الثلاثاء - 17 ربيع الأول 1447 هـ - 09 سبتمبر 2025 م

دفع إشكال في مذهب الحنابلة في مسألة حَلِّ السِّحر بالسحر

A A

 

في هذا العصر -عصر التقدم المادي- تزداد ظاهرة السحر نفوذًا وانتشارًا، فأكثر شعوب العالم تقدّمًا مادّيًّا -كأمريكا وفرنسا وألمانيا- تجري فيها طقوس السحر على نطاق واسع وبطرق متنوعة، بل إن السحر قد واكب هذا التطور المادي، فأقيمت الجمعيات والمعاهد لتعليم السحر سواء عن طريق الانتظام أو الانتساب، كما نظمت المؤتمرات والندوات في هذا المجال.

إضافة إلى ذلك فإن بلاد المسلمين عمومًا تنتشر فيها مظاهر السحر وأنواعه بسبب ضعف الإيمان بالله تعالى، وظهور الجهل بأحكام الشريعة، وسذاجة الكثير من المسلمين وجهلهم بحال هؤلاء السحرة المشعوذين، وتعطيل أحكام الله تعالى في هؤلاء السحرة([1]).

والمسائل المتعلقة بالسحر كثيرة، وسنتناول في هذا المقال مسألةً منها، وهي مسألة حل السحر بالسحر.

ومدار بحثنا على قول الحنابلة في هذه المسألة، وذلك ببيان الوجهين فيها، والمعتمد منهما عند الحنابلة، وأدلة كل منهما، والراجح منهما، وكشف ما يرد من إشكال على القولِ بجواز الحل بالسحر، وذلك ببيان قيوده وشروطه.

الوجه الأول عند الحنابلة: تحريم حل السحر بالسحر مطلقًا:

1- أدلة تحريم حل السحر بالسحر مطلقًا:

أظهرُ ما استدل به المانعون من حل السحر بالسحر حديث جابرِ بنِ عبد الله رضي الله عنه قال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلم عن النُشْرَةِ، فقالَ: «هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»([2]).

وجاء عن الحسن البصري رحمه الله: (لا يطلق السحر إلا ساحر)([3]).

وسئل الإمام أحمد عن النشرة فقال: (ابن مسعود يكره هذا كله)([4]).

واستُدِل لهذا القول بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ وَلَا تُطُيِّرَ لَهُ، وَلَا تَكَهَّنَ وَلَا تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ ‌سُحِرَ ‌لَهُ»([5])، فهذا الحديث يقتضي أن طلب السحر من الساحر لأي غرض من الأغراض يعد كبيرة من كبائر الذنوب.

ومما يدل على ذلك أيضًا: عموم النصوص التي فيها النهي عن المجيء إلى الكهّان والعرافين وسؤالهم، فهي دالة على تحريم سؤال السحرة كذلك؛ لأن تلك الأصناف تشترك في العلة الموجبة للتحريم، وهي الاعتماد على غير الله، وادعاء الغيب، والدجل.

ومن ذلك: النصوص الشرعية التي فيها إطلاق المنع من السحر، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات»([6])، وذكر منها السحر. وهذا النهي عام يشمل كل تعامل مع السحر، ولم يفرق فيه وبين حال وحال.

ولأن إباحة حل السحر بالسحر فيها إقرار للسحرة على عملهم، وتعاون معهم فيما هم عليه من الباطل([7]).

2- القائلون بتحريم حل السحر بالسحر مطلقًا من علماء الحنابلة:

وممن قال بهذا القول من علماء وأئمة الحنابلة: ابن الجوزي، وابن حمدان الحراني، وابن مفلح، وابن قيم الجوزية، وأطبق عليه علماء الدعوة النجدية.

قال الإمام ابن الجوزي: (‌النُّشْرة: حلّ السّحر عن المسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلّا من يعرف السّحر)([8]).

