وقفات مع مقال: “المسلم التقليدي.. المتَّهم الضحية”
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
نشر موقع “السوري الجديد” مقالا بعنوان: “المسلم التقليدي.. المتَّهم الضحية”([1]) لكاتبه إياد شربجي، وقد اطَّلعت على المقال، وأعدتُ قراءته لأتلمَّس ما يريد صاحبُه من خلاله، فوجدتُ فيه أخطاء كثيرةً، وكاتبُ المقال صريحٌ في أنَّ نقدَه موجَّه للإسلام، وليس إلى تحقُّقات تاريخيَّة له، فالتحقُّقات بالنسبة له هي نموذج الدِّين الذي هو محلُّ النقد؛ ولذلك لا يجد فرقًا بين ممارسات المسلمين التي ينتقِد وبين دين الإسلام.
وقد تناول الكاتب عدَّة قضايا اعتبرها محوريَّة في نقده للإسلام، وقدَّم بمقدّمة تكلَّم فيها عن أقسام المسلمين، وأعطى لكلِّ قسمٍ نسبةً مئويَّة، ثم تكلَّم عن التكوين المعرفي لمن أسماه: “المسلم التقليدي”، وطريقة اكتسابه للمعلومات الشرعية، وأتبع ذلك بما يعتقده معطياتٍ أسهمت في تشكيل الوعي لدى المسلم، منها:
1- ماضي العنف في الإسلام والذي بدأ معه.
2- غزارة وفوضى المعلومات؛ وذلك بسبب كثرة التفسيرات الدينية.
3- سيطرة طبقة رجال الدين.
4- تسطيح العقل.
5- مفهوم الخضوع والعبودية.
6- العبادة بالترهيب.
ثم أعقب هذا بالكلام عما يُسمَّى: آليات الدفاع عند المسلم التقليدي.
ونظرًا للمغالطات التي ذكرها الكاتب -والتي يرجع كثير منها إلى عدم الإدراك الصحيح للقضايا التاريخية والتصوُّرات الدينية وحقيقة بعض المعاني الشرعية- أوصلَ الكاتب رسالةً للقارئ المختصّ، مفادُها: ضرورة تعليم الكاتب بدلَ الردِّ عليه، فالمعلومات التي يقدّم من أجل إثبات دعواه أجنبيّة عن الموضوع تمامًا، بل لا علاقةَ لها بما يذهب إليه.
وقبل الدخول في تفاصيل الوقفات أودُّ أن أعطيَ لمحةً سريعة عن المقال:
أوَّل ما يَنقدِح في ذهن عندَ قراءةِ المقال أنَّ الكاتب لم يكن حريصًا على الموضوعية بقدر ما كان حريصًا على الإثارة وإحداث البَلبلة، فقد صدَّر مقالَه بفَرحِه بكثرةِ الردود عليه وما أثاره مقالُه من إشكالات، يقول الكاتب في مقدّمة المقال: “توقعت أن تثير المقالة التي عنونتها بـ: (كيف يتحول المسلم إلى إرهابي؟) لغطًا كبيرًا، وأن تستجلِب الكثير من الردود والرفض كعادة ما يحصل عند الاقتراب من النّقد الدينيّ، وبالفعل أحصيتُ أكثر من 600 ردّ، بين تعليقاتٍ على موقع “السوري الجديد” وعلى صفحتي الشخصية، ومشاركات ومنشورات وفيديوهات على صفحات الآخرين، ونقاشات دارت في مجموعات إسلامية وغير إسلامية”.
وفي الحقيقةِ مُعظمُ هذه التعليقات على الموضوع وعلى الصفحة تصِف المقال بالضَّعف والعجز العلمي، وليس فيها أيّ تعليقٍ مُشِيد به، ولا معتبر أن صاحبه قدَّم إنجازًا علميًّا أو تفسيرًا موضوعيًّا. وقد نشر الموقع بعضَ الردود لبعض الدكاترة على المقال الأول.
وبالنسبة لموضوعنا محلّ الذكر فقد تحدَّث عنه بنفس النية حيث يقول: “رغم ذلك لم أكن أتخيَّل أن يبلغ الاهتمامُ بالمادة هذا الحدَّ، فقد دُعيت إلى جلسةٍ حوارية في العاصمة واشنطن مع عددٍ من الإسلاميين والمثقفين؛ لنقاش المادة بتاريخ 2 نيسان الجاري 2016م، كذلك تلقَّيت دعوةً لمناظرة على النّتّ مع إحدى التنظيمات الشبابية الإسلامية في مصر، اعتذرتُ عنها لاشتراط منظِّميها أن يكونَ الحوار مقتصرًا على الأدلّة الدينية فقط ورفضهم الاستدلال بالأدلة العقلية”.
هذه هي نفسيَّة الكاتب في المقال وإنجازاته: أنه حقَّق زخمًا، ودُعي إلى ندوات ومؤتمرات، ولا يوجد حديث عن مقتنع بالمقال، ولا عن طرحٍ موضوعيٍّ يتَّسم بالعمق أو بالسمو الأخلاقيّ والعلميّ، في حين إن المقال ضعيفٌ على مستوى توثيق النقول، فهو في حديثه عن أنماط التديّن التقليديّ وسيطرة فكر العنف والخرافة على المسلمين يحيل في ذلك إلى شخصيات معاصرة، ويتناسى التاريخ الممتدَّ لعلماء المسلمين على مرّ العصور. ومن مضحكات الاستدلال أنه يستدلّ بالكيّالي والدكتور محمّد راتب النابلسي وعمر عبد الكافي، كمفسِّرين معاصرين للإسلام، وفي تسويغه لفكرة انتشار العُنف بين المسلمين واقعيًّا أحالَ على عددِ المتابعين لصفحات المشايخ كالعلامة ابن عثيمين والمحدث أبي إسحاق الحويني وعمر عبد الكافي، وقال: “إن كثرة المتابعين لهؤلاء مع قلَّة المتابعين لجودَتْ سعيد ومحمّد شحرور هو تفسيرٌ عجيب للعنف ولمظاهره”.
