الأربعاء - 26 جمادى الآخر 1447 هـ - 17 ديسمبر 2025 م

الأسماء والصفات عند الإمام الذهبي

A A
 #مركز_سلف_للبحوث_والدراسات

الإمام الذهبي هو أبو عبدالله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، ولد سنة 673 هـ بدمشق، وطلب علم القراءات، ثم شغف بالحديث حتى ملك عليه قلبه، فرحل في طلبه، واجتهد -بذل وحصَّل- وتبوأ مكانة قلما يصل إليها أحد، ألف في كثير من الفنون، وأشهر كتبه (تاريخ الإسلام)، و(سير أعلام النبلاء)، توفي سنة 748هـ .

والإمام الذهبي رأس في الحديث والرواية، قال عنه ابن السبكي: «هو إمام الوجود حفظاً، وذهب العصر معنىً ولفظا، وشيخ الجرح والتعديل، ورجل الرجال في كل سبيل، كأنما جُمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها، ثم أخذ يخبر عنها إخبار من حضرها» [طبقات الشافعية الكبرى (9/101)]

والمشهور المعلوم عن الإمام الذهبي أنه على مذهب أهل الحديث في العقيدة، وفي باب الأسماء والصفات خاصة لا يختلف قوله عنهم في ذلك.

ومن العجب أنَّ أحد مشاركي مؤتمر جروزني -السيء الذكر- قد اتهم الذهبي وغيره من أئمة الحديث بأنهم كانوا يفوّضون معاني الآيات والأحاديث الواردة في بعض الصفات، وأن مآل الأمر عندهم في الاعتقاد يؤول إلى منهج الأشاعرة والماتريدية، وأنهم يسلكون مسلك التفويض والتأويل.

وقد ذكر هذا الباحث أن الذهبي من أكثر الناس تأكيداً على أن المذهب الصواب الذي مشى عليه سلف الأمة هو تفويض معاني آيات الصفات.

وذكر قوله في السير: «فقولنا في ذلك -يعني آيات الصفات- بابه الإقرار والإمرار، وتفويض معناه إلى قائله الصادق المعصوم. [السير (8/105)]

وذكر هذا الباحث رد الذهبي على ابن خزيمة في تكفير من تأول الصفات [راجع مقال الأشاعرة وكتاب التوحيد لابن خزيمة وهو من إصدار مركز سلف] ثم قال: «فهذا موقف الذهبي يأمر بتفويض المعنى، ويعذر من تأول الصفات، وقد علمت أنه ما تأوّل من تأوّل إلا صيانة لأفهام العوام وحفظاً لها من الوقوع في درن التشبيه، فالتأويل ضرورة تقدر بقدرها».

وعليه فالتفويض الذي يقول به مآله إلى التأويل لأنه يعذر من قال بالتأويل.

وهذا تلبيس عجيب!

فالذهبي لا يرى كفر من تأوّل الصفات فقط، لا أنه يرى أنهم مصيبون فيما ذهبوا إليه من تأويل الصفات وكيف يكون هذا وهو نفسه قد نص على إنكار التأويل حيث يقول: « قد فسر علماء السلف المهم من الألفاظ وغير المهم، وما أبقوا ممكناً، وآيات الصفات وأحاديثها لم يتعرضوا لتأويلها أصلاً، وهي أهم الدين، ولو كان تأويلها سائغاً لبادروا إليه، فعلم قطعاً أن قرائتها وإمرارها على ما جائت به هو الحق، لا تفسير لها غير ذلك، فنؤمن بذلك، ونسكت اقتداء بالسلف، معتقدين أنها صفات الله تعالى، استأثر الله بعلم حقائقها، وأنها لا تشبه صفات المخلوقين، كما أن ذاته المقدسة لا تماثل ذوات المخلوقين » [ السير (10/505-506)]

وقال: «قول أهل السنة قاطبة أن كيفية الاستواء لا نعقلها، بل نجهلها، وأن استواءه معلوم كما أخبر في كتابه، وأنه كما يليق به، لا نتعمق، ولا نتحذلق، ولا نخوض في لوازم ذلك نفياً وإثباتاً، بل نسكت ونقف كما وقف السلف». [مختصر العلو (ص: 141)].

