الأربعاء - 27 ذو الحجة 1445 هـ - 03 يوليو 2024 م

دعوى أن الحنابلة بعد القاضي أبي يعلى وقبل ابن تيمية كانوا مفوضة

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

إن عهدَ القاضي أبي يعلى رحمه الله -ومن تبِع طريقته كابن الزاغوني وابن عقيل وغيرهما- كان بداية ولوج الحنابلة إلى الطريقة الكلامية، فقد تأثَّر القاضي أبو يعلى بأبي بكر الباقلاني الأشعريّ آخذًا آراءه من أبي محمد الأصبهاني المعروف بابن اللبان، وهو تلميذ الباقلاني، فحاول أبو يعلى التوفيق بين مذهب الأثرية وبين ما ذكره الباقلاني من العقليات، ظنًّا أنها قواطع عقلية صحيحة، فوقع رحمه الله في اضطراب. قال ابن عساكر: «سمعت ببغداد من يحكي أن أبا يعلى بن الفراء وأبا محمد التميمي شيخَي الحنابلة كانا يقرآن على أبي محمد بن اللبان الأصول في داره»([1]).

بخلاف من لم يرتَضِ تلك الطريقةَ كالهروي وابن منده وعبد الغني المقدسي وابن قدامة وغيرهم، فأصبح للحنابلة مدرستان:

1- المدرسة الكلامية المنسوبة إلى القاضي أبي يعلى وأتباعه.

2- المدرسة الأثرية، وهم من كانوا على طريقة السلف في التصنيف، مثل الهروي وعبد الغني المقدسي وابن قدامة ونحوهم.

ومن الأخطاء المعاصرة التي تحتاج إلى تنبيه: نسبة هذه الطبقات من الحنابلة إلى مذهب التفويض، فهناك اعتقادٌ سائد أن هذه الطبقة إلى ما قبل ابن تَيميَّة كلهم كانوا مفوِّضة في الصفات، وهذا القول يشوبه عدم الدقَّة في التوصيف.

ولا يوجد أحد من علماء الأشعرية ولا غيرهم -على مر العصور- نسبهم إلى التنزيه أو التفويض، وإنما يعتمد الأشاعرة المعاصرون على كلام ابن تيمية -مقلدين له!- في كلامه عن القاضي نفسه وابن عقيل وابن الزاغوني([2]).

لكن إذا دقَّق الباحث النظر في أحوال الحنبلية وتصرفاتهم بعد القرن الرابع سوف يجد أنَّ الجرأة في إثبات الصفات كانت هي السائدة، وبدرجاتٍ تفوق إثبات ابن تَيميَّة، بل إن ابن تيمية يعتبر وسطيَّ الطريقة مقارنةً بهم، وقولنا هذا ليس مِن قبيل التطرف في الطرح أو التبسيط، ولا هو بالتأكيد من باب الوهم أو التسطيح، بل الحس والواقع التاريخي يؤكدان ذلك.

فقد نقل ابن العربي عن أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري أنه عقد مجلسًا للذِّكر، وحضر فيه كافة الخلق، وقرأ القارئ: ﴿الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ﴾ [طه: 5]، فقال لي أخصُّهم: فرأيتهم يقومون -أي: الحنابلة- في أثناء المجلس ويقولون: «قاعد، قاعد» بأرفع صوت وأبعده مدى. وثار إليهم أهل السنة من أصحاب القشيري([3])، وحدثت فتنة بين الطائفتين مات فيها بعض الناس.

فقول الحنابلة -وفيهم الشيوخ والعلماء- بأعلى صوت: «قاعد، قاعد» فيه تفسير للفظة وعدم تفويضها([4]).

وهذا أبو الفضل التميمي -رغم تأثره بالكلابية- يقول: «ومذهب أبي عبد الله أحمد بن حنبل أن لله عز وجل وجهًا، لا كالصور المصورة والأعيان المخططة، بل وجهه وصفَه بقوله: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: 88]، ومَن غيَّر معناه فقد ألحد عنه، وذلك عنده وجه في الحقيقة دون المجاز»([5]). فجعل للوجه معنًى مَن غيَّره فقد ألحد عنه، وهو صريح في إثبات المعاني.

ويشهد لتلك الجرأة والتحقيق في الإثبات ما صنفه الإمام ابن أبي القاسم الدشتي (661هـ) بعنوان: «إثبات الحد لله وأنه قاعد على عرشه»([6])، وهذا العالِم كان قبل ظهور ابن تَيميَّة بقليل، فهو قد مات في العام الذي وُلد فيه ابن تَيميَّة، مما يدل على أن هذه الطريقة كانت ظاهرة ومنتشرة حتى قُبيل ظهور ابن تَيميَّة.

مع أن هذا الإمام -الدشتي- نقل في مصنفه المشار إليه عن القاضي أبي يعلى ومدرسته، مما يُشعر أنه من نفس المدرسة، أو على الأقل راضٍ عنها.

ويشهد لذلك أيضًا موقف الحافظ إسحاق العلثي الحنبلي في رده على ابن الجوزي مُقرّرًا فهم معاني الصفات، الذي جاء فيه: «وزعمت أن طائفة من أهل السنَّة والأخيار تلقوها -أي: الصفات- وما فهموا، وحاشاهم من ذلك»([7]).

وتدعيمًا لما ذكرناه وقررناه من الجرأة في الإثبات نذكر موقف الشريف أبي جعفر وتلامذته الذين كانوا يقرؤون «كتاب التوحيد» لابن خزيمة ويتدارسونه في مجالسهم نكايةً في المعتزلة والأشاعرة.

قال ابن رجب: «وفي سنة ستين وأربعمائة كان أبو علي بن الوليد شيخ المعتزلة قد عزم على إظهار مذهبه لأجل موت الشيخ الأجل أبي منصور بن يوسف، فقام الشريف أبو جعفر، وعبر إلى جامع المنصور هو وأهل مذهبه وسائر الفقهاء وأعيان أهل الحديث، وبلغوا ذلك. ففرح أهل السنة بذلك، وقرؤوا «كتاب التوحيد» لابن خزيمة. ثم حضروا الديوان، وسألوا إخراج الاعتقاد الذي جمعه الخليفة القادر، فأجيبوا إلى ذلك، وقرئ هناك بمحضر من الجميع، واتفقوا على لعن مَن خالفه وتكفيره. وبالغ ابن فَورك في ذلك. ثم سأل الشريف أبو جعفر والزاهد الصحراوي أن يسلم إليهم الاعتقاد، فقال لهم الوزير: ليس هاهنا نسخة غير هذه، ونحن نكتب لكم به نسخة لتقرأ في المجالس. فقالوا: هكذا فعلنا في أيام القادر، قرئ في المساجد والجوامع. فقال: هكذا تفعلون، فليس اعتقاد غير هذا، وانصرفوا. ثم قرئ بعد ذلك الاعتقاد بباب البصرة، وحضره الخاص والعام. وكذلك أنكر الشريف أبو جعفر على ابن عقيل تردده إلى ابن الوليد وغيره، فاختفى مدة ثم تاب وأظهر توبته»([8]).

ومن اطَّلع على كتاب ابن خزيمة سيَعلم أنه لا يمكن لمفوضٍ أبدًا أن يقرأه، فهو مخالف لمذهبه تمامًا. فهو القائل: «أما خبر ابن مسعود فمعناه أن الله جل وعلا يمسك ما ذكر في الخبر على أصابعه، على ما في الخبر سواء، قبل تبديل الله الأرض غير الأرض؛ لأن الإمساك على الأصابع غير القبض على الشيء، وهو مفهوم في اللغة التي خوطبنا بها»([9]).

