هل كان ابن فيروز وغيره أعلم من ابن عبد الوهاب بمنهج ابن تيمية؟
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
يعتمد المخالفون على أن مناوئي الدعوة -من الحنابلة- كانوا معظِّمين لابن تيمية وابن القيم، بل وينتسبون إليهم أيضًا؛ كابن فيروز وابن داود وابن جرجيس، ويعتبرون ذلك دليلًا كافيًا على كونهم على مذهب ابن تيمية، وعلى كون الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعيدًا عن منهج الشيخين ابن تيمية وابن القيم. وهذه الدعوى تفتقر إلى التدقيق في مذهب الطرفين، والمحاكمة العادلة بينهما، بل يكتفي المخالف بإيراد تلك الأسماء للذين خالفوا الشيخ، ويعتبر ذلك حجةً في ذاته دون نظرٍ وتأمّل، وهذا الصنيع في نظر الباحث الجادّ عبثٌ بعيد عن النقد العلمي؛ إذ الباحث ينظر ويتأمل كلام الفريقين ويقارنه بكلام شيخ الإسلام.
وبغضِّ النظر عن سطحية هذا الطرح، ومخالفته لِما عُلم بالضرورة التاريخية من كون الشيخ محمد بن عبد الوهاب هو الامتداد الطبيعي لمدرسة الشيخين ابن تيمية وابن القيم، بشهادة زعماء الإصلاح والمستشرقين والمفكِّرين وأصحاب التواريخ، بل والمُحققين من أهل العلم في مصر والشام والهند وشنقيط وغيرها، حتى غدت حقيقة تاريخية وأيدلوجية لا تقبل المناقشة عند العقلاء، فإن المخالف دائمًا يعتمد على السفسطة وما يخالف الحس والواقع العلمي والتاريخي لأجل تخرصات لا تغني عن الحق شيئًا.
وللإجابة عن ذلك يجب بادئ ذي بدء أن نعرف تقرير الفريقين، ثم نقارنه بتقريرات شيخ الإسلام ابن تيمية؛ ليتبيَّن لنا أي الفريقين يوافق تقرير ابن تيمية.
ونحن من هذا المقام نقرر أن مناوئي الدعوة من الحنابلة لم يوافقوا الدعوة في أن دعاء المقبورين من الشرك الأكبر، وجادلوا في ذلك، بل نسبوا عدم تكفير فاعل ذلك إلى ابن تيمية وابن القيم -كما سيأتي-، وزعم بعضهم أن ابن تيمية يشترط اعتقاد الربوبية للتكفير، ومن تأمل كتب الشيخين -ابن تيمية وابن القيم- علم عن طريق القطع أن دعاء الأولياء والاستغاثة بهم من الشرك الأكبر المخرج من الملة عندهما، لا يحتاج هذا إلى كثير جهد لإثباته عنهما. حتى إن المخالفين من المعاصرين لا ينازعون في هذا، ويرون خطأ ابن تيمية في ذلك، وإلا كان خلاف ابن تيمية مع البكري مثًلا ضربًا من العبث.
ثم كيف يدّعي عاقلٌ موافقة خصوم الدعوة لابن تيمية وابن القيم وأكثرهم من الأشاعرة ومن تابعهم من الحنابلة ممن يقررون نفس التقريرات في مسائل الأسماء والصفات ودليل حدوث العالم، وغيرها من المسائل كشأن متأخرّي الحنابلة، والتي لعلهم نسبوها لابن تيمية نفسه دون خبرة ودراية منهم، فإذا جاز خطؤهم في فهم ابن تيمية تجاه هذه المسائل الواضحة لعدم خبرتهم بمصنفات الشيخ في تلك العصور، فما الذي يمنع عقلًا عدم فهمهم للشيخ في تقرير توحيد العبادة أيضًا؟!
علماء ليسوا وهابيين ردوا على هؤلاء الحنابلة:
معلوم أن أشهر من حمل لواء ابن فيروز وجماعته فيما بعد هو داود بن سليمان بن جرجيس العراقي الذي كان تلميذًا للعلامة أبا بطين النجدي، وتمرَّد على شيخه، وانتكَس عن السلفية، وادَّعى أن دعاء المقبورين ليس من الشرك الأكبر عند ابن تيمية وابن القيم، وأنهما بريئان من الوهابية الخوارج! وصنف في ذلك كتابًا أسماه: (صلح الإخوان من أهل الإيمان، وبيان الدين القيم في تبرئة ابن تيمية وابن القيم).
وممن رد عليه العالم الكبير مفتي بغداد: السيد نعمان الآلوسي الحنفي -وهو ابن أبي الثناء المُفسر صاحب (روح المعاني)- في كتابه (شقائق النعمان في رد شقاشق داود بن سليمان)، ومعلوم أن النعمان الآلوسي كان متصوِّفًا متأثّرًا بابن تيمية، ولم يكن وهابيًّا أو مُقلّدًا لهم.
