إله التوحُّش… التكفير والسياسة الوهابية
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطياب الأطهار أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد؛ فلا تنتهي موجات الهجوم على المنهج الحق حتى تزول الدنيا، ويرث الله الأرض ومن عليها، فالتدافع بين الحق والباطل سنة الله في الكون، ولو شاء الله تعالى لجعل الناس أمة واحدة، لكنه سبحانه يقدر أنواعًا من البلاء؛ يستخرج بها من عباده المؤمنين ألوانًا وأصنافًا من العبوديات والطاعات؛ يرفع بها درجاتهم؛ ويُمحِّص بها إيمانهم.
من تلك البلايا التي استعلَنت في هذا العصر هذه الهجمة الشَّرسة على المنهج السلفي التي تداعت من كل حدَب وصَوب، فتارةً يأتي الهجوم من قبل الشيعة، وتارة أخرى من قبل الصوفية، وتارة ثالثة من جهة الأشاعرة، ورابعة من جهة العَلمانيين، وخامسة من جهة النصارى واليهود وسادسة من منتحلي الإلحاد، وهكذا تكالبت الأعداء وتداعت كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها عبر كتاباتهم ومرئياتهم.
نتناول في هذه المرَّة أحد هذه الكتابات التي شنَّت هجومًا على هذا المنهج، وهو ما سنتعرض له بالنقد في هذه الورقة العلمية المختصرة.
المواصفات الفنية للكتاب
اسم الكتاب: إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية.
المؤلف: علي أحمد الديري.
وصف الكتاب: يقع الكتاب في (236 ص) من القطع المتوسط، وهو من إصدار مركز أوال للدراسات والتوثيقات، ونشرت مكتبة الفكر الجديد ببيروت نشرته الأولى في: 30 – 5 – 2017 م.
وقد كتب على طُرَّة الكتاب الداخلية أن معظم أفكار هذا الكتاب قد نوقشت ضمن برنامج حلقة الدراسات الوهابية، وهي مجموعة بحثية خاصة تأسست في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2015م تعنى بدراسة الحركة الوهابية من الناحية التاريخية والسياسية والفكرية.
التعريف بالمؤلف
الكاتب هو علي أحمد الديري، كاتب بحريني الأصل، من مواليد البحرين عام 1971م، حصل على بكالوريوس اللغة العربية من جامعة البحرين عام 1993م، ثم ماجستير قوانين تفسير الخطاب من جامعة القديس يوسف عام 2007م، ثم الدكتوراه في مجازات الخطاب الفلسفي والصوفي في عام 2010م، يعيش حاليًا في كندا بعدما انتزعت منه الجنسية البحرينية في يناير 2015م، بسبب كتاباته، فهو -الآن- بدون جنسية، يقر في حوار عبر الهاتف معه من قِبَل قناة الميادين أنه عَلماني التوجه، بل ويصرح أنه في معاداته للوهابية لا يهمه إذا كانت تعارض الإسلام أم لا ([1])!
له عدة كتب يبث فيها ضلاله منها:
– نصوص متوحشة: التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية.
– خارج الطائفة.
– كيف يفكر الفلاسفة.
– الهرمنيوطيقا والمناهج الحديثة في تفسير النصوص الدينية.
– من هو البحريني؟ بناء الدولة وصراع الجماعات السياسية 1904-1929م
– وهذا الكتاب الذي نحن بصدده.
منطلق المؤلف في الكتاب
المؤلف ينطلق في هذا الكتاب من أن التكفير مشروع قتل، يمليه صراع سياسي، وهو تجريد للإنسان من إنسانيته.
وهو في هذا الكتاب يستكمل ما بدأه في كتابه نصوص متوحشة حيث يرى أن الدولة السعودية الأولى قامت على هذه الفرضية التي يراها
ما يحاول الكاتب إثباته؛ هو أن النصوص الشرعية ما هي إلا أدوات للوهابية للتأثير في الواقع الاجتماعي والسياسي، بما هو إنكار وإلغاء للآخر وللتعدد.
يرى الكاتب أن النصوص المتوحشة هي النصوص التي توفر فيها شروط ثلاثة هي:
– أن يكون النص آمرًا بالقتل المادي.
– أن يكون حكمًا منتجًا من فقيه.
– أن يكون ضمن فضاء سلطة سياسية تمثل قوة قائمة بالفعل.
وهو يرى أن نصوص الشيخ محمد بن عبد الوهاب هي خير مثال لما يدعيه.
يقول الكاتب: «أدرك محمد بن عبد الوهاب أنه لا يمكن للمكتبة وحدها أن تحول نص التكفير إلى فعل قتل، فكفر بها، وراح يبحث عن قوة تجعل من خطابه وحشًا ضاريًا في صحراء نجد، أراد أن ينبت لنصوصه التكفيرية مخالب ضارية، فكان سيف الدرعية»([2]).
هذه هي الأفكار التي سيطرت على عقل الكاتب؛ لتكون ثمارها الضلالات الموجودة في هذا الكتاب الذي بين أيدينا، والله المستعان.
عنوان الكتاب وما يهدف إليه:
لم يهتم الكاتب كثيرًا بتفسير العنوان الغريب لهذا الكتاب، فقط ذكر في مقدمته أن «وثيقة الدرعية هي تحالف بين رجل الدعوة ورجل الدولة، أو تحالف بين ما أسميه إله التوحش وسيف الوحشية»؛ ليقول بعد ذلك: «إله التوحش هو هذا الإله الذي خلقته سيرة رجل الدعوة بتفسيرها الغريب لشهادة التوحيد»([3]).
إذن فالكاتب يهدف من هذا الكتاب إلى أن يدلل على أن تفسير شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب للشهادتين هو تفسير غريب، خاص به، الهدف منه إخراج المخالفين له من الدين بتكفيرهم، وهذا يقتضي قتلهم، وهو الأصل الذي قامت عليه الدولة السعودية الأولى.
عرض مجمل لتقسيم الكتاب:
الكتاب مكون من مقدمة وأربعة فصول، كالتالي:
الفصل الأول: سيرة رجل الدعوة ورجل الدولة، وهو يرى أنه في هذا الفصل يترجم للشيخ محمد بن عبد الوهاب.
