
أثر ابن تيمية في مخالفيه
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
مقدمة:
شيخ الإسلام ابن تيمية هو البحرُ من أيِّ النواحِي جِئتَه والبدرُ من أيّ الضَّواحِي أتيتَه جَرَتْ آباؤُه لشأْو ما قَنِعَ به، ولا وقفَ عنده طليحًا مريحًا من تَعَبِه، طلبًا لا يَرضَى بِغاية، ولا يُقضَى له بِنهايَة. رَضَعَ ثَدْيَ العلمِ مُنذُ فُطِم، وطَلعَ وجهُ الصباحِ ليُحاكِيَهُ فَلُطِم، وقَطَعَ الليلَ والنهارَ دائبينَ، واتخذ العلمَ والعملَ صاحبينِ، إِلى أَن أَنْسى السلفَ بِهُداه، وأَنْأَى الخَلَفَ عن بلوغ مَدَاه.
عَرضَتْ له الكُدَى فزَحْزَحَها، وعارضَتْه البحارُ فضَحْضَحَها، ثمَّ كَانَ أُمَّةً وحدَه، وفردًا حتَّى نزلَ لَحْدَه. أَخْمَلَ من القُرَناءِ كلَّ عَظِيم، وأَخْمَدَ من أهل الفناءِ كلَّ قديم، ولم يكن منهم إلاَّ مَن يُجْفِل عنه إِجفالَ الظَّليم، ويَتَضاءلُ لديه تَضاؤُلَ الغَرِيم([1]).
لما حضر عنده أبو حيان قال: ما رأْت عيناي مثل هذا الرجل، ثمَّ مدحه بأبيات ذكر أَنَّه نظمها بديهًا وأَنشده إِيَّاها:
لمَّا أتانا تقيُّ الدينِ لاحَ لنا … داعٍ إلى اللهِ فردٌ ماله وَزَرُ
على مُحَيَّاهُ من سِيْمَا الأُلَى صَحِبُوا … خيرَ البريَّةِ نورٌ دونَه القَمَرُ
حَبْرٌ تَسَرْبَلَ منه دَهرُه حِبرًا … بَحرٌ تَقَاذَفُ مِن أمواجه الدُّرَرُ
قامَ ابنُ تَيميَّةٍ في نَصْر شِرعَتِنَا … مَقامَ سَيِّدِ تَيْمٍ إذْ عَصَتْ مُضَرُ
وأظهرَ الحقَّ إذ آثارُهُ اندرست … وأخمدَ الشَّرَّ إذ طارتْ له شررُ
كُنّا نُحدَّث عن حَبْرٍ يجيءُ فهَا … أنتَ الإمامُ الذي قد كان يُنتظر([2])
وقال فيه الحافظ الذهبي: “فإِنَّ شروط الاجتهاد كانت قد اجتمعت فيه؛ فإنني ما رأيت أحدًا أسرع انتزاعًا للآيات الدالة على المسألة الَّتي يوردها منه، ولا أشد استحضارًا لمتون الأحاديث، وعزوها إِلى الصحيح أَو إِلى المسند، أو إلى السنن منه؛ كأن الكتاب والسنن نصب عينيه، وعلى طرف لسانه، بعبارة رشيقة، وعين مفتوحة، وإفحام للمخالف. وكان آية من آيات الله تعالى في التفسير والتوسع فيه، لعله يبقى في تفسير الآية المجلس والمجلسين. وأما أصول الديانة ومعرفتها ومعرفة أحوال الخوارج والروافض والمعتزلة وأنواع المبتدعة فكان لا يُشق فيه غباره، ولا يلحق شأوه”([3]).
وهو مع سعة علمه وقوة قلبه وفرط شجاعته كان محبوبًا عند العامة، وصف ذلك الذهبي بقوله: “وسائر العامة تحبه؛ لأنه منتصب لنفعهم ليلًا ونهارًا بلسانه وقلمه، وَأما شجاعته فبها تضرب الْأَمْثَال وببعضها يتشبه أكَابِر الْأَبْطَال”([4]).
وقال القاضي محمد بن عبد البر السبكي: “وَالله مَا يبغض ابْن تَيْمِية إِلَّا جَاهِل أَو صَاحب هوى فالجاهل لَا يدْرِي مَا يَقُول وَصَاحب الْهوى يصده هَوَاهُ عَن الْحق بعد مَعْرفَته بِهِ”([5]).
مركز سلف للبحوث والدراسات
أولًا: قاعدة ابن تيمية في تعامله من مخالفيه:
لقد وضع ابن تيمية قاعدة له في تعامله مع مخالفيه، جعلها قاعدة له في حياته، تقوم على العدل والصفح وسعة الصدر، قال فيها: “فَلَا أُحِبُّ أَنْ يُنْتَصَرَ مِنْ أَحَدٍ بِسَبَبِ كَذِبِهِ عَلَيَّ أَوْ ظُلْمِهِ وَعُدْوَانِهِ فَإِنِّي قَدْ أَحْلَلْت كُلَّ مُسْلِمٍ. وَأَنَا أُحِبُّ الْخَيْرَ لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ وَأُرِيدُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ الْخَيْرِ مَا أُحِبُّهُ لِنَفْسِي. وَالَّذِينَ كَذَبُوا وَظَلَمُوا فَهُمْ فِي حِلٍّ مِنْ جِهَتِي. وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ اللَّهِ فَإِنْ تَابُوا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا فَحُكْمُ اللَّهِ نَافِذٌ فِيهِمْ”([6]).
وقال: “هَذَا وَأَنَا فِي سِعَةِ صَدْرٍ لِمَنْ يُخَالِفُنِي فَإِنَّهُ وَإِنْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ فِيَّ بِتَكْفِيرِ أَوْ تَفْسِيقٍ أَوْ افْتِرَاءٍ أَوْ عَصَبِيَّةٍ جَاهِلِيَّةٍ. فَأَنَا لَا أَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ فِيهِ. بَلْ أَضْبُطُ مَا أَقُولُهُ وَأَفْعَلُهُ وَأَزِنُهُ بِمِيزَانِ الْعَدْلِ وَأَجْعَلُهُ مُؤْتَمًّا بِالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَجَعَلَهُ هُدًى لِلنَّاسِ حَاكِمًا فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ”([7]).
