الأحد - 01 جمادى الأول 1446 هـ - 03 نوفمبر 2024 م

تأليه الآلة.. هل يمكن للعلم التجريبي أن يحلَّ محلَّ الإله؟!

A A

 

 

 

العلمويَّة مؤلِّهةً للعلم:

يقول أبو رجاء العطاردي عن الجاهليَّة: “كنَّا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرًا هو أخير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرًا جمعنا جثوة من تراب، ثم جئنا بالشَّاة فحلبناه عليه ثم طفنا به”([1]).

هذا المشهد الذي كان في الجاهلية -بل كان قبلهم في الأمم السَّابقة حين كانوا ينحتون الأحجار والأشجار ليصنعوا منها أصنامهم- يتكرَّر كلَّ حين مع اختلاف الأدوات والأصنام، وكيفما أمررت بصرك على مرِّ التاريخ تجد لذلك نماذجَ كثيرة، فصناعة الآلهة والأديان صارت مهنةً رائجة، ألَّهوا الإنسانَ والهوى والحريَّة المطلقة، والقائمة تطول، والمخترعون مبدِعون، وكلٌّ يغنِّي على ليلاه، وبعبارة أصحّ: كلٌّ يحارب عن لَيلاه، فمن أجلِ أصنامهم تلك تُقام الحروب الفكريَّة وربما العسكرية، ومن أعظم تلك الأمور التي ألَّهها الفكر الغربيّ ردحًا من الزمن وتنامَى ذلك التَّأليه واستمرَّ حتى يومنا هذا وانتقل إلى عالمنا العربيِّ والإسلامي: العلم التجريبي.

لستُ هنا للتَّنظير للعلم وأهميَّته في الإسلام ودعوة الإسلام إليه، سواء كان علمًا دينيا أو دنيويا، فإنَّ تلك القضية لا تخفى على مطَّلِع، مسلم كان أو غير مسلم، وبظني أنَّه موضوع مشبع بحثًا، والتأكيد عليه مجرَّدُ تطويل نتجنَّبه في هذا المقال المختصَر، وإنَّما المقصود من هذه الورقة العلمية الوقوف على منهجية معيَّنة في التعامل مع العلم التجريبي، وهي المنهجية القائمة على تحويل العلم التجريبي من علمٍ يُستفاد منه إلى إلهٍ يُعبدُ من دون الله!

وإنَّ مما هو معلوم لدى الدارسين أنَّ الصراع بين العلم التجريبي والدين في الغرب بدأ منذ أواخر القرن السادسَ عشَرَ، واستعر وانتشر في القرن السابعَ عشرَ وما بعده في عصر النهضة، حتى أصبح طوفانًا ابتلَع الدينَ الكنسيَّ النصراني أو كاد، فقد غيَّرت النتائج العلمية المبهرة في الفلك والفيزياء والأحياء كثيرًا من الأفكار التي كانت سائدة عن هذه الأمور في النصوص الكنسية، ومع شدة الصراع وضراوته والانتصار تلو الانتصار الذي يحققه العلم على الموروث الكنسي بات مؤيِّدوه يرونَه يومًا بعد يوم أنه هو الغول الذي يبتلِع كلَّ العلوم والمعارف الأخرى، فلا ثقةَ إلا بالعلم التَّجريبي، ولا قِيَم وأخلاق إلا بالطريقة التي يمليها العلم التجريبي، ومع ذروة انتصار العلم في القرن التاسعَ عشر أصبح العلم إلهًا يُعبد، وصارت منهجيته عقيدةً لا يبغون عنها حِوَلا.

فالحديث إذن عن العلموية المتغَوِّلة، وأعني بها: الفكرة التي تقول بأنَّ العلم التجريبي هو المصدر الوحيد لكل الحقائق، وهو العيار الوحيد الذي يحاكَم إليه كلّ شيء، وهو القادر على تقديم إجابات لكلِّ مشكلات الحياة، كما أنَّه هو القادر على تفسير كل أمور الكون وترابط الأشياء بعضها ببعض بطريقة تغنينا عن الإله، وبعبارةٍ أعم: العلموية هي: الاعتقاد بانعدام المعرفة الإنسانية خارج إطار العلم التجريبي، فإن العلم هو ما يكشف عن خلق الإنسان -أو تطوره- وكيفية تحلل الإنسان بعد وفاته، وكيف نشأ الكون، وكيف يسير، ومعرفة ذلك تغنينا عن الإله المدبِّر لهذا الكون ما دام أن الكون مسيَّر بقوانين يعرِفها العلم ويوظِّفها جيِّدًا([2]).

وينبَّه إلى أن العلموية لا تعني أن كلَّ علماء العلم التجريبي يقولون بهذه النظرة، بل كثير منهم يردّونها، فالأمر لا يتعلّق بالعلماء أنفسهم، وإنما بتوجّه يتزعَّمه الملاحدة اليوم.