لأجل ذلك سنبين في هذا المقال عقيدة الذهبي في باب الأسماء والصفات، وما هو مذهبه فيها، وهل كان مفوضاً في ذلك أم كان سلفي المعتقد؟

لا بد من الإشارة إلى أن الذهبي يرى أن مذهب السلف هو إمرار نصوص الصفات كما جاءت دون تكلف معرفة حقيقتها، وينقل إجماع السلف على ذلك [مختصر العلو (141-142)]

ويثبت الصفات الخبرية التي لا يثبتها الأشاعرة، كصفة الوجه واليدين والأصابع، والقدم والساق، والمجيء والإتيان، بل إنه ألف كتاب الأربعين في صفات رب العالمين وذكر في الجزء الأول منه هذه الصفات مع الاستدلال على وجوب إجرائها على الظاهر بما سرده من الآيات والأحاديث وأقوال السلف.

كما نجد الذهبي يثبت الاستواء على العرش وأنه تعالى في السماء، بل ألف كتابا مستقلا في هذا وهو الكتاب المعروف بـ “العلو للعلي الغفار”، وقد ذكر فيه أقوال السلف، التي تدل على أن المعتقد الصحيح هو: الإيمان بأن الله فوق العالم بذاته وأنه جل جلاله مستوٍ على العرش.

ونجده رحمه الله يستدل على صحة المنهج السلفي بالقاعدة المشهورة: القول في الصفات كالقول في الذات، فكما أنه سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء في ذاته، فكذلك ليس كمثله شيء في صفاته [السير (13/300)].

ولم يقف الإمام الذهبي في نصرته للمنهج السلفي عند إثبات الصفات على ما هو ظاهر منها بل أكد على أن هناك مقامان مذمومان، مقام التأويل وصرفها عن موضوع الخطاب، والمقام الثاني مقام التشبيه بصفات المخلوقين. [السير (10/610-611)]

بل إنه ذهب إلى أبعد من هذا عندما ذكر أن إثبات صفات الله وعدم تأويلها، وإمرارها بلا تكييف هو ما كان عليه أبو الحسن الأشعري وأصحابه، إلى أن وقع الاختلاف بعد ذلك في زمن أبي حامد [السير (17/558-559)]

فكيف يصح بعد هذا أن يقال: إن الذهبي يؤولُ قوله إلى مذهب الأشاعرة؟

وهل يصح أن يحكم على شخص بأنه يؤول مذهبُه إلى ما يقول به الأشاعرة إلا إذا جرى على أصولهم، والذهبي ما وافق الأشاعرة في أصولهم، بل أنكر عليهم قولهم.

ومما يؤكد ما ذكرنا من أن الإمام الذهبي كان على المنهج السلفي رادًّا لبدع الأشاعرة: أنه قد حيل بينه وبين تولي مشيخة دار الحديث الأشرفية مع كونه إمام أهل الحديث في زمانه وما ذاك إلا لأنه لم يكن على مذهب الأشاعرة، [انظر: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (3/74)].

بل قال ابن السبكي عنه: إنه «كان شديد الميل إلى آراء الحنابلة، شديد الازدراء بأهل السنة الذين إذا حضروا كان أبو الحسن الأشعري فيهم مقدم القافلة» [طبقات الشافعية الكبرى (9/103)].

ومراده بأهل السنة: الأشاعرة كما فسره هو بنفسه، فهل كان ينكر عليهم أنهم يقولون بمثل قوله أو بما يؤول قوله إليه أو بما يعذرهم فيه؟!

‏إعداد اللجنة العلمية بمركز سلف للبحوث والدراسات [تحت التأسيس]

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

قواعد عامة للتعامل مع تاريخ الوهابية والشبهات عنها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يفتقِر كثيرٌ من المخالفين لمنهجية الحكم على المناهج والأشخاص بسبب انطلاقهم من تصوراتٍ مجتزأة، لا سيما المسائل التاريخية التي يكثر فيها الأقاويل وصعوبة تمييز القول الصحيح من بين ركام الباطل، ولما كانت الشبهات حول تاريخ دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب كثيرة ومُتشعبة رأيت أن أضع قواعد عامة […]