وقال أيضًا في: «وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح أن الله جل وعلا فوق السماء الدنيا، الذي أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه ينزل إليه، إذ محال في لغة العرب أن يقول: نزل من أسفل إلى أعلى، ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلى إلى أسفل»([10]).

ولولا خشية الإطالة لذكرنا عشرات النصوص التي تنضح بتفسير المعاني والتصريح بلفظة (المعنى)؛ فإذا كان حنابلةُ تلك الحقبة -أثريُّوهم ومتكلِّموهم- لا يرون حرجًا من دراسة كلام ابن خزيمة الذي ينضح بفهم المعاني، بل هم يعتقدون صوابه؛ فلا يصح إذن نسبتهم إلى التفويض، وإنما قد يُقال: إن بعضهم وقع في نوع اضطراب ونفي الكلام بالمشيئة لشبهة عنَّت لهم، وهو استثناء عن الأصل العام الذي لا ينفي القاعدة العامة، فالنفي لم يكن بقاعدة مطردة، فالأصل عندهم هو إثبات المعاني.

وهذه الشواهد السابقة تعطي للباحث تصوُّرًا عامًّا لِما كانت عليه حنابلة تلك الحِقبة المتوسطة. فلذلك قد نجد مندوحةً في أن نقول بأن الأقوال الكلامية كانت خاصة بآحاد العلماء ممن ولغوا في علم الكلام، فهو استثناء خارج من الأصل العام، وأما جمهور الأثرية فلم يكونوا على تلك الطريقة.

إذن، هناك من مستويات الإثبات في المنظومة الحنبلية ما يمكن تصورها، فالغالبية الغفيرة من حنابلة الطبقات المتوسطة من جملة المثبتة المعاني، حتى من نفى منهم حلول الحوادث كان لديه جرأة في إثبات الصفات الأخرى، ولا يصح وصفهم بالتفويض -كذا بالمطلق- من غير تقييدٍ واعتبار.

ثم ينبغي أن نضيف على الفور أنه ليس معنى هذا أننا ننكر وجود أي تأثير تفويضي على هذه الطبقة، ولكن الحنابلة أمة متعددة الجوانب، متعددة الأبعاد والآفاق وطرائق النظر والحِجاج، وإن كان يجمعهم جميعًا أصول واحدة.

أتباع مدرسة القاضي:

إن وضْع كلِّ مدرسة القاضي موضعَ التفويض يحتاج إلى نظر وإعادة قراءة متأنية لكتبهم، فإنه من المعلوم أن ابن تَيميَّة لو أراد أن يُسمي أحدًا آخر غير القاضي وابن الزاغوني لفعل.

وقد بيَّنا بوضوح أن حنابلة هذه الطبقات كان يسيطر عليهم الجرأة في الإثبات، بل والغلو أحيانًا، وأن هذا كان جوًّا عامًّا بحيث يجعلها «ظاهرة» وليس مجرد استثناءات، حتى إن ابن تيمية يصف البدعة عند الحنابلة في الزيادة في الإثبات، ولم يذكر مسألة التعطيل هذه، فيقول رحمه الله: «وبدعتهم غالبًا في زيادة الإثبات في حق الله، وفي زيادة الإنكار على مخالفهم بالتكفير وغيره»([11]).

ويتوجه هذا النقد موضوعيًّا إلى حنابلة تلك العصور بشكلٍ رئيس؛ إذ من البعيد أن ابن تيمية يتكلم عن الأوائل من أصحاب أحمد الذين يعتبرهم أحد شواهده الحِجاجية.

أما بالنسبة لنفي حلول الحوادث، فهذا الأمر كان شائعًا فعلًا، لكن يُبيِّن ابن تيمية أن بعضهم لا يلتزم بلوازم أقواله بالضرورة.

يقول ابن تَيميَّة بعد أن تكلم عن بدعة بعض الحنابلة في قِدم الكلام والحروف: «ومن هؤلاء من يقول: هو قديم، ولا يفهم معنى القديم. فإذا سئل عن ذلك قال: هي قديمة في العلم، ولا يعلم أن المخلوقات كالسماء والأرض بهذه المثابة مع أنها مخلوقة، ومنهم من يقول: قديم بمعنى أنه متقدم على غيره، ولا يعرف أن الذين قالوا: إنه مخلوق لا ينازعون في أنه قديم بهذا المعنى، ومنهم من يقول: إن مرادنا بأنه قديم أنه غير مخلوق، ولا يَفهم أنه مع ذلك يكون أزليًّا لم يزل، وهؤلاء سمعوا ممن يوافقهم على أنه غير مخلوق، قالوا: هو قديم، فوافقوا على أنه قديم ولم يتصوروا ما يقولونه»([12]).

فأشار ابن تَيميَّة إلى وجود طائفة من هؤلاء لا تلتزم بلوازم ذلك، وهي إشارة جليلة يتم إغفالها في أثناء البحث العلمي.

يقول ابن تَيميَّة: «وأصحاب هذا القول قد يقولون‏:‏ إن كلامه قديم، وأنه ليس بحادث ولا مُحدَث، فيريدون نوع الكلام؛ إذ لم يزل يتكلم إذا شاء، وإن كان الكلام العيني يتكلم به إذا شاء، ومن قال‏:‏ ليست تحل ذاته الحوادث، فقد يريد به هذا المعنى، بناء على أنه لم يحدث نوع الكلام في كيفية ذاته»([13]).

وهذا نص من ابن تَيميَّة يُبين أنه ليس كل من ينفي حلول الحوادث ينفي الأفعال الاختيارية بالضرورة، بل قد يكون يقول ذلك على محمل الرد على الكرامية.

هل أتباع مدرسة القاضي من شر مذاهب أهل البدع؟

عندما يأتي الطرح المعاصر عن تفويض القاضي لا يتمّ الحديث عن تفويض القاضي وحده، بل يكون الكلام عن الحنابلة ليشمل كل تلاميذ القاضي ومدرسته وغير مدرسته، بل ويتم إلحاق الحنابلة الأثرية كابن قدامة وغيره، وسرعان ما يتم استحضار كلمة ابن تَيميَّة عن التفويض بأنه «شر أقوال أهل البدع والإلحاد»؛ ليكون كل هؤلاء الحنابلة داخلين في مراد ابن تَيميَّة. وبهذه السطحية والتعسف يتم تقديم المسألة!

وهذا الكلام بهذا الترتيب السابق غلط على الشيخ رحمه الله، وتحميل لكلامه ما لا يحتمل، ومحاسبته بلازم قوله، وحاشاه أن يتهم أئمة الإسلام بذلك.

ونص كلامه ابن تَيميَّة كاملًا كما يلي: «وأما على قول أكابرهم: إن معاني هذه النصوص المشكلة المتشابهة لا يعلمه إلا الله، وأن معناها الذي أراده الله بها هو ما يوجب صرفها عن ظواهرها، فعلى قول هؤلاء يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص، ولا الملائكة ولا السابقون الأولون، وحينئذ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه… -إلى أن قال:- وعلى هذا التقدير فيقول كل ملحد ومبتدع: الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي، وليس في النصوص ما يناقض ذلك؛ لأن تلك النصوص مشكلة… فيبقي هذا الكلام سدًّا لباب الهُدى والبيان من جهة الأنبياء، وفتحًا لباب من يعارضهم ويقول: إن الهدى والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء؛ لأنا نحن نعلم ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية، والأنبياء لم يعلموا ما يقولون، فضلًا عن أن يبينوا مرادهم. فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد»([14]).