الفصل الثاني: «لا إله إلا الله» صراع الوهابية والفرق.. عنف الاستثناء، وهو يرى أن هذا الفصل يتناول التفسير الغريب لشهادة الإسلام.
الفصل الثالث: الغربة والهجرة والجهاد، وهو يرى أنه أثر للفصل الذي سبقه، حيث إن الغربة والهجرة والجهاد هي نتاج هذا التفسير الغريب لشهادة الإسلام.
الفصل الرابع: نواقض الإسلام: الاستثناء المستحيل، حيث يرى أن نواقض الإسلام تخرج غالبية المسلمين من الإسلام.
ثم الفهارس ومقدمة الكتاب بالإنجليزية.
عرض مجمل لأهم الأفكار والاتهامات التي تناولها الكتاب:
الأفكار الموجودة في الكتاب هي عبارة عن مجموعة من الاتهامات الباطلة والمغالطات المنطقية الفجَّة، وسوف نذكر أبرز هذه الأفكار الباطلة هنا أثناء عرض الكتاب، مع الانتباه إلى أن ذكرها هنا يغنينا عن معاودة ذكرها مرة أخرى أثناء بيان الملاحظات على الكتاب.
وفيما يلي أبرز تلك الأفكار والاتهامات.
= الفصل الأول:
– تناول الكاتب في الفصل الأول سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من خلال مقاطع مقتطفة من كتاب «روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعدد غزوات ذوي الإسلام» المشهور بروضه ابن غنام ليوصل للقارئ أن الكتاب مليء بالأساطير، ولا هم له إلا المبالغة والتفخيم، ويحاول أن يستنتج من تعدد نسخ الكتاب أن الكتاب يدل على الوحشية التي رافقت تأسيس الدولة السعودية ومن ثم يحاول المحققون إخفاء ذلك!
– يرى أن كتاب ابن غنام يمثل هوية الدولة، ويتحسر على عدم وجود ذكر للــ «الشيعة والإسماعيليون المتصوفة، والمذاهب السنية التي لم تتوافق مع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب» في هذا الكتاب!
– يصرح أن الدولة السعودية تكفِّر كل من لا يؤمن بالدعوة ويحاول التدليل على ذلك، بسبب تدريسها لكتاب التوحيد الذي يراه يمثل حدًا فاصلًا بين من هم داخل الهوية ومن هم خارجها!
– يرى أن الدولة السعودية قد توقفت عند لحظة ابن غنام ورؤيته التي في الكتاب؛ فكفار الأمس هم كفار اليوم، وأعداء الأمس هم أعداء اليوم، وهذا دليل على أن الدولة السعودية لا تستطيع أن تتصالح مع المكونات الأخرى!
– يؤكد أن مفهوم الوهابية للتوحيد معناه تكفير كل من يخالفهم!
– يرى أن أي أمة لابد في بدايتها من وجود العنف، لكن عند كتابة التاريخ، فإن كاتبوه يتجاوزوا هذه اللحظات، بخلاف كتاب ابن غنام الذي يفتخر بوجود العنف الذي يروى على أنه بطولات، ويعتبر أن هذا مصدر لصناعة الهوية الأحادية!
– يرى المؤلف: أن التوحيد السياسي في تطابقه مع التوحيد العقائدي لا يصنع مواطنة مشتركة، بل يصنع الفرقة الناجية، فهذه الدولة هي دولة الفرقة الناجية، وهذا أمرٌ كافٍ في ذمِّ هذه الدولة!
– يرى أن النسيان من شروط تكوين الأمة، فلابد للأمة أن تنسى عنف التأسيس، وهذا غير موجود في الدولة السعودية!
هذه النقاط السابقة هي ملخص ما كتبه في النصف الأول من هذا الفصل.
أما النصف الثاني من هذا الفصل، فقد جعله للحديث عن التكوين العلمي والديني للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وذلك تحت عنوان: حنبلة نجد.
وخلاصة ما ذكره: أن نجد كان بها عدد من علماء الحنابلة، إلى أن أتى الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتعلم الفقه فيها، ثم يتناول أحد نصوص الشيخ في الدلالة على كمِّ الأفعال الشركيَّة التي كانت منتشرة في ذلك الحين؛ ليقرأ هذا النص من خلال تصوراته؛ فيرى أن هذه الفكرة هي وسيلة الشيخ لتبرير جِدَّة دعوته؛ التي يدعي أنها تمثل السلف الصالح، فيرى أنه مع دعوة الشيخ لم يعد الإسلام هو معرفة الأحكام الشرعية، بل هو معرفة التوحيد الصحيح!
– يتناول عبارة ابن بشر في وصف الشيخ -أنه شرح الله قلبه للتوحيد- ليدلل منها على أن هذا الفهم لم يتعلمه الشيخ من أحد، وأنه مجرَّد اختلاق من الشيخ، ويحاول التدليل على ذلك! هذا على الرغم من زعمه بعد ذلك: أن أفكار الشيخ هي امتداد لمدرسة ابن تيمية!
– يرى أن الحنبلية تحولت -بسبب الشيخ محمد بن عبد الوهاب- من مذهب فقهي إلى حركة عقائدية متطرفة عنيفة.
– يحاول الكاتب في الربع الأخير من هذا الفصل أن يقارن بين ابن تومرت والشيخ محمد ابن عبد الوهاب، حيث يرى أن كلاهما اعتمد التكفير والعنف لأجل بناء الدولة، غير أن التوحيد التومري كان تكتيكًا سياسيًا، بخلاف التوحيد الوهابي فهو عقيدة مبدئية، ليخلص في النهاية إلى أن سيرة الشيخ هي سيرة الدولة.
الفصل الثاني:
خصص الكاتب هذا الفصل؛ ليدلل على ادعائه أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب يفسر التوحيد بتفسير مخالف لكل من سبقه، وهو يرى أن الداعي إلى هذا التفسير هو إخراج الخصوم السياسيين الذين يواجههم من دائرة الإيمان إلى الكفر، ولا يكون ذلك إلا من خلال اشتراط شروط في الشهادة حتى يقصر الإيمان على نفسه ومتبعيه فقط، ويكون ما سواه كافرًا.