تَعرِيف بكِتَاب (مجموعة الرَّسائل العقديَّة للعلامة الشَّيخ محمد عبد الظَّاهر أبو السَّمح)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المعلومات الفنية للكتاب: عنوان الكتاب: مجموعة الرَّسائل العقديَّة للعلامة الشَّيخ محمد عبد الظَّاهر أبو السَّمح. اسم المؤلف: أ. د. عبد الله بن عمر الدميجي، أستاذ العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى. رقم الطبعة وتاريخها: الطبعة الأولى في دار الهدي النبوي بمصر ودار الفضيلة بالرياض، عام 1436هـ/ 2015م. […]

الحالة السلفية عند أوائل الصوفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعدَّدت وجوه العلماء في تقسيم الفرق والمذاهب، فتباينت تحريراتهم كمًّا وكيفًا، ولم يسلم اعتبار من تلك الاعتبارات من نقدٍ وملاحظة، ولعلّ أسلمَ طريقة اعتبارُ التقسيم الزمني، وقد جرِّب هذا في كثير من المباحث فكانت نتائج ذلك محكمة، بل يستطيع الباحث أن يحاكم الاعتبارات كلها به، وهو تقسيم […]

إعادة قراءة النص الشرعي عند النسوية الإسلامية.. الأدوات والقضايا

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: تشكّل النسوية الإسلامية اتجاهًا فكريًّا معاصرًا يسعى إلى إعادة قراءة النصوص الدينية المتعلّقة بقضايا المرأة بهدف تقديم فهمٍ جديد يعزّز حقوقها التي يريدونها لا التي شرعها الله، والفكر النسوي الغربي حين استورده بعض المسلمين إلى بلاد الإسلام رأوا أنه لا يمكن أن يتلاءم بشكل تام مع الفكر الإسلامي، […]

اختلاف أهل الحديث في إطلاق الحدوث والقدم على القرآن الكريم -قراءة تحليلية-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يُعَدّ مبحث الحدوث والقدم من القضايا المركزية في الخلاف العقدي، لما له من أثر مباشر في تقرير مسائل صفات الله تعالى، وبخاصة صفة الكلام. غير أنّ النظر في تراث الحنابلة يكشف عن تباينٍ ظاهر في عباراتهم ومواقفهم من هذه القضية، حيث منع جمهور السلف إطلاق لفظ المحدث على […]

وقفة تاريخية حول استدلال الأشاعرة بصلاح الدين ومحمد الفاتح وغيرهما

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يتكرر في الخطاب العقدي المعاصر استدعاء الأعلام التاريخيين والحركات الجهادية لتثبيت الانتماءات المذهبية، فيُستدلّ بانتماء بعض القادة والعلماء إلى الأشعرية أو التصوف لإثبات صحة هذه الاتجاهات العقدية، أو لترسيخ التصور القائل بأن غالب أهل العلم والجهاد عبر التاريخ كانوا على هذا المذهب أو ذاك. غير أن هذا النمط […]

الاستدلال بتساهل الفقهاء المتأخرين في بعض بدع القبور (الجزء الثاني)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة خامسًا: الاستدلال بإباحة التوسل وشدّ الرحل لقبور الصالحين: استدلّ المخالفون بما أجازه جمهور المتأخرين من التوسّل بالصالحين، أو إباحة تحرّي دعاء الله عند قبور الصالحين، ونحو ذلك، وهاتان المسألتان لا يعتبرهما السلفيون من الشّرك، وإنما يختارون أنها من البدع؛ لأنّ الداعي إنما يدعو الله تعالى متوسلًا بالصالح، أو عند […]

الاستدلال بتساهل الفقهاء المتأخرين في بعض بدع القبور (الجزء الأول)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من المعلوم أن مسائل التوحيد والشرك من أخطر القضايا التي يجب ضبطها وفقَ الأدلة الشرعية والفهم الصحيح للكتاب والسنة، إلا أنه قد درج بعض المنتسبين إلى العلم على الاستدلال بأقوال بعض الفقهاء المتأخرين لتبرير ممارساتهم، ظنًّا منهم أن تلك الأقوال تؤيد ما هم عليه تحت ستار “الخلاف الفقهي”، […]

