مكر المستشرقين في ترجمة الكتاب المبين!!
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
الحمد لله القائل في محكم التنزيل: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون} [التوبة: 33]، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه.
أما بعد.. فقد اتفق العلماء قديمًا على جواز ترجمة معاني القرآن الكريم؛ تحقيقًا لعالمية الإسلامية وشمول رسالته للناس كافة.
وفي هذا يقول الشيخ عبد الله الأنصاري الهروي (ت 434 هـ) -في معرض تفسيره لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُم} [إبراهيم: 4]-: «في الآية دليل على أن القرآن نزل بلغة العرب؛ لأن الرسول كان عربيًّا وكان أهل الخطاب يومئذٍ عربًا، لم يبلغ الخطاب العجم بعد، فوجب إذ بلَّغهم أن يبيَّن لهم بلسانهم المعنى الذي نزل الخطاب عربيًّا بعينه؛ ليبين للعجم كما يبين للعرب»([1]).
وقد حكى الاتفاق على جواز ترجمة معاني القرآن الكريم غير واحد من أهل العلم؛ إذ يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة (ت 728 هـ): «يجوز ترجمة القرآن في غير الصلاة والتعبير؛ كما يجوز تفسيره، باتفاق المسلمين»([2]).
ويعلق الدكتور محمد حسين الذهبي (ت 1398 هـ) على كلام شيخ الإسلام؛ بقوله: «وعلى هذا؛ فإن ترجمة هذا التفسير داخلة تحت هذا الاتفاق؛ لأن عبارة الترجمة التفسيرية محاذية لعبارة التفسير لا لعبارة الأصل القرآني، فإذا كان التفسير مشتملًا على معنى الأصل، وشرحُهُ مما يسهِّل فهم القرآن وتدبُّرَهُ، كانت الترجمة لهذا التفسير، أو المعنى مشتملة -أيضًا- على هذا كله؛ لأنها ترجمة للتفسير لا للقرآن، ولا شك أن كلًّا من التفسير وترجمته بيان جانب أو أكثر من جانب من جوانب القرآن الكريم، ولا يحيط بها إلا من أنزله بلسان عربي مبين -سبحانه وتعالى- وليس في واحد منهما إبدال لفظ مكان لفظ القرآن، ولا إحلال نظم مَحَلَّ نظمه، بل لفظ القرآن ونظمه باقيان على حالهما صورةً ومعنىً مِن غير خَللٍ ولا نقصانٍ»([3]).
وبالرغم من هذا الاتفاق المقرر -سلفًا- فقد شهد القرن الماضي سجالًا علميًّا كبيرًا حول الحكم الشرعي لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية، وتعددت الآراء والاتجاهات بين العلماء والمفكرين، وهي في جملتها لا تخرج عن ثلاثة أقوال: محرِّم لترجمة معاني القرآن الكريم بإطلاق، ومجوِّز له بإطلاق، ومتوسط بينهما بضوابط([4]).
وبعد مداولات ومناقشات وردود وأجوبة استقر عمل الأمة على جواز ترجمة معاني القرآن الكريم بضوابطه، وهو ما ذهب إليه كبار علماء الأزهر، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية؛ وصرَّح بعضهم بأنها تأخذ حكم الوجوب؛ استنادًا لقاعدة: “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”([5]).
كما جاء في بحث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية: «والحكم عندنا في هذه القضية: إن ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية أمرٌ جائز بالأدلة الشرعية، بل إن الدعوة الإسلامية تقتضيه وتوجبه، فهو رأي ليس فيه ابتداع، بل إنه واجب الاتِّباع»([6]).
تراجم معاني القرآن في العالم الغربي:
للقرآن الكريم قوة ذاتية مؤثرة في النفس والوجدان، تبهر العقول وتأسر القلوب، مما كان له بالغ الأثر على نفوس وعقول الأوربيين، فأبهرهم ببلاغته وأسلوبه البديع مما جعلهم يدخلون في الإسلام أفواجًا؛ وقد اعترف فلاسفتهم بهذا الأثر والتأثير للقرآن الكريم؛ حيث يقول الفيلسوف السويسري فريتجوف شيون: “الطابع الخارق لهذا الكتاب [يعني: القرآن الكريم] ليس فقط في محتواه العقدي، وحقيقته النفسانية والنسكية، وسحره الذي يُحوِّلُ ويُبدِّلُ، وإنما يظهر كذلك في فعاليته الخارجية وفي معجزة انتشاره”([7]).
وقد أزعج انتشارُ الإسلام في الغرب السياسيين ورجال دينهم -القساوسة والرهبان- وأضج مضاجعهم، فلجؤوا إلى محاولة صد الناس عن الدخول في الإسلام، واتخذوا ترجمة القرآن الكريم وتحريف معانيه وسيلة لتشويهه من داخله، والطعن فيه وفي رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وانطلقت أول المحاولات لترجمة معاني القرآن الكريم مِن دير كلوني في جنوب فرنسا؛ بوصفها رمزًا للتوبة والتكفير عن الغضب الإلهي الذي تمثَّل في انتشار الإسلام وتوسُّعِه في أوروبا([8]).