تضمن كلام ابن تَيميَّة الذي وصفهم فيه بشر مذاهب أهل البدع أمرين:

1- أنهم يصرفون النصوص عن ظواهرها، وهذا ليس مذهب مدرسة القاضي.

2- أنهم جعلوا الأدلة العقلية أساسًا لرد النصوص.

وعلى هذا فكلام ابن تَيميَّة السابق عن شر مذاهب أهل البدع يقصد به المفوضة المحضة، أي: طريقة أهل الكلام من متأخري المتكلمين الذين ينسبون التفويض إلى السلف الصالح كما صرح به الجويني في «النظامية»، ولو فرضنا دخول القاضي في هذا الوصف، فلا يعني أن كل من جاء بعد القاضي يدخل في مراد ابن تَيميَّة.

وقد نقل شيخ الإسلام عن علماء هذه المدرسة في مَعرِض الدفاع عنهم -ومنهم ابن الزاغوني- في مواضع في كتابه «بيان تلبيس الجهمية».

ومن أمثلة ذلك: قول شيخ الإسلام: «ومن أشهر مصنفيهم -أي: الحنابلة- أبو الحسن ابن الزاغوني» ثم نقل كلامًا طويلًا عنه إلى قوله: «فإذ كان هذا هو المستقر في اللغة، وجب حمل هذه الصفة في حق الباري تعالى على ظاهر ما وُضعت له.. واليد المطلقة في لغة العرب وفي معارفهم وعاداتهم المراد بها إثبات صفة ذاتية للموصوف، لها خصائص فيما يقصد به، وهي حقيقة في ذلك، كما ثبت في معارفهم الصفة التي هي القدرة، والصفة التي هي العلم، كذلك سائر الصفات من الوجه والسمع والبصر والحياة وغير ذلك، وهذا هو الأصل في هذه الصفة، وأنهم لا ينتقلون عن هذه الحقيقة إلى غيرها مما يقال على سبيل المجاز إلا بقرينة تدل على ذلك»([15]).

والنقل السابق نقله عنه شيخ الإسلام وفيه إثبات المعاني، ولو كان ابن الزاغوني عنده من شر مذاهب أهل البدع والإلحاد لما سوَّغ لنفسه أن يذكر قوله في معرض الدفاع عنه، وإلا كان في كلامه نوع مغالطة.

ولابن الزاغوني نصوص أخرى كثيرة جدًّا في إثبات المعاني، سوف نوردها -إن شاء الله- عند الحديث عنه.

ومن مظاهر احترام ابن تَيميَّة لحنابلة تلك المدرسة: ما قاله عن أبي الفرج الشيرازي وهو من مدرسة القاضي: «الإمام الصالح أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي الأنصاري الشيرازي ثم الدمشقي.. -إلى أن قال:‏‏- وهؤلاء المشايخ لم يَخرجوا في الأصول الكبار عن أصول ‏أهل السنة والجماعة‏‏، بل كان لهم من الترغيب في أصول أهل السنة والدعاء إليها والحرص على نشرها ومنابذة من خالفها مع الدين والفضل والصلاح ما رفع الله به أقدارهم وأعلى منارهم، وغالب ما يقولونه في أصولها الكبار جيد، مع أنه لا بد وأن يوجد في كلامهم وكلام نظرائهم من المسائل المرجوحة والدلائل الضعيفة، كأحاديث لا تثبت، ومقاييس لا تطَّرد ما يعرفه أهل البصيرة‏»([16]).

وابن تَيميَّة ينزه جميع الحنابلة بجميع اتجاهاتهم بقوله: «فما زال في الحنبلية من يكون مَيله إلى نوع من الإثبات الذي ينفيه طائفة أخرى منهم، ومنهم من يمسك عن النفي والإثبات جميعًا. ففيهم جنس التنازع الموجود في سائر الطوائف، لكن نزاعهم في مسائل الدِّق؛ وأما الأصول الكبار فهم متفقون عليها، ولهذا كانوا أقل الطوائف تنازعًا وافتراقًا؛ لكثرة اعتصامهم بالسنة والآثار؛ لأن للإمام أحمد في باب أصول الدين من الأقوال المُبينة لما تنازع فيه الناس ما ليس لغيره، وأقواله مؤيَّدة بالكتاب والسنة واتباع سبيل السلف الطيب»([17]).

` أبو الفرج الشيرازي:

أما أبو الفرج الشيرازي([18]) فقد أوردنا كلام شيخ الإسلام في الثناء على طريقته في الإجمال، ورغم أنه ينتمي إلى ذات المدرسة التي تنفي حلول الحوادث، إلا أننا نجد موقفه متوافقًا مع عامة الأثرية في الإثبات الصريح للمعاني وعدم التفويض.

فيقول: «يُسأل -أي: المبتدع- عن الله تعالى: هل يغضب ويرضى؟ فإن قال به فهو سُنِّي، وإن أنكره فهو جهمي كافر بالله… دليلنا: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا﴾ [الزُّخرُف: 55]»([19]).

فاستدل الشيرازي بقوله تعالى: ﴿آسَفُونَا﴾ وجعلها من معاني الغضب، وهو من جملة التفسير ومعرفة معنى الصفة.

وقال أيضًا: «فالرضا والغضب صفتان من صفات الذات، ما نقول: هو مخلوق ولا يفنيان أبدًا: «سبقت رحمتي غضبي»، الرحمة للأولياء، والغضب للأعداء»([20]).

وهذا النص لأبي الفرج الشيرازي ظاهر فيه إثباته للمعاني؛ لأنه استدل بحديث فيه الرحمة والغضب، وكان سياق كلامه عن الرضا والغضب. فجعل هذه مُكافئة لتلك.

ويؤكد إثبات الحقيقة اللغوية في قوله عن تأويل الأشعرية لليد بالقدرة: «وعلى أن ما ذكروه مجاز، وما ذكرنا حقيقة، وحمل كلام الباري على الحقيقة أولى من حمله على المجاز»([21]).

فذكر أن هناك محملين لتعيين الصفة، محمل حقيقي ومحمل مجاز، ومعلوم أن الحقيقة ضد المجاز، والحمل على الحقيقة، أي: ظاهر الصفة وما تضمنته من معنى يليق بالله.

وقال وهو يُعدد أدلة أن (استوى على عرشه) بمعنى: علا عليه وارتفع؛ محتجًّا باللغة: «إن العرش في اللغة عبارة عن المعرش على غيره والعالي عليه، فلهذا سموا كل مكانٍ عالٍ عرشًا، قال تعالى: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ﴾ [يوسف: 100].. وقال أهل اللغة: فلان رفيع العرش»([22]).

وقال وهو يُعدد أدلة صفة الكلام محتجًّا بأهل اللغة: «إن أهل اللغة جميعًا قالوا في حد الكلام: الكلام ما ائتلفت حروفه… ولو كان الساكت متكلمًا لأجل أن في نفسه كلامًا لَما صح نفي الكلام عنه ضرورة كون أسماء الحقائق لا يجوز نفيها عن مسمياتها»([23]).