ممن يقال: أساء المسلمون لهم في التاريخ

أحد عشر ممن يقال: أساء المسلمون لهم في التاريخ. مما يتكرر كثيراً ذكرُ المستشرقين والعلمانيين ومن شايعهم أساميَ عدد ممن عُذِّب أو اضطهد أو قتل في التاريخ الإسلامي بأسباب فكرية وينسبون هذا النكال أو القتل إلى الدين ،مشنعين على من اضطهدهم أو قتلهم ؛واصفين كل أهل التدين بالغلظة وعدم التسامح في أمورٍ يؤكد كما يزعمون […]

كيفَ نُثبِّتُ السُّنة النبويَّة ونحتَجُّ بها وَقَد تأخَّر تدوِينُها؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ إثارةَ الشكوك حول حجّيّة السنة النبوية المشرَّفة بسبب تأخُّر تدوينها من الشبهات الشهيرة المثارة ضدَّ السنة النبوية، وهي شبهة قديمة حديثة؛ فإننا نجدها في كلام الجهمي الذي ردّ عليه الإمامُ عثمانُ بن سعيد الدَّارِميُّ (ت 280هـ) رحمه الله -وهو من أئمَّة الحديث المتقدمين-، كما نجدها في كلام […]

نقد القراءة الدنيوية للبدع والانحرافات الفكرية

مقدمة: يناقش هذا المقال لونا جديدًا منَ الانحرافات المعاصرة في التعامل مع البدع بطريقةٍ مُحدثة يكون فيها تقييم البدعة على أساس دنيويّ سياسيّ، وليس على الأساس الدينيّ الفكري الذي عرفته الأمّة، وينتهي أصحاب هذا الرأي إلى التشويش على مبدأ محاربة البدع والتقليل من شأنه واتهام القائمين عليه، والأهم من ذلك إعادة ترتيب البدَع على أساسٍ […]

كشف الالتباس عما جاء في تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لقوله تعالى في حق الرسل عليهم السلام: (وظنوا أنهم قد كُذبوا)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إن ابن عباس رضي الله عنهما هو حبر الأمة وترجمان القرآن، ولا تخفى مكانة أقواله في التفسير عند جميع الأمة. وقد جاء عنه في قول الله تعالى: (وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُواْ) (يوسف: 110) ما يوهم مخالفة العصمة، واستدركت عليه عائشة رضي الله عنها لما بلغها تفسيره. والمفسرون منهم […]

تعريف بكتاب “نقض دعوى انتساب الأشاعرة لأهل السنة والجماعة بدلالة الكِتابِ والسُّنَّةِ والإِجْمَاعِ”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقَـدّمَـــة: في المشهد العقدي المعاصر ارتفع صوت الطائفة الأشعرية حتى غلب في بعض الميادين، وتوسعت دائرة دعواها الانتساب إلى أهل السنة والجماعة. وتواترُ هذه الدعوى وتكرارها أدّى إلى اضطراب في تحديد مدلول هذا اللقب لقب أهل السنة؛ حتى كاد يفقد حدَّه الفاصل بين منهج السلف ومنهج المتكلمين الذي ظلّ […]

علم الكلام السلفي الأصول والآليات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: اختلف العلماء في الموقف من علم الكلام، فمنهم المادح الممارس، ومنهم الذامّ المحترس، ومنهم المتوسّط الذي يرى أن علم الكلام نوعان: نوع مذموم وآخر محمود، فما حقيقة علم الكلام؟ وما الذي يفصِل بين النوعين؟ وهل يمكن أن يكون هناك علم كلام سلفيّ؟ وللجواب عن هذه الأسئلة وغيرها رأى […]

بين المعجزة والتكامل المعرفي.. الإيمان بالمعجزة وأثره على تكامل المعرفة الإنسانية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لقد جاء القرآن الكريم شاهدًا على صدق نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، بل وعلى صدق الأنبياء كلهم من قبله؛ مصدقًا لما معهم من الكتب، وشاهدا لما جاؤوا به من الآيات البينات والمعجزات الباهرات. وهذا وجه من أوجه التكامل المعرفي الإسلامي؛ فالقرآن مادّة غزيرة للمصدر الخبري، وهو […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017