الجمعة - 01 ربيع الآخر 1446 هـ - 04 أكتوبر 2024 م

قَواعِدُ وضَوابِطُ يُردّ إليها ما يُسْتَشْكَل مِن الحديث

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد، فإن مِن مِنن الله تعالى على عباده أن بعث فيهم رسوله صلى الله عليه وسلم هاديًا ومبشرًا ونذيرًا؛ قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164].

والمؤمن يستشعر هذه النعمة العظيمة ويشكر الله تعالى عليها، فيسمع ويطيع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحب ويكره، وقد يطرأ عليه – مع هذا – أشياء يشكل عليه فهمها، فيتوقف أمامها ولا يعرف معناها، حيث يقع في نفس المكلف الالتباس والاشتباه لبعض ما لا يفهمه من معاني ما جاءه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن وقوع مثل هذا في قلب المؤمن له حِكَم باهرة، من أبرزها ما قاله الشيخ المعلمي اليماني: “إن استشكال النص لا يعني بطلانه، ووجود النصوص التي يُستشكل ظاهرها لم يقع في الكتاب والسنة عفوًا، وإنما هو أمر مقصود شرعًا؛ ليبلو الله تعالى ما في النفوس، ويمتحن ما في الصدور، وييسر للعلماء أبوابًا من الجهاد يرفعهم الله بها درجات”([1]).

فالواجب على المكلف أن يَعرض على أهل العلم ما أشكل عليه فهمُه؛ لإزالته وبيان وجهه، يقول تعالى ذكره: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، ويحرم عليه أن يقول بما لا علم له به أو يفتي بما لم يبلغه علمه، فقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلًا منا حجَر فشجَّه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أُخبر بذلك فقال: «قتلوه قتلهم الله؛ ألا سألوا إذ لم يعلموا؛ فإنما شفاء العي السؤال»([2]). فقد عابهم النبي صلى الله عليه وسلم بالفتوى بغير علم، وألحق بهم الوعيد بأن دعا عليهم، وجعلهم في الإثم قتلة له، قاله الخطابي([3]).

ويبقى السؤال: ما هي القواعد الحاكمة لما يُستشكل من الأحاديث؟

وفي هذه الورقة العلمية نعرض للإجابة عن هذا التساؤل، مع بيان أهمية تناول هذا الموضوع في وقتنا المعاصر، وإبراز جهود سلفنا الكرام في بيانه والرد عما أشكل، مع ذكر أسباب وقوع الإشكال – في نفس المكلف – في الأحاديث النبوية، ثم الكلام عن الحكمة من وجود المشكل، وفي الأخير يأتي ذكر القواعد والضوابط الحاكمة مع أدلتها، ولا يخفى أن المقام لا يسع لاستيعاب كل القواعد وإنما نذكر طرفا صالحا منها.

ومقدمة ذلك أمران:

الأمر الأول: أن مصدر وقوع الإشكال في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ناتج عن فهم المستشكل؛ وأن ما يُرَوِّجه بعضهم من الطعن في بعض الأحاديث الصحيحة ناتج عن قلة اطلاع، ورغبة عن سؤال أهل العلم عمَّا أشكل فهمه، والواقع أن أكثر هؤلاء ليس له ممارسة عملية للعلم الشرعي، ولا تضلّع من علوم اللغة العربية، التي هي لسان الشريعة المطهرة.

الأمر الثاني: أن أعداء الإسلام والسنة اتخذوا من نشر تلك الإشكالات – بناء على فهمهم الخاطئ – ذريعة للطعن في كتب الحديث الشريف، ومؤلفيها، نرى هذا جليًّا في الحملة الشرسة على صحيح البخاري، وعلى مؤلفه الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، حيث جعلوا فهمهم السقيم حكما يُرجع إليه في الحكم على الحديث، ومن ثمَّ على الكتاب الذي حوى هذا الحديث، وبه يتوصلون إلى إسقاط حجية السنة بأكملها.

وقج وصف هؤلاء ابن قتيبة – رحمه الله – فأبلغ حيث قال فيهم وفي أمثالهم: “وقد تدبرتُ – رحمك الله – كلام العايبين والزارين([4])؛ فوجدتهم يقولون على الله ما لا يعلمون، ويعيبون الناس بما يأتون، ويبصرون القذى في عيون الناس، وعيونهم تطرف على الأجذاع، ويتهمون غيرهم في النقل، ولا يتهمون آراءهم في التأويل.

ومعاني الكتاب والحديث، وما أودعاه من لطائف الحكمة وغرائب اللغة؛ لا يدرك بالطفرة والتولد، والعرض والجوهر، والكيفية والكمية والأينية، ولو ردوا المشكل منهما إلى أهل العلم بهما؛ وضح لهم المنهج، واتسع لهم المخرج، ولكن يمنع من ذلك طلب الرياسة، وحب الأتباع، واعتقاد الإخوان بالمقالات، والناس أسراب طير يتبع بعضها بعضًا”([5]).

ومما ينبغي أن يعلم: أن ما نراه – في وقتنا المعاصر – ليس بدعًا من القول، وإنما ورثه ناشروه ومروجوه عن المبتدعين – من المعتزلة والجهمية – ومن تبعهم من المستشرقين، الذين سخروا جهودهم في الطعن في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فتبعهم على هذا المسلك أذيالهم، ممن لم يتبين لهم فشل مساعيهم وشلل مخططاتهم في تحقيق مآربهم، وصدق قول الله تعالى فيهم: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 32، 33].

لذا كان لزامًا على أهل العلم التصدي لهذه الحملات الشرسة؛ ببيان القواعد الحاكمة لما يعرض من المشكلات حول الحديث النبوي الشريف، وتعظيم مكانته في النفوس.

وليعلم أنه لا يتمكن من رد ما اشتبه وبيان ما يشكل من الأحاديث إلا من كمل للقيام بهذا الأمر من الأئمة؛ الجامعين بين صناعتي الحديث والفقه، الغواصين على المعاني الدقيقة([6]).