هذا، مع ضعف المقال في التركيب، وعدم دقَّة المعلومات، وكثرة الغلط في النتائج، فهو يقع دومًا في الخطأ من ناحيتين: ناحية التصوُّر، وناحية البناء، وهو ما سوف نبيِّنه للقارئ في الوقفات التالية:
الوقفة الأولى: سؤال المصدر وغلط النسبة:
ادَّعى الكاتب أن المسلمين الموجودين اليوم هم خمسة أنواع:
النوع الأول: مسلم متشدِّد، ويمثل نسبة 2 %. وعرف المتشدِّد بأنه المسلم الملتزم بالدين بكامله.
النوع الثاني: المسلم التقليدي، ويمثل نسبة 65 %. وهو الذي يؤدي الفرائض الأساسية، وله تصورات مثالية عن الدين، ويعتقد العنف، ويبرره، ويشترك مع المتشدِّد في إمكانية التحوّل إلى قنبلة في أي وقت.
النوع الثالث: مسلم متحرِّر، ويمثل نسبة 15 %. وهو مؤمن نسبيًّا، ولديه تحفُّظ من بعض النصوص الدينية، وعنده شكٌّ في موضوع الثواب والعقاب، يصعُب خداعه، وهو مؤمن بالديمقراطية، ويهتمّ بحياته، ولا يقرأ الدين.
النوع الرابع: مسلم غير مهتمّ (غير ديني)، ويمثل نسبة 10 %. يؤمن بالله والنبي كفكرة عامة، ولا يلقي بالًا للموضوع، وُلِد مسلمًا، وهويَّته مسلمة، لكنَّه لا يؤدِّي الشعائر الدينيّة بالكلية، إلا إذا كان مَن حَوله يفعَلون ذلك، ولا يهتمُّ بها، بل مهتمٌّ بمصالحه ودنياه فقط.
النوع الخامس: مسلم ناكر، ويمثل نسبة 8 %. لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ويعتبر الدين كذبة، ويعتقد أن الإسلام دينُ عنف وإرهابٍ، ويؤمن بالعلمانية.
هذا هو التقسيم الذي يعتمده الكاتب ويعتبره غيرَ علميٍّ، وإنما هو افتراضيٌّ لتقريب الفكرة لذهن القارئ. والسؤال المطروح هو: على ماذا بنى الكاتب هذا الافتراضَ وهو يؤكِّد وجودَه وينفي فقط دقَّة النسبة لا غير؟
ونحن نقول: بأي معيار علميّ أو موضوعيّ جعل الكاتبُ المسلم الملتزم بالدّين بكامله -من معتقداته إلى شعائره- متشدِّدًا؟!
وبأي معيار كذلك أدخل الذي لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ومن يعتبر الدين مجرد كذبة مسلِمًا، وأعطاه هذه النسبة والتي إن نفاها فإنما ينفي دقَّتها لا كونها تقريبية؟!
لا يوجد جواب عن هذا السؤال إلا أن الكاتب يجهل تعريفَ الدين المتواضَع عليه عند جميع أهل الأديان السماوية، فلم يُدخل أهلُ دين سماويّ في دينهم من لا يؤمن بالله ويعتبر الدين مجرَّدَ كذبة، والذي ينسب إليهم هذا يجهل حقيقةَ الدين.
وكان الأجدر بالكاتب أن يبيّنَ مصادر هذه النسبة، والمعطيات التي جعلته يقسِّم المسلمين هذا التقسيم العشوائي الذي لا ينطبق على المسلمين في الواقع، خصوصًا أنه سوف يبني عليه أحكامًا قاسية في تقييم الدين الإسلامي وتقييم أهله. وقد بقي على الكاتب أن يرجِع إلى النصوص الدينية المعرِّفة للإسلام؛ حتى يعرف من يدخل فيه ومن لا يدخل؛ إذِ الإسلام ثلاث مراتب، فهناك مرتبتان لا يسع المسلمَ تركُ شيء منهما، ولا التوقف فيهما، وهما مرتبة الإسلام والإيمان، وكلتا المرتبتين عرَّفهما النبي صلى الله عليه وسلم، ففي حديث جبريل الطويل عرف النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان والإسلام بقوله: «الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا… الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»([2]).
فهذا هو حدُّ المسلم موضوعيًّا، ووفقًا للدين الإسلامي ولنصوصه، فمن أخرج مسلمًا تتوفَّر فيه هذه المواصفات من دائرة الإسلام فقد ظلمه، ومن أدخل في الإسلام من يكفر بها أو ينكرها فهو تصرُّف بحتٌ منه، لا يستند إلى أيّ معطيات موضوعيّة.
ثم المسلم بهذا المعنى الكامل الذي ذكرنا ليس قليلًا بهذه النسبة التي أعطَى الكاتب، ولا يمكن أن يكون متشدِّدًا مطلقًا، أما نسبته الحقيقيّة فيعكسُها جمهور المصلّين والحجاج من المسلمين، وهم بدرجة من الكثرة لا تحتاج إلى كبيرِ تأمّل.
وطبيعة الشريعة التي بنيت عليها تنفي أن يكون الملتزمون بها أقلِّيةً؛ إذ إنَّ علماءَ الشريعة بيَّنوا أميَّتَها، بمعنى: أنها جاءت على معهود الأمِّيَّين وما يسَع جميعَ الناس اعتقادُه وفعلُه، فليس للمسلمين شعيرةٌ معقَّدة، ولا عقيدة لا يمكن لِغير القارئ أن يعتقدَها ويفهمَها.
وأُمِّيَّة الشريعةِ في الاعتقاد بأن تكونَ منَ القربِ للفَهم والسّهولة على العَقل بحيث يشترك فيها الجمهور، من كان منهم ثاقبَ الفهم أو بَليدًا، وفي العمل بأن تجري على طريقة يسهل على جميع الناس فهمُها والعمل بها([3])؛ ولذا فإن تعليق الكاتب عدمَ العمل بعدم الثقافة أو القراءة هو جهلٌ منه بالشرع.