والملاحدة الذين يحتجون بالعلم التجريبي ويتمسَّكون به لا يريدون فقط التأكيد عليه وبيان أهميته والاحتفاء بمنجزاته، إنما يريدون جعله بديلًا عن الإله بحيث يحلُّ محلَّه، فهو المفسِّر لكلِّ شيء، والمجيب عن كلِّ شيء، والقادر على كلِّ شيء! وبه يمكن الاستغناء بالكلية عن الإله، يقول جون لينكس: “انعقد مؤتمر في عام 2006م في معهد سالم في لاجولا بكاليفورنيا بعنوان: (ما بعد الإيمان.. العلم والدين والمنطق والبقاء)، طرحت أمامه ثلاثة أسئلة: هل على العلم هدم الدين؟ ماذا سيضع العلم بديلًا عن الدين؟ هل يمكن أن نكون صالحين دون إله؟ وكان من ضمن المتحدِّثين من رواد الإلحاد الجديد ريتشارد دوكينز وستيفن واينبرغ، واعتبرت مجلة نيو ساينتست المؤتمر مهمًّا لدرجة أن العدد الخاصَّ لها بمناسبة مرور خمسين عامًا على صدورها تضمَّن تقريرًا عن المؤتمر بمقال عنوانه: (بدلًا عن الإله)، يكشف هذا العنوان أنَّ هدف الإلحاد الجديد ليس ببساطة إتمام عملية العلمنة بإلغاء وجود الإله من الكون، بل بوضع بديل عنه، ليس من مهمة المجتمع أن يستبدل الإله بشيء آخر ببساطة، بل على العلم أن يقوم بذلك”([3]).

ويقول فرانكلين باومر: “واتَّسم التَّنوير الجديد بأنَّه أكثر عوالم القرن التاسع عشر تفاؤلًا، ففي هذا العالم بلغ مذهب العلومية قمَّته، فهو يمثل العلم عندما ينظر إليه كامل البشرية لإنقاذ العالم وتحقيق مستقبل زاهر، وأدَّت النظرة إلى الطبيعة والتي جاء بها التنوير الجديد بالرغم من أنه لا يلزم أن تكون مادية إلى استبعاد الميتافيزيقيا والدين([4]).

ويقول هانز ريشنباخ: “على أنَّ الإفراط في الثِّقة بنتائج العلم لا يقتصر على الفيلسوف، وإنَّما أصبح سمة عامَّة للعصر الحديث، أي: للفترة التي تبدأ من عهد جاليليو إلى وقتنا الحالي، وهي الفترة التي خُلق فيها العلم الحديث، فالاعتقاد بأنَّ لدى العلم الإجابة على كل سؤال، أي: بأن كل ما على المرء إذا كان في حاجة إلى معلومات فنية أو كان مريضًا أو يعاني مشكلةٍ ما هو أن يسأل العالم ليجد الجواب قد بلغ من الانتشار حدًّا جعل العلم يضطلع بوظيفة اجتماعية كانت في الأصل من مهامِّ الدين، وأعني بها وظيفة كفالة الطمأنينة القصوى، ففي حالات كثيرة حلَّ الإيمان بالعلم محلَّ الإيمان بالله([5]).

فالعلموية نتيجة سرديَّة عظيمة تبلورت فصولها الكبرى في الصراع بين الكنيسة والعلم أولًا، ثم أصبحت هي خط الهجوم لدى الملاحدة ضدَّ الدين أو الاعتراف به والقول بالحاجة إلى إله، فحلَّ العلم عندهم محلَّ الإله، يقول جوليان هكسلي: “لقد أوصلنا تقدُّم العلوم والمنطق وعلم النفس إلى طور أصبح فيه الإله فرضًا عديم الفائدة، وطردته العلوم الطبيعيَّة حتى اختفى كحاكم مدبِّر للكون، وأصبح مجرَّدَ أوَّل سبب أو أساسًا عامًّا غامضًا، ولقد أدَّت زيادة العلم إلى إدراك أنَّ السحر عقيدة باطلة، وأنَّ منع الكوارث لا يتحقَّق إلا بالعلم وتطبيقاته، وأنَّ الطقوس الدينية التي تصحب تقديم القرابين وصلاة الاستغفار عديمة المعنى”([6])، ويرى تيندال “أنَّ العلم يكفي الآن وحده لمعالجة شؤون الإنسان”([7]).

وهذه النظرية المألِّهَة للعلم التجريبي حوت أخطاء معرفية كبيرة، نمرُّ على طرفٍ منها بما يجلِّي عدمَ إمكانية الاعتماد على العلم التجريبي وحدَه كمصدر للمعرفة الإنسانية، ولا كمنقذٍ للبشرية ومنظِّر لها في كل أمورها، ويمكن بيان الأخطاء التي وقعوا فيها في الآتي([8]):

أولًا: إله العلمويَّة لا يقوم وحده:

حين يتحدَّث الملاحدة المتدثِّرون بالعلم التجريبي عن مقدِرة العلم على حلِّ كلِّ شيء في الكون وتفسيره يتناسون أنَّ نظريتهم هذه نفسها لا تخضع للمعمل ولا للعلم التجريبي، وأنَّ العلم التجريبي نفسه يقوم على فرضيَّات قبلية متعالية على العلم التجريبي، ولم تخضع يومًا للمعمل ولا لقوانين العلم التجريبي، فالمبادئ العقليَّة الضرورية مثل استحالة جمع النقيضين ومبدأ الهوية والسببيَّة وغيرها هي ممَّا ينبني عليه العلم التجريبي ولا يبنيه، فمع كل هذه الإنجازات للعلم التجريبي يبقى واحدًا من المنظومة المتكاملة التي أودعها الله في هذا الكون، يقوِّي بعضه بعضًا، ويفسِّر بعضه بعضًا، ويعتمد بعضه على بعض.

