الطواف حول القبور | شركٌ أم حرامٌ
ما زال أهل الباطل مستمرين في دورهم المعهود من التلبيس على العامة، وإلقاء الشُّبَه لترويج باطلهم، وكلما كانت الشبهات أكثر اقترابًا من أصل الدين كان الخطر أكبر؛ فكيف إذا كانت الشُبهة في أصل الدين نفسه؛ وهو توحيد رب العالمين، وإفراده بالعبادة؟! لا جرم أن الشُبهات التي تُهَوِّن من أمر الشرك وتبرر له بل وتُروِّج له؛ أخطر الشبهات مطلقًا.
ومن تلك الشبهات التي أطلَّت علينا برأسها هذه الأيام: أن الطواف حول القبور ليس شركًا! وإنما هو حرام. وهذه الشبهة ذكرها أحدهم مستدلًا بأمرين([1]):
الأول: أنه لا دليل على أن الطواف عبادةٌ.
الثاني: لو كان الطوف عبادةً لكنا كلنا مشركين؛ إذ إننا نطوف حول الكعبة.
وقبل بيان بطلان هذا الكلام لابد من التنبيه على أن المراد هنا بيان الحكم الشرعي، والتوصيف الصحيح للفعل، أما تنزيل الحكم على الأعيان فتلك مسألة أخرى، فكما هو معلوم من معتقد أهل السنة والجماعة التفريق بين النوع والعين؛ وليس كل من ارتكب كفرًا يكون كافرًا؛ فقد يكون جاهلًا أو متأولًا، إلى غير ذلك من الموانع كما هو معلوم.
أما تفصيل الرد فكالآتي:-
أما دعواه أنه ليس هناك دليل على أن الطواف عبادة؛ فالرد عليها من وجهين:
الأول: بيان الأدلة على أن الطواف عبادة؛ وما أكثرها! منها:
1- قوله تعالى: ]وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود[[البقرة: 125].
فانظر كيف بدأ سبحانه بذكر الطواف وقرنه مع عبادات هي من أجَلِّ العبادات؛ وهي الاعتكاف والصلاة التي تتضمن الركوع والسجود.
2- قال صلى الله عليه وسلم: «الطَّوَافُ حَوْلَ الْبَيْتِ مثلُ الصَّلَاةِ، إلَّا أنَّكم تتكلَّمونَ فيه، فمن تكلَّم فيه فلا يتكلَّمنَّ إلا بخيرٍ»([2]).
وهل هناك دليلٌ أوضح على كون الطواف عبادةً من أن يجعل الطواف كالصلاة؟! حتى إن المذاهب الأربعة أوجبت الوضوء في الطواف، وعدَّه الأحناف واجبًا يجب بتركه دم، وهو عند الجمهور شرطٌ لصحة الطواف تمامًا كالصلاة، وإذا ثبت كون الطواف عبادةً؛ ألا يكون صرفه لغير الله شركًا، كما أن من صلى لغير الله فقد أشرك؟!
3- قال صلى الله عليه وسلم: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا البَيْتِ، وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ»([3]). وهذا الحديث نصٌّ على أن الطواف عبادة سُنَّته صلاة ركعتين، بل عبادة مستقلة تُفعل في أي وقت؛ وليست مرتبطة بالحج والعمرة؛ حيث ادعى المعترض أنه ليس بعبادة، ولكنه نسك في العبادة، كالمبيت بمنى والسعي -مثلًا- لا يشرع إلا في الحج والعمرة!
أما الوجه الثاني: فيُقال: بل قد ورد ما يدل على أن الطواف حول الأضرحة والأحجار شركٌ، ولكن هذا إنما يظهر لمن تأمل النصوص وأعطاها حقها من التوقير، ورحم الله شيخ الإسلام عندما قال: “وقَلَّ أن تعوز النصوص من يكون خبيرًا بها وبدلالتها على الأحكام”([4]).
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الخَلَصَةِ». وَذُو الخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الجَاهِلِيَّةِ “([5]).
قال النووي -رحمه الله-: “والمراد يضطربن من الطواف حول ذي الخلَصة، أي: يكفرون ويرجعون إلى عبادة الأصنام وتعظيمها”([6]). فالطواف إذن عبادةٌ من العبادات، وصرفه لغير الله إشراكٌ بالله وعبادة لذلك الغير.