ثم إن ابن أخيه محمود شكري الآلوسي ردَّ على ابن جرجيس في (فتح المنان تتمة منهاج التأسيس رد صلح الإخوان). وهو تتمة لكتاب الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (منهاج التأسيس في الرد على داود بن جرجيس) الذي رد فيه على ابن جرجيس ومات قبل أن يُتمَّه، فأتمه الشيخ محمود الآلوسي بعد موته.
فانظر كيف يتتابع العلماء والمصلحون بشتى مشاربهم في الرد على ابن جرجيس الحنبلي، ومعلوم أن ابن جرجيس هو امتداد لمذهب الحنابلة الذين خالفوا الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
من جانبٍ آخر: لما تزلف بعض أعداء الشيخ من الحنابلة إلى الصنعاني -مثل مربد والمويس- ونقلوا له أخبارًا كاذبة عن الشيخ أقنعوه أن دعاء الأولياء ليس كفرًا أكبر، وإنما هو من جملة المعاصي والشرك الأصغر.
إلا أن الشوكاني ردَّ عليه في (الدر النضيد) فقال: “ومن جملة الشُّبه التي عَرضت لبعض أهل العلم ما جزم به السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في شرحه لأبياته التي يقول في أولها: رجعت عن النظم الذي قلتُ في النجدي!…)([1]).
فالصنعاني كتب حاشية على هذه القصيدة -بعد رجوعه عن مدح الشيخ- صرح فيها بموافقته لمناوئي الدعوة في أن شرك القبور من الشرك الأصغر أو الكفر العملي، مثل: ترك الصلاة، والنياحة، والقتل، ونحو ذلك.. ثم قال الصنعاني بعد كلام طويل: (وهذا تحقيق بالغ). فقال الشوكاني -رادًّا عليه وعلى مربد والمويس-: “هذا الكلام في التحقيق ليس بتحقيق بالغ، بل كلام متناقض متدافع، وبيانه: أنه لا شك أن الكفر ينقسم إلى كفر اعتقاد وكفر عمل، لكن دعوى أن ما يفعله المعتقدون في الأموات من كفر العمل في غاية الفساد؛ فإنه -أي: الصنعاني- قد ذكر في هذا البحث أن كفرَ من يعتقد في الأولياء كفرُ عمل، وهذا عجيب! كيف يقول: كفر من «يعتقد» في الأولياء، ويسمي ذلك اعتقادًا، ثم يقول: هو «عملي»؟! وهل هذا إلا التناقض البحت والتدافع الخالص؟!..) اهـ([2]).
ثم بدأ الشوكاني بتفنيد كلام الصنعاني، وأتى بنقولات عن ابن القيم وابن تيمية وغيرهما: أن كفر دعاة القبور من كفر الاعتقاد لا العمل، وبيَّن خطأ شيخه الصنعاني، رحم الله الجميع.
والشاهد من الكلام السابق: أن قول القائل أن الحنابلة من مخالفي الشيخ كانوا أعلم منه بمنهج ابن تيمية وابن القيم هو كلام مبني على الظن، لا يثبت على قدم عند المُحاققة، ويُكذبه الواقع والمباحثة المتحررة.
الحنابلة المناوئون من واقع كتاباتهم:
مما يدل على مفارقة مذهبهم لمذهب ابن تيمية قول الشيخ ابن عفالق في رسالته لعثمان بن معمر: (والحاصل في كلام هذا الجاهل -يعني محمد بن عبد الوهاب- أن الشرك في الألوهية هو الشرك الأكبر وهو الذي قاتل عليه الرسول المشركين، وهذا خطأ وجهل وزندقة، بل الشرك في الألوهية هو الشرك الأصغر)([3]).
ولما بيّن له الشيخ محمد بن عبد الوهاب بطلان قوله راح يدعي أن هذا اجتهاد من ابن تيمية!
يقول الشيخ ابن عبد الوهاب: “وكذلك لما أتاهم كتاب ابن عفالق الذي أرسله المويس لابن إسماعيل، وقدم به عليكم العام، وقرأه على جماعتكم يزعم فيه أن التوحيد دين ابن تيمية، وأنه لما أفتى به كفره العلماء وقامت عليه القيامة”([4]).
فلما حاصره الشيخ بالحجج استكبر عن الرجوع عن قوله، وراح يرسل إليه أسئلة في مُلح العلوم ليُبين عجزه عن الإجابة، فعلم الشيخ من ذلك أنه مجادل ولا يريد الحقَّ، وإنما أخذته العزة بالإثم.