فادِّعاء أنَّ العلم التجريبي هو السبيل الأوحد للمعرفة أمرٌ لم نصل إليه بالعلم التجريبي، فهذه القاعدة تناقض نفسَها، ليس هذا فحسب؛ بل حتى ادعاء أنَّ النتائج التي يتوصَّل إليها العلم التجريبي تعمل في جميع الأوقات والأماكن أمرٌ لم يثبتوه معمليًّا، وليست المشكلة عندي في التوصل إلى قوانين علمية أو آراء نظرية من عينات محدَّدة مع افتراض أنَّ الأصل هو استمرارها، لكن المشكلة أنَّ الفكرة نفسها ليست وليدة العلم التجريبي، فالعلم التجريبي محتاج إلى غيره كسائر العلوم، ولا يقوم العلم التجريبي على نفسه، بل يجب عليه أن يذهب خارج العالم الطبيعي ليبني نتائجه.

والخلاصة أنَّ العلم التجريبي لا يُستَغنى به في حصول المعرفة الإنسانية، فإنَّ دليل هذا القول إما أنه المعمَل والعلم التجريبي، وهذا إن كان فإنه دليل على الشيء بالشيء، ولا يستقيم منهجيًّا، أو أن يكون دليله غير العلم التجريبي فيبطل منهجهم.

ثانيًا: الاختزال المخلّ بالمنهجية العقلية العلمية:

العلمويَّة مصابة بالاختزال لكل العلوم في أفق ضيِّق يدخله العلم التجريبي، فهم قد تركوا العالم الفسيح ليصنعوا لأنفسهم عالَمًا ضيِّقًا، لا يرون إلا من خلاله، ولا يعرفون إلا قوانينه، بينما في واقع الأمر العلم التجريبي جزء صغير من المنظومة المعرفية البشرية، فالعلمويون يعيشون حالة من الدوغمائية معتقدِين أنَّ العلم التجريبي شاملٌ لكلِّ شيء.

عند النظر إلى العلم التجريبي فإننا نجد أنه عاجزٌ عن الإجابة عن الأسئلة الوجودية الكبرى للإنسان، فهو غالبًا يجيب عن: كيف؟ لا عن: لماذا؟ كيف يعيش الإنسان بصورة جيدة؟ كيف يعمل قانون الجاذبية؟ كيف يعمل النظام الفلاني؟ لكنه عاجزٌ تماما عن الإجابة عن: لماذا نحن نعيش هنا؟ لماذا وجِد الكون من الأساس؟ لماذا وجد البشر على هذه الهيئة المدركة الواعيَة؟ الغائية مفقودة في العلم التجريبي ولا عجب؛ فإنَّ لكلِّ شيء حدودَه التي يدور في فلكها، فهو عاجزٌ عن إنتاج المعنى ووضع المعايير الأخلاقية؛ وذلك ببساطة لأنَّه يعمل ضمن دائرة التجربة والطبيعة، متى ما تجاوزها إلى الميتافيزيقيا توقَّف؛ إذ ليس من اختصاصه إصدار الأحكام في هذه القضايا، وعدم مقدرة العلم الطبيعي على اقتحام ما وراء الطبيعة لا يعني أنَّها غير موجودة، وإنما يعني أنَّها ليست من اختصاص العلم التجريبي فحسب، بل العلم المادّي هو بالأساس مستند إلى الحقل الأنطولوجي، ويبني عليه، فمن الغرابة أن يدّعِيَ أحدهم تفرُّدَه عنه وعدم حاجته إليه.

يقول هيوز: “بصفتي عالِمًا تجريبيًّا لن أنكر أبدًا أنَّ الاكتشافات العلمية يمكن أن يكون لها آثار مهمة على الميتافيزيقيا، نظرية المعرفة، والأخلاقيات، وأنَّ جميع المهتمّين بهذه الموضوعات يحتاجون إلى معرفة علمية، لكن الادعاء بأنَّ العلم التجريبي وحدَه قادر على الإجابة عن الأسئلة القديمة في هذه المجالات يثير مشاكل لا حصر لها. على النقيض من العقلانية فإنَّ السِّمة المميِّزة للخرافات هي الإصرار العنيد على أن شيئًا ما مثل صنَم أو تميمة له قوى لا تدعمها الأدلة. من هذا المنظور يبدو أنَّ للعلموية الكثير من القواسم المشتركة مع الخرافة كما هو مع الأبحاث العلميَّة التي أُجريت بشكل صحيح، تدعي العلموية أنَّ العلم التجريبي قد حلَّ بالفعل أسئلة تتجاوز بطبيعتها قدرتها على الإجابة. من بين جميع أوجه القصور في التَّاريخ الطويل من السذاجة الإنسانية فإنَّ العلموية بكل مظاهرها المتنوعة -من علم الكونيات الخيالي إلى نظرية المعرفة التطورية والأخلاقيات- يبدو أنَّها من بين الأفكار الأكثر خطورة؛ لأنّها تدَّعي أنها شيء مختلف تمامًا عمَّا هي عليه حقًّا، ولأنَّها حصلت على التزام واسع النطاق وغير منتقَد. إنَّ الإصرار المستمر على الكفاءة العالمية للعلوم التجريبية لن يؤدِّي إلا إلى تقويض مصداقية العلم ككل، ستكون النَّتيجة النهائية هي زيادة الشكوك الجذرية التي تشكّك في قدرة العلم التجريبي على معالجة حتى الأسئلة المشروعة ضمن مجال اختصاصه. يتوق المرء إلى التنوير الجديد لنقض ادعاءات هذه الخرافة الأخير”([9]).