ومع اشتدادهم في هذا الأمر، وبذلهم لغاية الوسع والطاقة في سبيل تحقيقه، فإن الله تعالى لا يخلف وعده بإبطال مكرهم وإفساد كيدهم؛ حيث يقول تعالى ذكره: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين} [الأنفال: 30]، ويقول عز وجل: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق: 15 – 17] .
اتجاه الغرب النصراني للاستشراق:
الاستشراق بمعناه العام: هو اتجاه فكري يُعنى بدراسة حضارة الأمم الشرقية بصفة عامة، وحضارة الإسلام والعرب بصفة خاصة، وقد كان مقتصرًا في بداية ظهوره على دراسة الإسلام واللغة العربية، ثم اتسع ليشمل دراسة الشرق كله، بلغاته وتقاليده وآدابه([9]).
وقد تنوعت الآراء حول نشأة الاستشراق، وبداية دراسة الغرب للعلوم المشرقية، ويرى بعض الباحثين أن احتكاك النصارى بالمسلمين في بلاد الأندلس يُعد الانطلاقة الحقيقية للاستشراق([10])، وهو رأي وجيه له حظ كبير من النظر، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الازدياد الكبير في النشاط الاستشراقي في تلك الفترة.
وقد اتجه الغرب إلى الاستشراق ودراساته حول القرآن الكريم؛ واستخدامه كوسيلة لتحقيق مآربه في محاربة الإسلام والطعن فيه وإيقاف تأثيره؛ ومن أقوى الأدلة على هذا ما أعلنه جلادستون -رئيس الوزراء البريطاني-(ت 1898 م) أمام مجلس اللوردات البريطاني، حيث أمسك المصحف بيده، وقال: «ما دام هذا الكتاب على الأرض، فلا سبيل لنا إلى إخضاع المسلمين»؛ لذا قاموا باستثمار ترجمات معاني القرآن الكريم باللغات المختلفة لشنِّ المزيد من الغارات والهجمات الشَّرسةِ على الإسلام، وتشويه القرآن، وإثارة الشُّبهات حوله باسم المناهج العلمية، والأمانة الأخلاقية، والنظريات المذهبية والعقدية([11]).
ولا ينبغي على المسلمين أبدًا أن ينخدعوا بما قد يظهره بعض المستشرقين من تعاطف بالغ مع قضايا الإسلام: كاستشهادهم بنصوص قرآنية مسندين إياها إلى الله تعالى؛ فالأمر لا يعدو أن يكون مظهرًا جماليًّا وحضاريًّا يسعى من ورائه المستشرق إلى التقرب إلى المسلمين، وكسب مودتهم([12]).
وإنعامًا في إظهار سوء طويتهم وتعريفًا للمسلمين بمكرهم وخداعهم؛ فإني أسوق فيما يلي دراسة -تناسب المقام- لأشهر ترجمات المستشرقين لمعاني القرآن الكريم، مع تقويمها علميًّا، مقسمًا إياها إلى مرحلتين رئيسيين؛ تبعًا لتغير أساليبهم ([13]):
أولًا: مرحلة العداء السافر للإسلام:
في هذه المرحلة كان الهدف الرئيس المعلن من ترجمة معاني القرآن الكريم هو الحرب الصريحة ضد الإسلام وتشويهه والطعن فيه، وقد ظهرت في هذه الحقبة عدة ترجمات لمعاني القرآن الكريم باللغات اللاتينية والفرنسية والإنجليزية:
أولى الترجمات اللاتينية: ترجمة روبرت (1143 م):
تعتبر تلك الترجمة هي أولى ترجمات معاني القرآن الكريم في أوروبا، وقد ظهرت في منتصف القرن الثاني عشر الميلادي، وبالتحديد في عام (1143 م)، وكان ظهورها بعد الحملة الصليبية الثانية بأربع سنوات، وكانت بطلب من القديس بطرس الملقب بالموقر (ت 1175 م)، وهو أسقف دير كلوني الموجود في جنوب فرنسا.
وقد اختار لهذه المهمة ثلاثة من المترجمين: الأول إنجليزي ويدعى: (روبرت كيتيننسيس = Robert Ketenensis)، والثاني ألماني من دلماتيا ويسمى: (هرمان Herman of Dalmatia)، والثالث إسباني، وقد أنجزت هذه الترجمة بالاستعانة باثنين من العرب.
وضعت هذه الترجمة تحت تصرف رجال الكنيسة؛ ليستعملوها في استكمال دراساتهم اللاهوتية، أو القيام بأعمال التنصير، غير أن الدوائر الكنسية منعت من طبع هذه الترجمة وإخراجها إلى الوجود؛ خشية أن يساعد خروجها على انتشار الإسلام، بدلًا من أن يخدم الهدف الذي سعت إليه الكنيسة أصلًا، وهو مناهضة الإسلام.
ولذلك ظلت هذه الترجمة مخطوطة تُتداول في الأديرة قرابة الأربعة قرون، إلى أن قام (توماس ببلياندر = Thomas Bibliander) بطبعها في بال سنة (1543م).
تقويم الترجمة من الناحية العلمية:
- وصفت هذه الترجمة بأنها لا تستحق اسم ترجمة أصلًا؛ لكثرة ما فيها من أخطاء وحذف وإضافة، بل وتصرف في النص القرآني بحرية كبيرة مما يجعل من الصعب تمييز النص الأصلي.