ومن مظاهر رحمته وسعة صدره معهم:
– العفو عنهم وعدم الدعاء عليهم:
فقد اجتمع عليه عصب الفقهاء والقضاة بمصر والشام، وحشدوا عليه خيلهم ورجلهم، فقطع الجميع وألزمهم الحجج الواضحات أي إلزام، فلما أفلسوا أخذوه بالجاه والحكام، فوشوا به وكذبوا عليه وألَّبوا الحكام والأمراء عليه، وتزلفوا لدى الكبراء في أمره، سُجن وعُذب هو وأصحابه وذلك عام 709هـ، وتولى كبر ذلك شيخ غلاة الصوفية في زمنه الشيخ نصر المنبجي وجماعة من الفقهاء والعلماء على رأسهم القاضي المالكي ابن مخلوف، وبعد ذلك ساقوه لمحاكمة ظالمة جائرة قضاتها هم الأعداء والوشاة، فالمدعي هو القاضي، والمتهِم هو الحاكم! وفي هذا الجو المتلبّد بالجور لم يتمكن ابن تيمية من الدفاع عن نفسه، فأمر القاضي ابن مخلوف بحبس ابن تيمية في القلعة ومعه أخواه، ولما رأى شرف الدين -أخو ابن تيمية وكان معه في السجن- الظلم الكبير الذي وقع عليهم من قبل هؤلاء ابتهل إلى الله ودعا الله عليهم، فمنعه ابن تيمية وقال له: بل قل: اللهم هب لهم نورًا يهتدون به([8]).
وأما ابن مخلوف الذي سعى في سجنه فقد قال فيه: “وَأَنَا وَاللَّهِ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ مُعَاوَنَةً عَلَى إطْفَاءِ كُلِّ شَرٍّ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا وَإِقَامَةِ كُلِّ خَيْرٍ، وَابْنُ مَخْلُوفٍ لَوْ عَمِلَ مَهْمَا عَمِلَ وَاللَّهِ مَا أَقْدِرُ عَلَى خَيْرٍ إلَّا وَأَعْمَلُهُ مَعَهُ وَلَا أُعِينُ عَلَيْهِ عَدُوَّهُ قَطُّ. وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاللَّهِ. هَذِهِ نِيَّتِي وَعَزْمِي، مَعَ عِلْمِي بِجَمِيعِ الْأُمُورِ. فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَنْ أَكُونَ عَوْنًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى إخْوَانِي الْمُسْلِمِينَ. وَلَوْ كُنْت خَارِجًا لَكُنْت أَعْلَمُ بِمَاذَا أُعَاوِنُهُ، لَكِنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ قَدْ فَعَلُوهَا زُورًا وَاللَّهُ يَخْتَارُ لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعِهِمْ مَا فِيهِ الْخِيَرَةُ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. وَلَنْ يَنْقَطِعَ الدَّوْرُ وَتَزُولَ الْحَيْرَةُ إلَّا بِالْإِنَابَةِ إلَى اللَّهِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ وَصِدْقِ الِالْتِجَاءِ. فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا مَلْجَأَ مِنْهُ إلَّا إلَيْهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاللَّهِ”([9]).
لذا قال فيه ابن مخلوف: “ما رأينا مثل ابن تيمية؛ حرَّضْنا عليه فلم نقدِرْ عليه، وقدر علينا فصفَحَ عنَّا، وحاجَجَ عنَّا”([10]).
– صلة ذويهم بعد موتهم:
يقول ابن القيم: “وَجِئْتُ يَوْمًا مُبَشِّرًا لَهُ بِمَوْتِ أَكْبَرِ أَعْدَائِهِ، وَأَشَدِّهِمْ عَدَاوَةً وَأَذًى لَهُ. فَنَهَرَنِي وَتَنَكَّرَ لِي وَاسْتَرْجَعَ. ثُمَّ قَامَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى بَيْتِ أَهْلِهِ فَعَزَّاهُمْ، وَقَالَ: إِنِّي لَكُمْ مَكَانَهُ، وَلَا يَكُونُ لَكُمْ أَمْرٌ تَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى مُسَاعَدَةٍ إِلَّا وَسَاعَدْتُكُمْ فِيهِ. وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ. فَسُّرُوا بِهِ وَدَعَوْا لَهُ. وَعَظَّمُوا هَذِهِ الْحَالَ مِنْهُ. فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ. وَهَذَا مَفْهُومٌ”([11]).
وهكذا فقد جمع رحمه الله بين العدل والرحمة والإحسان إلى مخالفيه حتى نقل ذلك ابن القيم عنه فقال: “وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ أَجْمَعَ لِهَذِهِ الْخِصَالِ مِنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ -قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ- وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ الْأَكَابِرِ يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنِّي لِأَصْحَابِي مِثْلُهُ لِأَعْدَائِهِ وَخُصُومِهِ”([12]).
– مراعاة حقوق مخالفيه حتى ولو من أهل الذمة:
فقد ذكر هو ذلك عن نفسه فقال: “وَقَدْ عَرَفَ النَّصَارَى كُلُّهُمْ أَنِّي لَمَّا خَاطَبْت التَّتَارَ فِي إطْلَاقِ الْأَسْرَى وَأَطْلَقَهُمْ غازان([13]) وقطلو شاه وَخَاطَبْت مَوْلَايَ فِيهِمْ فَسَمَحَ بِإِطْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ لِي: لَكِنَّ مَعَنَا نَصَارَى أَخَذْنَاهُمْ مِنْ الْقُدْسِ فَهَؤُلَاءِ لَا يُطْلِقُونَ. فَقُلْت لَهُ: بَلْ جَمِيعُ مَنْ مَعَك مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ ذِمَّتِنَا؛ فَإِنَّا نُفْتِكَهُمْ وَلَا نَدَعُ أَسِيرًا لَا مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَأَطْلَقْنَا مِنْ النَّصَارَى مَنْ شَاءَ اللَّهُ. فَهَذَا عَمَلُنَا وَإِحْسَانُنَا وَالْجَزَاءُ عَلَى اللَّهِ. وَكَذَلِكَ السَّبْيُ الَّذِي بِأَيْدِينَا مِنْ النَّصَارَى يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ إحْسَانَنَا وَرَحْمَتَنَا وَرَأْفَتَنَا بِهِمْ؛ كَمَا أَوْصَانَا خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ: «الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»([14]) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}”([15]) .
ثانيًا: قوة شيخ الإسلام في الرد على مخالفيه:
وهذا مما تميز به شيخ الإسلام منذ صغره، فقد كان يحضر المدارس والمحافل في صغره، فيتكلم ويُناظر ويفحم الكبار، ويأتي بما يتحير منه أعيان البلد في العلم([16]).
ومن عجائب ما يرويه هو عن نفسه في صغره قوله: “وَأَغْرَبُ مِنْ هَذَا مَا قَالَهُ لِي مَرَّةً شَخْصٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الغالطين فِي قَوْلِهِ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ} قَالَ: الْمَعْنَى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَـ(ـهُ) أَيْ: اسْمُ (هُوَ) الَّذِي يُقَالُ فِيهِ: (هُوَ هُوَ)، وَصَنَّفَ ابْنُ عَرَبِيٍّ كِتَابًا فِي (الهو)، فَقُلْت لَهُ -وَأَنَا إذْ ذَاكَ صَغِيرٌ جِدًّا-: لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ لَكُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ مَفْصُولَةً (تَأْوِيلَ هُوَ)، وَلَمْ تُكْتَبْ مَوْصُولَةً، وَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي قَالَهُ هَذَا مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالِاضْطِرَارِ”([17]).