ويؤكد بوضوح أن الاشتراك في التسمية لا يوجب التشبيه: «أن اتفاقهما في الاسمية لا يوجب اتفاقهما في المثلية والكيفية، كما أن الباري حي موجود، والواحد منَّا حي موجود، ولم يوجب ذلك اتفاقهما في الكيفية والمثلية»([24]).

وفي النقل السابق يسوّي بين صفة الحياة والوجود وبين سائر الصفات، وفيه دلالة على إثبات الصفات جميعها على نسقٍ واحد.

` عبد الوهاب ابن الحنبلي:

أما عبد الوهاب ابن الشيخ أبي الفرج الشيرازي المعروف بـ(ابن الحنبلي) فهو ممن يثبت معاني الصفات بقوة، ويجعلها كلها على نسقٍ واحد، وتجد ذلك جليًّا في الرسالة الواضحة، حيث يقول: «فيجب على هذا -يعني الأشعري- أن ينفي عن الله تعالى وصفه بالعلم والسمع والبصر والحياة والوجود والقدرة والرضا والغضب؛ لِما في ذلك مما خاف منه في وصفه بالكلام الحقيقي، كما دلت هذه الصفات التي وصف بها نفسه، وجاءت به الكتب المنزلة، والأنبياء -صلوات الله عليهم- أوجب نفيها كونه عدمًا وبطل أن يكون إلهًا»([25]).

ومن أمثلة ذلك أيضًا قوله: «إننا نصف الله تعالى بالغضب، ولا نصفه بالحَرد، وهما واحدٌ؛ لأنَّ الغضب نطق به القرآن، فقلنا كما قال، والحرد ليس ينطق به القرآن، ولم يذكره رسول الله، فلهذا لم يَجُز أن يوصف الله تعالى به»([26]).

هذا النص ظاهر في إثباته لمعنى صفة الغضب لله تعالى، بدليل ذِكره لكلمة مرادفة للغضب وهي الحَرد، والذي منعه من إثباته لله تعالى هو أنه لم يرد في النصوص الشرعية.

ورغم أنه ينفي حلول الحوادث يقول في معنى الأفعال الاختيارية: «فأما قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [الروم: 11] فليس مما نحن فيه في شيء؛ لأن بداية الخلق من صفات الفعل، وبداية التنزيل من صفات الذات، فأي مقارنة بين ذلك؟!»([27]).

` أبو الحسن ابن الزاغوني([28]):

أوردنا فيما سبق استدلال ابن تَيميَّة بنصوص ابن الزاغوني في معرض الدفاع عن الحنابلة، وهي تحتوي على إثبات معاني الصفات وتُبيِّن أنه قويٌّ في الإثبات، فهو يؤكد أن صفة اليدين على ما تفهمه العرب بمقتضى اللغة. فيقول: «والدلالة على كونهما -يعني اليدين- صفتين يزيدان على النعمة وعلى القدرة أنَّا نقول: القرآن نزل بلغة العرب، واليد المطلقة في لغة العرب وفي معارفهم وعاداتهم المراد بها إثبات صفة ذاتية للموصوف، لها خصائص فيما يُقصد بها، وهي حقيقية في ذلك»([29]).

ويقول: «الظاهر ما كان متلقى من اللفظ عن طريق المقتضى، وذلك مما يتداوله أهل الخطاب بينهم، حتى ينصرف مطلقه عند الخطاب إلى ذلك عند من له أدنى ذوق ومعرفة بالخطاب العربي واللغة العربية»([30]).

وقال في المعنى المتبادر إلى الذهن في الصفات قائلًا: «قلنا: قد أبطلنا وجه الحاجة إلى التأويل؛ إذ الوجه الموجب اعتراض سبب مانع من إثبات الكلام على أصله وحقيقته، وما يبدر إلى الفهم والتعارف في عادة أهل الخطاب»([31]).

ويقرر المعنى أيضًا: «وهذا القول إنما استفدناه نقلًا واستند إلى ضرب من المعنى. أما النقل فقوله سبحانه: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الأعلى: 1]، وقوله: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام: 18]، وأمثال ذلك من الآيات الدالة على أنه يوصف بالارتفاع والعلو والفوقية»([32]).

ومنه أيضًا: «الأصل في كلام العرب الحقيقة، والمجاز عارض بسبب، فلا يُنتقل عن الأصل ما أمكن المقام عن الحقيقة. ووجه الحقيقة فيه أنه في بيانه على صورة المصدر، والمصادر لا تقع إلا على سبيل الحقيقة؛ لأن المصادر أسماء الأفعال كما أن الأسماء أسماء»([33]).

لهذا فقد ذم ابن الزاغوني تفويض الأشاعرة قائلًا: «وذهبت المعتزلة والأشعرية إلى أن لفظة الاستواء لا يحمل على ظاهره؛ لأنه يؤدي إلى إثبات الجهة، ويُسأل عنه بـ(أين) الدالة على الجهة والمكان، وتأولوه بالاستيلاء، وقد كانت طائفة من الأشعرية يثبتون لفظه ويمتنعون من تأويله، ولا يثبتون مقتضاه! فأما اللفظ فلا سبيل إلى دفعه؛ لأنه ثابت في القرآن، وأما حمله على ظاهره فممكن»([34]).

فتأمل قوله: «وقد كانت طائفة من الأشعرية يثبتون لفظه.. ولا يثبتون مقتضاه».

من النقول السابقة قد يقف الباحث متعجبًا من قوة ابن الزاغوني في إثبات المعاني، وتطرأ إشكالية موضوعية في هذا السياق، إذ وُجد أن ابن تَيميَّة وضع ابن الزاغوني في بعض المواضع ممن يقولون عن الصفات: «لا يعلم معناها إلا الله»، فيجد الباحث في المسألة نوع تناقض، فكيف يضعه ابن تَيميَّة مع المفوضة مع وجود التصريح الواضح لابن الزاغوني أن الصفات لها معانٍ عربية معلومة؟!

ومن ذلك مثلًا قول ابن تَيميَّة: «ومن أثبت العلو بالعقل وجعله من الصفات العقلية -كأبي محمد بن كلاب وأبي الحسن بن الزاغوني ومن وافقه، وكالقاضي أبي يعلى في آخر قوليه، وأبي محمد- أثبتوا العلو وجعلوا الاستواء من الصفات الخبرية التي يقولون: لا يعلم معناها إلا الله»([35]).

والجواب عن هذا الإشكال من وجهين:

الوجه الأول: أن يُقال: إن كلام ابن تَيميَّة في الموضع السابق عن الاستواء الذي هو فعل اختياري كان بعد أن لم يكن، فالقاضي أبو يعلى وابن الزاغوني فوَّضَا الاستواءَ من حيث كونه فعلًا اختياريًّا، وإن لم يفوِّضَا العلو -لأنه صفة ثبتت بالعقل عندهم-، كما لم يفوِّضَا بقية الصفات الخبرية، إلا ما كان من نوع تناقض للقاضي في مواضع كما ذكرنا.

