الأحد - 22 جمادى الأول 1446 هـ - 24 نوفمبر 2024 م

جهود علماء الحنابلة في الدفاع عن الإمام أبي حنيفة النعمان رحمه الله

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

هذا تجريد لأقوال علماء الحنابلة في الثناء على الإمام أبي حنيفة النعمان رحمه الله، والذبّ عنه، جمعته من مصنفات أعيانهم عبر القرون حتى وقتنا الحاضر.

وستجد فيه الكثير من عبارات الثناء والمدح للإمام، وبيان إمامته وفضله ومنزلته، والاعتداد بخلافه في مسائل الفقه، والاستشهاد بكلامه في عدد من مسائل الاعتقاد، كذمّ الكلام وإثبات صفة العلو لله تعالى، مع بيان الفرق بين حاله وحال من انتسب إليه في الفقه من الجهمية، كبشر المريسي.

كما ستجد فيها جوابًا عن عددٍ من الفرى الواهية التي نُسِبَت إليه، كإباحة لحم الخنزير، ورد السنة، ومناقشةً لعددٍ من الروايات التي نسبت للأكابر في ذمّه، كالتي نسبت للإمامين ابن المبارك ومالك بن أنس رحمهما الله تعالى.

كما ستجد فيه توضيحًا لموقف الإمام أحمد رحمه الله منه، وإقرارًا بصحة بعض ما انتُقِد عليه، وهو القول بالإرجاء، وشيئًا من أسباب انتقاد أئمة أهل السنة لإرجاء الفقهاء.

وستصل بعد أن تطلع على كلام هؤلاء الأئمة الحنابلة إلى متانة بحثهم لهذه القضية، وعمق ما قرروه فيها، رغم أنهم لم يسلموا من تعصّب بعض غلاة المنتسبين لأبي حنيفة، ممن نالوا من بعض أئمتهم كالحافظين عبد الغني المقدسي وابن عبد الهادي رحمهما الله.

والمرجو أن يعي قلبك بعد اطلاعك على هذه الجهود حقيقةَ ما استقرّ عليه قول الأمة في الإمام أبي حنيفة النعمان رحمه الله، بعيدًا عن تلبيس الملبسين وأكاذيب المفترين.

  • الإمام أبو داود السجستاني صاحب السنن (ت: 275هـ):

جاء عن أبي داود الثناء على أبي حنيفة -رحمهما الله تعالى- في قوله: (رحم الله مالكًا ‌كان ‌إمامًا، رحم الله الشافعيَّ ‌كان ‌إمامًا، رحم الله أبا حنيفة ‌كان ‌إمامًا)([1]).

تنبيه: قال السفاريني في شرحه لحائية أبي بكر ابن أبي داود -رحمهما الله تعالى-: (وأبو بكر هذا وأبوه الإمام صاحب السنن من أئمة علماء ‌مذهبنا، وأبوه أحد نقلة مذهب الإمام أحمد، وعدهما علماؤنا وغيرهم من جملة علماء المذهب)([2]).

  • الشيخ عبد القادر الجيلاني (ت: 561هـ):

أثنى الشيخ عبد القادر على الإمام أبي حنيفة، واعتدّ بخلافه، فقال في كلامه عَمَّا يسوغ الخلاف فيه وما لا يسوغ: (وأما إذا كان الشيء مما اختلف الفقهاء فيه وساغ في الاجتهاد، كشرب عامي النبيذ مقلدًا لأبي ‌حنيفة رحمه الله، وتزوج امرأة بلا ولي على ما عرف من مذهبه، لم يكن لأحد ممن هو على مذهب الإمام أحمد والشافعي -رحمهما الله- الإنكار عليه؛ لأن الإمام أحمد قال في رواية المروزي: لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه ولا يشدّد عليهم، وإذ ثبت هذا فالإنكار إنما يتعين في خرق الإجماع دون المختلف فيه)([3]).

ووصفه بالإمامة في عدد من المواطن التي ذكر قوله فيها، فمن ذلك قوله في بيان وقت صلاة الفجر: (والأفضل التغليس بها، خلاف ما قال الإمام أبو ‌حنيفة من أن الإسفار بها أفضل)([4]).

ومن ذلك قوله في فضل الصلاة عند ذكر حكم تارك الصلاة: (وقال الإمام أبو ‌حنيفة رحمه الله: لا يقتل، ولكن يحبس حتى يصلي فيتوب أو يموت في الحبس)([5]).

تنبيه: عدّ الشيخ عبد القادر الجيلاني الحنفية من فرق المرجئة، وإرجاء أبي حنيفة هو إرجاء الفقهاء، أخذه عن شيخه حماد بن أبي سليمان، وهم الذين قالوا: الإيمان قول، فأخرجوا الأعمال من مسمى الإيمان.

ونصب متأخرو الحنفية التعارض بين نسبة الشيخ عبد القادر الجيلاني الحنفية للإرجاء وبين ما تقدّم من وصفه بالإمامة، وأوردوا على ذلك أجوبة أبدوا فيها وأعادوا، ولم يفطنوا فيها إلى أن إخراج العمل من الإيمان هو الإرجاء الذي ذمّه السلف([6]).

تنبيه آخر: الشيخ عبد القادر الجيلاني من الحنابلة، وقد أخطأ من نفى ذلك، قال ابن المبرد: (والعجَبُ أنَّ بعضَ الجهلة يقول: إنه ليس بحنبلي، وبعضُهم يقول: رجع. وقد ذكر الذهبي عن الشيخ موفق الدين أنه أقام عنده بمدرسته يقرأ عليه، ويشتغل في مذهب أحمد شهرًا وتسعة أيام، قال: ثم مات وصلينا عليه. فكيف هذا الافتراء؟!)([7]).

  • الحافظ عبد الغني المقدسي (ت: 600هـ):

أورد كلام الإمام أبي حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن في إثبات صفة النزول لله تعالى محتجًّا به، حيث يقول: (ونحن مؤمنون بذلك، مُصدِّقُون من غيرِ أن نصف له كيفيةً أو نشبهه بنزول المخلوقين، وقد قال بعض العلماء: سئل أبو ‌حنيفة عنه -يعني النزول- فقال: ينزل بلا كيف. وقال محمد بن الحسن الشيباني صاحبه: الأحاديث التي جاءت أن الله يهبط إلى سماء الدنيا، ونحو هذا من الأحاديث: أن هذه الأحاديث قد روتها الثقات، فنحن نرويها ونؤمن بها ولا نفسرها)([8]).

وقال في موضع آخر: (وقال محمد بن الحسن الشيباني -صاحب أبي ‌حنيفة-: اتفق الفقهاء كلهم من الشرق إلى الغرب على الإيمان بالقرآن، والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله في صفة الرب عز وجل، من غير تفسير ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئًا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه، فإنهم لم يفسروا، ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة، ثم سكتوا، فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة؛ لأنه وصفه بصفة لا شيء)([9]).

تنبيه: قال الضياء المقدسي في سيرة الحافظ عبد الغني: (وسمعت الحافظ يقول: كنا بـالموصل نسمع “الجرح والتعديل” للعقيلي فأخذني أهل الموصل، وحبسوني، وأرادوا قتلي من أجل ذكر أبي حنيفة فيه، قال: فجاءني رجل طويل ومعه سيف، فقلت: لعل هذا يقتلني وأستريح، قال: فلم يصنع شيئًا، ثم إنهم أطلقوني. قال: وكان يسمع هو والإمام ابن البرني الواعظ، فأخذ ابن البرني الكراس التي فيها ذكر أبي حنيفة فاشتالها، فأرسلوا وفتشوا الكتاب فلم يجدوا شيئًا، فهذا سبب خلاصه، والله أعلم)([10]).

وقال سبط ابن الجوزي في ترجمة الحافظ عبد الغني: (لما عاد من أصفهان دخل المَوْصل، فقرأ كتاب “الجرح والتعديل” للعُقَيلي، وذكر فيه أبا حنيفة وجَرَحَه، فثار عليه أصحابُ أبي حنيفة وحبسوه، ولولا البرهان ابن البِرْتي الواعظ خلَّصه لقتلوه، فإنَّه قَطَعَ الكُرَّاسة التي فيها ذكر أبي حنيفة، ففتَّشوا على اسم أبي حنيفة، فما وجدوه، فأطلقوه، فخرج منها خائفًا يترقَّب)([11]).

ومما تجدر الإشارة إليه أن الكوثري اعتمد على هذه القصة وترَك ما نقله الحافظ عبد الغني في “عقيدته” عن الإمام أبي حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن في إثبات الصفات، وطعن في الحافظ عبد الغني بناء على ذلك، فقال في كلام له عن كتاب الحافظ العقيلي: (وكان من ينفخ في بوق التعصب من الرواة يثيرون بكتابه فتنًا، كما وقع لصاحب “الكمال” عبد الغني المقدسي في الموصل)([12]). وأشار لمصادر القصة آنفة الذكر.

والحق أنَّ أولئك المتعصبة من الحنفية لم يفهموا مُرَادَ الحافظ عبد الغني المقدسي من قراءة كتاب العقيلي، فبغوا عليه وظلموه، فإن النفوس المشحونة لا تفهم مسالك العلماء وطرائقهم في البحث والتعليم والتحمّل والأداء، وتفسر كل تصرف على أنه كيد لها ومكر بها، فإن قراءة الحافظ عبد الغني لما جاء في كتاب العقيلي لا يلزم منه موافقته على جميع ما جاء في تلك الروايات، وأيضًا: فقد يكون لتلك الروايات توجيهات صحيحة لديه.

وكان الواجب أن يُنكِرَ الكوثريُّ صنيعَ أولئك المتعصبة، لا أن يطعن في الحافظ عبد الغني بما طعن به فيه، وإلا فمن الأحق بأن يوصف بالنفخ ببوق التعصّب وإثارة الفتن؟!

ويكفي في بيان خطأ ما فهموه ما قدّمناه من استنصار الحافظ عبد الغني بأبي حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن في تقرير اعتقاد أهل السنة في الصفات.

وتعصّب بعض الحنفية الذي أدّى بهم إلى مضايقة العلماء وإيذائهم لم يقتصر على ما فعلوه مع الحافظ عبد الغني، فقد قال تقي الدين الفاسي في ترجمة الحافظ شمس الدين الذهبي: (ولكونه لا يُحابي أحدًا مال عنه كثير من الصوفية والحنفية، وبلغني أنه سئل أن يجمع شيئًا في حديث الإمام أبي حنيفة رحمه الله فتوقف وسهّل الأمر في ذلك، وعلّله بقلة حديث أبي حنيفة، فلم يسهل ذلك بالحنفية، فتركوه حتى خرج إلى الجامع سحرًا، فأدخلوه إلى بعض المدارس وعاتبوه على توقفه، وأوهموه أنهم يريدون ذبحه، فتلطف بهم، وأنعم لهم بما طُلب منه، وجمع لهم شيئًا سمّاه: «صحيفة نظيفة من حديث أبي حنيفة»)([13]).

وسيأتي بيان ما فعلوه مع الحافظ ابن عبد الهادي أيضًا.

  • الإمام شيخ الإسلام الموفق ابن قدامة (ت: 620هـ):

قال الإمام الموفق في آخر عقيدته المختصرة المسماة (لمعة الاعتقاد): (وكل متَّسم بغير الإسلام والسنة مبتدعٌ، كالرافضة، والخوارج، والجهمية، والقدرية، والمرجئة، والكرامية، والسالمية، والكلابية، والمعتزلة، والأشعرية، فهذه فرق الضلال، وطوائف البدع، أعاذنا الله منها.

وأما بالنسبة إلى إمام في فروع الدين، كالطوائف الأربعة فليس بمذموم، فإن الاختلاف في الفروع رحمة، والمختلفون فيه محمودون في اختلافهم، مثابون في اجتهادهم، واختلافهم رحمة واسعة، واتفاقهم حجة قاطعة)([14]).

وهذا يفيد أن اختلاف الإمام أبي حنيفة مع سائر الأئمة الأربعة من الاختلاف المحمود الذي يثاب المجتهد فيه.

وفي كتاب (المغني) للموفق نجد تطبيقًا لما ذكره هنا، فإنه شحن كتابه بالنقل عن الإمام أبي حنيفة، شأنه شأن غيره من أئمة الفقه والفتيا من الصحابة والتابعين وتابعيهم، مما يدل على اعتداده بخلافه وقوله.

واستشهد في كتابه (ذم التأويل) بكلام أبي حنيفة في ذم الكلام المبتدع، قال: (وروى نوح الجامع قال: قلت لأبي حنيفة رحمه الله: ما تقول فيما أحدث الناس من كلام في الأعراض والأجسام؟ فقال: مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريقة السلف، وإياك وكل محدثة، فإنها بدعة)([15]).

وكذلك فإنه نقل([16]) عن تلميذه محمد بن الحسن في الصفات النصّ الذي ذكره الحافظ عبد الغني المقدسي، وقد تقدّم.

  • العلامة نجم الدين الطوفي (ت: 716هـ):

وصف العلامة الطوفي الإمام أبا حنيفة بأنه (أول أئمة الإسلام، وشيخ السلف)([17]).

وأجاب الطوفي في (شرح مختصر الروضة) عن كثير من الأمور التي طُعِنَ في أبي حنيفة بسببها، مثل نسبته إلى الرأي، ونسبته إلى تعمّد مخالفة الحديث، وردَّ تشنيع المشنّعين عليه بأنهم إما جهلة أو حُسَّاد، كما بيّن أن آخر قولي الإمام أحمد هو الثناء على أبي حنيفة.