وقال الإمام ابن حمدان الحراني: (يحرم العطف والربط، وكذا ‌الحل ‌بسحر، وقيل: يكره الحل، وقيل: يباح بكلام مباح)([9]).

وقد صدّر الإمام شمس الدين ابن مفلح الفصل الذي عقده في ‌النشرة، قال: (وهو ماء يرقى ويترك تحت السماء، ويغسل به المريض)([10])؛ صدّره بكلام الإمام أحمد المتقدّم، وحديث جابر، ونقل عنه المرداوي قوله: (ويجوز حله بقرآن أو بكلام مباح غيره)، ثم قال: (فدل كلامه أنه لا يباح بسحر)([11]).

وقال الإمام ابن القيم بعد ذكره لحديث جابر: (والنُّشْرة: حلُّ السحر عن المسحور، وهي نوعان: حلُّ سحرٍ ‌بسحرٍ ‌مثلِه، وهو الذي من عمل الشيطان، فإن السحر من عمله، فيتقرَّب إليه الناشر والمنتشر بما يحِبُّ، فيُبطل عملَه عن المسحور.

والثاني: النُّشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة، فهذا جائز، بل مستحب.

وعلى النوع المذموم يُحمَل قول الحسن: لا يحُلُّ السحرَ إلا ساحرٌ)([12]).

وكلام ابن القيم انتشر جدًّا لأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب نقله في (كتاب التوحيد)، قال الشيخ السعدي: (فيه كفاية)([13]). وقال الشيخ ابن عثيمين: (هذا الكلام جيد، ولا مزيد عليه)([14]).

ولذلك أورده الشيخ ابن قاسم في (حاشيته على الروض)([15]) عقب ذكر البهوتي معتمد الحنابلة من (جواز حَلِّ السِّحر بالسحر ضرورة).

وقال ابن قاسم: (وقال -يعني الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ- في رد قول بعض الحنابلة: ويجوز الحل بسحر ضرورة): (والقول الآخر أَنه لا يحل، وهذا الثاني هو الصحيح، وحقيقته أَنه يتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب من ذبح شيء أَو السجود له أَو غير ذلك، فإذا فعل ذلك ساعد الشيطان وجاءَ إلى إخوانه الشياطين الذين عملوا ذلك العمل، فيبطل عمله عن المسحور)([16]).

3- القائلون بتحريم حل السحر بالسحر مطلقًا من غير الحنابلة:

نشير هنا إلى كلام بعض العلماء المتأخرين من غير الحنابلة في تحريم حل السحر بالسحر مطلقًا، وليس القصد الاستقصاء.

قال ابن الحاج بعد ذكره النشرة المباحة: (وأما النشرة التي يعملها المعزمون على أي حالة كانت فليست من هذه في شيء، وهي ممنوعة، ولو كان أكثر كلامهم معروفًا؛ لأنهم يتلفظون مع ذلك بلفظ لا يُعرف، كما قاله علماؤنا -رحمة الله عليهم- في الورقة التي يكتبها من انغمس في الجهل في آخر جمعة في شهر رمضان، وإن كان ما فيها معروفا، لكن منعوها لأجل اللفظة التي فيها وهي معلومة؛ لأن ذلك راجع لما تقدم من قول مالك رحمه الله: وما يدريك ‌لعله ‌كفر)([17]).

وقال ابن حجر الهيتمي: (تعلُّم السحر وتعليمه حرامان مُفسِّقَان مُطلقًا على الأصح، ومحل الخلاف حيث لم يكن فعل مكفر ولا اعتقاده.

 ويحرم فعله ويفسق به أيضًا، ولا يظهر إلا على فاسق إجماعًا فيهما.

نعم، سئل الإمام أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور فقال: لا بأس به([18])، وأُخذ منه حل فعله لهذا الغرض، وفيه نظر، بل لا يصح، إذ إبطاله لا يتوقف على فعله، بل يكون بالرقى الجائزة ونحوها مما ليس بسحر.