فأصحاب النَّزعة العلموية وجَّهوا وجهتهم شطر العلم التجريبي، واختزلوا فيه كل شيء، فصرفوا نظرهم عن القضايا غير التجريبية كالأخلاق والمبادئ والأسئلة الوجودية، يقول إدموند هوسرل: “كثيرًا ما نسمع بأنَّ العلم ليس له ما يقوله لنا في المحن التي تلمّ بحياتنا، إنَّه يقصي مبدئيًّا تلك الأسئلة بالذات التي تعتبر هي الأسئلة الملحَّة بالنسبة للإنسان المعرض في أزمتنا المشؤومة لتحولات مصيرية: الأسئلة المتعلقة بمعنى هذا الوجود البشري بأكمله أو لا معناه”([10]) ، ثم يقول: “إنَّ المفهوم الوضعي للعلم في زماننا هذا إذن إذا نظرنا إليه تاريخيًّا مفهوم اختزالي، إنَّه قد تخلَّى عن كل تلك الأسئلة التي تدرج تحت المفاهيم الضيقة تارة والواسعة تارة للميتافيزيقيا، وضمنها كل الأسئلة التي تنعت في غموض بأنَّها الأسئلة العليا والأخيرة”([11]).

فالمشكلة هي أنَّ النزعة العلموية بدلًا من أن تنخرط في واجباتها ووظائفها وتستشعر حجمها الحقيقيّ ومكانها ضمن المنظومة المعرفية ككلّ أخذت تلعب دورًا فلسفيًّا ودينيًّا، بل وتصدر أحكامًا في قضايا غيبية كبرى، فتنفي وجود الله، وتصبغ الإلحاد بالعلمية، وتنفي العقل والعلمية عن المعترف بوجود الله، وكل ذلك سببه حصر مصادر المعرفة في العلم التجريبي وحدَه، فإنكار وجود الله بناء على العلم التجريبي لا يستقيم مع المنهجية العلمية الصحيحة، وإن كان يمكن القول بوجود الله بنتائج العلم التجريبي؛ إذ إنَّ وجود دليل واحد على وجود شيء يكفي في إثباته، وعدم وجود دليل صريح على نفي شيء لا يكفي لنفي ذلك الشيء، فالعلم التجريبي ليس مقياسًا على غير المادي، لكن الفكر الغربي في ذروة انتشائه بالانتصار العلمي على التعاليم الكنسية وغيرها ظنَّ أنه قادر على أن يتجاوز حدوده ويقدم حلًّا لكل المسائل الفلسفية والدينية والإبستمولوجية، وليس في القضايا التجريبية المادية فحسب.

ثالثًا: أي تفسير نعتمده؟

على طول تاريخ العلم التجريبي نجد الكثير من التناقضات، ونجد العديد من النظريات التي كانت تؤخذ على أنَّها مسلمة ثم يتبيَّن زيفها بدراسةٍ جديدة، فالعلم التجريبي طبيعته أنَّه لا يمكنه أن يقطع النزاع في قضايا تحتاج إلى حل واحد وطريقة واحدة ومنهج واحد، وحين ينادى بالاكتفاء بالعلم عن الإله وأخذ تصورات الحياة والكون والأخلاق وما بعد الموت من العلم التجريبي وحده فإنَّنا نتساءل: أي نوع من العلم التجريبي هو الذي نبني عليه؟ وكيف يعطي العلم التجريبي أجوبة لأسئلة وجودية وهو غير مستقر بل متطور دائمًا؟ وعلى أي نظرية نعتمد ونحن نعلم أن العلم التجريبي ينبني بعضه على هدم الآخر؟ الإيمان والدين ليس ثوبًا يُخلع ويلبس غيره في كل وقت، وهي النتيجة التي ستوصلك إليها العلم التجريبي حتمًا إذا اعتمدت عليه في القضايا الدينية والفلسفية، يقول آيبل راي: “يجب أن نلاحظ أنَّ العلم -وخاصةً الفيزياء- مثل الفنّ، له مدارسه العديدة بنتائج أحيانًا متباعدة وأحيانًا متناقضة ومعادية”([12]).

ويقول وحيد الدين خان وهو يتحدث عن نظريات متعاقبة كل نظرية تغيِّر من السابقة، وأنَّ النظرية التي تسود فترة ما تمتدّ لعشرات السنين قد تكون بكل بساطة خاطئة، يقول: “والأمر لا يقف عند هذا الحد، فالحقيقة أنَّ العلم قد فقد يقينَه السابق بدخوله أبواب القرن العشرين الواسعة، لقد حلَّ آينشتاين محلَّ نيوتن، كما أن العالمين بلانك وهايزن برج قد أبطلا نظريات لابلاس… من الواضح أنَّ المقتضيات الفلسفية للتفكير العلمي الجديد تختلف عن مقتضيات التَّفكير القديم، والقول بأنَّ الدراسة العلميَّة هي وحدها طريق الوصول إلى الحقائق أصبح الآن ادعاءً غير مقبول، وأصبح كبار العلماء يصِرّون الآن على أنَّ العلم لا يعطينا إلا معرفة جزئية”([13]).