ويعتمد الكتاب في هذا الفصل على الرسائل التي أوردها ابن غنام في سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ويرى أن تجريد معنى لا إله إلا الله من النذور والحلف بغير الله والذبح لغير الله هو هدف الشيخ محمد، وهو أمرٌ عظيم عند من اطلع على تاريخ الدعوة الوهابية، فهذا التفسير الجديد – بزعمه – أدى إلى حروب تحت عنوان تطهير نجد من الشرك.
ثم ينطلق الكاتب في عناوين هذا الفصل ليحاول أن يدلل على افتراءاته في حق الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأن فهمه للتوحيد خاص به.
ونلخص ذلك في النقاط التالية:
– تحت عنوان: طاغوت التوحيد: يرى الكاتب أن استخدام الشيخ للفظ العبيد بدلًا من العباد في حق البشر هو ترسيخ لفكرة ولي الأمر الذي هو الحاكم!
– يرى أن تدريس كتاب التوحيد فُرض عليه بالقوة، وأن هذا الكتاب كتاب بسيط، لا قيمة له إذا قورن بأمهات كتب علم الكلام في تراثنا!
– يجعل من القول “بأن التوحيد ليس مجرد الإقرار ببعض صفات الربوبية” دليلًا دامغًا على أن الشيخ يتلاعب بمفهوم لا إله إلا الله!
– يجعل من القول بإثبات توحيد الأُلوهية مناقضة تامَّة لما تبناه علماء الإلاهيات، وتوسعة لباب الشرك والكفر؛ لأنه قد أدخل فيه السلوك العملي، مثل: زيارة القبور والأضرحة!
– يعتبر موقف الشيخ من ابن عربي ومذهبه الاتحادي تشددًا!
– يرى أن موقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب في توحيد الأسماء والصفات هو موقف ابن تيمية الذي أدى إلى تكفير المعتزلة والأشاعرة -الذين يراهم عموم أهل السنة- وكذلك تكفير الفرق الأخرى كالشيعة.
– تحت عنوان سيف التوحيد يدلل الكاتب على ما وقع بين الشيخ ومخالفيه من قتال، بأنه لم يقتنع بالكتب ولا المكتبة سلاحًا لدعوته؛ وذلك لأنه كان يتطلع إلى العنف ويشتهيه!
– يرى أن التوحيد بالنسبة للشيخ ليس تجربة روحية مع المطلق، بل احتراب مع المخالف والصراع معه وغزوه وقتله، ويحاول أن يفسر النصوص التي ذكرها الشيخ بأنها شهوة للعنف!
يقول الكاتب: «ذهنية محمد بن عبد الوهاب وأفق قراءته للإسلام والسنة النبوية مشحونان بالكفر والقتل، إذ إنه يقدم التكفير على كل شيء آخر، فيعمد إلى أخذ أرواح الآخرين واستحلال دمائهم بدلًا من حفظها»([4]).
– يناقش الكاتب كلام الشيخ عن حديث أسامة في كتابه كشف الشبهات، لكن بعدما فهمه فهمًا خاطئًا -كعادته- ويفسره في إطار الحرص على تفريغ «لا إله إلا الله» من مضمونها ومعناها.
– يجعل من حديث الشيخ عن انتشار الأفعال الشركية في نجد قبل دعوته تكفيرًا منه لكل المسلمين قبل ظهور دعوته، وأن هذا الزعم من ولَعِه بمحاولة أن يقارن بين دعوته ودعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- في ظروفها وأحوالها.
– تحت عنوان شرك العلماء يدلل الكاتب بالخلاف الذي كان من سليمان بن سحيم مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب على نفس ما ردده في الصفحات السابقة.
– يورد الكاتب نصًا للشيخ في إحدى رسائله لسليمان ابن سحيم ليدلل به على أن هذا العنف الخطابي نموذج مصغر للعنف المادي الذي مارسه على الجزيرة العربية.
الفصل الثالث:
يقع هذا الفصل في إحدى وخمسين صفحة يحاول الكاتب من خلاله أن يتحدث عن أمور ثلاثة، وهي: الغربة والهجرة والجهاد، حيث إنه يراها وسائل استخدمها الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتبرير تفرده في فهم التوحيد وقتاله للمخالفين له، وفيما يلي أهم الأفكار التي وردت في هذا الفصل:
– يرى الكاتب أن الشيخ قد استدعى معنى غربة الإسلام مع أتباعه؛ ليخفف عنهم وحشة الهجرة وشقاء الدعوة، ومعنى هذا عند الكاتب أن الغرباء صارت صفة مدح وليست ذمًا كما يفهم الكاتب ويزعم، وأن النجباء هم الغرباء!
يقول: «لقد اهتم محمد بن عبد الوهاب بإنشاء خطاب حول الغربة؛ لإضفاء المشروعية على دعوته»([5]).
– يرى الكاتب أن الطاغوت هو ما يتعارض مع مفهوم الشيخ للتوحيد؛ وهو كل ما ألِفه الناس من عبادة الشجر وغيرها، وهذا يؤدي إلى أن تكون الغربة مقرونة دائمًا بمفهوم الوهابية للتوحيد.
– يرى الكاتب أن معنى ذلك هو الانفصال عن العائلة والأهل حتى تكون غريبًا ليتحقق لك التوحيد الصحيح!
– يرى أن التوحيد الوهابي لا يجيز لك أن تستعمل اللغة كما تشاء في التعبير عن الله، فليس لك إلا أن تستعمل الكلمات التي أعطاك إياها فقط!
– ينقل الكاتب مقتطفات من رحلة الشيخ إلى الدرعية؛ ليدلل بها على أن الدعوة الوهابية تريد أن توحي أنها مرَّت بالمراحل التي مرت بها «الدعوة المحمدية» -على حد تعبيره-.
– يدعي الكاتب أن الشيخ بدأ الجهاد بأتباعه ضد المخالفين له، لينتقل إلى الحديث عن الدرعية، وعلَّق على وصف المؤرخين بأنها صارت مدينة علم؛ بأن العلم الذي كان موجودًا في ذلك الحين لا يتجاوز علم الفقه، وعلم العقائد على الطريقة الوهابية، وأن الكتب العلمية التي صدرت في ذلك الحين هي كتب التكفير والقتل.