مفهوم المسلم الوسطي في الشرع:
المسلم الملتزم هو الوسطيّ المعتدلُ الذي لا يمكن أن ينجرَّ للغلوّ أبدًا تحت أيِّ ظرف، وذلك لتقيُّده بالإسلام، وفهمه له فهمًا صحيحًا معتدلًا، ويدلُّ على ذلك أنَّ أكثر المسلِمين التزامًا بالدّين هم الأكثر إنكارًا على أهل الغلوِّ والعنفِ وابتعادًا عنهم، ولنقارن بين عدد المسلمين الملتزمين بالدّين وبين من يمارس العنفَ منهم؛ فإنّ الفارق شاسعٌ كبير، فالإسلام ممتدٌّ من آسيا إلى أوربا إلى إفريقيا، وتعتنقه دولٌ بكاملها، وتلتزم به شعوبٌ، ومع ذلك لا يمكن وصفُ هذه الشعوب بالعنف مطلقًا؛ لما تتَّسم به من السلام والتسامُح، وهي في ذلك ملتزمَة بدينِها، لا بغيره، فمِن أين للكاتب أن الالتزامَ بالدين بكامِله -من اللّحية إلى الحجاب وغير ذلك- هو سبب الغلو والتطرّف والعنف؟!
فتركيز الكاتب على المسلم التقليديّ الذي يمثّل الغالبيةَ وجعلُه ضحيَّةً للغلو أمرٌ في غاية الاستغراب؛ لأنَّ غالبَ المسلمين لا علاقةَ لهم بالغلوِّ، بل هم متضرِّرون منه أكثر من غيرهم، وبعيدون عنه كلَّ البعد.
ولنا أن نتساءل: من أين للكاتب أنَّ الملحدَ -الذي لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ويعتبر الدين كذبة- مسلمٌ، فضلا عن أن يمثّل نسبةً مئويّة ولو ضئيلة؟!
إن غيابَ المعايير الموضوعية وشهوةَ الكتابة والإثارة هي التي توقع في مثل هذه المآزق العلمية والأخلاقية. كيف لمن يدَّعي العقلانيةَ والموضوعية أن يكتبَ عن أمَّة بحجم أمَّة الإسلام وتأثيرها ولا يضع أيَّ معيار لتقييمه لها؛ وذلك من أجل أن يقنعَ المعادِي لها فضلا عن أن يقنع المنتمي!!
الوقفة الثانية: مع دعوى ماضي العنف الإسلامي:
يقول الكاتب: “إنه منذ فجر الإسلام والمسلمون يعيشون تحدياتٍ وجوديةً بين اقتتال داخليٍّ وغزوٍ خارجيٍّ، فقد دخل أبو بكر في حروب مع القبائل العربية المرتدة، كما قام بفتوحات تفرض خيارًا: إما الإسلام أو السيف أو الجزية؛ مما جعل كثيرًا من الشعوب تتحوَّل إلى الإسلام لا قناعةً به، وإنما خوفًا من السَّيف، وقضى قرابةُ أربع مئة صحابي نحبهم في حروب بين الصحابة، وجاء بنو أمية وبنو العباس وما معهم من فتن وقلاقل” إلى آخر ما يدَّعيه الكاتب.
وهذه الدعوَى يمكن معالجتها من عدة نواحي:
الناحية الأولى: كون تاريخ العنف هو الذي يشكِّل قناعةَ المسلم التقليديّ أو المسلم أيًّا كان.
فإن أيَّ مطَّلع على الإسلام من الداخل وطريقة تلقِّي المسلمين له يجد أنهم لا يتلقَّونه أبدًا من خلال الممارسات التاريخية سواء للحكام أو لغيرهم، بل يتلقَّونه من خلال النصوص الدينية، وهذه الأحداث التي ذكر الكاتبُ لا تأثير لها في حياة المسلم، فهي ليست من المعلوم من الدين بالضرورة، ولا هي مقرَّرة في الكتب التي تدرَّس لعامة الناس، فغالب المسلمين يدرس الدين بطريقتين:
الطريقة الأولى -وعليها أغلب المسلمين-: دراسة الدين عن طريق كتب المذاهب المرتبة على أبواب الفقه، ويعدُّ الجهاد والردَّة من الأبواب المتأخرة فيها، والتي لا يصل إليها إلا المختصُّون، والكتب المبتدِئة في الفقه لا تتناولها، فضلا عن أن تتناول الحروب والفتوحات، وهذا ما ينصُّ عليه جلُّ أهل العلم، فيأمرون كلَّ مفتٍ أن يكلِّم الناس بما يفهمونه وما يعقلونه عنه، وأن يبتعدَ عما يلبس عليهم، والأغلب في الفقهاء أن يقرِّروا لعامة الناس ما ينبني عليه عمل من أمر دينهم فقط، “فمن يتبجَّح بذكر المسائل العلمية لمن ليس من أهلها، أو ذكر كبار المسائل لمن لا يحتمل عقلُه إلا صغارها، على ضدِّ التربية المشروعة، فمثل هذا يوقع في مصائب”([4]).
وهذا عامّ في الترغيب والترهيب وكل شيء، ففي حديث معاذ حين أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بحقِّ العباد على الله: «أن لا يعذِّب من لا يشرك به شيئًا»، قال: أفلا أبشِّر به الناس؟ فقال: «إذَن يتَّكلوا»([5]).
فأخذ منه العلماءُ أن لا يُحدَّث الناس إلا بما يفهمون أو ما ينبني عليه العمل، وأكثر الكتب المشكِّلَة لعقول المسلمين هي كتبٌ اعتنت بالأحكام الراتبة الشرعية، وهي الأكثر انتشارًا وتداولًا، كل بحسب مذهبه، وهي التي يفتي منها المفتون، وذكر الحروب فيها لا يوجَد، فضلا عن ذكر الفتن.
الطريقة الثانية: طريقة المستبصرين من أهل العلم وطلابه، وهؤلاء غالبًا أيضًا ما يأخذون الأحكامَ الشرعيَّة من كتب التفسير؛ كتفسير الطبري، وتفسير القرطبي، وتفسير ابن كثير، وغيره من الكتب المعتمَدة، وشروح الحديث المعتمدة كشروح البخاري؛ مثل فتح الباري لابن حجر، وعمدة القاري للعيني، وإرشاد الساري للقسطلاني، وشرح صحيح مسلم للنووي، التمهيد لابن عبد البر، والاستذكار له أيضًا، وغيرها من الشروح، مع مطالعة كتب التاريخ وغيرها، وهذه الحروب تشكِّل أحدَ موضوعاتها، وليست غالبة عليها ولا محورية بحيث يمكن أن تشكِّل عقليةً مفردة تخرج عن النَّسَق العام للموضوعات المطروقة في هذه الكتب من طهارة وصلاة وصيام وزكاة وحج وأحكام عامة تربوية وسلوكية، بل الغالب أن تُذكَر حروب الردَّة والفتن فيها عرَضًا مع كثير من التحفُّظ والمناقشة العلمية للروايات الواردة فيها، وتحقيق مناطها، فلا أدري كيف استساغ الكاتب أن يتفوَّه بأنَّ ماضي العنف هو المشكِّل لعقل المسلم مع جانبيَّة هذه الأحداث في جميع الكتب المعتمدة عند المسلمين.