رابعًا: إله يخطئ؟!

الدعوة إلى الاعتماد على العلم التجريبي وحدَه وإضفاء القداسة عليه يعني أنه من المفترض أنَّ التصوّرات والنتائج التي يقدِّمها صحيحة ثابتة؛ إذ إنه لا يمكن أن نبني نظرتنا للحياة على نظريات خاطئة، لكن هل هذا ما يفعله العلم حقا؟

كم مرة نشرت مجلات علمية أبحاثًا علمية لتكشف أبحاثٌ أخرى كميةَ الخطأ في الأبحاث السابقة! بل كم مرة اعتمدت البشرية على نظريات ولقرون طويلة في الفلك والطب والأحياء وغيرها تبيَّن فيما بعد أنها خاطئة تمامًا! بل ما من نظرية -في الغالب- إلا تتبعها نظرية تخطِّئها أو تصحِّح بعض ما فيها أو تطوِّرها بحيث لا يكون الأول صحيحًا بالكامل، فهل يعيد المؤمن توجيه شراعه كلما هبَّت نسمة هواء من قبل العلم التجريبي؟!

وقد ذكر وحيد الدين خان عددًا من النظريات التي تبيَّن خطؤها وحلَّت محلَّها نظريات أخرى، ثم قال: “نظرية نيوتن التي ظلَّت تسود العالم على امتداد قرنين من الزمان كانت نظرية غير كاملة في ضوء الدراسة الجديدة للوقائع… لقد أقام العلماء هذا النوع من النظريات زاعمين أنَّ الحقيقة ليست إلا المادة والحركة، ولكن كل الجهود الرامية إلى تفسير الكون بمصطلحات الحركة والمادة قد انتهت إلى الإخفاق التام… وقد استمرَّ العلماء يؤمنون بهذه العقيدة [نظرية نيوتن] لعدة أجيال… ولكن بعد نشر تجارب ماكسويل أصبح الضوء مشكلة عويصة… وقد استمرت هوَّة الفراغ في الاتساع بين النظريتين حتى جاء اليوم الذي انكشف فيه على العلماء أنَّه لا شيء في نظريات نيوتن ما يمكن اعتباره مقدسًا… إنَّ هذا الاعتراف يبدو بسيطًا، ولكنه في حقيقته كان حكمًا تاريخيًّا خطيرًا ذا مغزى عاديّ وآثار بعيدة المدى… (نحن نعرف حقيقة كلّ شيء) هكذا كان اعتقادنا ونحن نشاهد الأشياء بمنظار نيوتن… ولكن اتَّضح لنا بعد دراسة ظاهرة الكهرباء أنه لا يمكن التوصل إلى طبيعة هذه الظاهرة لدرجة أن جميع المصطلحات المعروفة قد أخفقت في تفسير هذه الظاهرة… وقد اعترفوا بموجودات أخرى على هذا النهج”([14]).

فالعلم التجريبي قائم على هدمٍ وبناءٍ مستمرّ، وبذلك لا يمكن الاعتماد عليه على أنه يقدِّم الإجابة النهائية للأسئلة الوجودية.

خامسًا: العلم التجريبي عاجزٌ حتى عن سدِّ ثغرات نفسه:

تتأكَّد البشرية يومًا بعد يوم أنَّ العلم التجريبيَّ متطوِّر ولا يمكن أن يقدِّم أجوبة عن كل شيء، بل لطالما عجز العلم عن أمور علمية داخل اختصاصه، فضلًا عن عجزه عن تقديم تصورات لما هو خارج منظومته وأدواته، فإذا كان العلم التجريبيّ عاجزًا عن الإجابة عن إشكالات كبرى داخل الحقل العلمي المادي، فإنه من باب أولى أنه لا يمكنه الإجابة عن الأسئلة المثارة في الحقول الأخرى، يقول بول فييرابند: “هناك شيء اسمه العلم يزعم أنَّه يتعامل مع التفاصيل ومع البيئة الشاملة للعالم، ويحاول أن يفسِّر كيف أتت المادة إلى الوجود، وكيف نشأت الحياة، ومتى وبأي أسلوب وصلت الكائنات البشرية إلى الأرض. يبدو أنَّ العلم يتعلَّق بكل شيء، ولكن العلم في الواقع قاصرٌ جدّا”([15]).

ويقول أماندا جفتر: “العلم لا يتخلص في الاختيار بين تفسيرين بديلين، من الممكن دائما أن يكون كلاهما خطأ، ويتضح أنَّ تفسيرًا ثالثًا أو رابعًا أو خامسًا هو الصحيح”([16]).

