مفارقة الأشاعرة لمنهج أهل السنة والجماعة (3) نصيحة لطلاب العلم، ولمن لا يعرف جناية علم الكلام
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
الذي بعثنا أن نتحدث عن الأشاعرة ومخالفتهم لأهل السنة والجماعة، أن بعضهم أراد أن يجعل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة، وأن يُقلل من الخلاف الذي بين أهل السنة وبينهم، وأنه خلاف صوري ليس حقيقيًّا، ولا يلزم منه تبديعهم.
وهذا ما زعمه أحدهم مع أنه ممن يشتغل بعلم الحديث، وهذه مشكلة؛ فهو لا يدري عن خطورة علم الكلام!
وعلم الكلام هو الذي حذّرَ منه أهل العلم، فقال الإمام الشافعي: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويُطاف بهم في العشائر والقبائل، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام.
فهذه عقوبتهم عند الإمام الشافعي.
وقال الإمام أحمد: لا يُفلح صاحب كلام أبدًا، ولا تكاد ترى أحدًا نظر في الكلام إلا وفي قلبه دغل([1]).
وإمام الحرمين الجويني كان من علماء الكلام، إلا أنه تراجع في آخر حياته، وقال: قرأت خمسين ألفًا في خمسين ألف، وخضت في الذي نهى أهلُ الإسلام عنه، وحذّر من علم الكلام: ” إياكم وعلم الكلام”، وقد تمنى أن يموت على عقيدة عجائز نيسابور.
وجناية علم الكلام على أصحابه: أنه يبث الشكوك، ولذلك تمنى أن يموت على عقيدة العجائز، كما ورد عنه في سيرته.
وكذلك ما كان من الفخر الرازي: “قال ابن الصلاح: أخبرني القطب الطّوغاني مرّتين، أنه سمع فخر الدّين الرّازي يقول: يا ليتني لم أشتغل بعلم الكلام، وبكى”([2])
وإذا كان هؤلاء المتكلمون تراجعوا عن مذهبهم، فهذا الجويني في (رسالته النظامية) يمنع من التأويل، وقد كان قد أوجبه في (الإرشاد).
وكذلك أبو الحسن الأشعري الذي ينتسبون إليه يُقرر إثبات الصفات كما في كتابيه (الإبانة ومقالات الإسلاميين)، ويبين صحة مذهب أهل السنة والجماعة أهل الحديث بعد أن ذكر أقوال الناس وموقفهم من الصفات.
وبعد هذا تتعجب من بعض المنتسبين إلى الحديث، كيف يقلل من الخلاف بين أهل السنة وبين الأشاعرة، وهذا أمر جد عجيب وغريب!!
والمقصود: أن نربي الناس على تعظيم الكتاب والسنة وأخبار الله تعالى.
فأنت الآن بين مذاهب متعددة؛ فيما يجب لله وما يجوز وما يمتنع، فلاسفة ومتكلمون من معتزلة وأشاعرة، وبين كلام ربنا سبحانه وتعالى، فلا يمكن أن يتخيل إنسان مؤمن أن الله تعالى وهو الذي ينزه نفسه عن صفات النقص والعيوب، ويشتد نكيره تعالى على النصارى الذين نسبوا إليه الولد، واليهود الذين قالوا: (إن الله فقير ونحن أغنياء)، والذين قالوا:(يد الله مغلولة) فرد عليهم في القرآن، وبين ضلالهم فساد عقيدتهم.
وبهذا يتبين لنا أن القرآن لا يمكن أن يسكت عن صفات النقص، فلو كان وصف الله تعالى بما جاء في القرآن من الصفات التي لا يثبتها المتكلمون لا تليق بجلال الله تعالى وتستحيل في حقه لما ذكرها القرآن، والله تعالى أعلم بنفسه منا، والرسول عليه الصلاة والسلام أعلم بالله تعالى من الأشاعرة والمعتزلة.
وهذا الذي يجب أن يُربى الناس عليه، أن نقبل ما وصَفَ الله تعالى به نفسَه أو وصفَه به رسولُه؛ لأنه لا يمكن أن يصف الله تعالى نفسَه بصفات النقص والعيوب، قال تعالى:(سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) فأوصاف الآخرين نزَّه الله تعالى نفسه عنها، وأثبت لنفسِه صفاته وأسماءه، وذكر صحة مذهب الأنبياء والرسل.
فهذا الذي ينبغي أن ندعو إليه ونربي الناس عليه، بأن نقبل أخبار الله تعالى، وقد تعبدنا الله تعالى بالقرآن وتدبره، فليس تدبره أن نؤوّله أو نردّه.
وخلاصة موقف المتكلمين من النصوص التي تتعلق بذات الله تعالى وصفاته التي لا يثبتونها: أنها إن جاءت في القرآن أوّلوها، وإن جاءت في السنة ردّوها، بحجة أنها من أخبار الآحاد، وهذا شيء مشهور عنهم. وهذا منهج باطل غير مقبول.
ولذلك تراجع طائفة من المتكلمين كالجويني حيث نص على هذا، ودعوا الناس إلى قبول ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
وإذا اشتبه على الإنسان أمر، فليَكِل أمره إلى الله تعالى لكن لا يرده، ولا يدّعي أن ذلك مستحيلا في حقه تعالى.
وعليه: فإنك لتعجب ممن ينتسب إلى أهل الحديث، ثم هو يهوّن من علم الكلام، ويهوّن من الخلاف الذي بين أهل السنة والحديث وبين الأشاعرة. وهذا إن كان عالمًا بذلك فهو يغشّ الناس، ويعطيهم عقائد فاسدة مُهلكة، وإلا فواجب طالب العلم أن يدعو الناس إلى ما ينجيهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الافتراق:(كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).
فعلى طالب العلم أن يبين للناس هذه الحقيقة، ومن خرج عن الكتاب والسنة وردّهما لا يكون من الفرقة الناجية، ولكن لا بأس بالتلطف واللين في البيان والنصح (وقولا له قولا لينا) هذا لا بأس به، لكن لا يقلل من هذا الخلاف ويجعله خلافًا صوريًّا أو اجتهادًا مقبولا؛ لأن الاجتهاد في مقابل النص غير مقبول أبدا، فإذا قال الله تعالى:(وكلم الله موسى تكليما) فيأتي متكلم ويقول: لا، الله لا يتكلم، وهذه صفة مستحيلة في حقه، فهذا كلامه ساقط وباطل.
وعندما يقول: (وجاء ربك والملك صفا صفا) ثم يأتي متكلم ويقول: لا، المجيء على الله مستحيل، فكيف صفة على الله تعالى مستحيلة يطلقها على نفسه.
فالمقصود: أنه يجب أن نربي الناس على أن معرفة الله تكون بالكتاب والسنة (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) أي شيء يأتينا به الرسول صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين، ونقابله بالقبول والتسليم، هذا الذي يجب أن نربي الناس عليه، ولا نقلل من شأن الكتاب والسنة. فالمتكلمون لهم جناية عندما قللوا من قيمة الكتاب والسنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)