين الفقيه (أبو السمح).
-محمود عبد الظاهر بن محمد نور الدين الفقيه (أبو السمح).
-أنس عبد الظاهر بن محمد نور الدين الفقيه (أبو السمح).
-عاصم عبد الظاهر بن محمد نور الدين الفقيه (أبو السمح).
-سميره عبد الظاهر بن محمد نور الدين الفقيه (أبو السمح).
-راوية عبد الظاهر بن محمد نور الدين الفقيه (أبو السمح).
إخوانه:
-عبد المهيمن.[1]
-محمد بدر الدين.[2]
حجه وانتقاله إلى الحجاز:
في سنة 1344، حج المترجم، مع شيخه العالم محمد رشيد رضا، ومعهما الشيخ المحدث محمد عبد الزراق حمزة ومجموعة من طلبة العلم، فنزلوا في ضيافة الملك عبد العزيز، وقد أوعز الملك للمترجم، والشيخ محمد حمزة؛ أن يبقيا في مكة؛ للاستفادة من علمهما، فأجابا مسرورين.
وكانت هذه، أول رحلة حج للمترجم، بل أول قدوم إلى المملكة العربية السعودية.
وأعجبه المكوث في الحجاز، فصال وجال في العلم والتعليم والدعوة والإرشاد، حتى كان له الفضل في تأسيس بعض المدارس، وأحبه الملك عبدالعزيز وأدناه.
في المسجد الحرام:
بعد انتهاء حج عام 1344، واستبقاء المترجم، بتاريخ الثامن من ربيع الآخر لعام 1345، التقى المترجم والشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، في جُدّة بالملك عبد العزيز، في دار الشيخ محمد نصيف -وجيه جدة والحجاز- فعيّن أبا السمح إماماً وخطيباً للمسجد الحرام.
واستمر إماماً وخطيباً للمسجد الحرام، حتى وفاته، عام 1370هـ، أي: أنه مكث خمساً وعشرين سنة، في محراب المسجد الحرام، أمام الكعبة.
ويا له من شرف باذخ، ومجد خالد، في إمامة أفضل وأقدس بقعة على وجه الأرض المسجد الحرام، وهو من أوائل الأئمة في المسجد الحرام الذين عينهم الملك عبد العزيز.
أعماله:
-عيّن في عام 1345، إماماً وخطيباً للمسجد الحرام.
-عين في عام 1347هـ عضواً مراقباً في هيئة المراقبة والمدرسين، في الحرم المكي.
-عيّن في عام 1348، وكيلاً لهيئة التدريس، والمراقبة في الحرم المكي.
-عقد حلقة علم وتدريس بالمسجد الحرام في علم التوحيد والعقيدة، وتجويد القرآن الكريم.
-كان له أثر كبير في تأسيس دار للحديث بمكة، سنة 1352، على غرار (دار الدعوة والإرشاد) وخصص لها مساعدة مالية سنوية، وبلغ من إعجاب الملك بها وبصاحبها.. أن جعل دار الأرقم بن أبي الأرقم، مقراً لها .
-مديراً لدار الحديث، ثمانية عشر عاماً، موجهاً طلبتها إلى الكتاب والسنة.
-أسس حركة أنصار السنة المحمدية بالإسكندرية، والمعنية بتعريف المذهب السني السلفي في مصر.
-عمل مدة من الزمن، بمدرسة ابتدائية بالسويس.
-عيّن مدرساً بالإسكندرية، وهناك قام يدعو إلى الله.
-عمل مدرساً للخط والقرآن الكريم.
دعوته:
بعد سنين من طلبه للعلم، واتصاله بالعلامة محمد أمين الشنقيطي، وملامسة الحق شغاف قلبه،.. قام بالدعوة للقرآن والسنة قياما كبيرا، ودعا إلى هدم بناء الأوهام، والتحرر من عبادة العبيد إلى عبادة رب العبيد، فرد على دعاة الشرك وأبطل شركهم، وناظر أهل البدع فانحسرت بدعهم، وناصر أهل السنة وعلت رايتهم، وكانت دعوته سبباً في رفع الجهل عن الناس، فرفع عن السدنة المسترزقين سحتهم، وقلّ عدد الزوارين للمشاهد، وكثر المصلين في المساجد، وهجرت بالشرك المعابد، ورفعت راية التوحيد.