ويقول ابن حجر -رحمه الله- مقررًا المعنى نفسه: “قال ابن التين: فيه الإخبار بأن نساء دوس يركبن الدواب من البلدان إلى الصنم المذكور؛ فهو المراد باضطراب ألياتهن، قلت: ويحتمل أن يكون المراد أنهن يتزاحمن بحيث تضرب عجيزة بعضهن الأخرى عند الطواف حول الصنم المذكور، وفي معنى هذا الحديث ما أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عمر قال: ” لا تقوم الساعة حتى تدافع مناكب نساء بني عامر على ذي الخلَصة”([7]).
ولو لم يكن الطواف من صُوَر الشرك لما كان للتعبير به في الحديث فائدةٌ.
وإذا كان هذا المعترض يريد النقل من كتب المذاهب على أن الطواف شركٌ، فها هو ماثلٌ أمامه، فهذان شافعيان من أبرز علماء الشافعية، وقال القاضي عياض المالكي-رحمه الله-: “أي: تضطرب من الطواف حولها”([8]) . وراجع كشف المشكل لابن الجوزي (3/324) وهو حنبلي، وعمدة القاري للعيني (24/211) وهو حنفي.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “فلو قدّر أن بعض الناس أشرك في مسجده به، واتخذه إلها،ً وسجد للقبر وطاف به سبعًا، واستلمه وقبَّله، لم يكن شيء من ذلك زيارة لقبره”([9]).
ومثله ابن القيم يقرر ذلك فيقول: “فإذا قرَّر الشيطان عنده أن الإقسام على الله به، والدعاء به أبلغ في تعظيمة واحترامه، وأنجع في قضاء حاجته، نقله درجةً أخرى إلى دعائه نفسه من دون الله. ثم ينقله بعد ذلك درجةً أخرى إلى أن يتخذ وثنًا يعكف عليه ويوقد عليه القنديل، ويعلق عليه الستور، ويبنى عليه المسجد، ويعبده بالسجود له، والطواف به وتقبيله واستلامه والحج إليه والذبح عنده”([10]).
ويقول كذلك: “فالشرك في الأفعال كالسجود لغيره، والطواف بغير بيته”([11]).
وهذا الصنعاني يؤكد ذلك قائلًا: “وهذا واجبٌ على العلماء، أي: بيان أن ذلك الاعتقاد الذي تفرعت عنه النذور والنحائر والطواف بالقبور شركٌ محرمٌ، وأنه عين ما كان يفعله المشركون لأصنامهم“([12])
أما الجواب عن دعواه أن الطواف لو كان عبادةً لكنا كلنا مشركين؛ لأننا نطوف حول الكعبة.
فيقال له: لو فهمنا مثل هذا الفهم المعوج؛ لكان من يصلي عند الكعبة ويتوجه لها ويسجد لله أمامها مشركًا.
ولكن نكتة المسألة أنه كما أننا نصلي تقربًا لله متوجهين جهة الكعبة كما أمرنا الله، وقد كان التوجه قَبْلها لبيت المقدس، إذن فالكعبة جهة الصلاة، لا أن المصلي يتقرب بصلاته لها؛ فكذلك الطواف حول الكعبة هو تقرب لله في الجهة التي أمرنا الله بها، وكما أن من صلى متقربًا لغير الله كان مشركًا؛ فكذلك من طاف متقربًا لغير الله كان مشركًا؛ فلا فرق.
فإن قيل: قد ورد في كلام بعض أهل العلم أن الطواف بغير الكعبة محرم، مثل قول النووي رحمه الله: ” لا يجوز أن يطاف بقبره صلى الله عليه وسلم، ويكره إلصاق الظهر والبطن بجدار القبر، قاله أبو عبد الله الحليمي وغيره، قالوا: ويكره مسحه باليد وتقبيله، بل الأدب أن يبعد منه كما يبعد منه لو حضره في حياته صلى الله عليه وسلم، هذا هو الصواب الذي قاله العلماء، وأطبقوا عليه، ولا يغتر بمخالفة كثيرين من العوام وفعلهم ذلك. فإن الاقتداء والعمل إنما يكون بالأحاديث الصحيحة وأقوال العلماء ولا يلتفت إلى محدثات العوام وغيرهم وجهالاتهم “([13]).
