الثلاثاء - 09 رمضان 1445 هـ - 19 مارس 2024 م

طاعةُ الرسول ﷺ في القرآن..بين فهمِ مثبتي السُّنَّة وعبثِ منكريها

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

 

تمهيد:

ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكثيرَ من الآيات التي تدلُّ على حجيَّة السنة النبوية، ونوَّع فيها بحيث لم تكن الدلالة مقتصرة على وجهٍ واحد، وكرَّر ذلك في مواطن كثيرة، أمر مرَّة بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرى باتباعه، وثالثةً بالاقتداء به، وبين أخرى بأنه لا يجوز الخروج عن قوله، ولا الرضا بغير حكمه، وكل ذلك ليبين الله سبحانه وتعالى لنا بوضوح أنَّ ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يجب علينا الأخذ به، سواء كان تفسيرًا للقرآن وتبيينًا له وتوضيحًا لمعانيه وغوامضه، أو تفصيلًا لمجمله، أو تقييدا لمطلقه، أو تخصيصًا لعامّه، كل ذلك هي حجة فيه على الناس، يجب عليهم الأخذ به، فهذا الرسول الخاتم أرسله الله ليكون منارة هدى للبشرية إلى يوم القيامة؛ ولذلك كانت أقواله وأفعاله وتقريراته تشريعات إلى يوم الدين.

وقد ظهر أناسٌ قديمًا وحديثًا فصلوا بين المنظومة الواحدة: الكتاب والسنة، وقالوا بما قاله عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا ألفِيَنَّ أحدَكم متَّكئًا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، ممَّا أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتَّبعناه»([1]). وقد فعلوا، فأنكروا السنة، وتنكّروا لخير البشر محمد صلى الله عيه وسلم بأن جعلوه مجردَ حافظ لحروف القرآن، يتلوه على أمَّته دون أن يكون له تفسير وتطبيق، فضلُّوا وأضَلُّوا حتى في أعظم أركان الإسلام كالصلاة والزكاة والصيام والحج؛ ولذا تجد لكل واحد من المنكرين للسنة في هذه العبادات قولًا يخالف قول الآخر، ولكل واحد منهم طريقة تخالف طريقة غيره، وكأن دين الله سبحانه وتعالى متروك لأهواء العباد ونزواتهم وطريقة فهمهم الخاصّ الذي يختلف من شخصٍ لآخر.

وهذا ليس مقصدَ الشريعة، فإنَّها إنما جاءت بالاجتماع وعدم الافتراق، فكانت أصولها الدينية واحدة واضحةً محدَّدة حتى تعبُد هذه الأمة ربَّها كما أراد الله الذي هو منزل هذه الشريعة، فجاء القرآن الكريم بأصول العبادات، وجاء الرسول الذي أرسله الله ليبين للناس ما نزِّل إليهم ويوضّح لهم ويفسر لهم، ويأتي بتفاصيل تلك العبادات، فعرَّفنا عليه الصلاة والسلام بتفاصيل الصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك، أمَّا المنكرون فقد ضربوا بكل ذلك عرض الحائط، وادعوا تارة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مجردُ مبلِّغ للقرآن وليس له أي حقٍّ في التفسير، وادعوا أخرى أنَّ الله لم ينزل على رسوله غير القرآن، إلى غير ذلك من الأمور التي لا تستقيم والأدلة الصحيحة والمنهج العلمي الصحيح.

ومع شدَّة حضور الآيات التي تبين حجيَّة السنة لم يجدوا بدًّا من أن يردوا تلك الآيات بليِّ أعناقها وتحريف معانيها، وقد كانت آيات الطاعة من أكثر الآيات التي احتجَّ بها المثبتون وضوحًا وحضورًا وقوَّة دلالة، وذلك من أمثال قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران: 32]، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59]، وقوله: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النور: 54]، فجاؤوا إلى هذه الآيات وأوَّلوها بدعوى أنَّنا مأمورون بطاعة الرسالة لا الرسول، وأننا لم نفهم مرادات الله تعالى؛ ذلك أن الله أمرنا بطاعة الرَّسول لا النبي، وأرادوا من خلال ما ادعوه إنكار حجية السنة وأنَّى لهم؛ فالقرآن نفسه يفضحهم ويفضح أمرهم ويئِد حججَهم، ودأبهم أنهم يأخذون بعض الكتاب دون بعض؛ لذا فإننا في هذه الورقة سنناقش إنكار السنة بدعوى عدم وجوب طاعة الرسول والواجب إنما طاعة الرسالة، وذلك عبر مناقشة أمرين، وهما:

الأمر الأول: أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بطاعة الرسالة لا طاعة الرسول.

الأمر الثاني: أن الله سبحانه وتعالى قد فرق بين الرسول والنبي، ونحن مطالبون بطاعة الرسول دون النبي، ثم يفسرون كل سنته بأنها صادرة من مقام النبوة لا الرسالة.

