الجمعة - 11 ذو القعدة 1446 هـ - 09 مايو 2025 م

ترجمة الشيخ أ. د. أحمد بن علي سير مباركي (1368-1446هـ/ 1949-2025م)(1)

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

اسمه ونسبه:

هو الشَّيخ الأستاذ الدكتور أحمد بن علي بن أحمد سير مباركي.

مولده:

كان مسقط رأسه في جنوب المملكة العربية السعودية، وتحديدًا بقرية المنصورة التابعة لمحافظة صامطة، وهي إحدى محافظات منطقة جازان، وذلك عام 1365هـ([2]).

نشأته العلمية:

نشأ الشيخ نشأتَه الأولى في مدينة جيزان في مسقط رأسه قرية المنصورة، وقد نَعِم بالنشأة في كنف والديه، خاصة والده الذي كان له كبير الأثر في شخصيته وحياته، وأما والدته فلم ينعم ببرها طويلًا حيث توفّيت أمه وهو لا يزال دون العاشرة.

ويبدو من خلال تتبع نشأته بين والديه وفي مسقط رأسه وأسرته التي كانت تعيش انتعاشًا علميًّا أن الشيخ التحَق بحلقات المسجد، وهي أشبه بالكتاتيب، حيث تعلَّم فيها القراءة والكتابة وقرأ شيئًا من القرآن، وهذا ما يغلب على الظنّ، خاصّة وأن الشيخ التحق بعدها بالمدرسة الابتدائية، ويبدو أنّ نبوغَه ونشأته في جوٍّ علمي دفعه إلى ذلك، وقد درس تحديدًا في مدرسة ضمد الابتدائية، وكان ممن درس عليه فيها الشيخ يحيى بن أحمد الضمدي، وكان والده مديرَ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ضمد حينها([3]).

لقد منَّ الله سبحانه وتعالى على الشيخ إذ سخر لأسرته وأهل منطقته عامةً مجدّد الدعوة في جنوب المملكة الشيخ عبد الله بن محمد القرعاوي الذي كان قد وطئ أرض جيزان ولمَّا يولد الشيخ رحمه الله، فما إن فتح عينيه على الدنيا إلا وقد تلألأت أنوار دعوة الشيخ القرعاوي وانتشرت جهوده ومساعيه وتأسست مؤسساته ومعاهده العلمية التي أنشأها في المنطقة، فكان أن استفاد الشيخ من دعوته فائدة عظيمة؛ حيث إن الشيخ القرعاوي كما يقول الشيخ د. علي ناصر فقيهي رحمه الله: “له الفضل بعد الله في نشر العلم والعقيدة الصحيحة ونبذ الخرافات وفتح المدارس في المنطقة وما جاورها، وكان قدومه عام 1358هـ”([4]).

“وقد كانت أسرة الشيخ أسرة علم ومعرفة”([5])؛ حيث كان والده وعمه وغيرهما من أنبل تلاميذ الشيخ القرعاوي، فالشيخ قد فتح عينيه على هذا الانتعاش العلمي والدعوي الذي أقامه الشيخ القرعاوي، فكان أن عمَّه هذا الخير؛ حيث نشأ نشأته العلمية الجادة الأولى على أفذاذ أسرته الذين كان كثير منهم من تلاميذ الشيخ، ومن أبرزهم وفي مقدمتهم والدُه القاضي علي سير مباركي الذي كان قاضيا في عدة مدن وقرى كصبيا وضمد وغيرها؛ فتأثر به كثيرًا، ويبدو أن والده هو أول مشايخه في طلب العلم([6]).

بالإضافة إلى ذلك كان ممن يشدُّ من أزْرِ الشَّيخ في هذه المرحلة المبكرة وممن أثر في بناء شخصيته وتكوينه العلمي الشيخ أحمد بن يحيى النجمي مفتي جازان، والشيخ إبراهيم حسن الشعبي.

وأيضا كان ممن أثر عليه عمُّه، وهو الشيخ إبراهيم سير مباركي الذي كان من تلاميذ الشيخ عبد الله القرعاوي، وكان يقطن في صامطة، وعاش معه الشيخ فترة من الزمان، ومثله الشيخ العلم حافظ الحكمي، وهكذا فإن الشيخ “تلقى تعليمه في بيئة تجمع بين التقاليد الإسلامية والعلم الشرعي”([7]).

وهذا ما يجعلنا ننتقل إلى الحديث عن المؤسسات التعليمية والمراحل الدراسية التي تنقل بينها، وهي بلا شك لها أثرها البالغ على نشأته العلمية.

التحاقه بالمعهد العلمي بصامطة:

سبَق أن الشيخ التحَق بالمدرسة الابتدائية ومن الجدير بالذكر هنا أنه كان قد درس بها حتى أتم الصف الرابع؛ وكان الشيخ رحمه الله يمتاز بهمّة عالية وشغَف علميّ منذ الصغر؛ وينجلي لنا سموّ همة الشيخ أحمد رحمه الله في قصة التحاقه وتنقُّله بين المعاهد والمؤسسات العلمية العريقة؛ فما إن سنحت له فرصة الالتحاق بالمعهد العلمي في مدينة صامطة (مهد الدعوة ومقر الشيخ القرعاوي) بالقسم الابتدائي حتى بادر بطلب الالتحاق به إلى المسؤول عن المعهد، وكان الشيخ حافظ الحكمي هو مدير المعهد، وكان حريصًا على أن يكون معهدًا أنموذجيًّا يخرّج جهابذةً يحملون مشاعل العلم والنور والهدي القرآني والنبوي؛ ويبثونه وينشرونه في ربوع المنطقة الجنوبيّة خاصة وبلاد المسلمين عامةً؛ ومن هنا كان الطالب عند تقدّمه للدراسة في المعهد يخضع لامتحانات دقيقة، ولا يُقبل أحدٌ إلا بعد التأكد من مناسبته للمعهد واجتياز امتحان القبول.

وقد قُبِل الشيخ أحمد في المعهد، وذلك في القسم التمهيدي وهو ما يعادل في المعهد الصف الخامس الابتدائي؛ وقضى فيها الشيخ قرابة أربع سنوات حتى تخرَّج بها عام 1378هـ، وهو من الدفعة السادسة من دفعات المعهد العلمي بصامطة([8]).

ومن هنا كان الشيخ قد تأثَّر بعمّه إبراهيم سير مباركي؛ حيث كان يقطن في مدينة صامطة؛ وكان الشيخ قد عانى في تلك الفترة؛ إذ إن والده كان يعمل قاضيا في ضمد، فكان الشيخ ينتقل بشكل دوريّ من ضمد إلى صامطة؛ فكان يذهب راجلًا أحيانًا وراكبًا أحيانًا إلى المعهد العلمي؛ ولكن مما هوَّن عليه الأمر أن عمه الشيخ إبراهيم سير كان يقطن صامطة، وهو ما كان له الأثر الإيجابي على شخصية الشيخ وتكوينه العلمي وتأصيله وتوجّهه وانكبابه على العلم؛ حيث كان عمه من خواص تلامذة الشيخ القرعاوي ومن أهل العلم.

وبمجرد أن انتهى من تلك المرحلة التحق بالمرحلة الثانوية في نفس المعهد العلمي في صامطة، وقد جد فيها الشيخ واجتهد وبذل فيها وسعه وطاقته، وكان من زملائه فيها الشيخ الدكتور علي بن حسن الحازمي.

ومكث على ذلك قرابة أربع سنوات حتى تخرج بها عام 1382هـ؛ ومما يُنبِئَنا عن جِدّه ونبوغه وأنه كان من أنجب طلاب المعهد آنذاك أنه تخرج وترتيبه الثاني على الدفعة ‏هذا على مستوى المعهد، وأما على مستوى المملكة العربية السعودية فقد كان من الأحد عشر الأوائل في امتحان الشهادة الثانوية بالمعاهد العلمية لعام 13٨٣هـ-١٣٨٤ه.

