الأحد - 28 صفر 1446 هـ - 01 سبتمبر 2024 م

دفع إشكال في مذهب الحنابلة في مسألة حَلِّ السِّحر بالسحر

A A

 

في هذا العصر -عصر التقدم المادي- تزداد ظاهرة السحر نفوذًا وانتشارًا، فأكثر شعوب العالم تقدّمًا مادّيًّا -كأمريكا وفرنسا وألمانيا- تجري فيها طقوس السحر على نطاق واسع وبطرق متنوعة، بل إن السحر قد واكب هذا التطور المادي، فأقيمت الجمعيات والمعاهد لتعليم السحر سواء عن طريق الانتظام أو الانتساب، كما نظمت المؤتمرات والندوات في هذا المجال.

إضافة إلى ذلك فإن بلاد المسلمين عمومًا تنتشر فيها مظاهر السحر وأنواعه بسبب ضعف الإيمان بالله تعالى، وظهور الجهل بأحكام الشريعة، وسذاجة الكثير من المسلمين وجهلهم بحال هؤلاء السحرة المشعوذين، وتعطيل أحكام الله تعالى في هؤلاء السحرة([1]).

والمسائل المتعلقة بالسحر كثيرة، وسنتناول في هذا المقال مسألةً منها، وهي مسألة حل السحر بالسحر.

ومدار بحثنا على قول الحنابلة في هذه المسألة، وذلك ببيان الوجهين فيها، والمعتمد منهما عند الحنابلة، وأدلة كل منهما، والراجح منهما، وكشف ما يرد من إشكال على القولِ بجواز الحل بالسحر، وذلك ببيان قيوده وشروطه.

الوجه الأول عند الحنابلة: تحريم حل السحر بالسحر مطلقًا:

1- أدلة تحريم حل السحر بالسحر مطلقًا:

أظهرُ ما استدل به المانعون من حل السحر بالسحر حديث جابرِ بنِ عبد الله رضي الله عنه قال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلم عن النُشْرَةِ، فقالَ: «هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»([2]).

وجاء عن الحسن البصري رحمه الله: (لا يطلق السحر إلا ساحر)([3]).

وسئل الإمام أحمد عن النشرة فقال: (ابن مسعود يكره هذا كله)([4]).

واستُدِل لهذا القول بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ وَلَا تُطُيِّرَ لَهُ، وَلَا تَكَهَّنَ وَلَا تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ ‌سُحِرَ ‌لَهُ»([5])، فهذا الحديث يقتضي أن طلب السحر من الساحر لأي غرض من الأغراض يعد كبيرة من كبائر الذنوب.

ومما يدل على ذلك أيضًا: عموم النصوص التي فيها النهي عن المجيء إلى الكهّان والعرافين وسؤالهم، فهي دالة على تحريم سؤال السحرة كذلك؛ لأن تلك الأصناف تشترك في العلة الموجبة للتحريم، وهي الاعتماد على غير الله، وادعاء الغيب، والدجل.

ومن ذلك: النصوص الشرعية التي فيها إطلاق المنع من السحر، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات»([6])، وذكر منها السحر. وهذا النهي عام يشمل كل تعامل مع السحر، ولم يفرق فيه وبين حال وحال.

ولأن إباحة حل السحر بالسحر فيها إقرار للسحرة على عملهم، وتعاون معهم فيما هم عليه من الباطل([7]).

2- القائلون بتحريم حل السحر بالسحر مطلقًا من علماء الحنابلة:

وممن قال بهذا القول من علماء وأئمة الحنابلة: ابن الجوزي، وابن حمدان الحراني، وابن مفلح، وابن قيم الجوزية، وأطبق عليه علماء الدعوة النجدية.

قال الإمام ابن الجوزي: (‌النُّشْرة: حلّ السّحر عن المسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلّا من يعرف السّحر)([8]).

وقال الإمام ابن حمدان الحراني: (يحرم العطف والربط، وكذا ‌الحل ‌بسحر، وقيل: يكره الحل، وقيل: يباح بكلام مباح)([9]).