جهود علمائنا في بيان ما يستشكل من الأحاديث:

لم يكن خافيًا على علمائنا السابقين ضرورة بيان ما يستشكل من الأحاديث والرد على من يحاول بث الشبهات حولها وإذاعتها؛ لذا تصدوا لحملات الزنادقة وأضرابهم: كالنَظّام المعتزلي وغيره، ممن طعنوا في السنن بناء على ما اشتبه عليهم – بادي الرأي – من تعارض السنن مع العقل؛ فقدموا العقل على أحاديث الآحاد؛ بادعاء أنها تفيد الظن والعقل يفيد اليقين، وأحدثوا تبعًا لذلك بدعًا كثيرة، من أشهرها بدعة عدم جواز الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقائد([7])، وقد كان من جملة جهود سلفنا في هذا المضمار:

  • ما تناوله علماء الحديث من قضايا ومسائل ضمن مباحث مختلِف([8]) الحديث، ومعناه: أن يأتي حديثان متضادان في المعنى ظاهرًا، فيوفق بينهما، أو يرجح أحدهما([9]). وقد يطلق بعضهم على المختلف من الحديث: المشكل – كما فعل الطحاوي في كتابه “مشكل الآثار” – ومراده بالمشكل أعم؛ إذ قد يكون السبب في الإشكال هو مختلَف([10]) الحديث، وقد يكون لسبب آخر: كالمخالفة الظاهرية للقرآن الكريم، ونحو ذلك مما سيأتي بيانه من أسباب، فكل مختلِف مُشكِل، وليس كل مُشكِل مختلِف، أي: بينهما عموم وخصوص مطلق.
  • ما تناوله علماء الأصول من قواعد في أبواب التعارض والترجيح، وسيأتي بعض الأمثلة عليها.
  • ما شحنت به شروح الحديث من المباحث المتعلقة ببيان ما أشكل فهمه من الأحاديث، أو بدا في بعضها التعارض: كشرحي القاضي عياض والإمام النووي على صحيح مسلم، وشروح صحيح البخاري: كالكواكب الدراري للكرماني، وفتح الباري لابن حجر، وعمدة القاري للعيني.
  • ما كتبوه من مصنفات خاصة في بيان ما يستشكل من الأحاديث؛ بتوجيهها والرد عمَّا يُدَّعى فيها من التعارض والاختلاف، ومن أشهر الكتب المصنفة في هذا الموضوع:
  • “اختلاف الحديث” للإمام الشافعي (ت 204هـ):

يعدُّ هذا الكتاب فاتحة الباب في هذا المجال، وهو يُعنى بما وقع فيه الاختلاف بين العلماء بسبب اشتباه التعارض بين الأحاديث، وهذا الكتاب لم يستوعب جميع المسائل والفروع، كما هو الشأن في المؤلفات الأولى في أي علم من العلوم، يقول الإمام النووي: “ولم يقصد رحمه الله استيفاءً، بل ذكر جملة ينبه بها على طريقه”([11]).

  • تأويل مختلف الحديث” لابن قتيبة الدينوري (ت 276هـ)

وهو أول مؤلف في الرد على المعتزلة وأمثالهم في شبهتهم حول تعارض الأحاديث مع المعقول، وقال عنه الحافظ ابن كثير: “مجلد مفيد، وفيه ما هو غث، وذلك بحسب ما عنده من العلم”([12]).

  • “تهذيب الآثار” للإمام محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ)

وهو كتاب نفيس؛ ابتدأ فيه مؤلفه بمسند أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – ثم ذكر بقية مسانيد العشرة المبشرين بالجنة، وأهل البيت والموالي، وقطعة من مسند ابن عباس.

ومن منهج الإمام الطبري في هذا الكتاب: ذكر ما صح من الأخبار في كل مسند، والكلام على طرقها وعللها، وما يستنبط فيها من الفقه، مع ذكر اختلاف العلماء، إضافة إلى بيان ما في الأخبار من الغريب.

وقد طبع جزء من هذا الكتاب: فيه مسانيد عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام – رضي الله عنهم -.

  • “مشكل الآثار” للإمام أبي جعفر الطحاوي (ت 321هـ)

وقد بنى الإمام الطحاوي كتابه على بيان المشكل بمعناه الأعم – المتقدم ذكره – حيث يقول في مقدمته: “وإني نظرت في الآثار المروية عنه صلى الله عليه وسلم بالأسانيد المقبولة التي نقلها ذوو التثبت فيها والأمانة عليها، وحسن الأداء لها, فوجدت فيها أشياء مما يسقط معرفتها, والعلم بما فيها عن أكثر الناس، فمال قلبي إلى تأملها وتبيان ما قدرت عليه من مشكلها، ومن استخراج الأحكام التي فيها، ومن نفي الإحالات عنها, وأن أجعل ذلك أبوابًا أذكر في كل باب منها ما يهب الله عز وجل لي من ذلك منها، حتى آتي فيما قدرت عليه منها كذلك؛ ملتمسًا ثواب الله عز وجل عليه”([13]).

ويعتبر هذا الكتاب من أجل ما كتب في هذا الفن، ولكنه قابل للاختصار، غير مستغن عن الترتيب والتهذيب، وقد اختصره ابن رشد، كما أفاده السخاوي([14])، وبالغ في اختصاره أبو المحاسن المـَلَطي الحنفي (ت 803 هـ) في كتابه “المعتصر من المختصر من مشكِل الآثار” وهو مطبوع متداول.

ومن جملة العلماء الذين صنفوا في هذا الفن – إضافة إلى من سبق ذكرهم -: الإمام أبو محمد القصري، وابن حزم الأندلسي، ويقع كتابه في نحو عشرة آلاف ورقة([15]). وكتاب القصري بعنوان: “شرح مشكل الحديث”.

أسباب وقوع الإشكال في الأحاديث:

وأسباب استشكال الحديث متعددة، و جملتها ترجع إلى سببين رئيسين:

  • عدم فهم المستشكِل لمراد النبي صلى الله عليه وسلم، سواء في الألفاظ والكلمات، أو في التراكيب والجمل.
  • توهم التعارض والتناقض([16]).