التحاقه بالمرحلة الجامعية ثم الدراسات العليا:

وهكذا فإن نهمه العلمي لم يتوقف عند ذلك؛ بل بعد تخرُّجه من الثانوية شمَّر عن ساعد الجد وقرر الشيخ رحمه الله الانتقال من منطقته إلى الرياض، وجمع متاعه وأعدَّ عدته ورَحْله طلبًا للعلم؛ حيث التحق لدراسة مرحلة البكالوريوس بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وتخرَّج بها بتقدير ممتاز عام 1388هـ، وكان من المتميزين في تلك الدفعة، بل كان ترتيبه الأول في الدفعة؛ وهو ما ينبئ عن نبوغه المبكر وجدِّه واجتهاده منذ المراحل الجامعية الأولى.

وبطبيعة الحال من كان بهذا المستوى العالي من التميز وبهذه الهمة العالية وقوة الإرادة لا بد أنه سيواصل الدراسات العليا، وهو ما حصل بالفعل، ولكنه عُين في القضاء بمجرد تخرجه من البكالوريوس؛ لما كان يتمتع به من وفور الذكاء وحدة القريحة والنبوغ العلمي، فظل لمدة سنة تقريبا -عام 1389هـ- يعمل ملازمًا قضائيًّا في وزارة العدل حتى أُعفي من ذلك خلال عام واحد بطلب منه وإلحاح.

وقد عُيِّن معيدًا بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود تقريبا عام 1390هـ.

وبطبيعة الحال أكمل مسيرته الدراسية في الدراسات العليا؛ حيث وضع أول قدم فيها بالتحاقه بمرحلة الماجستير بقسم الشريعة الإسلامية في المعهد العالي للقضاء، وقد مكث الشيخ فيها ثلاث سنوات؛ حيث كانت الدراسة المنهجية آنذاك ثلاث سنوات ثم يكلَّف الطالب بإعداد بحثٍ تكميليّ، وكان بحثه بعنوان: “العرف وأثره في الشريعة والقانون”، وقد تخرج بها بتقدير ممتاز عام 1392هـ.

ولم يكد يهنأ جسده بالراحة بنيل درجة الماجستير حتى ابتُعث الشيخ إلى جامعة الأزهر؛ ولشدة تعلقه بالكتاب والسنة وبعلم الحديث وميله إليه ورغبته فيه سجَّل في تخصص الحديث مع أنه كان على حساب إعادة مرحلة الماجستير من جديد، فأعاد دراسة السنوات المنهجية، ثم ناقش رسالة الماجستير وتخرج بها عام 1394هـ، وكانت رسالته في الأزهر في هذه المرة بعنوان: (الحافظ ابن حجر مع تحقيق كتابه تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدريس).

ولكن ما إن عاد إلى المملكة العربية السعودية حتى وجد أن الحاجة ملحَّة إلى متخصصين في أصول الفقه بينما تخصُّصُ الحديث كان فيه شبه اكتفاء لكثرة المتخصصين فيه؛ فعاد إلى جامعة الأزهر من جديد، وأعاد الدراسة في أصول الفقه حتى حصل فيها على درجة الدكتوراه، وهذا يدل على علو همته وقوة شغفه وعظيم محبته للعلم، إلى جانب فطنته ورجاحة عقله وبصيرته بمصلحته ومصلحة العلم.

يقول تلميذه الشيخ ياسر الثميري: “لما عاد إلى السعودية -كما حدثني به: أ. د. عبد العزيز بن محمد السعيد، وأظنه كان وكيلًا للجامعة أو عميدًا لكية الشريعة- فقال: الجامعة ترغب فيك دكتورًا في أصول الفقه، وعندنا حاجة لذلك، ولسنا في حاجة المتخصصين في الحديث، فرجع الشيخ إلى جامعة الأزهر، وسجل موضوعًا للدكتوراه وهو: (تحقيق كتاب العدة في أصول الفقه، للقاضي أبي يعلى الحنبلي)، وحصل على الدكتوراه بتقدير ممتاز عام ١٣٩٧هـ”([9]).

ومما يُنبِئُنَا عن همة الشيخ العالية ويتلمَّسُه من يتأمل في نشأة الشيخ العلمية أنه لم يترك مقاعد الدراسة منذ أن جلس بها في الكتاتيب حتى واصل الدراسات العليا، ثم حين وُجه بأهمية تخصُّصِ الأصول آنذاك عاد من جديد لينال الدرجة العالمية العالية (الدكتوراه) في الأصول، وهو مما يمتاز به ثلَّةٌ من أترابه الذين شغفوا بالعلم في تلك الحقبة الزمنية، وحملوا بأيديهم مشعل النور والهدى، وأحيوا النهضة العلمية التي شهدتها المملكة العربية السعودية بأسرها؛ حيث نجد كثيرًا من أترابه من طلبة العلم في تلك الفترة ممن أطالوا المكث في مقاعد الدراسة وحين نضجت قرائحُهم وملكاتُهم العلمية أطالوا المكث في كراسي التدريس ما يصل إلى أربعة عقود وأكثر.

ولعل قائلا يقول: إن الشيخ إنما أعاد دراسة أصول الفقه في مرحلة الدكتوراه من جديد في جامعة الأزهر تحلة للقسم، ولكن في الحقيقة لم يكن الأمر كذلك، بل عاد الشيخ بهمة عالية وبروح المثابرة والمنافسة الشديدة، وبجد واجتهاد لا نجده إلا في أفراد طلبة العلم، فمنذُ أول يوم سجَّل فيه موضوع الدكتوراه في تحقيق كتاب “العدة” شمَّر عن ساعد الجد وقام يجمع المصادر والمخطوطات من المكتبات سواء للمؤلف أو ما يتعلق به من قريب أو بعيد؛ فزار أولا مكتبة القاهرة العامة وجمع ما فيها، ثم دار الكتب المصرية ومعهد المخطوطات العربية التابعة لجامعة الدول العربية، وصور ما فيها من مخطوطات بجهاز التصوير القديم الميكروفيلم المعروف، ثم سافر إلى المملكة العربية السعودية وزار مكتبات المدن الكبيرة فيها؛ الرياض ومكة والمدينة والطائف وغيرها، ولكنه عاد خاوي الوفاض لم يظفر بشيء في المملكة يمكن أن يفيده من مخطوطات وكُتبٍ في بحثه.

وبعد ذلك انتقل إلى المكتبة الظاهرية وصور منها، ويبدو أنه أيضا سافر إلى بغداد وبحث في مكتباتها المخطوطات المتعلقة بالقاضي أبي يعلى؛ ذلك أن القاضي وُلد في بغداد وبها نَشَأَ وفيها توفي، ولكنه لم يظفر بشيء من المخطوطات المتعلقة بالقاضي أبي يعلى في بغداد على الرغم من كل ذلك([10]).

ولا شك أن شد الرحال من مدينة إلى مدينة بحثًا عن المخطوطات والمراجع المتعلقة بالبحث هو جزء من الجهد المبذول في البحث؛ ذلك أن الشيخ بعد هذا الجمع بدأ جهدًا آخر وهو تحقيق المخطوط وإخراجه في أبهى حلة وأجمل صورة، وهو ما كان فعلا؛ فإن تحقيقه لكتاب “العدة” يُعدُّ أفضل تحقيق موجود للكتاب حتى يوم الناس هذا.

وقد نوقشت الرسالة في جامعة الأزهر مساء يوم الاثنين بتاريخ 11/ 11/ 1397هـ، ونال بذلك الشيخ مرتبة الشرف الأولى مع التوصية بطبع الرسالة وتبادلها بين الجامعات، وكانت لجنة المناقشة مؤلفة من الأستاذ الدكتور عبد الغني بن محمد بن عبد الخالق رئيس قسم أصول الفقه مشرفا، والأستاذ الدكتور محمود بن شوكت العدوي عميد الكلية عضوا، والأستاذ الدكتور محمد بن محمد بن جبر بن نصار عميد كليات البنات الإسلامية بجامعة الأزهر عضوا([11]).