وفي حديثٍ حسن: «النشرة مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»، قال ابن الجوزي: (هي ‌حل ‌السحر، ولا يكاد يقدر عليه إلا من عرف السحر) انتهى، أي: فالنشرة التي هي من السحر محرمة، وإن كانت لقصد حله، بخلاف النشرة التي ليست من السحر، فإنها مباحة كما بينها الأئمة وذكروا لها كيفيات)([19]).

وقال الملا علي القاري في شرح حديث: «النشرة مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»: (النوع الذي كان أهل الجاهلية يعالجون به ويعتقدون فيه، وأما ما كان من الآيات القرآنية، والأسماء والصفات الربانية، والدعوات المأثورة النبوية، فلا بأس، بل يستحب سواء كان تعويذًا أو رقية أو نشرة، وأما على لغة العبرانية ونحوها، فيمتنع لاحتمال الشرك فيها)([20]).

الوجه الثاني عند الحنابلة: جواز حل السحر بالسحر ضرورةً، وهو معتمد المذهب:

1- تقرير كونه معتمد المذهب:

ذكر العلامة المرداوي الوجهين في المذهب وأطلقهما في (الإنصاف)([21]) وفي (تصحيح الفروع)([22])، وقال في (التنقيح المشبع)([23]): (ويجوز ‌الحلُّ ‌بسحرٍ ضَرُورَة). فهذا هو الوجه المعتمد.

وذكر هذه العبارة بلفظها ابن النجّار في (المنتهى)، وقال في شرحه: (أي: للضرورة إلى ذلك فى الأصح)([24]).

وقال السامري في (المستوعب)([25]): (حَلُّ السِّحر عن المسحور جائز).

وقال العلامة الحجاوي في (الإقناع)([26]): (ولا بأس بِحَلِّ السحر بشيء من القرآن والذِّكر والأَقسَام، والكلام المباح، وإن كان بشيءٍ من السحر فقد توَقَّف فيه أحمد، والمذهبُ جوازُه ضرورةً). ولم يتعقبه الشيخ منصور بشيء في شرحه (كشاف القناع)([27]).

وفي (غاية المنتهى) ممزوجًا بشرح الرحيباني: ((ويجوز الحل) أي: حَلُّ السحر بالقرآن والذكر والأقسام والكلام المباح، ويجوزُ حَلُّه أيضًا (‌بسحرٍ ضرورة) أي: لأجل الضرورة)([28]).

وكذلك اعتمد الشيخ المحقق منصور البهوتي هذا القول في (الروض المربع)([29])، فقال: (ويجوز ‌الحلُّ ‌بسحرٍ ضَرُورَة).

وهذا كافٍ في الدلالة على أن القول بجواز حل السحر بالسحر ضرورةً هو معتمد الحنابلة.

وممن قال به من الحنابلة المتأخرين أيضًا: العلامة جمال الدين ابن عبد الهادي، الشهير بابن المبرد، حيث قال: (ولا بأس بنشرة وسلوة وأن يطلق عن المسحور ويحل المعقود. نص عليه)([30]).

2- مستندات القول بجواز حل السحر بالسحر ضرورةً:

استُنِدَ إلى نصّ الإمام أحمد في تقرير القول المعتمد، فذكر ابنُ مفلح الرواية التي استَنَد إليها هذا القول، وهي رواية مهنا، حيث سأل الإمام أحمد عمن تأتيه مسحورة فيُطلقه عنها، قال: (لا بأس).

ثم نقل عن الخلال قوله: إنما كَرِه أحمدُ فعله، ولا يرى به بأسًا، كما بينه مهنا، وهذا من الضرورة التي يبيح فعلها([31]).

ونقل المرداوي عن ابن قدامة وابن أبي عمر قولهما: (توَقَّفَ الإمامُ أحمد رحمه الله في الحِلِّ، وهو ‌إلى ‌الجواز ‌أميل)([32]).

وَاستَنَد ابن قدامة إلى روايات عن ابن سيرين وسعيد بن المسيب في تقرير هذا القول([33]).