قال: (واعلم أن أصحاب الرأي بحسب الإضافة هم كل من تصرف في الأحكام بالرأي، فيتناول جميع علماء الإسلام؛ لأن كل واحد من المجتهدين لا يستغني في اجتهاده عن نظر ورأي، ولو بتحقيق المناط وتنقيحه الذي لا نزاع في صحته.

وأما بحسب العلمية، فهو في عرف السلف علم على أهل العراق، وهم أهل الكوفة: أبو حنيفة ومن تابعه منهم، وإنما سمي هؤلاء أهل الرأي لأنهم تركوا كثيرًا من الأحاديث إلى الرأي والقياس:

[1] إما لعدم بلوغهم إياه.

[2] أو لكونه على خلاف الكتاب.

[3] أو لكونه رواية غير فقيه.

[4] أو قد أنكره راوي الأصل.

[5] أو لكونه خبر واحد فيما تعم به البلوى.

[6] أو لكونه واردًا في الحدود والكفارات على أصلهم في ذلك.

وبمقتضى هذه القواعد لزمهم ترك العمل بأحاديث كثيرة، حتى خرج أحمد رحمه الله تعالى فيما ذكره الخلال في «جامعه» نحو مائة أو خمسمائة حديث صحاح خالفها أبو حنيفة.

وبالَغ بعضهم في التشنيع عليه، حتى صنَّف كتابًا في الخلاف بين النبي صلى الله عليه وسلم وأبي حنيفة، وكثر عليه الطعن من أئمة السلف حتى بلغوا فيه مبلغًا، ولا تطيب النفس بذكره، وأبى الله إلا عصمته مما قالوه، وتنزيهه عما إليه نسبوه.

وجملة القول فيه: أنه قطعًا لم يخالف السنة عنادًا، وإنما خالف فيما خالف منها اجتهادًا لحجج واضحة، ودلائل صالحة لائحة، وحججه بين الناس موجودة، وقل أن ينتصف منها مخالفوه، وله بتقدير الخطأ أجر، وبتقدير الإصابة أجران، والطاعنون عليه إما حُسَّاد، أو جاهلون بمواقع الاجتهاد.

وآخر ما صح عن الإمام أحمد رضي الله عنه إحسانُ القولِ فيه، والثناءُ عليه، ذكره أبو الورد من أصحابنا في كتاب «أصول الدين»، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب)([18]).

  • شيخ الإسلام تقي الدين أحمد ابن تيمية (ت: 720هـ):

أولًا: ثناء ابن تيمية على أبي حنيفة الثناء العاطر:

قال أحد الشيعة في كتاب له في تصحيح رد الشمس: (وقال أبو العباس بن عقدة: حدثنا جعفر بن محمد بن عمرو، أنبأنا سليمان بن عباد، سمعت بشار بن دراع، قال: لقي أبو حنيفةَ محمدَ بن النعمان فقال: عمن رويت حديث رد الشمس؟ فقال: عن غير الذي رويت عنه “يا سارية الجبل”. وكل هذه أمارات ثبوت الحديث).

فقال شيخ الإسلام في جوابه: (هذا يدل على أن أئمة أهل العلم لم يكونوا يصدقون بهذا الحديث، فإنه لم يروه إمام من أئمة المسلمين.

وهذا أبو حنيفة أحد الأئمة المشاهير، وهو لا يُتَّهَمُ على عليّ، فإنه من أهل الكوفة دار الشيعة، وقد لقي من الشيعة، وسمع من فضائل علي ما شاء الله، وهو يحبه ويتولاه، ومع هذا أنكر هذا الحديث على محمد بن النعمان.

وأبو حنيفة أعلم وأفقه من الطحاوي وأمثاله، ولم يجبه ابن النعمان بجواب صحيح، بل قال: عن غير من رويت عنه حديث “يا سارية الجبل”.

فيقال له: هب أن ذلك كذب، فأي شيء في كذبه مما يدل على صدق هذا؟!

فإن كان كذلك، فأبو حنيفة لا ينكر أن يكون لعمر وعلي وغيرهما كرامات، بل أنكر هذا الحديث؛ للدلائل الكثيرة على كذبه، ومخالفته للشرع والعقل، وأنه لم يروه أحد من العلماء المعروفين بالحديث من التابعين وتابعيهم، وهم الذين يروون عن الصحابة، بل لم يروه إلا كذاب أو مجهول لا يعلم عدله وضبطه، فكيف يقبل هذا من مثل هؤلاء؟!

وسائر علماء المسلمين يودون أن يكون مثل هذا صحيحًا؛ لما فيه من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وفضيلة علي، على الذين يحبونه ويتولونه، ولكنهم لا يستجيزون التصديق بالكذب، فردوه ديانة)([19]).

وعد شيخ الإسلام ابن تيمية أبا حنيفة وصاحبيه أبا يوسف ومحمد بن الحسن في (أهل العلم الذين يبحثون الليل والنهار عن العلم، وليس لهم غرض مع أحد، بل يرجحون قول هذا الصاحب تارة، وقول هذا الصاحب تارة، بحسب ما يرونه من أدلة الشرع)([20])، وسرَد أسماء أقرانهم من أئمة التابعين وأتباع التابعين من أهل القرون المفضلة.

وعندما ذكر قول أهل السنة في تقديم الشيخين سرد أسماء علماء المسلمين في ذلك، وذكر منهم أبا حنيفة وأصحابه([21]). وذكره أيضًا في علماء الأمة الذين يعرف كل أحد ذكاءهم وزكاءهم([22]). وسيأتي وصفه له بأنه من (أئمة الإسلام الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، ولهم في الأمة لسان صدق)([23]).

وأما اعتداد ابن تيمية بخلاف أبي حنيفة ونقله لأقواله فأكثر من أن يحصر، وكذلك موافقته له في مسائل كثيرة.

وقد بيّن شيخ الإسلام أن طعن أكثر أهل الحديث في أبي حنيفة لم يوجب عدم الاعتداد بقوله، كما أن طعن غيرهم في غيره من الأئمة لم يوجب ذلك، فقال في ردّه على السبكي في مسألة الطلاق: (وقد طعن كثيرٌ من الناس في كثير من الأئمة، ولم يوجب ذلك منع الاعتداد بقوله.

فكثيرٌ من الحنفية والمالكية طعنوا في الشافعي رضي الله عنه في نَسَبِهِ وعلمه وعدالته، وقالوا: لا يعتد به في الإجماع، وذكروا لذلك شبهًا، ومنهم مَنْ هو عظيمٌ عند المسلمين مثل القاضي إسماعيل بن إسحاق كان يقول: لا يُعتد بخلاف الشافعي.

وأكثر أهل الحديث طعنوا في أبي حنيفة رضي الله عنه وأصحابه طعنًا مشهورًا امتلأت به الكتب، وبلغ الأمر بهم إلى أنهم لم يرووا عنهم في كتب الحديث شيئًا، فلا ذِكْرَ لهم في الصحيحين والسنن.

وطعنَ كثيرٌ من أهل العراق في مالك رضي الله عنه وقالوا: كان ينبغي له أَنْ يسكت فلا يتكلم.

وكثيرٌ من أصحاب داود رحمه الله تعالى يُرَجِّحُ مَذْهَبَهُ على مذهب أبي حنيفة ومالك رضي الله عنهما وغيرهما، وقد ناظرني على ذلك طائفة منهم)([24]).

اعتراض وجوابه:

بتر بعض الشانئين لأبي حنيفة كلام الشيخ في هذا الموضع، وحرّفوه عن مقصده الذي بيّناه آنفًا، وهو بيان أن طعن الطاعنين في إمام من الأئمة لا يستلزم عدم الاعتداد بأقواله، ثم أخذوا منه أن الشيخ يقرّ بأن أكثر أهل الحديث يطعنون في أبي حنيفة، وألزموا من يجلُّ الشيخ بناءً على ذلك بالطعن في أبي حنيفة!

والجواب عن ذلك: أن الأكثرية لا يلزم منها أن يكون ذلك القول هو المعتمد المستقرّ لأهل الحديث، إذ لا يلزم من كون القولِ قولَ الأكثر في طائفة أن يكون معتمَدَهُم، ولو كان كذلك لما خالفهم شيخ الإسلام فإنه من أهل الحديث، بل من أئمة أهل الحديث، فحقيقة هذا الإيراد هو الطعن في أبي حنيفة وابن تيمية معًا.

ثانيًا: موقف ابن تيمية من بعض ما نُسِب إلى أبي حنيفة:

1- التجهم:

قال رحمه الله: (وأما من لا يطلق على الله اسم الجسم، كأئمة أهل الحديث والتفسير والتصوف والفقه، ‌مثل ‌الأئمة ‌الأربعة وأتباعهم، وشيوخ المسلمين المشهورين في الأمة، ومن قبلهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فهؤلاء ليس فيهم من يقول: إن الله جسم، وإن كان أيضًا ليس من السلف والأئمة من قال: إن الله ليس بجسم. ولكن من نسب التجسيم إلى بعضهم فهو بحسب ما اعتقده من معنى الجسم ورآه لازما لغيره)([25]).

وقد بين شيخ الإسلام أن أصول أبي حنيفة لا تُثبِتُ التجهم، وإنما كان التجهم في بعض أتباعه، يقول: (وأما بعض التجهم فاختُلِف النقل عنه، ولذلك اختلف أصحابه المنتسبون إليه ما بين سنية وجهمية، ذكور وإناث، مشبهة ومجسمة؛ لأن أصوله لا تنفي البدع، وإن لم تثبتها)([26]).

ويذكر الشيخ تلبُّسَ كثيرٍ من أتباع الأئمة الأربعة بمقالات أصولية مبتدعة، ثم خلط تلك المقالات بمذاهب الأئمة الثابتة عنهم: (وكذلك الحنفي يخلط بمذاهب أبي حنيفة شيئًا من أصول ‌المعتزلة والكرامية والكلابية، ويضيفه إلى مذهب أبي حنيفة)([27]).

ويقول: (وقد وافقهم -يعني من اتبع عمرو بن عبيد من معتزلة البصرة- على ذلك كثير ممن انتسب في الفقه إلى أبي حنيفة من المعتزلة، وغيرهم من أئمة المسلمين ليس فيهم من يقول بقول المعتزلة، لا في نفي الصفات، ولا في القدر، ولا المنزلة بين المنزلتين، ولا إنفاذ الوعيد)([28]).

وفي فتاوى الشيخ: (مسألة: فيمن أورد مسألة من “الفقه الأكبر” لأبي حنيفة رحمه الله أن قوله تعالى: {الرَّحمَنُ عَلَى العَرشِ استَوَى} [طه: 5] ينفي أن الله فوق السموات فوق العرش، وأن الاستواء على العرش دل على أنه نفسه فوق العرش. فأنكروا عليه وقالوا: هذا كفر. وأيضا: لا يجوز أن يقال عن الله: “نفسه” فيكون تشبيها، فهل هو كفر أم لا؟).

قال شيخ الإسلام في الجواب: (الحمد لله. من كَفَّر أبا حنيفة ونحوه من أئمة الإسلام الذين قالوا: إن الله فوق العرش، فهو أحق بالتكفير؛ فإن أئمة الإسلام الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، ولهم في الأمة لسان صدق من الصحابة والتابعين وتابعيهم، كالخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وابن مسعود وابن عباس ونحوهم، ومثل سعيد بن المسيب والحسن البصري وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح، ومثل مالك والثوري والليث بن سعد والأوزاعي وأبي حنيفة، ومثل الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد، وأمثال هؤلاء، من كفَّرهم فقد خالف إجماع الأمة وفارق دينها، فإن المؤمنين كلهم يعظّمون هؤلاء ويحسنون القول فيهم، وتكفيرهم هو من جنس قول الرافضة الذين يكفرون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرًا قليلًا، ومن جنس الخوارج الذين يكفرون عثمان وعلي بن أبي طالب ومن والاهما من المسلمين، فيقتلون أهل الإسلام ويدعون عبدة الأوثان)([29]).

2- الإرجاء:

شيخ الإسلام لا ينفي ثبوت الإرجاء عن الإمام أبي حنيفة، وهو إرجاء الفقهاء القائلين بأن الإيمان قول، ويخرجون العمل من مسمى الإيمان، حيث يقول شيخ الإسلام: (نصوص أحمد في تفاصيل السنة ونفي البدع أكثر من غيره بكثير، فالمبتدعة المنتسبون إلى غيره إذا كانوا جهمية أو قدرية أو شيعة أو مرجئة لم يكن ذلك مذهبًا للإمام إلا في الإرجاء؛ فإنه قول ‌أبي ‌فلان)([30]). وهو يعني بأبي فلان: أبا حنيفة.

ومع ذلك فإن الشيخ يبين أن الإرجاء الذي نسب إلى أبي حنيفة من أخف البدع، حيث يقول: (وحدثت المرجئة وكان أكثرهم من أهل الكوفة، ولم يكن أصحاب عبد الله من المرجئة، ولا إبراهيم النخعي وأمثاله، فصاروا نقيض الخوارج والمعتزلة، فقالوا: إن الأعمال ليست من الإيمان.