فأقول وبالله التوفيق:

الأمر الأول: ادعاؤهم بأن الله سبحانه وتعالى قد أمرنا بطاعة الرسالة ولم يأمرنا بطاعة الرسول:

أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59] وغيرها، وهذه الآيات لها دلالات واضحة في وجوب طاعة الرَّسول صلى الله عليه وسلم فيما أتى به من القرآن وما يفسره ويوضحه ويبينه وما حكم به بين أصحابه، بيد أنَّ منكري السنة حاولوا التخلُّص من هذه الآيات ومن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته، فادعوا أنَّ معنى الآيات: أنَّنا ملزمون بطاعة الرسالة لا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأنَّ ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن يصبح هو رسولًا بعد موت النبي صلى الله عيه وسلم، والذي كانت مهمته الوحيدة -حسب فهمهم- تبليغ هذا القرآن وحده، فكل الآيات التي وردت في الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم كان المراد منها -حسبما فهمه المنكرون- طاعة القرآن الكريم فحسب! يقول سامر إسلامبولي: “ابتداءً ينبغي أن نعلم أن الرسول محمد مبلّغ وتالي للرسالة وليس مشرعًا… مفهوم الطاعة لله والرسول: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32] يبدأ النص بفعل أمر (قل)، والمخاطب به بداية هو النَّبي محمد([2]) كونه رسول الله ونزلت عليه الرسالة، ويصير النص: قل -يا محمد- للناس: أطيعوا الله والرسول، وهذا يدل ضرورةً أنَّ الرسول في النَّص ليس هو الرسول محمد، فهو مأمور أن يطيع الرسول مع الناس، وأتى فعل (أطيعوا) مرةً واحدة في النَّص يتعلق بالله والرسول، وطاعة الله لا تكون إلا من خلال رسالته، ليدلَّ النَّص على أنَّ معنى كلمة (الرسول) في النَّص هذا هو الرسالة ذاتها؛ ولذلك لم تفرد بفعل طاعة مستقل لها؛ لأنَّها داخلة في أمر الطاعة لله، وهي الطاعة الدينية المتمثلة بالقرآن فقط”([3]).

هذا فيما يتعلق بمعنى طاعة الرَّسول صلى الله عليه وسلم إذا جاءت كلمة الطاعة مرة واحدة، أما إذا جاءت مرتين؛ أي: طاعة الله وطاعة رسوله -وهو ما يعد من أصرح الآيات الدالة على وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم- فإنَّ معناها عند إسلامبولي هو أنَّنا نطيع الرسول في المباحات وتقنينها! يقول: “مفهوم الطاعة لله والطاعة للرسول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]، نلاحظ في النص المعني أتى فعل طاعة لله مستقل، وأتى فعل طاعة للرسول مستقل عنه، وهذا يدلُّ على استقلال كل طاعة بحقل ومجال غير الأخرى، وكون طاعة الله متمثلة بالدين الذي نزل بالقرآن تكون هي حاكميَّة الله، يكون فعل الطاعة للرسول ضرورة خارج دائرة طاعة الدين، والأمر الذي هو خارج الدين هو حقل المباح الذي تركه المشرع للإنسان ليتحرك فيه بحرية وفق معطياته واحتياجاته وتطوره”([4]).

ويقول كذلك مبينًا أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن مات قد زالت عنه صفة الرسالة فلم يعد رسولًا، وانتقلت هذه الصفة إلى الرسالة نفسها؛ ولذلك حين يأمرنا الله بطاعة الرسول فإنه يأمرنا بطاعة الرسالة، يقول: “تكون الأدوات أو الوسائل رسلًا طالما أنهم يحملون رسالة، فإن انتفى عنهم حمل الرسالة، أو أوصلوا مضمونها إلى المُرْسَل إليه ينتقل اسم الرسول إلى الرسالة ذاتها؛ لأنَّها هي المعنية في الإرسال، وتصير رسولًا بالنسبة للمُرْسَل إليه، وينبغي الانتباه إلى أنَّ الرسول النبي كان له دور في حياته متعلق بقيادة الأمة وتعليمها، وتوقف ذلك بوفاته. فكلمة (رسول) لها متعلقان في الواقع:

  • أحدهما: الأصل؛ وهي الرسالة ذاتها.
  • الآخر: الفرع؛ وهي الوسيلة أو الأداة التي حملت الرسالة.

وفي حال انفصال الأداة أو الوسيلة عن الرسالة يزول اسم الرسول عنها، وتنفرد الرسالة باسم الرَّسول، وخاصة إن كانت مستمرة تخاطب الأجيال، فهي رسول إليهم كونها تنتقل من جيلٍ إلى آخر، ويُعرف المقصد من استخدام كلمة الرسول في النَّص أهي الرسالة فقط أم حامل الرسالة أم كلاهما من خلال سياق الخطاب وإسقاطه على محله من الواقع”([5]).

وهذا الكلام قد وقع فيه القائل ومن يقول بقوله في أخطاء عديدة، وكان فهمهم للآيات فهمًا خاطئًا، ليس فقط لأنَّه مخالف لفهم السلف الصالح الذي هو حجة إذا أجمعوا عليه؛ بل لأنَّ سياق الآيات نفسها تدل دلالة واضحة على خطأ قولِهم وعدم اتساقه مع سياق الآيات وما وردت من أجله، كما أنَّ هذ الفهم لا يتسق مع كلمة الرسول في مواضع أخرى كثيرة في القرآن الكريم، ويمكن بيانُ ذلك عبر الآتي:

أولًا: وقعوا في الخطأ بقوعهم في التكرار، وهذا من أكبر أخطاء المنكرين؛ إذ فسروا طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعة الرسالة سواء كان ذلك في الآيات التي فيها الأمر بطاعة الرسول مع طاعة الله مثل قوله: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران: 32] أو فيها الأمر بطاعة الرسول أمرا خاصّا بعد الأمر بطاعة الله مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59]، فإنَّ المقصود بقوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ} أي: القرآن؛ إذ إنه هو أوامره ونواهيه، والرسول في هذه الآية حسب فهمهم يراد به أيضًا القرآن، فأي جديد هنا تحمله آياتٌ عديدة جاءت بهذه الطريقة تؤكِّد على طاعة الله سبحانه وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إذ يصبح المعنى بناء على فهمهم: أطيعوا القرآن والقرآن.. أطيعوا القرآن وأطيعوا القرآن!

