الأحد - 15 ذو القعدة 1444 هـ - 04 يونيو 2023 م

تصدير سِجلّ مؤتمر جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريِّين للشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله (8)

A A

 للتحميل كملف pdf  اضغط هنا

[تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين]

جمعيَّة العلماء فكرةً:

زارني الأخُ الأستاذُ عبد الحميد بن باديس -وأنا بمدينةِ سطيف([1]) أقوم بعمَلٍ علميٍّ- زيارةً مستعجلةً في سنةِ أربع وعشرين ميلادية فيما أذكُر، وأخبرني بموجب الزيارة في أوَّلِ جلسةٍ، وهو أنَّه عقَد العزم على تأسيس جمعيَّة باسم (الإِخاء العلميّ) يكون مركزها العام بمدينة قسنطينة العاصمة العلميّة، وتكون خاصَّةً بعمَالَتِها، تجمع شملَ العلماء والطَّلَبة، وتوحِّد جهودَهم، وتقارب بين مناحِيهم في التعليم والتفكير، وتكون صِلةَ تعارف بينهم، ومُزيلةً لأسباب التناكر والجفَاء، وذهَب يقصُّ عليَّ من فوائدِها ما لم أُنكره ذَوقًا وإحساسًا، وإن كنت استبعَدتُه عملًا وواقعًا؛ لاعتباراتٍ ذهبت بذهابِ وقتِها، ولم أكاشِف الأخَ الأستاذ بها خشيةَ أن أثبِّطَه -وما التثبيطُ مِن شِيَمي-، ولم يزل كلامُه يُقنعني حتى شرحَ الله صدري للذي شرح له صدرَ أخي، وتنازعنا الحديثَ في منافع هذه الجمعيَّة، فتكشَّفت لنا عن فوائدَ لا تُحصَى، وأذكُر أني عددت من فوائدها إيقافَ الطلبة عند حدودِهم ودرجاتِ تحصيلهم حتى لا يَغُرّوا ولا يغترُّوا… إلخ.

وفي تلك الجلسةِ عَهِد إليَّ الأخُ الأستاذ أن أضَع قانونها الأساسيَّ، فوضعتُه في ليلةٍ، وقرأتُه عليه في صباحِها، فاغتَبَط به أيّما اغتباطٍ، وودَّعني راجعًا إلى قسنطينة بعد أن اتَّفقنا بديًّا على أعضاءِ الإدارة وأن يكونوا كلُّهم من مدينة قسنطينة، وعلى تذليل عقبات يتوقَّف على تذليلها نجاحُ المشروع، وعلى ترجمة القانون الأساسيِّ وتقديمه للحكومة، ثمَّ دَعوة العلماء إلى الاجتماع.

ولما وصل إلى قسنطينة وعرَض الفكرةَ على الجماعة الذين يجِب تكوينُ المجلس منهم أَيَّدوا الفكرةَ، وقرَّروا القانون بعد تعديلٍ قليل، ثمَّ حدَثَت حوادثُ عطَّلت المشروعَ، وأَخبرني الأستاذُ باديس بذَلك، فلم أستَغرِب لِعلمي أنَّ استعدادَنا لمثل هذه الأعمالِ لم يَنضُج بعد، وأنَّ عملًا عظيمًا كهذا لا يثبُت على الفِكرة الطائرةِ والخَطرة العارضة، ولا يتمُّ في الخارج إلَّا بعد استقراره في الأَذهان، ولا بدَّ له من زمنٍ واسعٍ حتى يختمِر وتأنس إليه نفوسٌ ألِفَت التفرُّق حتى نكِرَت الاجتماع. فسَكَتنا وتركنا الزَّمانَ يَفعل فِعله، فماذا كان؟

جمعية العلماء عقيدة:

من الأعمالِ ما يكونُ الفشلُ فيه أجدَى منَ النَّجاح، وهذا هو ما شاهَدناه في تأسيسِ جمعيَّة الإخاء العلمي، فقَد فشِلنا في تأسيسها ظاهرًا وفيما يبدُو للناس، ولكن تلكَ المحاولات لم تذهَب بِلا أثرٍ في المجتمعاتِ العلميَّة الجزائرية حتى كان من نتائجها بعد أعوامٍ جمعية العلماء المسلمين.