وكانت هذه البدعة ‌أخفَّ ‌البدع، فإن كثيرًا من النزاع فيها نزاع في الاسم واللفظ دون الحكم؛ إذ كان الفقهاء الذين يضاف إليهم هذا القول -مثل حماد بن أبي سليمان وأبي حنيفة وغيرهما- هم مع سائر أهل السنة متفقين على أن الله يعذب من يعذبه من أهل الكبائر بالنار، ثم يخرجهم بالشفاعة كما جاءت الأحاديث الصحيحة بذلك، وعلى أنه لا بد في الإيمان أن يتكلم بلسانه، وعلى أن الأعمال المفروضة واجبة وتاركها مستحق للذم والعقاب؛ فكان في الأعمال هل هي من الإيمان؟ وفي الاستثناء ونحو ذلك؛ عامته نزاع لفظي..)([31]).

ويقول: (ولهذا دخل في إرجاء الفقهاء جماعة هم عند الأمة أهل علم ودين، ولهذا لم يُكَفِّر أحدٌ من السلف أحدًا من مرجئة الفقهاء، بل جعلوا هذا من بدع الأقوال والأفعال؛ لا من بدع العقائد، فإن كثيرًا من النزاع فيها لفظي، لكن اللفظ المطابق للكتاب والسنة هو الصواب، فليس لأحد أن يقول بخلاف قول الله ورسوله، لا سيما وقد صار ذلك ذريعة إلى بدع أهل الكلام من أهل الإرجاء وغيرهم، وإلى ظهور الفسق، فصار ذلك الخطأُ اليسير في اللفظ سببًا لخطأ عظيم في العقائد والأعمال، فلهذا عظم القول في ذم الإرجاء)([32]). ثم سرد عددًا من أقوال السلف في ذم الإرجاء والمرجئة.

ويؤيد ما ذكره الشيخ من أن قول مرجئة الفقهاء صار ذريعة إلى بدع أهل الكلام من أهل الإرجاء وغيرهم: استناد القشيري إلى قول أبي حنيفة في دفاعه عن قول الأشعرية في الإيمان في رسالته «شكاية أهل السنة لما نالهم من المحنة»([33]) فقال: (وعند أبي الحسن الأشعري رحمه الله: الإيمان هو التصديق، وهذا مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه).

والحق أن القول بأن الإيمان هو التصديق هو قول الجهمية لا قول مرجئة الفقهاء، وقد بين الإمام أحمد الفرق بين قول الجهمية الذي نصره الأشعري وبين قول مرجئة الفقهاء، كما جاء عن حمدان بن علي الوراق قال: سألت أحمد -وذكر عنده المرجئة- فقلتُ لَهُ: إنهم يقولُون: إذا عرَفَ الرجُل رَبَّه بقلبِه فهو مؤمن، فقال: (المرجئة لا تقول هذا، بل الجهمية تقول بهذا.

المرجئة تقول: حتى يتكلم بلسانه، وتعمل جوارحه.

والجهمية تقول: إذا عرف ربه بقلبه وإن لم تعمل جوارحه، وهذا كفر إبليس، قد عرف ربه، فقال: {رَبِّ بمَا أَغوَيتَنِي} [الحجر: 39].

قلت: فالمرجئة لم كانوا يجتهدون وهذا قولهم؟ قال: البلاء)([34]).

وأما ما ذكره شيخ الإسلام من أن قول مرجئة صار ذريعة للفسق؛ فبيانه أن (حاصل قول غلاة المرجئة: أنه كما لا ينفع مع الكفر طاعة لا يضر مع الإيمان معصية، وهذا قول خبيث ينقض عرى الإسلام، وهو سُلَّمٌ لترك الصلاة ومنع الزكاة والحج وترك الصيام، وذريعة لمعاطاة الزنا واللواطة وسائر الآثام، ولا يرتاب ذو لب أن هذا مزاح بالدين ولعب، ومن نهج هذا المنهج فهو على شفا جرف هار، وهو لسيرة أهل الكفر والإلحاد أقرب منه لسيرة الأبرار)([35]).

3- تعمد مخالفة الحديث والسنة:

قال رحمه الله: (ومن ‌ظن ‌بأبي ‌حنيفة أو غيره من أئمة المسلمين أنهم يتعمدون مخالفة الحديث الصحيح لقياس أو غيره فقد أخطأ عليهم وتكلم إما بظن وإما بهوى. فهذا أبو حنيفة يعمل بحديث التوضي بالنبيذ في السفر مخالفة للقياس، وبحديث القهقهة في الصلاة مع مخالفته للقياس؛ لاعتقاده صحتهما وإن كان أئمة الحديث لم يصححوهما)([36]).

وقال: (ولهذا يروى عن أبي حنيفة أنه قال: «لا تأخذوا بمقاييس زُفَر، فإنكم إن أخذتم بمقاييسه حرَّمتم الحلالَ وحلَّلتم الحرام»، فإن زُفَر كان كثيرَ الطَّرد لما يظنُّه من القياس مع قلَّة علمه بالنصوص، وكان أبو يوسف نظرُه بالعكس، كان أعلمَ بالحديث منه.

ولهذا توجدُ المسائلُ التي خالفَ فيها زُفَرُ أصحابَه عامَّتُها قياسيَّة، ولا يكونُ إلا قياسًا ضعيفًا عند التأمُّل، وتوجدُ المسائلُ التي يخالفُ فيها أبو يوسف أبا حنيفة واتَّبعه محمدٌ عليها عامَّتُها اتبع فيها النصوصَ والأقيسةَ الصحيحة؛ لأن أبا يوسف رَحَل بعد موت أبي حنيفة إلى الحجاز، واستفاد من عِلْم السُّنن التي كانت عندهم ما لم تكن مشهورةً بالكوفة، وكان يقول: «لو رأى صاحبي ما رأيتُ لرجعَ كما رجعتُ»؛ لعلمه بأن صاحبَه ما كان يقصدُ إلا اتباعَ الشريعة، لكن قد يكونُ عند غيره من عِلْم السُّنن ما لم يَبْلُغْه)([37]).

4- إباحة لحم الخنزير:

هذه المسألة نقلها ابن حبان في ترجمته لأبي حنيفة في «كتاب المجروحين»، فأخرج بسنده إلى سويد بن عبد العزيز قال: جاء رجل إلى أبي حنيفة فقال: ما تقول في من أكل لحم خنزير؟ فقال: لا شيء عليه([38]).

يقول ابن تيمية رحمه الله مكذبًا نسبة هذه الفرية وأمثالها لأبي حنيفة: (كما أن أبا حنيفة -وإن كان الناس خالفوه في أشياء وأنكروها عليه- فلا يستريبُ أحدٌ في فقهه وفهمه وعلمِه، وقد نقلوا عنه أشياء يقصدون بها الشناعة عليه، وهي كذبٌ عليهِ قطعًا، مثل مسألة الخنزير البري ونحوها)([39]).

  • الحافظ شمس الدين ابن عبد الهادي (ت: 744هـ):

قال رحمه الله في ترجمة أبي حنيفة: (وكان إمامًا، ورعًا، عالمًا، عاملًا، مُتعبدًا، كبير الشأن، لا يقبل جوائز السلطان، بل يَتَّجِرُ وَيَتكَسَّبُ.

قال ضِرارُ بنُ صُرَد: سئل يزيد بن هارون: أيّما أفقه الثوري أو أبو حنيفة؟ فقال: أبو حنيفة أفقه، وسفيان أحفظُ للحديث.

وقال ابنُ المبارك: أبو حنيفة أفقه.

وقال الشافعي: الناسُ في الفقه عِيال على أبي حنيفة.

وقال يزيد: ما رأيتُ أحدًا أورع ولا أعقلَ من أبي حنيفة.

وقال أبو داود: رحم الله أبا حنيفة، كان إمامًا.

وروى بشرُ بنُ الوليد عن أبي يوسف قال: كنتُ أمشي مع أبي حنيفة، فقال رجلٌ لآخر: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل، فقال: واللَّهِ، لا يُتَحَدَّثُ عني بما لم أفعل، فكان يُحْيي الليلَ صلاةً، ودعاءً، وتضرعًا.

ومناقبُهُ وفضائلُهُ كثيرة.

وكان موتُه في رجب سنةَ خمسينَ ومئة. رحمه اللَّه تعالى)([40]).

ولابن عبد الهادي كتاب مفرد في مناقب الأئمة الأربعة، وهو كتاب تربوي، صنفه الإمام ابن عبد الهادي تحفيزًا لطلبة العلم على علو الهمة والجدّ في الطلب اقتداء بهؤلاء الأئمة، قال في مقدمته: (ولله تعالى الخيره من خلقه، فهو يخلق ما يشاء ويختار، فاختار آدم وذريته على العالمين، ثم اختار من بينهم سيد ولد آدم أجمعين، ثم اختار له أصحابًا فضّلهم على سائر المؤمنين، ثم اختارهم ورثةً وخلفاء جعلهم خير التابعين، ورفع منهم أقوامًا على من سواهم من العالمين.

فمنهم الأئمة الأربعة، أئمة الإسلام، وسُرُج الأنام، الذين شهرت فتاواهم وأقوالهم في الآفاق، ووقع على إمامتهم من الناس الاتفاق، وطبق ذكرهم البلاد والأمصار، وسار علمهم مسير الشمس في الأقطار، وما ذلك إلا لسرائر علمها منهم عالم خفيات الأسرار، ولله في خلقه خواص خصهم بها، وقدرها لهم، وكل شيء عنده بمقدار، فلذلك وقع الاختيار على ذكر طرف من مناقبتهم وسيرتهم، إذ بالاطلاع على ذلك تعلو من العبد الهمة، ويترشح بمتابعتهم والاقتداء بهم لحصول النعمة، وعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة)([41]).

ثم قال: (فأول هؤلاء الأئمة المذكورين، وأقربهم زمنًا إلى سيد المرسلين: الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمي الكوفي، أحد الأئمة الأعلام، وفقيه أهل العراق، أدرك جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ورأى أنس بن مالك..)([42]).

ثم ذكر طرفًا من مناقبه وفضائله، وشهادة الأكابر له بالعلم والعدالة، فذكر من ذلك قول الشافعي، وابن المبارك، وسفيان الثوري، وشداد بن حكيم، ومسعر بن كدام، وأبي يوسف، وأبي بكر بن عياش، وأبي يحيى الحمّاني، وابن عيينة، وشريك بن عبد الله، ووكيع، وقيس بن الربيع، ومالك بن مغول، وعلي بن صالح بن حي، وسعيد بن أبي عروبة، ويحيى بن آدم، وعلي بن عاصم، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وابن جريج، وغيرهم([43]).

وقد أتقن الحافظ ابن عبد الهادي -كعادته في الإتقان- ترجمةَ أبي حنيفة على اختصارها ووجازتها، وامتازت ترجمته بالأصالة، حيث لم يعتمد فيها على غيره ممن صنفوا في مناقب الأئمة، وإنما على ما حرره وجمعه بنفسه.

تنبيه:

ذكر ابن المبرد أن الحافظ ابن عبد الهادي تعصَّب عليه بعض الحنفية حتى قتلوه بالسُّمِّ، لكونهم وجدوه يكتب كلام الإمام ابن أبي شيبة الوارد في مصنفه في الرد على أبي حنيفة، كما تعصّبوا من قبل على الحافظ عبد الغني، وهذا نمط من الغلوّ والتعصب والجهل قلّ نظيره في التاريخ الإسلامي.

قال ابن المبرد في كتابه (تنوير الصحيفة) بعد أن سرّد الأحاديث التي أوردها الإمام ابن أبي شيبة في كتاب (الرد على أبي حنيفة) من مصنّفه: (وقد سمعت من والدي أن بسبب هذا قُتِل الحافظ شمس الدين ابن عبد الهادي، فإنه دخل عليه جماعة من الحنفية وهو يكتب في ذلك، فظنوه يصنفه، وأنه هو وضع ذلك، فعملوا له فتنة، ثم وقع الصلح بينهم، ثم سمّوه في طعامٍ أكله، فمات منه، وسمعته يقول: إنه لما أكله لم يصل إلى البيت حتى وقع ومات)([44]).

وقال في (جمع الجيوش والدساكر) في ذكره المجانبين للأشعرية: (ومنهم الشيخ الإمام الكبير الحافظ الفقيه النحوي المحرر المتقن أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي، كان مجانبًا لهم مصارمًا كشيخه، وامتحن وقُتِلَ في ذلك)([45]).

ولا تنافي بين الكلامين؛ إذ يمكن الجمع بينهما بكون قتلة الحافظ عبد الهادي رحمه الله هم من الماتريدية الذين سلكوا مسلك النفي والتجهم في الصفات، وتعصبوا في الفروع لأبي حنيفة، فجمعوا بين شناعة التعصّب المذهبي والابتداع الاعتقادي.

وقد قتل الحافظ ابن عبد الهادي شابًّا، ومع ذلك خلف علمًا نافعًا وذكرًا حسنًا، ولذلك قال فيه الصفدي: (لو عاش لكان آية)([46]).

  • الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية (ت: 751هـ):

‌‌أثنى ابن القيم على أبي حنيفة ثناءً عاطرًا، وسمّاه بشيخ العَالَم، ونقل أقواله في إثبات صفة العلو لله تعالى.

فقال عند ذكره أقوال الأئمة في إثبات صفة العلو لله تعالى: (ذكر أقوال الأئمة الأربعة رضي الله عنهم: قول الإمام أبي حنيفة قدس الله روحه).

ثم سَرَدَ عددًا من نصوص الإمام أبي حنيفة رحمه الله في إثبات صفة العلو لله تعالى، وتكفير الواقف في إثباتها([47]).