ثانيًا: أنَّ كلمة الرسول في القرآن الكريم لها معنى ظاهر وهو الإشارة إلى المُرسَل وليس المرسَل به، ومعاني القرآن يجب أن تكون متّسقة، والمعنى الظاهر لا يمكن الخروج عنه إلا بدليلٍ خاص وإلا فالأصل هو الأولى، ومن تلك الآيات التي تنصُّ على أن المراد بالرسول هو المرسَل قوله تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ} [النساء: 157]، وقوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 61]، وقوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 104]، وقوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144]، ومن أوضح الآيات الدالة على هذا المعنى قوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ} [الأعراف: 158]، ففرَّق الله هنا بين الرسول الذي هو محمد صلى الله عليه وسلم وبين الرسالة.

ولا أعني هنا أنَّ المنكرين ينكرون أنَّ يكون محمد صلى الله عليه وسلم رسولًا ويحصرون كلمة الرسول في الرسالة، وإنَّما المراد أن الرسول في القرآن الكريم في آياته الكثيرة التي وردت فيها هذه الكلمة يراد بها الشخص الذي حمل الرسالة، فما الذي جعل الرسول في آية الطاعة بالخصوص تعني الرسالة لا الرسول؟!

ويحاول بعضهم الخروج من هذا المأزق بمحاولة إيجاد فروقٍ بين هذه الآية وسائر آيات القرآن حتى يصحَّ لهم هذا التخصيص، فيبينون أنَّ كلمة الرسول إذا تعلقت بالطاعة والإيمان كان المراد بها الرسالة، أمَّا إذا كانت متعلقةً بشخص وقصة وما إلى ذلك فإنه يراد بها الشخص المرسَل.

وهذا أيضًا غير صحيح، وقد فرَّق الله بين الرسول الذي هو المرسَل وبين كلماته فقال: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ} [الأعراف: 158]، وأوضح منه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ} [النساء: 136]، وهنا تفريقٌ واضحٌ بين الرسول المرسَل وبين الرسالة حتى في معرض الإيمان الذي يستلزم الطاعة.

فمحاولة صرفهم هذه الآيات فقط إلى طاعة الرسالة لا يوجد له أي مسوِّغ شرعي، ولا يخدمه السياق، ولا مرادات القرآن، فيكون محض تحكم من المنكرين حتى يدفعوا به حجيَّة السنة.

ثالثًا: أنَّ آيات الطاعة عامَّة: فإنَّ الله سبحانه وتعالى حين أمر بطاعة الله سبحانه وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخصصها بطاعة شيء معين، فالآيات التي وردت في الطاعة لم تخصّ أمرًا للرسول دون أمر، ولا نهيًا دون نهي، وإنما الآيات عامة في طاعته في كل ما جاء به، والأصل في كلام الشرع أن يحمل على عمومه إلى أن يرد مخصص صحيح.

رابعًا: أن الله أثبت طاعتين ومُطاعين في مثل قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النور: 54]، فدل ذلك على تغير المُطاعين وعدم كون الطَّاعتين لمطاع واحد وإن كانت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأخير هي طاعة لله كما قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80].

فالآية تقول: إن هناك طاعةً لله سبحانه وتعالى وهي طاعة أوامره ونواهيه، وطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم وهي طاعة أوامره ونواهيه، طاعته فيما جاء به من القرآن الكريم وما جاء به مفسّرًا له وموضّحًا له ومبيّنًا له.

وهذه الآية التي فيها إثبات طاعتين مؤرِّقة للمنكرين، ويحاول بعضهم الجمع بينها وبين إنكار السنة بتأويلات لا دليل عليها، ولا يدلّ عليها السياق، فهم متشدِّقون بسياق القرآن والاكتفاء به إلا في مثل هذه الآيات؛ إذ يدخلون إضافات تصحّح لهم المعنى الذي يريدونه، وقد فرق إسلامبولي بين الطاعتين، فجعل الطاعة لله هي طاعة القرآن الكريم، وطاعة الرسول هي طاعته في المباحات وتنظيم أمور الحياة! وقد تقدَّم نقل كلامه في ذلك.

ولك أن تتعجّب من أنَّهم يتّهمون الصحابة والسلف الصالح بأنهم يتكلّمون بأهوائهم حين يأخذون بالسنة النبوية في تفسير القرآن بينهما هم يتكلّمون ويقيّدون النصّ القرآني كما يريدون، ولسان حالهم: دعك من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم وتبيينه وتقييده وخذ تفسيري وتبييني وتقييدي! ولوضوح الآية في الدلالة على حجيَّة السنة لم يستطع إسلامبولي التملّص من القول بأنَّ الآية أثبتت طاعة خاصة للرسول صل الله عليه وسلم ليست هي نفسها الطاعة الأولى، لكنه يصرف هذه الطاعة إلى الطاعة في المباحات! أترى كيف يبتعد ليقرر أنَّ المباحات التي هي متروك للإنسان فعلها وتركها هي التي يجب علينا أن نطيع الرسول صلى الله عليه وسلم فيها؟! ولم ير إسلامبولي أي تنافٍ بين كون المباح خيارًا مفتوحًا وبين الإيجاب فيه، فالأهم أنه يريد التخلص من القول بحجية السنة.