- لا تشتمل هذه الترجمة على أي تشابه مع الأصل، ومع ذلك ظلت أصلًا يُعتمَدُ عليه لمدة طويلة، كما شَكَّلت النواةَ الأولى لسائر الترجمات الأوروبية فيما بعد.
- تتابعت الترجمات الاستشراقية مستنِدَةً إلى ترجمة (روبرت)، فصدرت أقدم ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الإيطالية سنة (954هـ -1547م)، ثم صدرت عن الترجمة الإيطالية ترجمةٌ ألمانية سنة (1025هـ-1616م)، على يد (سالومون شفايجر)، وعن الألمانية صدرت ترجمة إلى اللغة الهولندية سنة (1051هـ-1641م) ولا يعرف اسم مترجمها، وهكذا توالت الترجمات المعتمدة على ترجمة روبرت.
أولى الترجمات الفرنسية: ترجمة دي ريار (1647م):
في منتصف القرن السابع عشر الميلادي -عام (1647 م)- ظهرت أولى الترجمات الفرنسية لمعاني القرآن الكريم، والذي قام بها المستشرق الفرنسي أندريه دي ريار، والذي كان يعمل قنصلًا لملك فرنسا في مصر.
تقويم الترجمة من الناحية العلمية:
- ادَّعى صاحب الترجمة أنه نقلها من النصِّ العربيِّ، ولكن أظهر النقادُ عدم صحة هذه الدعوى، وأثبتوا خلافها وأن المترجم لم يكن له معرفة باللغة العربية أصلًا، ويظهر -جليًّا- للدارس لهذه الترجمة أنها نسخة فرنسية من الترجمة اللاتينية لـترجمة (روبرت)([14]).
- تركت هذه الترجمة أثرًا سيئًا؛ إذ كان هدف المترجم تشويهَ الإسلام وعقائده، وصرف الناس عن الدخول فيه، وكانت كلماته تنمُّ عن الازدراء لهذا الدين والافتراء عليه، ووصف القرآن بأنه من عند محمد صلى الله عليه وسلم.
- رغم العيوب والأخطاء الكثيرة لهذه الترجمة إلا أنها تُرجمت إلى مختلف اللغات الأوروبية تقريبًا: حيث قام (الكسندر روس) في عام (1649م) بترجمتها إلى اللغة الإنجليزية، وقام (غلازماخر) بترجمتها إلى اللغة الهولندية في عام (1658م)، وقام (يستنكوف، وفريفكين) بترجمتها إلى اللغة الروسية، كما قام (لانج) بترجمتها إلى اللغة الألمانية في عام (1688م).
ترجمة القس (لودفيجو مراتشي) إلى اللاتينية (1698 م):
في أخريات القرن السابع عشر الميلادي -عام (1698 م)- ظهرت ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة اللاتينية، قام بها القسيس لودفيجو مراتشي، وكان كاهنًا عند البابا إنوسنت الحادي عشر، وترقَّى في الدراسات اللاهوتية، ودرس اللاتينية، والعربية، والسُّريانية، واليونانية، والعِبرية، وقد صرح بأنه تفرَّغَ للعمل في هذه الترجمة لمدة أربعين سنة.
تقويم الترجمة من الناحية العلمية:
- تعد هذه الترجمة أكثر مكرًا وهجومًا على الإسلام من الترجمات التي سبقتها، ويرجع السبب في هذا: إلى معرفة صاحبها باللغة العربية معرفةً جيدةً، وتفرغه لها مستعينًا بمكتباتِ الكنائس -جميعًا- في ذلك الوقت، ومشاركته السابقة في ترجمة الإنجيل إلى العربية، ويمكن القول: إن ترجمة (دي ريار) تافهةٌ بالنسبة لترجمة (مراتشي)([15]).
- لـمَّا كان الهدف من عمله دحض القرآن وتشويهه، فقد قام صاحبها بإدخال كلمات تحريفية وتأويلية في متن ترجمته، ووضع الحواشي والتعليقات التي أخذها من الروايات الإسرائيلية، والأحاديث الموضوعة؛ ليخدم هدفه، وحاول بذل جهده في تصوير الإسلام بأنه خليط مفترًى من اليهودية والنصرانية.
- بقدر خطورة ترجمة مراتشي يمكن قياس قيمة ومقدار الترجمات المستقاة منها، ومن أبرزها: ترجمة جورج سيل الآتية.
ترجمة جورج سيل إلى الإنجليزية (1734م):
في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي -عام (1734 م)- ظهرت ترجمة جديدة باللغة الإنجليزية لمعاني القرآن الكريم، وصاحبها هو المستشرق الإنجليزي جورج سيل، والذي كان من الأعضاء الأوائل في جمعية تعزيز المعرفة بالمسيحية، وضمن المدققين في الجزء الثاني من العهد الجديد باللغة العربية، الصادر عن جمعية تعزيز المعرفة المسيحية في عام (1726م)
تقويم الترجمة:
- ادعى صاحبها أن ترجمته من النص العربي مباشرة، وحقيقة الأمر أنه اعتمد في ترجمته على ترجمة مراتشي اللاتينية.
- تعد ترجمة (جورج سيل) لمعاني القرآن الكريم من أشهر أعماله، ولقلة بضاعته في العربية اتكأ على ترجمة (مراتشي) اللاتينية، وقد راجت رواجًا كبيرًا طوال القرن الثامن عشر، بل ظلت عمدةً للباحثين الغربيين مدة قرنين من الزمن، كما ترجمت إلى الهولندية والألمانية والفرنسية والروسية والسويدية والبلغارية.