وقال في النونية في سرده أقوال المثبتين لصفة العلو لله تعالى:

وَكذَلكَ ‌النُعْمَانُ ‌قَالَ وَبَعْدَهُ … يَعْقُوبُ والألْفاظُ لِلنُّعْمَانِ

مَنْ لَم يُقِرَّ بعَرْشِهِ سُبحَانَهُ … فَوْقَ السَّمَاءِ وفوْقَ كلِّ مَكَانِ

ويُقِرَّ أنَّ الله فَوْقَ العَرْشِ لَا … يَخْفَى عَلَيهِ هَواجِسُ الأذْهَانِ

فَهُوَ الَّذي لَا شَكَّ فِي تَكْفِيرِهِ … لِلَّهِ دَرُّكَ مِنْ إمَامِ زَمَانِ

هَذَا الَّذِي فِي الفِقْهِ الاكبَرِ عنْدَهُم … وَلَهُ شُرُوحٌ عِدَّة لِبَيَانِ([48])

وقال في النونية في مبحث التفريق بين الفعل والمفعول عند ذكره قول الماتريدية:

والقَائِلُونَ بأنَّهُ غَيْرٌ لَهُ … مُتَنَازِعُونَ وَهُمْ فَطَائِفَتَانِ

إحْداهُمَا قَالَتْ: قَديمٌ قَائِمٌ … بالذَّاتِ وَهْوَ كَقُدرةِ المنَّانِ

سَمَّوْهُ تَكْوِينًا قَديمًا قَالَهُ … أتْبَاعُ ‌شَيْخِ ‌العَالَمِ ‌النُّعْمَانِ

وَخُصُومُهُمْ لَمْ يُنْصِفُوا فِي رَدِّهِ … بَلْ كَابَرُوهُمْ مَا أَتَوْا بِبَيَانِ([49])

وأما اعتدادُ ابنِ القيّم بخلاف أبي حنيفة وأصحابه في الفروع، ونقله أقواله، وبحثه فيها تأييدًا أو معارضةً، فكتبه كـ(أعلام الموقعين عن رب العالمين) و(زاد المعاد في هدي خير العباد صلى الله عليه وسلم) طافحة بذلك، وأمثلته كثيرة جدًّا، لا نطول بنقلها.

  • الإمام شمس الدين ابن مفلح (ت: 763هـ):

اعتنى ابن مفلح بذكر أقوال أبي حنيفة في الفروع في (نكته على المحرر)، وفي (كتاب الفروع)، وفي (الآداب الشرعية).

ونقل ابن مفلح عن ابن عبد البر قوله: (كان المتمني بالكوفة إذا تمنى يقول: أتمنى أن يكون لي فقه أبي ‌حنيفة، وحفظ سفيان، وورع مسعر بن كدام، وجواب شريك)([50]).

ونقل عن نوح الجامع قوله: قلت: لأبي ‌حنيفة فيما أحدث الناس في الكلام من الأعراض والأجسام، فقال: (مقالات الفلاسفة، عليك بطريق السلف، وإياك وكل محدثة)([51]).

ونقل عن محمد بن الحسن: (كان أبو ‌حنيفة يحثنا على الفقه، ونهانا عن الكلام، وكان يقول: لعن الله عمرو بن عبيد؛ لقد فتح للناس الطريق إلى الكلام فيما لا يعنيهم)([52]).

وهذان الأثران يتداولهما الحنابلة، حيث ذكر الأول ابن قدامة المقدسي كما تقدّم، واستدل بالأثرين أيضًا ابن المبرد في ذم الكلام([53])، واستدل بهما الشيخ مرعي الكرمي في دفاعه عن أبي حنيفة([54]).

  • العلامة جمال الدين أبو المحاسن ابن المبرد (ت: 909هـ):

للإمام ابن عبد الهادي -الصغير الشهير بابن المبرد- عناية خاصّة بالدفاع عن الإمام أبي حنيفة، وقد صنف في ذلك كتابًا بعنوان: (تنوير الصحيفة بمناقب أبي حنيفة) كان في عداد المفقود([55])، حتى طبع مؤخرًا منتقى منه لأحد علماء القرن الحادي عشر، وهو إبراهيم بن سليمان الجنيني الحنفي، وفي هذا المنتقى على وجازته بَلَّة للصادي.

وجاءت الأبواب التي انتقاها الجنيني تحت العناوين الآتية:

الباب التاسع: في النهي عن ذمّه وشينه، والرد على من ذمّه أو شانه.

الباب العاشر: فيما ردّ عليه فيه من رأيه وقياسه.

الباب الحادي عشر: في ذكر كيفية استخراجه المسائل ووضعه العلم والكتب.

الباب [..] والعشرون: في سبقه وتقدّمه وما قيل من تفضيله بذلك، وأنه من التابعين، وفضله بذلك، وما دلّ على فضله.

الباب الحادي والثلاثون: في تعظيم العلماء والناس له، وإرسالهم إليه بالسلام.

الباب الثاني والثلاثون: في شهادة الأكابر له بالعلم والعدالة.

الباب الخامس والأربعون: في ذم من انتقصه أو عابه أو عاب مذهبه.

الباب السابع والأربعون: فيما اختص به مذهبه من المسائل والأحكام مما تدعو حاجة الناس إليه.

الباب التاسع والأربعون: في تقدّم مذهبه، وتقدّم القضاة منه دون غيره.

وفكرة الكتاب وأبوابه طريفة مستحسنة جدًّا، وقد استقى شيئًا من مادته من كتاب الحافظ ابن عبد البر (الانتقاء في تراجم الثلاثة الأئمة الفقهاء) كما في البابين الحادي والثلاثين والثاني والثلاثين، ومما رواه بأسانيده من طريق الخطيب البغدادي كما في الباب الحادي عشر. وخرج أيضًا في رسالة أخرى جملةً من أحاديث أبي حنيفة وهي (المختارة من أحاديث مسانيد أبي حنيفة).

وسنورد هنا أهم ما يتصل بدفاعه عن الإمام أبي حنيفة في هذه الرسالة مما يفي بمقصود المقال، مع كلام آخر له من بعض كتبه الأخرى:

أولًا: توجيهه لكلام الإمام أحمد، وتوضيحه لحقيقة موقفه من الإمام أبي حنيفة:

أورد ابن المبرد في في كتابه (بحر الدم في من تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم) كلام الإمام أحمد في أبي حنيفة فقال: (النعمان بن ثابت بن زوطى، الإمام أبو ‌حنيفة: قال أحمد في رواية إبراهيم بن هانئ: اترك رأي أبي ‌حنيفة وأصحابه([56]).

وقال محمد بن روح العكبري: سمعت أحمد يقول: لو أن رجلا ولي القضاء، ثم حكى برأي أبي ‌حنيفة، ثم سُئِلتُ عنه، لرأيتُ أن أرُدَّ أحكامَه.

وقال في رواية عمر بن معمر: إذا رأيت الرجل يجتنبُ أبا ‌حنيفَة، والنظر فيه، ولا يطمئن إليه، ولا إلى من يذهب مذهبه ممن يغلو ولا يتخذه إمامًا؛ فارج خيره.

وقال في رواية ابن إبراهيم، وقد سئل: يروى عن أبي ‌حنيفة؟ قال: لا، قيل: فأبو يوسف؟ قال: كان أمثلهم، ثم قال: كل من وضع الكتب فلا يعجبني، ويجرد الحديث)([57]).

وقال في كتابه (تنوير الصحيفة بمناقب أبي حنيفة): (ولا يغترَّنَّ مغترٌّ بقول الإمام أحمد: (وترك رأي أبي حنيفة) فإن الجواب عن هذا من عشرة أوجه:

الأول: أنه لم يذم أبا حنيفة، وإنما أمر بترك الرأي فقط؛ لأنه ليس بجارٍ على قواعده واجتهاده.

والثاني: أنه قد ورد عنه من الثناء على أبي حنيفة والترحم عليه ما يوجب تعظيمه، وإن لم يقل برأيه.

والثالث: أنه مجتهد، والمجتهد ليس له التقليد في الرأي.

والرابع: أنه لم يأمر بترك رأيه فقط، إنما أمر بترك كل رأي، ولهذا قال: (ونحوه).

والخامس: أن مذهبه العمل بخبر الآحاد خلافًا لأبي حنيفة، فقد يكون مراده بالرأي الذي ترك فيه العمل بالآحاد، وعمل بالرأي.

والسادس: المراد الرأي المخالف لمطلق الحديث.

والسابع: الرأي المخالف لأقوال الصحابة والتابعين.

والثامن: أن الكلام من الإمام أحمد ليس كالكلام من غيره، إذ هو قريب منه، وهو قبل استقرار المذاهب، والمجتهد -لا سيما المقارب للمجتهد- له أن يقوّي مذهبه، وتضعيفه قول غيره تقوية لمذهبه.

والتاسع: أن المجتهد لا يصح له قوله حتى يعتقد بطلان مذهب خصومه، وحيث اعتقد بطلانه جاز له الأمر بتركه.

والعاشر: أنه إنما قال بذلك لمن قلّده في اجتهاده، ولم يقله لكل أحد.

فلا يغترّن أحد بذلك، فإن الإمام أحمد كان يثني على أبي حنيفة ويترحم عليه، وقد قال صاحب (الجواهر المضية): كلام الأئمة بعضهم في بعض يجب أن لا يلتفت إليه، ولا يعرج عليه، في من صحت إمامته، وعظمت في العلم غايته)([58]).

ونقل عن الإمام أحمد نفيه لثبوت القول بخلق القرآن عن أبي حنيفة قال: (قال ابن بنت سعد: وقال أحمد بن حنبل: لم يصح عندنا أن أبا حنيفة يقول بخلق القرآن، وما نعلم أبو حنيفة ولا أبو يوسف ولا زفر ولا أحدٌ من أصحاب أبي حنيفة قال بخلق القرآن، وإنما بِشر وابن أبي دؤاد شانا أصحاب أبي حنيفة فقط)([59]).

ثانيًا: نقده بعض الروايات الواردة في ذم أبي حنيفة:

1- ما جاء عن حماد بن أبي سليمان من براءته من أبي حنيفة لقوله بخلق القرآن: عن سفيان الثوري، قال: قال حماد بن أبي سليمان: «أبلغ ‌أبا ‌حنيفة ‌المشرك أني منه بريء». قال سفيان: لأنه كان يقول: القرآن مخلوق([60]).

قال ابن المبرد بعد أن أخرج هذا الخبر بإسناده: (بعيدٌ قول هذا من حمّاد وهو شيخه، إلا أن يكون ذلك كان في حال اشتغاله بعلم الكلام، قبل أن يتركه، ويتوب منه، ويقبل على حمّاد، فإن ذلك لا يبعد، لأن حمادًا هو الذي استخرجه من علم الكلام، واستماله إلى الفقه.

وهؤلاء الأئمة الأربعة الذي أعتقده وأدين الله به أنه لا يجوز لأحد –لا سيما في زماننا– الكلام فيهم بوجهٍ من الوجوه)([61]). ثم نقل ما تقدّم عن الإمام أحمد من نفي نسبة القول بخلق القرآن لأبي حنيفة.

2- ما جاء عن عبد الله بن المبارك من ذمّ أبي حنيفة: ذكر ما أخرجه ابن عبد البر عن مُعَلَّى بن أَسَد قال: قلتُ لابن المبارك: كان الناسُ يقولون: إنَّك تذهبُ إلى قول أبي حنيفة! قال: (ليس كُلُّ ما يقُول الناس ‌يُصيبُون فيه، قد كنا نأتيه زمانًا ونحن لا نعرفه، فلما عرفناه تركناه)([62]).

قال ابن المبرد بعد أن ذكر هذه الرواية: (هذه الرواية عن ابن المبارك لا تكادُ تصحُّ؛ لأن ابن المبارك قد ذكرنا عنه من مدحه ما يردُّ ذلك)([63]).

3- ما جاء عن بشر بن المفضل من إنكاره للسنة وردّه لها: ذكر ما أخرجه ابن عبد البر عن بشر بن المفضّل قال: قلت لأبي حنيفة: نافع عن ابن عمر أن النبي عليه السلام قال: «البيعان بالخيار ما لم يفترقا، إلا بيع الخيار». قال: هذا رجز. فقلت: قتادة عن أنس أن يهوديًّا ‌رضَخ رأس جارية بين حجرين، فرضَخ النبي عليه السلام رأسَهُ بين حجرين، فقال: هذا هذيان)([64]).

قال ابن المبرد بعد أن ذكر هذه الرواية: (وهذا بعيد جدًّا أن يقوله أبو حنيفة، وما أظنُّ هذا صحيحًا)([65]).

ثالثًا: انتقاده صنيع بعض الحفاظ في ترجمتهم لأبي حنيفة:

ابن الجارود: قال معلقًا على قول ابن الجارود: (النعمان بن ثابت أبو حنيفة جل حديثه وهم ‌وقد ‌اختلف في إسلامه): (هذا افتراءٌ لا يليق بمثله، وقال قال ابن عبد البر: هذا ومثله لا يخفى عمن أحسن النظر والتأمل فيه)([66]).

الساجي: قال ابن عبد البر: (وذكر الساجي في كتاب العلل له في باب أبي حنيفة أنه ‌استتيب فى خلق القرآن فتاب، والساجي ممن كان ينافس([67]) أصحاب أبي حنيفة)([68]).