والصحيح أنَّ طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم مستقلة عن الطاعة الأولى التي هي لله، وليس ذلك في المباح وإنما في كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أن الطاعة الأولى في كل ما جاء في القرآن، ففي الآية الواحدة والسطر الواحد لِمَ تكون الكلمة الأولى عامة والثانية خاصة؟! ولم تكون الأولى تعني طاعة كل ما جاء عن الله والثانية لا تعني طاعة كل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟! فالطَّاعة هنا عامة دالة بوضوح على وجوب الأخذ بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، يقول ابن القيم رحمه الله: “وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]، فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلامًا بأنَّ طاعة الرسول تجب استقلالًا من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقا، سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه”([6]).

ونحن لا ننكر أنَّ طاعة القرآن والأخذ به يدخل ضمن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، سواء في هذه الآية أو في الآيات التي فيها طاعة واحدة، لكننا ننكر حصر الأخذ بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغه من القرآن فقط، ويوضح ذلك أيضًا:

خامسًا: ممَّا يدل على وجود طاعةٍ هي غير طاعة الله بالأخذ بالقرآن فقط: تنوع أساليب القرآن التي جاءت لبيان الطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فالقرآن الكريم حين أراد أن يوجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تنوعت أساليبه، فتارة يجعل الطاعة واحدة لله ورسوله كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأنفال: 20]، وفي مثل هذه الآيات يمكن القول بأنَّ المراد بطاعة الرسول هو طاعة الله بالتمام فيما أنزله من القرآن الكريم، وإن كان يحتمل أيضًا طاعة الرسول بشكل عام، ولا ضير في هذا المعنى ولا مانع منه، لكن لم يكتف القرآن الكريم بهذا الأسلوب، بل جاء بأسلوب آخر حتى في الطاعة الواحدة، وذلك مثل قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران: 32]، فالرسول هنا دون ضمير عائد إلى الله ومحلى بـ”أل” وهو ما يرجح المعنى الآخر وهو: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول في كل ما جاء به قرآنًا أو غيره، ولم يكتف القرآن أيضا بهذين الأسلوبين بل زاد الأمر وضوحا، فجاءت الآية بإثبات طاعتين: طاعة لله وطاعة لرسوله، ولا يقال -كعادتهم-: إننا جعلنا النبي صلى الله عليه وسلم مشرعا مع الله؛ لأننا نقول: إن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو من عند الله لا من تلقاء نفسه.

سادسًا: أنَّهم يقعون في نفس المأزق الذي وقعوا فيه حينما حصروا الوحي في القرآن ثمَّ بنوا عليه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يأت إلينا إلا بالقرآن، وهذا محض تحكم منهم، فإنَّنا لا نوافق على أنَّ الوحي هو القرآن فقط، فلا يمكن أن نبني عليه نتيجة أخرى قبل أن نتفق على هذه المقدمة، وهكذا يفعلون أيضًا في قضية طاعة الرسالة، فإنَّهم يدعون أنَّ المراد هو طاعة الرسالة، فما الرسالة؟ هل هي القرآن الكريم فقط، أم الرسالة كل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله رسالة إلى هذه الأمة؟ لا دليل على التخصيص وهو أمر متنازع فيه بيننا وبينهم، فالاتكاء عليه مصادرة على المطلوب.

وتبين من خلال هذا أنَّ الله أمرنا بطاعته بالأخذ بما في القرآن الكريم، وأمرنا بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم بالأخذ بكل ما جاء به من القرآن الكريم وما فسره به وفصَّله.

الأمر الثاني: أن الله سبحانه وتعالى قد فرّق بين الرسول والنبي، ونحن مطالبون بطاعة الرسول دون النبي:

ما سبق بيانه هو ما يتعلق بطاعة الرسالة، وفي هذا السياق أيضًا يأتي المنكر ليتعلق بكلمة الرسول والرسالة، فيدَّعي أنَّنا مطالبون بالأخذ بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بصفته رسولًا لا نبيًّا، ثم يدخلون في جدالات ونقاشات حول كلمتي الرسالة والنبوة؛ ليخلصوا إلى أنَّ النبوة متعلقة ببشريَّة النبي صلى الله عليه وسلم والرسول متعلق به معصومًا حين يبلغ القرآن فقط، ونحن مطالبون باتباعه حال كونه رسولًا أي: حال نقله للقرآن فقط.

وقد كرر هذا عدد من المنكرين، يقول أحمد منصور: “الفرق بين الرَّسول والنَّبي:
يخطئ النَّاس في فهم الأمر بطاعة الرسول واتباع الرسول، وذلك لأنَّهم يخطئون في فهم الفارق بين مدلول النَّبي ومدلول الرسول.. النبي هو شخص محمَّد بن عبد الله في حياته وشئونه الخاصة وعلاقاته الإنسانية بمن حوله وتصرفاته البشرية… أمَّا حين ينطق النبي بالقرآن فهو الرسول الذى تكون طاعته طاعة لله {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64]، والنَّبي محمد بصفته البشرية أول من يطيع الوحي القرآني وأول من يطبقه على نفسه.. وهكذا ففي الوقت الذي كان فيه (النبي) مأمورًا باتباع الوحى جاءت الأوامر بطاعة (الرسول) أي: طاعة النبي حين ينطق بالرسالة؛ أي: القرآن {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النور: 54]، ولم يأت مطلقًا في القرآن (أطيعوا الله وأطيعوا النبي) لأن الطاعة ليست لشخص النبي وإنما للرسالة أي: للرسول؛ أي: لكلام الله تعالى الذى نزل على النبي”([7]).