إنَّ ذلك الاسمَ اللطيفَ الذي وضَعه الأستاذُ باديس للجمعية وهو “الإخاء العلمي” طارَ على الأفواه وتطايَر عن الأقلامِ، وردَّدته مجالسُ التعليم ومحافل الأدَب، ثمَّ تخطَّاها إلى نوادي السَّمَر، وكان لُطفُه داعيًا لانجذاب القلوبِ واستهواء الأفئدَة، فنبَّه الغافلَ وأيقظ النائمَ، وحثَّ الخامل وقوَّى العزائِم، وأشعر أهل العِلم أنَّ العِلم رحمٌ، وأنها مجفُوَّة بينهم فيجِب أن توصَل، وأشعَرَ العامة أنَّ قوَّتها من قوة علمائها، وأنَّ قوّة العلماء لا تتحقَّق إلا بتآخيهم على العلم واجتِماعهم على العمل.

وإنَّنا نعرف لأخينا الأستاذِ باديس ذوقًا دقيقًا في وضعِ الأسماء وصَوغ العناوين، وإنَّه يكاد يكون مُلهَمًا في هذا الباب، ونعرِف أنَّه اكتَسب ذلك من أسلوبه التدريسيِّ المبنيِّ على التَّحديد والإحاطَة والدقة.

ولقد كان من المعقول -والحرب مشبوبة([2]) بين المصلحين والطرقيين- أن يكونَ اسم الجمعية: (الإصلاح الديني)، ولكن المصلحين -وهم أوَّلُ مَن فكَّر في مشروع جمعية العلماء، وزعيمُهم هو أوَّل من وضع ذلك الاسم- لم يكونوا يقصِدون من هذه الجمعيةِ من يومِ تصوَّرُوها فكرةً إلى يومِ أَبرزوها حقيقةً واقعة إلّا غرضًا واحدًا، وهو جمع القِوى الموزَّعة من العلماء على اختلاف حظُوظهم في العلم؛ لتتعاون على خدمةِ الدين الإسلامي واللُّغة العربية، والنهوض بالأمة الجزائرية مِن طريقهما، ولو كان عندَ المصلحين شيءٌ من سوءِ القصد الذي يرمِيهم به خصومُهم لظهَر أثرهُ في تَسمية الجمعية أولًا باسم (الإخاء العلمي)، وثانيًا بـ(جمعية العلماء المسلمين الجزائريين)، والاسم هو العنوان المتضمِّن لكل ما وراءَه مِن معانٍ.

طاف طائفُ هذا الاسمِ اللَّطيف “جمعية الإخاء العلمي” بالآذان، واستقرَّ بعدها في الأذهان، وكلُّ كلمة من كلماته الثلاثِ محبَّبة إلى النفوس، جميلة الموقع منها، فالاجتماع أُمنية كلِّ عاقل، والتآخي طلبَةُ كلِّ مُخلِص، والعلم نَشيدَة كلِّ حيٍّ، فكيف إذا اجتمَع العلم والتآخي فيه والاجتماع على استثمارِه؟! ولكن أنّى للأمة الجزائريَّة باجتماعِ العلماء وتآخيهم في العلم وإنَّ الطائفةَ التي يُطلق عليها هذا الاسم حقيقةً أو ادِّعاءً بهذا القُطر هي طائفةٌ متنافِرة متنابذة، كأنَّ من كمال العلم عند بعضِها أن يُبغِض العالم العالمَ ويجفُوَ العالم العالمَ؟! شِنشِنةٌ مُعْظَمُ الشرِّ فيها آتٍ من الزوايا الطرقيَّة التي تعلَّم فيها أولئك العلماءُ أو علَّموا فيها، والكثرةُ الغالبة في علماء الجزائر قبل اليوم تعلَّمت بالزوايا، أو علمت العلم في الزوايا، فمِنَ الزوايا المبدأ وإليها المصير. وزوايا الطرق في باب العِلم كمدارس الحكوماتِ؛ هذه معامِل لتخريج الموظَّفين، وتلك معامل لتخريج المسبِّحين بحمد الزوايا والمقدِّسين. أمَّا العلم وحقيقتُه وصراحتُه وحريَّته فلا رائحةَ لها في هذه ولا في تلك، وسنفصِّل القولَ في هذه المسألة -التعلُّم بالزوايا وآثارُه في نفوسِ المتعلِّمين- في فصلٍ آخرَ، فإنَّ لهذه المسألةَ بابًا واسعًا في تاريخ الجزائر العِلمي، ونعود لموضوعنا:

إنَّ الرجاءَ كان ضعيفًا في تحقُّق أمنيَّة اجتماع العلماء من تلقاء أنفسِهم إذَا لم يَدفعهم دافع قويٌّ مِنِ استعداد الأمَّة، وقد وُجد هذا الاستعداد.

فقد دبَّ في الأمَّة الجزائريةِ دبيبُ الحياةِ، وقويَ فيها الشعورُ بسوء الحالِ التي هي عليها، والشعورُ بالفساد هو أوَّل مراحلِ الإصلاح، وتجلَّى هذا الشعورُ بالعمل في عدَّة نواحٍ من حياتها العامَّة:

فتجلَّى في الناحية الاقتصاديَّة بالدخول في ميادينِ الكسب التي كانَت وقفًا على غير المسلِم الجزائريِّ.

وتجلَّى في الناحية الأدبيَّة بتأسيس النوادِي والجمعيات المختلفة.

وتجلّى في الناحية العلميَّة بالإقبال على القراءة والتعلُّم باللغتين العربية والفرنسويَّة، وبالبذل على العلم والتغرُّب في سبيله.

وتجلّى في الناحية الدينيَّة بتشييد المساجد في القرى والإنفاق عليها من مالِ الأمة الخالص.

وتجلّى في الناحيةِ النفسيَّة بالتفكير الجدّيِّ المستقيم.

ومِن مظاهرهِ الاعتمادُ على النَّفس في الأعمال التي ذكرنا، والإيمان بجود شيء اسمُه: الأمَّة، بعد أن كانت هذه الأمَّة تعتمِد في دنياها على الحكومة، وفي آخرتها على المرابطين([3]) وشيوخ الطُّرق، وتشعر أنها ذائبة في هاتين القوَّتين.

ومن الحقِّ أن نقولَ: إنَّ شعورَ الأمَّة الجزائرية وإن ظهرت آثارُه في جهات حياتها المختلفة، ولكنَّه يبدأ فوّارًا حارًّا بصفَةٍ خصوصيَّة في جهتي الدِّين واللسان العربي، وهما الجهتان اللَّتان عُرِفت الأمة الجزائرية بالتمسُّك بهما والغيرة عليهما.

ومن الحقِّ أيضًا أن نقولَ: إنَّ أكثرَ الفضل في تنبيه ذلك الشعورِ في الأمَّة يرجع إلى ما كان يبثُّه رجال الإصلاح الدينيِّ فرادى بين الأمَّة، فلم يمضِ إلّا قليلٌ من الزمن حتى غمَر الأمةَ شعورٌ عامّ بلزوم إصلاح عامٍّ يشمل الدينَ والعلم والاجتماع، ورأت نهج الإصلاح في هذه المقوِّمات الثلاثة واضحًا. فكانت دواعيه أسبقَ وأسبابُه أوثقَ، وأصبحت فكرةُ تأسيس جمعيَّةٍ من علماء الأمة لتشرفَ على هذا الإصلاح وتتولَّى تخطيطَ مناهجه عقيدةً راسخةً مستولِية على عقول العوامِّ والخواصِّ، وأصبحت بواعِث تأسيسها صادرةً من الأمَّة، لا من العلماءِ وحدَهم، فانقادَ الجميع -أمَّةً وعُلماء- إلى تأسيس هذا المشروع العظيمِ بما يُشبه الاضطرارَ، وتَمَّ ذلك بكلِّ سهولةٍ وبدون كلفة.