ويقول حاكيًا عن نفسه في صغره وهو يرد على الفلاسفة والمتكلمين ويبين باطلهم: “وَأَذْكُرُ أَنِّي قُلْت مَرَّةً لِبَعْضِ مَنْ كَانَ يَنْتَصِرُ لَهُمْ مِنْ الْمَشْغُوفِينَ بِهِمْ -وَأَنَا إذْ ذَاكَ صَغِيرٌ قَرِيبُ الْعَهْدِ مِن الِاحْتِلَامِ-: كُلُّ مَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ فَفِيهِ بَاطِلٌ إمَّا فِي الدَّلَائِلِ وَإِمَّا فِي الْمَسَائِلِ، إمَّا أَنْ يَقُولُوا مَسْأَلَةً تَكُونُ حَقًّا لَكِنْ يُقِيمُونَ عَلَيْهَا أَدِلَّةً ضَعِيفَةً، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ بَاطِلًا. فَأَخَذَ ذَلِكَ الْمَشْغُوفُ بِهِمْ يُعَظِّمُ هَذَا وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ التَّوْحِيدِ، فَقُلْت: التَّوْحِيدُ حَقٌّ. لَكِن اذْكُرْ مَا شِئْت مِنْ أَدِلَّتِهِمْ الَّتِي تَعْرِفُهَا حَتَّى أَذْكُرَ لَك مَا فِيهِ. فَذَكَرَ بَعْضَهَا بِحُرُوفِهِ حَتَّى فَهِمَ الْغَلَطَ”([18]).
وانظر إلى قوة حجته رحمه الله وهو يحكي عن نفسه بعد بلوغه بقليل همه في مناظرة ابن سينا وبيان ما عنده وغيره من الفلاسفة من الباطل، فيقول: “وقد كنت في أوائل معرفتي بأقوالهم بعد بلوغي بقريب، وعندي من الرغبة في طلب العلم وتحقيق هذه الأمور ما أوجب أني كنت أرى في منامي ابن سينا وأنا أناظره في هذا المقام وأقول له: أنتم تزعمون أنكم عقلاء العالم وأذكياء الخلق وتقولون مثل هذا الكلام الذي لا يقوله أضعف الناس عقلا، وأورد عليه مثل هذا الكلام”([19]).
ثالثًا: كيف أثر ابن تيمية في مخالفيه؟
إن لبعض العلماء سلطانا على العقول؛ إذ قد آتاهم الله بيانا وقوة في الاستدلال والاحتجاج، فمن قرأ كتبهم وهو مخالف لهم وقد نبذ ما لديه من معتقدات وأهواء أثر فيه وجذبه.
والمعروف أن شيخ الإسلام رحمه الله لم يكن صاحب منصب أو سلطان أو صاحب مال، وإنما كان سلطانه وقوته في علمه وورعه ودينه وتقواه، وما وضعه الله له من قوة في قلبه ومهابة في وجهه، مع نصرته للحق، وحبه الخير للمسلمين.
قال الذهبي: “وأما شجاعته فبها يُضرب الأمثال، وببعضها يتشبه أكابر الأبطال، فلقد أقامه الله في نوبة غازان، والتقى أعباء الأمر بنفسه، وقام وقعد، وطلع وخرج، واجتمع بالملك مرتين، وبخطلو شاه وببولاي، وكان قفجق يتعجب من إقدامه وجراءته على المغول. وله حدة قوية تعتريه في البحث حتى كأنه ليثُ حرب. وهو أكبر من أن يُنَبِّه مثلي على نعوته؛ فلو حلفتُ بين الركن والمقام لحلفتُ أني ما رأيت بعيني مثله، ولا والله ما رأى هو مثل نفسه في العلم” ([20]).
وهو فقير لا مال له، وملبوسه كأحد الفقهاء -فرجية، ودلق، وعمامة- يكون قيمة ثلاثين درهمًا، ومداس ضعيف الثمن، وشعره مقصوص، وعليه مهابةٌ، وشيبه يسير، ولحيته مستديرة، ولونه أبيض حنطي اللون، وهو ربع القامة، بعيد ما بين المنكبين، كأن عينيه لسانان ناطقان، ويصلي بالناس صلاة لا يكون أطول من ركوعها وسجودها، وربما قام لمن يجيء من سفرٍ أو غاب عنه، وإذا جاء فربما يقومون له، والكل عنده سواء؛ فإنه فارغ من هذه الرسوم، ولم ينحن لأحدٍ قط، وإنما يُسَلِّم ويُصافح ويبتسم، وقد يُعظِّم جليسه مرة، ويهينه في المحاورة مرات([21]).
وقد كان رحمه الله حجة من حجج الله، وآية من آياته، لم تشهد الأمة الإسلامية من بعده مثله في الدفاع عن أصول الدين تأليفًا وتحريرًا، ولكن أكثر أهل زمانه ومن جاء بعدهم لم يقدروه حق قدره، ولم يعتنوا بدعوته حق العناية، شانه في ذلك شان معظم الأئمة المجددين في مبتدأ دعوتهم وإقامة حجتهم، إلا أن الظروف تتغير، والعقول تتنور، والبعاد تنطوي فيتحصحص الحق، وتتهيأ الفرص لنمو دعوتهم، هكذا سجله التاريخ في دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية أيضًا([22]).
وهذه قاعدة مطَّردة في كل عالم يتبحر في المعارف العلمية ويفوق أَهل عصره ويدين بالكتاب والسنة، فإنه لا بد أَن يستنكره المقصِّرون، ويقع له معهم محنة بعد محنة. ثمَّ يكون أَمره الأَعلى وقوله الأَوْلى، ويصير له بتلك الزلازل لسان صدق في الآخرين ويكون لعلمه حظ لا يكون لغيره وهكذا حال هذا الامام، فإنه بعد موته عرف النَّاس مقداره، واتفقت الألسن بالثناء عليه إِلاَّ من لا يعتد به، وطارت مصنفاته واشتهرت مقالاته([23]).
وأقرب نموذج لتأثير ابن تيميَّة في عصره والعصور اللاحقة له ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهَّاب التي نشَرَت العقيدة السلفية على منهج ابن تيميَّة، وأعادَت إحياء السُّنن وتبليغَ التوحيد، وهَدْم البِدَع والخُرافات التي عمَّت الجزيرة العربية قبلها، ومحمد بن عبد الوهاب “حاوَل السَّيْر على نهجه في الإصلاح، وذلك بالردِّ إلى الأمر الأوَّل، والتشبُّث بما كان عليه السلف الصالح من الدعوة إلى التمسُّك بالكتاب والسُّنة، ودخَل فيما دخَل فيه شيخ الإسلام ابن تيميَّة من صراعات مع الاتجاه الرسمي العثماني، والمؤسَّسات المذهبيَّة والصوفيَّة المحيطة بالرسميين الأتراك، وسَلَّطت السلطنة العثمانية كلَّ أجهزتها لمقاومة هذه الدعوة وإجهاضها، بما في ذلك استخدام القوَّة العسكرية، وأشاعَت الدولة العثمانية لقب (الوهَّابيَّة والوهَّابيين)؛ لتنفير الناس من تبنِّي هذا المذهب أو التأثُّر بدعوته، وقد نجَحَت الدولة العثمانيَّة في إيجاد أجواءٍ من الخوف من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهَّاب في الأوساط الصوفيَّة، وأوساط علماء المذاهب الإسلاميَّة المختلفة، وتنفير هؤلاء والجماهير المسلمة من حولهم، وساعَدت عواملُ كثيرة على تهيئة الأجواء لمحاصرة هذه الدعوة التوحيديَّة، التي مثَّلت نوعًا من الإحياء والتجديد لفِكر شيخ الإسلام ابن تيميَّة، ودعوته إلى التوحيد الخالص، ورَفْض انحرافات الأفكار الجَبرية والحُلوليَّة والاتِّحادية، والشِّركية بأنواعها، والتأكيد على كرامة الإنسان، ومسؤوليَّته عن أفعاله وتصرُّفاته”([24]).