السبب الأول: عدم فهم المستشكِل لمراد النبي صلى الله عليه وسلم:

من أكبر الأسباب وراء وقوع الاستشكال في معنى الحديث: عدم التمكن من الوقوف على المعنى المراد، وله صورتان:

الأولى: أن يكون اللفظ غريبًا، أو مستعملًا بقلة، وهو ما يعبر عنه بغريب الحديث: وهو عبارة عما وقع في متون الأحاديث من الألفاظ الغامضة البعيدة من الفهم؛ لقلة استعمالها([17]). وقد كانت لأسلافنا جهود مشكورة في بيان هذا النوع، ومِن أوائل مَن صنَّف فيه: النضر بن شميل، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، وكتاباهما صغيران، ثم تبعهم أبو عبيد القاسم بن سلَّام، فصنف كتابه المشهور، وله موقع كبير عند أهل العلم، ثم تتابع العلماء على التصنيف في هذا الفن، وكتاب ابن الأثير “النهاية في غريب الحديث والأثر” من أجمع ما صنف فيه، يقول الحافظ ابن حجر: “ثم جمع الجميع ابن الأثير في “النهاية”، وكتابه أسهل الكتب تناولًا، مع إعواز قليل فيه”([18]).

الثانية: أن يكون اللفظ مستعملًا بكثرة، لكن في مدلوله دِقَّة، وهنا احتيج إلى الكتب المصنفة في شرح معاني الأخبار، وبيان المشكل منها، وقد أكثر الأئمة من التصانيف في ذلك: كالطحاوي، والخطابي، وابن عبد البر وغيرهم([19]).

السبب الثاني: توهم المعارضة والتناقض

ولهذا التوهم عدة صور، من أبرزها: توهم المعارضة بين السنة والقرآن، أو بين السنة والسنة، أو ادعاء المخالفة بين السنة والعقل، أو التناقض بين السنة والحقائق العلمية الحديثة، وسيأتي تفصيل ذلك ضمن قواعد التعارض.

ومن أمثلة ما اتخذه أعداء الإسلام والسنن من المستشرقين ومن تبعهم – بناء على توهمهم المعارضة والمناقضة – وسيلة للطعن في الأحاديث النبوية وردها: حديث سجود الشمس بعد الغروب تحت العرش، وحديث الذباب وأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء، وأنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء، وحديث: «من تصبح كل يوم سبع تمرات عجوة لم يصبه سم ولا سحر», وحديث: «الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء»، وحديث: فقء موسى عين ملك الموت لمّا جاء إليه ليقبض روحه، وحديث: “تحاج الجنة والنار”، وحديث: “تحاج آدم وموسى عليهما الصلاة والسلام” إلى غير ذلك([20]).

وهذا أوان الشروع في الكلام عن أهم القواعد والضوابط الحاكمة، التي يرد إليها ما يستشكل من الأحاديث، وهي على قسمين رئيسين:

  • القواعد الكلية الجامعة لما يستشكل من الأحاديث.
  • قواعد التعارض والترجيح، وتحتها قواعد متفرعة.

أولًا: القواعد الكلية الجامعة التي يُرَدّ إليها مشكل الحديث

القاعدة الأولى: وجود الإشكال الحقيقي فيما يحتج به من الأحاديث محال

شرح القاعدة:

لا يوجد إشكال حقيقي في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأعني بالإشكال الحقيقي: ما يوقع الالتباس والاشتباه في نفس السامع، ويؤدي إلى اختلاط الأمر بغيره([21]). فمن المستحيل أن يقع في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ما يجعل المؤمن يلتبس عليه الحق بالباطل، أو يختلط بغيره.

وما يحتج به: هو الحديث المقبول – ويشمل: الحديث الصحيح والحسن – دون الضعيف.

وبعبارة أخرى: ما يحتج به: هو ما ثبتت صلاحيته لأن يكون دليلًا؛ بأن كان الحديث صحيحًا أو حسنًا، أما إذا كان الحديث ضعيفًا مردودًا فلا حاجة إلى البحث فيه أصلًا؛ لأنه غير مقبول للاستدلال عند كثير من أهل العلم.

والمراد بالمحال في القاعدة: أنه يستحيل وقوع مثل هذا في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه جمع بين المتناقضين؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم أُرسل للبيان، والبيان ضد الإشكال والإلباس، وبيانه صلى الله عليه وسلم أتم بيان وأكمله؛ فقد أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة، وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، نعوذ بالله تعالى من الخذلان.

يقول القاضي أبو بكر الباقلاني: “كل خبرين علم أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهما، فلا يصح دخول التعارض فيهما على وجه, وإن كان ظاهرهما متعارضين”([22]).

من أدلة القاعدة:

  • قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [التغابن: 12]. وفي الآية الكريمة الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من غير مثنوية، فلا استثناء في طاعة الرسول في جميع ما أمر به ونهى عنه، وهذا من حقوقه صلى الله عليه وسلم على أمته.

وفيها تهديد عظيم ووعيد شديد في حق من خالف في هذا التكليف، وأعرض فيه عن حكم الله تعالى وبيانه، يعني: أنكم إن توليتم فالحجة قد قامت عليكم، والرسول صلى الله عليه وسلم قد خرج عن عهدة التبليغ والإعذار والإنذار، فأما ما وراء ذلك مِن عقاب مَن خالف هذا التكليف وأعرض عنه؛ فذاك إلى الله تعالى، ولا شك أنه تهديد شديد([23]).

  • أن الله تعالى أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم مبينًا لشريعته وهاديًا لدينه؛ قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] والمعنى: لتعرف الناس ما نزل إليهم في القرآن الكريم من الأحكام والوعد والوعيد بقولك وفعلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم مبين عن الله عز وجل مراده ممَّا أجمله في كتابه من أحكام الصلاة والزكاة، وغير ذلك مما لم يفصله([24]).
  • أن معنى التعارض بين الحديثين، أو بين الحديث والقرآن من أمر ونهي وغير ذلك: أن يكون موجب أحدهما منافيًا لموجب الآخر, وهذا باطل؛ لأنه يبطل التكليف إن كان أحدهما أمرًا والآخر نهيًا، أو أحدهما إباحة والآخر حظرًا, أو يوجب كون أحدهما صدقًا والآخر كذبًا إن كانا خبرين, والنبي صلى الله عليه وسلم منزَّه عن ذلك أجمع, ومعصوم منه باتفاق الأمة وكل مثبت للنبوة([25]).