- بالرغم مما تتضمنه تلك الترجمة من أخطاء ومغالطات وتحريفات إلا أنها طبعت أكثر من مائة وعشرين (120) طبعة.
- ومن جملة تحريفات جورج سِيل قوله: “إن محمدًا صلى الله عليه وسلمكان في الحقيقة مؤلف القرآن والمخترع الرئيسي له”. اهـ. وهو بهذا يروج – كأسلافه من المستشرقين – لفرية أن القرآن الكريم من تأليف النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: 5].
- يقول نجيب العقيقي- عن هذه الترجمة-: «وقد نجح([16]) في ترجمته، فذكرها (فولتير) في القاموس الفلسفي، وأُعيد طبعها مرارًا، إلاَّ أنَّها اشتملت على شروح وحواش ومقدّمة مسهبة، هي في الحقيقة بمثابة مقالة إضافية عن الدين الإسلامي عامة حشاها بالإفك واللغو والتجريح»([17]).
بعد ذكر اعتماد جورج سيل على ترجمة مراتشي اللاتينية المليئة بالتحريفات والأكاذيب، وذكر نظرته للقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم، فهي ترجمة خائنة -على حدِّ تعبير المتخصصين في الترجمة-.
ونظرًا لأن كثيرًا من المسلمين قد يخدعون بها،؛ لتشدق بعضهم أنها ترجمة صدرت من عالم منصف، وقد ينصحون غير المسلمين بقراءتها، ولكونها واسعةَ الانتشار في الغرب على أنها ترجمة أمينة لمعاني القرآن؛ فلا بدَّ من عرض وجيز لأبرز ما فيها من سلبيات.
سلبيات ترجمة سيل:
- اختار سيل كلمة واحدة فقط عنوانًا لترجمته لمعاني القرآن الكريم، وهي “القرآن”، والتي توهم بأن النسخة المترجمة هو القرآن بالإنجليزية تمامًا كما هو بالعربية.
- استخدم سيل أسلوب خداع القراء حيث دعا -دائمًا- إلى لإنصاف، وأثنى على القرآن الكريم، وترجم معانيه إلى اللغة الإنجليزية، لكنه نفى أن يكون وحيًا من عند الله، بل أكَّد على أنَّه مِن صنع النبي محمَّد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، حيث يقول: «أمَّا أنَّ محمَّدًا كان في الحقيقة مؤلِّف القرآنِ المخترعَ الرئيسيَّ له فأمرٌ لا يقبل الجدلَ، وإنْ كان المرجَّح -مع ذلك- أنَّ المعاونة التي حصل عليها من غيره في خطَّته هذه لم تكُن معاونةً يسيرة، وهذا واضح في أنَّ مواطنيه لم يتركوا الاعتراض عليه بذلك».
- تحريفه المتعمد لمعاني القرآن الكريم، ومن أمثلته: تحريفه لعنصري الخطاب المباشر وغير المباشر، وتحريفه لكثير من الكلمات وتغييرها دون مبرر، وتحريفه للزمان والمكان، وتحريفه لترجمة الأفعال من العربية إلى الإنجليزية، وتحريفه للحركات الإعرابية في القرآن الكريم؛ كما في قوله تعالى: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التوبة: 40]، فالحركة الإعرابية على {كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا} هي الفتحة، أما الحركة على {كَلِمَةُ اللَّهِ} الضمة، فترجمها سيل بهذه الترجمة الخائنة:( And he made the word of those who believed not to be abased، and the word of God was exalted; for God is mighty and wise(
فقام المترجم بترجمة {كلمة الله} على أن «كلمةَ» مفتوح آخرها، في حين أن الترجمة يجب أن تكون هكذا: (And he made the word of those who believed not to be abased، but the word of God is always exalted; for God is mighty and wise(
والمقصود أن كلمة الكفار تصبح السفلى في حين أن كلمة الله كانت وما زالت، وستبقى هي العليا دائمًا.
- إضافته لكلمة (مكة) في مواضع كثيرة ورد فيها الخطاب للناس جميعًا بصيغة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: ٢١]، وهو بهذا يطعن في عالمية الإسلام، وعموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الله تعالى أرسله إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا.
- إيراده لشواهدَ ومقارناتٍ من الإنجيل والتوراة: في محاولة منه للتوفيق، أو لإظهار الفروق، أو لنفي أمرٍ أو تأكيده، أو للمقارنة بين روايتين عن حادثة واحدة والخروج برأي شخصي.
المرحلة الثانية: مرحلة الأهداف غير المعلنة
في منتصف القرن التاسع عشر نشطت الإرساليات التنصيرية، فلم يكن من المناسب مواجهة المسلمين بالأهداف الحقيقية من وراء سعي المستشرقين لترجمة معاني القرآن الكريم، وتظاهر الاستشراق بالإنصاف والموضوعية، ومن أشهر من عرف عنه الاهتمام بالدراسات القرآنية المستشرق الألماني تيودور نولدكه.