الناحية الثانية: كون الإسلام فُرِض على الناس بالسيف.
يوهم مقال الكاتب أنَّ الإسلام فُرض على الناس بالسيف، وهذه فرية استشراقية ردَّدها الكاتب في غَمرة الغفلة؛ نتيجةً لضغط الثقافة الغربية وهيمنتها، في حين إن النصوص الدينية لا توحي بذلك، والتاريخ أيضًا لا يصدِّقه.
أما النصوص الدينية فإن الإسلام يقدِّم الدعوة على السيف، ويجعلها هي الأصل، ويقبل من الناس الدخول في الإسلام على أيّ هيئة وبأسهل طريقة، فكل من أظهر الإسلام قُبِل منه ولو كان إظهارًا جزئيًّا، فالذي يلقِي السلام وهو التَّحية على المسلمين يجِب قبول هذه العلامة منه، وهذا ما نصَّ عليه القرآن، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 94]، أي: من ألقى التحية للمسلمين وجب عليهم قبوله وعدم التسرُّع في الحكم عليه([6]). والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الإسلام من الناس على الشرط الفاسد، فقد روي أن ثقيفًا اشترطت على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم منهم وقال: «سيتصدَّقون ويجاهدون إذا أسلموا»([7]).
وعن عثمانَ بن أبي العاصِ: أن وَفْدَ ثَقيفٍ لَمَّا قدمِوا على رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم أنزلَهم المسجدَ ليكون أرقَّ لِقلوبهم، فاشترطوا عليه أن لا يُحْشَروا ولا يُعْشَرُوا ولا يُجَبُّوا، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم: «لكم أن لا تُحشَروا ولا تُعشَروا، ولا خيرَ في دِين ليس فيه ركوعٌ»([8]).
وقد أخذ الإمام أحمد بذلك، وقال بقبول الإسلام على الشرط الفاسد([9]).
وسائرُ الفقهاء ينصُّون على مِثل قول الإمام أحمد في حديثي العَهد بالكفر وتأليف قلوبهم([10]).
ولم يقل أحد من علماء الإسلام بالإكراه على الإسلام، ولا أن المسلمين يجوز لهم أن يقاتلوا من لم يقاتلهم ابتداءً دون أن يعرضوا عليه الإسلام كخيار أوَّلي، ثم الجزية، والجزية هي في مقابل الحماية، وللإمام الحق في إسقاطها والاجتهاد في تقديرها، بشرط أن لا تجحِفَ بأصحابها، فإن هم عجزوا جازَ للدَّولة أن تُنفق عليهم كسائر المسلمين من الزكاة، فقد روي أن عمر رأى ذمِّيًّا مكفوفًا مطروحًا على باب المدينة، فقال له: ما لك؟ قال: استكروني في هذه الجزية، حتى إذا كفَّ بصري، تركوني وليس لي أحد يعود عليَّ بشيء! فقال عمر: ما أنصفتُ إذًا، فأمر له بقوته وما يصلحه، ثم قال: هذا من الذين قال الله تعالى فيهم: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الآية [التوبة: 60]، وهم زمنى أهل الكتاب([11]). ويجب على الإمام قبول الجزية من أي قوم قبلوها دون أن يقاتلهم ما لم يكونوا مرتدِّين([12]).
والإسلام يميل إلى السلام والصلح أكثر من ميله إلى الحرب والقتال، قال سبحانه: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} [الأنفال: 61]. والسلم هنا هو الصلح، والآية محكمةٌ، وما ورد من القول بنسخِها فالقصود به التخصيص في عرف المتقدمين، وهو أمر من الله بالجنوح للسّلم والركون إليه حتى مع من خان من الأعداء كما هو واضح من سياق الآية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن للإسلام أخلاقًا في الحرب هي التي طبعت هذه الحروب، وهذه الأخلاق في درجةٍ من الحسن لم يشهَدها الناس قبل الإسلام ولا بعدَه، ولو استقرأنا الأحاديث الواردة في أخلاق الحرب والنهي عن قتل النساء والصبيان وإتلاف المصالح لخرجنا عن موضوع الورقة إلى تأليف كتابٍ، وحسبنا أن نقتصر على وصيَّة أبي بكر لجيشه، خصوصًا وأن أبا بكر ورد اسمه من الكاتب كأحد رموز العنف، فقد قال أبو بكر ليزيد بن أبي سفيان حين أَمَّرَهُ: “وإني موصيك بعشر: لا تقتلنَّ امرأةً ولا صبيًّا ولا كبيرًا هرمًا، ولا تقطعنَّ شجرًا مثمرًا، ولا تخربنَّ عامرًا، ولا تعقرنَّ شاةً ولا بعيرًا إلا لمأكلة، ولا تحرقنَّ نخلًا، ولا تغرقنَّه، ولا تغلل، ولا تجبن”([13]).
ولهذا أغلب البلدان فتح بالأخلاق الإسلامية، وبالدعوة، وها هو الإسلام اليومَ مع ضعف أهله وقلَّة الناصر لهم لا يزال دينهم ينتشِر في جميع أصقاع المعمورة من الأمريكيتين إلى أوربا إلى آسيا إلى إفريقيا، ولو كان الناس مكرَهين على الإسلام لتخلَّوا عنه حين ضعفِه، فقد طَبقَ الاستعمار جميعَ دول العالم الإسلامي، وحاول فرضَ ثقافته عليها بالترغيب والترهيب، ومع ذلك ما تخلَّى شعبٌ من هذه الشعوب عن دينِه ولا قَلاه، بل الشُّعوب في إفريقيا السَّوداء وفي أوروبا السَّمراء وفي آسيا ما زالت تعتزّ بدينها وتحافظ عليه وتدعو إليه.