فالعلم التجريبي طبيعته أنَّه لا يستطيع تقديم الأجوبة على كل شيء، وطبيعته أن نظرياته قابلة للتغير والتطور -بل والهدم- في أي لحظة، يقول جيري كوين: “لا يعني تراكم الأدلة وتقبّل الناس للنَّظرية العلمية أيًّا ما كانت أنها لا يمكن تخطئتها، فجميع النظريات العلمية مؤقَّتة ومعرضة للتَّغيير في ضوء الأدلة الجديدة، لا يوجد جرس منبّه يضرب ليخبر العلماء أنهم قد توصَّلوا إلى الحقيقة المطلقة والنهائية بشأن الطبيعة”([17]).

فإن كان هذا بشأن الطبيعة، فكيف بما وراء الطبيعة؟! وهل يتمسّك الملاحدة في إنكارهم وجود الله إلا بوهمٍ وعبثٍ متَّبعين أهواءهم لا العلم كما يزعمون ويدعون؟!

فالعلم إذَن ليس كما تصوَّروه -حين أخذتهم نشوةُ الانتصار على الكنيسة- بأنه يعرف كل شيء، يقول الفيلسوف الملحد برتراند رسل: “فالعلماء يعترفون في تواضعٍ بوجود مناطق يجِد العلم نفسه عاجزًا عن الوصول إليها”([18]).

فإن قيل -وكثيرًا ما يقال-: إن العلم عاجز اليوم لكنَّه سيصل غدًا، فالعلم دائما في تطور؛ ولذلك حجَّتكم علينا غير سليمة، فالعلم لا زال قادرًا على تقديم الأجوبة.

يقال: ليس القضية في أنَّ العلم يتطور يومًا بعد يوم وهو أمرٌ لا ننكره، وليست القضية فقط في أن العلم متوقّف في قضايا من صميم بحثه، ولكن إذا كان العلم عاجزًا عن إدراك هذه القضايا وهي داخل حقله فكيف بالقضايا الوجودية التي تهمّ الإنسان كمعرفة غايته ومصيره وهدف وجوده، وقضايا الخير والشر، والحكمة والتعليل، والمبادئ والأخلاق وما إلى ذلك؟! خاصة وأنَّه لا يمتلك الأدوات التي تؤهله للبتِّ في تلك القضايا، فالعلم مهما تطور فإن تلك الأسئلة ليست خاضعة من الأساس للعلم التجريبي وأدواته، فلا يصحّ هذا الاعتراض من هذا الوجه، ثم إنَّ هذا القول مناقِض للقول بأننا نستطيع الاستغناء عن الإله بالعلم؛ إذ إنَّ هذا إقرار منهم بأن العلم لم يصل إلى حلّ كل القضايا، ولم يقدم التفسيرات لكل المشكلات، فهو إذن عاجز في كثير من الأمور والقضايا.

سادسًا: من قال: إنه بعيدٌ عن التحيز؟

العلم التجريبي لا شكَّ أنه على قدر كبير من الموضوعية أو هكذا يجب أن يكون، إلا أنَّ العلم التجريبيَّ إنَّما يقوم بالباحثين والعلماء الذين لهم تحيُّزاتهم النفسية وأخلاقياتهم ومعتقداتهم وخلفياتهم الثقافية، وكل هذه من المؤثرات الخارجية، فمن الخطأ الواضح القول بأنَّ العلم التجريبي كل نتائجه بعيدة عن التحيزات والدوافع وبالتالي هي سليمة تمامًا ومدفوعة بدافع البحث عن الحقيقة فقط، يقول جيميس كونانت: “يرى القارئ أيضًا كيف لعب التَّعصب الفكري دورَه في تقويم العلوم بل في تأخيرها، فقد ظلَّ الكيماويون خمسين عامًا لا يقبلون الآراء الأساسيَّة التي بنيت عليها النظرية الذرية أخيرًا، والحق أني لو أردت توسعة هذا الجزء من هذا الباب لأجعل منه وحده بابًا لسمَّيته: (نصف قرن ظلت فيه الأهواء الفكرية والعصبيات الذهنية تصطدم اصطدامًا)”([19]).

ويصل الأمر إلى تبنِّي نظريات لا لكونها علميَّة، وإنَّما لأنَّها هي الفكرة السائدة في زمن ما، يقول إسماعيل عرفة: “بعض النظريات والفرضيَّات العلمية قد تتشكّل -وأحيانًا من الصفر- حتى تتوافق والنموذج المعرفي العلموي السائد في زمن ما”([20]).

بل الأدهى من ذلك أن يصل الأمر إلى التَّمسك بنظريات لا لأسباب علمية، ولكن لأنها تؤيد فكرة ما يريد الباحث الوصول إليها ولو بطريقة غير علمية، أو لأن الفكرة البديلة عن تلك الفكرة يمقتها الباحث، مثل تمسّك البعض بنظرية التطور لأن الفكرة البديلة عنها هي الاعتراف بخلق الله للكون، أي: الاعتراف بوجوده، يقول وحيد الدين خان: “والقول بصدق نظريَّة الارتقاء وإبطال الدين في نظر الذهن العلمي لا يعني مطلقًا أنَّ قضية المعارضين هي قضية الاستدلال العلمي، وإنَّما هذه القضية تتعلق بالنتيجة، فلو أثبت نفس الاستدلال أمرًا طبيعيًّا محضًا فسيقبله المعارضون، وسيرفضونه لو أثبت أمرًا إلهيًّا؛ لأنه غير مرغوب فيه عندهم”([21]).