وقد نقل ابن داود في (الصواعق والرعود) عن ابن فيروز تفسيره لمعنى عبارة شيخ الإسلام الشهيرة: “من اتخذ بينه وبين الله وسائط…”، فقال: “فانظر إلى قوله: (يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم) كيف جاء بواو العطف، وقرن بين الدعاء والتوكل والسؤال؛ فإن الدعاء في لغة العرب هي العبادة المطلقة، والتوكّل عمل القلب، والسؤال الطلب الذي يسمّونه الآن الدعاء، فأين أنتم ومفهومكم من هذه العبارة؟!”([5]).
فانظر كيف حرَّف مراد ابن تيمية مُدَّعيًا أنه أراد الجمع بين الثلاثة (الدعاء والتوكل والسؤال)، وحاول ابن فيروز أن يؤوّل السؤال بالدعاء، وهذا معناه أن ابن تيمية كرر الدعاء مرتين في نفس العبارة، وهذا من عبث القول، ثم حاول ابن فيروز أن يرجع الأمر كله إلى القلب، أي: قصد تكفير من دعا غير الله إذا كان يعتقد بالقلب فيه الاستقلال بالعطاء والتأثير، أي: إذا كان يعتقد فيه الربوبية.
وإثبات أجنبية هؤلاء عن كتب ابن تيمية لا يحتاج كبير جهد، فانظر مثلا ابن داود الزبيري في كتابه (الصواعق والرعود) كيف نسب لابن تيمية القول بجواز التوسل وطلب الشفاعة منه.
قال ابن داود: “وقال الشيخ أيضا -أي: ابن تيمية-: والاستغاثة -بمعنى أن يطلب من الرسول ما هو اللائق به- لا ينازع فيه مسلم، ومن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به، وإما مخطئ”. ثم عقب بقوله: “فانظر هذا الكلام النفيس… فهذا حال من ينكر التوسل -أي: عند ابن تيمية-، فكيف بحال من ينكر الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم ويقول لمن طلبها منه: يا كافر، ومن لم يكفر من يقول: يا رسول الله اشفع لي فهو أكفر من فرعون…”([6]).
فنسب إلى ابن تيمية جواز التوسل وطلب الشفاعة بعد موته، مخالفًا بذلك ما عرف بالضرورة من مذهبه، مُتجاهلًا رد السبكي عليه، ولكن خصوم محمد بن عبد الوهاب خالفوا الضروريات التاريخية جهلًا منهم بتراث الشيخ، وأضحكوا المعاصرين على عقولهم -بعد انتشار كتب ابن تيمية وطباعتها-.
والحقيقة أن ابن داود وقع في خطأين كبيرين: أولهما: أن كلام ابن تيمية كان في سياق بيان اللائق بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته وسؤالهم إياه، ثانيهما: أنه بتر كلام ابن تيمية بترًا قبيحًا، وتكملته لا يدل على مقصوده.
والنقل كاملًا هكذا: “والاستغاثة -بمعنى: أن يُطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو اللائق بمنصبه- لا ينازع فيها مسلم، ومن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به، وإما مخطئ ضال. وأما بالمعنى الذي نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أيضًا مما يجب نفيها، ومن أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله فهو أيضًا كافر إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها، ومن هذا الباب قول أبي يزيد البسطامي: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق”([7]).
ومما يدل على أن ما فهمه ابن داود ليس مذهبًا لابن تيمية أن ابن تيمية يقول في موضع آخر: “أما دعاء الرسول وطلب شفاعته عند قبره أو بعد موته فلم ينقل عن أحد من الصحابة.. فدل ذلك على أن ما في الحكاية المنقطعة من قوله: (استقبله واستشفع به) كذب على مالك، مخالف لأقواله وأقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم التي يفعلها مالك وأصحابه ونقلها سائر العلماء. إذ كان أحد منهم لم يستقبل القبر للدعاء لنفسه فضلًا عن أن يستقبله ويستشفع به؛ يقول له: يا رسول الله، اشفع لي، أو ادع لي، أو يشتكى إليه مصائب الدين والدنيا، أو يطلب منه أو من غيره من الموتى من الأنبياء والصالحين، أو من الملائكة الذين لا يراهم أن يشفعوا له، أو يشتكى إليهم المصائب، فإن هذا كله من فعل النصارى والمشركين“([8]).
فانظر كيف جعل ابن تيمية من يقول: (يا رسول الله، اشفع لي) يوافق صنيع النصارى والمشركين، وهذا ابن داود الجاهل بتراث ابن تيمية ينسب إليه هذا القول. فسبحان الملك!
وليس غريبًا أن يدلس على ابن تيمية، فهو الذي نقل عن ابن عبد الوهاب -كذبًا عليه-: “لا أقبل منكم أبدًا حتى تشهدوا لي بالصدق والعصمة، ولجميع العلماء بالكذب والفرية، وأني لا أنطق عن الهوى، وأن من عاداني فقد زاغ وفي الكفر هوى، وتجاهدوا معي بالسيف والمال واللسان، وتشهدوا أن كلَّ من يتبعني يحسن تفسير القرآن”([9]).
