السبت - 23 شعبان 1446 هـ - 22 فبراير 2025 م

أشنع الجرائم تستدعي أكبر العقوبات مناقشة لشبهة كيف يعذب الكافر أبدا وجرمه محدود؟!

A A

الخيانة العظمى جريمة كبيرة فُرضت عليها أشدّ العقوبات وأقسى أنواع الجزاءات، فإنهاء حياة الإنسان هو الجزاء الذي يلقاه كل من يخون دولته خيانةً عظمى. ولستُ هنا أتكلم عن الدول الإسلامية، بل هذا هو القانون حتى عند كثير من الأمم غير المسلمة، بل حتى عند الأمم التي تتفاخر بأنها الأكثر ديمقراطية والأكثر محافظة على حقوق الإنسان نجد أن مصير الخيانة العظمى عندهم هو الإعدام.

إنَّ هذا لشيء عجاب!! عجيبٌ أن يُحكم بإنهاء حياة الإنسان وتخريب بيته وتدمير أسرته والإضرار بهم وإنهاء كامل منافعه والتغاضي عن كل جوانب الخير الذي فيه لأجل تجسُّسِه أو نقله لمعلومة أو إفشاء سر للدولة!!

ولكني لا إخالك هنا تتعجَّب من تعجُّبي من هذه الأحكام!! وستردِّد: إن الجرائم التي ارتكبوها كبيرة في معناها وحقيقتها ومخبرها، وإن كانت سهلة صغيرة في مبناها وصورتها ومظهرها؛ فعلى سبيل المثال قد يؤدي نقل معلومة من أسرار الدولة إلى دمار البلد وإهلاك الحرث والنسل!

إذا تبين هذا فإننا -والله- نعجب ممن يدَّعي العقل أو العقلانية ثم هو يصرخ: لماذا يعذّب الله الكافر أبد الآبدين مع أن جريمته لم تستغرق سوى سنوات عمره القليلة؟!

يا سبحان الله! أي جناية وأي ظلم أقبح من أن يتنكر الإنسان لمن خلقه وأوجده وتفضَّل عليه ورعاه؟! ليس تنكُّرًا فحسب، بل وصل به الأمر إلى التكبُّر عليه والعناد!

أي جريرة وأي عناد أشد من أن يكذِّب الإنسان بحقيقة الحقائق في الوجود؟!

أي إثم أشنع من أن يُعرض الإنسان عن خالقه والمنعم عليه، ثم هو يخضع ويُطيع لمن لا يملك نفعا ولا ضرّا؟!

أي خطيئة أكبر من أن يسوِّي الإنسان بين من خلقه وأنعم عليه ويستحق العبادة والخضوع، وبين من لا قدرة له على مصالح نفسه فضلا عن أن ينفع غيره؟!

أي أمر أشنع من أن يخلق الله الإنسان ويربيه وينعم عليه، ثم يفطره على الأخذ بالحق والخير، ثم يرسل إليه رسولا من جنسه من البشر يتلو عليه الآيات ويزكيه ويعلمه، وينزل له الكتب تهديه وترشده، ثم بعد ذلك كله يتجاوزها الإنسان في لمحة أو غمضة دون أن يلقي لها بالًا؟!

لا أدري، إن لم يكن هذا هو الظلم والجناية فما الجناية؟!

أي جرم أبشع من أن تتضافر البراهين والدلائل وتتواتر الأخبار والرسائل على ضرورة الإيمان بالله تعالى، وتتكاثر الإنذارات والتحذيرات من الكفر به سبحانه، ثم يرتكب الإنسان هذا الجرم؟! أفلا يستحق أقسى أنواع العقوبات؟!

بلى، فالكفر والشرك أعظم الظلم، قالها ربنا تبارك تعالى وهو يحكي وصية لقمان لابنه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، “وأصل العدل العدل في حق الله تعالى، وهو عبادته وحده لا شريك له”([1]).

ولم يترك الله تعالى سبيلًا أو حجةً للكافر حتى يحتج به على الله تعالى، بل إنه سبحانه وتعالى خلق الإنسان وفطره على معرفة الله والإيمان به، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]، وزوَّده بكافة وسائل العلم والمعرفة، وسوَّى بين البشر فيها، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأحقاف: 26]. ثم هو سبحانه وتعالى أنار السبل وأضاء الطرق للحق، فأرسل الرسل وأنزل الكتب، وبشَّر وأنذر ووعد وتوعَّد، قال تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} [هود: 1، 2]، وقال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 163-165].