وقد طبعت الرسالة -بحمد الله تعالى- عام 1400هـ في خمس مجلدات، ويبدو أن الشيخ رحمه الله طبعها بنفسه، ولم يوكل أمرها إلى دار طباعة، حيث لا يوجد اسم دار على غلاف الكتاب، ومهما يكن من أمرٍ فإنه يعدُّ أفضل تحقيق مطبوع للكتاب حتى يوم الناس هذا، والمطبوع منه هو القسم الثاني من الرسالة كما صرح الشيخ بذلك في فاتحة الكتاب المطبوع، ويبدو أن القسم الأول كان عبارة عن دراسة علمية للقاضي أبي يعلى وحياته وسيرته ومنهجه وطريقته في التأليف وغير ذلك([12]).

أبرز شيوخه:

تبين في غضون الحديث السابق عن النشأة العلمية أن الشَّيخ تَتَلمذ على عددٍ من العلماء، ولكن لم أجد من جمع أسماءهم وسردها في مكان واحد، ومن أبرزهم:

  • والده القاضي علي سير مباركي.
  • عمُّه الشيخ إبراهيم سير مباركي.
  • الشيخ يحيى بن أحمد الضمدي.
  • الشيخ عبد الله بن حميد، وقد درس عليه بعض دروس العقيدة في الحرم المكي.
  • الشيخ عبد الرزاق عفيفي، وقد درس مقاصد الشريعة في منزله، وهذه خصوصية للشيخ أحمد دون سواه.
  • الشيخ صالح الفوزان.
  • الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان.
  • الشيخ أحمد بن يحيى النجمي مفتي جازان.
  • الشيخ إبراهيم حسن الشعبي.
  • الشيخ أبو الكمال عبد الغني بن عبد الخالق، وهو من أشرف عليه في مرحلة الدكتوراه.
  • الشيخ عبد العال عطوه.

جهوده:

لقد بدأ الشَّيخ حياة البذل والعطاء منذ أن تخرَّج من مرحلة البكالوريوس، حيث بدأ بالتدريس بمجرد أن كان مؤهلا ومهيَّأً لذلك؛ ولئن تأملنا مسيرته في خدمة العلم نجده شُعلةً في باب التدريس، وشَامةً في جبين التأليف والتحقيق، وغرَّةً بين أهل العلم والمفتين، فهو ممن جعل حياته دائرة بين كل لون من ألوان خدمة العلم من التدريس والتأليف وغيره.

يقول تلميذه الشيخ د. عبد الله القفاري: “كان الشيخ أحمد رحمه الله عالمًا بارزًا وأحد رموز العلم والدعوة في المملكة العربية السعودية، عُرف بحرصه على نشر العلم الشرعي وخدمة الناس بعلمه وتواضعه. تقلد العديد من المناصب العلمية والإدارية خلال مسيرته، وترك إرثًا علميًّا وأخلاقيًّا غنيًّا”([13]).

وفي هذا المبحث نستعرض شيئا من جهوده البارزة تفصيلا، ومنها:

أولا: التَّدرِيس:

من يُسلط عدسات بحثه على الحياة الوظيفية للشيخ يجد أنه كان حريصًا على استثمار وقته في التدريس على وجه الخصوص؛ إذ إنه من أشرف الأعمال ومن أكثرها ترسيخا وتثبيتًا للعلم؛ ومن هنا نجد أن سنوات انشغاله ومكثه في مقاعد الجامعات أكثر من غيرها؛ فقد درّس الشيخ أكثر من ثلاثة عقود.

ولعل الشيخ كان يقصد من ذلك التفرغ للعلم والانشغال بالأعمال المرتبطة به بشكل مباشر كالتدريس والتأليف؛ فهو بذلك قد حبس نفسه على العلم، والبحث، والدرس، والتعليم، والتردد بين دور التعليم كالجامعات والمعاهد والمدارس.

يقول ابنه الأستاذ أيمن مباركي: “كان الوالد تُعرض عليه الأعمال والمناصب الكثيرة، فكان يعتذر عن كثير منها؛ بغية خدمة العلم والانشغال به وعدم الانشغال عنه؛ فجعل حياته مقتصرا على التدريس والبحث والتأليف والإفتاء”([14]).

وهو ما نلمسه هنا أنه على الرغم من اضطراره إلى بدء مسيرته الوظيفية بالقضاء إلا أننا نجده كان يحاول الابتعاد ما أمكن عن مثلها من المناصب والأعمال المشغلة للإنسان عن العلم؛ ولذا سعى إلى الاستقالة من القضاء حتى تمكّن من الإعفاء من ذلك والانخراط في مجال التدريس حيث عين معيدًا؛ إذ هو أقرب إلى الكتب والمراجع العلمية ومداولة العلم وممارسته، وكان يقول: “أول مادة درَّستها في الكلية مادة تفسير آيات الأحكام”([15])، ويبدو أن الشيخ ممن جعل حياته دائرة بين التعلُّم والتعليم في مختلف مراحل عمره حيث جمع فيها بين البذل والأخذ؛ فكان يدرُس حتى إذا تفرّغ ووجد فرصة بدأ يُدرِّس.

إذن من هنا كانت البداية الفعلية لمرحلة البذل والعطاء العلمي بالتَّدرِيس بعد إعفائه حيث عيِّن معيدًا في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود تقريبا عام 1390هـ.

ولقد منَّ الله عليه؛ فبمجرد انتهائه من مرحلة الدكتوراه في جامعة الأزهر في تخصص أصول الفقه عيِّن أستاذًا مساعدًا في قسم أصول الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود، وتحديدا عامَ 1396هـ، وقد استمر بالتدريس فيها حتى عام 1411هـ.

ثم انتقل بعدها يدرِّس في قسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء، ومكث فيه حتى عام 1416ه.

يقول تلميذه الشيخ ياسر الثميري: “أخبرني أنه عمل خمسة عشر عاما في قسم أصول الفقه بكلية الشريعة، وخمسة عشر عامًا أستاذًا لأصول الفقه بالمعهد العالي للقضاء بقسم الفقه المقارن”([16]).

وقد كان الشيخ شغوفًا بالتدريس، وفي ذلك يقول ابنه الأستاذ أيمن: “لم يتوقف عن التدريس حتى تقاعده، وكنت أصحبه أنا بنفسي؛ حيث كان يُدرِّس بعض الشُّعَب، ولم يقتصر تدريسه على جامعة الإمام والمعهد العالي للقضاء، بل كان يشارك في غيرها كجامعة الأمير نايف، ويشرف على رسائل جامعية، وأظن أنه انقطع عن التدريس بالكلية بعد تقاعده تقريبا عام ١٤٣٥هـ”([17]).

وهكذا نجد أن الشَّيخ رحمه الله عنِي بالتَّدرِيس عناية كبيرة، ومن شغفه بالتدريس وحبه له عُرف بتميزه فيه، ومن قوته أنه كان يحضِّر لدروسه ويهتم بها اهتماما بالغًا حتى إنه كان يستحضر عن ظهر قلب نصوص أمهات الكتب الأصولية التي كان يدرسها؛ كالإحكام للآمدي والمستصفى والروضة وغيرها، يقول تلميذه الشيخ ياسر الثميري: “حدثني بعض تلاميذه الذين درسوا عليه منذ أكثر من خمس وثلاثين سنة في الدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة الإمام وفي المعهد العالي للقضاء: أن الشيخ من قوته في التدريس كان يستحضر بعض نصوص الكتب المهمة في الأصول، مثل: الإحكام للآمدي والمستصفى للغزالي وروضة الناظر لابن قدامة، ويكاد لا يغيب عنه نقل من النقول؛ حتى إنه أحيانا يقرأ على تلاميذه لفظ العالم، وكان بعض الطلاب يتعجب من ذلك، ويراجع الكتاب المطبوع فيجده مطابقا لما ذكره الشيخ، والشيخ يبتسم لذلك ويقول: هل وجدتم خطأ في النص أم هو صحيح؟”([18]).

وهذا يجلِّي لنا مدى عناية الشيخ بالكتب وخاصة الأمهات في التخصص؛ فقد كان يختار الكتب التي يُدرِّسها بعناية، ولا يرضى بأن يكون المرجع في التدريس نتفًا من هنا وهناك تُصوَّر في مذكرة أو نحوها.