– يفسر عبارة ابن بشر في وصف الدرعية بأنه قد أصبح فيها حركة سكانية قوية ما بين متهيء للغزو إلى طلاب علم؛ بأنها تدل على أن العلم الذي يقدمه الشيخ هو علم يكفر ويشرعن تكفير الآخرين!
– يفسر أداء الزكاة بأنها صارت غنيمة حرب سنوية؛ لأن الناس ألزموا بها!
– يهتم في هذا الفصل بعبارات المؤرخين في وصف الدرعية والمعارك التي خاضها الشيخ؛ لكي يدلل بذلك كله على غرضه الذي أنشأ الكتاب من أجله؛ وهو المعنى الذي يدندن حوله في كل فقرات الكتاب؛ بأن الدعوة الوهابية دعوة تكفيرية تكفر كل من يخالفها وتقتله بلا رحمة ولا هوادة.
= الفصل الرابع:
عنوان هذا الفصل هو نواقض الإسلام: الاستثناء المستحيل، وهو يحاول في هذا الفصل -الذي بلغ خمسة وخمسين صفحة- أن يتناول حديث الشيخ عن نواقض الإسلام كي يفسرها في نفس السياق الذي يدعيه، من أن الشيخ يفسر الإسلام على نحو خاص به يجعل الإيمان مستحيلًا إلا إذا انضم الشخص إلى دعوته وصار من أتباعه.
بدأ الفصل بذكر النواقض العشرة من خلال شرح الشيخ الفوزان، ثم ينطلق ليصف هذه النواقض العشرة بأنها شكَّلت مع كتاب التوحيد تشكيلة خطابية للحفاظ على التوحيد الوهابي، واحتكار مُسمى أهل السنة والجماعة؛ ليصبح كتاب التوحيد بمثابة عقد سياسي يُمثل الفرقة الناجية وهو المواطن الصالح في دولة التوحيد، وعليه فإن هذه النواقض العشرة أصبحت نواقض للدولة، وليست مجرد نواقض للإيمان والتوحيد الوهابي.
– يستعمل الكاتب بعض عبارات المؤرخين في وصف ما حدث أثناء بعض المعارك كي يوحي أن ذلك صفة عامة في الجيش الوهابي، وأنه يخالف تعاليم الإسلام في هذا الأمر.
– يحاول أن يجعل الكاتب حديث الشيخ الفوزان عما يكون من الموالاة وما لا يكون ما هو إلا خضوع لمصالح الدولة وشرعنة أفعالها وفق إرادتها! ويرى أن فتوى جواز الاستعانة بالكفار متى احتيج إليهم دون جواز التقارب معهم ما هو إلا استخدام براغماتي متناقض لنواقض الإسلام!
– يذكر موقف الدعوة الوهابية الرافض لدعوات تقارب وحوار الأديان؛ ليدلل به على أن الدعوة تكفر كل من خالفها!
– يحاول الكاتب بزعمه أن يقدم تفسيرًا للإسلام عند الشيخ -الذي هو: الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له والطاعة والبراءة من الشرك وأهله – فيزعم أن الواقع العملي لهذا التفسير هو الاستسلام لمحمد بن عبدالوهاب، وطاعة الجهاز التنظيمي الذي أنشأه في الدرعية، وبراءة من الذين لم يدخلوا دين الوهابية.
– يحاول الكاتب أن يثبت أن خطاب نواقض الإسلام ما هو إلا خطاب سياسي أكثر منه خطابًا دينيًا أو عقائديًا.
– يتناول الكاتب مسألة شروط لا إله إلا الله، ومسألة الاستثناء في الإيمان والإسلام، وكون الأعمال داخلة في مسمى الإيمان؛ ليحاول أن يفسرها في إطار الاستغلال السياسي، فهذه الشروط لأجل إخراج المخالف للدعوة ممن يشهد الشهادتين عن الإسلام، فهو يمثل الحجة التي تستخدمها الدعوة لقتال المسلمين، وهو بمثابة قانون الإرهاب الذي يطبق ضد المعارضين السياسيين!
ويختم هذا الفصل بمخطط زمني في صفحتين لأهم الأحداث التي يراها مؤثرة في الدعوة الوهابية والدولة السعودية الأولى.
هذه هي أهم الأفكار التي دندن الكاتب حولها في كتابه وحاول إثباتها بمختلف الاستدلالات، وهي تدل على الخلفية الذهنية التي سيطرت على عقل هذا الرجل وهو يكتب هذا الكتاب.
وقفات إجمالية مع مباحث الكتاب:
لا يمكن تناول الأخطاء الموجودة بالكتاب في نقد مختصر كهذا، فالكتاب على الرغم من صغر حجمه مشحون بكم هائل من الافتراء والتضليل ربما في كل فقرة من فقرات الكتاب، وفي كل فكرة من الأفكار التي تناولها الكتاب، وماذا يمكنك أن تفعل مع كاتب يفسر كل الأحداث من خلال النية والقصد اللذين لا يوجد عليها أي دليل عليهما سوى خيال المؤلف المريض! فهذه الكلمة شهوة للعنف! والأخرى تبرير للقتل! وهنا مقصد خفي! وهناك شهوة مستترة! وهكذا توزيع للاتهامات الخيالية! بل إنه متى أعياه خياله المريض عن أن يأتي بحجة لزعمه ادعى أن الواقع العملي يؤيد ما يدعيه! فبأي منطق تستطيع أن تتعامل مع هذا الأسلوب؟! ولذا فإن تتبع هذه الأفكار بالدراسة يحول هذه الورقة إلى مجلد ضخم، وكثير من الافتراءات التي ذكرها يغني ذكرها عن إبطالها، لذا فلعل من الأفضل أن ينصب الاهتمام الأكبر على الأمور التي كان لها أثر في أفكار الكتاب، وفيما يلي أهم هذه الملاحظات.
أولا: الأخطاء المنهجية:
اشتمل الكتاب على مجموعة كبيرة من الأخطاء المنهجية تمثلت فيما يلي:
= عدم الالتزام بالموضوعية كما يدعي.