ونسجِّل ملاحظةً قبل الخروج من هذه النقطة، وهي أنَّ قيم الإسلام قيمٌ دينيَّة جادَّة وليست قيمًا أدبيَّة عاطفية؛ فلذلك لا مانع أن تُفرض على من ردَّها جملة، وأظهَرَ معاداتها، وسعى إلى القضاء عليها؛ لأن الإسلام في النهاية هو مفهوم كونيّ له تصوُّره للكون والحياة، وليس مفهومًا ثانويًّا يصلح جانبًا من الحياة على حساب جوانب أخرى.
الناحية الثالثة: حقيقة ما جرى بين الصحابة من قتال، وهل هو على النحو الذي يصفه الكاتب أم هو مبالغ فيه؟
ادَّعى الكاتب أنَّ أربع مئة من الصحابة قتلوا في المعارك التي دارت بينهم، ولم يكلِّف نفسه عناء توثيق هذه المعلومة، وتوثيقُ هذه المعلومة تاريخيَّا لا يُكتفى فيه بالإحالة إلى كتابٍ، بل لا بدَّ من إخضاع المعلومة للفحص العلميِّ، وتتبُّع السند، ومعرفة مدى صحَّة الروايات الواردة في ذلك، وهو ما لم يفعله الكاتب ولا يستطيعه.
وحين نرجع إلى النصوصِ الواردة عن علماء المسلمين ونظرهم إلى هذه الفتنة نجد أنها لا يمكن أن تشكِّل ثقافةً، فجُمهورهم يرونَ أنَّ ترك القتال كان أفضلَ، وهذا هو منهج الصحابة -رضوان الله عليهم- أنفسهم، فلم يشارك أغلبهم في الفتنة التي وقعت، بل اعتزلوها، والعارفون بالآثار ينفون أصلًا مشاركة أغلب الصحابة، بل ينفون أن يبلغ عدد المشاركين في هذه الفتنة مئة نفس، فضلًا عن أن يموتَ أكثر من ذلك، يقول محمد بن سيرين رحمه الله: “هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف، فما خفَّ فيها منهم مئة، لا يبلغون ثلاثين”([14])، وقال الشعبي رحمه الله: “لم يشهد الجملَ من أصحاب النبي -عليه السلام- غير عليّ وعمار وطلحة والزبير، فإن جاوزوا بخامس فأنا كذَّاب”([15]).
وهؤلاء من أعرف الناس بالصحابة، وأقربهم بهم عهدًا، ومع هذا أيضًا فإن هذه الفتنة لم تكن مؤثِّرة، بل نظر المسلمون إلى القتال بعين التحفُّظـ، وأعملوا النصوصَ، وصوَّبوا التارك للقتال من الصحابة، يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: “والذين قعدوا عن القتال هم جملة أعيان الصحابة: كسعد وزيد وابن عمر وأسامة ومحمد بن مسلمة وأبي بكرة، وهم يروون النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم في القعود عن القتال في الفتنة… وهذا مذهب أهل الحديث وعامة أئمة السنة حتى قال: لا يختلف أصحابنا أن قعود علي عن القتال كان أفضل له لو قعد، وهذا ظاهر من حاله في تلوُّمه في القتال وتبرُّمه به، ومراجعة الحسن ابنه له في ذلك، وقوله له: ألم أنهك يا أبت؟! وقوله: لله درّ مقامٍ قامه سعد بن مالك وعبد الله بن عمر إن كان بِرًّا إنَّ أجره لعظيمٌ، وإن كان إثمَا إنَّ خطَأه ليسيرٌ”([16]).
فلم يقتتل الصحابة كلَّ هذا القتال، ولم يأخذ المسلمون ما وقع بينهم على أنه ملهمٌ لفكرة العنف التي يتصوَّرها الكاتب، بل انتهَوا عن القتال، وجعلوا هذه الوقائعَ الثانوية تجربةً في ترك القتال بين المسلمين، والتزموا الكفَّ عن الحديثِ فيها، وخصوصًا لعامَّة الناس، فمن أين عرف الكاتب أن المسلم التقليديّ يتشكَّل فِكره عبر هذه القضية؟!
الوقفة الثالثة: مع دعوى سيطرة طبقة رجال الدين:
ومع ما في العبارة من حمولة علمانيةٍ، لكن من خلال تفصيل الكاتب لكيفيَّة تشكُّل عقل المسلم التقليديّ، وأن من بين المعطيات المشكِّلة له طبقةَ رجال الدين، فهذا التحليل يدلُّ على كثير من السذاجةِ في التصوّر والتقليد الأعمى، مع الترجمة للمصطلحات دون مراعاة فوارق البيئة والنشأة، وهو في هذه الفكرة مقلِّد لصاحب كتابِ “السلطة الدينية والسلطة السياسية في الوطن العربي”، وقد أحال إليه في المقال، لكن العجيب أنه لم يقدِّم نماذجَ، وإنما أتى بصور لمجموعة من شيوخ الفضائيات من مختلف الأطياف الفكرية، فيهم الصوفية والسلفية، وفيهم الدعاة والعلماء ومنهم دون ذلك، ونقل نصًّا عن صاحب الكتاب يدَّعي فيه تناقضَ الفتاوى حسبَ طلب الحاكم، ومثَّل لذلك بقضيَّة الموقف من إسرائيل، ومع ما في النقل من عدم دقَّة ومن خلطٍ بين معان كثيرة يجدر التنبيه إلى أمور:
الأمر الأول: أن مصطلح “رجال الدين” مصطلح وافد على الثقافة الإسلامية، وله حمولته الثقافية التي لا يمكن تداولها داخل الحقل المعرفي الإسلامي؛ لما تحيل إليه كلمة “رجال الدين” في الثقافة المسيحية وغيرها من قداسة للمنتسب للدين، واعتقادٍ للعصمة له، وهو ما لا يوجد في الإسلام مطلقًا.
الأمر الثاني: إن قصد برجال الدين العلماء والدعاة فإن هؤلاء جزء من المجتمع الإسلامي وأصحاب تخصّصات يُرجع إليهم فيها؛ ولكنهم ليسوا طبقةً مفردة في المجتمع لها امتيازات خاصَّة لمجرد الانتساب للعلم، ولا يوجد مسلم على وجه الأرض يعتقد في العلماء العصمةَ، لكن ذلك لا يعني عدمَ سؤالهم، وسؤالهم من أجل معرفة حكم الله في الحادثة المعينة لا من أجل تكريس أقوالهم، وأحظاهم بالحق أكثرهم اتباعًا للوحي، والعامي مطالَب في سؤاله لأهل العلم أن لا يكتفيَ بمجرد دعوى العلم من الفرد، بل لا بد من شهادةِ العدول على أنّه عالم، ويضيف إلى علمه الورعَ والعدالةَ، وإن هو أخلَّ بشرطٍ من هذه الشروط فلا عبرة بعلمه([17]).