وقد صدّر الإمام شمس الدين ابن مفلح الفصل الذي عقده في ‌النشرة، قال: (وهو ماء يرقى ويترك تحت السماء، ويغسل به المريض)([10])؛ صدّره بكلام الإمام أحمد المتقدّم، وحديث جابر، ونقل عنه المرداوي قوله: (ويجوز حله بقرآن أو بكلام مباح غيره)، ثم قال: (فدل كلامه أنه لا يباح بسحر)([11]).

وقال الإمام ابن القيم بعد ذكره لحديث جابر: (والنُّشْرة: حلُّ السحر عن المسحور، وهي نوعان: حلُّ سحرٍ ‌بسحرٍ ‌مثلِه، وهو الذي من عمل الشيطان، فإن السحر من عمله، فيتقرَّب إليه الناشر والمنتشر بما يحِبُّ، فيُبطل عملَه عن المسحور.

والثاني: النُّشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة، فهذا جائز، بل مستحب.

وعلى النوع المذموم يُحمَل قول الحسن: لا يحُلُّ السحرَ إلا ساحرٌ)([12]).

وكلام ابن القيم انتشر جدًّا لأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب نقله في (كتاب التوحيد)، قال الشيخ السعدي: (فيه كفاية)([13]). وقال الشيخ ابن عثيمين: (هذا الكلام جيد، ولا مزيد عليه)([14]).

ولذلك أورده الشيخ ابن قاسم في (حاشيته على الروض)([15]) عقب ذكر البهوتي معتمد الحنابلة من (جواز حَلِّ السِّحر بالسحر ضرورة).

وقال ابن قاسم: (وقال -يعني الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ- في رد قول بعض الحنابلة: ويجوز الحل بسحر ضرورة): (والقول الآخر أَنه لا يحل، وهذا الثاني هو الصحيح، وحقيقته أَنه يتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب من ذبح شيء أَو السجود له أَو غير ذلك، فإذا فعل ذلك ساعد الشيطان وجاءَ إلى إخوانه الشياطين الذين عملوا ذلك العمل، فيبطل عمله عن المسحور)([16]).

3- القائلون بتحريم حل السحر بالسحر مطلقًا من غير الحنابلة:

نشير هنا إلى كلام بعض العلماء المتأخرين من غير الحنابلة في تحريم حل السحر بالسحر مطلقًا، وليس القصد الاستقصاء.

قال ابن الحاج بعد ذكره النشرة المباحة: (وأما النشرة التي يعملها المعزمون على أي حالة كانت فليست من هذه في شيء، وهي ممنوعة، ولو كان أكثر كلامهم معروفًا؛ لأنهم يتلفظون مع ذلك بلفظ لا يُعرف، كما قاله علماؤنا -رحمة الله عليهم- في الورقة التي يكتبها من انغمس في الجهل في آخر جمعة في شهر رمضان، وإن كان ما فيها معروفا، لكن منعوها لأجل اللفظة التي فيها وهي معلومة؛ لأن ذلك راجع لما تقدم من قول مالك رحمه الله: وما يدريك ‌لعله ‌كفر)([17]).

وقال ابن حجر الهيتمي: (تعلُّم السحر وتعليمه حرامان مُفسِّقَان مُطلقًا على الأصح، ومحل الخلاف حيث لم يكن فعل مكفر ولا اعتقاده.

 ويحرم فعله ويفسق به أيضًا، ولا يظهر إلا على فاسق إجماعًا فيهما.

نعم، سئل الإمام أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور فقال: لا بأس به([18])، وأُخذ منه حل فعله لهذا الغرض، وفيه نظر، بل لا يصح، إذ إبطاله لا يتوقف على فعله، بل يكون بالرقى الجائزة ونحوها مما ليس بسحر.

وفي حديثٍ حسن: «النشرة مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»، قال ابن الجوزي: (هي ‌حل ‌السحر، ولا يكاد يقدر عليه إلا من عرف السحر) انتهى، أي: فالنشرة التي هي من السحر محرمة، وإن كانت لقصد حله، بخلاف النشرة التي ليست من السحر، فإنها مباحة كما بينها الأئمة وذكروا لها كيفيات)([19]).