قال ابن المبرد: (فلا يقبل قوله فيه، وما قاله بعيد)([69]).

الخطيب البغدادي: قال: (ولا زال الخطيب يتعصّب على إمامنا، وعلى أبي حنيفة وأصحابهما، وأمره في ذلك مشهور، حتى إنه تكلم في أبي حنيفة بأمور لا يحل ذكرها)([70]).

وقال أيضًا: (فإن الخطيب البغدادي قد جرح الأئمة وتكلم فيهم، فإن له في الإمام أبي حنيفة الجرح البالغ، ووضع فيه العُجَر والبُجَر، وكذلك تكلّم في الإمام أحمد وغيرهما من الأئمة…)([71]).

وقال: (ولا يغترن أحد بكلام الخطيب؛ فإن الخطيب كانت عنده العصبية الزائدة على جماعة من العلماء، كأبي حنيفة والإمام أحمد وبعض أصحابه، وتحامل عليهم بكل وجه، ولمّ لهم الذم من كل سبيل، فلا يعتمد على ذلك.

وقد صنّف ابن الجوزي فيه كتابًا سمّاه (السهم المصيب في تعصيب الخطيب)، وصنف بعض الحنفية كتابًا فيه سماه: (السهم المصيب في كبد الخطيب) فلا يعتمد على قوله)([72]).

ابن الجوزي: قال: (وأما ابن الجوزي فإنه تابع الخطيب في ذلك، وقد عجِبَ منه سبْطُهُ في ذلك، والحذر كل الحذر من ذلك، فإن أبا حنيفة أحد أركان الإسلام)([73]).

ثم نقل عن سبط ابن الجوزي قوله: (وليس العجب من الخطيب، فإنه طعن في جماعة من العلماء، وإنما العجب من الجدّ كيف سلك أسلوبه في تاريخه المسمى: المنتظم، وجاء بما هو أطمُّ وأعظم)([74]).

ثم قال سبط ابن الجوزي بعد أن أورد كلام جده: (ولم أجب عمّا ذكروه -يعني الخطيب وجده ابن الجوزي-، وأقول كما قال الحارث بن وعلة:

قومي هم قتلُوا اليتيمَ أخي… فإذا رميتُ يُصيبني سهمِي

ولئن عفوتُ لأعفون تجلدًا… ولئن سطوتُ لأُوهِنَن عظمِي)([75]).

رابعًا: تشديده على الطاعن في أبي حنيفة وفُتيَاه باستحقاقه العقاب:

قال: (ومن وقع في هذا الإمام الذي هو أحد أركان الإسلام؛ فإن هؤلاء الأئمة الأربعة جعلهم الله عز وجل أركان الإسلام، ومن نظر بعين الحقيقة رأى هؤلاء أركان الإسلام وعموده، ومن أقامه الله عز وجل هذا المقام كان قيام دين الله به، وقد قال عليه السلام: «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل»، وقال: «العلماء ورثة الأنبياء».

وحيث جعل الله الدين في هذه الامة قائمًا بهؤلاء الأربعة كانوا هم أدلّاء الخلق، فلا يجوز لأحد أن يقع في أحد منهم، ولا يتعرّض له بذم ولا شين، والحذر كل الحذر من ذلك، فإنه الداء العضال والسم والقتال، يخشى على من وقع في ذلك المقت من الله، أو الغضب لأدلائه وأوتاده في الأرض وأوليائه، كما في الحديث الإلهي: «من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وإني لأغضب لأوليائي كما يغضب الليث الحرد»، فالحذر كل الحذر من ذلك، فإن لحوم العلماء والزهاد مسمومة، وأعراضهم قتّالة، وقطُّ ما تعرض أحد لذمّ العلماء أو الحط عليهم إلا وتخامل أمره، وانمحى ذكره، وفسد علمُه)([76]).

وفي (الباب الخامس والأربعين: في ذم من انتقصه أو عابه أو عاب مذهبه) بين إجماع الأمة على إمامة الأئمة الأربعة، واستحقاق من يقع فيهم العقوبة من ولاة الأمر لسوء صنيعه، حيث يقول: (وما وقع أحد فيه إلا دل على نقصان عقله، واعلم أنه لم يقع أحد قط في أحد من الأئمة الأربعة إلا من نفاق أو بدعةٍ في قلبه، وهذا أمر لا يجوز ارتكابه، ولا يحلُّ قربانه، وكيف يحل لأحد أن يتكلم في أركان دين الله الذين اختارهم الله عز وجل لتمسك خير الأمم بأقوالهم وأفعالهم والاقتداء بهم.

ومن تأمل ذلك وحقَّقه وفتح الله له فيه عين البصيرة، علم أن الله عز وجل اختار من هذه الأمة هؤلاء الأربعة؛ لاقتداء سائر الأمة إلى يوم القيامة بهم، وجعلهم عمدة دينه والمقتدى بهم، فكما أن هذه الأمة خير الأمم اختارها الله من بين سائر الأمم، وجعل نبيّها أفضل الأنبياء، وقال تعالى: {كُنتُمْ خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، كما أنها خير الأمم، ونبيها أفضل الأنبياء اختاره الله من خلقه، واختارها الله من خلقه، وسددها الله ووفقها فلا تجتمع على الضلال، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تجتمع أمتي على ضلالة»، وقد اختار لها أئمة يقتدى بهم.

وقد أجمعت الأمة على هؤلاء الأئمة الأربعة توفيقًا من الله عز وجل، وإرشادًا لعلمه بهم، وقد ورد: «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل»، وصح عنه أنه قال: «العلماء ورثة الأنبياء»، فكيف يحل لأحد أن يتكلم في أحد من أركان الدين، وأحد الأئمة المقتدى بهم، ومن بني دين الإسلام على قوله، ومن هو من ورثة الأنبياء، ومن هو في مقام نبي؟!

وإذا نظر الشخص في الأديان رأى اليهود تعظّم جميع أحبارهم، ولو تكلم واحد منهم في أحد من متقدمي أحبارهم ناله منهم ما لا خير فيه، والنصارى تعظم الرهبان والقساوسة، ولو تكلم أحد في أحد منهم ناله من سائرهم ما لا خير فيه، فكيف يستحل مسلم أن يتكلم في أحد من أئمة الإسلام وأحد أركانه، ويستحل ما لا تستحله اليهود والنصارى؟!

والذي أعتقده وأدين الله به تحريم ذلك، وتحريم الكلام في العلماء، وفي أركان الدين، فمن تكلّم في أحد من الأئمة فقد وقع في إثم عظيم، وارتكب ذنبًا كبيرًا، وتجده في الغالب لا يفلح، ولا ينتج له أمر.

ومن فعل ذلك وجب على كل أحدٍ من الحكّام وولاة الأمور أن يضربه ويعاقبه، ويردعه عن ذلك بكل نوعٍ من العقاب والنكال، بل ويتعيّن على كل أحد من المسلمين الإنكار عليه، والقيام عليه)([77]).

  • العلامة مرعي الكرمي (ت: 1033هـ):

لا تخفى مكانة الشيخ مرعي في المذهب الحنبلي، واعتماد كتبه مثل (دليل الطالب) و(غاية المنتهى) لدى المتأخرين.

أولًا: ثناء الشيخ مرعي على أبي حنيفة الثناء العاطر:

للشيخ مرعي رسالة بعنوان: «تنوير بصائر المقلدين في مناقب الأئمة المجتهدين»، صنفها في مناقب الأئمة الأربعة، وعقد الباب الأول في ذكر مناقب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وجاء ذلك في فصول: فصل فيمن روى عنه أبو حنيفة، فصل فيمن روى عن أبي حنيفة، فصل في ثناء الأئمة عليه، فصل في عبادته وكثرة صلاته، فصل في خوفه ومراقبته لله تعالى، فصل في ورعه، فصل في عقله وفراسته، فصل في كرمه وسخائه، فصل في مكارم أخلاقه، فصل في كلام الناس في أبي حنيفة، فصل في تبرّي أبي حنيفة من القياس والرأي، فصل في كون أبي حنيفة من كبار المحدّثين، فصل في اشتغاله في الفقه وتدوينه له، فصل في محنته، فصل في وفاته، وبه ختم ترجمة أبي حنيفة.

وقد لخَّصَ كثيرًا من فصول هذه الرسالة من كتاب «عقود الجمان في مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان» للإمام محمد بن يوسف الصالحي([78]).

قال الشيخ مرعي في مطلع ترجمته: (وهو الإمام العلم، الحجة البارع الورع، الذي أجمع السلف والخلف على كثرة علمه وورعه وعبادته، ودقة مداركه واستنباطات أدلته، وكثرة احتياطه في الدين وخوفه من الله تعالى: الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زَوْطى بن ماه)([79]).

وفي الفصل الذي عقده لثناء الأئمة عليه أورد ثناء الإمام أحمد، ونفيه نسبة القول بخلق القرآن لأبي حنيفة، حيث قال في رواية المروذي: (لم يصح عندنا أن أبا حنيفة رحمه الله قال: القرآن مخلوق، فقلت -المروذي-: الحمد لله يا أبا عبد الله، هو من العلم بمنزلة! فقال: سبحان الله! هو من ‌العلم ‌والورع والزهد وإيثار الدار الآخرة بمحلٍّ لا يُدركُه فيه أحمد، ولقد ضُرب بالسياط على أن يلي القضاء لأبي جعفر فلم يفعل)([80]).

وقال في موضع آخر: (وروى ابن كاس عن إسماعيل بن سالم البغدادي قال: ضرب أبو حنيفة على الدخول في القضاء فلم يقبل، وكان أحمد بن حنبل بعد أن ضرب يتذكر حال أبي حنيفة ويترحم عليه)([81]).

ثانيًا: موقف الشيخ مرعي من بعض ما نُسِب إلى أبي حنيفة:

يقول الشيخ مرعي: (قد أكثر الناس من الوقوع فيه، ونسبوه للرأي والقياس، ورموه بعظائم الأمور). ثم قال بعد أن أورد ثناء بعض العلماء عليه: (إذا علمت هذا فاعلم أن جميع ما تكلّموه في الإمام أبي حنيفة فهو محض تعصّب كما مرّ، أو يجاب عنه كما ستراه إن شاء الله تعالى)([82]).

وسأذكر كلام الشيخ مرعي في الدفاع عن أبي حنيفة في عددٍ من الأمور:

1- القول بالرأي والقياس: قال في الرد على من طعن على أبي حنيفة بسبب قوله بالرأي والقياس: (وأيضًا: فغاية كلامهم في أبي حنيفة نسبتهم إياه للرأي والقياس، ولا خصوصية له في ذلك، فقد نقل ابن عبد البر عن سلمة بن شبيب قال: سمعت الإمام أحمد بن حنبل يقول: رأي الأوزاعي، ورأي مالك، ورأي أبي حنيفة، ورأي سفيان كله رأي، وإنما الحجة في الآثار. انتهى([83]). فحيث تساووا في الرأي فهلا تكلموا في البقية كما تكلّموا في أبي حنيفة؟! فمال بال كثير من المتحاملين أفرطوا في أبي حنيفة، وصنّفوا في ذلك كتبًا؟! والإنصاف يقضي أن يُتكَلَّم في غيره ممن قال بالرأي كما تُكلم فيه)([84]).

وقال بعد أن ذكر عيب أبي حنيفة بالإغراق في الرأي والقياس، ونقل جواب ابن عبد البر عن ذلك باستعمال الصحابة للقياس: (إذا تأملت هذا -وفقك الله تعالى- تحقَّقت أن الإمام أبا حنيفة لم ينفرد بالقول بالقياس على الأصول، بل على ذلك فقهاء الأمصار كما مر، فسقط قول من عاب الإمام أبا حنيفة بذلك جمودًا منه وتعصُّبًا، على أن جميع المجتهدين قاسوا، ولم يزل مقلّدوهم يقيسون إلى وقتنا هذا في كلّ مسألة لا يجدون فيها نصًّا من كتاب ولا سنة من غير نكيرٍ بينهم، بل جعلوا القياس أحد الأدلة الأربعة، فقالوا: الكتاب والسنة والإجماع والقياس)([85]).

2- الطعن فيه لإقلاله من التحديث: قال: (وقد كان رضي الله عنه لا يروي حديثًا إلا عن خيار التابعين العدول الثقات، الذين هم خير القرون، بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كالأسود وعلقمة وعطاء وعكرمة ومجاهد ومكحول والحسن البصري وأضرابهم.

فكل الرواة الذين بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عدول ثقات أعلام، ليس فيهم كذّاب، ولا متّهم بكذب، فلذلك كان رضي الله عنه من أجلّ الأئمة، وأقدمهم تدوينًا للفقه، وأقربهم سندًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومشاهدًا لفعل أكابر أئمة التابعين.

وعدم ظهور حديثه في الخارج كغيره من الأئمة لا يدل على عدم اعتنائه بالحديث ومعرفته به كما زعمه من يحسده، وإنما قلت الرواية عنه -وإن كان متسع الحفظ- لأمرين:

أحدهما: اشتغاله عن الرواية باستنباط المسائل من الأدلة، كما كان أجلاء الصحابة كأبي بكر وعمر وغيرهما يشتغلون بالعمل عن الرواية، حتى قلّت روايتهم، مع كثرة اطلاعهم، وكثرة رواية من دونهم بالنسبة لهم.

وهذا الإمام مالك والإمام الشافعي لم يرويا إلا القليل بالنسبة إلى ما سمعاه، كل ذلك لاشتغالهما باستخراج المسائل من الأدلة.