وفيما يلي دراسة لأشهر الترجمات في تلك المرحلة:
ترجمة رودويل (1864م) ([18]):
في منتصف القرن التاسع عشر -عام (1864 م)- وبعد ترجمة جورج سيل بقرن من الزمان تقريبًا، ظهرت ترجمة جديدة لمعاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية، قام بها جون ميدوز رودويل، والذي كان يعمل قسيسًا لكنيسة St. Ethelberga في لندن، كما كان يعمل أستاذًا للدراسات الشرقية في جامعة كيمبردج.
تقويم الترجمة من الناحية العلمية:
- طبعت حوالي (18) طبعة منذ عام (1909م) عندما تبنتها دار نشر Everyman، بتحقيق القس (مارجليوث (G. Margoliouth والذي كتب لها مقدمة ([19]).
- ولعل السر في إقبال المستشرقين على ترجمة (رودويل) يرجع إلى بدعة أحدثها في المنهج القرآني المألوف، حيث رتب السور ترتيبًا زمنيًّا حسب نزولها، فبدأ بسورة (العلق) ، واختتم بسورة (المائدة).
- زعم المترجم -زورًا وبهتانًا- أن السور التي بدأ بها -وهي: (سورة الزلزلة، والانفطار، والتكوير، والإنسان، والرحمن، والعاديات)، وغيرها- مشابهة في مضمونها للتوراة والإنجيل؛ لذلك فقد أحال القارئ في (سورة الرحمن) لمقارنتها مع المزمور رقم (136) من التوراة.
- زعمه الباطل – في كثير من الحواشي – أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بتعديل السور والآيات من حين لآخر.
وإلى القارئ الحصيف بعض الأمثلة على ما في تلك الترجمة من تحريفات ([20]):
- في قوله تعالى: {سبع سموات} [البقرة: 29]. يقول المترجم: إن عدد السموات السبع مأخوذ عن التلمود، أو من التراث المأخوذ عن التلمود، ولكن الفكرة الأساسية ربما يوجد لها جذور في تعبير الكتاب المقدس: السموات السبع.
- في تعليقه على قصة آدم وإبليس في (سورة البقرة) يقول: إن أجزاء من القصة أُخذت عن كتب النصارى والتلمود. ويقارن النص القرآني بنص توراتي؛ ليؤكد أن القرآن قد تلقَّاه محمد الأميُّ صلى الله عليه وسلم من الله العليم الحكيم، وتعامى المترجم عن نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الله تعالى يوحي إليه بما شاء، ويعلمه ما شاء؛ يقول تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا}، وأميته صلى الله عليه وسلم من أقوى الأدلة على ذلك.
- يقول عبد الله الخطيب -بعد عرضه لبعض الأمثلة على التحريفات والمغالطات الفاحشة في ترجمة رودويل-: “وهذه الأمثلة تؤكد أنه لا يجوز لغير المسلم ولا غير المتبحر في العربية أن يقوم بترجمة القرآن الكريم، وبان للقارئ المنصف قيمةُ ترجمة (رودويل) للقرآن الكريم، فالتلاعب بترتيب النص القرآني، والمقدمة المملوءة بالأخطاء والافتراءات والجهالات عن الإسلام والنبي، مع الأخطاء الكثيرة في ترجمة النص القرآني، كل هذا يجعل هذه الترجمة من الناحية العلمية ترجمة ضعيفة، وليست ذات قيمة، ومما يوصي به الباحث ضرورة منع هذه الترجمة من التداول”.
ترجمة بالمر(1880م)([21]):
في أخريات القرن التاسع عشر ظهرت ترجمة باللغة الإنجليزية للمستشرق الإنجليزي إدوارد هنري بالمر، وكان يدعو نفسه “عبد الله”، وقد أصدرت ترجمة جامعة أوكسفورد عام (1880م) بتكليف من المستشرق الألماني ميكسو -رئيس قسم الدراسات الشرقية في جامعة اكسفورد آنذاك- وقد انتشرت هذه الترجمة انتشارًا واسعًا، وأعيد طبعها أكثر من مرة من قبل جهات مختلفة، وكان آخر إصداراتها (1952م).
تقويم الترجمة إجمالًا:
بالرغم من (بالمر) قد تحرر كثيرًا من الأفكار الشاذة التي أوردها رودويل في ترجمته، إلا أنه لم يستطع التخلص من التقليد الشديد لجورج سيل الذي سبق تقويم ترجمته.
ترجمة القسيس وهيري (1894م) ([22]):
في عام (1894م) أصدر القسيس (وهيري) ترجمته للقرآن، وقد اعتمد فيها على ترجمة (رودويل)، وتفسير الملا حسن واعظ الكشفي من علماء الشيعة، وعلى تفسير ألَّفه الشاه ولي الله الدهلوي، وزعم المترجم أنه جمع في ترجمته وجهات النظر بين الشيعة وأهل السنة.
تقويم الترجمة من الناحية العلمية:
- ينقل المترجم بعض أقوال الشيعة الباطنية زاعمًا بأن للقرآن ظاهرًا وباطنًا، ويقول الدكتور عبد الله الندوي: “إن المتصفح لهذه الترجمة لا يجد شيئًا يؤيِّد دعواه، أو يدل على أنه استفاد من تفسير الشاه ولي الله الدهلوي إلَّا ما نقله من كتاب موضح القرآن للشاه عبد القادر الدهلوي ابن الشاه ولي الله الدهلوي، ويبدو جليًّا أنه أراد بعمله هذا تشويهَ عقيدة العلماء الباحثين حول القرآن الكريم، والقائلين بأنه منزه من التحريف”.