رابعًا: ذكر نماذج ممن أثر فيهم شيخ الإسلام في حياته وبعد مماته:
1- من اهتدى على يد شيخ الإسلام ممن ذكرهم في كتبه:
- قال شيخ الإسلام: “وقد ناظرنا غير واحد من أهل الكتاب، وبينا لهم ذلك، وأسلم من علمائهم وخيارهم طوائف، وصاروا يناظرون أهل دينهم ويبينون ما عندهم من الدلائل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم”([25]).
- وقال: “ولقد كان عندي من هؤلاء النافين لهذا من هو من مشايخهم، وهو يطلب مني حاجة، وأنا أخاطبه في هذا المذهب كأني غير منكر له، وأخرت قضاء حاجته حتى ضاق صدره، فرفع طرفه ورأسه إلى السماء، وقال: يا الله، فقلت له: أنت محق، لمن ترفع طرفك ورأسك؟ وهل فوق عندك أحد؟ فقال: أستغفر الله، ورجع عن ذلك لما تبين له أن اعتقاده يخالف فطرته، ثم بينت له فساد هذا القول: فتاب من ذلك، ورجع إلى قول المسلمين المستقر في فطرهم”([26]).
- وقال متحدثًا عن مناظراته مع ملاحدة الصوفية مبينًا من رجع منهم إلى الحق بعدما تبين له: “وَهَؤُلَاءِ الْأَصْنَافُ قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَكْثُرُونَ فِي الدُّوَلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَعَامَّتُهُمْ تَمِيلُ إِلَى التَّشَيُّعِ، كَمَا عَلَيْهِ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَابْنُ سَبْعِينَ وَأَمْثَالُهُمَا؛ فَاحْتَاجَ النَّاسُ إِلَى كَشْفِ حَقَائِقِ هَؤُلَاءِ، وَبَيَانِ أُمُورِهِمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَدَّعُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَأَنَّ النَّاسَ لَا يَفْهَمُونَ حَقِيقَةَ إِشَارَاتِهِمْ، فَلَمَّا يَسَّرَ اللَّهُ أَنِّي بَيَّنْتُ لَهُمْ حَقَائِقَهُمْ، وَكَتَبْتُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ مَا عَلِمُوا بِهِ أَنَّ هَذَا هُوَ تَحْقِيقُ قَوْلِهِمْ، وَتَبَيَّنَ لَهُمْ بُطْلَانُهُ بِالْعَقْلِ الصَّرِيحِ وَالنَّقْلِ الصَّحِيحِ وَالْكَشْفِ الْمُطَابِقِ، رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَفُضَلَائِهِمْ مَنْ رَجَعَ، وَأَخَذَ هَؤُلَاءِ يُثْبِتُونَ لِلنَّاسِ تَنَاقُضَهُمْ، وَيَرُدُّونَهُمْ إِلَى الْحَقِّ”([27]).
- وقال رحمه الله منكرًا عَلَى الشَّيْخِ يَحْيَى الصرصري: “وَلِهَذَا أَنْكَرْنَا عَلَى الشَّيْخِ يَحْيَى الصرصري مَا يَقُولُهُ فِي قَصَائِدِهِ فِي مَدْحِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الِاسْتِغَاثَةِ بِهِ مِثْلَ قَوْلِهِ: بِك أَسْتَغِيثُ وَأَسْتَعِينُ وَأَسْتَنْجِدُ. وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ اسْتِنْجَادِ الصَّالِحِينَ والمتشبهين بِهِمْ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا فَإِنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ عَامَّةٍ وَخَاصَّةٍ وَبَيَّنْتُ لِلنَّاسِ التَّوْحِيدَ وَنَفَعَ اللَّهُ بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ”([28]).
- وقال رحمه الله ردًّا على من ينفي الرؤية مُسْتَدِلًّا عَلَى نَفْيِهَا بِانْتِفَاءِ لَازِمِهَا وَهُوَ الْجِهَةُ: “وَهَذَا مِمَّا خَاطَبْتُ بِهِ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الشِّيعَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فَنَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ، وَانْكَشَفَ بِسَبَبِ هَذَا التَّفْصِيلِ مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ الِاشْتِبَاهِ وَالتَّعْطِيلِ. وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَا مَعَهُمْ مِنَ الْعَقْلِيَّاتِ النَّافِيَةِ لِلرُّؤْيَةِ قَطْعِيَّةٌ لَا يُقْبَلُ فِي نَقِيضِهَا نَصُّ الرُّسُلِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهَا شُبُهَاتٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ وَمَعَانٍ مُشْتَبِهَةٍ، تَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي ثَبَتَ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْحَقُّ الْمَقْبُولُ، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا [الْمَكَانُ] مَوْضِعَ بَسْطِ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا النَّافِيَ إِنَّمَا أَشَارَ إِلَى قَوْلِهِمْ إِشَارَةً”([29]).
2- من اهتدى على يد شيخ الإسلام في حياته ممن ذُكر في كتب التراجم:
ذكرت كتب التراجم الكثير ممن هداه الله بسبب شيخ الإسلام رحمه الله وهم أنواع كثيرة فمنهم:
- من أسلم على يد شيخ الإسلام:
- إسلام يهودي على يد ابن تيمية وهو صغير:
قال البزار: “كان ابن تيمية في حال صغره إذا أراد الذَّهاب إلى الكُتَّاب يعترِضُه رجلٌ يهوديٌّ، كان منزلُه بطريقه، وكان مع اليهودي مسائلُ يسألُه عنها؛ لما كان يظهر على ابن تيمية من الذكاء، وكان يُجيبُه عنها سريعًا حتى تعجَّبَ منه، ثم كلما اجتاز ابنُ تيمية باليهودي يُخبِرُه بأشياءَ ممَّا يدلُّ على بُطْلان ما عليه هذا الرجل اليهودي، فأسلم اليهوديُّ وحسُنَ إسلامُه، وكان ذلك ببركة الشيخ على صِغَرِ سِنِّهِ”([30]).