وهذا ابن فيروز الذي قرَّظ كتابه يقول في تقريظه مُتّهمًا أم الشيخ بمواقعة الشيطان: “فإني أذكر في هذه الأوراق شيئًا من نشأة الطاغية المرتاب، المحيِي ما اندرس من أباطيل مسيلمة الكذاب، أي: المنسوب إلى المرحوم الشيخ -وأرجو أنه ليس له- بل لعل الشيخ غفل عند مواقعة أمّه عن الوارد، فسبقه الشيطان إليها فكان هذا المارد، إذ إنه لعدو الله إبليس أشد الناس شَبَها له في إبراز الباطل في قالب الحق بأعظم تلبيس”([10]).
ومما يدل أيضًا على عدم فهم هؤلاء الحنابلة لمذهب ابن تيمية ما ذكره ابن داود أن التكفير الوارد في كلام ابن تيمية كان خاصًّا بطائفة معينة من ملاحدة الصوفية، نافيًا أن تكون هذه المظاهر الشركية منتشرة في الأمة.
يقول عبد الله بن داود: “فإن قلت: نقل الشيخ تقي الدين الإجماع على كفر من جعل بينه وبين الله وسائط! فالجواب: أن كلام الشيخ رحمه الله في ناس من ملحدي الصوفية، يقيسون الخالق بالمخلوق، ويقولون: لا بدّ لنا من وسائط، كما يكون للملوك من القدماء المقربين، والوزراء الذين يوصلونهم شكاية الرعية”([11]).
فانظر كيف حرَّف ابن داود مراد ابن تيمية، وأنه خصص ذلك في صنف معين من ملاحدة الصوفية، وصرح بذلك أيضًا ابن عفالق في رسالته لعثمان بن معمر، وهي مشحونة بتقرير أن كل من شهد الشهادتين فهو مسلم عند ابن تيمية، وأن هذا الشرك غير منتشر في ديار الإسلام مع وجود القباب في زمانه.
مع أن ابن تيمية يُصرح بعكس كلام ابن عفالق، ويُقرر أن هذا الشرك مما انتشر في المنتسبين إلى أهل الإسلام، فيقول ابن تيمية: “فيَسجُدون لهذا الميِّتِ ولا يَسجُدون للخالقِ، وقد يكونُ ذلك الميِّتُ ممَّن يُظَنُّ به الخيرُ، وليس كذلك، كما يُوجَدُ مِثلُ هذا في مِصرَ والشَّامِ والعراقِ وغيرِ ذلك. ومنهم من يطلُبُ من الميِّتِ ما يطلُبُ من اللهِ، فيقولُ: اغفِرْ لي، وارزُقْني”([12]).
ويقول أيضًا في معرض كلامه عن شرك القبور: “ولا سِيَّما وقد كَثُر هذا الشركُ في المنتسبين إلى الإسلام، ومن اعتقدَ مثلَ هذا قُربةً وطاعةً فإنه ضَالٌّ باتفاقِ المسلمين، وهو بعد قيامِ الحجة كافر”([13]).
والشاهد هو قول ابن تيمية: (ولا سِيَّما وقد كَثُر هذا الشركُ في المنتسبين إلى الإسلام)؛ مما يدحض زعم ابن داود وابن عفالق أن ابن تيمية لم يحكم بانتشاره في ديار المسلمين.
والذي وقع فيه خصوم الشيخ من الحنابلة هو عدم تفرقتهم بين كفر النوع وكفر العين، وأن يكون الشيء شركًا في نفسه يجب إنكاره وبين تكفير فاعله بالضرورة، وعدم تفرقتهم بين الأمرين من أسباب الخلل الرئيسة في تصورهم لمذهب شيخ الإسلام رحمه الله.
هل جميع الحنابلة خالفوا الشيخ محمد بن عبد الوهاب؟
والجواب عن ذلك من وجوه:
الوجه الأول: لا نُسلِّم أن جميع الحنابلة خالفوا الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بل إن أكبر تلامذة ابن فيروز -وهو أحمد بن حسن بن رشيد العفالقي الأحسائي الحنبلي- التَحَق بركب الدعوة السلفية، ولما دخلت جيوش إبراهيم باشا إلى مكة المكرمة عرض عليه إبراهيم باشا أن يترك الدعوة ، فرفض ابن رشيد العفالقي رفضًا باتًّا، فأمر بتعذيبه وقلع أظافره وأسنانه.