وقال الملا علي القاري في شرح حديث: «النشرة مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»: (النوع الذي كان أهل الجاهلية يعالجون به ويعتقدون فيه، وأما ما كان من الآيات القرآنية، والأسماء والصفات الربانية، والدعوات المأثورة النبوية، فلا بأس، بل يستحب سواء كان تعويذًا أو رقية أو نشرة، وأما على لغة العبرانية ونحوها، فيمتنع لاحتمال الشرك فيها)([20]).

الوجه الثاني عند الحنابلة: جواز حل السحر بالسحر ضرورةً، وهو معتمد المذهب:

1- تقرير كونه معتمد المذهب:

ذكر العلامة المرداوي الوجهين في المذهب وأطلقهما في (الإنصاف)([21]) وفي (تصحيح الفروع)([22])، وقال في (التنقيح المشبع)([23]): (ويجوز ‌الحلُّ ‌بسحرٍ ضَرُورَة). فهذا هو الوجه المعتمد.

وذكر هذه العبارة بلفظها ابن النجّار في (المنتهى)، وقال في شرحه: (أي: للضرورة إلى ذلك فى الأصح)([24]).

وقال السامري في (المستوعب)([25]): (حَلُّ السِّحر عن المسحور جائز).

وقال العلامة الحجاوي في (الإقناع)([26]): (ولا بأس بِحَلِّ السحر بشيء من القرآن والذِّكر والأَقسَام، والكلام المباح، وإن كان بشيءٍ من السحر فقد توَقَّف فيه أحمد، والمذهبُ جوازُه ضرورةً). ولم يتعقبه الشيخ منصور بشيء في شرحه (كشاف القناع)([27]).

وفي (غاية المنتهى) ممزوجًا بشرح الرحيباني: ((ويجوز الحل) أي: حَلُّ السحر بالقرآن والذكر والأقسام والكلام المباح، ويجوزُ حَلُّه أيضًا (‌بسحرٍ ضرورة) أي: لأجل الضرورة)([28]).

وكذلك اعتمد الشيخ المحقق منصور البهوتي هذا القول في (الروض المربع)([29])، فقال: (ويجوز ‌الحلُّ ‌بسحرٍ ضَرُورَة).

وهذا كافٍ في الدلالة على أن القول بجواز حل السحر بالسحر ضرورةً هو معتمد الحنابلة.

وممن قال به من الحنابلة المتأخرين أيضًا: العلامة جمال الدين ابن عبد الهادي، الشهير بابن المبرد، حيث قال: (ولا بأس بنشرة وسلوة وأن يطلق عن المسحور ويحل المعقود. نص عليه)([30]).

2- مستندات القول بجواز حل السحر بالسحر ضرورةً:

استُنِدَ إلى نصّ الإمام أحمد في تقرير القول المعتمد، فذكر ابنُ مفلح الرواية التي استَنَد إليها هذا القول، وهي رواية مهنا، حيث سأل الإمام أحمد عمن تأتيه مسحورة فيُطلقه عنها، قال: (لا بأس).

ثم نقل عن الخلال قوله: إنما كَرِه أحمدُ فعله، ولا يرى به بأسًا، كما بينه مهنا، وهذا من الضرورة التي يبيح فعلها([31]).

ونقل المرداوي عن ابن قدامة وابن أبي عمر قولهما: (توَقَّفَ الإمامُ أحمد رحمه الله في الحِلِّ، وهو ‌إلى ‌الجواز ‌أميل)([32]).

وَاستَنَد ابن قدامة إلى روايات عن ابن سيرين وسعيد بن المسيب في تقرير هذا القول([33]).

وأثر ابن المسيب ذكره البخاري في صحيحه معلقًا، وبوّب له بقوله: (باب: هل يستخرج السحر؟)، قال: (قال قتادة: قلتُ لسعيد بن المسيب: ‌رجل ‌به ‌طبٌّ، أو يُؤَخَّذُ عن امرأته، أَيُحَلُّ عَنهُ أو يُنَشَّرُ ؟ قال: لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم يُنْهَ عنه)([34]).