يقول تلميذه الشيخ د. عبد الله القفاري: “ترك الشيخ أثرًا عظيمًا في قلوب من عرفوه أو تتلمذوا على يديه؛ إرثه العلمي وأخلاقه الرفيعة ستبقى مصدر إلهام للأجيال القادمة، لقد عاش حياته في خدمة العلم والدين، وها هو يرحل بجسده، لكن علمه وأثره يبقيان شاهدين على عطائه”([19]).

وكان الشيخ يعتني بأن يتناول تدريس العلم من المتخصص فيه؛ ومن ذلك ترشيحه للدكتور يعقوب الباحسين لتدريس أصول الفقه في القسم حين كان الشيخ رئيسها، وسُرَّ بذلك الشيخ الباحسين أيما سرور وهشّ وبشّ.

ولم يقتصر الشيخ على التدريس في الجامعات، بل كان يدرس في بيته وفي المساجد، ويذكر أن الشيخ الغديان كان قد نُسّق له ليُدرس في مسجد كان يُدرّس فيه الشيخ، فرفض الشيخ الغديان وقال: يكفيكم الشيخ أحمد، فيه الخير والبركة([20]).

وكان الشيخ يعتني بالكتب الأمهات خاصة في الدروس الخاصة المتناسبة مع الكتب التخصّصية كما يذكر تلميذه أ. د. عبد العزيز عرب: “كان الشيخ يأتي مع سماحة المفتي ومشايخ الإفتاء في الصيف؛ إذ كان حينها عضوًا في اللجنة الدائمة للإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء، وكنت في كل عام أجد له السكن الملائم له ولعائلته رحمه الله.

استثمرتُ هذه الصلة بشيخنا ووجدت متَّسعا من وقته لأقرأ عليه بعض كتب الأصول، فقرأت عليه:

  • تخريج الفروع على الأصول للإسنوي.
  • تخريج الفروع على الأصول للزنجاني.
  • شرح الكوكب المنير لابن النجار الحنبلي.
  • ومواضع من كتاب العدة في أصول الفقه لأبي يعلى الحنبلي، (وهو من تحقيق شيخنا)”([21]).

وعن عنايته بتخصّص الأصول وتميّزه فيه يقول تلميذه الشيخ د. عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين: “⁠درَّسني في السنة الثالثة من الكلية في مادة أصول الفقه، وكان متميّزا في تدريسه، وهو الذي حبب إليَّ التخصّص في أصول الفقه، وذكر لي مرارًا أنه كان يتمنى أنه تخصَّصَ في الحديث وعلومه ولم يتخصَّص في أصول الفقه مع تميزه في هذا الفن”([22]).

ويقول تلميذه الشيخ ياسر الثميري: “من أهم ما يمكن أن أؤكد عليه تميُّز الشيخ في علم أصول الفقه؛ فقد عُرف أنه من أميز الأساتذة في مادة أصول الفقه في كلية الشريعة بالرياض، وعُرف بتميُّزه في هذه المادة وأبدع في تدريسها، وكان لا يحب المذكرات وإنما يدرس الطلاب من الكتب العلمية كروضة الناظر، وفي المعهد كان يُلزِمهم أن يحضروا إحكام الأحكام لابن دقيق العيد، ويعلق ويفصل ويشرح لهم الكتاب، وهذه مما جعل الطلاب يستفيدون منه”([23]).

وكان الشيخ عبد الله بن غديان يوصي بالدراسة على الشيخ وملازمته إذا ما سأله طلاب العلم عمن يمكن أن يستفيد منهم في علم أصول الفقه على وجه الخصوص([24]).

وكان قد تولى عدة مناصب وشارك في بعض المناشط العلمية خلال مسيرته الجامعية ومنها:

  • أنه كان أول وكيل لقسم أصول الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود، وتحديدا عامَ 1396هـ، واستمر وكيلا لمدة أربع سنوات.
  • عُيِّن رئيسًا لقسم أصول الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود، وتحديدا بتاريخ ١٤/ 2/ 1401هـ، واستمر رئيسًا للقسم لمدة أربع سنوات.
  • عُيِّن عضوًا في مجلس الشورى من عام 1414هـ حتى عام 1422هـ، واستمر عضوا لمدة ثماني سنوات.
  • عُيِّن عضوًا في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء من عام 1422هـ حتى عام 1442هـ، واستمر عضوا عشرين عامًا تقريبا.
  • عُيِّن عضوًا في المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.
  • عُيِّن عضوًا في الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار من عام 1418هـ حتى عام 1424هـ، واستمر عضوا لمدة ست سنوات تقريبا.
  • عُيِّن نائبًا للرئيس في اللجنة التنفيذية للهيئة الشرعية بشركة الراجحي المصرفية للاستثمار من عام 1424هـ حتى عام 1427هـ، واستمر عضوا لمدة تسع سنوات تقريبا.
  • عُيِّن عضوًا في هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية منذ عام 1422هـ حتى عام 1443هـ، واستمر عضوا لمدة واحد وعشرين سنة تقريبا.
  • عُيِّن في لجنة الشئون الإسلامية بمجلس الشورى لثلاث فترات من عام 1416هـ حتى عام 1422هـ، واستمر عضوا ستة أعوام تقريبا.
  • عُيِّن عضوًا في لجنة مناهج كليات البنات بالمملكة.
  • شارك في بعض مجالس اتحاد البرلمانات العربية ممثلًا للمملكة.

ثانيا: التأليف:

كان الشيخ من محبي الكتب وعشاقه جمعًا وقراءة وتأليفًا وكتابة وبحثًا، يقول الشيخ د. عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين: “⁠مما عرفته عنه رحمه الله عنايتُه بالكتب وحرصه على الجديد منها، وكان يسألني عن مؤلفات والدي، ولما أهديته ما طبع منها فرح بذلك”([25]).

ومن يتأمل في مسيرته العلمية الآنفة الذكر وعناوين الكتب التي خلفها يعلم علم اليقين أنه ممن كان يركز على تخصصه ويدور تفكيره حوله؛ فكما أنه أَولى الكتابة والتأليف عموما اهتمامه وتركيزه حيث تميَّز يراعه وبرع في الكتابة عموما، فكذلك امتازت كتبه في التخصص بالجودة في السبك والعمق في الطرح والسلاسة في الأسلوب؛ بل منها ما هو أجود الموجود حتى يوم الناس، ومن ذلك تحقيق «كتاب العدة في أصول الفقه» للقاضي أبي يعلى الحنبلي.

ومهما يكن من أمر؛ فإنه يمكننا تقسيم جهوده في التأليف إلى قسمين:

القسم الأول: جهوده في علم أصول الفقه (التأليف – التحقيق):

  • تحقيق «كتاب العدة في أصول الفقه» للقاضي أبي يعلى الحنبلي، وهو مطبوع بدون دار طباعة.
  • «الحافظ ابن حجر وكتابه تعريف أهل التقديس»، وهو مطبوع في دار العزة للنشر.
  • «العرف وأثره في الشريعة والقانون»، وهو مطبوع في دار العزة للنشر.
  • «الآراء الشاذة وأثرها على الفتيا»، وهو مطبوع بدون دار طباعة.
  • «مآلات الأفعال عند الأصوليين وأثرها الفقهي»، وهو في مآلات الأفعال.
  • «الإطلاق والتقييد عند الأصوليين وأثرهما الفقهي».
  • «تقييد المباح بين الشريعة والقانون».

وهذه الثلاثة الأخيرة غير مطبوعة، ويسعى أبناؤه في طباعتها حاليا([26]).

القسم الثاني: جهوده في النوازل الفقهية:

  1. «الديون الممتازة في الفقه الإسلامي».
  2. «أضواء على النظم العدلية بالمملكة العربية السعودية».
  3. «نظام المرافعات الشرعية».
  4. «نظام الإجراءات الجنائية».
  5. «نظام المحاماة».
  6. «الضوابط الشرعية للفحص الطبي».