وقد ادَّعى ابن حميد صاحب (السحب الوابلة) أن ابن رشيد وافق الدعوة مُصانعةً لهم، وهذا لا دليل عليه، والتاريخ يُكذِّب ذلك؛ لأنّ ابن رشيد رفض أن يترك الدعوة لما انتصرت جيوش إبراهيم باشا -وهذا باعتراف ابن حميد نفسه-، وقد نُفي ابن رشيد الأحسائي إلى مصر مع أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
قال الشيخ سليمان بن حمدان رحمه الله في ترجمة أحمد بن رشيد -تعليقًا على ما ذكره ابن حميد-: “هذا بعض ما ذكره صاحب (السبل الوابلة) في ترجمته.. ولا شك أن هذا تحامل من المترجِم، وإلا فصاحب الترجمة قد تبين له صحة دعوة الشيخ، ولذا لم يُجب الباشا إلى طلبه، ولو كان كما ذكر عنه أنه أظهر الموافقة ظاهرًا وهو بضد ذلك لكان يجيبه إلى طلبه، ويكون ذلك أحب ما إليه، ولترك مصانعة الإمام سعود ومن معه ومداراتهم ومداهنتهم كما زعم؛ لأنه لا حاجة تدعو إلى ذلك، وهذا لا يُظن بصاحب الترجمة، بل قد شرح الله صدره للحق، ووافق ظاهرًا وباطنًا، فلهذا ناله ما ناله من الأذى في الله، فرحمه الله ورضي عنه”([14]).
الحاصل: أن ابن رشيد الأحسائي العفالقي -وهو شيخ الحنابلة في وقته- قد صحح مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأثنى على تلامذته وأولاده؛ مما يدل أن القول القائل بأن جميع الحنابلة خالفوا الشيخ محمد هو قولٌ يشوبه الجهل بتاريخ تلك الحقبة.
الوجه الثاني: هذا الظن الشائع أن الحنابلة -بل والعلماء- خالفوا الشيخ في دعوته هو ظن مبني على مغالطة شهيرة عند المخالفين، بل والموافقين أيضًا، وتتلخص هذه المغالطة في حصر النزاع بين طرفين فقط:
1- طرف مع الوهابية مطلقًا، وهم الوهابية من أتباع الشيخ وتلامذته.
2- طرفٌ آخر مع الخصوم مطلقًا، وهم من سائر العلماء التقليديين.
والحقيقة أن هذه القسمة الثنائية غير صحيحة إطلاقًا، يَعرف هذا المتأملُ في تاريخ تلك الحقبة والسابر لأغوارها، بل كان هناك طرف ثالث ظاهر وبقوة في المعادلة، فبعض العلماء الذين انتقدوا الدعوة في جزئيات قد خالفوا جماعة ابن فيروز وابن عفالق وأشباههما وردوا عليهم، ووافقوا الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أن دعاء المقبورين من الشرك الأكبر المخرج من الملة، وأنه مذهب ابن تيمية وابن القيم، إلا أن هذا الطرف كان لديه بعض التحفّظات من جهة القتال أو الاستغراق فيه بغير حاجة لاحتمالية عدم قيام الحجة على الأفراد.
ومن هذا القسم علماء العارض مثل العلامة عبد الله بن عيسى -وهو من أقران ابن فيروز- وكان قاضي الدرعية قبل محمد بن عبد الوهاب وعبد الله بن سحيم، وقد صرحا أن الحق مع الشيخ في مسائل الاعتقاد، وكان لهما ولغيرهم مراسلات مع الشيخ تدل على ودٍّ واتفاق كبير فيما بينهم، ولكن خالفوه في جزئية القتال، وهؤلاء أيضا من علماء الحنابلة الذين خالفوا ابن فيروز وجماعته.
وممن وافق الدعوة ممن جاء بعدهم: الشيخ الفاخوري الشافعي قاضي قضاة الشام، وصديق حسن القنوجي صاحب (أبجد العلوم)، والجبرتي، والسويدي، ونعمان الآلوسي، والشوكاني، وغيرهم. فهؤلاء صوبوا مذهب الشيخ وغلَّطوا مخالفيه، وترددوا في مسألة القتال بسبب الأخبار المتضاربة.
لكن من نظرة سريعة لكتاب ابن جرجيس مثلًا ستجد أنه يصحح مذهب الاستغاثة، وأن ما يفعله العوام من دعاء الأولياء هو من قبيل التسبب، فهل هذا مذهب ابن تيمية حقًّا؟!
إن كتب شيخ الإسلام موجودة بين أظهرنا، وسهل الرجوع إليها، وقد استضاء بها من سبقوا الدعوة مثل البركوي والسرهندي والمُقبلي وغيرهم، وكل هؤلاء قد سبقوا الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
فلا نحتاج كبير جهد لإثبات مذهب ابن تيمية رحمه الله، لكن البعض يُريد إقناعنا أن العلماء المعاصرين في المملكة والشام والعراق ممن شابت لحاهم في دراسة كتب ابن تيمية لم يفهموه، بل ولا علماء الإصلاح في القرن الماضي، والآلوسي لم يفهمه، ولا السويدي، ولا الشوكاني، ولا الشناقطة المحققون، والذي فهم ابن تيمية فقط هم ابن فيروز وابن عفالق والمويس!