والعلة في الإباحة بشرطها -كما دلّ عليه كلام ابن المسيب- هي حصول النفع، قال ابن قدامة: (هو مما ينفع ولا يضر)([35]).

ونقل العلامة المرداوي عن ابن رزين قولَه في تعليل القول بالإباحة: (لأنه محض نفع لأخيه المسلم)([36]).

وقال العلامة نجم الدين الطوفي: (من علم السحر فلا بأس أن يستعمله في نفع الناس، كحل مربوط، ومعارضة ساحر، وأذى كافر)([37]).

وقال الخلوتي عند قول صاحب المنتهى: (ويجوز ‌الحَلُّ ‌بسحرٍ ضرورةً): (ويؤخذ منه: جوازُ تعلُّمِه وتعليمِه لأجل ذلك؛ لا لأجل الإضرار به. وبه صرح في الفروع)([38]).

3- الجواب عن مستندات القول بالجواز:

وقد أجاب عن الاستناد إلى أثر ابن السيب في ذلك من منع حل السحر بالسحر من الحنابلة وغيرهم.

قال الشيخ ابن حجر الهيتمي: (وظاهر المنقول عن ابن المسيب جواز حله عن الغير ولو بسحر قال: (لأنه حينئذ صلاح لا ضرر)، لكن خالَفَهُ الحسن وغيره، وهو الحق؛ لأنه داء خبيث من شأن العالِم به الطبع على الإفساد والإضرار به، ففطم الناس عنه رأسًا)([39]).

وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى: (وكلام الأَصحاب هنا بَيِّنٌ أَنه حَرَامٌ، ولا يجُوز إلا لضرورة فقط، ولكن هذا يحتاج إلى دليل، ولا دليل إلا كلام ابن المسيب.

ومَعَنَا حديث جابر في ذلك، وقول ابن مسعود، وقول الحسن: لا يحل السحر إلا ساحر.

وهو لا يتوصل إلى حَلِّهِ إلا بسحر، والسحر حرام وكفر، أَفيعمل الكفر لتحيا نفس مريضة أَو مصابة؟!

مع أَن الغالب في المسحور أَنه يموت أَو يختل عقله، فالرسول منع وسد الباب ولم يفصل في عمل الشيطان ولا في المسحور)([40]).

4- شروط حل السحر بالسحر عند من أجازه من الحنابلة:

  • وجود الضرورة: تتابع محققو الحنابلة الذين جعلوا القول بحل السحر بالسحر معتمد المذهب على ذكرِ قيد الضرورة، كما تقدّمت عباراتهم.
  • قصد الخير: وهذا يؤخذ من التعليل الذي عللوا به الجواز استنادًا إلى كلام ابن المسيب.
  • أن يكون الحَلُّ بكلامٍ مباح: وهذا القيد ذكره ابن عبد القوي في نظمه حيث قال:

وحُكْمُ ذَوِي التعزيمِ أَحكامُ ساحِرٍ … وقدْ قيلَ فيما فيهِ نَفْعُ الْمُوَحِّدِ

كحَلٍّ وتَعزيمٍ يُسامَحُ فيهما … فما النهيُ إلَّا عنْ مُضِرٍّ ومُفْسِدِ

وشَرْطُ الذي مِنْ ذَلِكم فيهِ رَخَّصُوا … إذا كانَ بالقولِ ‌الْمُباحِ ‌الْمُعَوَّدِ([41])

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن التداوي بالكفر والشرك خارج عن محل النزاع بين المسلمين فيما تنازعوا فيه في باب التداوي([42]).

وهذا الشرط يزول به كثير من الإشكال، إذ يخرج بالكلام المباح الكلام المحرّم والشركي، وما كان يصنعه أهل الجاهلية([43]).

والكلام المباح ليس مما يحبه الشيطان، وبهذا الشَّرْط لا يكون حل السحر بكلام مباح -وإن سمي سحرًا- داخلًا في النشرة المنهي عنها. ويتضح ذلك بما يأتي في البند الآتي.