بل شيخ الإسلام نفسه يقول: “ولهذا لا يجوز الطواف بالحجرة بالإجماع، بل ولا الصلاة إليها”([14]) = فهل هذا يضاد ما تقدم؟
فالجواب:
قد يقال لا تضاد بينهما إذ إن التحريم لا ينافي كونه شركًا، ولكن في الحقيقة لما كانت هناك صورتان؛ كان هذا الإطلاق في هذا السياق دقيقًا جدًا، ويُجلِّي الأمر تمامًا العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى فيقول: ” لا يجوز الطواف بالقبور، لا بقبر أبي الحسن الشاذلي، ولا بقبر البدوي، ولا بقبر الحسين، ولا بالسيدة زينب، ولا بالسيدة نفيسة ولا بقبر من هو أفضل منهم، لأن الطواف عبادة لله وإنما يكون بالكعبة خاصةً، ولا يجوز الطواف بغير الكعبة أبدًا، وإذا طاف بقبر أبي الحسن الشاذلي أو بمقامه يتقرب إليه بالطواف، صار شركًا أكبر، وليس هو يقوم مقام حجة، ولا مقام عمرة، بل هو كفر وضلال، ومنكر عظيم، وفيه إثم عظيم.
فإن كان طاف يحسب أنه مشروع، ويطوف لله لا لأجل أبي الحسن فهذا يكون بدعةً ومنكرًا، وإذا كان طوافه من أجل أبي الحسن ومن أجل التقرب إليه فهو شركٌ أكبر -والعياذ بالله-“([15])، والتفصيل نفسه في فتاوى اللجنة الدائمة([16])، ومما يدل على صحة ذلك التفصيل؛ أن من ذَكَر الحرمة من علماء وفقهاء المذاهب، كان تعليله بكونه من البدع، والبدعة هي تقربٌ إلى الله بغير ما شرع.
وأختم فأقول: لو أن هؤلاء المتكلمين في هذه المسألة توجهوا لتصحيح عبادات الناس لكان أولى من تبرير أفعالهم وتسويغها. والله أعلم.
بقيت نقطة في الختام وهي: هل يشترط لكي يكون الفعل شركًا؛ أن يفعله بنية التعبد لغير الله([17])، أم يكفي أن يكون الفعل عبادة فإذا صرفه لغير الله كان شركًا؟ ولكن يبقى الكلام في التفرقة بين النوع والعين بناء على استيفاء الشروط وانتفاء الموانع من الجهل والإكراه وغيرها.
المتأمل في نصوص الوحيين يرى أن القرآن والسنة قد أطلق فيهما لفظ العبادة والتأله على من صرف عبادة لغير الله دونما اشتراط أن يكون قد صرفها بنية التعبد. قال الله تعالى:]وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ، وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [[الأحقاف:5، 6]. فجعل الله سبحانه دعاء غيره عبادة، ولم يقيد ذلك بلزوم اشتراط نية التعبد.
وعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ، يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ، يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “سُبْحَانَ اللَّهِ! هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: ]اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ[ [الأعراف: 138]. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ”([18]).
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم قولهم ذلك تألهًا لغير الله؛ مع أنهم بالقطع واليقين ما كانوا ينوون ذلك؛ ولكن لم يكفروا لأجل جهلهم. يقول القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ]إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ [المائدة: 112]: “وقيل: المعنى: هل يقدر ربك؟ وكان هذا السؤال في ابتداء أمرهم قبل استحكام معرفتهم بالله عز وجل، ولهذا قال عيسى في الجواب عند غلطهم وتجويزهم على الله ما لا يجوز: ]اتقوا الله إن كنتم مؤمنين[، أي: لا تشكُّوا في قدرة الله تعالى. قلت: وهذا فيه نظر؛ لأن الحواريين خُلْصَانُ الأنبياء ودخلاؤهم وأنصارهم([19])…” إلى أن قال: “إلا أنه يجوز أن يقال: إن ذلك صدر ممن كان معهم، كما قال بعض جهال الأعراب للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط”([20]).