عرفته الدنيا، عالماً ناصحاً، ومناظراً منافحاً، لا يشق له غبار، وما وقف أمامه طالب حق إلا وبمناظرته استنار، وما جادله مبطل إلا كان باطله في انحسار.
استمر المترجم، مدرساً وأستاذاً وواعظاً ومعلماً لعلوم الشريعة في الإسكندرية، ما يقرب من عشرة أعوام، باذلاً جهده وطاقته وشبابه وصحته ووقته وجميع إمكاناته، في الدعوة إلى الله تعالى، محتسباً الأجر والمثوبة من الله تعالى، وليس له راتب حكومي، أو دخل دائم، لكن الله سبحانه سخر له بعض خلقه الذين أحبوه محبة خالصة وصادقة من أهالي الإسكندرية، فنصروه وآزروه.
وقد عرف عن المترجم.. الزهد في الدنيا، والبعد عن المظاهر، وعيش الكفاف، والقناعة بما رزقه الله؛ لذلك بارك الله له في حياته ودعوته.
وكان لدى المترجم، قدرة منطقية، وملكة قوية في الإقناع والإفحام، مع غزارة العلم بالكتاب والسنة، والصبر والمصابرة على الأذى الحسي والمعنوي.
وها هو يقول عن نفسه: “فإن الله تعالى لما منّ علي بمعرفته، ووفقني لاتباع كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.. رأيت أن من أوجب الواجبات علي؛ الدعوة إليه تعالى، والحث على التمسك بالسنة المحمدية، واتباع سبيل المؤمنين السالفين، وكان من أهم شيء عندي؛ أن أبدأ به، بيان التوحيد”.
ويقول إبان سكنه الإسكندرية: “وقد أتاح الله لي، فرصة الدعوة إليه، في رمل الإسكندرية، فأخذت أقرأ دروساً في المساجد، وألقي خطباً، وأدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، حسب طاقتي”.
محنته:
إن أهل الباطل، حينما يعجزون عن مقاومة الحجة.. يلجؤون إلى الاعتداء والتعدي، ومن ذلك: أنهم ألّبوا عليه، حاكم تلك المنطقة، وحصلت قصة عظيمة في إيذائه ومحاكمته، ثم ما جرى من اعتداء عليه بالضرب، وهو يؤم المصلين في المسجد، دون مراعاة حرمة بيوت الله، والوقوف بين يدي الله.
استخلف المترجمُ، الشيخ محمد تقي الدين الهلالي، على الصلاة بالناس، وقد أرادوا إغلاق المسجد فما استطاعوا، وخرج من كل ذلك، منتصراً، بفضل الله تعالى، بعد أن أوذي وطرد، إلا أن عناية الله تعالى، كانت تحفّه، فسكنت الفتنة، وعاد إلى المسجد إماماً وخطيباً.
و”إن الباطل كان زهوقا”ً .
تدريسه:
عقد حلقات العلم والتعليم في بده، قبل أن يأتي إلى الديار الحجازية، على مدى سنوات طويلة متطاولة، ولما قدم الحجاز، عقد حلقة علم وتدريس، بالمسجد الحرام، في علم التوحيد والعقيدة، والتجويد والقراءات، واستمر يدرس، طوال عقدين ونصف العقد، في المسجد الحرام.
وقد أحسن في تدريسه، وفي أسلوبه في إلقاء الدروس، وذلك؛ لأن له خبرة سابقة في التدريس، بل ويحمل شهادة، في طرق التدريس، مع ما منحه الله من الفصاحة في اللسان، وغزارة العلم، ورسوخ القدم، وعلو الكعب في المعرفة.
تجمع حوله جمهرة من التلاميذ، يغرفون من معين علمه، فمنهم من أخذ القرآن وتجويده، ومنهم من أخذ عنه علم التوحيد.
مشايخه:
-والده الشيخ محمد نور الدين الفقيه.
-الشيخ محمد عبده.[3]
-الشيخ محمد أمين فال الله الشنقيطي.[4]
-الشيخ محمد رشيد رضا.
-الشيخ عبد الرحمن الثعيلبي.
-الشيخ محمد الحضرمي الشنقيطي.
-الشيح محمد عبد الوهاب الهندي.
-الشيخ عبيد الله السندي.
-الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ.
-الشيخ محمد بيومي.
-الشيخ أحمد التيجي المصري ثم المكي المدني.