- كما ينقل المترجم عن بعض الشيعة دعواهم بتحريف القرآن الكريم وأن هناك مصحفًا اسمه (مصحف فاطمة) لا يعرفه إلا الشيعة، وقد تداولته أيدي الخواص من الشيعة، وقد ردد المترجم هذا الافتراء على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا الدين العظيم، وأطنب في الحديث على هذا الموضوع؛ ليكتمل له الطعن في كتاب الله تعالى.
- تعمد المترجم إثارة الشكوك والأوهام في أذهان الباحثين عن الحقيقة، وذلك بعرضه لما اختلف فيه أهل السنة مع الشيعة، كما أنه يطعن صراحة في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.
ترجمة ريتشارد بل (1937م) ([23]):
في عام (1937 م) أصدر المستشرق الإنجليزي ترجمته لمعاني القرآن الكريم، في أثناء عمله مدرسًا للغة العربية في جامعة أدنبرة بأسكتلندا، وقد طبعت في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، ثم أعيد طبعها في عام (1960 م)، وهي تقع في جزأين كبيرين.
تقويم الترجمة من الناحية العلمية:
- أحاط المترجم أقواله بالعلامات الفارقة للآيات زاعمًا -بحسب فهمه السقيم- أنها من سورة أخرى، ومثال ذلك زعمه -العاري عن الدليل- أن الآية: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26]، كانت سورةً مكيةً مستقلة!
- اتبع المترجم طريقة (رودويل)، فقام بقلب ترتيب السور والآيات على أعقابها وصدَّرَ كل سورة بنقدٍ مطوَّل عن تاريخ النزول وأسبابه، كما أدخل ملاحظاته وانتقاداته في ثنايا ترجمة النص.
- في أثناء الترجمة والتفسير يدخل كلماتٍ لا صلة لها بالقرآن الكريم لا من قريب ولا من بعيد؛ فيقول مثلًا: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم أراد أن يقول كذا، فعجز ولم يسعفه التعبير، فترك الجملة ناقصة!
ترجمة آرثر آربري (1964م)([24]):
في عام (1964م) صدرت ترجمة المستشرق آرثر جون آربري، بعنوان “القرآن مفسرًا”، وقد تميزت تلك الترجمة عما سبقها بأسلوبها المعاصر الواضح، وسهولة لفظها، وحرص صاحبها على الالتزام بترجمة كلِّ لفظ ورد في القرآن الكريم من دون نقص، أو زيادة؛ فضلًا عن خلوها من أيِّ نوع من أنواع التهجم، أو محاولة التشويه لجمال القرآن الكريم، أو الطعن في الإسلام، أو التقليل والازدراء من شأن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، كما هو العادة المضطردة في ترجمات أكثر المستشرقين.
أهم مميزات وخصائص تلك الترجمة:
- لم يكتفِ (آربري) بترجمة القرآن الكريم، بل أعطى رأيه فيه، وقارع المستشرقين الآخرين؛ مؤكدًا على تناسق آياته في المعاني والدلالات، كما أشاد بالقدرة الإلهية التي أنزلت الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
- دافع (آربري) بقوة عن فصاحة القرآن، وجماله، وإعجازه، وبلاغته، واعترف «بأن القرآن الكريم وحي من قوة خارقة، وأن الرسول محمد تلقاه وحيًا»، مفنِّدًا بذلك مزاعمَ المستشرقين المغرضين، ومن أجل تقريب صورة القرآن الكريم إلى أذهان الغربيين قام بنشر آيات مختارة من القرآن الكريم تحت عنوان: «القرآن المقدس».
- رَدَّ (آربري) على دعوات بعض الغربيين الذين يروجون إلى عدم ترابط آيات القرآن الكريم، بقوله: «إن الآيات في كل سورة مترابطة في خيوط من الإيقاع المرن، ووحي واحد متوافق داخليًّا إلى أعلى درجات التوافق»، كما أقرَّ بتأثير القرآن النفسي على الإنسان، وأن تأثيره تأثير إيجابي.
- التزم المترجم بالنص الأصل وحاول أن يخرج بترجمة متميزة، ولكنه أقرَّ في آخِرِ سطرين من تقديمه لترجمته أنها: صدى باهت للأصل العظيم ليس إلَّا. (poor echo though it is of the glorious original). وهذا اعتراف يجب أن نسجله لآربري بحروف ناصعة.
- كتب آربري في مقدمة ترجمته لمعاني القرآن الكريم: «أحمد تلك القدرة الإلهية التي أنزلت الوحي على ذلك النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان أول من تلا آيات القرآن الكريم»، كما أوضح «أن القرآن الذي نقرأه اليوم هو نفسه الذي جُمع في عهد الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وأنه لم يحرَّفْ أو يبدَّل»، ويعد هذا -بحد ذاته- ردٌّ مفحم على جمهرة المستشرقين المتعصبين.
سلبيات الترجمة من الناحية العلمية:
يمكن إجمال بعض سلبيات ترجمة آربري فيما يأتي:
1- أن المترجم اختار صيغة النظم الشعري لتصميم الشكل العام لنص ترجمته، واختار تقسيم الآيات في مجموعات وأنماط نسقية لا تعتمد رقم الآية، وزعم أنه ابتدع جانبًا جديدًا في ترجمة القرآن لم يأتِ به مَن سبقه مِن المترجمين في أي لغة من اللغات.