وأثر ابن المسيب ذكره البخاري في صحيحه معلقًا، وبوّب له بقوله: (باب: هل يستخرج السحر؟)، قال: (قال قتادة: قلتُ لسعيد بن المسيب: ‌رجل ‌به ‌طبٌّ، أو يُؤَخَّذُ عن امرأته، أَيُحَلُّ عَنهُ أو يُنَشَّرُ ؟ قال: لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم يُنْهَ عنه)([34]).

والعلة في الإباحة بشرطها -كما دلّ عليه كلام ابن المسيب- هي حصول النفع، قال ابن قدامة: (هو مما ينفع ولا يضر)([35]).

ونقل العلامة المرداوي عن ابن رزين قولَه في تعليل القول بالإباحة: (لأنه محض نفع لأخيه المسلم)([36]).

وقال العلامة نجم الدين الطوفي: (من علم السحر فلا بأس أن يستعمله في نفع الناس، كحل مربوط، ومعارضة ساحر، وأذى كافر)([37]).

وقال الخلوتي عند قول صاحب المنتهى: (ويجوز ‌الحَلُّ ‌بسحرٍ ضرورةً): (ويؤخذ منه: جوازُ تعلُّمِه وتعليمِه لأجل ذلك؛ لا لأجل الإضرار به. وبه صرح في الفروع)([38]).

3- الجواب عن مستندات القول بالجواز:

وقد أجاب عن الاستناد إلى أثر ابن السيب في ذلك من منع حل السحر بالسحر من الحنابلة وغيرهم.

قال الشيخ ابن حجر الهيتمي: (وظاهر المنقول عن ابن المسيب جواز حله عن الغير ولو بسحر قال: (لأنه حينئذ صلاح لا ضرر)، لكن خالَفَهُ الحسن وغيره، وهو الحق؛ لأنه داء خبيث من شأن العالِم به الطبع على الإفساد والإضرار به، ففطم الناس عنه رأسًا)([39]).

وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى: (وكلام الأَصحاب هنا بَيِّنٌ أَنه حَرَامٌ، ولا يجُوز إلا لضرورة فقط، ولكن هذا يحتاج إلى دليل، ولا دليل إلا كلام ابن المسيب.

ومَعَنَا حديث جابر في ذلك، وقول ابن مسعود، وقول الحسن: لا يحل السحر إلا ساحر.

وهو لا يتوصل إلى حَلِّهِ إلا بسحر، والسحر حرام وكفر، أَفيعمل الكفر لتحيا نفس مريضة أَو مصابة؟!

مع أَن الغالب في المسحور أَنه يموت أَو يختل عقله، فالرسول منع وسد الباب ولم يفصل في عمل الشيطان ولا في المسحور)([40]).

4- شروط حل السحر بالسحر عند من أجازه من الحنابلة:

  • وجود الضرورة: تتابع محققو الحنابلة الذين جعلوا القول بحل السحر بالسحر معتمد المذهب على ذكرِ قيد الضرورة، كما تقدّمت عباراتهم.
  • قصد الخير: وهذا يؤخذ من التعليل الذي عللوا به الجواز استنادًا إلى كلام ابن المسيب.
  • أن يكون الحَلُّ بكلامٍ مباح: وهذا القيد ذكره ابن عبد القوي في نظمه حيث قال:

وحُكْمُ ذَوِي التعزيمِ أَحكامُ ساحِرٍ … وقدْ قيلَ فيما فيهِ نَفْعُ الْمُوَحِّدِ

كحَلٍّ وتَعزيمٍ يُسامَحُ فيهما … فما النهيُ إلَّا عنْ مُضِرٍّ ومُفْسِدِ

وشَرْطُ الذي مِنْ ذَلِكم فيهِ رَخَّصُوا … إذا كانَ بالقولِ ‌الْمُباحِ ‌الْمُعَوَّدِ([41])

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن التداوي بالكفر والشرك خارج عن محل النزاع بين المسلمين فيما تنازعوا فيه في باب التداوي([42]).