القسم الثالث: جهوده في موضوعات أخرى:

  1. «القاضي أبو يعلى الحنبلي الأصولي الفقيه»، وهو القسم الأول من رسالته للدكتوراه.
  2. «حقوق المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم».
  3. «مفهوم البر في الإسلام».

القسم الرابع: كتب مفرغة يقوم ذووه على طباعتها بعد وفاته:

  1. فتاوى نور على الدرب ٧ مجلدات.
  2. شرح جمع الجوامع.

يقول تلميذه الشيخ د. عبد الله القفاري: “الشيخ أحمد بن سير مباركي ترك إرثًا علميًّا مميزًا يتمثل في مؤلفات قيّمة وأبحاث علمية أَثْرَت المكتبة الإسلامية… أبحاث ودراسات تناولت قضايا فقهية معاصرة، مثل الفتوى والاجتهاد وأثرهما في المجتمع الإسلامي”([27]).

ويمكننا استعراض معالم منهجه في العلم تدريسًا وتأليفًا في النقاط التالية:

  • عُرف الشيخ بغيرته واحتياطه وورعه في الدين عموما والفتوى خصوصًا.
  • أضف إلى ذلك شدة تمسكه بما ورد عن السلف وما ورد في كتبهم.
  • كما أنه كان وقافًا على المأثور الوارد في الكتاب والسنة وما فهمه سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام، غيورا على الدين والعلم وأهله، وهذا ظاهر معروف عنه في حياته وفي يومه وفي تعامله مع ذويه وأهله ورفقائه وجلسائه، وكان له في سبيل ذلك سجالات ونقاشات وإفادات مع أهل العلم من مشايخه وزملائه.
  • وكان معروفًا بتمسكه بالحق الذي وصل إليه باجتهاده وإن خالفه من خالفه مع احترام المخالف له ورأيه.
  • وليس معنى كون الشيخ رحمه الله غيورا حازمًا أنه كان متنطعًا من المتنطعين، بل إنه مع غيرته على الدين كان يعتني بالوسطية، ولا يرضى بالغلو والشطط والإفراط، ولا ينحو نحو التساهل والتفريط، بل كان بين ذلك قوامًا؛ جعل العدل منهجه وديدنه.
  • ومن معالم منهجه في كتاباته أنه كان يؤثر الاختصار ولا يكتب إلا حرفا لا يمكن الاستغناء عنه كما يقول البعض، ويلاحظ هذا الأمر كل من تأمله في كتبه ورسائله العلمية، حتى إنه يترك المقدمات الطويلة وغيرها من الصفحات التي تكتب عادة وتسرد في الرسائل وغيرها؛ ولذلك نجد أنه لم يكد ينتهي من الحمدلة حتى شرع في بيان أسباب كتابة الرسالة مباشرة ونحو ذلك([28]).

يقول الشيخ أ. د. سعد الخثلان: “قد زاملته في كلية الشريعة وفي هيئة كبار العلماء وعرفته عن قرب، ورأيت منه التمكن في العلم خاصة في علم أصول الفقه حتى أصبح أحد مراجع طلاب العلم في الأصول، مع ما يتحلى به فضيلته من كريم الخلق وحسن المعشر”([29]).

وكانت للشيخ جهود في مجالات أخرى كإثراء المجال الإعلامي وحضوره المستمر وإجابته السائلين والمستفتين خاصة في إذاعة القرآن الكريم، يقول تلميذه الشيخ د. عبد الله القفاري: “كان للشيخ حضور بارز في إذاعة القرآن الكريم، حيث قدم العديد من برامج الفتوى والإرشاد الشرعي، وقد أسهمت هذه البرامج في نشر العلم الشرعي وتوضيح الأحكام الشرعية للمستمعين بأسلوب بسيط ودقيق”([30]).

أبرز تلاميذه:

  1. الشيخ الدكتور سعود بن عبد الله المعجب.
  2. الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس.
  3. الشيخ الدكتور محمد بن حسن آل الشيخ.
  4. الشيخ الدكتور خلف بن محمد المطلق.
  5. الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري.
  6. الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم.
  7. الشيخ الدكتور موسى فقيهي.
  8. الشيخ الدكتور عبد الله بن محمد بن إبراهيم.
  9. الشيخ محمد العيسى.
  10. الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين.
  11. الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المزيني.

أخلاقه:

لئن كان الشيخ الدكتور أحمد سير مباركي يؤكد أن “من الصفات المحمودة في العالم تحلِّيه بالتقوى والزهد والورع مع صبر وتحمل…”([31])، فإنه لا يختلف اثنان ممن عاش مع الشيخ وعرفه عن قرب أنه كان يتّسم بتلك السمات مع دماثة الخُلق وحسنه ولطف المعشر والتقوى والورع والبشاشة، حتى إن مَن تَعَامَل معه يُحسُّ بأنه قريب منه وكأنه يعرفه من أزمان وسنين، ففي لسانه حلاوة ولكلامه وأسلوبه طلاوة، وهو من أبرز الأعلام الذين كانوا يتّصفون بلطيف الأخلاق وجميل السمات؛ بدءًا بلين الجانب والتواضع وهضم النفس وبشاشة الوجه، ومرورًا بالورع والزهد والغيرة على الدين والوطن وتوقّي المحرَّم ولو كان محل شبهة، وانتهاء بحب الخير والنصح والمعونة، وأنسه في المجالس ولباقته في التعامل مع الناس عامة ومع المقربين من الأهل والتلاميذ خصوصا، ويمكن القول بأنه ممن كان بينه وبين الله خبيئة؛ حيث رُزق القبول في الأرض، ونسأل الله أن يجعله من المقبولين عنده في السماء([32]).

وعن تواضعه وتشاوره حتى مع زملائه وأخذه بآرائهم يقول الشيخ د. عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين: “⁠رأيت من خلال مجالسته وزيارته أدبا جمًّا وخلقًا رفيعًا وعفّة لسان وورع وتقوى، وكان رحمه الله حريصا على التواصل معي، وأظن أن هذا حاله مع زملائه وتلاميذه”([33]).

ويقول تلميذه الشيخ ياسر الثميري: “كان الشيخ متواضعًا جدًّا في حياته مع الناس وحتى في حياته العلمية؛ فأحيانا كان يطرح مسألة ويستشير طلابه ويقول: ما رأيكم في المسألة؟ هل ترون أنها صحيحة أم لا؟ وكأنه واحد من الطلاب، وأحيانا يقول وهو يتكلم مع الطلبة: لست شيخا ولا عالما، على الرغم من كونه عالمًا يستفتيه العلماء”([34]).

وهكذا “كان الشيخ متواضعًا جدا وعرف بذلك”([35])، وهنا موقف حيٌّ يجسد التواضع الذي كان يَحيَى عليه الشيخ رحمه الله يحكيه تلميذه أ. د. عبد العزيز عرب حيث يقول: “قُدم له طلب إقامة محاضرة في ميسان بالحارث، فقال لي الشيخ: إذا لم تذهب معي فلن أذهب، فذهبت به بسيارتي وكان جُلّ الطريق حديث معه لا يُمل -وكان رحمه الله يتمتع بأخلاق عالية وسماحة نفس- كانت المحاضرة في مخيم دعوي بين المغرب والعشاء، وحينما أذن العشاء ذهبنا للصلاة في المسجد المجاور، وبعد الصلاة قام أحد الدعاة الوعاظ يُلقي كلمة عن أهمية صلاة الجماعة، وأن فلانًا منذ أربعين سنة لم تفته صلاة الجماعة، وفلانا فاتته صلاة الجماعة فنذر لله صيام كذا وكذا.. إلخ.