5- حكم من يحل السحر بالسحر ضرورة:

يفرق الحنابلة بين الساحر المكفَّر بسحره وغيره([44]).

يقول الإمام ابن قدامة في أحكام السحر والسحرة: (فأما المعزم الذي يعزم على المصروع، ويزعم أنه يجمع الجن، وأنها تطيعه، والذي يَحُلُّ السحر، فذكرهما أصحابنا من السحرة الذين ذكرنا حكمهم)، أي: التكفير والقتل، ثم ذكر توقف الإمام أحمد وأثري ابن سيرين وابن المسيب، ثم قال: (وهذا يدل على أن مثل هذا لا يكفرُ صاحبُه، ولا يُقتَل)([45]).

وقال في (المغني)([46]) بعد إيراد كلام ابن سيرين وابن المسيب: (فهذا من قولهم يدل على أن المعزم ونحوه لم يدخلوا في حكم السحرة؛ لأنهم لا يسمون به، وهو مما ينفع ولا يضر).

وبهذا يتبين أنّ مستندات القول بجواز حل السحر بالسحر ضرورة هي نفسها مستندات عدم تكفير من يفعل ذلك وقتله، ولا يخفى ما بين ذلك من تلازم.

وعليه فلا تناقض بين قول الحنابلة بتكفير الساحر وقتله، وبين قولهم بجواز حل السحر بالسحر ضرورة، فإنهم لا يعدّون من يحل السحر بالسحر ساحرًا مُكفَّرًا.

الموازنة بين الوجهين:

لا خلاف في أن (أنفع ما يستعمل لإذهاب السحر ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في ذهاب ذلك وهما المعوذتان، وفي الحديث: «لم يتعوذ المتعوذ بمثلهما»([47]) وكذلك قراءة آية الكرسي فإنها مطردة للشيطان) كما قال الحافظ ابن كثير([48])، وإنما جوّز من جوّز من الحنابلة حَلَّ السحر بالسحر في حالةِ الضرورة، والفرق بين إطلاق القول بالحِلّ وتقييده بحال الضرورة لا يخفى على أحد.

ويضيق محل النزاع أيضًا بما تقدّم من شروط القول بجواز حل السحر بالسحر، فإن منع الحل بما هو شرك أو كفرٌ محل اتفاق.

غير أن القول الأول فيه حسم للباب بالكلية، واحتياط للدين، فهو أقرب إلى مقصد الشريعة في حفظ الدين، الذي هو من الضروريات الخمس، والله تعالى أعلم.

كما أن فيه حفظًا لأموال الناس، وفي ذلك يقول الشيخ حافظ الحكمي: (ترى كثيرًا من السحرة الفجرة في الأزمان التي لا سيف فيها يردعهم يتعمَّدُ سحر الناس ممن يحبه أو يبغضه ليضطره بذلك إلى سؤاله حلَّه، ليتوَصَّل بذلك إلى أموال الناس بالباطل، فيستحوذ على أموالهم ودينهم، نسأل الله تعالى العافية)([49]).

والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) هذه المقدمة مستفادة من «نواقض الإيمان القولية والعملية» للدكتور عبد العزيز العبد اللطيف (ص: 495).

([2]) أخرجه أحمد (14135)، وأبو داود (3868)، وجود ابن مفلح إسناده في «الآداب الشرعية» (3/ 63)، وعنه نقل ذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب في «كتاب التوحيد» (باب النشرة)، وحسنه الحافظ في «الفتح» (17/ 614).

([3]) ينظر: «الآداب الشرعية» لابن مفلح (3/ 64).

([4]) ينظر: «الآداب الشرعية» لابن مفلح (3/ 64).

([5]) أخرجه البزار (3578)، والطبراني في «الكبير» (355)، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (2195).

([6]) أخرجه البخاري (2766، 5764، 6857)، ومسلم (89).

([7]) مستفاد من «المسلك الرشيد إلى كتاب التوحيد» للدكتور سلطان العُميري (3/ 81-82).

([8]) «جامع المسانيد» (2/ 83)، ونقله ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (3/ 64)، وتداوله علماء الشافعية فنقله ابن حجر في «فتح الباري» (17/ 615)، والهيتمي في «تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج» (9/ 62).