– من المعلوم أن اعتماد الروايات التاريخية فقط لمحاكمة أفكار طائفة ما، دون النظر في إنتاجها الفكري، أمر يُشكِّل سذاجة منهجية كبيرة، وهو ما حصل من مؤلف هذا الكتاب، فهو يحاكم الفكر الوهابي كله من خلال كتاب سيرة ابن غنام وهو كتاب سيرة يحكي وقائع تاريخية، فيجتزئها من سياقها، ثم يطلق لخياله العنان في تفسيرها كيفما يحلو له، ثم يدعي أن هذا هو الواقع! على الرغم من وجود تراث مؤسس الفكر نفسه، فلو كان هناك إنصاف وموضوعيه لحاول أن يبين هذا الفكر أولا في نظر معتنقيه من خلال كتبهم المعتمدة ليبين هل كانت فكرة التكفير موجودة عندهم في التنظير أم لا.
فكيف وكتب شيخ الإسلام موجودة متوفره ومئات الشروح لهذا الكتاب موجودة لكل من أراد الاطلاع عليها؟!
هل يمكن أن يكون اتهام هذا الفكر بالكامل بهذه التهمة (التكفير) و (التوحش) دون النظر في كتب المؤسسين أو أتباعهم اتهامًا موضوعيًا؟!
– من بديهيات البحث العلمي في مناقشة الأفكار البدء بتعريف الفكرة محل المناقشة، وبيان معناها عند الطائفة المنتقدة، وبيان الدليل على هذا المعنى، والنقل من كتبهم على ما يؤكد هذا الأمر، وبالنظر في الكتاب نجد أن المؤلف لم يفعل شيئا من ذلك البتة، فهو حتى لم يعرف لنا ما هو مراده بالتكفير، ولا هو معناه عند الشيخ، ولا بين شيئًا من ذلك، بل إن الواضح من الكتاب أن تعريف التكفير عند المؤلف هو الإنكار على المخالف! فمحاولة إيهام القارئ بالفكرة الرئيسية بكثرة الدندنة حولها دون مناقشتها علميًا أمرٌ في غاية السوء، فليس من الأسلوب العلمي في شيء أن تدعي أن فلانًا يُكِّفر كل من يخالفه، ثم تأتي ببعض الأحداث التي لا دلالة فيها على التكفير، ثم تقرر في كل صفحة أن هذا نتيجة التكفير الذي يمارسه، فأين الدليل العلمي على أنه يكفر كل من خالفه، أين هذه النصوص المكفرة؟! ماذا قال شراح هذه النصوص من الأتباع؟ ما هو الدليل على ما يقولون؟ لا يهتم الكاتب بأي من ذلك، وليس له أدنى ذكر في كتابه، فرغم كل هذا الهجوم على كتاب التوحيد لم يتناول الكاتب هذا الكتاب بالنقاش العلمي، أو يبين لنا أين فكر التكفير في الكتاب، والمرات القليلة التي تناول فيها نصوص الكتاب؛ لم تكن تدل على ما ذهب إليه، بل إنه قد ذكرها في معرض تفسير التوحيد عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
– ذكر الكاتب في مقدمة كتابه أن النصوص المتوحشة هي النصوص التي توفر فيها شروط ثلاثة هي: أن يكون النص آمرًا بالقتل المادي. أن يكون حكمًا منتجًا من فقيه. أن يكون ضمن فضاء سلطة سياسية تمثل قوة قائمة بالفعل.
وهو يرى أن نصوص الشيخ محمد بن عبد الوهاب هي خير مثال لما يدعيه، والكتاب موجه لإثبات ذلك.
فهل التزم الكاتب ما اشترطه على نفسه في ذلك؟
الجواب لا، فلم يأت الكاتب بنص واحد متوافق مع هذه الشروط الثلاثة التي ذكرها، بل إنه لم يهتم بأن يبحث في النصوص التي أوردها هل هي متوافقة مع هذه الشروط أم لا!
– الكتاب ذو صياغة غير واضحة، وبه ألفاظ مبهمة كثيرة، والكاتب مولع بالمصطلحات الغربية والدراسات الأجنبية، ويحتاج القارئ إلى بذل جهد كبير ليستطيع الربط بين فقرات الكتاب!
– الكتاب مليء بالدعاوى التي لا دليل عليها وهو أمر يدل على عدم موضوعية الكتاب، وهذه الجزئية سنتناولها بالتفصيل لأهميتها.
= مقدمات النتائج لا علاقة لها بها!
الكاتب يربط بين مقدمات ونتائج لا علاقة لهما ببعض، وهو يوهم بذلك أنه قد أتى بالدليل القاطع على ما يدعيه، وسوف أورد هنا بعض الأمثلة من كتابه:
= يرى أن استعمال الشيخ للفظة العبيد بدلًا من العباد في قوله: «كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد» دلالة على ترسيخ لفكرة ولي الأمر الذي هو الحاكم! ([6])، هذا على الرغم من إقراره بأن العبيد بمعنى العباد وأنهما في اللغة سواء، والسؤال: ما هي العلاقة بين استعمال هذا اللفظ وبين دلالته على أنه ترسيخ لفكرة الحاكم أو ولي الأمر؟! لا شيء!
بل إنه قوله هنا غير مفهوم: فما مراده بفكرة ولي الأمر؟ هل معناها أن الكاتب ينكر وجود حاكم بالأساس؟ أم ينكر وجود حاكم بمعناه الشرعي الذي هو ولي الأمر؟ لا تستطيع أن تتبين هذا ولا ذاك.
والحقيقة التي يعرفها كل من له أدنى علاقة بالكتب التي تكتب باللغة العربية هو أن الشيخ راعى السجع أو أنه استعمل اللفظ القرآني، ولا غرابة في شيء من ذلك.
= الكاتب يرى أن كتاب ابن غنام قد تعددت نسخه المخطوطة وهذا دليل على الوحشية التي رافقت تأسيس الدولة السعودية ولذا فإن المحققين يحاولون إخفاء الحقيقة([7])!
دعنا نفترض أيها القارئ الكريم أننا نريد أن نقرر أن المحققين يحاولون إخفاء الحقيقة، فكيف يكون إثبات هذا الأمر؟
الجواب: من خلال تتبع الفروق بين النسخ المحققة وتوضيح نماذج للمحذوف من النسخة المتأخرة عن النسخة المتقدمة. هذا أولاً
ثم – ثانيًا – ثم بيان أن المحذوف هو فقط معنى يحاول المحقق إخفاؤه من خلال نزع ما يدل عليه من سياق الكتاب.