جمعية العلماء حَقيقة واقعة:

رأيتَ الآنَ أنَّ السِّرَّ في تأسيسِ “جمعية العلماء” بتلك السهولةِ وبتلك المحاولَة الهيِّنة هو استعدادُ الأمة لظهور هذا المشروع العظيم فيها، فانقادت إليهِ بشعرة، وانجرَّت إلى بناء صرحِه بنَملة، وعلِمتَ ممَّا أجملناه لكَ مِن مراحل هذا المشروع أنَّ الشعورَ به كان من نصيبِ طبقات مخصوصةٍ وهم المتأثِّرون بالإصلاح، وفي ناحيةٍ محدودة من القُطر وهي إقليم قسنطينة، ثمَ تغلغل في الأقاليم الثلاثةِ في بضعةِ أعوام، وتحوّل التفكيرُ في مكانِ التأسيس مِن قسنطينة التي هي الجناح إلى الجزائر التي هيَ القلبُ، ومعنى هذا كلِّه أنَّ الأمة الجزائرية استيقَنت سَفَه الأيدي التي كانت تقودُها باسم الدِّين، فصمَّمت على التفلُّت منها وإلقاء المقادَة إلى أيدي العلماء؛ لتبتدِئ السيرُ في نهضتها على هدًى وبصيرة، فقالَت للعلماء: اجتَمِعوا؛ فاجتَمعوا.

لم يَكن تأسيسُ جمعيَّة العلماء المسلمِين خفيفَ الوقع على الجماعات التي ألِفَت استغلالَ جهل الأمَّة وسذاجَتها وعاشَت على مَوتها، ولكن التيار كانَ جارفًا لا يقومُ له شيءٌ، فما كان من تلك الجماعاتِ إلّا أن سايرتِ الجمعيةَ في الظاهر، وأسرَّت لها الكيدَ في الباطن، وكان المجلسُ الإداريُّ الذي تألَّف بالاختيار في السنة الأولى غيرَ منقَّح ولا مُنسجِم؛ لمكان العجَلة والتسامُح، فكان من بين أعضائِه أولو بقيَّة يخضَعون للزوايا وأصحابها رغبًا ورهبًا، وكان وجودُهم في مجلس الإدارة مسلِّيًا لشيوخ الطرق، ومخفِّفًا من تشاؤمهم بالجمعية؛ لسهولة استخدامهم لهم عند الحاجَة، فإما أن يتَّخذوهم أدواتٍ لإفساد الجمعية وإسقاطِها، وإما أن يتذرَّعوا بهم لتصريفها في مصالحهم وأهوائهم.

أمَّا المصلحون فقد صرَّحوا من أوَّل يوم بأنهم سائرون بهذه الجمعية على المبدأ الذي كانوا سائرينَ عليه من قبلها، ومنه محاربةُ البدع والخرافاتِ والأباطيل والضلالات، ومقاومة الشرِّ من أيِّ ناحيةٍ جاء.

وانقضَتِ السنة الأولى في التنظيم والتنسيقِ، وبدأتِ الأعمال تُظهِر مراتبَ الرجال، فاضطلع المصلحون وحدَهم بالأعمال التمهيدية -وما هي بالحمل الخفيفِ-، ولما جاء أجل الانتخاب للدَّورة الثانيةِ هجَم العْلِيوِيُّون ومَن شايَعهم على ضلالهم تلكَ الهجمةَ الفاشلة بعد مكائدَ دبَّروها، وغايتُهم استخلاصُ الجمعية من أيدي المصلِحين، وجعلُها طرقيَّةً عْلِيوِيَّة، واستخدامهم هذا الاسم الجليلَ في مقاصدهم الخاطِئة كما هي عادتهم في إِلباس باطلِهم لباسَ الحقَّ، ووقف المصلِحون لتلك الهجمةِ وقفةً حازمة، أنقَذت الجمعيَّة من السقوطِ، ومحَّصتها من كلِّ مذَبذب الرأيِ مضطَرب المبدأ، وتألَّف المجلِس الإداريُّ من زعماءِ الإصلاح وصفوة أنصاره، ورأى الناسُ عجيبَ صُنع الله في نصر الحقِّ على الباطل.