- ومنهم: داود بن أبي الفرج، الشَّيخ العالم جمال الدين الدّمشقى الطبيب، أسلم سنة إحدى وسبعمائة.
قال ابن المِبْرَد: “داودُ المُتَطببُ كان نَصرانيًا ثم أسلمَ على يد الشّيخ ابن تَيْمِيَّة، وبرع وصنّف كتاب الطّب النَّبوي وهو كتاب نافعٌ علاجات ومفردات نبوية، وحكى فيه نُصوصًا عن أحمد، وكل ما ذكر فيه من الطب مركب على قاعدة مذهب أحمد، وذكر في آخره فصلًا في التشريح، ولم أطّلع على وقتِ وفاته رحمه الله وإيانا”([31]).
- ومنهم: إِبْرَاهِيم بن دَاوُد بن عبد الله الْآمِدِيّ ثمَّ الدِّمَشْقِي برهَان الدّين، نزيل الْقَاهِرَة.
مَاتَ أَبوهُ وَهُوَ صَغِير على دين النَّصْرَانِيَّة، فَحَمله وَصِيّه الشَّيْخ عبد الله الدِّمَشْقِي وأحضره مجْلِس الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابن تَيْمِية، فَأسلم على يَده وَصَحبه، ثمَّ صحب أَصْحَابه وَأخذ عَنْهُم، وتفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي وَسمع الحَدِيث الْكثير وَطلب بِنَفسِهِ وَكتب الطباق وَدَار على الشُّيُوخ… وَكَانَ دينا خيرا فَاضلا. قال الحافظ: قَرَأت عَلَيْهِ عدَّة أَجزَاء، قلت لَهُ مرّة: أخْبركُم -رَضِي الله عَنْكُم وَعَن والديكم-.. فَنظر إِلَيّ مُنْكرا وَقَالَ: مَا كَانَا على الْإِسْلَام. وَكَانَ ممتحنًا بحب ابْن تَيْمِية وَنسخ غَالب تصانيفه بِخَطِّهِ، وَكَانَ يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر برياضة وتؤدة، ويناظر فِي مسَائِل ابْن تَيْمِية من غير مماراة، وَكَانَ حسن الْوَجْه منور الشيبة لطيف المحاضرة([32]).
- من رجع إلى مذهب السلف على يد شيخ الإسلام:
- ومن هؤلاء: أحمد بن محمد بن مري البعلي الحنبلي:
قال الحافظ بن حجر: “أَحْمد بن مُحَمَّد بن مري البعلي الْحَنْبَلِيّ كَانَ منحرفًا عَن ابْن تَيْمِية، ثمَّ اجْتمع بِهِ فَأَحبهُ وتلمذ لَهُ وَكتب مصنفاته وَبَالغ فِي التعصب لَهُ، وَكَانَ قدم الْقَاهِرَة فَتكلم على النَّاس بِجَامِع أَمِير حُسَيْن بن جندر بحكر جَوْهَر النوبي وبجامع عَمْرو بن الْعَاصِ، وسلك طَرِيق ابْن تَيْمِية فِي الْحَط على الصُّوفِيَّة، ثمَّ إنه تكلم فِي مَسْأَلَة التوسل بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي مَسْأَلَة الزِّيَارَة وَغَيرهمَا على طَرِيق ابْن تَيْمِية، فَوَثَبَ بِهِ جمَاعَة من الْعَامَّة وَمن يتعصب للصوفية وَأَرَادُوا قَتله، فهرب فَرفعُوا أمره إِلَى القَاضِي الْمَالِكِي تَقِيّ الدّين الأخنائي فَطَلَبه وتغيب عَنهُ، فَأرْسل إِلَيْهِ وأحضره وسجنه وَمنعه من الْجُلُوس وَذَلِكَ بعد أَن عقد لَهُ مجْلِس بَين يَدي السُّلْطَان وَذَلِكَ فِي ربيع الآخر سنة 725هــ”([33]).
وقال الصفدي: “كان في مبدأ حاله منحرفًا عن الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وممن يحطّ عليه، فلم يزل من أصحابه إلى أن اجتمع به فمال إليه، وأحبّه ولازمه وترك كل ما هو فيه، وتلمذ له ولازمه مدة”([34]).
- ومنهم: صفي الدين الهندي:
المولود في سنة 644هــ في مدينة دلهي، وقدم دمشق فاستوطنها، وَلما عقد بعض الْمجَالِس لِابْنِ تَيْمِية عين الصفي الْهِنْدِيّ لمناظرته، فَقَالَ لِابْنِ تَيْمِية فِي أثْنَاء الْبَحْث: أَنْت مثل العصفور تنط من هُنَا إِلَى هُنَا وَمن هُنَا إِلَى هُنَا([35]).
ومع ذلك انبهر بتقريرات شيخ الإسلام وانهزم؛ لأن صدره كان مليئًا بعلم الكلام المذموم وعلم المنطق اللذين استأصلهما شيخ الإسلام من شأفتيهما، حتى اعترف الهندي بنفسه بذلك عند بعض السائلين عن شيخ الإسلام وقال: “لا تتكلموا في هذا الرجل لأنه لا يرى تأويل الصفات وأنتم ترونه، ونقل عن الإمام الأشعري كلا القولين ولكني أرجح ترك التأويل”([36]).
قَالَ الذَّهَبِيّ: “كَانَ فِيهِ دين وَتعبد، وَله أوراد، وَكَانَ حسن الِاعْتِقَاد على مَذْهَب السّلف، توفّي فِي آخر صفر سنة 715هـ”([37]).
- ومنهم: الإمام ابن قيم الجوزية:
هو محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز، الزرعي الأصل، ثم الدمشقي، الحنبلي، المشهور بابن قيم الجوزية، شمس الدين، أبو عبد الله([38]).
ذكر ابن القيم في النونية بعض الطامات التي وقع فيها الأشاعرة من تأويلات في الصفات وبعض ما في كتب النفاة من الطامات، وبين ضررهم على الدين ومناهضتهم لنصوص الكتاب والسنة، ثم عقد فصلا أعلن فيه أنه قد وقع في تلك المهالك حتى أتاح الله له من أزال عنه تلك الأوهام وأخذ بيده إلى طريق السلامة وهو شيخ الإسلام ابن تيمية([39]).