والشاهد أنَّ العقل البشريَّ لا يستطيع الانفكاكَ من التحيُّز بالكلية، وما دام أنَّ العلم التجريبيَّ مرتبط بالعقل البشريِّ فإنَّ نتائجَه تظلُّ كذلك معرَّضة للزيف والتشويهِ والانحياز لجهةٍ ما ولو كانت غيرَ عِلمية.

أخيرًا:

على هذه النزعة العلموية المادّية تأسَّس الإلحاد، وبمعاولِه يصرُّ الملاحدة على هدمِ الدين في الشرق والغرب، ولا ريبَ أن شيوعَ هذه النزعةِ سيحوِّل الحياة البشرية كلّها إلى فوضى؛ لأنَّ العلموية تَعني غياب المعنى، وهو الأمر الذي يؤدّي حتمًا إلى العدَمِية والعَبَثية، فمن المهمِّ أن يأخذ العلم التجريبي قدرَه، كما أنَّه من المهم في الوقت نفسه أن يبقَى في حقلِه وتخصّصه لتسير الحياة وفقَ نظام يحافِظ على الإنسان كجسد وروح، بدلا من أن تبتلعه غول المادّية.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) أخرجه البخاري (4376).

([2]) في تعريف النزعة العلموية ينظر: المعجم الفلسفي، مراد وهبة، حرف العين (ص: 433).

([3]) أقوى براهين د. جون لينكس في تفنيد مغالطات منكري الدين، جَمَعَه وعلَّق عليه: م. أحمد حسن (ص: 36).

([4]) الفكر الأوروبي الحديث (القرن التاسع عشر)، ترجمة: د. أحمد حمدي محمود (ص: 12-13).

([5]) نشأة الفلسفة العلمية، ترجمة: فؤاد زكريا (ص: 51).

([6]) الإنسان في العالم الحديث (ص: 222)، بواسطة: ظاهرة نقد الدين في الفكر الغربي الحديث، د. سلطان العميري (1/ 437).

([7]) الدين في مواجهة العلم، لوحيد الدين خان (ص: 69).

([8]) هناك عددٌ من الكتب الجيدة في مناقشة العلموية، منها كتب وحيد الدين خان، مثل: الإسلام يتحدّى، والدين في مواجهة العلم، ومنها كتاب: ظاهرة نقد الدين في الفكر الغربي الحديث للدكتور سلطان العميري، الجزء الأول.

 ([9])Austin L. Hughes, The Folly of Scientism, The New Atlantis, p.15.

بواسطة: العلموية ونقادها، د. إبراهيم الرماح -أثارة-.

([10]) أزمة العلوم الأوروبية والفنومينولوجيا الترنسندنتالية، ترجمة: د. إسماعيل المصدق (ص: 44).

([11]) المرجع السابق (ص: 48).

([12]) نظرية الفيزياء لدى الفيزيائيين (ص: 31). بواسطة: العلموية ونقادها، د. إبراهيم الرماح -أثارة-.

([13]) الدين في مواجهة العلم (ص: 68-69).

([14]) المرجع السابق (ص: 69-71).

([15]) طغيان العلم.. ما العلم؟ وما حدوده وأدواته؟ تعليق ومراجعة: د. عبدالله الشهري (ص: 33).

([16]) why is not as simple as God vs the multiverse?

نقلًا عن كتاب: لماذا نحن هنا؟ لإسماعيل عرفة (ص: 195).

([17]) why evolution is true?

نقلًا عن كتاب: لماذا نحن هنا؟ لإسماعيل عرفة (ص: 176).

([18]) الدين والعلم، ترجمة: رمسيس عوض (ص: 171).

([19]) مواقف حاسمة في تاريخ العلم، ترجمة: د. أحمد زكي (ص: 277).

([20]) لماذا نحن هنا؟ (ص: 180).

([21]) الإسلام يتحدى (ص: 46).

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

قياس الغائب على الشاهد.. هل هي قاعِدةٌ تَيْمِيَّة؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   القياس بمفهومه العام يُقصد به: إعطاء حُكم شيء لشيء آخر لاشتراكهما في عِلته([1])، وهو بهذا المعنى مفهوم أصولي فقهي جرى عليه العمل لدى كافة الأئمة المجتهدين -عدا أهل الظاهر- طريقا لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من مصادرها المعتبرة([2])، وقد استعار الأشاعرة معنى هذا الأصل لإثبات الأحكام العقدية المتعلقة بالله […]

فَقْدُ زيدِ بنِ ثابتٍ لآيات من القرآن عند جمع المصحف (إشكال وبيان)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: القرآن الكريم وحي الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، المعجزة الخالدة، تتأمله العقول والأفهام، وتَتَعرَّفُه المدارك البشرية في كل الأزمان، وحجته قائمة، وتقف عندها القدرة البشرية، فتعجز عن الإتيان بمثلها، وتحمل من أنار الله بصيرته على الإذعان والتسليم والإيمان والاطمئنان. فهو دستور الخالق لإصلاح الخلق، وقانون […]