فوا عجبًا ممن توفَّرت له كل تلك الموارد والسبل المعرفية، ولم يمنعه مانع صحيح، ثم هو يعاند ويتكبر عن اتباع الحق وقبول البينات، وينكر تلك الحقيقة العظمى!

أفي الوجود جرم أبشع من هذا الجرم؟! أفي الكون جور أشنع من هذا الجور يستحق العقاب؟!

ثم إن هذا المعاند لو قُدِّر له وعُمِّر أكثر من عمره ذاك الذي يدَّعي أنه لا يكافئ العقاب المحدد له، فإنه سيستمر في كفره ويتمادى ولو عاش ملايين السنين؛ لأنه معاند متبع هواه، معرض عن دلائل العقل والسمع والبصر، فلماذا لا يستشنع عناده وجرمه وتماديه أبد الآباد ثم هو يستكثر جزاء جرمه، وقد أخبرنا الله تعالى عن هذا الصنف من البشر فقال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: 27، 28]. أفلا يستحق من هذا حاله أشد العقوبات وأقسى الجزاءات؟!

عجبًا ممن تلطخت يديه -بل إزاره وشحمه ولحمه- بأشنع الظلم والجرم، ثم لا يستحي ولا يتحاشى عن أن يبحث عن العدل!!

وليته فعلها مع من كان مثله، يظلم دهرًا ويبحث عن العدل يومًا من الأيام، ولكنه في الحقيقة هنا يحاكم أفعال الحكيم إلى نفسه القاصرة، ويقيس أعمال الخبير الذي يضع الأمور في مواضعها بأعمال البشر أمثاله، ويقارن بين أفعال الله سبحانه وتعالى الغني عن كل أحد بأحكام البشر الذين تتحكم فيهم الأهواء ويحابون من أجل الأعراف والشفاعات.

وإلا فانظر هل ترى من فطور في الوسائل المعرفية التي وهبها لكل إنسان وعليه كان التكليف؟! وانظر هل ترى من قصور في التبليغ والإنذار والتبشير؟! وانظر في الرسل والكتب التي أقام بها الحجة هل فرَّقت بين فقير وأمير؟!

إنه لمن البشاعة بمكان أن نرى الإنسان يستشكل على خالقه في الحكمة، وهو سبحانه واهب الحكمة!!

وإمرار العين على سياق تلك الآية التي أخبر الله فيها بحال المعاندين والتفكر فيها يبيِّن لنا أنه لا جرم أعظم من جرمهم، ولا حال أبشع وأشنع من حالهم، ألا وهو الكفر بالله تعالى وإشراك غيره به؛ يقول الله تعالى بعد ذكر تواتر الآيات والدلائل على وجوب الإيمان: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام: 21]، فلا أحد أظلم ممن كفر بالله تعالى وكابر رغم تضافر الدلائل، يقول ابن جرير رحمه الله تعالى: “ومن أشدُّ اعتداءً وأخطأ فعلا وأخطأ قولا {مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}، يعني: ممن اختلق على الله قيلَ باطل، واخترق من نفسه عليه كذبًا، فزعم أن له شريكًا من خلقه، وإلهًا يعبد من دونه كما قاله المشركون من عبدة الأوثان، أو ادعى له ولدًا أو صاحبةً، كما قالته النصارى، {أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ}، يقول: أو كذب بحججه وأعلامه وأدلته التي أعطاها رسله على حقيقة نبوتهم كما كذّبت بها اليهود، {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}، يقول: إنه لا يفلح القائلون على الله الباطل، ولا يدركون البقاءَ في الجنان، والمفترون عليه الكذب، والجاحدون بنبوة أنبيائه”([2]).

ثم أخبر سبحانه وتعالى عن حالهم مع الآيات والدلائل فقال تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأنعام: 25]، قال ابن جرير: “وإن ير هؤلاء العادلون بربهم الأوثان والأصنام، الذين جعلت على قلوبهم أكنة أن يفقهوا عنك ما يسمعون منك {كُلَّ آيَةٍ}، يقول: كل حجة وعلامة تدلُّ أهل الحجَا والفهم على توحيد الله وصدق قولك وحقيقة نبوتك {لَا يُؤْمِنُوا بِهَا}، يقول: لا يصدّقون بها، ولا يقرّون بأنها دالّة على ما هي عليه دالة، {حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ}، يقول: حتى إذا صاروا إليك بعد معاينتهم الآيات الدالة على حقيقة ما جئتهم به {يُجَادِلُونَكَ}، يقول: يخاصمونك {يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا}، يعنى بذلك: الذين جحدوا آيات الله وأنكروا حقيقتها، يقولون لنبيِّ الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا حجج الله التي احتجَّ بها عليهم، وبيانَه الذي بيَّنه لهم: {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}، أي: ما هذا إلا أساطير الأوّلين”([3]).