التقينا مع هذا الداعية على طعام العشاء الذي أقيم على شرف الشيخ رحمه الله، وتناقشتُ مع ذلك الداعية حول أسلوبه الذي لا يُناسب مقام العوام في مسجد طريق في قرية، فتداخل شيخنا بتأصيل هذه المسألة وأن أفعال السلف يُستدل لها ولا يُستدل بها، فكأن كلام الشيخ أحمد لم يرق لهذا الداعية، فقام يسأل معالي الشيخ د. أحمد مباركي عن عمله، فأجاب معالي الشيخ: بأنه موظف في الإفتاء بكل تواضع، فظن هذا الداعية أن الشيخ موظف إداري في الإفتاء -أو أنه يعلم لكنه يتظاهر بالجهل- فغفر الله للداعية ورحم الله شيخنا”([36]).

وكان الشيخ يتّسم بالبساطة والحكمة في تعاملاته وأسلوبه ورؤية حكيمة في تصرفاته، حتى تصرفاته المالية كان يتصرف فيها بحكمة ودقة كما يقول تلميذه الشيخ د. عبد الله القفاري: “كان شرفًا كبيرًا أن أُتِيحَت لي الفرصة للتعرُّف عن قرب على علمه الغزير وتواضعه الجم. كان مجلسه مليئًا بالأنس والنفع، حيث كانت الحكمة والبساطة تتجلى في حديثه وأسلوبه، كما أنه كان يتمتع برؤية حكيمة في إدارة أموره المالية والشخصية، حيث عُرف بواقعيته وحرصه على التخطيط المسبق لكل أموره، مع التزامه الصارم بأحكام الشريعة الإسلامية في تصرفاته المالية. وكان دائم الحرص على الاستفادة من آراء الآخرين، مما يعكس صدقه وتواضعه، وحرصه على اتخاذ القرارات الحكيمة”([37]).

وهكذا كان الشيخ مدرسة في الأدب والخلق والتربية، كما كان مدرسة في العلم والتدريس والتأليف، وكما أنه كان يعيش هذه الأخلاق واقعا، فقد كان يؤكد على ذلك في دروسه وكتاباته أيضا، ويشرحها ويبين حقيقتها، ومن ذلك قوله: “من الصفات المحمودة في العالم تحلّيه بالتقوى والزهد والورع مع صبر وتحمل، ومعنى ذلك أن تعرض له الدنيا بمفاتنها وإغراءاتها، فينصرف عنها انصراف الزاهد فيها المكتفي منها بما يسدّ الرمق ويقيم الأود، وليس الزاهد الورع الذي لم يُمكَّن من الدنيا ولو مُكِّن منها لأتى بالعجائب”([38]).

ومن المهم هنا أن نعلم أن الشيخ أحمد كان من النوع الأول؛ فرغم أن الدنيا كانت قد فُتحت له امتاز بصلابة في الدين وجرأة في الحق يزينه حلم وأناة، وبُعد عن مطامع الدنيا، وانشغالٍ بما ينفعه في الآخرة، وتواضعٍ جم وهضمٍ للنفس.

يقول تلميذه الشيخ ياسر الثميري: “كان الشيخ يتمتع بروح الدعابة والمرح، ولم يحظَ بالمحبة الكبيرة بين الناس إلا لحُسنِ خلقِه؛ فقد عُرِفَ بالتواضُع وهضم النفس وحسن الخلق والاستماع حتى إلى رأي من هو أصغر منه سنًّا، فقد كان يقبل من تلاميذه أن يُبدُوا آرَاءَهم ويراجعوه ويبدوا آراءهم في رأيه. بالإضافة إلى كونه معروفًا بالتشجيع والتحفيز لكل من حوله والبدار بالعمل؛ وكثيرا ما كان يشجّعني على نشر خطب الجمعة ونشر بعض المؤلفات والتحقيقات. وأحيانا كنت أقول: أنتظر فترة وأتريث، فكان يقول: لا، لا تنتظر؛ لأن العمر ما ينتظر”([39]).

وأما عن عنايته بتربيته لولده يقول الشيخ د. عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين: “⁠كان حريصا على صلاح أبنائه واستقامتهم، وإذا زرته يحدّثني عن الهمّ الذي يحمله في موضوع تربية الأولاد”([40]).

وفاته:

توفي الشَّيخ رحمه الله يوم الخميس في السادس عشر من شهر رجب عام ألف وأربعمائة وست وأربعين للهجرة النبوية (16/ 7/ 1446هـ) في مدينة الرياض، وصلي عليه عصر يوم السبت بتاريخ 18/ 7/ 1446هـ في جامع الراجحي بحي الجزيرة بالرياض، ودُفن في مقبرة النسيم بالرياض، عن عمر يناهز 81 سنة تقريبا، رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته.

رثاؤه:

يقول الدكتور يحيى بن محمد حاج سير المباركي للعلامة الدكتور فقيد العلم أحمد بن علي سير المباركي رحمه الله وجعل الفردوس الأعلى منزله:

لـفـرقـة عـالـمٍ حـسـنِ الـخـلالِ

 

دمــوع الـشعر يـسكبها مـقالي

وفـقـهٌ كـم قـطعت بـهِ الـليالي

 

 

بـكـتـك عــوالـمٌ وبــكـاك عـلـمٌ

 

إذا مــا عُــدَّ فــي عـلمِ الـرجالِ

 

 

سـلـيـلُ الـعـلمِ والـعـلماءِ بـحـرٌ

 

وفـقـدك ثُـلـمة فــي الارتـحـال

 

 

رحـيـلُـك أُمّــةٌ رحـلـت بـمـجدٍ

 

تـجـودُ بـمـوردِ الـعـذب الـزلالِ

 

 

مـنـاهـلُكَ الـعِـذابُ بـكـلِّ أرضٍ

 

فـــراقُ مـكـارمٍ وفــراقُ غـالـي

 

 

فـراق الـشيخُ أحـمدُ يـا رفاقي

 

فــراق الـعـالمِ الـرجـلِ الـمثالي

 

 

فـــراق تــواضـع جـــم وخــيـر

 

وعـلـمـنا الـتـقـدم فــي نـضـالِ

 

 

فـقد حاز الجدارة في الفتاوى

 

وإن غـادرت يـبقى الذكر عالي

 

 

حبيب القلب يا شيخي وعمي

 

سـتـبقى الـروح فـي أهـل وآل

 

 

وإن فـارقـتـنـا جــســدا بـقـبـر

 

هــي الإرث الـحقيقي لـلمعالي

 

 

وخــط يـداك مـن كـتب وعـلم

 

فـهذا الـدفن أنـبت فـي تـوالي

 

 

وإن وضـع التراب على حبيبي

 

وتـمـيـز الـحـرام مــن الـحـلال

 

 

عـلومَ الـشيخِ مـن فقهٍ وفتوى

 

وأنـبـت كــل خـيـرٍ فـي جـمال

 

 

وانــبـت قــدوةً لـلـفضلِ أهــلاً

 

وحـال الـفقه هـذا اليوم حالي

 

 

وهـذا الـفقه كـم يـبكي بـحزن

 

عـلـى نـهـج الـشريعة بـاعتدال

 

 

و (سير) قد شهرت به فسيروا

 

وقـلبي من جحيم البعد صالي

 

 

وداعـا شيخنا المحبوب صدقا

 

بـجـنات الـنـعيم عـلـى الـتـلال

 

 

وداعــــا شـيـخـنا لــكـن لـقـانـا

 

 

 

ويقول عيسى مسودي :

تشِعُّ نوراً مدى الأيامِ في السِّيَرِ



 

أكيفَ يرحَلُ مَن ذكراهُ باقيةٌ

 

على طريقِ الهُدَى سارتْ بلاخطَرِ

 

 

أيا ابنَ سيرَ لكُم سيرٌ وقافلةٌ

 

وازدانَ بالعلمِ نوراً كانَ كالقَمَرِ

 

 

مبارَكِيٌ بدا مِن أرضِ صامَطةٍ

 

وكم أفدتَ بعلمٍ فيه مِنً ظَفَرِ

 

 

ياشيخُ أحمدُ كم أثريتَ مكتبةً

 

لما حويتَ وما علَّمْتَ  للبَشَرِ

 

 

لأنتَ  حبْرٌ  من الأحبارِ أحسَبُكَ

 

و ودعتْكَ وداعَ الإبنِ في نظَري

 

 

لقد نعَتْكَ هُنَا جازانُ  قاطبةً

 

فَنِلْتَ خيراً لتَبقى طيِّبَ الأثَرِ

 

 

قد كنتَ إبناً لها و البِرُّ أسعَدَها

 

 

 

ويقول ابنه وأخوه وصهره عبد العزيز سير المباركي:

من زائر وأوجعه!