ويندرج تحت هذه القاعدة قاعدة أخرى، هي: لا بحث في مشكل الحديث إلا بعد ثبوته.

ومعناها: ثبوت الحديث شرط للرد عما يستشكل من معناه، وبعبارة أخرى: الأصل أن لا يتكلف في الجواب عمَّا يستشكل من الأحاديث إلا بعد ثبوت حجيتها، وأما الضعيف فيكفي في رده كونه ضعيفًا مردودًا عند أهل الحديث، وهذا مثل ما يقال: ثبت العرش ثم انقش.

وعليه: فلا يعتبر الحديث من قبيل المشكل إلا إذا كان صحيحًا أو حسنًا، يعني: مقبولًا يحتج به, أما إذا كان ضعيفًا أو موضوعا فلا, فالمعول عليه في البحث عما أشكل هو الصحيح أو الحسن – بقسميهما – أما الضعيف والواهي والساقط والموضوع فلا يلتفت إلى شيء منها، وقد وضع أعداء السنن أحاديث كثيرة منها ما هو مخالف للعقل مخالفة صريحة، ومنها ما هو مخالف للشرع، ومنها ما هو مخالف للحقائق الكونية والعلمية، بقصد إظهار أهل الحديث بمظهر من يروون المستحيل، ومن يروون الأخبار التافهة والساقطة، وما تقوم التجربة والملاحظة على بطلانه إلى نحو ذلك([26]).

القاعدة الثانية: من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتي جوامع الكلم، فكيف يعترض على كلامه صلى الله عليه وسلم من لا يفهم العربية؟!

شرح القاعدة:

مما هو معلوم سلفًا أن النبي صلى الله عليه وسلم اختصه الله تعالى بخصائص دون الأنبياء قبله، ومنها أنه أوتي جوامع الكلم، كما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «فُضِّلت على الأنبياء بست: أُعطيت جوامع الكلم، ونُصرت بالرعب، وأُحلَّت لي الغنائم، وجُعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأُرسلت إلى الخلق كافة، وخُتم بي النبيون»([27]). ومعنى جوامع الكلم – كما قال الإمام البخاري -: “أن الله يجمع الأمور الكثيرة، التي كانت تكتب في الكتب قبله، في الأمر الواحد، والأمرين، أو نحو ذلك”([28])، لذا كان كلامه صلى الله عليه وسلم قليل الألفاظ، كثير المعاني([29])، فلا يحل إيراد الإشكالات على الأحاديث النبوية الشريفة لمن لم يطلب العلم الشرعي من طرقه الصحيحة، ولم يتضلع من دراسة اللغة العربية.

من الأمثلة على مخالفتهم للقاعدة:

الأمثلة على وقوعهم في استشكال الأحاديث الصحيحة وتضعيفها بناء على ضعفهم في لغة العرب كثيرة تفوق الحصر، ولا حاجة لاستقصائها، والمقام لا يتسع، وأكتفي بمثال واحد يوضح حالهم:

استشكل بعضهم([30]) ما رواه مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: متى تقوم الساعة؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم هنيهة، ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة، فقال: «إن عُمِّر هذا، لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة» قال: قال أنس: ذاك الغلام من أترابي يومئذ([31]).

يقول أبو رية – متهكمًا -: فما قول عباد الأسانيد؟ لعل بعضهم يقول: لعل هذا الغلام لم يدركه الهرم إلى الآن([32]).

والجواب عن هذا الإشكال:

ليس المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: “حتى تقوم الساعة” يوم القيامة، وإنما المراد به: ساعة خاصة، وهي انتهاء الجيل وأهل القرن الواحد، وهو إطلاق صحيح جاءت به السنة([33])، ومنها:

  • ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، صلاة العشاء، في آخر حياته، فلما سلّم قام فقال: «أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد»، قال ابن عمر: فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك، فيما يتحدثون من هذه الأحاديث، عن مائة سنة، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد» يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن([34]).
  • أنه من عادة مسلم في “صحيحه” عند سياق الروايات المتفقة في الجملة يقدم الأصح فالأصح، فقد يقع في الرواية المؤخرة إجمال أو خطأ تبينه الرواية المقدمة في ذلك الموضع، وهنا قدَّم حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه: «إن يعيش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم»([35]) ([36]).
  • ما ذكره الحافظ ابن حجر: أنه وقع في رواية الباوردي بدل قوله: “حتى تقوم الساعة”: “لا يبقى منكم عين تطرف”، قال: وبهذا يتضح المراد([37]) .

القاعدة الثالثة: رد المتشابه إلى المحكم

شرح القاعدة:

والمراد بالمتشابه: ما احتاج إلى بيان([38]).

والمراد بالمحكم: ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان. يقول الطبري: “المحكمات”: اللواتي قد أُحكمن بالبيان والتفصيل، وأُثبتت حججهن وأدلتهن على ما جُعلن أدلة عليه من حلال وحرام، ووعد ووعيد، وثواب وعقاب، وأمر وزجر، وخبر ومثل، وعظة وعِبر، وما أشبه ذلك([39]).

دليل القاعدة:

كما أن آي الكتاب العزيز قسمان:

  • قسم هو محكم: تأويله بتنزيله، يفهم المراد منه بظاهره وذاته.
  • وقسم لا يوقف على معناه إلا بالرد إلى المحكم، وانتزاع وجه تأويله منه.

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7].

فكذلك أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم جارية هذا المجرى، ومنزلة على هذا التنزيل، فمنها الكلام البين المستقل في بيانه بذاته، ومنها المفتقر في بيانه إلى غيره، وذلك على حسب عادة العرب في خطابها، وعُرف أهل اللغة في بيانها؛ إذ لم يكن كل خطابهم جليًّا بينًا مستغنيًا عن بيان وتفسير، ولا كله خفيًّا مستحيلًا يحتاج إلى بيان وتفسير من غيره([40]).

مما خالفوا فيه هذه القاعدة:

أشكل على بعضهم ما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعًا»([41]). مع قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11].