ويقول زكريا أوزون: “وهنا لا بدَّ من إظهار الفرق بين كلمتي “الرسول والنبي” اللتين يتمُّ الخلط بينهما عمدًا أو سهوًا، فسيدنا محمَّد بن عبد الله رجلٌ يحمل صفتين هما صفة الرسول من الرسالة وصفة النَّبي من النبوة، تمامًا كما يحمل أحدنا اليوم صفتين في عمله كأن يكون مهندسًا ومديرًا للعلاقات العامة.. فإنَّه لا يوجد لدينا أحاديث رسوليَّة؛ لأنَّ رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي القرآن الكريم، وقد وعى الصحابة ذلك فلم يكتبوا عنه عندما كان يحتضر على فراش الموت ما أراد أن يوصيهم به؛ لأنَّه قد أدى رسالته ممثلة بالذكر الحكيم المحفوظ في السطور والصدور”([8]).

فكلامهم هذا هو الفصل بين مقاماتٍ في نفس الشخص؛ فتارة يكون قوله ملزمًا، وذلك حال كونه رسولًا، وهو فقط عندهم في نقل القرآن الكريم، وتارة يكون غير ملزم، وذلك حين يكون نبيًّا، ويدرجون تحته كل السنَّة النبوية، وبغض النظر عن الفرق بين الرسول والنبي والذي للعلماء فيه عدة أقوال إلا أنَّه يهمنا هنا جانب واحد، وهو: أنَّ “النَّبي” يتعلق ببشريَّة محمد صلى الله عليه وسلم، و”الرسول” يتعلق بعصمته، وذلك عند تبليغ القرآن فقط، وهذا هو عمدة المنكرين في رد السنة من هذه الجهة، فهدف هذا القول كما هو واضح وكما يؤكِّدونه هو إبعاد السنة النبوية برمَّتها عن أن تكون مصدر تشريع وأن تكون ملزمة لأحد.

ومع صحة وجود فرق بين الرسول والنبي، إلا أن تفريقهم هذا -بجعل النبي لا يؤخذ منه شيء والرسول يؤخذ منه القرآن الكريم فقط- لا يسنده أي دليل، بل كل الأدلة تبطله وترده، ويبين ذلك الآتي:

أولًا: منشأ الخطأ عند المنكرين أنَّهم وضعوا لكل كلمة معنى هم وضعوه ثم ادَّعوا بناء عليه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يتصرف تارة بمقتضى النُّبوة فقط دون الرسالة، وتارة بمقتضى الرسالة فقد دون النبوة! وكأن الوصفين مِعطَفَان يخلع عليه الصلاة والسلام منهما ما شاء ويلبس ما شاء! وهذا الادعاء باطلٌ شرعًا وواقعًا.

فإنَّه من المعلوم أنَّ هناك فرقًا بين النبي والرسول، وأنَّ النبي أعم من الرسول، فكل رسول نبي لا العكس، وهذا يقتضي أنَّ من اختاره الله ليكون رسولًا فإنه يكون رسولًا نبًّيا في آن دون فصل بينهما، وصار ذلك الشخص يمتلك الصفتين، ومؤداهما واحد وهو: تلقي الوحي من الله سبحانه وتعالى وإبلاغه للناس، وقد نوَّع الله الحديث عن الرسل تارة بالرسالة وتارة بالنبوة؛ ليبرز علوَّ منزلتهم وشرفهم بجمعهم بين النبوة والرسالة؛ يدلُّ عليه جمعه للوصفين في وقت واحد في بعض الآيات، وخلاصة القول في هذه النقطة هي: أن التَّفريق بين النبي والرسول راجع إلى غير ما ذكره المنكرون، ومع ذلك فإنَّ هذا الفرق يكون واضحًا وواقعًا في حال النبي، فإنَّه يفترق عن الرسول فيتصرف بنبوته فقط، أما الرسول -كرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم- فإنَّه قد جمع الوصفين، فكونه رسولا يتصرف على مقتضى ذلك فإنه بالضرورة نبي يتصرف بنفس المقتضى.

فمنكرو السنَّة أرادوا تقديم هذا اللَّبس للناس على أنَّ النبي أو محمدًا صلى الله عليه وسلم يخطئ، والرَّسول لا يخطئ، وعلى أنَّ النبي أو محمدا صلى الله عليه وسلم يتصرف ببشريته ولا يجوز اتباعه فيه وأن الرسول فقط يتصرف بكونه رسولًا فيجب أخذ ما جاء به، وهذا إيهام وخلط، فإن الرسول نبي بالضرورة.