الثاني: أنه إنما قلت الرواية عن أبي حنيفة لأنه كان لا يرى الرواية إلا لمن يحفظ.

ومع هذا كله فقد أخرج له الحُفَّاظ عدة أحاديث يعرفها من له خبرة بفنّ الحديث)([86]).

3- موقفه من بعض الروايات في الطعن فيه: تكلم الشيخ مرعي في روايتين في الطعن في الإمام أبي حنيفة، جاءتا عن الإمامين سفيان الثوري ومالك بن أنس، وبين أن كلامهما على تقدير ثبوته يمكن حمله على محامل حسنة، وبين أن موجب ذلك التأويل هو إجلال مقام أولئك الأئمة.

قال: (قال أبو مطيع: ومما كان وقع فيه سفيان أنه قال: قد حلّ أبو حنيفة على الإسلام عروة عروة.

فالغافل الناقص من حفظ النقائص، وغفل عن مثل هذا، فلم يشعر برجوع من رجع بعدما وقع، وإنما قلنا هذا لما عرفت([87])، ولما وَرَدَ من تعظيم الأئمة المجتهدين لأبي حنيفة، كمالكٍ والشافعي وأحمد وسفيان وغيرهم.

مع أن كلام الأئمة إذا تكلموا بما ظاهره الوقوع يمكن تأويله، أو حمله على غير المتبادر إجلالًا لمقامهم، فيحتمل قول سفيان من أن أبا حنيفة قد حل عرى الإسلام: أي مُشكِلَه، مسألة بعد مسألة، حتى لم يُبقِ في الإسلام شيئًا مشكلًا؛ لغزارة علمه، وقوّة فهمه.

ويحتمل الافتراء على الأئمة، فينقلون عنهم ما لم يقع منهم، مثل ما يحكى من وقيعة الإمام مالك في أبي حنيفة من طريق الوليد بن مسلم من قوله: قال لي مالك بن أنس رحمه الله: أيذكر أبو حنيفة في بلادكم؟ قلت: نعم. فقال ما ينبغي لبلادكم أن تسكن. فقال الحافظ المزي: إن الوليد هذا ضعيف. انتهى([88]).

وبتقدير ثبوت ذلك عن الإمام مالك فهو مؤول، أي: إن كان الإمام أبو حنيفة في بلادكم يذكر، أي: على وجه الانقياد له والاتباع لأقواله، فلا ينبغي لعالم أن يسكنها، لاكتفاء بلادكم بعلم أبي حنيفة، واستغناء الناس بسؤاله عن جميع أمور دينهم عن سؤال غيره، فإذا سكن أحد من العلماء في بلاده صار علمه معطلًا عن التعليم، فينبغي له الخروج إلى بلاد أخرى لينفع أهلها)([89]).

  • محقق المذهب الشيخ منصور البهوتي (ت: 1051هـ):

قال رحمه الله: (النعمان هو الإمام الأوحد أبو حنيفة ‌النعمان بن ثابت بن زوطى بن ماه. أجمع السلف والخلف على كثرة علمه وورعه وعبادته ودقة مداركه.

ولد بالكوفة سنة ثمانين من الهجرة في خلافة عبد الملك بن مروان، فعاش سبعين سنة، وتوفي ببغداد سنة مائة وخمسين.

روى عن: نافع مولى ابن عمر، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وعكرمة مولى ابن عباس وغيرهم.

وأخذ عنه: أبو يوسف، ومحمَّد، وعبد الرازق بن همام، وابن المبارك وغيرهم)([90]).

وقد استفاد الشيخ منصور في هذه الترجمة المختصرة من كتاب الشيخ مرعي آنف الذكر([91]).

  • العلامة شمس الدين السفاريني (ت: 1188هـ):

قال في منظومته في الاعتقاد:

وَرَحْمَة الله مَعَ الرضْوَان … وَالْبر والتكريم وَالْإِحْسَان

تهدى مَعَ التبجيل والإنعام … مني لمثوى عصمَة الْإِسْلَام

أَئِمَّة الدّين هداة الْأمة … أهل التقى من سَائِر الْأَئِمَّة

لَا سِيمَا أَحْمد والنعمان … وَمَالك مُحَمَّد الصنوان([92])

ثم قال في الشرح: (وأبو حنيفة ‌النعمان بن ثابت الكوفي إمام أهل العراق وفقيههم بالاتفاق، وإمام أصحاب الرأي، قال الحافظ جلال الدين السيوطي في “طبقات الحفاظ”: قيل: إنه من أبناء فارس، وهو من التابعين، فإنه رأى أنس بن مالك وأبا الطفيل رضي الله عنهما، وروى عن حماد بن أبي سليمان وعطاء وعاصم بن أبي النجود والزهري وقتادة وخلق، وعنه ابنه حماد ووكيع وعبد الرزاق، وأبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن، وهما الصاحبان إذا أُطلِقَا عند الحنفية.

قال الإمام يحيى بن معين: كان أبو حنيفة ثقة لا يحدث بما لا يحفظ، وقال الإمام عبد الله بن المبارك: ما رأيت في الفقه مثله، وقال مكي بن إبراهيم: كان أعلم أهل زمانه، وما رأيت في الكوفيين أورع منه، وقال الإمام الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة، وسئل يزيد بن هارون: أيهما أفقه: أبو حنيفة أو سفيان؟ فقال: سفيان أحفظ للحديث، وأبو حنيفة أفقه.

أُكرِهَ أبو حنيفة رضي الله عنه على القضاء فأبى أن يكون قاضيًا. وكان يحيي الليل صلاة ودعاء وتضرُّعًا.

وُلِدَ رضي الله عنه سنة ثمانين ومات سنة مائة وخمسين، وقيل: سنة إحدى، وقيل: ثلاث وخمسين، والأول أصح)([93]).

  • الشيخ حسن بن عمر الشطي الدمشقي (ت: 1274هـ):

قال في مختصر شرح السفارينية عند أبيات السفاريني ملخصًا كلامه المتقدّم: (“و” الإمام الأعظم والحبر المعظم أبي حنيفة “النعمان” بن ثابت الكوفي إمام أهل العراق، وفقيههم بالاتفاق، من أبناء فارس، وهو من التابعين، فإنه رأى أنس بن مالك وأبا الطفيل رضي الله تعالى عنهما، وروى عن حماد والزهري وقتادة وخلق، وعنه ابنه حماد أبو يوسف ومحمد بن الحسن ووكيع وعبد الرزاق، قال الإمام الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة، وكان يحيى الليل صلاة ودعاء وتضرُّعًا، ولد رضي الله عنه سنة ثمانين، ومات سنة مئة وخمسين)([94]).

  • علماء الدعوة النجدية:

أولًا: عرض إجمالي لموقف أئمة الدعوة من الإمام أبي حنيفة في سياقه التاريخي:

ورد سؤال للشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ حفظه الله ونصه: (ما رأيكم ما جاء في كتاب عبد الله ابن الإمام أحمد من اتهام لأبي حنيفة وبالقول عليه بخلق القرآن إلى آخره؟).

الجواب: (هذا سؤال جيد، هذا موجود في (كتاب السنة) لعبد الله ابن الإمام أحمد، وعبد الله ابن الإمام أحمد في وقته كانت الفتنة في خلق القرآن كبيرة، وكانوا يستدلون فيها بأشياء تنسب لأبي حنيفة -وهو منها براء- في خلق القرآن، وكانت تنسب إليه أشياء ينقلها المعتزلة من تأويل الصفات إلى آخره مما هو منها براء، وبعضها انتشر في الناس ونقل لبعض العلماء فحكموا بظاهر القول، وهذا قبل أن يكون لأبي حنيفة مدرسة ومذهب؛ لأنه كان العهد قريبا -عهد أبي حنيفة- وكانت الأقوال تنقل: قول سفيان، قول وكيع، قول سفيان الثوري، قول سفيان بن عيينة، قول فلان وفلان من أهل العلم في الإمام أبي حنيفة.

فكانت الحاجة في ذلك الوقت باجتهاد عبد الله ابن الإمام أحمد قائمة في أن ينقل أقوال العلماء فيما نقل.

ولكن بعد ذلك الزمان -كما ذكر الطحاوي- أجمع أهل العلم على أن لا ينقلوا ذلك، وعلى أن لا يذكروا الإمام أبا حنيفة إلا بالخير والجميل، وهذا فيما بعد زمن الخطيب البغدادي، يعني في عهد بعض أصحاب الإمام أحمد ربما تكلموا، وفي عهد الخطيب البغدادي نقل نقولات في تاريخه معروفة، وحصل ردود عليه بعد ذلك، حتى وصلنا إلى استقراء منهج السلف في القرن السادس والسابع هجري، وكتب في ذلك ابن تيمية الرسالة المشهورة: (رفع الملام عن الأئمة الأعلام)، وفي كتبه جميعا يذكر الإمام أبا حنيفة بالخير وبالجميل، ويترحم عليه، وينسبه إلى شيء واحد وهو القول بالإرجاء، إرجاء الفقهاء، دون سلسلة الأقوال التي نسبت إليه؛ لأنه يوجد كتاب أبي حنيفة (الفقه الأكبر)، وتوجد رسائل له تدل على أنه كان في الجملة يتابع السلف الصالح إلا في هذه المسألة، في مسألة دخول الأعمال في مسمى الإيمان([95]).

‌وهكذا ‌درج ‌العلماء ‌على ‌ذلك ‌كما ‌قال ‌الإمام ‌الطحاوي إلا -كما ذكرت لك- بعض من زاد، غلا في الجانبين:

إما غلا من أهل النظر في الوقيعة في أهل الحديث وسماهم حشوية وسماهم جهلة.

ومن غلا أيضًا من المنتسبين للحديث والأثر فوقع في أبي حنيفة رحمه الله، أو وقع في الحنفية كمدرسة فقهية، أو في العلماء.

والمنهج الوسط هو الذي ذكره الطحاوي وهو الذي عليه أئمة السلف.

لما جاء الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب أصل هذا المنهج في الناس، وأن لا يذكر أحد من أهل العلم إلا بالجميل، وأن ينظر في أقوالهم وما رجحه الدليل فيؤخذ به، وأن لا يتابع عالم فيما أخطأ فيه وفيما زل؛ بل نقول هذا كلام العالم وهذا اجتهاده، والقول الثاني هو الراجح.

ولهذا ظهر بكثرة في مدرسة الدعوة القول الراجح والمرجوح، وربي عليه أهل العلم في هذه المسائل تحقيقا لهذا الأصل.

حتى أتينا إلى أول عهد الملك عبد العزيز رحمه الله لما دخل مكة([96])، وأراد العلماء طباعة كتاب السنة لعبد الله ابن الإمام أحمد، وكان المشرف على ذلك والمراجع له الشيخ العلامة الجليل عبد الله بن حسن آل الشيخ رحمه الله رئيس القضاة إذ ذاك في مكة([97])، فنزع هذا الفصل بكامله من الطباعة، فلم يُطبَع؛ لأنه من جهة الحكمة الشرعية كان له وقته وانتهى، ثم هو اجتهاد، والسياسة الشرعية ورعاية مصالح الناس أن ينزع، وأن لا يبقى، وليس هذا فيه خيانة للأمانة؛ بل الأمانة أن لا نجعل الناس يصدون عن ما ذكره عبد الله ابن الإمام في كتابه من السنة والعقيدة الصحيحة لأجل نقولٍ نُقِلَت في ذلك.

وطبع الكتاب بدون هذا الفصل، وانتشر في الناس وفي العلماء على أن هذا كتاب السنة لعبد الله ابن الإمام أحمد.

حتى طُبِعَت مؤخرًا في رسالة علمية أو في بحث علمي وأدخل هذا الفصل -وهو موجود في المخطوطات معروف- أدخل هذا الفصل من جديد، يعني أرجع إليه، وقالوا: إن الأمانة تقتضي إثباته.. إلى آخره.

وهذا لا شك أنه ليس بصحيح، بل صنيع علماء الدعوة فيما سبق من السياسة الشرعية ومن معرفة مقاصد العلماء في تآليفهم واختلاف الزمان والمكان والحال وما استقرت عليه العقيدة وكلام أهل العلم في ذلك.

ولما طبع كنا في دعوة عند فضيلة الشيخ الجليل الشيخ صالح الفوزان في بيته، وكان داعيا لسماحة الشيخ عبد العزيز رحمه الله، فطرحت عليه أول ما طبع كتاب السنة الطبعة الأخيرة التي في مجلدين إدخال هذا الباب فيما ذكر في أبي حنيفة في الكتاب وأن الطبعة الأولى كانت خالية من هذا لصنيع المشايخ.

فقال رحمه الله في مجلس الشيخ صالح قال لي: الذي صنعه المشايخ هو المتعين، ومن السياسة الشرعية أن يحذف، وإيراده ليس مناسبا. وهذا هو الذي عليه منهج العلماء.

زاد الأمر حتى صار هناك تآليف تطعن في أبي حنيفة، وبعضهم يقول أبو جيفة ونحو ذلك، وهذا لا شك أنه ليس من منهجنا، وليس من طريقة علماء الدعوة، ولا علماء السلف؛ لأننا لا نذكر العلماء إلا بالجميل، إذا أخطؤوا فلا نتابعهم في أخطائهم، وخاصة الأئمة هؤلاء الأربعة؛ لأن لهم شأنا ومقاما لا ينكر)([98]).