وإذا كان اضطراب هؤلاء وعنادهم للشيخ في القديم كان بسبب جهلهم بكتب ابن تيمية؛ فكتبه لم تكن قد جُمعت كاملة كما هو الحال اليوم، فاليوم لا عذر لأحــد، والكتب موجودة ومجموعة ومُيسرة للجميع.
والمراد من ذلك أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان معه الحق في أصل مسائل الاعتقاد دون ابن فيروز وغيره، والشيخ أحق بمنهج ابن تيمية بشهادة العلماء المحايدين، أما اعتبارية قيام الحجة على الأفراد وتكفير المعاندين أو قتال الأمراء وهدمهم القباب فهذه مسألة مصلحية تتعلق بتنزيل الحكم الشرعي على الواقع؛ فهي من مسائل الاجتهاد التي تتغير من زمن لآخر، ومن مكان لآخر، بل تتغير بحسب اجتهاد العالم ذاته.
شبهة أن الوهابية يخالفون ابن تيمية في العذر بالجهل:
إن قال قائل: سلمنا لكم أن مذهب مخالفي الشيخ من الحنابلة كان مخالفًا لمذهب ابن تيمية، لكن هذا لا يمنع أن يكون الشيخ وتلاميذه مخالفين أيضًا لمذهب ابن تيمية بسبب مسألة العذر بالجهل والقتال.
والجواب عن هذا من وجوه:
أولًا: إن سلمنا أن الشيخ لا يعذر بالجهل -مع كوننا لا نسلم بهذا- فابن تيمية يقول بوجوب مقاتلة عبدة الأضرحة كما يُقاتل أمثالهم من المشركين -وسيأتي كلامه-، فالنتيجة واحدة عند الشيخين، سواء عُذروا أو لم يُعذروا.
ثانيًا: كلام ابن تيمية عن الغافل الذي لم يُنبّه ولم تقم عليه الحجة ولم يعاند، والشيخ محمد بن عبد الوهاب إنما كفر المعاندين الذين عرفوا الحقَّ وصدوا الناس عنه، فقال: “وأمَّا التكفير فأنا أكفِّرُ من عرف دينَ الرَّسول، ثم بعدما عرفه سبَّه، ونهى الناس عنه، وعادى من فعله، فهذا هو الذي أكفر”. ثم قال في عبارة صريحة تبيِّن أن من يكفِّرهم قلَّة من الناس: “وأكثرُ الأمة -ولله الحمد- ليسوا كذلك”([15]).
ثالثًا: مسألة العذر بالجهل في (أصل التوحيد) من مسائل الخلاف السائغ، وقد نقل عدم العذر في أصل التوحيد عن عدد كبير من العلماء دون النجديين، مثل ابن عقيل وابن القيم والشوكاني وغيرهم.
يقول الشوكاني جوابًا عن سؤال: هل يُعذر الجاهل -أي: في شرك القبور- لقولهم: إن العمل متوقف على العلم وكذا الوجوب؟ فأجاب رحمه الله: “من وقع في الشرك جهلا لم يعذر؛ لأن الحجة قامت على جميع الخلق بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فمن جهل فقد أتي من قبل نفسه، بسبب الإعراض عن الكتاب والسنة”([16]).
ومعلوم أن الشوكاني هو مجتهد أهل عصره، بل أوحد أهل قطره في الأصول والفروع بشهادة المخالفين، ولم يكن مقلدًا للوهابية.
وممن لم يعذرهم أيضًا الشيخ أحمد بن محمد الأقحصاري الحنفي الصوفي الخلوتي، المتوفى عام 1041هـ -أي: قبل الوهابية بقرنين من الزمان- حيث صنف كتاب (مجالس الأبرار ومسالك الأخيار ومحائق البدع ومقامع الأشرار الفجار)، وشحنه بتكفير عبَدَة القبور والأضرحة، وقال في سبب تصنيفه للكتاب: “وأُبيّن فيه من الاعتقادات الصحيحة والأعمال الآخرة، وأحذر عما فيه من استمداد القبور وغيره من فعل الكفرة، وأهل البدع الضالة المضلة الفجرة؛ لما رأيت كثيرًا من الناس في هذا الزمان جعلوا القبور كالأوثان، يصلون عندها ويذبحون القربان، ويصدر منهم أفعال وأقوال لا تليق بأهل الإيمان، فأردت أن أبين ما ورد به الشرع في هذا الشأن، حتى يتميز الحق من الباطل عند من يريد تصحيح الإيمان والخلاص من كيد الشيطان، والنجاة من عذاب النيران، والدخول في دار الجنان. والله الهادي وعليه التكلان”([17]).