لم يقف العْلِيوِيُّون وأذنابهم عند حدِّ ذلك الهجوم الذي كان أوَّله كيدًا وآخره فضِيحة، بل أجمعوا أمرَهم وشركاءَهم، وقرَّروا في اجتماعٍ تولَّى كِبرَه رئيسهم الأكبر أحمَد بن عْلِيوَه محاربةَ “جمعية العلماء” بكلِّ وسيلة وبكلّ قوّة، وتقاسموا على ارتِكاب ما يحلُّ وما يحرم في هذا السبيلِ، وانفتَقت لهم الحيلةُ بإرشادِ بعض أذنابِ الإدارة على تأسيس جمعية طرقيَّة في معناها وحقيقتها، حُلُولية في باطن باطنها، عِلميّة في ظاهرها وما يراه الناسُ منها؛ ليوهموا العامَّة أنهم يحاربون العلمَ بالعِلم، لا العِلم بالجهل، فبثُّوا في الزوايا وعبيدِها دعوةً جامعة إلى تكوين هذه الجمعيَّة التي وصفُوها بأنها جبهة قويَّة تقِف في وجه الإصلاح، وتُنازِل جمعيتَه وجهًا لوجه ودارًا لدار، بعد أن لم يبق أملٌ في إسقاطها بالحيلة، أو الاستيلاء عليها بالمكر.

وكانَ من هذا كلِّه أن تأسَّست “جمعية علماء السُّنَّة” من علماء مأجورين وطلبة مَدحورين، من كلِّ مَن في عنقِه للزوايا مِنَّةُ الخُبز، ولها عَليه فضلُ التَّعليم الأشلِّ، وله فيها رجاء العبد في سيِّده، من تلك الطائفة التي لا ترعى للعلم حُرمة، ولا تشعر له في نفوسها بِعزَّة ولا كرامةٍ، وقد اجتمَعوا كلُّهم على النداء من كلِّ صوب كضوالِّ الإبل، وحُشِروا في غَمرةٍ من الذهول أوهمتهم أنهم سيصبحون بفضلِ سادتهم مشائخ الطرق، وبجاه موالاتهم للحكومة([4]) موظَّفين (مُنَيْشَنِين)([5]).

دخَل الجميعُ -لأوَّل مرة في تاريخ حياتهم- جمعيةً لا يدرون بمن تُدار ولا كيف تُدار، وسمِعوا لأوَّل مرةٍ كلمات: “النظام، والاشتراك، والموادّ، واللجان”، وسمعوا خُطَبًا مأجورةً لا فرق عندهم بينها وبين عزائم الجانّ، ثمّ تقاضَتهم الجمعيُة ما لا عهدَ لهم به ولا ألِفَته نفوسهم، وهو: المال – الاشتراك – التبرّع – الإعانة، فقالوا في أنفسِهم: إنَّ هذا لشيء لم نُخلَق له، إنَّ هذا لشيءٌ يُراد، إنَّ آباءنا عوَّدونا أن نَأخُذَ ولا نُعطِي، إنَّ زوايانا “قائِمَة”، فما معنى هذه الزاوية “المنفَرِجَة” التي اسمها: “جمعية علماء السنة”؟! إنَّ نكاية الإصلاح فينا لأهونُ علينا مما تدعونَنا إليه.

اصطدَمت هذه الجمعيةُ المفروضَة على الدَّهر بأسبابِ التفرُّق الجوهريَّة في أول يومٍ، وأراد حاوٍ([6]) تلميذٌ أن يلاعبَ أساتِذَة الحواة، فكان الضَّحيَّةَ وحدَه.

ثم خرجَ مجلسُ هذه الجمعية بمواكِبِه إلى الأمة يسألها المالَ والتأييد، فقابَلته بما يَستحقُّ من طردٍ ومَقت، ولم يمضِ إلّا قليلٌ حتى حلَّ الله ما عقَدوا، وتَبَّرَ ما شيَّدوا، ورأَى الناسُ عبرةً العبر في انهيارِ الباطلِ وانخذال أهلِه، وعدُّوها من عجائبِ صنع الله لجمعيَّة العلماء المسلمين، وقرؤوا قوله تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17].

* * *

ــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) سطيف: مدينةٌ تقع في الهضاب العليا شرق الجزائر العاصمة، وتبعد عنها بحوالي 300 كلم.

([2]) أي: متَّقِدة ومتوهِّجةٌ.

([3]) ليس المقصود المرابطين على الثغور، وإنما هو اصطلاح في المغرب يطلق على رجال الدين الذين تفرَّغوا لتعليم الناس. وتعود التسمية إلى دولة المرابطين التي حكمت المغرب والأندلس، وغالبًا ما يكون هؤلاء من أصحاب الطُّرق.