وقد تقدّم قول العلامة ابن المبرد: (الكلام من الإمام أحمد ليس كالكلام من غيره، إذ هو قريب منه، وهو قبل استقرار المذاهب، والمجتهد -لا سيما المقارب للمجتهد- له أن يقوّي مذهبه، وتضعيفه قول غيره تقوية لمذهبه).

وقال أيضًا: (وهؤلاء الأئمة الأربعة الذي أعتقده وأدين الله به أنه لا يجوز لأحد –لا سيما في زماننا– الكلام فيهم بوجهٍ من الوجوه)([99]).

وابن المبرد عاش في القرن العاشر بعد استقرار المذاهب والأقوال، فحكمُ ما بعده من الأزمنة حكمُ زمانِه.

اعتراض وجوابه:

طعن بعض المعاصرين في نسبة «كتاب السنة» لعبد الله ابن الإمام أحمد؛ بدعوى جهالة راويه أبو النضر السمسار، مع أن الحافظ أبا ذَرٍّ الهروي وثّقه([100])، ثم إن الحنفية ينقلون عن «كتاب السنة»، وهذا يفيد أنهم لا ينكرون نسبته، كما تجده في مواضع من كتاب «الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية» لعبد الغني النابلسي.

ثانيًا: نصوص علماء الدعوة النجدية:

إن استقصاء كلام علماء الدعوة النجدية في الثناء على الأئمة الأربعة، والاعتداد بأبي حنيفة وفقهه وخلافه مما يطول ذكره، وإنما نكتفي بذكر شذرات من كلامهم، تتضمن ثناء إجماليًّا.

1- إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ت: 1206هـ):

قال: (فنحن مقلدون الكتاب والسنة، وصالح سلف الأمة، وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة؛ أبي حنيفة النعمان بن ثابت، ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس، وأحمد بن حنبل، رحمهم الله تعالى)([101]).

وقال: (عقيدتي، وديني الذي أدين الله به: مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين، مثل ‌الأئمة ‌الأربعة وأتباعهم)([102]).

وقال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في ذكره لمعتقد الشيخ محمد: (ويوالي الأئمة الأربعة ويرى فضلهم وإمامتهم، وأنهم من الفضل والفضائل في غاية ورتبة يقصر عنها المتطاول، ويوالي كافة أهل الإسلام وعلمائهم من أهل الحديث والفقه والتفسير، وأهل الزهد والعبادة، ويرى المنع من الانفراد عن أئمة الدين من السلف الماضين برأي مبتدع أو قول مخترع، فلا يحدث في الدين ما ليس له أصل يتبع، وما ليس من أقوال أهل العلم والأثر)([103]).

وقد بين الشيخ -كما بين غيره من علماء الحنابلة- ثبوت نسبة إرجاء الفقهاء للإمام أبي حنيفة، فقال: (وأما كون “لا إله إلا الله” تجمع الدين كله، وإخراج من قالها من النار إذا كان في قلبه أدنى مثقال ذرة، فلا إشكال في ذلك، وسر المسألة أن الإيمان يتجزأ، ولا يلزم إذا ذهب بعضه أن يذهب كله؛ بل هذا مذهب الخوارج. فالذي يقول: الأعمال كلها من “لا إله إلا الله”، فقوله الحق. والذي يقول: يخرج من النار من قالها وفي قلبه من الإيمان مثقال ذرة، فقوله الحق. السبب مما ذكرت لك من التجزي، وبسبب الغفلة عن التجزي غلط أبو ‌حنيفة وأصحابه في زعمهم أن الأعمال ليست من الإيمان)([104]).

2- الشيخ حمد بن ناصر بن معمر (ت: 1225هـ):

قال: (مذهبنا مذهب السلف: إثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل، وهو مذهب أئمة الإسلام؛ كمالك، والشافعي، والثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، والإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، وهو اعتقاد المشايخ المقتدى بهم… فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة نزاع في أصول الدين، وكذلك أبو حنيفة رضي الله عنه؛ فإن الاعتقاد الثابت عنه موافق لاعتقاد هؤلاء، وهو الذي نطق به الكتاب والسنة)([105]).

وقال أيضًا: (وما ظهر فضل الإمام أبي حنيفة، والإمام أحمد، ومن قبلهما من الأئمة، ومن بعدهما، إلا بتمسكهم بالحق ونصرته، وردهم الباطل)([106]).

3- الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (ت: 1244هـ):

قال في مبحث الأسماء والصفات: (الذي نعتقد وندين الله به هو مذهب سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، من الأئمة الأربعة وأصحابهم رضي الله عنهم)([107]).

وذكره في موضع من: (الأئمة المقتدى بهم من أهل الحديث والفقهاء)([108]).

4- الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (ت: 1293هـ):

قال: (والواجب على المكلفين في كل زمان ومكان: الأخذ بما صح وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لأحد أن يعدل عن ذلك إلى غيره؛ ومن عجز عن ذلك في شيء من أمر دينه، فعليه بما كان عليه السلف الصالح والصدر الأول، فإن لم يدر شيئًا من ذلك، وصح عنده عن أحد ‌الأئمة ‌الأربعة المقلدين الذين لهم لسان صدق في الأمة، فتقليدهم سائغ حينئذ)([109]). وتقدّم ما نقله عن الشيخ محمد مقرًّا له مستشهدًا به.

5- الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (ت: 1319هـ):

ذكر أبا حنيفة في (أهل العلم والإيمان، من سلف الأمة)([110]).

6- الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (ت: 1389هـ):

اعتداده بكلام الإمام أبي حنيفة وخلافه ووصفه بالإمامة كثير في فتاويه.

وقد أوعز الشيخ إلى رئيس القضاة الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ رحمه الله بمعاقبة من يتهجم على الأئمة الأربعة، حيث جاء في مجموع رسائله وفتاويه: (من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السماحة رئيس القضاة الشيخ عبد الله بن حسن -حفظه الله-. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: فقد وردنا من عمر فتحي كتاب يذكر فيه بعض ما يقوم به الوعاظ الهنود وغيرهم من التهجم على أئمة المذاهب الأربعة والحط من قيمتهم ومن أقوالهم وأتباعهم، وحيث إن هذا مما يتنافى مع ما يجب من احترام الأئمة وعلماء الملة، ومما يثير الفتنة والشقاق بين الناس، أحببنا إلفات نظركم إلى ما ذكره، وبعثنا لكم نفس كتابه لتطلعوا عليه، ولا يريب أنكم بالاطلاع على ذلك وتحقق ما ذكره صاحب الكتاب ستقومون بالواجب إن شاء الله. والله يحفظكم)([111]).

وقد بين الشيخ -كما بين غيره من علماء الحنابلة- ثبوت نسبة إرجاء الفقهاء للإمام أبي حنيفة، فقال: (الإمام أَبو ‌حنيفة رحمه الله وشيخه حماد بن أَبي سليمان هما من مرجئة الفقهاء الذين يقولون: لا تدخل أَعمال الجوارح في الإيمان، مع أَنهم يقولون بالتغليظ فيها، إنما هي مسأَلة الاسم فقط. والجمهور على خلاف هذا)([112]).

وبين أيضًا ثبوت كتاب (الفقه الأكبر) للإمام أبي حنيفة، الذي تضمّن إثبات صفة العلوّ لله تعالى، كما بين مخالفة من دخل عليه التجهم من الحنفية له في ذلك، فقال: (شهرته معروفة معلومة وثابت عن أبي ‌حنيفة بالأسانيد الثابتة، ويُوجدُ من هو دَعِيٌّ في الأحناف ليس منهم أشكل عيه نسبته إليه، وذلك لما دخل عليه من التجهم فرآه يخالف معتقده، وذلك أن كثيرًا منهم أشعرية الاعتقاد أو ماتريدية الاعتقاد، فرأوا أنه يتعين نفي ذلك عن أبي ‌حنيفة، وأن الإمام إمام صدق، وذلك لجهلهم بإمامهم وبالكتاب والسنة، كما وقع لغيرهم من أتباع الأئمة)([113]).

7- الشيخ عبد العزيز بن باز (ت: 1420هـ):

قال رحمه الله: (الشافعي، ومالك، وأحمد، وأبو حنيفة، والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه، وأشباههم، كلهم أئمة هدى ودعاة حق، دعوا الناس إلى دين الله وأرشدوهم إلى الحق)([114]).

وقال: (… ومن بعدهم من أئمة السنة؛ كالأوزاعي، والثوري، ومالك، وأبي حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم من أئمة المسلمين)([115]).

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) أخرجه ابن عبد البر في «الانتقاء» (ص: 66-67)، و«جامع بيان العلم وفضله» (2/ 1221).

([2]) «لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السنية: شرح حائية ابن أبي داود» (1/ 111).

([3]) «الغنية» (1/ 116).

([4]) «الغنية» (2/ 170).

([5]) «الغنية» (2/ 188). وانظر أيضًا: «الغنية» (2/ 85، 86).

([6]) انظر تلك الأجوبة في: «الرفع والتكميل» للكنوي (ص: 374-388).

([7]) «جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر» (ص: 379-380).

([8]) «عقيدة الحافظ عبد الغني» (ص: 52-53).

([9]) «عقيدة الحافظ عبد الغني» (ص: 109-110).

([10]) نقله الحافظ ابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» (3/ 29).

([11]) «مرآة الزمان» (22/ 139). ونقله أبو شامة في «المذيل على الروضتين».

([12]) مقدمة «انتقاد المغني» (ص: 9). ونقل تلميذه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ذلك في حاشيته على «الرفع والتكميل» (ص: 406).

([13]) «تعريف ذوي العلا بمن لم يذكره الذهبي من النبلا» (ص: 50).

([14]) «لمعة الاعتقاد» (ص: 41-42). وذكرُ الأشعرية زيادة من بعض النسخ الخطية.

([15]) «ذم التأويل» (ص: 32-33).

([16]) «ذم التأويل» (ص: 14).

([17]) «الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية» (2/ 749).

([18]) «شرح مختصر الروضة» (3/ 289-290). وللطوفي كلام أنكر فيه تعصّب الحنفية وغيرهم من أتباع المذاهب، ولا نطوّل بذكر كلامه حتى لا نخرج عن المقصود. انظر: «التعيين في شرح الأربعين» (ص: 260-266).

([19]) «منهاج السنة» (8/ 197-198).

([20]) «منهاج السنة» (6/ 52).

([21]) «منهاج السنة» (7/ 286).

([22]) «منهاج السنة» (2/ 82-83).

([23]) «جامع المسائل» (7/ 338).

([24]) «الرد على السبكي» (2/ 836-837).

([25]) «منهاج السنة» (2/ 105).

([26]) «مجموع الفتاوى» (20/ 186).

([27]) «منهاج السنة» (5/ 261).

([28]) «مجموع الفتاوى» (12/ 312). قال أبو سليمان الجوزجاني ومعلى بن منصور الرازي: (ما تكلم أبو حنيفة ولا أبو يوسف ولا زفر ولا محمد ولا أحد من أصحابهم في القرآن، وإنما تكلم في القرآن بشر المريسي وابن أبي دؤاد، فهؤلاء شانوا أصحاب أبي حنيفة). «تاريخ بغداد» (15/ 516). وقال السمعاني في «الأنساب» (12/ 210) في ترجمة بشر بن غياث المريسي: (وجرد القول بخلق القرآن، وحكي عنه أقوال شنيعة ومذاهب مستنكرة، أساء أهل العلم قولهم فيه بسببها، وكفره أكثرهم لأجلها). ونقله اللكنوي مقرًّا له في «الفوائد البهية في تراجم الحنفية» (1/ 54).

([29]) «جامع المسائل» (7/ 337-338).

([30]) «مجموع الفتاوى» (20/ 186).

([31]) «مجموع الفتاوى» (13/ 38-39).

([32]) «مجموع الفتاوى» (7/ 394).

([33]) كما في «طبقات الشافعية» لابن السبكي (3/ 419).

([34]) «السنة» للخلال (1/ 492-493).

([35]) «لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السنية: شرح حائية ابن أبي داود» (2/ 342).

([36]) «مجموع الفتاوى» (20/ 304-305).

([37]) «الانتصار لأهل الأثر» (ص: 68-69).

([38]) «المجروحين» (3/ 73).

([39]) «منهاج السنة» (2/ 619-620).

([40]) «طبقات علماء الحديث» (1/ 261-262).

([41]) «مناقب الأئمة الأربعة» (ص: 57).

([42]) «مناقب الأئمة الأربعة» (ص: 58).

([43]) «مناقب الأئمة الأربعة» (ص: 61-77)، واستفاد منه ابن المبرد كما في «المنتقى من تنوير الصحيفة» (ص: 160-165).

([44]) «المنتقى من تنوير الصحيفة» (ص: 125).

([45]) «جمع الجيوش والدساكر» (ص: 399).

([46]) ينظر: «ذيل طبقات الحفاظ» للسيوطي (ص: 233).

([47]) «اجتماع الجيوش الإسلامية» (ص: 195-201).

([48]) «نونية ابن القيم» الأبيات (1378-1382).

([49]) «نونية ابن القيم» الأبيات (871-894).

([50]) «الآداب الشرعية» (2/ 238).

([51]) «الآداب الشرعية» (1/ 202). وأخرجه الهروي في «ذم الكلام» (1006).

([52]) «الآداب الشرعية» (2/ 125). وأخرجه الهروي في «ذم الكلام» (1020).