وهذا الشرط يزول به كثير من الإشكال، إذ يخرج بالكلام المباح الكلام المحرّم والشركي، وما كان يصنعه أهل الجاهلية([43]).

والكلام المباح ليس مما يحبه الشيطان، وبهذا الشَّرْط لا يكون حل السحر بكلام مباح -وإن سمي سحرًا- داخلًا في النشرة المنهي عنها. ويتضح ذلك بما يأتي في البند الآتي.

5- حكم من يحل السحر بالسحر ضرورة:

يفرق الحنابلة بين الساحر المكفَّر بسحره وغيره([44]).

يقول الإمام ابن قدامة في أحكام السحر والسحرة: (فأما المعزم الذي يعزم على المصروع، ويزعم أنه يجمع الجن، وأنها تطيعه، والذي يَحُلُّ السحر، فذكرهما أصحابنا من السحرة الذين ذكرنا حكمهم)، أي: التكفير والقتل، ثم ذكر توقف الإمام أحمد وأثري ابن سيرين وابن المسيب، ثم قال: (وهذا يدل على أن مثل هذا لا يكفرُ صاحبُه، ولا يُقتَل)([45]).

وقال في (المغني)([46]) بعد إيراد كلام ابن سيرين وابن المسيب: (فهذا من قولهم يدل على أن المعزم ونحوه لم يدخلوا في حكم السحرة؛ لأنهم لا يسمون به، وهو مما ينفع ولا يضر).

وبهذا يتبين أنّ مستندات القول بجواز حل السحر بالسحر ضرورة هي نفسها مستندات عدم تكفير من يفعل ذلك وقتله، ولا يخفى ما بين ذلك من تلازم.

وعليه فلا تناقض بين قول الحنابلة بتكفير الساحر وقتله، وبين قولهم بجواز حل السحر بالسحر ضرورة، فإنهم لا يعدّون من يحل السحر بالسحر ساحرًا مُكفَّرًا.

الموازنة بين الوجهين:

لا خلاف في أن (أنفع ما يستعمل لإذهاب السحر ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في ذهاب ذلك وهما المعوذتان، وفي الحديث: «لم يتعوذ المتعوذ بمثلهما»([47]) وكذلك قراءة آية الكرسي فإنها مطردة للشيطان) كما قال الحافظ ابن كثير([48])، وإنما جوّز من جوّز من الحنابلة حَلَّ السحر بالسحر في حالةِ الضرورة، والفرق بين إطلاق القول بالحِلّ وتقييده بحال الضرورة لا يخفى على أحد.

ويضيق محل النزاع أيضًا بما تقدّم من شروط القول بجواز حل السحر بالسحر، فإن منع الحل بما هو شرك أو كفرٌ محل اتفاق.

غير أن القول الأول فيه حسم للباب بالكلية، واحتياط للدين، فهو أقرب إلى مقصد الشريعة في حفظ الدين، الذي هو من الضروريات الخمس، والله تعالى أعلم.

كما أن فيه حفظًا لأموال الناس، وفي ذلك يقول الشيخ حافظ الحكمي: (ترى كثيرًا من السحرة الفجرة في الأزمان التي لا سيف فيها يردعهم يتعمَّدُ سحر الناس ممن يحبه أو يبغضه ليضطره بذلك إلى سؤاله حلَّه، ليتوَصَّل بذلك إلى أموال الناس بالباطل، فيستحوذ على أموالهم ودينهم، نسأل الله تعالى العافية)([49]).

والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) هذه المقدمة مستفادة من «نواقض الإيمان القولية والعملية» للدكتور عبد العزيز العبد اللطيف (ص: 495).

([2]) أخرجه أحمد (14135)، وأبو داود (3868)، وجود ابن مفلح إسناده في «الآداب الشرعية» (3/ 63)، وعنه نقل ذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب في «كتاب التوحيد» (باب النشرة)، وحسنه الحافظ في «الفتح» (17/ 614).