ثانيًا: أنَّ القرآن الكريم هو أول ما يردُّ على المنكرين زعمَهم هذا، فإنَّهم ادعوا أن النبي يعني الجانب البشري، فلا يبلِّغ عن الله إلا حال كون رسولًا، وهو قول ناجمٌ عن عدم قراءة القرآن؛ إذ نجد فيه قول الله الصريح: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136]، فأثبت الله للأنبياء أنَّهم أوتوا الكتب، وأنَّ الله أنزل إليهم الكتب، فصفة النبوة لا تعني الجانب البشري فقط؛ بل النبي يؤتى الكتاب وهو أمرٌ شرعي بحت ووحي من الله سبحانه وتعالى، على خلاف ادعاء المنكرين بأن تحمُّل الكتاب وتبليغه إنَّما هو مهمة الرسول فقط دون النبي، ومثلها قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} [آل عمران: 81]، فهؤلاء الأنبياء وصفهم الله بالنُّبوة ومع ذلك فقد أوتوا الكتاب. ويؤكد هذا المعنى:

ثالثًا: أنَّ الله لم يصف النُّبوة فقط بأنَّ أهلها قد أوتوا الكتاب -وإن كان هذا كافيًا في رد زعمهم- بل قد أثبت الله للأنبياء من الأعمال ما أثبته للرسل، وهي التي ينفونها ويزعمون أنَّ الأنبياء لا يقومون بها وإنما هي خاصة بالرسل، وذلك مثل التبليغ عن الله، فإن كان قولهم هذا حقا فماذا يصنعون بقوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: 213]؟! فليس الأنبياء قد أوتوا الكتب حسب هذه الآية فحسب؛ بل بعثهم الله ليبشروا وينذروا، وهي أعمال الرسل حسب زعم المنكرين.

بل دونك هذه الآية الخاصة برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وفيها يذكر الله له أعمالًا متعلقةً بالرسالة فقط -حسب زعم المنكرين-، ومع ذلك فقد خاطبه الله بالنبوة وأسند إليه تلك الأعمال مخاطبًا إياه بالنبي، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45، 46]، فدل على أنَّ مهام النبوة والرسالة واحدة، وأننا ملزمون باتباع هذا الرسول النبي.

رابعًا: قد أسكت القرآن المنكرين في دعواهم هذا بالرد عليهم مباشرة في صميم دعواهم، ذلك أنَّهم يدَّعون أنَّنا ملزمون باتباع الرسول لا النَّبي، فهل نأخذ بكلامهم هذا أم بقوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157]؟! فقد بيَّن الله سبحانه وتعالى بيانًا واضحًا بأنَّنا ملزمون باتباع الرسول النَّبي، فجمع الله له الوصفين، وأكد ذلك في الآية التي تليها مباشرةً بقوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158]، فبين أنه رسولٌ إلى جميع الناس، وأننا مطالبون بتصديق الرسول النبي واتباعه وطاعته، وليس الرسول دون النبي.

خامسًا: بينَّا أنَّ الله قد أسند إلى الأنبياء أعمالًا هي من اختصاص الرسل كما يفهمه المنكرون، ومن ذلك: البشارة والنذارة وتحملهم للكتاب وتبليغهم له، ومع هذه كلها فقد وردت آياتٌ عديدةٌ في القرآن خاطب الله فيها نبيه محمَّدًا صلى الله عليه وسلم بصفة النبوة ثم أمره بتشريعات عديدة كان المسلمون ملزمين بها وبأخذها واتباعها، ومن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [الأنفال: 65]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة: 73]، وهو أمر شرعي لا شخصي، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59]، فهذه تشريعات ربانية يُلزِم المسلمين بها، ومع ذلك فقد خاطب الله في ذلك نبيه صلى الله عليه وسلم بصفة النبوة.

سادسًا: أنَّ الله سبحانه وتعالى أمر باتباع محمَّد صلى الله عليه وسلم أمرًا عامًّا لم يخص اتباعه حال كونه رسولًا وعدم اتباعه حال كونه نبيًّا، فقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]، فلم يحدد كونه رسولًا أو نبيًّا، بل أمر باتباعه في كل أموره.

ويظهر من هذا أن محمَّدا صلى الله عليه وسلم نبي رسول، وأنَّ الأعمال المسندة إلى الرسول هي مسندة كذلك إلى النَّبي، فلا يسلم للمنكرين هذا التفريق الذي ابتدعوه من عند أنفسهم، ومشكلتهم: أنهم يفرحون حين يجدون آية تقرر ما قرروه في أنفسهم، ويتغاضون عن الآيات الأخرى لشدة فرحهم بتلك الآية التي ظنوها لهم، وفي الحقيقة فإن الآية نفسها التي يستدلون بها لا تدلُّ على مرادهم، فضلًا عن عشرات الآيات الأخرى التي ترد على زعمهم صراحة.

وأخيرًا:

يقول تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]، ويقول: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32]، ويقول: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32]، ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59]، ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} [الأنفال: 20]، ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33].