ولذا أخبر أنهم يتمنون الخروج من النار والعودة للعمل الصالح عند رؤيتهم العذاب، ولكنهم لعنادهم وكبرهم سيكفرون وإن عادوا.

والنصوص في هذا كثيرة جدا، فبيان شناعة الكفر بالله تعالى والتكذيب بآياته وحججه تواتر في الآيات والأحاديث، ودعنا هنا نأخذ آية أخرى من تلك الآيات وهو قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ} [الأنعام: 153-157].

فالله تعالى بيَّن أن صراطه هو الصراط المستقيم، ودينه هو الدين القويم، وأن الأدلة عليه كثيرة واضحة، وأنه أرسل الرسل معهم الحجج والبراهين؛ قطعًا لاحتجاجات الكافرين المعاندين، ثم أخبر تعالى أنه لا أحد أظلم من المعاند الكافر، ولا جريمة أشنع من جريمة الكفر، يقول أبو جعفر: “يقول جل ثناؤه: فمن أخطأ فعلا وأشدّ عدوانًا منكم أيها المشركون المكذبون بحجج الله وأدلته وهي آياته. {وَصَدَفَ عَنْهَا} يقول: وأعرض عنها بعد ما أتته، فلم يؤمن بها، ولم يصدِّق بحقيقتها”([4])؛ ولذا كان جزاؤهم وعقابهم أسوأ الجزاء وأخزى العقوبات، كما قال تعالى: {سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ} [الأنعام: 157]، قال أبو جعفر: “سيثيب الله الذين يعرضون عن آياته وحججه ولا يتدبرونها، ولا يتعرفون حقيقتها فيؤمنوا بما دلتهم عليه من توحيد الله، وحقيقة نبوة نبيه، وصدق ما جاءهم به من عند ربهم {سُوءَ الْعَذَابِ}، يقول: شديد العقاب، وذلك عذاب النار التي أعدَّها الله لكفرة خلقه به؛ {بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ}، يقول: يفعل الله ذلك بهم جزاء بما كانوا يعرضون عن آياته في الدنيا، فلا يقبلون ما جاءهم به نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم”([5]).

ودعنا بعد هذا نسلط الضوء على دائرة المخالفين العاصين لله تعالى؛ لنعرف مدى رحمة الله تعالى بمن عصاه وخالف أمره؛ فإنه ليس كل عاص يخلد في النار مباشرة، بل كثير منهم يغفر الله سبحانه وتعالى لهم، وما أكثر المكفرات للذنوب في الإسلام، ومرتكب الكبيرة كما هو معروف عند أهل السنة والجماعة تحت مشيئته سبحانه وتعالى، إن شاء عذَّبه، وإن شاء غفر له، ومن يعذَّب في النار من العصاة ليسوا صنفًا واحدًا، بل منهم من يدخلها فيُطهَّر من ذنوبه ثم يخرج منها ثم يدخل الجنة، وأقل هؤلاء حالا من يعطى أضعاف أضعاف نعيم الدنيا وما فيها، ومنهم أهل الأعراف، والله سبحانه وتعالى لا يخلد في النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وإنما من عاند الحق وكابر الحجة مع ظهورها له كالشمس في وضح النهار وتوفّر الأسباب وانتفاء الموانع، فهذا ليس في قلبه ولا ذرة من إيمان بالله سبحانه وتعالى، أفلا يستحق من بلغ هذه الفظاعة من الشناعة والانحطاط ذلك العقاب؟!

ختامًا: الله سبحانه وتعالى أرحم بنا من الوالدة بولدها، بل وسع كل شيء رحمةً وعلمًا، وهو أرحم الراحمين، وأعظم الغافرين، وأحكم الحاكمين، وهو سبحانه وَاسِعٌ عَلِيمٌ، يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ، وعلى من يشكك في حكمتِه أن يفكر في حكمتِه من أين اكتسبها ومن وهبه إياها؟!

 ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع

([1]) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (1/ 106).

