إهلال النبي ﷺ بالتوحيد في الحج … أهميته ودلالته
للتحميل كملف pdf اضغط على الأيقونة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد:
فإن التوحيد الذي هو إفراد الله تعالى بالعبادة وبما يليق به تعالى من ربوبيته وأسمائه وصفاته ، هو أول وأوجب الواجبات وآكد المهمات ، فهو أول الدين وآخره وظاهره وباطنه، وقطب رحاه، من تمسك به وحققه نجا ، ومن حاد عنه أصبح من الخاسرين .
من أجله خلق الله الجن والإنس، قال تعالى:وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]،ولتحقيقه أنزل الله الكتب ، قال تعالى:الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۚ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) [هود:1،2] ولبيانه وحماية جنابه أرسل الله الرسل ، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].
فهو أول أمْر أمَر الله تعالى به في القرآن الكريم ، قال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] وأول نهي ورد في القرآن هو النهي عما يضاد التوحيد وهو الشرك، قال تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22].
وهو العهد والميثاق الذي أخذه الله تعالى على بني آدم ، قال تعالى: ۞ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61) [يس:60،61].
وهو الأساس في مراتب الدين وأركانه العظام؛ أما الإيمان فهو الركن الأول والأهمّ من أركانه وهو الإيمان بالله، وقد جاء تفسيره في حديث وفد عبد القيس بالشهادتين حين قال صلى الله عليه وسلم : ((أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ((أن تشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ….الحديث )). ([1])
وهو أعظم وأفضل شعب الإيمان كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ((الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)) ([2])
أما الإحسان فهو تحقيق توحيد العبودية والمراقبة ظاهرا وباطنا ، ففي حديث جبريل عرّفه بأن: (( تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك )). ([3])
أما أركان الإسلام الكبرى فكلها شرعت من أجل التوحيد تذكيراً وتحقيقًا وإعلانًا وتطبيقًا، فأول أركانه الشهادتان؛ إثبات للتوحيد ونفي للشرك وحصر للتشريع والاتباع في شخص المرسَل المبلّغ محمد صلى الله عليه وسلم .
والصلاة مفتتحة بالتكبير المنبئ عن طرح ما سوى الله، واستصغار كل ما دون الله تعالى، أما قراءة قرآن الصلاة وأذكارها وما يردد منها في كل ركعة من قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) [الفاتحة:5] وهذا تحقيق التوحيد، فلا تصح الصلاة إلا بقراءة سورتها في كل ركعة .
أما الزكاة فهي قرينة الصلاة في التعبد والإقرار لله تعالى بجميع النعم، طيبة بها النفس، براءة من عبادة الدينار والدرهم ، قال الله تعالى :(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ۗ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) [فُصِّلَت:6-7].
أما الصيام فهو أن يدع الصائم طعامه وشرابه وشهوته من أجل الله تبارك وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم:(( كل حسنة يعملها ابن آدم بعشر حسنات إلى سبعمائة ضعف يقول الله :إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع الطعام الشراب من أجلي وشهوته من أجلي .. الحديث.)) ([4]) وذلك منه إيمانا واحتسابا ، وامتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: (( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )). ([5])
أما الحج فشعار الأمة كلها في التلبية بالتوحيد ونفي الشرك ابتداء بالإهلال والدخول في النسك، مرورا بجميع مراحل أداء الشعائر والأنساك إعلانا وتطبيقا وتأكيدا وتثبيتا للتوحيد في صور وأعمال مختلفة في صورها وهيئاتها، متفقة في هدفها وغايتها من تحقيق وتوحيد التعبد والاتباع لله تعالى. ([6])
فالتوحيد هو أهم مقاصد الحجّ العِظام، وأبرز القضايا الرئيسة التي عمل النبي على تحقيقها والعناية بها في الحج –كما هو شأنه في سائر شؤونه- امتثالا لأمر الله حيث قال :(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ) [البقرة:196] وهذا يتضمن الأمر بإخلاص النسك وإتقانه. ([7])
والحديث في هذه المقالة المختصرة مقتصر على صورة واحدة من هذه الصور وهي: “إهلال النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد .. أهميته ودلالته”.
والإهلال: هو رفع الصوت بالتلبية ، يقال: أهل المحرم بالحج يُهِلُّ إهلالاً إذا لبّى ورفع صوته، والـمُهَلّ بضم الميم : موضع الإهلال، وهو الميقات الذي يحرمون منه، ويقع على الزمان والمصدر. ([8]) ومنه إهلال الهلال واستهلاله : إذا رفع الصوت بالتكبير عند رؤيته ، واستهلال الصبي: تصويته عند ولادته، وأهلّ الهلال إذا طلع، وتهلل وجهه إذا استنار وظهرت عليه أمارات السرور.([9])
وإهلال النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد في الحج جاء النص عليه في أشهرِ وأتمّ وأطول الروايات التي وصفت لنا كيفية حج النبي صلى الله عليه وسلم وهي رواية جابر رضي الله تعالى عنه ، وهي من الأحاديث الطوال في كتب السنة ومن الأحاديث التي جمعت أحكاماً وفوائد كثيرة ، وهو خاص بسياق حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد اعتنى الأئمة بهذا الحديث شرحا وبسطا لما تضمنه من أحكام ، وقد شرحه الحافظ ابن المنذر في جزء له، وخرج منه نحو مائة وخمسين فائدة.