والدليل: أن ابن تَيميَّة حينما نسب ابن الزاغوني إلى التفويض كان يقصد الأفعال الاختيارية هو قوله في موضع آخر: «وابن الزاغوني والقاضي أبو يعلى ونحوهما وإن كانوا يقولون بإمرار المجيء والإتيان على ظاهره فقولهم في ذلك من جنس ابن كلَّاب والأشعري، فإنه أيضًا يمنع تأويل النزول والإتيان والمجيء، ويجعله من الصفات الخبرية، ويقول: إن هذه الأفعال لا تستلزم الأجسام، بل يوصف بها غير الأجسام، وكلام ابن الزاغوني في هذا النوع -وهو استواء الرب على العرش- هو موافق لقول أبي الحسن نفسه، هذا قولهم في الصفات الخبرية الواردة في هذه الأفعال»([36]).

فتبيَّن من النقل السابق أنه يتكلم عن الأفعال، ويُلاحظ أنه عيَّن ابن الزاغوني بموافقة أبي الحسن الأشعري دون القاضي؛ لأن أبا الحسن وإن كان يمنع الحوادث إلا أنه جوَّز استواء غير الأجسام، فموقفه يقترب من أهل السنة.

الوجه الثاني: أن يُقال: إن ابن تَيميَّة قد جانبه الصواب في هذا الموضع، فهو مع موسوعيته يظل بشرًا يُصيب ويخطئ، ويجوز عليه ما يجوز على غيره من الأئمة من الخطأ، وإلا فوضع ابن الزاغوني مع المفوضة فيه نظر، مع ما تضمنه كلامه من تصريح بمعرفة المعاني اللغوية بشكل لا يقبل تأويلًا، بعكس كلام القاضي المتضارب، بل إن تأويل كلام ابن الزاغوني وحمله على التفويض فيه تكلف.

ونقول: كلام ابن تَيميَّة ليس وحيًا مُنزلًا، ووفق القواعد العلمية أن التعويل على كلام العالِم من واقع كتبه، لا بما يُنسب إليه من غيره.

والغريب أن المخالفين ينكرون على السلفيين التمحوُر حول ابن تَيميَّة، وتقليده في كل شيء، ويقولون: هو بشر يخطئ ويُصيب، وكلامهم هذا حقّ لا مرية فيه، فجميع العلماء يؤخذ منهم ويُرد. لكن المفارقة أن هذا المُخالف الذي ينهى غيره عن تقليد ابن تيمية لا مانع لديه أن يُقلد هو ابن تَيميَّة ويتترّس بكلامه، ويتعامى عن كلام ابن الزاغوني من واقع كتبه.

هذان وجهان في ردّ هذا الإشكال، وإن كان الوجه الأول هو الأقرب، والله أعلم.

ومن الجدير بالذِّكر الذي يدلّ على أن ابن الزاغوني لديه نوع جُرأة في الإثبات أنه يثبت المكان لله، واستخدم اللغة في إثباته، وهي زيادة في الإثبات أيضًا، حيث إن الشرع لم يطلق لفظ المكان، فيقول رحمه الله: «ومما يقوي هذا ويحققه أن تعدِّي (استوى) بحرف (على)، إما يراد به المكان والجهة أو القهر والغلبة على ما بيَّنا، ومحال أن يراد بقوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ﴾ [السجدة: 4] القهر والغلبة من جهة أن المغالِب ما عز في نفسه، وصعب في تمنعه، والعرش بالإضافة إلى الباري جلت قدرته لا غلبة له ولا قوة؛ لأنه صنعه ومفعوله، فإضافة الغلبة والقهر إليه بعيد أن يضاف إليه، فبقي أنه أراد الجهة والمكان لا غير»([37]).

` أبو الوفاء ابن عقيل (513هـ)([38]):

تأثَّر ابن عقيل فترةً من حياته بالمعتزلة طلبًا لتعلم علم الكلام؛ بهدف الخروج من جمود الحنابلة، إلا أنه تاب ورجع عن ذلك، بعد استتابته من قِبل الشريف أبي جعفر وغيره من الحنابلة([39]).

قال ابن رجب: وذلك أن أصحابنا [الحنابلة] كانوا ينقمون على ابن عقيل تردده إلى ابن الوليد وابن التبان شيخَي المعتزلة، وكان يقرأ عليهما في السر علم الكلام، ويظهر منه في بعض الأحيان نوع انحراف عن السنة وتأوّل لبعض الصفات، ولم يزل فيه بعض ذلك إلى أن مات رحمه الله»([40]).

ومن هذا الأثر الاعتزالي: طريقة تعامله مع آيات الصفات، فقد ذكر أنَّ المتشابه من نصوص الصِّفات لها معانٍ كثيرة، وبيَّن وجه ذلك، وهو أنها تتردد بين حقائقَ مختلفة أو حقيقةٍ ومجاز، ثم ذكر أمثلةً للتَّردُّد في معنى الصِّفة بين عدَّة معانٍ، فقال عن المُتشابه: «لم يوضع لشيءٍ معين، فضلًا عن شيئين، فإذا لم يوضع لشيءٍ واحد، فكيف يتردد بين الشيئين؟! فأما ‌التَرددُ ‌في الوَجْهِ فقد يُعَبَّرُ به عن الأولِ، كقوله: ﴿وَجْهَ النَّهَارِ﴾ [آل عمران: 72]، وبانَ أنه أراد به الأول من قوله: ﴿وَاكْفُرُوا آخِرَهُ﴾ [آل عمران: 72]. وقد يُعبَّر به عن خيار الشيء وأجوده؛ كوجه الثوب، ووجه الحائط… والغضب بين غليان دم القلب طلبًا للانتقام، وبين التعذيب والانتقام الذي يدل على غضبِ مَن يصدر عنه من الخلق، وعلى هذا الاشتباه جميع ما يجيء من الأوصاف، فقامت دلالة العقل والنَّص على نفي ما لا يليق به مما هو وصف الأجسام الـمُحْدَثة، وهو الأوليَّة والتَّخطيط والجارحة، ولم يبق إلَّا أحد مذهبين، وهو نفس الذَّات.. أو قول أصحابنا بالوقوف عن التَّفسير والتَّأويل»([41]).

وفي النقل السابق أرجَع ابنُ عقيل بعضَ الصِّفات إلى الذَّات فهذا تعطيل محض، أو إلى الوقوف عن التَّفسير فهذا تفويض، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميَّة أنَّ ابنَ عقيل مُضْطربٌ بين التَّأويل والتَّفويض([42]).

وهذا الموقف السابق قبل رجوعه إلى مذهب السلف، قال شيخ الإسلام ابن تَيميَّة: «ابن عقيل الغالب عليه إذا خرج عن السُّنَّة أن يميل إلى التَّجهُّم والاعتزال في أول أمره، بخلاف آخر ما كان عليه فقد خرج إلى السُّنَّة المحضة»([43]).

` رجوع ابن عقيل إلى إثبات الأفعال الاختيارية:

على كونه قد تأثر بالمعتزلة إلا أنه قد رجع وتاب عن ذلك، وذكر هذا ابن رجب في «ذيل الطبقات»([44])، ولما رجع قرر تقريرات رائقة جليلة، تفوق تقريرات غيره في هذه الأبواب([45])، قال شيخ الإسلام رحمه الله: «فابن عقيل إنما وقع في كلامه المادة المعتزلية بسبب شيخه أبي علي بن الوليد وأبي القاسم بن التبان المعتزليين؛ ولهذا له في كتابه «إثبات التنزيه» وفي غيره كلام يضاهي كلام المريسي ونحوه، لكن له في الإثبات كلام كثير حسن، وعليه استقر أمره في كتاب «الإرشاد»، مع أنه قد يزيد في الإثبات»([46]).