-الشيخ محمد الرفاعي المحلي.
-الشيخ حسن الخشاوي.
-الشيخ محمد أبي عليان.
تلاميذه:
-الشيخ محمد بن سليمان البسام.[5]
-الشيخ عبد الله بن عبد الغني خياط.[6]
-الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد.[7]
-الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة.
-الشيخ علي بن محمد الهندي.
دار الحديث الخيرية:
من أهم الأعمال، التي قام بها المترجم، هو: إنشاؤه وتأسيسه دار الحديث بمكة، فقد عرض الفكرة على الملك عبد العزيز، بعدما عرض نظامها والهدف منها، فوافق الملك عبد العزيز.
وفي عام 1352، افتتحت دار الحديث، التي أطلق عليها: دار الحديث الخيرية، وفتحت أبوابها للطلاب، وكان الهدف منها: هو التركيز على دراسة الحديث النبوي، وإحياء السنة النبوية، ودراسة العلوم الشرعية، وعلوم اللغة العربية، وغيرها من الأهداف السامية.
ولا شك أن هذا إنجاز عظيم أسسه المترجم، فمنذ تأسيسها في عام 1352، إلى وقتنا الحاضر، وما زالت تخرج الكثير من الطلاب، من مختلف الجنسيات، فهي أثر باق من آثاره التي استمرت بعد وفاته.
لقد مضى على إنشائها، اثنان وتسعون سنة، ولم تتوقف طيلة هذه الأعوام.
مؤلفاته:
-الأولياء والكرامات.[8]
-منظومة في التوحيد والعقيدة.
-رسالة في آداب تلاوة القرآن واستماعه.
-الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي.[9] تحقيق.
-الرسالة المكية في الرد على الرسالة الرملية.[10]
-القصيدة الرملية في انتصار أهل السنة المحمدية على أهل البدع القبورية.8
-حياة القلوب بدعاء علام الغيوب.[11]
-القصيدة النونية في بيان الوسيلتين الإسلامية والشركية وأنواع التوحيد.[12]
-مناسك الحج وفق السنة المحمدية.[13]
ثناء العلماء عليه:
قال عنه الشيخ محمد بن عبد الرزاق حمزة: “فقد الإسلام داعية من دعاته، وفقدت السنة بطلاً من أنصارها، وفقد المسجد الحرام إماماً كان أهلاً لإمامته، وفقد القرآن المجيد وعاء من أوعيته، ومزماراً من مزامير آل داود، مرتلاً لآياته بصوته الرخيم أمام وجه الكعبة ربع قرن من الزمان، وفقدت العبادة الخالصة تقياً من تقاة المؤمنين”
وقال الشيخ عبدالله خياط: “لقد أعطي -رحمه الله- موهبة لا في الخطابة والإلقاء البارع المؤثر، ولا في تلاوة القرآن والتدريس فحسب، بل صوته الجهوري الذي كان يبلغ بناية وزارة المالية في مكة بأجياد، دون أن يكون ثمة مكبرات للصوت، إن هي إلا نفحة من الله وفضل، وهبه إياه”.
وقال الشيخ تقي الدين الهلالي المغربي: ” كنت أتتبع جميع ما نشره وردود مناوئيه من دعاة الخرافة والإلحاد، وسمعت عنه الكثير بعد قدومه إلى مكة، ولما قدمت مكة المكرمة، عام 1355، كان أول ما خطر ببالي، مقابلة الشيخ عبد الظاهر أبو السمح، فزرته في مدرسة دار الحديث، فرأيت سيما الصلاح والتقوى بادية في حديثه ومجالسه، وصليت خلفه فكان يَبكي في خطبه، ويُبكي من خلفه، وكان يحافظ على تلاوة القرآن الكريم في حصوة باب الصفا، بصوته الرخيم، وقراءته مرتلة، وكان الحجاج يتزاحمون على الصف الأول؛ ليسمعوا صوت الشيخ قبل أن يكون في المسجد مكبرات للصوت”
وقال الشيخ علي عامر عقلان: “رحم الله شيخنا، لقد كان من سماته الحميدة، ومآثره الحسنة التي يذكرها له تلاميذه ومحبوه، دماثة أخلاقه، وملاطفته لأبنائه الطلبة، وتفقد أحوالهم، والسعي لما فيه إسعادهم، وإدخال السرور عليهم، ومواساتهم سراً وجهراً”
منهجيته:
-التحذير من اتباع علماء السوء، الذي يدعون الناس إلى الأعمال الشركية.