فقالوا: هذا يدل على أن وجه آدم مماثل لوجه الله، وأنتم تقولون: إن لله وجهًا لا يماثل أوجه المخلوقين([42]).

والجواب عن هذا الإشكال: أن يقال: هذا الحديث من الأحاديث المتشابهة، فمن كان في قلبه زيغ اتبعه، وجعله مناقضًا للقرآن الكريم، فيتبع المتشابه، وأما الراسخون في العلم فيفتح الله عليهم، ويعرفون وجه الجمع بين النصوص، ومنها:

أولًا: أن يقال: قوله صلى الله عليه وسلم: «على صورته»، أي: على صورة الله التي هي صفته، ولا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً للشيء، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر([43])، ومعلوم أنها ليست على صورة القمر من كل وجه، فليس في القمر عين ولا أنف ولا فم، ومن دخل الجنة فهو له عين وأنف وفم، فهذا يدل على أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً للشيء([44]).

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – في تعليقه على هذا الحديث -: “لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير عائد إلى الله؛ فإنه مستفيض من طرق متعددة عن عدد من الصحابة، وسياق الأحاديث كلها يدل على ذلك”([45]).

القاعدة الرابعة: إخباره صلى الله عليه وسلم عن الغيبيات لا يُستشكل عليه بما يدركه الحس

من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أمته عن أمور غيبية، لا يمكن إدراك العقول لها، والواجب على المؤمن حيالها الإيمان والتصديق، لكنه مع وضوح هذا وظهوره رأينا بعضهم يضعف أخباره صلى الله عليه وسلم عن الغيب بمعارضتها للمعقول والمحسوس.

من الأمثلة على مخالفتهم للقاعدة:

استشكالهم لما يقع على الميت في قبره من سؤال الملكين، وصيرورة قبره روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، ونحو ذلك([46]).

الجواب عن شبهتهم:

أن الله سبحانه – لكمال حكمته – جعل أمر الآخرة، وما يتصل بها غيبًا؛ ليتميز المؤمنون بالغيب من غيرهم، فما يحدث للإنسان في قبره من نعيم أو عذاب من الغيب الذي يجب الإيمان به، وإن لم ندرك كيفيته([47]).

ثانيًا: قواعد التعارض والترجيح

القاعدة الأولى: لا تعارض بين السنة والكتاب

لا يمكن أن يقع تعارض بين كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم الذي صح عنه أبداً؛ لأن الكل حق، والحق لا يتعارض، والكل من عند الله، وما عند الله تعالى لا يتناقض؛ قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء: 82]([48]).

ومن الأمثلة على ذلك:

في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أُقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون، عليكم السكينة، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمّوا»([49]). وفيه النهي عن السعي إلى الصلاة، أشكل عليهم هذا النهي مع الحث على السعي في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9].

والجواب عنه:

أن الحديث فيه الندب الأكيد إلى إتيان الصلاة بسكينة ووقار، والنهي عن إتيانها سعيًا، سواء في صلاة الجمعة أو غيرها، وسواء خاف فوات تكبيرة الإحرام أم لا، والمراد بقول الله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}: الذهاب، يقال: سعيت في كذا، أو إلى كذا: إذا ذهبت إليه، وعملت فيه، ومنه قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } [النجم: 39]([50]).

ويندرج تحت هذه القاعدة قاعدة أخرى، هي: لا تعارض بين منطوق السنة ومسكوت القرآن.

من المعلوم أن السنة النبوية قد تستقل بذكر بعض الأحكام، ويكون هذا الحكم مسكوتًا عنه في القرآن الكريم، ولا غرو في هذا؛ فإن الله تعالى أمر بطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم مطلقًا من غير استثناء، يقول الإمام ابن القيم: “فطاعته صلى الله عليه وسلم واجبة استقلالًا، سواء كان ما أمر به ونهى عنه في القرآن أو لم يكن”([51]).

ومن الأمثلة على هذا:

  • ما رواه أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع([52]). فلا تصح معارضة الحديث بأن القرآن الكريم لم يذكر هذا الحكم.
  • ما ثبت في السنة النبوية من رجم الزاني المحصن، لا يصح رده بأن الرجم ليس مذكورًا في القرآن الكريم([53]).

القاعدة الثانية: لا تعارض بين السنة والسنة

السنة النبوية وحي من عند الله تعالى؛ قال سبحانه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]، ولا يمكن أن يأتي حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعارض حديثًا آخر صحيحًا؛ وفي هذا المعنى يقول إمام الأئمة أبو بكر ابن خزيمة: “لا أعرف أنه رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان – بإسنادين صحيحين – متضادين، فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما”([54]).

ومن القواعد المندرجة تحت هذه القاعدة:

قاعدة: كلما أمكن الجمع بين الحديثين تعيَّن المصير إليه

إذا جاء حديث صحيح ثابت، وعارضه في الظاهر حديث آخر صحيح أيضًا، فإن العلماء يبحثون عن وجه الجمع بين الحديثين، فإذا أمكن الجمع بين الحديثين بوجه من الوجوه، فإنه يجب المصير إلى هذا الجمع، والقول بالحديثين معًا؛ إعمالًا للقاعدة المقررة: أن إعمال الكلام أولى من إهماله.

ومن الأمثلة على هذا:

ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا عدوى ولا طِيَرة، ولا هامة، ولا صَفَر، وَفِرَّ من المجذوم كما تفِرّ من الأسد»([55]).

فأشكل على بعضهم أول الحديث مع آخره؛ ففي أوله نفي للعدوى: وهي انتقال المرض للصحيح بسبب مخالطته للمريض، وفي آخره: الأمر بالفرار من المجذوم، مع ما جاء من النهي عن ورود الممرض على المصح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ»([56]). والممرض: من له إبل مرضى، والمصح: من عنده إبل صحيحة.

الجواب عن الإشكال:

إن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها، ولكن الله تبارك وتعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببًا لإعدائه مرضه، ثم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في سائر الأسباب([57]).