إرث الجهم والجهميّة .. قراءة في الإعلاء المعاصر للفكر الجهمي ومحاولات توظيفه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إذا كان لكلِّ ساقطة لاقطة، ولكل سلعة كاسدة يومًا سوقٌ؛ فإن ريح (الجهم) ساقطة وجدت لها لاقطة، مستفيدة منها ومستمدّة، ورافعة لها ومُعليَة، وفي زماننا الحاضر نجد محاولاتِ بعثٍ لأفكارٍ منبوذة ضالّة تواترت جهود السلف على ذمّها وقدحها، والحط منها ومن معتنقها وناشرها([1]). وقد يتعجَّب البعض أَنَّى لهذا […]

شبهات العقلانيين حول حديث: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يزال العقلانيون يحكِّمون كلامَ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلى عقولهم القاصرة، فينكِرون بذلك السنةَ النبوية ويردُّونها، ومن جملة تشغيباتهم في ذلك شبهاتُهم المثارَة حول حديث: «الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم» الذي يعتبرونه مجردَ مجاز أو رمزية للإشارة إلى سُرعة وقوع الإنسان في الهوى […]

شُبهة في فهم حديث الثقلين.. وهل ترك أهل السنة العترة واتَّبعوا الأئمة الأربعة؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة حديث الثقلين يعتبر من أهمّ سرديات الخطاب الديني عند الشيعة بكافّة طوائفهم، وهو حديث معروف عند أهل العلم، تمسَّك بها طوائف الشيعة وفق عادة تلك الطوائف من الاجتزاء في فهم الإسلام، وعدم قراءة الإسلام قراءة صحيحة وفق منظورٍ شمولي. ولقد ورد الحديث بعدد من الألفاظ، أصحها ما رواه مسلم […]

المهدي بين الحقيقة والخرافة والرد على دعاوى المشككين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»([1]). ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالأمه أنه أخبر بأمور كثيرة واقعة بعده، وهي من الغيب الذي أطلعه الله عليه، وهو صلى الله عليه وسلم لا […]

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان الإيمان منوطًا بالثريا، لتناوله رجال من فارس) شبهة وجواب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  يقول بعض المنتصرين لإيران: لا إشكالَ عند أحدٍ من أهل العلم أنّ العربَ وغيرَهم من المسلمين في عصرنا قد أعرَضوا وتولَّوا عن الإسلام، وبذلك يكون وقع فعلُ الشرط: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ}، ويبقى جوابه، وهو الوعد الإلهيُّ باستبدال الفرس بهم، كما لا إشكال عند المنصفين أن هذا الوعدَ الإلهيَّ بدأ يتحقَّق([1]). […]

دعوى العلمانيين أن علماء الإسلام يكفرون العباقرة والمفكرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة عرفت الحضارة الإسلامية ازدهارًا كبيرًا في كافة الأصعدة العلمية والاجتماعية والثقافية والفكرية، ولقد كان للإسلام اللبنة الأولى لهذه الانطلاقة من خلال مبادئه التي تحثّ على العلم والمعرفة والتفكر في الكون، والعمل إلى آخر نفَسٍ للإنسان، حتى أوصى الإنسان أنَّه إذا قامت عليه الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها. ولقد كان […]

حديث: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ» شبهة ونقاش

من أكثر الإشكالات التي يمكن أن تؤثِّرَ على الشباب وتفكيرهم: الشبهات المتعلِّقة بالغيب والقدر، فهما بابان مهمّان يحرص أعداء الدين على الدخول منهما إلى قلوب المسلمين وعقولهم لزرع الشبهات التي كثيرًا ما تصادف هوى في النفس، فيتبعها فئام من المسلمين. وفي هذا المقال عرضٌ ونقاشٌ لشبهة واردة على حديثٍ من أحاديث النبي صلى الله عليه […]

آثار الحداثة على العقيدة والأخلاق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الفكر الحداثي مذهبٌ غربيّ معاصر دخيل على الإسلام، والحداثة تعني: (محاولة الإنسان المعاصر رفض النَّمطِ الحضاري القائم، والنظامِ المعرفي الموروث، واستبدال نمطٍ جديد مُعَلْمَن تصوغه حصيلةٌ من المذاهب والفلسفات الأوروبية المادية الحديثة به على كافة الأصعدة؛ الفنية والأدبية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية…)([1]). ومما جاء أيضا في تعريفه: (محاولة […]

الإيمان بالغيب عاصم من وحل المادية (أهمية الإيمان بالغيب في العصر المادي)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعيش إنسان اليوم بين أحد رجلين: رجل تغمره الطمأنينة واليقين، ورجل ترهقه الحيرة والقلق والشكّ؛ نعم هذا هو الحال، ولا يكاد يخرج عن هذا أحد؛ فالأول هو الذي آمن بالغيب وآمن بالله ربا؛ فعرف الحقائق الوجوديّة الكبرى، وأدرك من أين جاء؟ ومن أوجده؟ ولماذا؟ وإلى أين المنتهى؟ بينما […]

مناقشة دعوى الإجماع على منع الخروج عن المذاهب الأربعة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن طريقة التعامل مع اختلاف أهل العلم بَيَّنَها الله تعالى بقوله: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ‌أَطِيعُواْ ‌ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ […]

بدعية المولد .. بين الصوفية والوهابية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدّمة: من الأمور المقرَّرة في دين الإسلام أن العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فإنَّ الإسلام مبني على أصلين: أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له، والثاني أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فالأصل في العبادات المنع والتوقيف. عَنْ عَلِيٍّ […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017