([4]) أي: الحكومة الفرنسية آنذاك.

([5]) من (النيشان) وهو الوسام، أي: مُوَسَّمِين حاملي أَوْسِمة.

([6]) يُطلق الحاوي على مَن يقوم بأعمال غريبةٍ تشبِه السِّحر، ويتّخذ منَ الأسواق والسَّاحات العامّة مكانًا لإبراز مهاراته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

من تاريخ الدولة السعودية الأولى كما رواه الجبرتي في تاريخه – الجزء الثاني

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   الاستعداد لتحرير الحجاز من الوهابيين واحتساب الميزانية: [سنة 1223هــ المحرم غرته/ 28 فبراير 1808م]: برز القابجي المسمى بيانجي بيك إلى السفر على طريق البر، وخرج الباشا لوداعه. وهذا القابجي كان حضر بالأوامر بخروج العساكر للبلاد الحجازية، وخلاص البلاد من أيدي الوهابية، وفي مراسيمه التي حضر بها: التأكيد والحث […]

موافقات القاضي أبي يعلى ابن الفراء الحنبلي وتراجعاته

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة يُعتبر القاضي أبو يعلى -محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد البغدادي الحنبلي ابن الفراء- من الشخصيات التي سببت جدلًا واسعًا في الأروقة العلمية القديمة، وهذه مسألة قد نفهمها بسبب الخلاف بين الأشاعرة والحنابلة، إلا أن الأمر الآخر الذي يحيطه تعقيدًا هو تضارب آرائه في الباب الواحد، […]

مقولة الخصوم بنفي العصمة عن أئمة السلفية… كيف نفهمها ونتعامل معها؟

لعلَّه من أشهر الأساليب الهجوميّة لخصوم المنهج السلفي: المبادرةُ للقول بأن أئمتَه ليسوا قدِّيسين أو معصومين من الخطأ، فابن تيمية عالم كبير لكنه يصيب ويخطئ، ومحمد بن عبد الوهاب (داعية وليس نبيًّا)([1]). وغنيٌّ عن القول بأن المراد من هذا الكلام ليس تثبيتَ الحقائق وتأكيدَها، بل هو أسلوب هجوميّ مألوفٌ يستخدمه خصومُ السلفية لتحقيق مجموعةٍ من […]

مثاراتُ الغلط في مسألة التبرُّك

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مسألة التبرك من أكثر المسائل التي حصل فيها خلط وغلط كثير؛ بسبب الإطلاقات غير المنضبطة، إفراطًا أو تفريطًا، مما ترتب عليه اشتباه المشروع بغير المشروع لدى البعض، ومواطن الإجماع بمواطن الخلاف، وما يسوغ فيه الخلاف وما لا يسوغ. وقد حصل توسع كبير في هذا المسألة، أخرجها -في بعض صورها- […]

لماذا لم تفرض الشريعةُ الحجابَ على الرجالِ منعًا من افتتان النِّسَاء؟

  إن الشريعة الإسلامية نادت بالعِفَّة، وحرّمت الزنا ومقدِّماته، وشرعت من الأحكام بين الجنسين ما روعي فيه طبيعة كل منهما، ومن جملة تلك الأحكام: فرض الحجاب على المرأة. وقد أثار دعاة السفور والتهتّك والانحلال شبهاتٍ حول حجاب المرأة، ومن تلك الشبهات قولهم: ما دام الأمرُ بالحجاب من أجْل الفِتنة، وأخَذنا مسألةَ الفِتنة مأخَذًا جادًّا، فلماذا […]

الحضرة الصوفية.. حقيقتها ومفاسدها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: تعتبر جلسات الذكر التي يعقدها الصوفية والتي يسمونها (الحضرة) من أهم الممارسات العملية للطرق الصوفية، فمهما اختلفت الطرق في أسمائها وطرائقها، وفي طريقة إقامة الحضرة وترتيبها، إلا أنها تتفق في ضرورة (الحضرة) ولزومها للسالك والمريد، وأنه لا يجوز للمريد التخلف عن هذه الحضرات التي تعقد في مواعيد منتظمة […]