-التنبيه أن عباد القبور، يستدلون بأحاديث ضعيفة أو موضوعة، ولا يفهمون الاستدلال بالأحاديث.
-إيراده للسؤالات والإلزامات، على عباد القبور.
-الاعتماد على الأحاديث الصحيحة.
-الوضوح والسهولة، فلا تكلف ولا تقعر في الكلام.
-الغضب والغيرة على توحيد الله تعالى.
-إظهار التحدي والإلزام على عباد القبور.
-التلميح وعدم التصريح، بأسماء وأعيان دعاة الشرك وأتباعهم.
-ينوع الأسلوب والمنهج، فينتقل من أسلوب لآخر.
تواضعه:
كان المترجم، كثير الهضم لنفسه، لا يحب المدح والإطراء، شديد التواضع، واستصغاره لنفسه.
ومما يدل على ذلك: أن ناشر كتابه (حياة القلوب بدعاء علام الغيوب) وهو محمد مصطفى الفقيه -صاحب مطبعة الصاوي- عند نشره الكتاب.. ذكر في المقدمة، ترجمة للمترجم، فما كان منه إلا أن كتب للناشر، هذه الرسالة:
“من المؤلف إلى الناشر: هذا ما ورد إلينا، من فضيلة الأستاذ المؤلف، إثر اطلاعه على ما ذكرناه من ترجمته، ننشره هنا؛ قياماً بواجب الأمانة، وإن كنا لم نتمكن من إنفاذ رغبته.
أخي محمد:
سلام عليك: أما بعد، فقد وصلني كتابك، وما كدت أطلع على ما ذكرته من ترجمتي، حتى وضعت يدي على وجهي استحياء، فقد ألبستني ثوباً فضفاضاً واسعاً سابغاً من المدح والإطراء، أرى أني لا أستحقه. وقد جاء في الأثر: أن رجلاً، مدح آخر عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (قتلت الرجل) ونهى عن الإطراء في المدح والثناء؛ لما عسى أن يوقع ذلك في الغرور، وإني أعيذ نفسي من ذلك، وأسأله تعالى، أن يحقق في حسن ظنكم، وظن غيركم من الأحباب، ويغفر لي ما لا تعلمون.
فإن كان في الإمكان أن ترمح ما جاء بها من عبارات الإطراء؛ كان ذلك أحب إلى نفسي وأرضى، وإن كان لا سبيل إلى محو ما كان، فليس لي حيلة بعد، إلا أن أقول:
حسبي الله، يا رب اشهد علي وأنت على كل شيء شهيد، إني أبرأ إليك من كل مدح وإطراء لا أستحقه، وإن يكن في شيء مما وصفني به أحد من المدائح، فهو منك وحدك أنت الذي سهلته لي، ومنحتنيه من غير حول لي ولا قوة.
وأرجو من الأخ.. أن يثبت هذه الكلمة بالرسالة ولا بد، حتى لا أكون مصراً على إطراء لا أستحقه، وأنا حي أسمع وأرى، والسلام عل من اتبع الهدى”.
أخوكم: أبو السمح
وفاته:
بعد حياة معطاءة.. حط رحله، فقد انتابه مرض شديد، نقل على إثره إلى مستشفى الجيزة، وتوفي في الساعة الثالثة، من صباح يوم الإثنين، العاشر من رجب، لعام 1370 من الهجرة النبوية، وقد جاوز نصف العقد السابع.
وكانت وفاته، بمستشفى الجمعية الخيرية الإسلامية بحي العجوزة، بالقاهرة؛ جراء تسمم كان نتيجة التهاب في الكليتين، وقد كان يشكو من قديم مرض السكر، فنشأ عن ذلك ضعف في القلب، وهبوط في قواه .
وقد فقدت الأمة الإسلامية، علماً من أعلامها البارزين، وقد أرسل الملك عبد العزيز برقية عزاء واستضاف عائلته في الحجاز –رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه جنات تجري تحتها الأنهار. [14]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
[1] خلف أخاه المترجم، في إمامة الحرم المكي، وقد كان شديداً على المخالف، غيوراً على السلفية، وللشيخ محمد لطفي الصباغ، ذكريات معه. وسأكتب عنه ترجمة –بعون الله وإذنه-.