يقول ابن عقيل في (الإرشاد) ردًّا على السالمية في زعمهم قِدم الصفات الاختيارية: «وكذلك قولهم: مستوٍ على عرشه، معلوم أنه لا يجوز منه دعوى القِدم؛ لأنه سبحانه أخبر بحدث هذه الصفة.. فصفة الاستواء على العرش حدثت بعد خلق السماوات، لا يجوز غير ذلك بظاهر العقل ونص القرآن؛ لأنه لو كان لم يزل سبحانه مستويًا كان إخباره بأنه استوى بعد خلقها إخبارًا على سبيل المُحال، تعالى عن ذلك، فكان يُفضي إلى قِدم المستوى عليه وهو العرش، وثبت بإجماع الأمة حدث العرش… -إلى أن قال:- قولنا: ينزل إلى السماء الدنيا وما أشبه ذلك كان بعد أن لم يكن، والدلالة على أنها صفة تجددت أنه قال: في كل ليلة، ولا يحسن أن يُقال: إنه في الأزل نازل»([47]).

وهذا القول السابق لا ينتظم على «الأحوال»، وإنما على «الأفعال الاختيارية» بشكل صريح.

ومن ذلك أيضًا ما قرره في تجدد أفراد الكلام، واستحالة أن يقال الكلام في وقت واحد، قال ابن عقيل في رسالته «الرد على الأشاعرة العزال»: «فإن قيل: إن المانع من أن يكون كلام الله تعالى بحروف هو أن الثاني من الحروف متأخر والأول متقدم، والقديم لا يجوز أن يسبق بعضه بعضًا، فثبت أن الحروف مخلوقة لأنها مترتبة في الوجود. قيل: هذا يبطل عليكم بقول الله سبحانه لآدم ولعيسى: (كن)، ومعلومٌ أن آدم خُلق قبل عيسى، فإن قيل: إنما قال لآدم ولعيسى: (كن) في الأزل بقِدم الوجود لآدم قبل عيسى، ولم يتقدم القول بعضه على بعض، قيل: هذا باطل؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [النحل: 40]، ولا يخلو أن يكون جميع ما في الدارين شيئًا واحدًا، أو أشياء كثيرة، فإن كان شيئًا واحدًا فإن دليل الشرع والعقل يمنع ذلك، ويثبت أن جميع ما في الدارين أشياء عدة، وكل شيءٍ منها قال الله له: (كن)، ولا بد أن يخلق شيئًا بعد شيء، فيكون (كن) -الذي هو القول لكل شيء- منفردًا من القول للشيء الآخر، وذلك يمتنع في حالةٍ واحدة وساعة واحدة»([48]).

ويقول محاججًا الأشاعرة في توالي الحروف وتعاقبها: «ولا يخلو أن تكون حروفًا متوالية أو غير متوالية، فإن كانت متوالية بطل ما قالوه، وإن كانت غير متوالية فيعكسونها في القرآن، وذلك أن يقولوا: (صعيهك) وهذا إن بلغوا إليه كفروا؛ لأنها إن كانت قرآنًا لم يجز تغييرها، وإن لم تكن قرآنًا عندهم كفروا»([49]).

يريد من ذلك أن تتابع الحروف لازم للقرآن، وإلا لجاز لنا أن نقلب ﴿كهيعص﴾ [مريم: 1] إلى «صعيهك».

ثم ذكر بعد ذلك أن هذه الأحرف مما لم يفسره النبي، فبطل بذلك الكلام النفسي؛ إذ لو أن الأشاعرة يقولون: إن جبريل قد فهم المعنى وصاغ الآيات، فلو كانت هذه الأحرف المقطعة ليست مرادة لذاتها بهذا الترتيب والتعاقب لما نزلت بهذه الصورة، وهو إلزامٌ قوي من ابن عقيل رحمه الله.

ونجده أيضًا يستدل بدلالة اللغة العربية، فيقول: «أما طريق اللغة فإنه إجماع أهل اللسان على أن المُمسك عن الحروف والأصوات من غير آفة ساكت… وأجمع فقهاء شريعة الإسلام على أن من حلف لا يتكلم، فتفكر: لم يحنث، وبخلاف هذا من ظهرت منه الحروف والأصوات سُمِّي متكلمًا، وإن لم يكن له فكر». ثم أطال رحمه الله في البيان إلى أن قال: «فثبت أن كلامه تعالى هو الصوت المسموع بالمعاني المخصوصة ليقع به الفهم. فهذا دليل اللغة»([50]).

والشاهد من ذلك: أن ابن عقيل استدلّ بأهل اللسان، واستدل أيضًا بما يُرى من الحِسّ والواقع من أن الإنسان الذي يحلف في سِره لا يقع طلاقه ولا يسمَّى هذا متكلمًا.

ومما سبق بيانه يتبيَّن ما يلي:

حنابلة تلك الطبقات -بما فيهم مدرسة القاضي- كان يكثر فيهم الجرأة في الإثبات، وإثبات بعض اللوازم التي لا يرتضيها حتى ابن تيمية ولا غيره من أهل التوسط، ولا يصح وصفهم بالتفويض، إلا مع التعيين والتقييد، والنفي عندهم كان محصورًا في قضية الأفعال الاختيارية، لا سيما من يفهم حقيقة قوله كالقاضي وابن الزاغوني، وصرَّح ابن تيمية -كما مرَّ بنا- أن بعض من نفى حلول الحوادث لا يلتزم نفي الفعل الاختياري عند التحقيق، بل هو مقلد فيها لغيره.

أما غير مدرسة القاضي من الأثرية فهم سائرون على منهج السلف وأهل الحديث، سواء في الصفات الذاتية أو الاختيارية.

والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) «تبيين كذب المفتري» (ص: 262).

([2]) وإنما حدث الخلط في هذه المسألة لأن القاضي أبا يعلى وابن الزاغوني وابن عقيل -قبل عودته- وافقوا أصول الجهمية في صفات الأفعال وبعض الصفات المخصوصة كصفة المحبة وقالوا : “إن الله لا يُحِب ولا يُحَبّ”. انظر: «مختصر المعتمد» للقاضي أبي يعلى (ص: 218). وقالوا بالتأويل الإجمالي فيما ورد في ذلك من النصوص، وسلكوا فيها مسلك الجهمية، ومن ذلك ما قاله ابن تيمية في (النبوات): «فإنه -أي: ابن عقيل- وشيخه أبا يعلى ونحوهما وافقوا الجهمية في إنكار أن يكون الله محبوبًا، واتبعوا في ذلك قول أبي بكر بن الباقلاني ونحوه ممن ينكر محبة الله، وجعل القول بإثباتها قولَ الحلولية».انظر: «كتاب النبوات» (1/ 334).

فبسبب اضطراب القاضي ومن وافقه في هذه المسائل الكلامية المخصوصة ظنَّ المعاصرون أن كلام ابن تيمية على إطلاقه، وأن القاضي مفوّض لجميع الصفات بإطلاق، ثم توسَّعوا وزعموا أن جميع الحنابلة قبل ابن تيمية مفوضة أيضًا، مخالفين ما ثبت عنهم من الدلائل التاريخية، وهذا كله بسبب التقصير في فهم كلام العلماء، وفهم موارد المذاهب وطرائقها.

([3]) «العواصم والقواصم» (2/ 282).