وآياتٌ أخرى كثيرة كلها تبيِّن وتؤكِّد أنَّ خير البشر محمَّد صلى الله عليه وسلم قد أرسله الله ليطاع، أرسله بوحيٍ مكوّن من القرآن الكريم، وما يبين هذا القرآن ويوضحه ويفسره ويبين طريقة العبادات الواردة فيه وتفاصيلها؛ ولذلك سمَّاه الله سبحانه وتعالى: {سِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 46]، ينير للأمة طريقها لتعبد الله كما يريد الله، واصطفاه الله سبحانه وتعالى لتلك المهمَّة، والتي حاول المنكرون أن يجردوه عنها، وأن يجردوه من كل منقبة وفضيلة، ويسلبوا منه كل حقٍّ لفهم القرآن وتطبيقه وتفسيره؛ ليكون النص القرآن في يد كل من يريد تفسيره حسب ما يهوى، وهو ما وقع من المنكرين، فإنَّهم قد عبدوا الله بكل طريقة تطرأ على البال، وفسروا حتى أعظم العبادات بما أملتهم عليه عقولهم، فصلَّوا واحدة أو اثنتين أو ثلاثًا، بركعة أو ركعتين، بركوع أو بدونه، وهكذا في كل التشريعات الأخرى حتى يصير الدين الواحد أديانًا شتَّى.

أمَّا نحن فنجزم بأنَّ الله أرسل رسوله بالوحي القرآن والسنة، وأمرنا باتباعه وطاعته والاقتداء به، وكما أنَّه هو المتعين شرعًا فكذلك هو المتعين عقلًا؛ إذ إنَّنا إذا لم نأخذ بفهم من أُنزل إليه القرآن وهو أفضل البشر فبفهم من نأخذ؟! وبفهم من نعبد؟! ولأجل أننا نريد أن نعبد الله حسب ما يريد منا فإنَّنا نقول: إننا نأخذ بكل ما صحَّ من أقوال النبي صلى الله عليه وأفعاله وتقريراته.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) أخرجه أبو داود (4605)، والترمذي (2663) وقال: حسن صحيح.

([2]) كلما قرأت لمنكري السنة ازددت يقينًا بأنَّ كثيرًا من هؤلاء لا يعنيهم النبي صلى الله عليه وسلم في شيء، وليس مرادهم مجرد الاقتصار على القرآن كما يدّعون؛ فإن معظمهم لا يأخذون به، وإنما التهوين من شأن النبي صلى الله عليه وسلم، وميسم ذلك أنَّك لا تكاد تجد واحدًا منهم يصلّي على النبي صلى الله عليه وسلم عند ورود اسمه إلا ما ندَر، وهذا حكم أغلبيّ استقرائيّ من خلال كتبهم ونقاشاتهم ومواقعهم، وأينما أمررت بصرك في ذلك تجد ما قلته.

([3]) في مقالة له بعنوان: مفهوم طاعة الرسول، عبر موقعه الرسمي.

([4]) المرجع السابق.

([5]) في مقالة له بعنوان: أطيعوا الرسول بمعنى طاعة الرسالة ذاتها. منشورة على موقع شحرور.

([6]) إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 38).

([7]) القرآن وكفى (ص: 21-22).

([8]) جناية البخاري (ص: 16-18).

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

مفهوم العبادة في النّصوص الشرعيّة.. والردّ على تشغيبات دعاة القبور

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لا يَخفَى على مسلم أنَّ العبادة مقصَد عظيم من مقاصد الشريعة، ولأجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وكانت فيصلًا بين الشّرك والتوحيد، وكل دلائل الدّين غايتها أن يَعبد الإنسان ربه طوعًا، وما عادت الرسل قومها على شيء مثل ما عادتهم على الإشراك بالله في عبادتِه، بل غالب كفر البشرية […]

تحديد ضابط العبادة والشرك والجواب عن بعض الإشكالات المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لقد أمر اللهُ تبارك وتعالى عبادَه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ومدار العبادة في اللغة والشرع على التذلُّل والخضوع والانقياد. يقال: طريق معبَّد، وبعير معبَّد، أي: مذلَّل. يقول الراغب الأصفهاني مقررًا المعنى: “العبودية: إظهار التذلّل، والعبادة أبلغُ منها؛ […]

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة.. بين أهل السنة والصوفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الناظر المدقّق في الفكر الصوفي يجد أن من أخطر ما قامت عليه العقيدة الصوفية إهدار مصادر الاستدلال والتلقي، فقد أخذوا من كل ملة ونحلة، ولم يلتزموا الكتاب والسنة، حتى قال فيهم الشيخ عبد الرحمن الوكيل وهو الخبير بهم: “إن التصوف … قناع المجوسي يتراءى بأنه رباني، بل قناع […]

دعوى أن الحنابلة بعد القاضي أبي يعلى وقبل ابن تيمية كانوا مفوضة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة إن عهدَ القاضي أبي يعلى رحمه الله -ومن تبِع طريقته كابن الزاغوني وابن عقيل وغيرهما- كان بداية ولوج الحنابلة إلى الطريقة الكلامية، فقد تأثَّر القاضي أبو يعلى بأبي بكر الباقلاني الأشعريّ آخذًا آراءه من أبي محمد الأصبهاني المعروف بابن اللبان، وهو تلميذ الباقلاني، فحاول أبو يعلى التوفيق بين مذهب […]

درء الإشكال عن حديث «لولا حواء لم تخن أنثى»

  تمهيد: معارضة القرآن، معارضة العقل، التنقّص من النبي صلى الله عليه وسلم، التنقص من النساء، عبارات تجدها كثيرا في الكتب التي تهاجم السنة النبوية وتنكر على المسلمين تمسُّكَهم بأقوال نبيهم وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم، فتجدهم عند ردِّ السنة وبيان عدم حجّيَّتها أو حتى إنكار صحّة المرويات التي دوَّنها الصحابة ومن بعدهم يتكئون […]