 

 

عُوِّذْتُه ما أفزعه!   

يَسْقِي المُضِيفَ مصرعه

 

 

ضيفا أتى وضائفًا      

من الفراق مُتْرَعَة

 

 

كؤوسه – يا سادتي   

قد كان فينا الأربعه

 

 

اسْتَلَّ مِنَّا خامسًا      

في العلوم المشرعه

 

 

ختامكم يا (آل سير)    

من الندى واللوذعه

 

 

بقية منكم مضت     

بعده ليشفعه

 

 

لا أحد من (آل سير)   

أمسى الضياء أجمعه

 

 

واها لوجه مُنجَب       

في الحقِّ إِلَّا مُبْدِعَهُ

 

 

من لم يجامل أحدًا      

وجسمه ومربعة

 

 

كان النظام روحه      

عن عمل ومنفعه

 

 

لم يتأخر أبدا       

على التقى أصابعه

 

 

عـــاش نزيها قابضًا  

أتى أو ودعه

 

 

ما طأطأ الرأس لمخلوق   

يحوي العلوم الأربعة

 

 

يكاد وهو واحد   

فاق شهيد المعمعة

 

 

ما مات مَنْ مِنْ فضله  

مُتَوَّج ما أروعه

 

 

العلم تاج ربه   

من فاضل قد صوَّعة

 

 

قولوا لهذا الموت كم   

بفارس ما أشجعه!

 

 

وكم له من فتكة    

أسبابه منوّعة

 

 

الموت شيء واحد    

https://salafcenter.org/wp-content/uploads/2025/05/ترجمة-الشيخ-د.-أحمد-بن-علي-سـير-المباركي.pdf

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) أفدنا هذه الترجمة من المراجع التالية:

  1. ترجمة بعنوان: (وداعا شيخنا)، أعدها ونشرها تلميذه الشيخ ياسر الثميري.
  2. ترجمة بعنوان: (رحيل العالم الجليل وبقاء إرثه العظيم)، أعدها ونشرهاد. عبد الله القفاري.
  3. التراجم المنشورة على المواقع الرسمية للجهات التي عمل بها، ومنها: ترجمته في موقع هيئة كبار العلماء، وموقع اللجنة الدائمة للإفتاء.
  4. التواصل مع ذويه والمقربين منه، ومنهم: ابناه أيمن وعيسى، وتلميذه الشيخ ياسر الثميري بتاريخ 29/ 7/ 1446هـ، وتلميذه أ. د. عبد العزيز عرب بتاريخ 29/ 7/ 1446ه، وتلميذه د. أمجد علي زيدان بتاريخ 29/ 7/ 1446هـ، والشيخ د. عبد الكريم التويجري بتاريخ 10/ 8/ 1446هـ، والشيخ د. محمد محسن الديباجي بتاريخ 9/ 8/ 1446هـ، والشيخ د. سعد الجلمود بتاريخ 10/ 8/ 1446هـ.

([2]) ترجمة بعنوان: (وداعا شيخنا)، أعدها تلميذه الدكتور ياسر الثميري.

([3]) أفادني بذلك د. محمد بن محسن الديباجي في تواصل معه بتاريخ 10/ 8/ 1446هـ.

([4]) انظر: معلمو المسجد النبوي الشريف، عمر حسن فلاته ورفيقه (ص: 508).

([5]) مقدمة العدة في أصول الفقه، القاضي أبو يعلى، ت: أحمد بن علي سير مباركي (1/ 17).

([6]) أفادني بذلك د. محمد بن محسن الديباجي في تواصل معه بتاريخ 10/ 8/ 1446هـ.

([7]) ترجمة بعنوان: (رحيل العالم الجليل وبقاء إرثه العظيم)، د. عبد الله القفاري.

([8]) أفادني بذلك د. محمد بن محسن الديباجي في تواصل معه بتاريخ 10/ 8/ 1446هـ.

([9]) ترجمة بعنوان: (وداعا شيخنا).

([10]) ينظر: مقدمة كتاب العدة في أصول الفقه، القاضي أبو يعلى، ت: أحمد بن علي سير مباركي (1/ 8 وما بعدها).

([11]) ينظر: مقدمة كتاب العدة في أصول الفقه، القاضي أبو يعلى، ت: أحمد بن علي سير مباركي (1/ 5).

([12]) فاتحة كتاب العدة في أصول الفقه، القاضي أبو يعلى، ت: أحمد بن علي سير مباركي (1/ 5).

([13]) ترجمة بعنوان: (رحيل العالم الجليل وبقاء إرثه العظيم).

([14]) أفادني بذلك في تواصل معه بتاريخ 6/ 8/ 1446هـ.

([15]) ترجمة بعنوان: (وداعا شيخنا)، أعدها ونشرها تلميذه الشيخ ياسر الثميري.

([16]) ترجمة بعنوان: (وداعا شيخنا).

([17]) أفادني بذلك في تواصل معه بتاريخ 6/ 8/ 1446هـ.

([18]) أفادني بذلك في تواصل معه بتاريخ 29/ 7/ 1446هـ.

([19]) ترجمة بعنوان: (رحيل العالم الجليل وبقاء إرثه العظيم).

([20]) أفادني بذلك ابنه أيمن في تواصل معه بتاريخ 6/ 8/ 1446هـ.

([21]) نشره تلميذه أ. د. عبد العزيز عرب في قناته بتاريخ 17/ 7/ 1446هـ.

([22]) أفادني بذلك في تواصل معه بتاريخ 10/ 10/ 1446هـ.

([23]) أفادني بذلك في تواصل معه بتاريخ 29/ 7/ 1446هـ.

([24]) أفادني بذلك تلميذه الشيخ ياسر الثميري في تواصل معه بتاريخ 29/ 7/ 1446هـ.

([25]) أفادني بذلك في تواصل معه بتاريخ 10/ 10/ 1446هـ.

([26]) أفادني بذلك ابنه أيمن في تواصل معه بتاريخ 6/ 8/ 1446هـ.

([27]) ترجمة بعنوان: (رحيل العالم الجليل وبقاء إرثه العظيم).

([28]) ينظر: مقدمة كتاب العدة في أصول الفقه، القاضي أبو يعلى، ت: أحمد بن علي سير مباركي (1/ 7).

([29]) نشره الشيخ أ. د. سعد الخثلان على صفحته الرسمية في تويتر عقب وفاة الشيخ.

([30]) ترجمة بعنوان: (رحيل العالم الجليل وبقاء إرثه العظيم).

([31]) مقدمة العدة في أصول الفقه، القاضي أبو يعلى، ت: أحمد بن علي سير مباركي (1/ 24 – 25).

([32]) ينظر: ترجمة بعنوان: (رحيل العالم الجليل وبقاء إرثه العظيم)، د. عبد الله القفاري.

([33]) أفادني بذلك في تواصل معه بتاريخ 10/ 10/ 1446هـ.

([34]) أفادني بذلك في تواصل معه بتاريخ 29/ 7/ 1446هـ.

([35]) أفادني بذلك تلميذه الدكتور أمجد زيدان في تواصل معه بتاريخ 29/ 7/ 1446هـ.

([36]) نشره في قناته بتاريخ 17/ 7/ 1446هـ.

([37]) ترجمة بعنوان: (رحيل العالم الجليل وبقاء إرثه العظيم).

([38]) مقدمة العدة في أصول الفقه، القاضي أبو يعلى، ت: أحمد بن علي سير مباركي (1/ 24-25).

([39]) أفادني بذلك في تواصل معه بتاريخ 29/ 7/ 1446هـ.