[2] وهو أصغر إخوته الذكور. وسأكتب عنه ترجمة –بعون الله وإذنه-.
[3] كان يحضر مجلس الشيخ محمد عبده، وهو صغير السن.
[4] وهو الذي دله على كتب السلف.
[5] أخذ عنه التجويد والتوحيد، وكان الشيخ البسام يثني على شيخه بالعلم -كما أخبرني ابنه الباحث الشيخ منصور البسام-.
[6] ممن تأثر بقراءته، ونغمات صوته، قريبة جداً من أداء وتلاوة المترجم، يقول عنه: “تشرفت بمعرفته، وحظيت بالتتلمذ عليه أمداً طويلاً في المسجد الحرام، قرأت عليه: كتاب مشكاة المصابيح -كما كنت أدرس عليه، في داره: كتب العقيدة، ككتاب التوسل والوسيلة لابن تيمية، وكتاب الجواب الكافي، وكتاب الواسطية، وجملة من كتب العقيدة، فكان يثلج صدري، ويروي ظمأ نفسي المتعطشة للمزيد من التعرف إلى العقيدة السلفية- كنت أذهب إليه ضحوة كل يوم، فأجد من فضيلته -إلى جانب الإفادة من علمه وخلقه- التجارب العظيمة التي مرت عليه، والمتاعب التي لقيها في سبيل الدعوة إلى الله في بلده … ومما درست عليه في اللغة العربية: ألفية ابن مالك، وكان يحفظها عن ظهر قلب، يقرأ المنظومة ثم الشرح لابن عقيل، ويكثر من الأمثلة لتطبيق القواعد، وهذا ما جعلني أبتعد عن اللحن في القراءة؛ لحفظي الكثير من الإعراب مما أفدته منه”.
[7] رئيس المجلس الأعلى للقضاء.
[8] طبع لأول مرة، عام 1368، ولم يعاد طبعها.
[9] وقد طبع بعض الكتب، كـ: كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، على نفقته، ومعه الشيخ محمد صالح نصيف، عام 1346.
[10] قرر فيها التوحيد بأنواعه الثلاثة، والشفاعة وأقسامها، والتوسل وأنواعه، ومعنى شهادة التوحيد، طبعت بمطبعة المنار بمصر، عام 1349.
[11] عرض فيه المؤلف: أنواع التوحيد الثلاثة، ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وموضوعات متفرقة، طبع بدار الطباعة والنشر الإسلامي 1994م.
[12] وهي عبارة عن نظم في أنواع التوحيد الثلاثة، والتوسل وأنواعه، وبيان مفهوم العبادة.
[13] طبع في مطبعة مكة للطباعة والنشر، بتحقيق محمد بن أحمد السيد أحمد.
-ترجمة الشيخ عبد الظاهر – محمد سيد أحمد.
-مقال في جريدة الرياض.
-مقال: منهجية الشيخ عبد الظاهر أبو السمح في مؤلفاته العقدية – رياض بن عبد المحسن بن سعيد.
-مقال: الشيخ محمد بدر الدين أبو السمح الفقيه – محمد لطفي الصباغ.
-العلامة عبد الظاهر أبو السمح – عبد الله الشمراني.
-أئمة الحرمين – عبد الله بن أحمد آل علاف الغامدي.
-أئمة المسجد الحرام ومؤذنوه في العهد السعودي – عبد الله بن سعيد الزهراني.
– تاريخ أمة في سير أئمة – صالح بن عبد الله بن محمد بن حميد.
-الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة – تقي الدين الهلالي.
-المبتدأ والخبر للعلماء في القرن الرابع عشر وبعض تلاميذهم – إبراهيم بن محمد بن ناصر السيف.
-المسجد الحرام في قلب الملك عبد العزيز – عبد الله بن منسي العبدلي.
-الأعلام للزركلي.
-وسام الكرم في تراجم أئمة وخطباء الحرم – يوسف بن محمد بن داخل الصبحي.
-سير وتراجم – عمر عبد الجبار.
-علماء نجد خلال ثمانية قرون – عبد الله بن عبد الرحمن البسام.
-معجم المؤلفين – عمر رضا كحالة.
-جماعة أنصار السنة – الدكتور أحمد الطاهر.