2- فاعتمد المترجم الجانب الإيقاعي الصوتي للآيات، وهذا يُعَدُّ إحدى سقطاته، وتمثل خللًا في فهمه؛ إذ اعتقد -خاطئًا- قدرته على محاكاة الإيقاع الصوتي القرآني.
3- لا تخلو الترجمة من بعض الأخطاء العقدية، ومنها: أنه ترجم معنى «استوى» في الآية الكريمة: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة: 29] بما صار معناه: «ثم رفع نفسه إلى السماء»: Then He lifted Himself to Heaven، والصحيح أن معناها في هذه الآية: قصد وعمد؛ يقول الحافظ ابن كثير (ت 774 هـ): “أي: قصد إلى السماء، والاستواء ها هنا تضمن معنى القصد والإقبال؛ لأنه عدي بإلى”([25]).
الخلاصة: يرى الدكتور هيثم بن عبد العزيز أن ترجمة (آربري) تعد من أفضل الترجمات الاستشراقية التي يمكن الاستفادة منها في مجال الدعوة، كما ينصح بتشكيل لجنة من المتخصصين لمراجعتها، والاستفادة منها بعد التعديل والإصلاح([26]).
السِّمات العامة لترجمات المستشرقين
من خلال العرض السابق يمكننا الوقوف على أهم السمات لترجمات المستشرقين لمعاني القرآن الكريم؛ ليكون المسلمون على بينةٍ من أمرها([27]):
- عدم التعمق والالتزام بالمعاني المعجمية للألفاظ القرآنية، واحتواء بعضها على مغالطات كثيرة وخطيرة، باستثناء بعضها كترجمة آربري.
- استعمال الترجمة باعتبار المعاني المفردة، دون النظر إلى المعنى التركيبي للآيات، ولا سياقها، وتعمد تشويه المعنى، وقلب الحقائق.
- عدم الاعتناء ببيان ما في الآيات من معانٍ بديعة ومجازية؛ مما أفقد الترجمات عنصر الجذب والتأثير على القارئ.
- عدم الاعتناء بأسباب النزول، ولا بعدِّ الآيات؛ فقد تُدمج آيات، أو تقطع الآي، وكذلك ابتدع بعض المستشرقين طرقًا خاصة بهم في ترتيب السور، فرتبها بعضهم حسب تاريخ النزول، ورتبها بعضهم حسب الإيقاع الموسيقي -على حد تعبيره -.
- عدم التعرض لبعض الأدوات الضرورية التي تساعد على فهم الآيات القرآنية؛ كالنصوص الحديثية مثلًا.
- ظهور أثر ديانة المترجم ومستواه المعرفي والثقافي والحضاري على الترجمة؛ مما يجعلها تتصف بعدم الإنصاف أو الحيادية، ويظهر هذا واضحًا في إخفاء -معظمها- أو التلاعب بالآيات التي تدين عقيدة الثالوث، أو تأليه السيد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام.
نخلص مما سبق بعدة نتائج:
- إن ترجمات المستشرقين لمعاني القرآن الكريم -في غالبها- ترجمات غير أمينة، ولا يمكن أن تعبر عن المعاني الحقيقية للقرآن، بل تشوه معانيه وتحرفها؛ لأنها تنطلق من اعتقاد أساسي راسخ عند هؤلاء المترجمين، وهو رفض حقيقة أن القرآن منزَّل من عند الله، وجعله من تأليف النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وإنكار أميَّته، ومحاولة إثبات أنه نقل عن القدامى، أو قلَّدهم، والعمل على إبراز أن القرآن الكريم مليء بالعبارات المثيرة للسخرية أو الغموض، وأنه لا يتضمن أيَّ تشريع يذكر، ومن طرائقهم في تمرير هذا الكذب والبهتان: اختيارهم لعبارات معينة، واستخدامهم الهوامش والتعليقات في آخر الصفحات، إضافة إلى المقدمات التي يكتبونها، والتي تعطي لهم المساحة الكافية للتزييف والتحريف.
- أنها لا تصلح للاستفادة منها أبدًا في مجال الدعوة، بل تُعَدُّ عائقًا كبيرًا أمام انتشار هذا الدين، ولا يستثنى من ذلك إلا ترجمة (آربري) الإنجليزية التي خلت من نبرة الهجوم والتحريف، مع الأخذ بالحيطة في استعمالها والنقل منها.
- وبناء عليه فلا يجوز للمسلمين الاعتماد على تلك الترجمات في فهم معاني القرآن الكريم.
- كما يجب على المسلمين تحذير بعضهم وغيرهم من خطورة هذه الترجمات بكل وسيلة مقروءة ومسموعة، وكشف الحقيقة للمخدوعين.
والحمد لله رب العالمين الذي أنزل القرآن ووعد بحفظه؛ فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) ينظر: تفسير كشف الأسرار وعدة الأبرار، لرشيد الدين الميبدي (5/ 226).
([2]) ينظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (2 /67).
([3]) ينظر: التفسير والمفسرون للذهبي (1/28-27).
([4]) ينظر: تفصيل ذلك في الباب الأول من بحث “ترجمة معاني القرآن الكريم تأصيل وتقويم وتخطيط (مدعمًا بالخرائط والإحصاءات والرسوم البيانية)” -تحت الطبع- وقد شاركت في إعداده ومراجعته.