يقول ابن القيم في نونيته:
٢٢٨٧- يا قوم والله العظيم نصيحة … من مشفق وأخ لكم معوان
٢٢٨٨- جربت هذا كله ووقعت في … تلك الشباك وكنت ذا طيران
٢٢٨٩- حتى أتاح لي الإله بلطفه … من ليس تجزيه يدي ولساني
٢٢٩٠- خبر أتى من أرض حران فيا … أهلا بمن قد جاء من حران
٢٢٩١- فالله يجزيه الذي هو أهله … من جنة المأوى مع الرضوان
٢٢٩٢- قبضت يداه يدي وسار فلم يرم … حتى أراني مطلع الإيمان([40])
- ومنهم: أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مَسْعُود بْن عُمَر الواسطي الحزامي، الزاهد القدوة العارف، عماد الدين أَبُو الْعَبَّاس، ابْن شيخ الحزاميين:
قال ابن رجب: “وَكَانَ أبوه شيخ الطائفة الأحمدية. ونشأ الشيخ عماد الدين بينهم، وألهمه اللَّه من صغره طلب الحق ومحبته، والنفور عَنِ البدع وأهلها، فاجتمع بالفقهاء بواسط كالشيخ عز الدين الفاروتي وغيره. وقرأ شَيْئًا من الفقه عَلَى مذهب الشَّافِعِي. ثُمَّ دَخَلَ بغداد، وصحب بها طوائف من الْفُقَهَاء، وحج واجتمع بمكة بجماعة مِنْهُم. وأقام بالقاهرة مدة ببعض خوانقها، وخالط طوائف الْفُقَهَاء، وَلَمْ يسكن قلبه إِلَى شَيْء من الطوائف المحدثة. واجتمع بالإِسكندرية بالطائفة الشاذلية، فوجد عندهم مَا يطلبه من لوايح المعرفة، والمحبة والسلوك، فأخذ ذَلِكَ عَنْهُم، وانتفع بهم، واقتفى طريقتهم وهديهم.
ثُمَّ قدم دمشق، فرأى الشيخ تقي الدين ابْن تيمية وصاحبه، فدله عَلَى مطالعة السيرة النبوية، فأقبل عَلَى سيرة ابْن إِسْحَاق تهذيب ابْن هِشَام، فلخصها واختصرها، وأقبل عَلَى مطالعة كتب الْحَدِيث والسنة والآثار، وتخلى من جميع طرائقه وأحواله، وأذواقه وسلوكه، واقتفى آثار الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهديه، وطرائقه المأثورة عَنْهُ فِي كتب السنن والآثار، واعتنى بأمر السنة أصولًا وفروعا، وشرع فِي الرد على طوائف المبتدعة الذين خالطهم وعرفهم من الاتحادية وغيرهم، وبين عوراتهم، وكشف أستارهم، وانتقل إِلَى مذهب الإمام أَحْمَد. وبلغني: أَنَّهُ كَانَ يقرأ فِي (الكافي) عَلَى الشيخ مجد الدين الحراني الآتي ذكره إن شاء الله تَعَالَى. واختصره فِي مجلد سماه (البلغة) وألف تآليف كثيرة فِي الطريقة النبوية، والسلوك الآثري والفقر المحمدي؛ وَهِيَ من أنفع كتب الصوفية للمريدين، انتفع بها خلق من متصوفة أهل الْحَدِيث ومتعبديها.
وَكَانَ الشيخ تقي الدين ابْن تيمية يعظمه ويجله، وَيَقُول عَنْهُ: هُوَ جنيد وقته. وكتب إِلَيْهِ كتابا من مصر أوله: إِلَى شيخنا الإِمام العارف القدوة السالك”([41]).
3- من تأثر بكتب شيخ الإسلام رحمه الله وفكره بعد وفاته:
- عبد الله بن حامد:
يقول في معرض كلامه على مدى تأثره بشيخ الإسلام، وأنه كان سببا في هدايته للحق والصواب، بعد أن فتش في كتب أهل الكلام متقدميهم ومتأخريهم باحثًا عن النهج السويّ والطريق المستقيم، يقول رحمه الله: “وكنت قبل وقوفي على مباحث إمام الدنيا رحمه الله قد طالعت مصنفات المتقدمين، ووقفت على مقالات المتأخرين من أهل الإسلام، فرأيت فيها الزخارف والأباطيل والشكوك التي يأنف المسلم الضعيف في الدين أن تخطر بباله، فضلا عن القوي في الدين، فكان يتعب قلبي ويحزنني ما يصير إليه الأعاظم، من المقالات السخيفة، والآراء الضعيفة التي لا يعتقد جوازها آحاد الأمة، وكنت أفتش على السنّة المحضة في مصنفات المتكلمين من أصحاب الإمام أحمد على الخصوص، لاشتهارهم بمنصوصات إمامهم في أصول العقائد، فلا أجد عندهم ما يكفي، وكنت أراهم يتناقضون… فإذا جمعت بين أقاويل المعتزلة، والأشعرية، وحنابلة بغداد وكرامية خراسان، أرى إجماع هؤلاء المتكلمين في المسألة الواحدة على ما يخالف الدليل العقلي والنقلي، فيسوءني ذلك وأظل أحزن حزنا لا يعلم كنهه إلا الله… إلى أن قدّر الله سبحانه وقوع تصنيف الإمام إمام الدنيا في يدي قبيل واقعته الأخيرة بقليل، فوجدت فيه ما يبهرني في موافقة فطرتي، لما فيه من عزو الحق إلى أئمة السنّة وسلف الأمة مع مطابقة المعقول والمنقول، فبهتّ لذلك سرورا بالحق، وفرحا بوجود الضالة التي ليس لفقدها عوض”([42]).
- ومنهم الشاه أحمد ولي الله الدهلوي (1114-1176هــ):
يقول صلاح الدين مقبول: “يظهر من دراسة حياة الشاه الدهلوي أن أفكار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه وأنصاره أثرت في تكوين شخصيته بواسطة مشايخه في الحجاز، ورجع إلى الهند بعاطفة الاعتصام بالكتاب والسنة”([43]).
ولقد وجد أثر هذه الدراسة في مؤلفات الشاه ولي الله الدهلوي، وخاصة في (حجة الله البالغة) و(إزالة الخفاء).
يقول عبد الحميد الرحماني (ت 1434ه): “امتاز عصر الشاه ولي الله الدهلوي
بتأثير معارف ابن تيمية في تغيير الفكر والمنهج والتمحيص العقلي، واعترف بذلك الدهلوي، وتلميذه معين الدين السندي، ولما قام العلامة الشاه إسماعيل بن عبد الغني (ت 1246هــ) حفيد ولي الله الدهلوي بالتنفيذ العملي لأفكار جده، ظهر أثر معارف ابن تيمية وأعماله التجديدية في الأوساط المسلمة في الهند، وبدأت تعمل عملها، ولا ريب أن (تقوية الإيمان) و(رد الإشراك) و(تنوير العينين) من مؤلفات العلامة الدهلوي، ثمرات ناضجة لمعارف شيخ الإسلام ابن تيمية التي ورثها عن جده”([44]).
- ومنهم: صديق حسن خان (ت 1307هـ):
هو الإمام العلامة المحقق محيي السنة وقامع البدعة، أبو الطيب محمد صديق بن حسن بن علي بن لطف الله القِنَّوجِي البخاري، نزيل بهوبال، ويرجع نسبه إلى زين العابدين بن علي بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب.
ولد في بلدة بريلي موطن جده من جهة الأم عام 1248ه، ونشأ في بلدة قِنَّوْج موطن آبائه بالهند في حجر أمه يتيمًا على العفاف والطهارة، وتلقى الدروس في علوم شتى على صفوة من علماء قِنَّوْج ونواحيها وغيرهم([45]).