ثم إنَّ غالب علماء الأمة غير موظَّفين، ولا يتقاضَون رواتبَ، لا عند الجهات الرسمية ولا غيرها، بل هم متطوِّعون بالعلم ونشره، وفي فتاواهم يتحاكمون إلى النصوص، وإلى آليات الشرع المعتبرة، ولا يتحاكمون إلى أهوائهم.
الأمر الثالث: لا بأس أن تتغيَّر فتوى المفتي في أيّ وقت من الأوقات؛ لأنه ليس معصومًا، وفتواه تتغير بأحد أمور:
أحدها: وجود دليل يقتضي حكمًا آخر لم يكن يعلمه، فلما علمه لزمه الرجوع عن الحكم السابق.
ثانيها: تغير المعطيات التي بنى عليها فتواه، فتتغيَّر الفتوى بحسب ذلك.
ثالثها: اختلاف أحوال المستفتين، فمن المستفتين من يكون قادرًا على فعل الحكم الشرعي كما أمر به فيفتَى، ومنهم من يكون عاجزًا عن ذلك فيفتى بحسب حاله([18]).
الأمر الرابع: ما مرَّت على الأمة فترة تُصغي فيها للعلماء إلا وكانت أحسنَ فتراتها، وكل من تُرجِم له من الأئمة والخلفاء ممن وصِف بالعدل فإنَّ ذلك راجع إلى مشورته للعلماء واتباعه لأقوالهم، وهذا معروف في الأمة منذ فجر الخلافة إلى يومنا هذا، لا تجد أميرًا ولا خليفةً حفر اسمه في ذاكرة الأمَّة إلا وكان ذلك راجعًا إلى تقديره للعلماء، وإعطائهم حقَّهم في تبليغ مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم وتبيين حكم الشرع، والذي دعا الكاتبَ لهذه الدعوى العريضة التي اختزلها في سطور هو الحماس الزائد للثقافة الغربية، وهيمنة فكرة العلمانية والصراع مع الدين، ولم يدرك الكتاب الفرقَ بين المسيحية المحرَّفة والوثنية المخرِّفة والحنيفية السَّحمة، بل جعل الجميعَ دينًا واحدًا، وهو جهل يتحمَّل الكاتب مسؤوليته لا غير، وفي الشرع لا يوجد صراع طبقات، بل يوجد مجتمع متديّن أولو الأمر فيه العلماء والسلاطين([19])، فالسلاطين يقيمون العدل وبه يحكمون، والعلماء يبيِّنونه للناس، وقد وصف الله الأمة بالعلم والحكم بالعدل فقال: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 181]. قال قتادة: “هَذِهِ الْأُمَّةُ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ”([20]). وقوله: {وَبِهِ يَعْدِلُونَ} أي: وبالحق يقضون وينصفون الناس، كما قال ابن جريج: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «هذه أمتي»، قال: «وبالحق يأخذون ويعطون ويقضون»([21]).
وهذا المبدأ -وهو الحكم بالحقّ والعدل- لا تنفرد به طبقة عن طبقة، بل الجميع مطالب بالسعي في تحقيقه؛ وذلك من خلال وجوب النصح لكل مسلم، فعن جرير بن عبد الله قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم([22]). وهذا النصح -حسب ما تحيل عليه الدلالة اللغوية للكلمة- يعني: الشفافية والوضوح في التعامل مع الجميع، فلا تآمر على الحقّ لغصبِه، ولا كيدَ لردِّه، لا من الحاكم ولا من المحكوم، والأحاديث الموجبة لنصح الحكام والولاة ومواقف العلماء في تمثّلها أكثر من أن تحصى، وأوسع من أن تحصر.
الوقفة الرابعة: مع دعوى تسطيح العقل:
هكذا عنوَن الكاتب في المقال، وأتى بما زعَم أنه أدلَّة على ذلك، منها سهولة تحوُّل أي جاهل وفاشل إلى شيخٍ بسبب هذه السطحيَّة، وذكر مجموعةً من المشايخ، منهم: زغلول النجار ونبيل العوضي ومحمد راتب النابلسي، وذكر كلامهم في قضايا الإعجاز العلمي في القرآن، ولا شكَّ أن من سمع هذا العنوانَ الكبير لا يتوقَّع أن تكونَ هذه مخرجات هذا العنوان، فأمثلته أيضًا كلُّها سطحيَّة، ولا توحي بكبير اطِّلاع، فشروط الاجتهاد -لكي يكون الشخص عالما- لو أنفق الكاتبُ عمره ما كان ليحصل له عُشر معشارها، فضلا أن يصلَ إلى مرتبة العالم، وبإمكانه الرجوع إلى كتب الأصول ليقرأَ شروط المجتهدِ، وكيف هي قوية وعميقة([23]).
جهل الكاتب بحقيقة الشخصيات التي ذكر:
جلُّ من ذكَر دعاةٌ وليسوا علماءَ، ولا ينتصبون للفتوى، وما يتكلمون فيه من المسائل غالبه لا يبني عليه عمل في الدين، وأقصد بهذا ما يخطِّئهم فيه الكاتب، وعامة المسلمين لا يهتمّون به، فمن كان مختصًّا في الأمور العلميّة فلا حاجة به إليه، ومن لم يكن مختصًّا أيضا فإن الأمر لا يزيده.