([5]) ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء، المجموعة الأولى (4/162)، وما بعدها، الفتاوى ذي الأرقام الآتية: (833، 1601، 2729).
([6]) ينظر: ترجمة معاني القرآن بين التأييد والتحريم، الحكم في قضية ترجمة معاني القرآن، مجلة بحوث هيئة كبار العلماء، العدد الثاني عشر، سنة 1405هـ.
([7]) ينظر: كيف نفهم الإسلام؟ لفرتيجوف شيون (ص: 54).
([8]) ينظر: الترجمات القرآنية بين نقل المعاني وهدم المباني. ترجمة تولن ترنر لمعاني القرآن للإنجليزية. للباحث جاسم حسين، مجلة النور – العدد 89 جمادى الآخرة 1419ه – أكتوبر 1998م (ص: 61).
([9]) ينظر: مقدمة حول الاستشراق والمستشرقين، وهذا رابطها:
http://articles.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=21321 ، والموسوعة العربية العالمية (1/ 675)
([10]) ممن ذهب إلى هذا القول الدكتور مصطفى السباعي؛ ينظر: الاستشراق والمستشرقون -نظرة تحليلية د. عبد العزيز بن سعد الدغيثر، على موقع صيد الفوائد، وهذا رابطه: http://www.saaid.net/Doat/aldgithr/29.htm
([11]) ينظر: تاريخ حركة ترجمة معاني القرآن الكريم من قبل المستشرقين ودوافعها وخطرها. د. محمد بن حمادي الفقير التمسماني، ضمن أبحاث ندوة ترجمة معاني القرآن الكريم المنعقدة بالمدنية 1423هـ (5/ 2424).
([12]) ينظر: الدراسات القرآنية في مناهج البحث الاستشراقي المعاصر د. حسن عزوزي، مجلة الوعي الإسلامي العدد (411) (ص: 23).
([13]) ينظر: ترجمة معاني القرآن الكريم والمستشرقون (لمحات تاريخية وتحليلية)، لأحمد مهر علي، ضمن أبحاث ندوة ترجمة معاني القرآن الكريم المنعقدة في المدينة 1423هـ (6/ 2457)، ومقال بعنوان: «الترجمات اللاتينية الأولى للقرآن الكريم وتأثيرها» للدكتور حسن المعايرجي، مجلة المسلم المعاصر، عدد 48، سنة 1407هـ (ص 30).
([14]) ينظر: مقال «الترجمات اللاتينية الأولى للقرآن الكريم وتأثيرها» للدكتور حسن المعايرجي (ص 30).
([16]) يعني: من حيث شهرتها وكثرة طباعتها.
([17]) ينظر: المستشرقون، لنجيب العقيقي، ط. دار المعارف القاهرة -سنة (1981م) (ص200).
([18]) ينظر: تجربتي مع تقويم ترجمات معاني االقرآن إلى اللغة الإنجليزية د. عادل بن محمد عطا إلياس، ضمن ندوة ترجمة معاني القرآن الكريم المنعقدة في المدينة المنورة 1423هـ (2/ 699).
([19]) Ismat Binark and Halet Eren، World Bibliography of Translations of the Meanings of the Holy Koran Printed Translations- 1515- 1980، (Istanbul: Renkler Matbaasi، 1406/1989)، Research Centre for Islamic History ، Art and Culture، pp.103- 110.
([20]) ينظر: تجربتي مع تقويم ترجمات معاني االقرآن إلى اللغة الإنجليزية د. عادل بن محمد عطا إلياس (2/ 699).
([21]) ينظر: دراسة نقدية لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية محمد سعيد دباس (ص: 184).
([22]) ينظر: ترجمات إنجليزية لمعاني القرآن الكريم في ميزان الإسلام، د. وجيه حمد عبد الرحمن، ضمن ندوة ترجمة معاني القرآن الكريم المنعقدة في المدينة المنورة 1423هـ-2002م. (1/ 375)، ودراسة نقدية لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية. محمد سعيد شفيق دباس (ص: 194- 195).
([23]) ينظر: ترجمات إنجليزية لمعاني القرآن الكريم في ميزان الإسلام، د. وجيه حمد عبد الرحمن (1/ 375)، ودراسة نقدية لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية. محمد سعيد شفيق دباس (ص: 200- 201).
([24]) ينظر: دراسة لترجمة معاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية (القرآن مترجما) للمستشرق الإنجليزي آرثر ج. آربري، د. هيثم بن عبد العزيز ساب، ضمن ندوة ترجمة معاني القرآن الكريم المنعقدة في المدينة المنورة 1423هـ (1/ 33).
([25]) تفسير ابن كثير (1/ 213).
([26]) ينظر: دراسة لترجمة معاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية (القرآن مترجما) للمستشرق الإنجليزي آرثر ج. آربري، د. هيثم بن عبد العزيز ساب (1/ 72- 75).
([27]) ينظر: ترجمة معاني القرآن الكريم والمستشرقون.. لمحات تاريخية وتحليلية، د. أحمد مهر علي (6/ 2505)، ومناهج المستشرقين في ترجمات معاني القرآن الكريم د. عبد الراضي بن محمد عبد المحسن (6/ 2511، 2520).