([9]) نقله عنه المرداوي في «تصحيح الفروع» بهامش «الفروع» (10/ 209)، و«الإنصاف» (27/ 192).

([10]) «الآداب الشرعية» لابن مفلح (3/ 64).

([11]) «تصحيح الفروع» بهامش «الفروع» (10/ 209)، و«الإنصاف» (27/ 192).

([12]) «إعلام الموقعين» (5/ 450).

([13]) «القول السديد» (ص: 102).

([14]) «القول المفيد» (1/ 557).

([15]) (7/ 414). وتبعته كاملة الكواري في «التسهيل المقنع» (5/ 474).

([16]) «فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ» (1/ 195).

([17]) «المدخل» (4/ 131).

([18]) هذا هو نصّ الإمام أحمد الذي اعتُمِد عليه في تقرير معتمد المذهب، وسيأتي.

([19]) «تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج» (9/ 62).

([20]) «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (7/ 2880).

([21]) (27/ 192).

([22]) (10/ 209).

([23]) (ص: 455).

([24]) «معونة أولي النهى شرح غاية المنتهى» (10/ 561).

([25]) (2/ 814).

([26]) (4/ 308).

([27]) (14/ 276).

([28]) «مطالب أولي النهى» (6/ 305).

([29]) (3/ 424).

([30]) «مغني ذوي الأفهام» (ص: 30).

([31]) «الفروع» (10/ 209)، ونقله المرداوي في «الإنصاف» (27/ 192)، وذكر ابن مفلح رواية مهنا أيضًا في «الآداب الشرعية» (3/ 63).

([32]) «تصحيح الفروع» بهامش «الفروع» (10/ 209)، و«الإنصاف» (27/ 192)، ونقله في «كشاف القناع» (14/ 276)، و«مطالب أولي النهى» (6/ 305).

([33]) «المغني» (12/ 305)، «الكافي» (4/ 65-66). وذكر ابن مفلح أثر ابن المسيب دليلًا على القول بالجواز في «الآداب الشرعية» (3/ 64).

([34]) انظر: «فتح الباري» (17/ 614).

([35]) «المغني» (12/ 305).

([36]) «تصحيح الفروع» بهامش «الفروع» (10/ 209).

([37]) «حلال العقد في أحكام المعتقد» (ص: 50).

([38]) «حاشية الخلوتي على منتهى الإرادات» (6/ 358).

([39]) «تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج» (9/ 62).

([40]) «فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ» (1/ 195).

([41]) «عقد الفرائد وكنز الفوائد» (2/ 296-297)، و«الألفية في الآداب الشرعية» الأبيات (142-144).

([42]) «مجموع الفتاوى» (19/ 61).

([43]) «شرح سنن أبي داود» لابن رسلان (15/ 570).

([44]) «المحرر» للمجد ابن تيمية (2/ 168)، و«الوجيز» للدجيلي (ص: 492).

([45]) «الكافي» (4/ 66). وانظر: «المبدع في شرح المقنع» لبرهان الدين بن مفلح (7/ 495).

([46]) (12/ 305).

([47]) أخرجه أَبو داود (1463)، والنَّسَائي في «الكبرى» (7789، 8009)، وابن أبي شيبة (30220).

([48]) «تفسير ابن كثير» (1/ 256).

([49]) «معارج القبول» (2/ 567).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية في الإسلام

  إنَّ حريةَ الاعتقاد في الإسلام تميَّزت بتفاصيل كثيرة واضحة، وهي تعني أن كلَّ شخص حرّ في اختيار ما يؤمن به وما يدين به، ولا يجب على أحدٍ أن يُكرهَه على اعتقاده، كما تعني الاحترامَ لحرية الآخرين في اختياراتهم الدينية والمعتقدات الشخصية. موقفُ الإسلام من الحرية الدينية: الأصلُ عدمُ الإجبار على الإسلام، ولا يُكره أحد […]