وأما الإعجاز العلميّ في نفسه فهو محلُّ تحفظ من كثيرٍ من العلماء؛ لأن القرآن والسنة للهداية، ويخاطبان عامة الناس، وتفسيرهما تفسيرًا علميًّا خروج بهما عن المعهود، وليس في هذا نفيٌ للعلم ولا تكذيب له، لكن للوحي طريقته في إفهام المسائل وتبليغها، فتفسير القرآن لا بد أن يراعيَ أسلوب القرآنِ الذي تكلَّم به ،كما أنه لا بد أن يتَّفق مع مقاصد الشريعة في وضعها، وذلك أن الشريعة أمِّية، جرت على معهود الأميين في الخطاب، فإنَّ فهمها يُطلَب من هذه الجهة، ولا مدخل للعلوم الأخرى في فهمِها، فالقرآن لم يقصِد لتقرير شيء من العلوم مما لا ينبني عليه شيء في معهود المخاطبين بالوحي ابتداء، وكذلك فإن الشريعة نزلت بلسان عربيّ، فإن كان للعرب في لسانهم عُرف مستمرّ فلا يصحُّ العدول عنه في فهم الشريعة، وإن لم يكن ثمَّة عرفٌ فلا يصحّ أن يُجرى في فهمها على ما لا تَعرفه، وهذا جارٍ في معاني الألفاظ والأساليب؛ فإن العرب لا ترى الألفاظ تعبّدًا عند محافظتها على المعاني، وإن كانت تراعيها، وليس أحد الأمرين عندها بملتزم، ثم إن اللفظ إنما يصحُّ في مسلك الفهم إذا كان عامًّا لجميع الناس فهمه، فلا يتكلَّف فيه فوق ما يقدرون عليه بحسب الألفاظ والمعاني([24]).
فالجنوح بالقرآن إلى الإعجاز العلميّ غير مرضيٍّ أصلا عند أهل العلم، وهم الأكثر.
ثم إن الكاتب من خلال أمثلته يتكلَّم عن العقل العلميّ المادّي، ولا يُلقي بالا للعقل البدهي الفطريّ، وهو ضعفُ إدراك منه للعلوم العقلية ومجالاتها، ولا يمكن المزايدة على الشريعة في التعلية من شأن العقل ومن شأن الأدلَّة العقلية، قال سبحانه: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون} [الرعد: 4]، وقال: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون} [النحل:12].
وهذه الإشادَة بالعقل هي إشادةٌ بما ينبني عليه من أحكام وما يُنتجه من حقائق، ومن ثم فإنَّ موقفَ الشرع من العلوم العقليَّة بدهيّ أصالة، وهو أن ما أنتجه العقلُ مِن أحكام ليس محلَّ رفضٍ من الشرع ما لم يصطدم ببعض الحقائق التي لا يرى الشرع الحقَّ فيها للعقل، ولا يعدُّها من مجالاته، لكن الإسلام ينطلق من مبدأ أن المعرفةَ لها مصادر غير العلوم العقلية، ومنها الوحي، كما أن المعرفة غير محصورة في المادة والحسّ، بل فيها ما هو خارج عن ذلك كالغيبيات، وهذا لا مدخل للعقل فيه من حيث إثباته، بل حظُّ العقل فيه هو التصديق([25]).
الوقفة الخامسة: مع مفهوم الخضوع والعبودية:
يرى الكاتب أنَّ حضور مفهوم العبودية عند المسلمين يشكِّل مأزقًا فكريًّا في حياتهم؛ إذ هو متناقضٌ مع روح الإسلام، والأولى بالمسلمين أن يتخفَّفوا من مفهوم العبودية، ولحساب ثقافة المصلحة وإسعاد البشر، وهذا تصوُّر خاطئ عن الدين من جهتين:
الجهة الأولى: اعتقاد التناقض بين العبودية والمصلحة، فمن تمام اعتقاد أن الدين جاء بالمصلحة وإسعاد البشر أن يخضع له، وأن يقدِّمه على الهوى، وهذا الاعتقاد ليس وليدَ تنظير فكريٍّ لدى فرقةٍ معينة، بل هو منطوقُ النصوص الشرعيَّةِ، فالاستسلام والخضوع لله هو حقيقة الدين، قال سبحانه: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون} [البقرة: 112]، وقال: {فَإنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد} [آل عمران: 20]، يعني: أن حقيقة الدين والهداية هي الإخلاص والخضوع لله وحده، ولا توجد واسطة في هذه المسألة([26]).
ولا يمكن أن يكونَ المؤمن طاهرَ القلب وهو يتعامَل مع النصوص الشرعية بحذرٍ، وينظر لفكرة الأخذ والردّ منها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم} [المائدة: 41]. فتسليم المسلم بالمصلحة الشرعية وقصد الشارع لها هو فرع عن كمال الخضوع لله سبحانه وحسن الظن به، فلا يشرع ما فيه مفسدة، ولا يريد بعباده العُسر.
الجهة الثانية: لا توجد واسطةٌ بين الخضوعِ وبين اتباع الهوى، فأيُّ تركٍ للوحي فهو اتِّباع للهوى، ومن مقاصد الشرع أن يخالفَ الإنسان هواه، قال تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين} [القصص: 50].
وتنظير الكاتب لفكرةِ القداسة الدينية أنها فكرة خاطئةٌ لم يبيِّن مبناه فيها غير السرقة من المستشرقين الذين يعتقدون وثنية المسلمين وعبادة الكعبة، مع أنَّ ما يفعله المسلمون تجاهَ الكعبة لا يسمَّى في عرف أيِّ دين عبادةً، فمجرَّد التوجُّه إلى جهة معيَّنة لا يعدُّ عبادةً لها بمفرده.
الوقفة السادسة: مع قضية العبادة بالترهيب:
ادَّعى الكاتب أن المسلمين يمارَس عليهم ترهيبٌ زائد من الوعاظ ورجال الدّين حسب اصطلاحه، وذكر أنَّ أكبر نموذج للترهيب عقيدة عذاب القبر.
فأوَّلًا: هو في هذا النقد وقع في مغالطة علميةٍ من حيث الجهل بحقيقة الدين في هذه المسألة، فالإسلام ليس دينَ ترهيب فحسب، بل هو دين ترغيب وترهيب، فهو قائم على هذه الثنائية، والترغيب أولى عنده من الترهيب، وهذه النصوص الشرعية بين أيدينا، وهذه عدَّة آيات تنصّ على الجمع بين البشارة والنذارة، وكلها محكمَة في كتاب الله، قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [البقرة: 213]، وقال سبحانه: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيم} [البقرة: 119]، وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون} [سبأ: 28]، وقال سبحانه {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلاَ فِيهَا نَذِير} [فاطر: 24]، وقال سبحانه: {بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُون} [فصلت: 4].