لكن المؤلف لم يفعل ذلك ولا ما يشبهه أو يقاربه! بل فقط استدل بتعدد نسخ الكتاب – المخطوط بطبيعة الحال – على هذا الفرض.
والمعروف عند كل من له تعامل مع الكتب – العربية أو غيرها – أن تعدد نسخ الكتاب الواحدة – خاصة المخطوطة – دليل على أهمية الكتاب، وليس دليلاً على شيء سوى ذلك.
إذن: لا توجد أية علاقة بين المقدمة التي انطلق منها المؤلف وبين النتيجة التي خرج بها.
= المؤلف يقرر أن الدولة السعودية تكفر كل من لا يؤمن بالدعوة ([8])، هذه النتيجة حصل عليها من أين؟
يجيبنا المؤلف بأن الدليل الدامغ على ذلك هو تدريس كتاب التوحيد وهذا الكتاب يمثل حدًا فاصلاً بين من هم داخل الهوية ومن هم خارجها!
سنفرض جدلاً أن كتاب التوحيد كما وصف – وهو غير صحيح وسوف نبين ذلك – فهل تدريسه يدل على تكفير الدولة لكل من لا يؤمن بالدعوة؟! لا توجد أية علاقة بين المقدمة والنتيجة!
= يرى أن تدريس كتاب التوحيد واعتناء الدولة به هو فرض له بالقوة! وهو ما يستهجنه المؤلف([9])!
حسنا وماذا لو درست الدولة غيره؟! ألن يكون فرضًا لهذا الغير بالقوة أيضا ما دام الكاتب يرى أن مجرد التدريس فرض للكتاب بالقوة؟! ثم ماذا عن الكتب التي تدرس في كل مكان في العالم أهو فرض لها بالقوة؟! وما الحل كي لا نفرض كتابًا بالقوة؟! ألا ندرس شيئًا؟! إذ إن أي كتاب سيدرس هو فرض للكتاب بالقوة!
والله إنه لا ينقضي العجب من مثل هذا!
= الكاتب يرى أن القول بأن الإقرار ببعض معاني الربوبية دليلًا دامغا على أن الشيخ يتلاعب بمفهوم لا إله إلا الله([10])..
ربما يكون مفهومًا أن يخالف الكاتب الشيخ في تفسيره لكلمة التوحيد، أما كون مذهب الشيخ في نظره تلاعبًا فهذا لا يصح إثباته بمجرد رأي يخالفه الكاتب، فإثبات التلاعب إنما يكون من خلال إثبات أن هذا التفسير عند من تنقده قد تغير وتبدل بحسب الاحتياج، فهذا هو معنى التلاعب، فلا علاقة إذن بين أن أخالفك في معنى وبين كون هذه المخالفة تقتضي أنك تتلاعب بالمفهوم محل الخلاف.
هذا الأمر على بديهيته مما افتقده الكاتب.
هذه أمثلة خمسة تدل على ما وراءها ولو لم يكن بالكتاب غيرها لكفت في إسقاط الكتاب ومؤلفه، إذ إن هذه القضايا هي مجرد قضايا عقلية بحتة لا علاقة لها بمخالفتنا للمؤلف أو موافقتنا له.
= الاتهامات المرسلة
تكاد تكون الاتهامات التي ذكرها المؤلف بدون أي دليل سمة عامة للكتاب، فالكتاب عبارة عن سيل من الاتهامات لا ينتهي، وحتى لا نتهم بالتقول على المؤلف نذكر بعض الأمثلة على ذلك.
= يقول المؤلف «الإقامة في الدرعية في ذلك الوقت كانت تعني الانتقال من ديار الكفر إلى ديار الإسلام، وكانت تسمى بأرض الهجرة والهجرة هنا معناها الدخول في الإسلام، لكن ماذا عن الذين لا يستطيعون الهجرة؟ من لا يستطيع الهجرة إلى الدرعية كان عليه ليكون مسلمًا أن يقوم بعملية الإنكار بأن يهدم ضريحًا أو قبة أو قبرًا أو يقتلع شجرة يتخذ الناس حولها معتقدًا» ([11]).
حسنًا: ما الدليل على هذا الاتهام؟! لا شيء!
= يقول المؤلف «ففي سرد ابن غنام فظائع عنف ما زالت تروى كبطولات تنظم فيها القصائد والأغاني، وما زالت تذكر أن الخارجين عن حدود الدولة الوهابية هم مشركون يجوز قتلهم وذبحهم»([12]).
حسنًا: أين الدليل على هذا الاتهام؟ هل أورد شيئًا من هذه النصوص؟ الجواب لا!
= يقول: «لم يقتنع محمد بن عبد الوهاب بالكتب ولا المكتبة سلاحًا لدعوته وراح يتطلع إلى قوة تمكنه من تثبيت معناه لـ«لا إله إلا الله» وحين وجدها جاء إلى المجمعة غازيًا بجيش عبد العزيز بن محمد بن سعود» ([13]).
وكما هي عادة المؤلف: لا دليل على هذا.
= يقول: «ذهنية محمد ابن عبد الوهاب وأفق قراءته للإسلام والسنة مشحونان بالكفر والقتل، إذ يقدم التكفير على كل شيء آخر، فيعمد إلى أخذ أرواح الآخرين واستحلال دمائهم بدلا من حفظها» ([14]).
وهكذا تكررت الاتهامات للشيخ من حب الزعامة، الشهوة إلى الدماء، التبرير للقتل، في مواضع كثيرة من الكتاب.
بل إن الكتاب كله من أوله إلى آخره موجهٌ لإيصال فكرة واحدة للقارئ، هي: أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب استغل التوحيد من أجل فكر سياسي، وفي سبيل ذلك يوظف المعاني الشرعية من أجل خدمة رغباته السياسية، هكذا يفترض الكاتب وهكذا يقرر، ثم يظن أنه قد أتى بالدليل على ما يقول، وهو لم يذكر دليلًا واحدًا على ما يفترضه! بل إن مجرَّد افتراضه هو في حدِّ ذاته هو الدليل الذي يراه.. كم من المغالطات المنطقية تجدها داخل الكتاب بشكل مثير للدهشة بل وللشفقة في آن واحد!