وقال عليه الصلاة والسلام: “تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ”([21]).
ففي هذا الحديث جعل النبي صلى الله عليه وسلم من صار عمله من أجل الدينار والدرهم عابدًا له؛ وهذه العبودية قد تكون عبوديةً تامةً إن أشرك -والعياذ بالله- من أجل الدينار والدرهم، وقد تكون ناقصةً إن فعل ما دون الشرك من الآثام من أجل تحصيل ذلك؛ فجُعل ذلك عبادةً وإن لم ينو ذلك.
وأوضح من ذلك ما ورد من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: “يَا عَدِيُّ، اطْرَحْ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ، فَطَرَحْتُهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَة، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ]اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ[ [التوبة: 31]، حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقُلْتُ: إنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ فَتُحَرِّمُونُهُ، ويُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟» قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ»([22]). فعدي يعلن أنهم ما كانوا يعتقدون أن فعلهم ذلك عبادة وسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبادة.
وقال سبحانه: ]أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [ [يس: 60]، فجعل سبحانه طاعة الشيطان في الكفر عبادة له؛ مع أن معظم بني البشر -حتى الكافرين منهم- لا يصرحون بعبادة الشيطان؛ بل يصفون أعداءهم بالشياطين.
فوضح بذلك أن اشتراط نية التعبد لا يعتبر؛ إنما المعتبر نية التقرب كما مر في كلام أهل العلم؛ وذلك لأن نية التعبد وحدها مكفِّرةٌ وإن لم يفعل؛ لأنها تعني أنه يتعامل معه على أنه إلهٌ له وهو له عبدٌ؛ فهذا يهدر معه كون الفعل شركًا أم لا، فنيته وحدها تكفي.
أما نية التقرب فلابد منها، إذ أن هناك فرقًا بين من صلى إلى القبور أي جهتها ولكن صلاته لله، وبين من صلى لها أي متقربًا إليها، كما أن هناك فرقًا بين من ذبح إكرامًا للضيف، ومن ذبح تقربًا وإهلالًا لغير الله، والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) https://www.youtube.com/watch?v=95DwPd4co9g
([2]) رواه الترمذي (960)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا، وفي صحته مرفوعا نزاع، وصحح بعض العلماء الوقف على ابن عباس. وانظر البدر المنير (2/ 487)، والتلخيص الحبير -ط العلمية- (1/ 358). وإرواء الغليل (4/304).
([3]) رواه الترمذي (868)، والنسائي (585)، وابن ماجه (1254)، وهو عند أبي داود (1894) بلفظ مقارب. وصححه الألباني وغيره.
([4]) مجموع الفتاوى (28/ 129).
([5]) صحيح البخاري (7116) ، ومسلم (2906).
([6]) شرح النووي على مسلم (18/33).
([7]) فتح الباري لابن حجر (13/ 76).
([8]) إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 449).
([9]) الرد على الإخنائي، ت: زهوي (ص: 27).
([10]) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 217).
([12]) تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد (ص: 66).
([13]) المجموع شرح المهذب (8/ 275).
([14]) الرد على الإخنائي ت زهوي (ص: 127)
([15]) فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الطيار (ص: 283، 284).
([16]) انظر مثلًا فتاوى اللجنة الدائمة – 1 (1/ 206)، وفتاوى اللجنة الدائمة – 2 (1/ 145 – 146)،ففيها تفصيلٌ وافٍ تمامًا.
([17]) الطريف أن ذلك المعترض جعل من يذبح لغير الله مسميًّا باسم ذلك الغير مشركًا، ولم يقيد الأمر باشتراط نية التعبد؛ لأن الذبح عبادة، وفي الطواف اشترط نية التعبد لتوهمه أنه ليس عبادة.
([18]) سنن الترمذي (2180)، وهو صحيح. انظر ظلال الجنة في تخريج السنة (1/31).
([20]) تفسير القرطبي (6/ 364).
([22]) المعجم الكبير للطبراني (17/ 92)، وحسنه الألباني بمجموع طرقه في الصحيحة (3293).