([3]) ينظر: «الآداب الشرعية» لابن مفلح (3/ 64).

([4]) ينظر: «الآداب الشرعية» لابن مفلح (3/ 64).

([5]) أخرجه البزار (3578)، والطبراني في «الكبير» (355)، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (2195).

([6]) أخرجه البخاري (2766، 5764، 6857)، ومسلم (89).

([7]) مستفاد من «المسلك الرشيد إلى كتاب التوحيد» للدكتور سلطان العُميري (3/ 81-82).

([8]) «جامع المسانيد» (2/ 83)، ونقله ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (3/ 64)، وتداوله علماء الشافعية فنقله ابن حجر في «فتح الباري» (17/ 615)، والهيتمي في «تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج» (9/ 62).

([9]) نقله عنه المرداوي في «تصحيح الفروع» بهامش «الفروع» (10/ 209)، و«الإنصاف» (27/ 192).

([10]) «الآداب الشرعية» لابن مفلح (3/ 64).

([11]) «تصحيح الفروع» بهامش «الفروع» (10/ 209)، و«الإنصاف» (27/ 192).

([12]) «إعلام الموقعين» (5/ 450).

([13]) «القول السديد» (ص: 102).

([14]) «القول المفيد» (1/ 557).

([15]) (7/ 414). وتبعته كاملة الكواري في «التسهيل المقنع» (5/ 474).

([16]) «فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ» (1/ 195).

([17]) «المدخل» (4/ 131).

([18]) هذا هو نصّ الإمام أحمد الذي اعتُمِد عليه في تقرير معتمد المذهب، وسيأتي.

([19]) «تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج» (9/ 62).

([20]) «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (7/ 2880).

([21]) (27/ 192).

([22]) (10/ 209).

([23]) (ص: 455).

([24]) «معونة أولي النهى شرح غاية المنتهى» (10/ 561).

([25]) (2/ 814).

([26]) (4/ 308).

([27]) (14/ 276).

([28]) «مطالب أولي النهى» (6/ 305).

([29]) (3/ 424).

([30]) «مغني ذوي الأفهام» (ص: 30).

([31]) «الفروع» (10/ 209)، ونقله المرداوي في «الإنصاف» (27/ 192)، وذكر ابن مفلح رواية مهنا أيضًا في «الآداب الشرعية» (3/ 63).

([32]) «تصحيح الفروع» بهامش «الفروع» (10/ 209)، و«الإنصاف» (27/ 192)، ونقله في «كشاف القناع» (14/ 276)، و«مطالب أولي النهى» (6/ 305).

([33]) «المغني» (12/ 305)، «الكافي» (4/ 65-66). وذكر ابن مفلح أثر ابن المسيب دليلًا على القول بالجواز في «الآداب الشرعية» (3/ 64).

([34]) انظر: «فتح الباري» (17/ 614).

([35]) «المغني» (12/ 305).

([36]) «تصحيح الفروع» بهامش «الفروع» (10/ 209).

([37]) «حلال العقد في أحكام المعتقد» (ص: 50).

([38]) «حاشية الخلوتي على منتهى الإرادات» (6/ 358).

([39]) «تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج» (9/ 62).

([40]) «فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ» (1/ 195).

([41]) «عقد الفرائد وكنز الفوائد» (2/ 296-297)، و«الألفية في الآداب الشرعية» الأبيات (142-144).

([42]) «مجموع الفتاوى» (19/ 61).

([43]) «شرح سنن أبي داود» لابن رسلان (15/ 570).

([44]) «المحرر» للمجد ابن تيمية (2/ 168)، و«الوجيز» للدجيلي (ص: 492).

([45]) «الكافي» (4/ 66). وانظر: «المبدع في شرح المقنع» لبرهان الدين بن مفلح (7/ 495).

([46]) (12/ 305).