وثانيا: عند تعارض الترغيب والترهيب فإن الترغيب مقدَّم على الترهيب؛ ولذا يقول سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم} [الزمر: 53]، ويقول: {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون} [يوسف: 87]، وفي الحديث: «لما قضى الله الخلقَ كتبَ في كتابِه، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي»([27]).
وثالثا: المسلمون متفقون على وجود عذاب القبر ونعيمه بدرجة واحدة، ومن الطبيعي أن الموجود المحقَّق ليس من العقل ولا من الشرع إغفالُه وعدم الحديث عنه إذا كان مصيريًّا ولا بدَّ منه، فهل يطالِب الكاتب المؤسساتِ الصحيةَ بإيقاف التوعية الصحيّة ضدَّ الأمراض الفتاكة حتى لا توقع الناس في رهبة؟! وهل يطالب الجهات الأمنية بعدم ممارسة الدعاية ضدَّ اللصوص حتى يبقى الناس في أمن وأمان؟! فجميع البشر متفقون أن ما كان موجودًا ويستهدِف الجميع فمن كمال النصحِ والرأفة الحديثُ عنه، ومنه نعيم القبر وعذابه، وها هم المسلمون اليوم في جميع أصقاع الدنيا يعتقدون نعيمَ القبر وعذابه، ومع ذلك لم يشكِّل هذا المعتقدَ أيَّ ضرر نفسيٍّ عليهم، ولا علاقةَ له بالعنف ولا بغيره. فهو معتقد نطقت به نصوص الوحي، وبيَّنت ما يُنجي منه وما يوقِع فيه من المعاصي، وعلى العلماء أن يبيِّنوا ذلك للناس كما نطق به الشرع وأرشدت إليه النصوص، بعيدًا عن اليأس والقنوط، لكن الكاتب -وهو يكتب سطوره- لا يستحضر عقيدةَ المسلم كما هي في الشرع، بل يستحضر نموذجًا دينيًّا صنعته الرهبانية النصرانية وردة الفعل على المادة، وينسى أن المؤمنَ يقوم معتقدُه على حسن الظن بربه، والطمع في رحمته، واليقين به، وعدم القنوط واليأس، فعذاب القبر لا يخافُه إلا عند اقتراف المعصية أو الظلم، ومع ذلك يطمع في العفو، أمَّا في حالة الطاعة وعدم الذنب فلديه ضمانٌ بعدم العذاب، قال سبحانه: {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء: 147]، وقال سبحانه: {تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِين} [آل عمران: 108].
وخلاصة المقال: أن الكاتبَ مثالٌ حيٌّ لمن يتكلَّم في الدين وهو لا يمتلك أبسطَ الأدوات لفهمه، ويعتمد على تشتيتِ القارئ بالإثارة بدلَ الإنارة، ونثر الشبهة قبل إحكامها، وإبداء الاعتراض قبل فحصِه، وهو ما يجعل مهمَّة متتبِّعه صعبة؛ لما يجد من تنافرٍ بين الموضوعات وعدم التوثيق للمعلومات، والنزول في الإحالة بحيث أن الكاتب يأتي بدعوى عريضة ثم يحيل في إثباتها إلى شخص مغمور علميًّا، أو ليس هو عمدةً في العلم، مثل منصور الكيالي، أو حتى بعض الدعاة الفضلاء، لكنهم ليسوا من العلماء الفحول، وإنما يتكلَّمون في الوعظ والإرشاد الذي هو مظنَّة عدم التحقيق والتدقيق في المعلومات.
لقد أبان الكاتب من خلال طرحِه عن عدم أكاديميته وموضوعيته من خلال تشتّت الموضوعات التي تحدَّث عنها وبعض ما أهملناه من موضوعاته خشيةَ الإطالة على القارئ، وسوف نفردها بمقالات علميَّة تبيِّنها وتبيِّن غلطَه فيها، وقد ردَدنا على المقال لا لقيمتِه العلمية، وإنما لأنَّه جمع ما تفرَّق في غيره من الجهل والادِّعاء الذي لا يُسعفه الدليل، ويكذِّبه الواقع.
والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
وينظر مقال: كيف يتحوَّل المسلم إلى إرهابي؟ على الرابط:
([3]) ينظر: الموافقات (2/ 66) وما بعدها.
([5]) أخرجه البخاري (128)، ومسلم (30).
([6]) ينظر: تفسير الطبري (9/ 70)، تفسير الماوردي (1/ 520).
([8]) أخرجه أبو داود (3026). قال الخطابي: “قوله: «لا تحشَروا» معناه: الحشر في الجهاد والنفير له. وقوله: «وأن لا تعشروا» معناه: الصدقة، أي: لا يؤخذ عشرُ أموالهم. وقوله: «أن لا يُجَبُّوا» معناه: لا يصلُّوا، وأصل التجبية أن يكبَّ الإنسان على مُقَدَّمِه ويرفع مُؤخِّره”. معالم السنن (3/ 40).
([9]) ينظر: جامع العلوم والحكم (1/ 229).
([10]) ينظر: معالم السنن (2/ 175)، والتمهيد (12/ 140)، وشرح سنن أبي داود للعيني (2/ 460).
([11]) ينظر: تفسير القرطبي (8/ 174).
([12]) ينظر: أحكام القرآن لابن الفرس (1/ 383).
([13]) أخرجه مالك في الموطأ (1627).
([14]) ينظر: السنة لأبي بكر بن الخلال (2/ 466).
([15]) ينظر: المرجع نفسه (2/ 466).
([16]) مجموع الفتاوى (4/ 440).
([17]) ينظر: المستصفى للغزالي (2/ 140)، جامع بيان العلم وفضله (2/ 170)، أدب المفتي والمستفتي (ص: 106).
([18]) ينظر: رفع الملام عن الأئمة الأعلام (ص70)، إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 40)، الموافقات للشاطبي (3/ 1450).
([19]) ينظر: تفسير القرطبي (6/ 250).
([20]) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 101).
([21]) ينظر: تفسير الطبري (10/ 600).
([23]) ينظر: المحصول (1/ 640)، البرهان للجويني (1/ 150)، إرشاد الفحول (2/ 410).
([24]) ينظر: الموافقات للشاطبي (2/ 62) وما بعدها.
([25]) ينظر: درء التعارض بين العقل والنقل (1/ 177).
([26]) ينظر: تفسير الطبري (5/ 286)، تفسير ابن كثير (2/ 140).