ثانيا: الأخطاء العلمية:
لا يمكن أن نتناول كل الأفكار العلمية التي وردت بالكتاب بالمناقشة والتحليل هنا، فقط نسلط الضوء على خطورتها وندلل عليها ببعض النماذج، ونوضح الفكرة الرئيسية التي يدنن حولها الكتاب، مع الإشارة إلى أن خيال المؤلف العريض وقناعاته المسبقة تُشكِّل حائلًا كبيرًا بينه وبين أي فهم صحيح للنصوص التي ينقلها، ومحاولته في أن يكون موضوعيًا -فينقل بعض النصوص دون تحريفٍ- كَشَفَ مدى الخلل في محاولاته لتفسير تلك النصوص..
وفيما يلي بعض من ذلك:
` عرف المؤلف بكتاب التوحيد بأنه كتاب بسيط للغاية يتكون من أبواب قصيرة في مطلع كل منها آيات ثم آحاديث ثم ما ترشد إليه الآيات والأحاديث ويندر أن تجد تعليقات على هذه النصوص ([15]).
هذا الكتاب بهذا الوصف الذي قاله المؤلف قال عنه: «عند مقارنته بأمهات كتب علم الكلام في تراثنا في حديثها عن التوحيد وخوض جدالات فلسفية ولاهوتية عميقة لا يفهمها إلا النخبة، سنجد لا قيمة لهذا الكتاب في محضر كتب مثل الإشارة في علم الكلام للرازي ومقالات الإسلاميين واختلاف المصلين والإبانة عن أصول الديانة للأشعري..» ([16]).
ربما نلتمس بعض العذر للمؤلف لو أنه يجهل حقيقة الكتاب، لكنه يعلم جيدًا أن الكتاب ما هو إلا آيات وأحاديث وما يستفاد منها بعبارة موجزة، فكيف يصف الكتاب بعد ذلك بأنه لا قيمة له في مقابلة الكتب الفلسفية؟! ناهيك عن الأوصاف الأخرى التي يصف بها الكتاب أو بعض العبارات الواردة به، وما في تعليقاته من دلالة على عدم فهم المراد أحيانًا وأحيانا أخرى على لّي عنق النص ليخرج منه بالنتيجة التي أعدها سلفًا، وهو أمر واضح لمن يطالع الكتاب.
والحقيقة أن استقصاء هذا يطول، لكننا نتناول أخطر هذه المواضع التي أوردها بالتعليق نظرًا لأن كثيرا ممن يشنعون على دعوة الشيخ يتناولون هذا النص، وبيان هذا في الفقرة التالية.
` قال المؤلف «في كتاب التوحيد يضع ابن عبد الوهاب تفسيره المكتمل تقريبًا لمعنى لا إله إلا الله في هذا النص الجامع المانع لكل المعاني:
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه» وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصمًا للدم والمال بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك «الكفر بما يعبد من دون الله» فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ودمه».
ثم يعلق بانتشاء من أكمل شهوة العنف وختم على ضحيته فيقول: فيا لها من مسألة ما أجلها وياله من بيان ما أوضحه وحجة ما أقطعها للمنازع»
يقول محمد ابن عبد الوهاب إنه لا يكفي أن تقول لا إله إلا الله لتكون مسلمًا، إذ لابد لك أيضا من معرفة معناها غير أن ذلك غير كاف أيضًا لتعصم دمك ومالك، والإقرار بها غير كاف، وكذلك أيضًا كونك لا تدعو إلا الله ولا تدعو معه أي أحد آخر، سيبقى دمك ومالك مباحين إلى أن تكفر بما يعبد من دون الله أي أن تنكر على الذين لا يوافقون محمد بن عبد الوهاب مفهومه لـ«لا إله إلا الله» بشرط أن تفعل ذلك بيدك وليس فقط بلسانك وقلبك، عليك أن تهدم قبورهم وأضرحتهم ومساجدهم وقببهم وباختصار: حين تدخل الحرب معنا ضدهم، عليك أن تهاجر إلى الدرعية وتتلقى دروسنا وتنضم إلى جيشنا عندها فقط يعصم مالك ودمك»([17]).
هذا هو نص المؤلف كاملًا كما أورده بكتابه، وهو يبين لك أن تفسير الكاتب للنص يتم في إطار الخلفية الذهنية التي يتهم بها الشيخ، وحتى لا نطيل نوضح الأمر في النقاط التالية:
= ما أورده الكاتب من نص الشيخ محمد نص صحيح في كتاب التوحيد وهو تعليق على الحديث.
= تفسير الشيخ للحديث واضح فهو يقول لا بد مع نطق الشهادتين من الكفر بما يعبد من دون الله.
= هذا الكلام صحيح، فلابد من الكفر بما يعبد من دون الله وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فمن كان كافرًا وقالها، فقد دخل في الإسلام ودل ذلك على كفره بما يعبد من دون الله، إلا إذا كان ممن يقولها حال كفره، ومن كان مرتدًا، فلا بد أن يصرح بكفره بهذا الذي عبده من دون الله، أو بكفره بالذي ارتد من أجله لأن نطقه للشهادتين في هذه الحالة ليس دليلاً على تركه الأمر الذي قد كفر به.
والدليل على ذلك ما يلي:
– أن هذا هو قول العلماء جميعًا في أبواب الردة، فمن ارتد بسبب اعتقاد لزمه أن يكفر بهذا الاعتقاد حتى يصير مؤمنًا ([18]).
ومثال ذلك: من ينطق الشهادتين لكنه يرى أنه يجوز عبادة البقر، فهذا يكفر، ولا يكفي لعودته لدين الإسلام أن ينطق الشهادتين فقط، مع استمرار عبادة البقر، بل لابد من الكفر بعبادة البقر حتى يتم له الرجوع إلى الإسلام..