ففي الحديث الأول نفى صلى الله عليه وسلم ما كان يعتقده أهل الجاهلية من أن ذلك يُعدي بطبعه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «فمن أعدى الأول؟». وفي الحديث الثاني أعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله سبحانه جعل ذلك سببًا لذلك، وحذّر من الضرر الذي يغلب وجوده عند وجوده بفعل الله سبحانه وتعالى([58]).

وللجمع بين الحديثين طرق أخرى ذكرها أهل العلم، منهم الحافظ ابن حجر في “نزهة النظر”([59]).

قاعدة: إذا لم يمكن الجمع بين الحديثين يصار إلى النسخ، وإلا فالترجيح

إذا تعذر على المجتهد الجمع بين الحديثين المتعارضين في الظاهر، فله حالتان([60]):

  • الحالة الأولى: أن يمكن معرفة الوقت الذي قال فيه الحديثين، فإذا عرفنا التاريخ الذي قال فيه الحديث الأول، والتاريخ الذي قال فيه الحديث الآخر، فهنا نطبق قواعد النسخ، ويكون الآخر ناسخًا للأول.
  • الحالة الثانية: لم نتمكن من معرفة التاريخ للحديثين المتعارضين في الظاهر، فيلجأ المجتهد حينئذ إلى الترجيح بين الروايات بكثرة الرواة أو بصفاتهم، ونحو ذلك، وقد أوصلها بعضهم إلى أكثر من خمسين وجهًا من وجوه الترجيحات([61]).

القاعدة الثالثة: لا تعارض بين السنة الصحيحة والعقل الصريح

شاع في الآونة الأخيرة إعجاب كل مُحْدِثٍ بعقله، حتى صار الأمر سهلًا أن تُردّ السنة الصحيحة بالعقول القاصرة؛ وجعل بعضهم من مناهج نقد الحديث عرضه على العقول، فما قبلته عقولهم القاصرة قبلوه، وما ردّته ردّوه([62])، وهي دعوى قديمة نادى بها المعتزلة وطبّقوها عمليًّا، وتبعهم المستشرقون، وأذيالهم من أتباع المدرسة العقلانية الحديثة، وغاية متمسكهم شبهات وأهواء؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “فإن من خالف الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ ليس معه لا عقل صريح ولا نقل صحيح، وإنما غايته أن يتمسك بشبهات عقلية أو نقلية، كما يتمسك المشركون والصابئون من الفلاسفة وغيرهم بشبهات عقلية فاسدة، وكما يتمسك أهل الكتاب المبدّل المنسوخ بشبهات نقلية فاسدة… ولهذا كان من قدّم العقل على الشرع لزمه بطلان العقل والشرع، ومن قدّم الشرع لم يلزمه بطلان الشرع، بل سلِم له الشرع، ومعلوم أن سلامة الشرع للإنسان خير له من أن يبطل عليه العقل والشرع جميعًا”([63]).

وإذا سُئل هؤلاء: ما هو العقل الحاكم على النصوص؟ وما هي حدوده؟ وما مدى الاتفاق عليه؟ لا تكاد تجد عندهم جوابًا متفقًا عليه بينهم.

وليس معنى هذا أن السنة تخالف صريح العقول، كالذي تقبله العقول من بدهيات الأمور؛ فإن من المقرر عند أهل العلم أنه إذا ثبت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يمكن أن يخالفه صريح العقل؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “ليس في صريح المعقول ما يناقض صحيح المنقول”([64]).

ومن الأمثلة على مضاهاتهم السنة بالعقل:

ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام، فلما جاءه صكّه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال فرَدَّ الله إليه عينه، وقال: ارجع إليه فقل له: يضع يده على متن ثور، فله بما غطت يده بكل شعرة سنة، قال: أي رب ثم مه؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلو كنتُ ثمَّ؛ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق، تحت الكثيب الأحمر»([65]).

قال ابن خزيمة: “أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث وقالوا: إن كان موسى عرفه لقد استخف به، وإن كان لم يعرفه فكيف لم يقتص له من فقء عينه”([66]) .

الجواب عن الإشكال:

أجاب عن هذا الإشكال ابن خزيمة بقوله: “إن الله لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذٍ، وإنما بعثه إليه اختبارًا، وإنما لطم موسى ملك الموت؛ لأنه رأى آدميًّا دخل داره بغير إذنه، ولم يعلم أنه ملك الموت، وقد أباح الشارع فقء عين الناظر في دار المسلم بغير إذن، وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم وإلى لوط في صورة آدميين، فلم يعرفاهم ابتداء، ولو عرفهم إبراهيم لما قدم لهم المأكول، ولو عرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه”([67]).

هذه جمل من القواعد التي تحل الإشكالات الواردة على الحديث، وهناك غيرها نرجو أن نخصص لها مقالا آخر، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

([1])  الأنوار الكاشفة (ص: 223).

([2])  رواه أبو داود (336)، وحسنه الألباني.

([3])  معالم السنن للخطابي (1/ 104).

([4])  يعني: المناهضين لأصحاب الحديث والمعتنين بشأنه.

([5])  تأويل مختلف الحديث (ص 61- 62).

([6])  ينظر: مقدمة ابن الصلاح (ص 390).

([7])  في مركز سلف ورقة علمية بعنوان: “حجية خبر الآحاد في العقائد”، وهذا رابطها: https://salafcenter.org/623/

([8])  بكسر اللام، على وزن اسم الفاعل.

([9])  التقريب والتيسير للنووي (ص 90).

([10])  بفتح اللام، على وزن اسم المفعول، ومعناه: التعارض والاختلاف الظاهري الواقع بين الحديثين أو أكثر. ينظر: الوسيط في علوم ومصطلح الحديث لمحمد أبي شهبة (ص 442).

([11])  التقريب والتيسير (ص 90).

([12])  اختصار علوم الحديث (ص 174).

([13])  شرح مشكل الآثار (1/ 6).

([14])  ينظر: فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (4/ 67).

([15]) ينظر: المرجع السابق.

([16])  هناك خلاف بين العلماء في معنى التعارض والتناقض، والذي ذهب إليه جمهور الحنفية والشافعية أن معناهما واحد، وهو ما سرنا عليه في البحث. ينظر: التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية – رسالة دكتوراه لعبد اللطيف عبد الله عزيز البرزنجي (1/ 31) وما بعدها.