([2]) جامع البيان، ت. شاكر (11/ 296).

([3]) المرجع نفسه (11/ 308).

([4]) المرجع نفسه (12/ 243).

([5]) المرجع نفسه (12/ 244).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

موقف الإمامية الاثني عشرية من خالد بن الوليد -قراءة نقدية-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إن الله أعزّ الأمة، ووجّهها نحو الطريق المستقيم، وفتح لها أبواب الخير بدين الإسلام، هذا الدين العظيم اصطفى الله له محمدَ بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، واصطفى له من بين أهل الأرض رجالًا عظماء صحبوه فأحسنوا الصحبة، وسخروا كل طاقاتهم في نشر دين الله مع نبي […]

التلازم بين العقيدة والشريعة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: من تأمل وتتبَّع أسفار العهدين القديم والحديث يدرك أنهما لا يتَّسمان بالشمول والكمال الذي يتَّسم به الوحي الإسلامي؛ ذلك أن الدين الإسلامي جاء كاملا شاملا للفكر والسلوك، وشاملا للعقيدة والشريعة والأخلاق، وإن شئت فقل: لأعمال القلوب وأعمال الجوارح واللسان، كما جاء شاملا لقول القلب واللسان، وهذا بخلاف غيره […]

إنكار ابن مسعود للمعوذتين لا طعن فيه في القرآن ولا في الصحابة

يعمد كثير من الملاحدة إلى إثارة التشكيك في الإسلام ومصادره، ليس تقويةً لإلحاده، ولكن محاولة لتضعيف الإسلام نفسه، ولا شك أن مثل هذا التشكيك فيه الكثير من النقاش حول قبوله من الملاحدة، أعني: أن الملحد لا يؤمن أساسًا بالنص القرآني ولا بالسنة النبوية، ومع ذلك فإنه في سبيل زرع التشكيك بالإسلام يستخدم هذه النصوص ضد […]

دعاوى المناوئين لفتاوى ابن باز وابن عثيمين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تُثار بين الحين والآخر نقاشات حول فتاوى علماء العصر الحديث، ومن أبرز هؤلاء العلماء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين. ويطغى على هذه النقاشات اتهام المخالف لهما بالتشدد والتطرف بل والتكفير، لا سيما فيما يتعلق بمواقفهما من المخالفين لهما في العقيدة […]

شبهات العقلانيين حول حديث “الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم” ومناقشتها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة    مقدمة: لا يزال العقلانيون يحكِّمون كلامَ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلى عقولهم القاصرة، فينكِرون بذلك السنةَ النبوية ويردُّونها، ومن جملة تشغيباتهم في ذلك شبهاتُهم المثارَة حول حديث: «الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم» الذي يعتبرونه مجردَ مجاز أو رمزية للإشارة إلى سُرعة وقوع الإنسان في […]

البهائية.. عرض ونقد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات بعد أن أتم الله تعالى عليه النعمة وأكمل له الملة، وأنزل عليه وهو قائم بعرفة يوم عرفة: {اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، وهي الآية التي حسدتنا عليها اليهود كما في الصحيحين أنَّ […]

الصمت في التصوف: عبادة مبتدعة أم سلوك مشروع؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: الصوفية: جماعةٌ دينية لهم طريقةٌ مُعيَّنة تُعرف بالتصوّف، وقد مَرَّ التصوّف بمراحل، فأوَّل ما نشأ كان زُهدًا في الدنيا وانقطاعًا للعبادة، ثم تطوَّر شيئًا فشيئًا حتى صار إلحادًا وضلالًا، وقال أصحابه بالحلول ووحدة الوجود وإباحة المحرمات([1])، وبين هذا وذاك بدعٌ كثيرة في الاعتقاد والعمل والسلوك. وفي إطار تصدِّي […]

دفع مزاعم القبورية حول حديث: «اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»

مقدمة: من الفِرى ردُّ الأحاديث الصحيحة المتلقّاة بالقبول انتصارًا للأهواء والضلالات البدعية، وما من نصّ صحيح يسُدُّ ضلالًا إلا رُمِي بسهام النكارة أو الشذوذ ودعوى البطلان والوضع، فإن سلم منها سلّطت عليه سهام التأويل أو التحريف، لتسلم المزاعم وتنتفي معارضة الآراء المزعومة والمعتقدات. وليس هذا ببعيد عن حديث «‌اتخذوا ‌قبور ‌أنبيائهم»، فقد أثار أحدهم إشكالًا […]