([47]) أخرجه أَبو داود (1463)، والنَّسَائي في «الكبرى» (7789، 8009)، وابن أبي شيبة (30220).

([48]) «تفسير ابن كثير» (1/ 256).

([49]) «معارج القبول» (2/ 567).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

الصحابة في كتاب (الروض الأنف) لأبي القاسم السهيلي الأندلسي (581هـ) -وصف وتحليل-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يحرص مركز سلف للبحوث والدراسات على توفية “السلف” من الصحابة ومنِ اتبعهم بإحسان في القرون الأولى حقَّهم من الدراسات والأبحاث الجادة والعميقة الهادفة، وينال الصحابةَ من ذلك حظٌّ يناسب مقامهم وقدرهم، ومن ذلك هذه الورقة العلمية المتعلقة بالصحابة في (الروض الأنف) لأبي القاسم السهيلي الأندلسي رحمه الله، ولهذه […]

معنى الكرسي ورد الشبهات حوله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يُعَدُّ كرسيُّ الله تعالى من القضايا العقدية العظيمة التي ورد ذكرُها في القرآن الكريم وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نال اهتمام العلماء والمفسرين نظرًا لما يترتب عليه من دلالات تتعلّق بجلال الله سبحانه وكمال صفاته. فقد جاء ذكره في قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} […]

لماذا لا يُبيح الإسلامُ تعدُّد الأزواج كما يُبيح تعدُّد الزوجات؟

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (إنَّ النِّكَاحَ فِي الجاهلية كان على أربع أَنْحَاءٍ: فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ: يَخْطُبُ الرجل إلى الرجل وليته أوابنته، فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا. وَنِكَاحٌ آخَرُ: كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا أَرْسِلِي إِلَى فُلَانٍ ‌فَاسْتَبْضِعِي ‌مِنْهُ، وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا، حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي […]

مركزية السنة النبوية في دعوة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ الدعوةَ الإصلاحية السلفيَّة الحديثة ترتكِز على عدّة أسُس بُنيت عليها، ومن أبرز هذه الأسُس السنةُ النبوية التي كانت هدفًا ووسيلة في آنٍ واحد، حيث إن دعوةَ الإصلاح تهدف إلى الرجوع إلى ما كان عليه السلف من التزام الهدي النبوي من جهة، وإلى تقرير أن السنة النبوية الصحيحة […]

الحكم على عقيدة الأشاعرة بالفساد هل يلزم منه التكفير؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا شك أن الحكم على الناس فيما اختلفوا فيه يُعَدّ من الأمور العظيمة التي يتهيَّبها أهل الديانة ويحذرها أهل المروءة؛ لما في ذلك من تتبع الزلات، والخوض أحيانا في أمور لا تعني الإنسانَ، وويل ثم ويل لمن خاض في ذلك وهو لا يقصد صيانة دين، ولا تعليم شرع، […]

ترجمة الشيخ شرف الشريف (1361-1447هـ)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة ترجمة الشيخ شرف الشريف([1]) اسمه ونسبه:    هو شرف بن علي بن سلطان بن جعفر بن سلطان العبدلي الشريف. يتَّصل نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. نشأته ودراسته وشيوخه: ولد رحمه الله عام 1361هـ في محافظة تربة في العلاوة، وقد بدأ تعليمه الأوّلي في مدرسة […]

وهم التعارض بين آيات القرآن وعلم الكَونِيّات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يمتاز التصوُّرُ الإسلامي بقدرته الفريدة على الجمع بين مصادر المعرفة المختلفة: الحسّ، العقل، والخبر الصادق، دون أن يجعل أحدها في تعارض مع الآخر. فالوحي مصدر هداية، والعقل أداة فهم، والحسّ مدخل المعرفة، والتجربة طريق التحقُّق. وكل هذه المسالك تتكامل في المنهج الإسلامي، دون تصادم أو تعارض؛ لأنها جميعًا […]