([17])  مقدمة ابن الصلاح (ص 375).

([18])  نزهة النظر (ص 122).

([19])  المرجع السابق (ص 122- 123).

([20])  ينظر: الوسيط في علوم ومصطلح الحديث لمحمد أبي شهبة (ص 442- 443)، وقد أجاب عن هذه الأحاديث وغيرها بما لا يدع مجالًا للشك في صحتها في كتابه الماتع “دفاع عن السنة”.

([21])  ينظر: الكنز اللغوي في اللسن العربي لابن السكيت (ص 184)، والجراثيم لابن قتيبة (1/ 167)، والزاهر في معاني كلام الناس لأبي منصور الأزهري (2/ 151).

([22])  ينظر: الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص 433).

([23])  ينظر: مفاتيح الغيب للرازي (12/ 426).

 ([24])  ينظر: تفسير الطبري (17/ 211)، وتفسير القرطبي (10/ 109).

([25])  ينظر: الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص 433).

([26])  ينظر: الوسيط في علوم ومصطلح الحديث (ص 443- 444).

([27])  رواه البخاري (7013)، ومسلم (523)، واللفظ لمسلم.

([28])  صحيح البخاري (9/ 36).

([29])  جامع الأصول (8/ 531).

([30])  كأبي رية في كتابه “أضواء على السنة”.

([31])  رواه مسلم (2953).

([32])  ينظر: دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين (1/ 212).

([33])  ينظر: المرجع السابق (1/ 212- 213).

([34])  رواه مسلم (2537).

([35])  رواه البخاري (6511)، ومسلم (2952)، واللفظ لمسلم.

([36])  ينظر: الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة (ص: 230).

([37]) ينظر: فتح الباري (10/ 556).

([38])  للمفسرين والأصوليين كلام كثير في تعريف المتشابه والمحكم، واقتصرت هنا على أشهرها، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد، ولينظر: تفسير الطبري (6/ 170، 173)، والمسودة في أصول الفقه (ص 161).

([39])  ينظر: تفسير الطبري (6/ 170).

([40])  ينظر: مشكل الحديث وبيانه (ص 40- 42).

 ([41])  رواه البخاري (6227)، ومسلم (2841).

([42])  ينظر: شرح العقيدة السفارينية للشيخ ابن عثيمين (1/ 252).

([43])  رواه البخاري (3245)، ومسلم (2834)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([44])  ينظر: المرجع السابق (1/ 252- 253).

([45])  بيان تلبيس الجهمية (6/ 373).

([46])  ينظر: الروح (ص: 62)، وعمدة القاري شرح صحيح البخاري (8/ 145).

([47])  أجبت عن هذه الشبهة تفصيلًا ضمن الورقة العلمية: “الإيمان بعذاب القبر والرد على شبهات المنكرين”، وهذا رابطها: https://salafcenter.org/540/

([48])  شرح العقيدة الواسطية للشيخ ابن عثيمين (1/ 106).

([49])  رواه البخاري (908)، ومسلم (602)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([50])  ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 99).

([51])  ينظر: إعلام الموقعين (2/ 170).

([52])  رواه البخاري (5530)، ومسلم (1932).

([53])  في مركز سلف ورقة علمية تناقش قضية الرجم، بعنوان: “أدلة منكري الرجم: عرض ونقد”.

([54])  ينظر: مقدمة ابن الصلاح (ص 391)، واختصار علوم الحديث (ص 175).

([55])  رواه البخاري (5707)، ومسلم (2220).

([56])  رواه البخاري (5771)، ومسلم (2221) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([57])  ينظر: مقدمة ابن الصلاح (ص 390- 391)، ونزهة النظر (ص 92).

([58])  ينظر: مقدمة ابن الصلاح (ص 390- 391).

([59])  (ص 93).

([60])  ينظر: مقدمة ابن الصلاح (ص 390- 391)، وشرح التبصرة والتذكرة لزين الدين العراقي (2/ 110- 113)، ونزهة النظر (ص 95).

([61])  عدَّها الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة (2/ 110- 113)، وأوصلها في التقييد والإيضاح (ص 286- 289) إلى مائة وعشرة وجهًا.

([62])  كما فعل أبو رية في كتابه “أضواء على السنة”.

([63])  درء تعارض العقل والنقل (5/ 276- 277).

([64])  درء تعارض العقل والنقل (2/ 149).

([65])  رواه البخاري (1339)، ومسلم (2372)، واللفظ لمسلم.

([66]) ينظر: فتح الباري لابن حجر (6/ 442).

([67])  ينظر: المرجع السابق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

دعوى العلمانيين أن علماء الإسلام يكفرون العباقرة والمفكرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة عرفت الحضارة الإسلامية ازدهارًا كبيرًا في كافة الأصعدة العلمية والاجتماعية والثقافية والفكرية، ولقد كان للإسلام اللبنة الأولى لهذه الانطلاقة من خلال مبادئه التي تحثّ على العلم والمعرفة والتفكر في الكون، والعمل إلى آخر نفَسٍ للإنسان، حتى أوصى الإنسان أنَّه إذا قامت عليه الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها. ولقد كان […]

حديث: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ» شبهة ونقاش

من أكثر الإشكالات التي يمكن أن تؤثِّرَ على الشباب وتفكيرهم: الشبهات المتعلِّقة بالغيب والقدر، فهما بابان مهمّان يحرص أعداء الدين على الدخول منهما إلى قلوب المسلمين وعقولهم لزرع الشبهات التي كثيرًا ما تصادف هوى في النفس، فيتبعها فئام من المسلمين. وفي هذا المقال عرضٌ ونقاشٌ لشبهة واردة على حديثٍ من أحاديث النبي صلى الله عليه […]

آثار الحداثة على العقيدة والأخلاق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الفكر الحداثي مذهبٌ غربيّ معاصر دخيل على الإسلام، والحداثة تعني: (محاولة الإنسان المعاصر رفض النَّمطِ الحضاري القائم، والنظامِ المعرفي الموروث، واستبدال نمطٍ جديد مُعَلْمَن تصوغه حصيلةٌ من المذاهب والفلسفات الأوروبية المادية الحديثة به على كافة الأصعدة؛ الفنية والأدبية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية…)([1]). ومما جاء أيضا في تعريفه: (محاولة […]