استباحة المحرَّمات.. معناها وروافدها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: من أعظم البدع التي تهدم الإسلام بدعة استباحةُ الشريعة، واعتقاد جواز الخروج عنها، وقد ظهرت هذه البدعة قديمًا وحديثًا في أثواب شتى وعبر روافد ومصادر متعدِّدة، وكلها تؤدّي في نهايتها للتحلّل من الشريعة وعدم الخضوع لها. وانطلاقًا من واجب الدفاع عن أصول الإسلام وتقرير قواعده العظام الذي أخذه […]

الحالة السلفية في فكر الإمام أبي المعالي الجويني إمام الحرمين -أصول ومعالم-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: من الأمور المحقَّقة عند الباحثين صحةُ حصول مراجعات فكرية حقيقية عند كبار المتكلمين المنسوبين إلى الأشعرية وغيرها، وقد وثِّقت تلك المراجعات في كتب التراجم والتاريخ، ونُقِلت عنهم في ذلك عبارات صريحة، بل قامت شواهد الواقع على ذلك عند ملاحظة ما ألَّفوه من مصنفات ومقارنتها، وتحقيق المتأخر منها والمتقدم، […]

أحوال السلف في شهر رجب

 مقدمة: إن الله تعالى خَلَقَ الخلق، واصطفى من خلقه ما يشاء، ففضّله على غيره، قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ ‌وَيَخۡتَارُ﴾ [القصص: 68]. والمقصود بالاختيار: الاصطفاء بعد الخلق، فالخلق عامّ، والاصطفاء خاصّ[1]. ومن هذا تفضيله تعالى بعض الأزمان على بعض، كالأشهر الحرم، ورمضان، ويوم الجمعة، والعشر الأواخر من رمضان، وعشر ذي الحجة، وغير ذلك مما […]

هل يُمكِن الاستغناءُ عن النُّبوات ببدائلَ أُخرى كالعقل والضمير؟

مقدمة: هذه شبهة من الشبهات المثارة على النبوّات، وهي مَبنيَّة على سوء فَهمٍ لطبيعة النُّبوة، ولوظيفتها الأساسية، وكشف هذه الشُّبهة يحتاج إلى تَجْلية أوجه الاحتياج إلى النُّبوة والوحي. وحاصل هذه الشبهة: أنَّ البَشَر ليسوا في حاجة إلى النُّبوة في إصلاح حالهم وعَلاقتهم مع الله، ويُمكِن تحقيقُ أعلى مراتب الصلاح والاستقامة من غير أنْ يَنزِل إليهم […]

الصوفية وعجز الإفصاح ..الغموض والكتمان نموذجا

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  توطئة: تتجلى ظاهرة الغموض والكتمان في الفكر الصوفي من خلال مفهوم الظاهر والباطن، ويرى الصوفية أن علم الباطن هو أرقى مراتب المعرفة، إذ يستند إلى تأويلات عميقة -فيما يزعمون- للنصوص الدينية، مما يتيح لهم تفسير القرآن والحديث بطرق تتناغم مع معتقداتهم الفاسدة، حيث يدّعون أن الأئمة والأولياء هم الوحيدون […]

القيادة والتنمية عند أتباع السلف الصالح الأمير عبد الله بن طاهر أمير خراسان وما وراء النهر أنموذجا (182-230ه/ 798-845م)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  المقدمة: كنتُ أقرأ قصةَ الإمام إسحاق بن راهويه -رحمه الله- عندما عرض كتاب (التاريخ الكبير) للإمام البخاري -رحمه الله- على الأمير عبد الله بن طاهر، وقال له: (ألا أريك سحرًا؟!)، وكنت أتساءل: لماذا يعرض كتابًا متخصِّصًا في علم الرجال على الأمير؟ وهل عند الأمير من الوقت للاطّلاع على الكتب، […]

دعوى غلو النجديين وخروجهم عن سنن العلماء

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تكثر الدعاوى حول الدعوة النجدية، وتكثر الأوهام حول طريقتهم سواء من المخالفين أو حتى من بعض الموافقين الذين دخلت عليهم بعض شُبه الخصوم، وزاد الطين بلة انتسابُ كثير من الجهال والغلاة إلى طريقة الدعوة النجدية، ووظفوا بعض عباراتهم -والتي لا يحفظون غيرها- فشطوا في التكفير بغير حق، وأساؤوا […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017