كان رحمه الله أشعريًّا كما هو معروف لدى أهل العلم، وكتابه “فتح البيان في مقاصد القرآن” يدل على ذلك، ولقد يسر الله له الحج عام (1285ه) ولا بد أنه التقى بعلماء أهل السنة في سفرته، وكما أن الشيخ حمد بن علي بن محمد بن عتيق بن راشد (ت 1301ه) كاتب المؤلف بشأن كتابه “فتح البيان” ووجه له نصيحة ذهبية فيها الشهادة له بالعلم والتحقيق وإعذاره فيما ذهب إليه، وحثه على الاستفادة من كتب شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم كالكافية الشافية -النونية- والعقل والنقل، والتسعينية والصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، واجتماع الجيوش الإسلامية ونحوهن من كتبهما، وبعد ذلك وفي عام (1289ه) صنف المؤلف رسالته “قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر”، واستفاد من نصيحة الشيخ العلامة حمد بن عتيق، وانكب على كتب شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم واغترف من كتبهما وكتب غيرهما من أهل السنة، وحث على ذلك كما تراه في الرسالة([46]) وكما صنف “قصد السبيل في ذم الكلام والتأويل”([47]).
والعلماء المتأخّرون والمعاصرون المتأثرون بكتب شيخ الإسلام وفكره كثيرون جدًّا، لا يمكن تتبّعهم وإحصاؤهم، نذكر منهم على سبيل المثال:
- الشيخ محمد حامد الفقي([48])، وقصّة تأثره بشيخ الإسلام وتحوّله إلى منهج السلف ذكرها الشيخ حماد الأنصاري عنه([49]).
- الشيخ عبد الرحمن بن عبد الوهاب الوكيل، كان صوفيًّا أول أمره ثم هداه الله للحق بسبب كتب شيخ الإسلام([50]).
- الشيخ الأديب علي الطنطاوي، نشأ أول أمره في وسط صوفي، وتعلم من أبيه كره ابن تيمية وكره الوهابية، ثم هداه الله تعالى للحق بسبب تأثره بمنهج ابن تيمية([51]).
- الشيخ محمد نسيب بن عبد الرزاق الرفاعي (ت 1413هـ)، نشأ في أسرة تصدرت مشيخة الطريقة الرفاعية، ورجع إلى مذهب السلف بسبب قراءته لكتب شيخ الإسلام ابن تيمية([52]).
- الشيخ محمد خليل هراس، تخرج من الأزهر وتخصص في الفلسفة والمنطق، وكان في أول أمره يعادي شيخ الإسلام؛ لذلك أشار إليه بعض الناس أن يكتب رسالة الدكتوراه في الردّ على شيخ الإسلام ابن تيمية، فجمع ما وقع عليه من كتبه، وعكف على دراستها نحو ثلاثة أشهر، فتبين له أنه لم يفهم الإسلام بعدُ إلا بعد دراسة هذه الكتب، فكتب رسالة الدكتوراه بعنوان: (ابن تيمية السلفي)([53]).
- محمد المكي بن مصطفى بن محمد بن عزوز الحسني الإدريسي المالكي (1334هـ)، كان في بداية شبابه -أيام عيشه بتونس زمن الدولة العثمانية- من دعاة القبورية المناوئين لدعوة الكتاب والسنة، ثم تأثر كثيرًا بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، فهداه الله تعالى للمنهج الحق([54]).
- طه جابر العلواني المفكر والفقيه العراقي، كان أستاذًا في أصول الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، اطلع على كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، فوجد فيها من التوقير والتعزير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يجد مثله عند أحد من أولئك الذين يدعون إلى التوسل وزيارة القبور، فاعتنق منهج السلف بسبب ذلك([55]).
- العلامة محمود شكري الألوسي (ت 1342هــ)، كان صوفيًّا ثم هداه الله لمذهب السلف بعد الثلاثين بسبب مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، فاهتدى بنورها الوضاء إلى المحجة البيضاء([56]).
- الشيخ العلامة محمد رشيد رضا، صرح أنه لم يطمئن لمذهب السلف إلا بعد مطالعة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية([57]).
- المرجع الشيعي أبو الفضل البرقعي (ت 1412هـ)، بلغ الغاية عند الطائفة الشيعية الاثني عشرية، ثم هداه الله إلى الحق وعقيدة أهل السنة، وكان مما ذكره في ذكرياته سوانح الأيام تأثره بابن تيمية وكتابه منهاج السنة، حتى إنه ترجمه وعلق على مختصره([58]).
- المرجع الشيعي حسين المؤيد، كان سبب تسننه قدوم أحد طلبته لأداء الحج عام 1998م فوقف على كتاب «أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية» للدكتور ناصر بن عبد الله القفاري، فأخذ هذا الطالب نسخة من الكتاب فذهب بها إليه ليقوم بالرد عليه؛ فقرأه الشيخ وأعجب بنمط مناقشة المدرسة السلفية لأصول الشيعة، وكانت فكرة الإمامة راسخة عنده حتى قرأ هذا الكتاب فتبنى فكرة التقريب، ثم لاحظ أن هذا الكتاب يعتمد في أساسه ومرجعه على كتاب «منهاج السنة» لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فأخذ الأصل وبدأ بالقراءة فيه، فمرة يعجب بأسلوب ومنهج شيخ الإسلام ابن تيمية في مناقشة المتن عقليا، ومرة يرمي بالكتاب لشدة ابن تيمية وحدته على حد قوله. وكانت بدايته الجدية في التسنن والالتحاق بركب أهل السنة والجماعة عام 2005م؛ عندها سقطت ثقته بالمنظومة الشيعية التي كان أحد أقطابها يوما من الأيام؛ وعلم أنها مليئة بالكذب والدسائس والخرافة، وسقطت كذلك عنده نظرية الإمامة([59]).
وبعد:
فهذه بعض حسنات شيخ الإسلام رحمه الله وبعض آثاره على مخالفيه، ثم لما أراد الله له الكرامة حُبس في دمشق، وفي يوم الاثنين تاسع عشر جمادى الآخرة لسنة 728هــ ورد مرسوم شريف سلطاني إلى دمشق بمنع الشيخ تقي الدين أحمد ابن تيمية من الكتابة مطلقًا في التصنيف والفتيا، فأخذ ما عنده من الكتب والأوراق والدواة والأقلام وأُودِع ذلك عند متولي قلعة دمشق، فكان عنده إلى مستهل شهر رجب، ثم أرسل المتولي ذلك إلى قاضي القضاة علاء الدين، فجعل الكتب في خزانة المدرسة العادلية لأنها كانت عارية، وأما الأوراق التي كانت بخطه من تصانيفه فكانت نحو أربع عشرة ربطة، فنظر القضاة والفقهاء فيها، وفُرِّقت بينهم.