الإيمان بالغيب عاصم من وحل المادية (أهمية الإيمان بالغيب في العصر المادي)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعيش إنسان اليوم بين أحد رجلين: رجل تغمره الطمأنينة واليقين، ورجل ترهقه الحيرة والقلق والشكّ؛ نعم هذا هو الحال، ولا يكاد يخرج عن هذا أحد؛ فالأول هو الذي آمن بالغيب وآمن بالله ربا؛ فعرف الحقائق الوجوديّة الكبرى، وأدرك من أين جاء؟ ومن أوجده؟ ولماذا؟ وإلى أين المنتهى؟ بينما […]

مناقشة دعوى الإجماع على منع الخروج عن المذاهب الأربعة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن طريقة التعامل مع اختلاف أهل العلم بَيَّنَها الله تعالى بقوله: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ‌أَطِيعُواْ ‌ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ […]

بدعية المولد .. بين الصوفية والوهابية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدّمة: من الأمور المقرَّرة في دين الإسلام أن العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فإنَّ الإسلام مبني على أصلين: أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له، والثاني أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فالأصل في العبادات المنع والتوقيف. عَنْ عَلِيٍّ […]

الخرافات وأبواب الابتداع 

[ليس معقولاً، لا نقلاً، ولا عقلاً، إطلاق لفظ «السُّنَّة» على كل شيء لم يذكر فيه نص صريح من القرآن أو السنة، أو سار عليه إجماع الأمة كلها، في مشارق الأرض ومغاربها]. ومصيبة كبرى أن تستمر التهم المعلبة،كوهابي ، وأحد النابتة ، وضال، ومنحرف، ومبتدع وما هو أشنع من ذلك، على كل من ينادي بالتزام سنة […]

ترجمة الشَّيخ د. علي ناصر فقيهي

‏‏للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة ترجمة الشَّيخ د. علي ناصر فقيهي([1]) اسمه ونسبه: هو الشَّيخ الأستاذ الدكتور علي بن محمد بن ناصر آل حامض الفقيهي. مولده: كان مسقط رأسه في جنوب المملكة العربية السعودية، وتحديدا بقرية المنجارة التابعة لمحافظة أحد المسارحة، إحدى محافظات منطقة جيزان، عام 1354هـ. نشأته العلمية: نشأ الشيخ في مدينة جيزان […]

مناقشة دعوَى أنّ مشركِي العرب جحدوا الربوبية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: اعتَمَد بعضُ الأشاعرةِ في العصور الحديثةِ على مخالفة البدهيات الشرعية، وتوصَّلوا إلى نتائج لم يقل بها سلفُهم من علماء الأشعرية؛ وذلك لأنهم لما نظروا في أدلة ابن تيمية ومنطلقاته الفكرية وعرفوا قوتها وصلابتها، وأن طرد هذه الأصول والتزامَها تهدم ما لديهم من بدعٍ، لم يكن هناك بُدّ من […]

حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية في الإسلام

  إنَّ حريةَ الاعتقاد في الإسلام تميَّزت بتفاصيل كثيرة واضحة، وهي تعني أن كلَّ شخص حرّ في اختيار ما يؤمن به وما يدين به، ولا يجب على أحدٍ أن يُكرهَه على اعتقاده، كما تعني الاحترامَ لحرية الآخرين في اختياراتهم الدينية والمعتقدات الشخصية. موقفُ الإسلام من الحرية الدينية: الأصلُ عدمُ الإجبار على الإسلام، ولا يُكره أحد […]

دفع إشكال في مذهب الحنابلة في مسألة حَلِّ السِّحر بالسحر

  في هذا العصر -عصر التقدم المادي- تزداد ظاهرة السحر نفوذًا وانتشارًا، فأكثر شعوب العالم تقدّمًا مادّيًّا -كأمريكا وفرنسا وألمانيا- تجري فيها طقوس السحر على نطاق واسع وبطرق متنوعة، بل إن السحر قد واكب هذا التطور المادي، فأقيمت الجمعيات والمعاهد لتعليم السحر سواء عن طريق الانتظام أو الانتساب، كما نظمت المؤتمرات والندوات في هذا المجال. […]

الفكر الغنوصي في “إحياء علوم الدين” لأبي حامد الغزالي وموقف فقهاء ومتصوفة الغرب الإسلامي منه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة بسم الله الرحمن الرحيم لا تخفى المكانة التي حظي بها كتاب إحياء علوم الدين عند المتصوفة في المغرب والأندلس، فكتب التراجم والمناقب المتصوفة المغربية المشهورة، شاهدة على حضور معرفي مؤثر ظاهر لهذا الكتاب في تشكيل العقل المتصوف وتوجيه ممارسته، وأول ما يثير الانتباه فيه، هو التأكيد على الأثر المشرقي […]

لماذا أحرق أبو بكر وعمر الأحاديث؟

تمهيد: يلتفُّ بعض فرق المبتدعة حول الحداثيين والعلمانيين، ويلتفُّ العلمانيون ومن نحى نحوهم حول هذه الفرق، ويتقاطع معهم منكرو السنَّة ليجتمعوا كلّهم ضدَّ منهج أهل السنة والجماعة في تثبيت حجية السنة والأخذ بها والعمل بها والذبِّ عنها. وبالرغم من أنّ دوافع هذه الفرق والطوائف قد تختلف، إلا أنها تأخذ من بعضها البعض حتى يطعنوا في […]

هل كان ابن فيروز وغيره أعلم من ابن عبد الوهاب بمنهج ابن تيمية؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة يعتمد المخالفون على أن مناوئي الدعوة -من الحنابلة- كانوا معظِّمين لابن تيمية وابن القيم، بل وينتسبون إليهم أيضًا؛ كابن فيروز وابن داود وابن جرجيس، ويعتبرون ذلك دليلًا كافيًا على كونهم على مذهب ابن تيمية، وعلى كون الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعيدًا عن منهج الشيخين ابن تيمية وابن القيم. […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017