(وقالوا نحن ابناء الله ) الأصول والعوامل المكوّنة للأخلاق اليهودية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: لا يكاد يخفى أثر العقيدة على الأخلاق وأثر الفكر على السلوك إلا على من أغمض عينيه دون وهج الشمس منكرًا ضوءه، فهل ثمّة أصول انطلقت منها الأخلاق اليهودية التي يستشنعها البشر أجمع ويستغرب منها ذوو الفطر السليمة؟! كان هذا هو السؤال المتبادر إلى الذهن عند عرض الأخلاق اليهودية […]

مخالفات من واقع الرقى المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الرقية مشروعة بالكتاب والسنة الصحيحة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله وإقراره، وفعلها السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان. وهي من الأمور المستحبّة التي شرعها الشارع الكريم؛ لدفع شرور جميع المخلوقات كالجن والإنس والسباع والهوام وغيرها. والرقية الشرعية تكون بالقرآن والأدعية والتعويذات الثابتة في السنة […]

هل الإيمان بالمُعجِزات يُؤَدي إلى تحطيم العَقْل والمنطق؟

  هذه الشُّبْهةُ مما استنَد إليه مُنكِرو المُعجِزات منذ القديم، وقد أَرَّخ مَقالَتهم تلك ابنُ خطيب الريّ في كتابه (المطالب العالية من العلم الإلهي)، فعقد فصلًا في (حكاية شبهات من يقول: القول بخرق العادات محال)، وذكر أن الفلاسفة أطبقوا على إنكار خوارق العادات، وأما المعتزلة فكلامهم في هذا الباب مضطرب، فتارة يجوّزون خوارق العادات، وأخرى […]

دعاوى المابعدية ومُتكلِّمة التيميَّة ..حول التراث التيمي وشروح المعاصرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: في السنوات الأخيرة الماضية وإزاء الانفتاح الحاصل على منصات التواصل الاجتماعي والتلاقح الفكري بين المدارس أُفرِز ما يُمكن أن نسمِّيه حراكًا معرفيًّا يقوم على التنقيح وعدم الجمود والتقليد، أبان هذا الحراك عن جانبه الإيجابي من نهضة علمية ونموّ معرفي أدى إلى انشغال الشباب بالعلوم الشرعية والتأصيل المدرسي وعلوم […]

وثيقة تراثية في خبر محنة ابن تيمية (تتضمَّن إبطالَ ابنِ تيمية لحكمِ ابن مخلوف بحبسه)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الحمد لله ربِّ العالمين، وأصلي وأسلم على من بُعث رحمةً للعالمين، وبعد: هذا تحقيقٌ لنصٍّ وردت فيه الأجوبة التي أجاب بها شيخ الإسلام ابن تيمية على الحكم القضائيّ بالحبس الذي أصدره قاضي القضاة بالديار المصرية في العهد المملوكي زين الدين ابن مخلوف المالكي. والشيخ كان قد أشار إلى هذه […]

ترجمة الشيخ المسند إعزاز الحق ابن الشيخ مظهر الحق(1)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه: هو الشيخ إعزاز الحق ابن الشيخ مظهر الحق بن سفر علي بن أكبر علي المكي. ويعُرف بمولوي إعزاز الحق. مولده ونشأته: ولد رحمه الله في عام 1365هـ في قرية (ميرانغلوا)، من إقليم أراكان غرب بورما. وقد نشأ يتيمًا، فقد توفي والده وهو في الخامسة من عمره، فنشأ […]

عرض وتعريف بكتاب: “قاعدة إلزام المخالف بنظير ما فرّ منه أو أشد.. دراسة عقدية”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المعلومات الفنية للكتاب: عنوان الكتاب: (قاعدة إلزام المخالف بنظير ما فرّ منه أو أشد.. دراسة عقدية). اسـم المؤلف: الدكتور سلطان بن علي الفيفي. الطبعة: الأولى. سنة الطبع: 1445هـ- 2024م. عدد الصفحات: (503) صفحة، في مجلد واحد. الناشر: مسك للنشر والتوزيع – الأردن. أصل الكتاب: رسالة علمية تقدَّم بها المؤلف […]

دفع الإشكال عن حديث: «وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك»

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة من أصول أهل السنّة التي يذكرونها في عقائدهم: السمعُ والطاعة لولاة أمور المسلمين، وعدم الخروج عليهم بفسقهم أو ظلمهم، وذلك لما يترتب على هذا الخروج من مفاسد أعظم في الدماء والأموال والأعراض كما هو معلوم. وقد دأب كثير من الخارجين عن السنة في هذا الباب -من الخوارج ومن سار […]

مؤرخ العراق عبّاس العزّاوي ودفاعه عن السلفيّة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المحامي الأديب عباس بن محمد بن ثامر العزاوي([1]) أحد مؤرِّخي العراق في العصر الحديث، في القرن الرابع عشر الهجري، ولد تقريبًا عام (1309هـ/ 1891م)([2])، ونشأ وترعرع في بغداد مع أمّه وأخيه الصغير عليّ غالب في كنف عمّه الحاج أشكح بعد أن قتل والده وهو ما يزال طفلا([3]). وتلقّى تعليمه […]

دفع الشبهات الغوية عن حديث الجونية

نص الحديث ورواياته: قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: بَابُ مَنْ طَلَّقَ، وَهَلْ يُوَاجِهُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالطَّلَاقِ؟ حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ: أَيُّ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ ابْنَةَ الجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017