سُنّة لَعْقِ الأصابع بعد الأكل.. والجواب على شبهات العقلانيين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  كانتِ البشريةُ في انحطاط عقديّ وأخلاقي، إذ كانت التقاليد والأعراف مبنيةً على الهوى والجشَع والأطماع، والقويُّ في مجتمعاتها يتسلَّط على الضعفاء، حتى جاء الإسلام وانتشل العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وأطلقهم من أغلال عادات الجاهلية وقيودها المخالفة للفطرة السليمة التي فطر […]

جواب شبهة حول الاستسقاء بقبور الصالحين والأولياء – وفيه جواب عن الاستدلال بقول مجاهد عن قبر أبي أيوب: “كانوا إذا ‌أمحلوا ‌كشفوا ‌عَنْ ‌قبره فمطروا” –

من الشبهاتِ التي يوردُها من يجوِّز الاستغاثة بالأموات أو طلب الدعاء منهم أو التوسل بذواتهم وجاههم: بعض الآثار والحكايات المروية في الاستسقاء بقبور الأنبياء والصالحين، ومن ذلك: ما نقله ابن عبد البر وغيره في ترجمة أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ودفنه عند سور القسطنطينية، فأورد قول مجاهد عن قبر أبي أيوب هناك: “كانوا إذا […]

مفهوم الاشتراك المعنوي في الصفات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة منذ أن وفد المنطقُ اليونانيّ على الأمة الإسلامية والناس في باب العقائد في أمر مريج، وقد وصل الغلوُّ ببعض المتفنِّنين في هذا الفنّ إلى محاكمة قواعد اللغة وأخبار الشرع إلى هذا القانون، وجعلوا منه حكَمًا على اللسان والبيان، وكان أولُ العلوم ابتلاء بهذه التحريفات علم العقائد، وخاصة ما يتعلق […]

التخاطب مع الكينونات.. وثنية في ثوب جديد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة يقول ابن خلدون: “المغلوب مولَع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيِّه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسّبب في ذلك أنّ النّفس أبدًا تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه؛ إمّا لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه، أو لما تغالط به من أنّ انقيادها ليس لغلب طبيعيّ إنّما هو لكمال الغالب. […]

المحدث المسند نذير حسين الدهلوي “1220-1320هـ”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اشتهر الإمام المحدث نذير حسين بلقب “شيخ الكل في الكل” بسبب تفرّغه للتدريس مدة طويلة جدًا تجاوزت سبعين سنة! واقتصر على تدريس القرآن الكريم والسنة والفقه مدة خمسين سنة تقريبًا، وقبل ذلك كان يدرس في غالب العلوم والفنون! وبسبب هذه المدة الطويلة أصبح له طلاب بعشرات الآلاف، ومن دول […]

هل شروط (لا إله إلا الله) من اختراع الوهابية؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: من الشبهات التي يثيرها المخالفون لاعتقاد السلف ممن هم على اعتقاد الجهمية والمرجئة في الإيمان: أن شروط لا إله إلا الله من اختراع الوهابية، لم يسبقهم بذكرها أحد. والجواب عن هذه الشبهة يحصل ببيان معنى هذه الشروط، ومأخذ العلماء فيها، وأصل […]

الأعياد بين التشريعات الإلهية والذكريات التاريخية ..دراسة مقارنة بين الأعياد في الملل

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: ينعَم المسلمون بدينهم الإسلاميِّ الذي يختصّ عن غيره من الملل والنحل والمذاهب والفلسفات بأعياد توقيفية شرعَها لهم إلههم وخالقهم ومولاهم، وليست من وضع أحد من البشر، ولا مرتبطة بموت أحد ولا بحياته، ولا مرتبطة بانتصار أو فتح من الفتوحات على الرغم من كثرتها في الدين الإسلامي، ولا مرتبطة […]

من تاريخ الدولة السعوديّة الأولى كما رواه الجبرتي في تاريخه -الجزء الأول-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن نهج نهجه إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا بين أيديكم جزءٌ من تاريخ الدولة السعودية الأولى، وكيف كانت نهايتها، كما صَوَّرَها المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي في كتابه “عجائب الآثار في التراجم والأخبار”، […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017