لا يفتي أهلُ الدثور لأهل الثغور -تحليل ودراسة-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: في خِضَم الأحداث المتتالية والمؤلمة التي تمرُّ بها أمة الإسلام، وكان لها أثر ظاهر على استقرارها، ومسَّت جوانبَ أساسيّة من أمنها وأمانها في حياتها، برزت حقيقةٌ شرعيّة بحاجة لدراسة وتمييز، ورغم قيام العلماء من فجر الإسلام بواجبهم الشرعيّ في البيان وعدم الكتمان، إلا أنَّ ارتباطَ هذه الحقيقة بأحداث […]

مؤلفات مطبوعة في معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما (عرض ووصف)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: “السيد الحليم“، هكذا وُصف الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وقد كان سيِّدًا في المسلمين، حليمًا ذكيًّا ثقِفًا، يحسن إيراد الأمور وتصديرها، جعله النبي صلى الله عليه وسلم كاتبًا من كتاب الوحي القرآني؛ لأمانته وفقهه، وقد صح في فضله أحاديث، ومهما وقع منه ومن معه […]

جواب الاعتراضات على القدر المشترك (الجزء الأول)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: كنا كتبنا ورقةً علمية بمركز سلف للبحوث والدراسات حول مفهوم القدر المشترك، ووضّحناه وقربناه للعامة، وبقِيَت اعتراضات يوردها بعضهم عليه، وقد تُلبس على العامة دينَهم، وهذه الاعتراضات مثاراتُ الغلط فيها أكثرُ من أن تحصى، وأوسعُ من أن تحصَر، وبعضها ناتج عن عُجمة في اللسان، وبعضها أنشأه أصحابه على […]

ترجمة الشيخ الدكتور جعفر شيخ إدريس (1349-1447هـ / 1931-2025م)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الأرض تحيا إذا ما عاش عالمُها *** متى يمت عالمٌ منها يمُت طرَف كالأرض تحيا إذا ما الغيثُ حلّ بها *** وإن أبى عاد في أكنافها التلَف قال العلامةُ ابن القيم رحمه الله: “إن الإحـاطـة بـتراجم أعـيـان الأمـة مطلوبـة، ولـذوي الـمعـارف مـحبوبـة، فـفـي مـدارسـة أخـبـارهم شـفـاء للعليل، وفي مطالعة […]

‏‏ترجمة الشَّيخ محمد بن سليمان العُلَيِّط (1)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه: هو الشَّيخ أبو عمر محمد بن سليمان بن عبد الكريم بن حمد العُلَيِّط. ويبدو أن اشتقاق اسم الأسرة (العُلَيِّط) من أعلاط الإبل، وهي من أعرق الأسر القصيمية الثريَّة وتحديدا في مدينة بريدة، والتي خرج من رَحِمها الشيخ العابد الزاهد الوَرِع التقيّ محمد العُلَيِّط([2]). مولده: كان مسقط رأسه […]

الأوراد الصوفية المشتهرة في الميزان

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ الذكرَ من أعظم العبادات القلبية واللفظية التي شرعها الله لعباده، ورتَّب عليها الأجور العظيمة، كما قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152]، وقال سبحانه: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]. وقد داوم النبي صلى الله عليه وسلم على الأذكار الشرعية، وعلَّمها أصحابَه، وكان يرشِدهم إلى أذكار الصباح […]

مناقشة دعوى الرازي: “عدم هداية القرآن إلى العلم بالله وأنبيائه”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا جرم أن الله أنزل علينا قرآنا بدأه بوصفه: {لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} من إنس وجان، وتولَّى بنفسه حفظه لفظًا ومعنًى، وبَيَّنَه أتم بيان، وجعله هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وحرَّر وفنَّد الشبهات التي ترِد على الفؤاد قبل أن ينطق بها لسان، فجلُّ ما استطاعه من […]

أصول الخطأ في الفتوى وأثره على حياة المسلمين المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: عن معاوية رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ»([1]). العلم هو أفضل ما رغب فيه […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017