الدليل الثاني: أن الشيخ يقول ما أقطعها للمنازع، فهو يتكلم عمن ينازعه، وهم عباد القبور، مع إقرارهم بشهادة التوحيد، وهو نفسه أيضا يقول: «وأما القول بأننا نكفر الناس عمومًا، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نكفر من لم يكفر ولم يقاتل ومثل هذا، وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله، وإذا كنا لا نكفر من عبد القبور من العوام لأجل جهلهم وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا»([19]).
وهذا النص من الشيخ يفيد أمرين:
– الأول: رده على افتراء الكاتب المذكور سابقا وقد اتهم به الشيخ من قبل.
– الثاني: أنه لابد من ضم كلام الشخص الواحد إلى بعضه ليتضح المراد.
إذن فمراد الشيخ أن من نطق الشهادتين فقد دخل في الإسلام وهذا مستلزم للكفر بما يعبد من دون الله، فمن كان مشركًا فنطق الشهادتين فقد أتى بما يعصم ماله ودمه إلا أن يكون ممن يقولها حال كفره، أو كان مرتدًا ففي هذه الحالة لا يكون مجرد إقراره بالشهادة دليلاً على الكفر بما يعبد من دون الله وحينئذ فيلزمه التصريح بذلك.
= لا يفوت الكاتب التهكم المفعم بالاتهام وهو يفسر كلام الشيخ وهذا أمر لم يتنازل عنه في كل ما ذكره.
= ليس في كلام الشيخ ما يدل على هذا التفسير الذي ذكره هذا الكاتب فأين في كلام الشيخ أنه لابد من الهجرة إليه والقتال معه.
= هذا هو الموضع الذي ذكره الكاتب ربما يكون له بعض العذر في فهمه على وجه خاطئ، لكنه لو أراد الإنصاف والموضوعية: لضم كلام الشيخ إلى بعضه، ولبحث عن تفسير الشيخ وتلاميذه لهذا النص.
وهذا يجرنا إلى الحديث عن معنى التوحيد عند المؤلف، وهو ما نتناوله في الفقرة التالية.
` مفهوم المؤلف عن التوحيد مفهوم عجيب، وهذا المفهوم له أثر في كامل الكتاب، يقول المؤلف: «فما دام الإنسان يعتقد أن الله خالق الكون فلا يمكن لنا اعتباره مشركًا لأي سبب! سواء تعلق ذلك بالذبح لغير الله أو الاستغاثة بالأموات وهذا ما ضيق باب التكفير ووسع باب الاختلاف مع محمد بن عبد الوهاب» ([20]).
هذا النص من المؤلف يوضح لك مفهومه عن التوحيد، فكون الإنسان يعتقد أن الله خالق الكون أمرًا يصير به مسلمًا وهذا من أعجب العجب، فاليهود والنصارى في اعتقاده مؤمنين، وكل الأفعال المكفرة لا يعتبرها ما دام ذلك الرجل يعتقد أن الله خالق الكون، وهذا ما يفسر لك لماذا ينعى على الشيخ أنه يرى أن القول بالحلول شرك أكبر، فيقول:
«يعتبر محمد ابن عبد الوهاب تجلي الألوهية في الخلق شركًا، سيرى الخلق وكأنهم صاروا آلهة بدلاً من أن يرى أنهم صاروا أدلة على الخالق بما تفتح فيهم من أسرار الألوهية»([21]).
ولذلك فقد نعى على الشيخ موقفه من مذهب الصوفية عمومًا وابن عربي تحديدًا في اعتقاده بالحلول وهو أن الله يحل في مخلوقاته.
واعتبر أن تفسير الشيخ للتوحيد بتوحيد العبادة أمر يخص الدعوة الوهابية فقط.
ولك أن تتخيل ماذا يكون موقف الكاتب من الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو غيره من علماء المسلمين وهو بهذا الاعتقاد الذي أخبر سبحانه أن مشركي قريش كانوا يقولونه: قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت: 61]. وهذا هو السبب فيما ذكره في الفصل الرابع الذي خصصه للكلام على نواقض الإسلام وكيف أنها تدل في اعتقاده على أن دعوة الشيخ دعوة للتكفير.
` المغالطات العلمية الموجودة بالكتاب كثيرة ومن أمثلها:
– اتهام الدعوة الوهابية بأنها تكفر المعتزلة والأشاعرة ([22]).
– زعمه أن الخلاف مع الخوارج لم يكن بسبب الخلاف على معنى لا إله إلا الله([23]).
– زعمه بأن المذهب الحنبلي تحول على يد الشيخ من مذهب فقهي إلى حركة عقائدية متطرفة عنيفة ([24]).
` يحاول الكاتب أن يصبغ التصرفات التي حصلت من الشيخ بأنها تصرفات سياسي حريص على إغراء أتباعه بالمواصلة معه!
فعلى سبيل المثال:
– يفسر جمع الشيخ للزكاة بأها غنيمة حرب سنوية ([25]).
– يفسر الغربة بأنها خطاب تبريري للاختلاف عن الجماعة ومخالفة الإجماع([26]).
– يقول: «اهتم محمد ابن عبد الوهاب بإنشاء خطاب حول الغربة لإضفاء المشروعية على دعوته»([27]).
` الكاتب تناول العديد من القضايا العلمية – خاصة في الفصل الرابع الذي خصصه للحديث عن نواقض الإسلام – وهو يصوغها بأنها تدل على التكفير للمخالف، وذلك دون أدنى مناقشة علمية لهذه القضايا، فمن ذلك أنه ذكر النواقض التي ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليجعل من ذلك دليلًا على أن سيف التكفير والقصاص مرفوع على الجميع باسم نواقض الإسلام ([28])، وأنها تشكيلة خطابية تم بناؤها للحفاظ على التوحيد الوهابي مفهوما عقائديا صلبا لا يقبل التسامح مع أي زعزة في المعنى أو الممارسة ([29]).
ومن الأمثلة أيضا على البعد عن مناقشة المسائل العلمية وتعمد استخدامها في السياق الذي ألف الكتاب لأجله ما ذكره الكاتب وهو يصف استعانة الدولة السعودية بالكفار في القتال وذلك في حرب تحرير الكويت بأنها تلون في الموقف من الكفار، فهي تكييف ذرائعي على حد قوله وهو مثال واضح في نظره للتناقض والاستخدام البراجماتي ([30]).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)