وممن نقل عنه عدم العذر في أصل التوحيد أيضًا أبو الوفاء ابن عقيل، حيث قال: “لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم.. قال: وهم عندي كفار بهذه الأوضاع؛ مثل تعظيم القبور وإكرامها بما نهى عنه الشرع من إيقاد النيران وتقبيلها وتخليقها، وخطاب الموتى بالحوائج، وكتب الرقاع فيها: يا مولاي افعل بي كذا وكذا، وأخذ التراب تبركا وإفاضة الطيب على القبور وشد الرحال إليها وإلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات والعزى”([18]).
وظاهر كلام ابن القيم في كتاب الكبائر عدمُ عذر هؤلاء بالجهل، إذ يقول: “فصل: يكفر من يعبد غير الله عز وجل من رسول أو نبي أو جني أو شيخ أو غير ذلك، وقد يقع في هذا بعض الجهال المنتسبين إلى دين الاسلام في أمور تقع منهم عن جهـل، فمن ذلك المنتسبون إلى المشايخ كالشيخ أحمد الرفاعي أو الشيخ يونس أو الشيخ عدي أو غيرهم؛ لأنهم متألهون بذكرهم ومحبتهم من دون الله عاكفين على قبورهم، يقبلونها، ويسجدون لها، ويستغيثون بهم، ويطلبون المغفرة، وقضاء الحوائج، وهذا أصل عبادة الأوثان”([19]).
بل إن ابن القيم يسميهم بالمشركين، وهو نفس ما أخذه البعض على الدعوة النجدية من تسميتهم مشركين أيضًا.
وقال ابن القيم أيضًا: “ومن أعظم كيد الشيطان: أنه ينصب لأهل الشرك قبر معظم يعظمه الناس، ثم يجعله وثنا يعبد من دون الله، ثم يوحى إلى أوليائه أن من نهى عن عبادته واتخاذه عيدا وجعله وثنا فقد تنقصه وهضم حقه. فيسعى الجاهلون المشركون في قتله وعقوبته ويكفرونه. وذنبه عند أهل الإشراك أمره بما أمر الله به ورسوله، ونهيه عما نهى الله عنه ورسوله؛ من جعله وثنا وعيدا، وإيقاد السرج عليه، وبناء المساجد والقباب عليه، وتجصيصه، وإشادته، وتقبيله، واستلامه، ودعائه، والدعاء به أو السفر إليه أو الاستغاثة به من دون الله، مما قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أنه مضاد لما بعث الله به رسوله من تجريد التوحيد لله وأن لا يعبد إلا الله. فإذا نهى الموحد عن ذلك غضب المشركون، واشمأزت قلوبهم، وقالوا: قد تنقص أهل الرتب العالية، وزعم أنهم لا حرمة لهم ولا قدر. ويسري ذلك في نفوس الجهال والطغام، وكثير ممن ينسب إلى العلم والدين، حتى عادَوا أهل التوحيد، ورموهم بالعظائم، ونفَّروا الناس عنهم. ووالَوا أهل الشرك وعظّموهم، وزعموا أنهم هم أولياء الله وأنصار دينه ورسوله، ويأبى الله ذلك. فما كانوا أولياءه، وإن أولياؤه إلا المتبعون له الموافقون له، العارفون بما جاء به، الداعون إليه، لا المتشبعون بما لم يعطَوا، لابسو ثياب الزور، الذين يصدون الناس عن سنة نبيهم، ويبغونها عوجًا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا”([20]).
بل إن ابن تيمية يجعل عذرهم من جنس إعذار أهل الفترة ممن لم يُرسل إليهم رسول، فيقول رحمه الله: “فمنهم من يصَلِّي إلى القَبرِ، ومنهم من يسجُدُ له، ومنهم من يسجُدُ من بابِ المكانِ المبنيِّ على القبرِ، ومنهم من يستغني بالسُّجودِ لصاحِبِ القبرِ عن الصَّلَواتِ الخَمسِ، فيَسجُدون لهذا الميِّتِ ولا يَسجُدون للخالقِ، وقد يكونُ ذلك الميِّتُ ممَّن يُظَنُّ به الخيرُ، وليس كذلك، كما يُوجَدُ مِثلُ هذا في مِصرَ والشَّامِ والعراقِ وغيرِ ذلك. ومنهم من يطلُبُ من الميِّتِ ما يطلُبُ من اللهِ، فيقولُ: اغفِرْ لي، وارزُقْني، وانصُرْني، ونحوَ ذلك، كما يقولُ المصَلِّي في صلاتِه للهِ تعالى، إلى أمثالِ هذه الأمورِ التي لا يَشُكُّ من عرَف دينَ الإسلامِ أنَّها مخالفةٌ لدينِ المرسَلين أجمعين؛ فإنَّها من الشِّركِ الذي حَرَّمه اللهُ ورَسولُه، بل من الشِّركِ الذي قاتَلَ عليه الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المشرِكين، وأنَّ أصحابَها إن كانوا يُعذَرون بالجَهلِ، وأنَّ الحُجَّةَ لم تَقُمْ عليهم، كما يُعذَرُ من لم يُبعَثْ إليه رسولٌ، كما قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] وإلَّا كانوا مستحِقِّين من عقوبةِ الدُّنيا والآخِرةِ ما يستحِقُّه أمثالُهم من المُشرِكين”([21]).