([4]) بصرف النظر عن مدى صحة تفسيرهم الاستواء بالقعود، فذاك مبحث آخر.

([5]) «اعتقاد الإمام المُنبل» (ص: 17).

([6]) ليس المقصود تقرير تفسيرهم الاستواء بالقعود، وإنما بيان أن ذلك يخرجهم من حد التفويض.

([7]) «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 268).

([8]) «الذيل على طبقات الحنابلة» (1/ 16).

([9]) «التوحيد وإثبات صفات الرب» (ص: 73).

([10]) المصدر السابق (ص: 106).

([11]) «مجموع الفتاوى» (20/ 186).

([12]) «مجموع الفتاوى» (7/ 165).

([13]) «مجموع الفتاوى» (6/ 96).

([14]) «درء تعارض العقل والنقل» (1/ 204-205).

([15]) «الإيضاح» لابن الزاغوني، ونقله عنه شيخ الإسلام في «بيان تلبيس الجهمية» (1/ 40).

([16]) «مجموع الفتاوى» (2/ 206). وذكر الشيرازي في معرض الكلام عن عدي بن مسافر بعض مشايخ التصوف.

([17]) «مجموع الفتاوى» (2/ 86).

([18]) أومأ شيخ الإسلام إلى أن بعض كلامه اختلط بكلام عدي بن مسافر من إضافةٍ وتعزيز أدلة ونحو ذلك، وأنه ليس كل ما ذكره الشيخ أبو الفرج كان من كلامه الخالص. قال شيخ الإسلام: «ثم ذكروا بعد هذا عقيدته وقالوا: هذه عقيدة السنة من إملاء الشيخ عُدي، والعقيدة من كتاب التبصرة للشيخ أبي الفرج المقدسي بألفاظه نقل المسطرة، لكن حذفوا منها تسمية المخالفين وأقوالهم، وذكروا ما ذكروا من الأدلة، وزادوا ما زادوا من ذكر يزيد وغيره من أشياء لم يقلها الشيخ أبو الفرج» «الفتاوى» (11/ 103). وذكر يزيد بن معاوية والغلو فيه موجود في بعض كتب الشيخ أبي الفرج مثل كتاب «امتحان السني من البدعي» وغيرها. وهذا قد يشكك في بقية الأبواب الأخرى، والله أعلم.

([19]) «جزء امتحان السني من البدعي» (ص: 226).

([20]) «جزء فيه امتحان السني من البدعي» لأبي الفرج الشيرازي (ص: 226).

([21]) «التبصرة» (ص: 152).

([22]) «التبصرة» (ص: 128).

([23]) «التبصرة» (ص: 83).

([24]) «التبصرة» (ص: 95).

([25]) «الرسالة الواضحة» (1/ 597).

([26]) «الرسالة الواضحة» (2/ 422-423).

([27]) «الرسالة الواضحة» (1/ 537).

([28]) ابن الزاغوني رحمه الله يجعل صوت القارئ بالقرآن هو صوت الله إذا ما أتى القارئ بالقراءة على وجهها، وبقدر صحة قراءة القارئ كان نصيبه من صوت الله! وقد جعل شيخ الإسلام هذا القول من البدع القبيحة، وأن هؤلاء قابلوا الفساد عند الأشعرية بفسادٍ مقابل. فهذا وإن كان اعتقادًا منكرًا، فهو لا يدخل تحت بند التفويض الذي نناقشه، بل هذه زيادة في الإثبات.

([29]) «الإيضاح» (ص: 284).

([30]) «الإيضاح» (ص: 281).

([31]) «الإيضاح» (ص: 288).

([32]) «الإيضاح» (ص: 284).

([33]) «الإيضاح» (ص: 414).

([34]) «الإيضاح» (ص: 299).

([35]) «مجموع الفتاوى» (10/ 166).

([36]) «مجموع الفتاوى» (9/ 180).

([37]) «الإيضاح في أصول الدين» (ص: 334). ويقصد بالجهة والمكان غير المخلوقين.

([38]) قال الذهبي في «السير» (19/ 443): «ابن عقيل الإمام العلامة البحر، شيخ الحنابلة، أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن عبد الله البغدادي الظفري، الحنبلي المتكلم، صاحب التصانيف، كان يسكن الظفرية ومسجده بها مشهور… قال ابن الجوزي: توفي بكرة الجمعة ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة وخمسمائة».

([39]) وقد نقل توبته الحافظ ابن رجب في كتابه «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 322).

([40]) «ذيل طبقات الحنابلة» (1/ 322).

([41]) «الواضح في أصول الفقه» (1/ 168).

([42]) انظر: «درء تعارض العقل والنقل» (7/ 35).

([43]) «مجموع الفتاوى» (4/ 164).

([44]) يقول ابن رجب : «فمضى ابن عقيل إلى بيت الشريف، وصالحه وكتب خطه: يقول علي بن عقيل بن محمد: إني أبرأ إلى الله تعالى من مذاهب مبتدعة الاعتزال وغيره، ومن صحبة أربابه، وتعظيم أصحابه، والترحم على أسلافهم، والتكثر بأخلاقهم، وما كنت علَّقتهن ووجد بخطي من مذاهبهم وضلالتهم فأنا تائب إلى الله تعالى من كتابته. لا تحل كتابته ولا قراءته ولا اعتقاده…». انظر: «الذيل على طبقات الحنابلة» (1/ 120).

([45]) وله رسالة جليلة: «الرد على الأشاعرة العزال، وإثبات الحرف والصوت إلى الكبير المتعال»، وقد حققها المستشرق جورج مقدسي، ونشرها في مجلة الدراسات الشرقية، الصادرة من دمشق، (عدد 17)، سنة 1971م.

([46]) «مجموع الفتاوى» (٦/ ٥٤).

([47]) «الإرشاد» (ص: 161-162).

كان قبل رجوعه يسميها أحوالًا؛ حيث يقول: «وصفات الله سبحانه ما لم تفارقه، كالعلم والقدرة، فأما ما تجدد وزال فلا يجوز أن يكون كالاستواء ورؤيته لخلقه وسماع كلام خلقه، وهذه أحوال وليست صفاتٍ، فلم يزل بصيرًا سميعًا لكل مسموع ومرئي، فلما تجددت الأصوات سمع تلك الأصوات، ولما خلق المرئيات كان رائيًا لها، وعلى هذا فاعتقد تسلم من شبهة التشبيه». «الفنون» (1/ 68). وهذا خطأ منه، والصواب هو ما استقر عليه أمره، والله أعلم.

([48]) «الرد على الأشاعرة العزال» (ص: 76)، بتحقيق جورج مقدسي – الدراسات الشرقية – دمشق 1971م.

([49]) المرجع السابق (ص: 77).