دفع إشكال في مذهب الحنابلة في مسألة حَلِّ السِّحر بالسحر

  في هذا العصر -عصر التقدم المادي- تزداد ظاهرة السحر نفوذًا وانتشارًا، فأكثر شعوب العالم تقدّمًا مادّيًّا -كأمريكا وفرنسا وألمانيا- تجري فيها طقوس السحر على نطاق واسع وبطرق متنوعة، بل إن السحر قد واكب هذا التطور المادي، فأقيمت الجمعيات والمعاهد لتعليم السحر سواء عن طريق الانتظام أو الانتساب، كما نظمت المؤتمرات والندوات في هذا المجال. […]

الفكر الغنوصي في “إحياء علوم الدين” لأبي حامد الغزالي وموقف فقهاء ومتصوفة الغرب الإسلامي منه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة بسم الله الرحمن الرحيم لا تخفى المكانة التي حظي بها كتاب إحياء علوم الدين عند المتصوفة في المغرب والأندلس، فكتب التراجم والمناقب المتصوفة المغربية المشهورة، شاهدة على حضور معرفي مؤثر ظاهر لهذا الكتاب في تشكيل العقل المتصوف وتوجيه ممارسته، وأول ما يثير الانتباه فيه، هو التأكيد على الأثر المشرقي […]

لماذا أحرق أبو بكر وعمر الأحاديث؟

تمهيد: يلتفُّ بعض فرق المبتدعة حول الحداثيين والعلمانيين، ويلتفُّ العلمانيون ومن نحى نحوهم حول هذه الفرق، ويتقاطع معهم منكرو السنَّة ليجتمعوا كلّهم ضدَّ منهج أهل السنة والجماعة في تثبيت حجية السنة والأخذ بها والعمل بها والذبِّ عنها. وبالرغم من أنّ دوافع هذه الفرق والطوائف قد تختلف، إلا أنها تأخذ من بعضها البعض حتى يطعنوا في […]

هل كان ابن فيروز وغيره أعلم من ابن عبد الوهاب بمنهج ابن تيمية؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة يعتمد المخالفون على أن مناوئي الدعوة -من الحنابلة- كانوا معظِّمين لابن تيمية وابن القيم، بل وينتسبون إليهم أيضًا؛ كابن فيروز وابن داود وابن جرجيس، ويعتبرون ذلك دليلًا كافيًا على كونهم على مذهب ابن تيمية، وعلى كون الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعيدًا عن منهج الشيخين ابن تيمية وابن القيم. […]

ترجمة الشَّيخ د. عمر حسن فلاته (محدث الحرمين الشريفين وأول من نال شهادة الماجستير في المملكة العربية السعودية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة ترجمة الشَّيخ د. عمر حسن فلاته([1]) محدث الحرمين الشريفين وأول من نال شهادة الماجستير في المملكة العربية السعودية   اسمه ونسبه: هو محدث الحرمين الشريفين الشَّيخ الدكتور أبو ميْسُون عُمر بن حسن بن عثمان بن محمد الفُلَّاني المدني المالكي، المعروف بـ(عمر حسن فلاته)([2]). مولده: ولد الشَّيخ في المدينة المنورة […]

ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده.  وبعد: فهذه ترجمة للشيخ محمد بن عبد الوهاب أخذتها من كتاب زعماء الإصلاح للكاتب والأديب المصري الراحل أحمد أمين، وقد ضمنتها بعض التعاليق التي تبين الوجهة الصحيحة من الشيخ وما في زمانه من أحداث، وتتميز […]

أسانيد الأمة عن الأشاعرة ووجود فجوة بين ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب (دعوى ونقاش)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدّمة: من الدعاوى التي يروّجها كثيرٌ من الأشاعرة المعاصرين القولُ بأن أسانيد علوم الإسلام نُقلت من خلالهم، مثل علوم القرآن وعلوم الحديث وعلوم التفسير والأصول، فنقَلَةُ الدين في العصور المتأخرة من الأشاعرة، أو على الأقل من المتأثرين بهم، وحتى فقهاء الحنابلة لم يسلَموا من تقريرات الأشاعرة في كتبهم. ثم […]