فانظر إلى قول ابن تيمية: (كما يُعذَرُ من لم يُبعَثْ إليه رسولٌ) فجعل عذرهم من جنس من لم يبعث إليه رسول.
بل إن ابن حجر الهيتمي لا يعتبر النية، ولا حتى القرائن، وحصر العذر بالجهل في قرب العهد بالإسلام أو بعده عن العلماء، بغضّ النظر عن طبيعة ما يعتبره الهيتمي كفرًا.
قال ابن حجر الهيتمي: “المدار في الحكم بالكفر على الظواهر، ولا نظر للمقصود والنيَّات، ولا نظر لقرائن حاله، نعم يُعذر مدَّعي الجهل -إن عُذر- لقرب عهده بالإسلام، أو بُعده عن العلماء”([22]).
وتأمل الجملة الاعتراضية: (إن عُذر)، وكأنه يتشكّك حتى في قريب العهد للإسلام، ولو قالها الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو أحد السلفية لقامت عليه الدنيا ولم تقعد، فيما إننا نجد كلام الشيخ أكثر تسامحًا في عباراته.
والقصد من ذلك أن قضية العذر بالجهل (في المسائل الظاهرة) ليست قضية خلافية عند النجديين فحسب، إنما هي قضية إسلامية قديمة داخل الإطار الإسلامي.
ولتلخيص ما سبق، نقول:
1- صرح الحنابلة ممن خالفوا الشيخ أن الكفر ينحصر باشتراط اعتقاد الربوبية في المدعو، وأن الاستغاثة بالرسول جائزة كما قال ابن داود في (الصواعق) وابن جرجيس في (صلح الإخوان)، كما صرحوا بأن الشرك لا يقع في هذه الأمة، وأن أفعال المسلمين عند القبور متأوَّلة، أو من الشرك الأصغر ما داموا يشهدون الشهادتين كما قال ابن عفالق وغيره.
2- قد رد عليهم علماء تيميّون غير مقلّدين للوهابية، أمثال النعمان الآلوسي وابن أخيه محمود الآلوسي والشوكاني وغيرهم.
3- مع التسليم جدلًا أن النجدية يخالفون ابن تيمية في العذر بالجهل في أصل التوحيد، فهو يوافقهم في وجوب قتال القبوريين كقتال المشركين، فالنتيجة النهائية واحدة سواء عند ابن تيمية أو عند النجدية، كما أن العذر بالجهل من مسائل الفروع التي اختارها ابن تيمية لنفسه ولم يُضلل مخالفه، وقد سبق النجدية ابن عقيل وابن القيم، ووافقهم الشوكاني.
والمراد من ذلك أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان معه الحق في أصل مسائل الاعتقاد دون ابن فيروز وغيره، والشيخ أحق بمنهج ابن تيمية بشهادة العلماء المحايدين ممن جاؤوا بعدهم وقوَّموا الطرفين بعدلٍ وإنصاف، أما اعتبارية قيام الحجة على الأفراد وتكفير المعاندين أو قتال أمراء آل سعود وهدمهم القباب فهذه مسألة مصلحية تتعلق بتنزيل الحكم الشرعي على الواقع؛ فهي من مسائل الاجتهاد التي تتغير من زمن لآخر، ومن مكان لآخر، بل تتغير بحسب اجتهاد العالم ذاته.
وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([3]) جواب ابن عفالق على عثمان بن معمر، نقلًا من كتاب: الوهابية دين سعودي جديد (ص: 463).
([4]) مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الرسائل الشخصية (ص: 20).
([5]) الصواعق والرعود (ص: 429).
([6]) الصواعق والرعود (ص: 127).
([9]) الصواعق والرعود (ص: 111).
([10]) مقدمة محمد بن فيروز على الصواعق والرعود (ص: ٢٧).
([11]) الصواعق الرعود (ص: 135).
([12]) قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق (ص: 69).
([13]) جامع الرسائل والمسائل (3/ 151).
([14]) تراجم متأخري الحنابلة (ص: 49).
([15]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 73).
([16]) الأجوبة الشوكانية على الأسئلة الحفظية (ص: 39).
([18]) نقله عنه ابن الجوزي مقرًا له في تلبيس إبليس (ص: 448).
([19]) كتاب الكبائر لابن القيم -وهو مفقود- نقلًا من العقد الثمين للسويدي (ص: 125).
([20]) إغاثة اللهفان (1/ 384).
([21]) قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق (ص: 69).