في الثلث الأخير من ليلة الاثنين المسفر صاحبها عن العشرين من ذي القَعْدة كانت وفاة الشيخ العالم الورع تقي الدين أحمد ابن الشيخ شهاب الدين أبي المحاسن عبد الحليم ابن الشيخ مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني ثم الدمشقي في معتقله بدمشق، ومرض سبعة عشر يومًا، ولما مُنع من الكتابة والتصنيف عكف على تلاوة كتاب الله تعالى، فيقال: إنه قرأ ثمانين ختمة، وقرأ من الحادية والثمانين إلى سورة الرحمن، وأكملها أصحابه الذين دخلوا عليه حال غسله وتكفينه، وتولى غسله مع المغسل الشيخ تاج الدين الفارقي، والشيخ شمس الدين بن إدريس، وصُلِّيَ عليه في عدة مواضع؛ فصلى عليه أولًا بقلعة دمشق وأم الناس في الصلاة عليه الشيخ محمد بن تمَّام الصالحي الحنبلي، ثم حُمِل إلى الجامع الأموي، ووضعت جنازته في أول الساعة الخامسة، وامتلأ الجامع بالناس، وغلقت أسواق المدينة، وصلى عليه بعد صلاة الظهر، ثم حمل وأخرج من باب الفرج، وازدحم الناس حتى تفرَّقوا في أبواب المدينة وصُلِّيَ عليه بعد صلاة الظهر، ثم حمل فخرجوا من باب النصر وباب الفراديس وباب الجابية، وامتلأ سوق الخيل بالناس، وصُلِّي عليه مرة ثالثة وأم الناس في الصلاة عليه أخوه الشيخ زين الدين عبد الرحمن، وحُمِل إلى مقبرة الصوفية، فدُفِن قريبًا من وقت العصر لازدحام الناس عليه([60]).
والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) مسالك الأبصار، لأحمد بن يحيى بن فضل الله العُمري -ضمن الجامع لسيرة شيخ الإسلام خلال سبعة قرون- (ص: 312).
([2]) الجامع لسيرة شيخ الإسلام خلال سبعة قرون (ص: 541).
([3]) ذيل تاريخ الإسلام -ضمن الجامع لسيرة شيخ الإسلام خلال سبعة قرون- (ص: 268).
([4]) ينظر: الرد الوافر، لابن ناصر الدين الدمشقي -ط: المكتب الإسلامي- (ص: 34).
([5]) ينظر: الرد الوافر (ص: 51).
([8]) انظر: المنهج الأحمد في ذكر أصحاب أحمد -ضمن الجامع لسيرة شيخ الإسلام خلال سبعة قرون- (ص: 606).
([10]) ينظر: البداية والنهاية، لابن كثير (14/ 54).
([11]) مدارج السالكين (2/ 329).
([12]) مدارج السالكين (2/ 328).
([13]) هو ملك التتار، تولى الملك عليخم سنة 694هـ، فأسلم على يد الأمير توزون وأظهر الإسلام ودخلت التتار أو أكثرهم في الإسلام، وتسمى بمحمود وشهد الجمعة والخطبة. توفي سنة 703هـ بالقرب من همدان، وقام بالملك من بعده أخوه خربندا. انظر: البداية والنهاية (13/ 360، 372، 14/ 8، 30).
([14]) رواه ابن ماجه (1625)، وأحمد (12169).
([15]) مجموع الفتاوى (28/ 618).
([17]) مجموع الفتاوى (10/ 560).
([19]) بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (5/ 264).
([20]) ينظر: العقود الدرية (ص: 143).
([21]) انظر: المسائل والأجوبة، ت: أبو عبد الله حسين بن عكاشة، ط: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر – القاهرة (ص: 244).
([22]) دعوة شيخ الإسلام وأثرها على الحركات الإسلامية المعاصرة (ص: 21).
([23]) البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع -ضمن الجامع لسيرة شيخ الإسلام- (ص: 650).
([24]) انظر: ابن تيمية وإسلامية المعرفة، طه جابر علواني (ص: 11).
([25]) مجموع الفتاوى (4/ 208-209).
([26]) درء تعارض العقل والنقل (6/ 343-344).
([27]) منهاج السنة النبوية (8/ 26).
([28]) مجموع الفتاوى (1/ 70-71).
([29]) منهاج السنة النبوية (2/ 349).
([30]) الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية (ص: 17).
([31]) الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد (1/ 38).
([32]) الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (1/ 27).
([33]) الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (1/ 358).
([34]) أعيان العصر وأعوان النصر (1/ 388).
([35]) الدرر الكامنة (5/ 262).
([36]) ينظر: حياة ابن تيمية، محمد يوسف كوكن (ص: 217).
([37]) ينظر: الدرر الكامنة (5/ 263).
([38]) ينظر: الدرر الكامنة (2/ 434).
([39]) ابن القيم وآثاره الشيخ بكر أبو زيد (ص: 130) وما بعدها.
([40]) نونية ابن القيم (ص: 143).
([41]) ذيل طبقات الحنابلة (4/ 381-382).
([42]) انظر: العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية (ص: 519).
([43]) دعوة شيخ الإسلام وأثرها على الحركات الإسلامية المعاصرة (ص: 166).
([44]) دعوة شيخ الإسلام وأثرها على الحركات الإسلامية المعاصرة (ص: 33).
([45]) انظر: أبجد العلوم (3/ 271).
([47]) ينظر: مشاهير علماء نجد (ص: 244).
([48]) ينظر لترجمته: جهود الشيخ محمد حامد الفقي في نشر العقيدة السلفية، موفق بن عبد الله على كدسة (ص: 43).
([50]) ينظر: مقدمة كتاب مصرع التصوف (ص: 6).
([51]) ينظر: علماء ومفكرين عرفتهم (3/ 192)، رجال من التاريخ (ص : 414).
([52]) ينظر: رجال من التاريخ لعلي الطنطاوي (ص : 416)، وصفحات من حياة العلامة محمد نسيب الرفاعي، لتلميذه عصام موسى (ص: 9-11).
([53]) ينظر: شرح العقيدة الوسطية، الشيخ محمد أمان الجامي، الشريط الثاني.
([54]) ينظر: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والألوسي، للأستاذ محمد العجمي (ص: 101-110)، شخصية محمد المالكي بن عزوز ودوره الإصلاحي، رسالة ماجستير، برجي رزيقة (ص: 38).
http://saaid.org/Warathah/Alkharashy/m/117.htm
([55]) ينظر: ابن تيمية وإسلامية المعرفة، لطه جابر العلواني (ص 12-14).
([56]) سنظر: أعلام العراق، محمد بهجة الأثري -ط: المكتبة السلفية- (ص: 99)، ومجلة المنار (25/ 113).
([58]) انظر: دراسة مطولة عنه بعنوان: البرقعي وجهوده في الرد على الرافضة، خالد بن عبد المحسن التويجري -ط: البيان-.
([59]) انظر: مسرد الدراسات عن ابن تيمية، بدر بن سعيد الغامدي (ص: 60).
([60]) ينظر: نهاية الأرب في فنون الأدب، شهاب الدين النويري (33/ 278).