فتوى الشيخ عبد الرحمن بن عبدِ الله السُّويدِي (1134- 1200هـ) في فَعاليَّات الدَّرْوَشة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الحمد لله. هذه فتوى لأحدِ علماءِ العراق في القرن الثاني عشر الهجري -وهو الشيخ عبد الرحمن السويدي الشافعي ت 1200هـ- في الأعمال التي يقوم بها المتصوّفة من أكل الحيات ودخول النيران، وضرب الصدور بالحراب وغير ذلك. وقد اشتهرت هذه الأعمالُ عن أتباع الطريقة الرفاعية منذ دخول التتار إلى بغداد […]

إيضاح ما أَشكَل في قصة موسى عليه السلام وملك الموت

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدّمة: إن حديثَ لطم موسى عليه السلام لملك الموت من الأحاديث التي طعَن فيها المبتدعةُ منذ وقتٍ مبكِّرٍ، وتصدَّى العلماءُ للردِّ عليهم في شُبهاتهم. وقد صرّح الإمامُ أحمد رحمه الله لما سئل عن هذا الحديث بأنه: (لا يدَعُهُ إلا ‌مُبتَدِع أو ضعيف الرأي)([1])؛ ولذلك ذكر الأئمة الإيمان بهذا الحديث […]

التداخل العقدي بين الطوائف المنحرفة – الشيعة والصوفية أنموذجًا –

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة أولًا: المد الشيعي في بلاد أهل السنة: من أخطر الفتن التي ابتُليت بها هذه الأمة: فتنةُ الشيعة الرافضة، الذين بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، الذين يشهد التاريخ قديمًا وحديثًا بفسادهم وزيغهم وضلالهم، الذين ما سنحت لهم فرصة إلا وكانت أسلحتهم موجَّهة إلى أجساد أهل السنة، يستحلّون […]

الحجاب.. شبهات علمانية، عرض ونقاش

  الهجوم على الحجاب قديم متجدِّد، ولا يفتأ العلمانيون والليبراليون من شحذ أقلامهم دائما في الصحف والمواقع والمنتديات الثقافية للكتابة عن الحجاب وحوله، سالبين بذلك حتى أبسط الحقوق التي ينادون بها، وهي الحرية. فالمسلمة التي تلتزم بحجابها دائما عندهم في موطن الرَّيب، أو أنها مضطهَدة، مسلوبة الحقوق والإرادة، ولا يرون تقدُّما علميًّا أو فكريًّا أو […]

الدِّيوان الصوفي.. نظريةٌ بدعيةٌ وخرافةٌ صوفيةٌ

ما الديوان الصوفي؟ يصوِّر الفكر الصوفي أن لهم مجلسًا يطلَق عليه اسم: (الديوان الصوفي)، وهذا المجلس النيابي تمثَّل فيه أقطار الدنيا من النخبِ الممتازة من الصوفية، وهو حكومةٌ باطنيةٌ خفيَّة يرونَ أن عليها يتوقَّفُ نظام العالم، ويتخيَّلون انعقاده في غار حراء خارج مكة، وفي أماكن أخرى أحيانًا؛ ليدير العالم من خلال قراراته، ويجتمع فيه سائر […]

المنهج النبوي في معالجة المواقف الانفعالية عند الأزمات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة إنَّ الأزمات والفتن النازلة بالمسلمين تدفع بعض الغيورين إلى اتخاذ مواقف انفعالية وردود أفعال غير منضبطة بالشرع، ومن ذلك إصدار الأحكام والاتهامات تحت وطأة الغضب والحمية الدينية. ومعلوم أن لهذه المواقف آثارا سلبية منها: أنها تؤثر على تماسك المجتمع المسلم ووحدته، لا سيما في أوقات الشدة والفتنة واختلاف الآراء […]

المحرم وعاشوراء.. شبهات ونقاش

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: هذا الدين العظيم يجعل الإنسان دائمًا مرتبطًا بالله سبحانه وتعالى، فلا يخرج الإنسان من عبادة إلَّا ويتعلَّق بعبادة أخرى؛ لتكون حياته كلُّها كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163]، فلا يكاد […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017