([53]) أخرجهما ابن المبرد بسنده إلى أبي إسماعيل الهروي في «جمع الجيوش والدساكر» (ص: 221-222).

([54]) «تنوير بصائر المقلدين» ضمن «مجموع رسائل الشيخ مرعي الكرمي» (9/ 123).

([55]) ذكر الشيخ أبو غدة في حاشيته على «الرفع والتكميل» (ص: 77) بأنه مخطوط لا مفقود، حيث وصفه بأنه في مجلد كبير ما يزال مخطوطًا، وهذا يوحي باطلاعه عليه أو على شيء من بياناته، لكنه لم يذكر شيئًا منها.

([56]) أخرجه من طريقه ابن المبرد في «المنتقى من تنوير الصحيفة بمناقب أبي حنيفة» (ص: 105-107).

([57]) «بحر الدم في من تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم» (ص: 161).

([58]) «المنتقى من تنوير الصحيفة بمناقب أبي حنيفة» (ص: 91-93).

([59]) «المنتقى من تنوير الصحيفة بمناقب أبي حنيفة» (ص: 143). والخبر أخرجه الخطيب في «تاريخه» (15/ 516) دون قوله: (وما نعلم..) إلخ، وقال الإمام أحمد في «الرد على الزنادقة والجهمية» (ص: 97) في حديثه عنه الجهم: (فأضل بكلامه بشرًا كثيرًا، وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة، وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة). فلم ينسب لأبي حنيفة متابعة الجهم، وهذا يعني أنه لم يكن عنده جهميًّا.

([60]) أخرجه ابن بطة في «الإبانة» (406)، ومن طريقه ابن المبرد في «المنتقى من تنوير الصحيفة بمناقب أبي حنيفة» (ص: 143).

([61]) «المنتقى من تنوير الصحيفة» (ص: 142).

([62]) «الانتقاء في تراجم الثلاثة الأئمة الفقهاء» (ص: 292).

([63]) «المنتقى من تنوير الصحيفة» (ص: 140).

([64]) «الانتقاء في تراجم الثلاثة الأئمة الفقهاء» (ص: 297).

([65]) «المنتقى من تنوير الصحيفة» (ص: 140).

([66]) «المنتقى من تنوير الصحيفة» (ص: 138).

([67]) في مطبوعة «المنتقى من تنوير الصحيفة» (ص: 138): (يناقش)!.

([68]) «الانتقاء في تراجم الثلاثة الأئمة الفقهاء» (ص: 286).

([69]) «المنتقى من تنوير الصحيفة» (ص: 138).

([70]) «جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر» (ص: 346).

([71]) «جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر» (ص: 472).

([72]) «المنتقى من تنوير الصحيفة» (ص: 94-95). ونقل هذا الموضع عنه اللكنوي في «الرفع والتكميل» (ص: 77-78)، وابن عابدين في «حاشيته» (1/ 37).

([73]) «المنتقى من تنوير الصحيفة» (ص: 96).

([74]) «المنتقى من تنوير الصحيفة» (ص: 98).

([75]) «المنتقى من تنوير الصحيفة» (ص: 99).

([76]) «المنتقى من تنوير الصحيفة» (ص: 90-91).

([77]) «المنتقى من تنوير الصحيفة» (ص: 167-168).

([78]) وقد صرح بالعزو إليه في بعض المواضع، انظر: «تنوير بصائر المقلدين في مناقب الأئمة المجتهدين» ضمن «مجموع الشيخ مرعي» (9/ 89).

([79]) «تنوير بصائر المقلدين» ضمن «مجموع الشيخ مرعي» (9/ 80).

([80]) «تنوير بصائر المقلدين في مناقب الأئمة المجتهدين» ضمن «مجموع الشيخ مرعي» (9/ 91). والخبر بهذا اللفظ في «مناقب أبي حنيفة وصاحبيه» للذهبي (ص: 43).

([81]) «تنوير بصائر المقلدين في مناقب الأئمة المجتهدين» ضمن «مجموع الشيخ مرعي» (9/ 146).

([82]) «تنوير بصائر المقلدين» ضمن «مجموع الشيخ مرعي» (9/ 112-113).

([83]) «جامع بيان العلم وفضله» (2/ 1082).

([84]) «تنوير بصائر المقلدين في مناقب الأئمة المجتهدين» ضمن «مجموع الشيخ مرعي» (9/ 117).

([85]) «تنوير بصائر المقلدين في مناقب الأئمة المجتهدين» ضمن «مجموع الشيخ مرعي» (9/ 120).

([86]) «تنوير بصائر المقلدين في مناقب الأئمة المجتهدين» ضمن «مجموع الشيخ مرعي» (9/ 127-130).

([87]) أورد الشيخ مرعي هنا حكاية فيها رجوع سفيان الثوري ومقاتل وحماد بن سلمة وجعفر الصادق عن انتقاد أبي حنيفة بعد مناظرتهم له.

([88]) اعتمد الشيخ مرعي على الشعراني في هذا النقل، والوليد بن مسلم ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية، كما في «التقريب» (7456).

([89]) «تنوير بصائر المقلدين في مناقب الأئمة المجتهدين» ضمن «مجموع الشيخ مرعي» (9/ 116-117).

([90]) «المنح الشافيات بشرح مفردات الإمام أحمد» (1/ 121).

([91]) قارن بـ«تنوير بصائر المقلدين في مناقب الأئمة المجتهدين» ضمن «مجموع الشيخ مرعي» (9/ 80).

([92]) «الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية» الأبيات (202-206).

([93]) «لوامع الأنوار البهية» (2/ 459-460).

([94]) «مختصر لوامع الأنوار البهية» (ص: 203-204). ونحوه أيضًا في «مختصر لوامع الأنوار البهية» للشيخ محمد بن علي بن سلوم الحنبلي (ت: 1246هـ) (ص: 560-561).

([95]) تقدم كلام شيخ الإسلام في هذا بنصّه.

([96]) يقول في خطبة له في مكة سنة 1353هـ: (ومتى وجدنا الدليل القوي في أي من المذاهب الأربعة رجعنا إليه وتمسكنا به، وأما إذا لم نجد دليلًا قويًّا أخذنا بقول الإمام أحمد، فهذا كتاب «الطحاوية» في العقيدة الذي نقرؤه وشرحه للأحناف، وهذا «تفسير ابن كثير» وصاحبه شافعي). «تاريخ البلاد العربية السعودية» لمنير العجلاني (ص: 229). ويقول في موضع آخر: (ولا فرق بين الأئمة مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، كلهم محترمون في نظرنا). «الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز» للزركلي (ص: 217).

([97]) الطبعة المشار إليها التي حذفت منها الطعون في أبي حنيفة نُشِرت في مكة قبل نحو قرنٍ من الزمان، وجاء على غلافها ما يأتي: (كتاب السنة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى رحمة واسعة. آمين. عني بتصحيحه والإشراف على طبعه لجنة من المشايخ والعلماء تحت رئاسة العلامة المحقق فضيلة الشيخ عبد الله بن حسن بن حسين آل الشيخ. أمر بطبعه على نفقته وجعله وقفًا لله تعالى: جلالة الملك عبد العزيز آل سعود، ملك الحجاز ونجد وملحقاتها، أدام الله نصره وتأييده. المطبعة السلفية ومكتبتها لأصحابها: عبد الفتاح قبلان ومحمد صالح نصيف وشركائهما، مكة المكرمة (الحجاز)، 1349).

([98]) من دروس الشيخ في «شرح العقيدة الطحاوية».

([99]) «المنتقى من تنوير الصحيفة» (ص: 142).

([100]) كما في «المعجم في تسمية رجال الحافظ أبي ذر الهروي» (ص: 390)، وتوثيقه لن يفيد الشانئين لأبي حنيفة؛ لأن أبا ذر الهروي أشعري، وهو في نفس الصفحة يصف ابن فورك المتكلم الأشعري الشهير بالإمام الثقة المأمون، وهم يكفرون أعيان علماء الأشاعرة، فلا يمكنهم الاحتجاج بتوثيقهم، وبذلك يعجزون عن الرد عن هذه الشبهة المتعلقة بـ«كتاب السنة».

([101]) «الدرر السنية» (1/ 97).

([102]) «الدرر السنية» (1/ 64).

([103]) «منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس» (ص: 62).

([104]) «الدرر السنية» (2/ 66).

([105]) «الدرر السنية» (3/ 53).

([106]) «الدرر السنية» (11/ 177).

([107]) «الدرر السنية» (3/ 33).

([108]) «الدرر السنية» (1/ 245).

([109]) «الدرر السنية» (4/ 105).

([110]) «الدرر السنية» (1/ 516).

([111]) «فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ» (13/ 161-162).

([112]) «فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ» (1/ 245).

([113]) «فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ» (13/ 143).

([114]) «مجموع فتاوى ابن باز» (1/ 343).

([115]) «مجموع فتاوى ابن باز» (1/ 132).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

جُهود الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي في نشر الدعوة السلفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي من العلماء البارزين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد برزت جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تأثر رحمه الله بالمنهج السلفي، وبذل جهودًا كبيرة في نشر هذا المنهج وتوعية الناس بأهميته، كما عمل على نبذ البدع وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تنشأ في […]

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

قياس الغائب على الشاهد.. هل هي قاعِدةٌ تَيْمِيَّة؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   القياس بمفهومه العام يُقصد به: إعطاء حُكم شيء لشيء آخر لاشتراكهما في عِلته([1])، وهو بهذا المعنى مفهوم أصولي فقهي جرى عليه العمل لدى كافة الأئمة المجتهدين -عدا أهل الظاهر- طريقا لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من مصادرها المعتبرة([2])، وقد استعار الأشاعرة معنى هذا الأصل لإثبات الأحكام العقدية المتعلقة بالله […]

فَقْدُ زيدِ بنِ ثابتٍ لآيات من القرآن عند جمع المصحف (إشكال وبيان)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: القرآن الكريم وحي الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، المعجزة الخالدة، تتأمله العقول والأفهام، وتَتَعرَّفُه المدارك البشرية في كل الأزمان، وحجته قائمة، وتقف عندها القدرة البشرية، فتعجز عن الإتيان بمثلها، وتحمل من أنار الله بصيرته على الإذعان والتسليم والإيمان والاطمئنان. فهو دستور الخالق لإصلاح الخلق، وقانون […]

إرث الجهم والجهميّة .. قراءة في الإعلاء المعاصر للفكر الجهمي ومحاولات توظيفه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إذا كان لكلِّ ساقطة لاقطة، ولكل سلعة كاسدة يومًا سوقٌ؛ فإن ريح (الجهم) ساقطة وجدت لها لاقطة، مستفيدة منها ومستمدّة، ورافعة لها ومُعليَة، وفي زماننا الحاضر نجد محاولاتِ بعثٍ لأفكارٍ منبوذة ضالّة تواترت جهود السلف على ذمّها وقدحها، والحط منها ومن معتنقها وناشرها([1]). وقد يتعجَّب البعض أَنَّى لهذا […]

شبهات العقلانيين حول حديث: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يزال العقلانيون يحكِّمون كلامَ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلى عقولهم القاصرة، فينكِرون بذلك السنةَ النبوية ويردُّونها، ومن جملة تشغيباتهم في ذلك شبهاتُهم المثارَة حول حديث: «الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم» الذي يعتبرونه مجردَ مجاز أو رمزية للإشارة إلى سُرعة وقوع الإنسان في الهوى […]

شُبهة في فهم حديث الثقلين.. وهل ترك أهل السنة العترة واتَّبعوا الأئمة الأربعة؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة حديث الثقلين يعتبر من أهمّ سرديات الخطاب الديني عند الشيعة بكافّة طوائفهم، وهو حديث معروف عند أهل العلم، تمسَّك بها طوائف الشيعة وفق عادة تلك الطوائف من الاجتزاء في فهم الإسلام، وعدم قراءة الإسلام قراءة صحيحة وفق منظورٍ شمولي. ولقد ورد الحديث بعدد من الألفاظ، أصحها ما رواه مسلم […]

المهدي بين الحقيقة والخرافة والرد على دعاوى المشككين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»([1]). ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالأمه أنه أخبر بأمور كثيرة واقعة بعده، وهي من الغيب الذي أطلعه الله عليه، وهو صلى الله عليه وسلم لا […]

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان الإيمان منوطًا بالثريا، لتناوله رجال من فارس) شبهة وجواب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  يقول بعض المنتصرين لإيران: لا إشكالَ عند أحدٍ من أهل العلم أنّ العربَ وغيرَهم من المسلمين في عصرنا قد أعرَضوا وتولَّوا عن الإسلام، وبذلك يكون وقع فعلُ الشرط: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ}، ويبقى جوابه، وهو الوعد الإلهيُّ باستبدال الفرس بهم، كما لا إشكال عند المنصفين أن هذا الوعدَ الإلهيَّ بدأ يتحقَّق([1]). […]

دعوى العلمانيين أن علماء الإسلام يكفرون العباقرة والمفكرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة عرفت الحضارة الإسلامية ازدهارًا كبيرًا في كافة الأصعدة العلمية والاجتماعية والثقافية والفكرية، ولقد كان للإسلام اللبنة الأولى لهذه الانطلاقة من خلال مبادئه التي تحثّ على العلم والمعرفة والتفكر في الكون، والعمل إلى آخر نفَسٍ للإنسان، حتى أوصى الإنسان أنَّه إذا قامت عليه الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها. ولقد كان […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017