([40]) أفادني بذلك في تواصل معه بتاريخ 10/ 10/ 1446هـ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

ترجمة الشيخ أ. د. أحمد بن علي سير مباركي (1368-1446هـ/ 1949-2025م)(1)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه: هو الشَّيخ الأستاذ الدكتور أحمد بن علي بن أحمد سير مباركي. مولده: كان مسقط رأسه في جنوب المملكة العربية السعودية، وتحديدًا بقرية المنصورة التابعة لمحافظة صامطة، وهي إحدى محافظات منطقة جازان، وذلك عام 1365هـ([2]). نشأته العلمية: نشأ الشيخ نشأتَه الأولى في مدينة جيزان في مسقط رأسه قرية […]

(الاستواء معلوم والكيف مجهول) نصٌ في المسألة، وعبث العابثين لا يلغي النصوص

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فقد طُبِع مؤخرًا كتاب كُتِبَ على غلافه: (الاستواء معلوم والكيف مجهول: تقرير لتفويض المعنى لا لإثباته عند أكثر من تسعين إمامًا مخالفين لابن تيمية: فكيف تم تحريف دلالتها؟). وعند مطالعة هذا الكتاب تعجب من مؤلفه […]

التصوف بين منهجين الولاية نموذجًا

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منذ أن نفخ الله في جسد آدم الروح، ومسح على ظهره، وأخذ العهد على ذريته أن يعبدوه، ظلّ حادي الروح يحدوها إلى ربها، وصوت العقل ينادي عليها بالانحياز للحق والتعرف على الباري، والضمير الإنساني يؤنّب الإنسان، ويوبّخه حين يشذّ عن الفطرة؛ فالخِلْقَة البشرية والهيئة الإنسانية قائلة بلسان الحال: […]

ابن تيميَّـة والأزهر.. بين التنافر و الوِفاق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يُعد شيخ الإسلام ابن تيمية أحد كبار علماء الإسلام الذين تركوا أثرًا عظيمًا في الفقه والعقيدة والتفسير، وكان لعلمه واجتهاده تأثير واسع امتدّ عبر الأجيال. وقد استفاد من تراثه كثير من العلماء في مختلف العصور، ومن بينهم علماء الأزهر الشريف الذين نقلوا عنه، واستشهدوا بأقواله، واعتمدوا على كتبه […]

القول بالصرفة في إعجاز القرآن بين المؤيدين والمعارضين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ الآياتِ الدالةَ على نبوّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم كثيرة كثرةَ حاجة الناس لمعرفة ذلك المطلَب الجليل، ثم إن القرآن الكريم هو أجلّ تلك الآيات، فهو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم المستمرّة على تعاقُب الأزمان، وقد تعدَّدت أوجه إعجازه في ألفاظه ومعانيه، ومع ما بذله المسلمون […]

الطاقة الكونية مفهومها – أصولها الفلسفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: إن الله عز وجل خلق الإنسان، وفطره على التوحيد، وجعل في قلبه حبًّا وميلًا لعبادته سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]، قال السعدي رحمه الله: […]

موقف الليبرالية من أصول الأخلاق

مقدمة: تتميَّز الرؤية الإسلامية للأخلاق بارتكازها على قاعدة مهمة تتمثل في ثبات المبادئ الأخلاقية وتغير المظاهر السلوكية، فالأخلاق محكومة بمعيار رباني ثابت يحدد مسارها، ويمنع تغيرها وتبدلها تبعًا لتغير المزاج البشري، فحسنها ثابت الحسن أبدًا، وقبيحها ثابت القبح أبدًا، إذ هي تحمل صفات ثابتة في ذاتها تتميز من خلالها مدحًا أو ذمًّا خيرًا أو شرًّا([1]). […]

حجاب الله تعالى -دراسة عقدية-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: معرفة الله سبحانه وتعالى هي قوت القلوب، ومحفِّزها نحو الترقِّي في مقامات العبودية، وكلما عرف الإنسان ربَّه اقترب إليه وأحبَّه، والقلبُ إذا لم تحرِّكه معرفةُ الله حقَّ المعرفة فإنه يعطب في الطريق، ويستحوذ عليه الكسل والانحراف ولو بعد حين، وكلما كان الإنسان بربه أعرف كان له أخشى […]

ترجمة الشَّيخ د. عبد الله بن محمد الطريقي “‏‏أستاذ الفقه الطبي والتاريخ الحنبلي” (1366-1446هـ/ 1947-2024م)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   اسمه ونسبه([1]): هو الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمود بن محمد الطريقي، الودعاني الدوسري نسبًا. مولده: كان مسقط رأسه في الديار النجدية بالمملكة العربية السعودية، وتحديدا في ناحية الروضة الواقعة جنوبي البلدة (العَقْدَة) -ويمكن القول بأنه حي من […]

ضبط السنة التشريعية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: السنة النبوية لها مكانة رفيعة في التشريع الإسلامي، فهي المصدر الثاني بعد القرآن الكريم، وهي التطبيق العملي لما جاء فيه، كما أنها تبيّن معانيه وتوضّح مقاصده. وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة تأمر بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بسنته، وتحذّر من مخالفته أو تغيير سنته، وتؤكد أن […]

القواعد الأصولية لفهم إطلاقات السلف والتوفيق بينها وبين تطبيقاتهم العملية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تُعدّ مسألة التعامل مع أقوال السلَف الصالح من أهمّ القضايا التي أُثيرت في سياق دراسة الفكر الإسلامي، خاصةً في موضوع التكفير والتبديع والأحكام الشرعية المتعلقة بهما؛ وذلك لارتباطها الوثيق بالحكم على الأفراد والمجتمعات بالانحراف عن الدين، مما يترتب عليه آثار جسيمة على المستوى الفردي والجماعي. وقد تعامل العلماء […]

التدرج في تطبيق الشريعة.. ضوابط وتطبيقات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إن الله تعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب ليقوم الناس الناس بالقسط، قال تعالى: ﴿‌لَقَدۡ ‌أَرۡسَلۡنَا ‌رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِ﴾ [الحديد: 25] أي: “ليعمل الناس بينهم بالعدل”[1]. والكتاب هو النقل المُصَدَّق، والميزان هو: “العدل. قاله مجاهد وقتادة وغيرهما”[2]، أو “ما يعرف به العدل”[3]. وهذا […]

تأطير المسائل العقدية وبيان مراتبها وتعدّد أحكامها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إنَّ علمَ العقيدة يُعدُّ من أهم العلوم الإسلامية التي ينبغي أن تُعنى بالبحث والتحرير، وقد شهدت الساحة العلمية في العقود الأخيرة تزايدًا في الاهتمام بمسائل العقيدة، إلا أن هذا الاهتمام لم يكن دائمًا مصحوبًا بالتحقيق العلمي المنهجي، مما أدى إلى تداخل المفاهيم وغموض الأحكام؛ فاختلطت القضايا الجوهرية مع […]

توظيف التاريخ في تعزيز مسائل العقيدة والحاضر العقدي

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إنَّ دراسةَ التاريخ الإسلاميِّ ليست مجرَّدَ استعراضٍ للأحداث ومراحل التطور؛ بل هي رحلة فكرية وروحية تستكشف أعماقَ العقيدة وتجلّياتها في حياة الأمة، فإنَّ التاريخ الإسلاميَّ يحمل بين طياته دروسًا وعبرًا نادرة، تمثل نورًا يُضيء الدروب ويعزز الإيمان في قلوب المؤمنين. وقد اهتم القرآن الكريم بمسألة التاريخ اهتمامًا بالغًا […]

تصفيد الشياطين في رمضان (كشف المعنى، وبحثٌ في المعارضات)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  تمهيد يشكِّل النصُّ الشرعي في المنظومة الفكرية الإسلامية مرتكزًا أساسيًّا للتشريع وبناء التصورات العقدية، إلا أن بعض الاتجاهات الفكرية الحديثة -ولا سيما تلك المتبنِّية للنزعة العقلانية- سعت إلى إخضاع النصوص الشرعية لمنطق النقد العقلي المجرد، محاولةً بذلك التوفيق بين النصوص الدينية وما تصفه بالواقع المادي أو مقتضيات المنطق الحديث، […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017