([50]) المرجع السابق (ص: 72).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

هل يُمكِن الاستغناءُ عن النُّبوات ببدائلَ أُخرى كالعقل والضمير؟

هذه شبهة من الشبهات المثارة على النبوّات، وهي مَبنيَّة على سوء فَهمٍ لطبيعة النُّبوة، ولوظيفتها الأساسية، وكشف هذه الشُّبهة يحتاج إلى تَجْلية أوجه الاحتياج إلى النُّبوة والوحي. وحاصل هذه الشبهة: أنَّ البَشَر ليسوا في حاجة إلى النُّبوة في إصلاح حالهم وعَلاقتهم مع الله، ويُمكِن تحقيقُ أعلى مراتب الصلاح والاستقامة من غير أنْ يَنزِل إليهم وحيٌ […]

هل يرى ابن تيمية أن مصر وموطن بني إسرائيل جنوب غرب الجزيرة العربية؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة (تَنتقِل مصر من أفريقيا إلى غرب جزيرة العرب وسط أوديتها وجبالها، فهي إما قرية “المصرمة” في مرتفعات عسير بين أبها وخميس مشيط، أو قرية “مصر” في وادي بيشة في عسير، أو “آل مصري” في منطقة الطائف). هذا ما تقوله كثيرٌ من الكتابات المعاصرة التي ترى أنها تسلُك منهجًا حديثًا […]

هل يُمكن أن يغفرَ الله تعالى لأبي لهب؟

من المعلوم أن أهل السنة لا يشهَدون لمعيَّن بجنة ولا نار إلا مَن شهد له الوحي بذلك؛ لأن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، ولكننا نقطع بأن من مات على التوحيد والإيمان فهو من أهل الجنة، ومن مات على الكفر والشرك فهو مخلَّد في النار لا يخرج منها أبدًا، وأدلة ذلك مشهورة […]

مآخذ الفقهاء في استحباب صيام يوم عرفة إذا وافق يوم السبت

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد ثبت فضل صيام يوم عرفة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (‌صِيَامُ ‌يَوْمِ ‌عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)([1]). وهذا لغير الحاج. أما إذا وافق يومُ عرفة يومَ السبت: فاستحبابُ صيامه ثابتٌ أيضًا، وتقرير […]

لماذا يُمنَع من دُعاء الأولياء في قُبورهم ولو بغير اعتقاد الربوبية فيهم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة هناك شبهة مشهورة تثار في الدفاع عن اعتقاد القبورية المستغيثين بغير الله تعالى وتبرير ما هم عليه، مضمونها: أنه ليس ثمة مانعٌ من دعاء الأولياء في قبورهم بغير قصد العبادة، وحقيقة ما يريدونه هو: أن الممنوع في مسألة الاستغاثة بالأنبياء والأولياء في قبورهم إنما يكون محصورًا بالإتيان بأقصى غاية […]

الحج بدون تصريح ..رؤية شرعية

لا يشكّ مسلم في مكانة الحج في نفوس المسلمين، وفي قداسة الأرض التي اختارها الله مكانا لمهبط الوحي، وأداء هذا الركن، وإعلان هذه الشعيرة، وما من قوم بقيت عندهم بقية من شريعة إلا وكان فيها تعظيم هذه الشعيرة، وتقديس ذياك المكان، فلم تزل دعوة أبينا إبراهيم تلحق بكل مولود، وتفتح كل باب: {رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ […]

المعاهدة بين المسلمين وخصومهم وبعض آثارها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة باب السياسة الشرعية باب واسع، كثير المغاليق، قليل المفاتيح، لا يدخل منه إلا من فقُهت نفسه وشرفت وتسامت عن الانفعال وضيق الأفق، قوامه لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف، والإنسان قد لا يخير فيه بين الخير والشر المحض، بل بين خير فيه دخن وشر فيه خير، والخير […]

إمعانُ النظر في مَزاعم مَن أنكَر انشقاقَ القَمر

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن آية انشقاق القمر من الآيات التي أيد الله بها نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فكانت من أعلام نبوّته، ودلائل صدقه، وقد دلّ عليها القرآن الكريم، والسنة النبوية دلالة قاطعة، وأجمعت عليها […]

هل يَعبُد المسلمون الكعبةَ والحجَرَ الأسودَ؟

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وهدنا صراطه المستقيم. وبعد، تثار شبهة في المدارس التنصيريّة المعادية للإسلام، ويحاول المعلِّمون فيها إقناعَ أبناء المسلمين من طلابهم بها، وقد تلتبس بسبب إثارتها حقيقةُ الإسلام لدى من دخل فيه حديثًا([1]). يقول أصحاب هذه الشبهة: إن المسلمين باتجاههم للكعبة في الصلاة وطوافهم بها يعبُدُون الحجارة، وكذلك فإنهم يقبِّلون الحجرَ […]

التحقيق في نسبةِ ورقةٍ ملحقةٍ بمسألة الكنائس لابن تيمية متضمِّنة للتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وبآله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ تحقيقَ المخطوطات من أهمّ مقاصد البحث العلميّ في العصر الحاضر، كما أنه من أدقِّ أبوابه وأخطرها؛ لما فيه من مسؤولية تجاه الحقيقة العلمية التي تحملها المخطوطة ذاتها، ومن حيث صحّة نسبتها إلى العالم الذي عُزيت إليه من جهة أخرى، ولذلك كانت مَهمة المحقّق متجهةً في الأساس إلى […]

دعوى مخالفة علم الأركيولوجيا للدين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: عِلم الأركيولوجيا أو علم الآثار هو: العلم الذي يبحث عن بقايا النشاط الإنساني القديم، ويُعنى بدراستها، أو هو: دراسة تاريخ البشرية من خلال دراسة البقايا المادية والثقافية والفنية للإنسان القديم، والتي تكوِّن بمجموعها صورةً كاملةً من الحياة اليومية التي عاشها ذلك الإنسان في زمانٍ ومكانٍ معيَّنين([1]). ولقد أمرنا […]

جوابٌ على سؤال تَحَدٍّ في إثبات معاني الصفات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة أثار المشرف العام على المدرسة الحنبلية العراقية -كما وصف بذلك نفسه- بعضَ التساؤلات في بيانٍ له تضمَّن مطالبته لشيوخ العلم وطلبته السلفيين ببيان معنى صفات الله تبارك وتعالى وفقَ شروطٍ معيَّنة قد وضعها، وهي كما يلي: 1- أن يكون معنى الصفة في اللغة العربية وفقَ اعتقاد السلفيين. 2- أن […]

معنى الاشتقاق في أسماء الله تعالى وصفاته

مما يشتبِه على بعض المشتغلين بالعلم الخلطُ بين قول بعض العلماء: إن أسماء الله تعالى مشتقّة، وقولهم: إن الأسماء لا تشتقّ من الصفات والأفعال. وهذا من باب الخلط بين الاشتقاق اللغوي الذي بحثه بتوسُّع علماء اللغة، وأفردوه في مصنفات كثيرة قديمًا وحديثًا([1]) والاشتقاق العقدي في باب الأسماء والصفات الذي تناوله العلماء ضمن مباحث الاعتقاد. ومن […]

محنة الإمام شهاب الدين ابن مري البعلبكي في مسألة الاستغاثة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن فصول نزاع شيخ الإسلام ابن تيمية مع خصومه طويلة، امتدت إلى سنوات كثيرة، وتنوَّعَت مجالاتها ما بين مسائل اعتقادية وفقهية وسلوكية، وتعددت أساليب خصومه في مواجهته، وسعى خصومه في حياته – سيما في آخرها […]

العناية ودلالتها على وحدانيّة الخالق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ وجودَ الله تبارك وتعالى أعظمُ وجود، وربوبيّته أظهر مدلول، ودلائل ربوبيته متنوِّعة كثيرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن دلائل الربوبية وآياتها أعظم وأكثر من كلّ دليل على كل مدلول) ([1]). فلقد دلَّت الآيات على تفرد الله تعالى بالربوبية على خلقه أجمعين، وقد جعل الله لخلقه أمورًا […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017