قال جابر رضي الله عنه: (( فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به ) قال : (( فأهل بالتوحيد : لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك )) ([10])
صيغة إهلاله صلى الله عليه وسلم :
جاء في رواية سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبداً([11]) : ((لبيك اللهم لبيك …)) -بمثل رواية جابر ثم قال- : (( لا يزيد على هؤلاء الكلمات)) ([12]).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إني لأعلم كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبّي : ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك )). ([13])
وفي رواية لابن عمر رضي الله تعالى عنهما: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يهل بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكلمات ويقول : ((لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك، والخير في يديك، لبيك والرغباء إليك والعمل)). ([14])
ولذلك جاء في رواية نافع: كان ابن عمر رضي الله عنهما يزيد فيها : ( لبيك، لبيك وسعديك ، والخير بيديك، لبيك والرغباء إليك والعمل). ([15])
وجاء من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم: (لبّيك إله الحقّ). ([16])
وقد جاء في رواية جابر إقرار النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الزيادات اليسيرة التي تؤكد المعنى الرئيس للتوحيد في تلبية النبي صلى الله عليه وسلم فقال : “وأهل الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا منه ، ولزم رسول الله تلبيته”.([17])
معاني ألفاظ التلبية:
معنى “لبيك” :
وأول ألفاظ التلبية : (لبيك) وقد ذكر علماء اللغة لها معانٍ متعددة متقاربة في الدلالة والنتيجة، وليس هذا مكان بسط كلامهم في ذلك . ([18])
ومن أهم هذه المعاني:
- الإجابة : بمنزلة سمعاً وطاعة، إلا أن “لبيك” لا يتصرف؛ فكأنه أراد بقوله: لبيك وسعديك إجابة بعد إجابة ، كأنه قال: كلما أجبتك في أمر فأنا في الأمر الآخر مجيب , وكأن هذه التثنية أشد توكيداً([19]) فعلى هذا معنى لبيك: إجابة بعد إجابة. ([20])
- الإقامة بالمكان: فكأن قوله : لبيك، أي : أنا عبدك مقيم عندك إقامة بعد إقامة . ويُحكى هذا عن الخليل([21]) . قال ابن القيم: ” إنه من لَبَّ المكان إذا أقام به ولزمه، والمعنى: أنا مقيم على طاعتك ملازم لها، وهذا اختيار الجوهري”([22])
- القصد أو الجهة: قال الخليل :هو من قولهم: داري تلبّ دارك أي تحاذيها, والمعنى: اتجاهي وقصدي إليك.
- الانقياد، من قولهم: لبّبت الرجل إذا قبضت على تلابيبه ، ومنه لببته بردائه ، والمعنى: انقدت لك، وسعت نفسي لك خاضعة ذليلة كمن لبّب بردائه وقبض على تلابيبه. ([23])
- المحبة، من قولهم: امرأة لبَّة إذا كانت محِبَّة لولدها([24])، ومعناه: حباً لك بعد حبّ، وفيها معنى التعظيم والمحبة، فالحاج حينما يلبي يلحظ هذا المعنى وهو أني قد أجبتك محبة وتعظيماً لك يا رب.
- اللُّب ، مأخوذ من لُبِّ الشيء وهو خالصه ، ومن لُبّ الطعام ، ولُبّ الرجل وهو عقله وقلبه، ومعناه: أخلصت لُبّي وقلبي لك، وجعلت لك لُبّي وخالصتي. ([25])
- الرخاء والسعة ، من قولهم: فلان رخي اللبب ، وفي لب رخي أي في حال واسعة منشرح الصدر، ومعناه : إني منشرح الصدر متسع القلب لقبول دعوتك وإجابتها. ([26])
- الاقتراب، من الإلباب وهو الاقتراب، أي: اقترابا إليك كما يقترب المحب من محبوبه. ([27])
وهذه معان متقاربة وجميعها ملحوظة في المعنى الشرعي كما سيأتي ؛ ولذلك عرّف شيخ الإسلام التلبية بأنها : “إجابة دعوة الله تعالى لخلقه حين دعاهم إلى حج بيته على لسان خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم، والملبي هو: المستسلم المنقاد لغيره ، كما ينقاد الذي لبب وأخذ بلبّته ، والمعنى : إنّا مجيبوك لدعوتك ؛ مستسلمون لحكمتك، مطيعون لأمرك مرة بعد مرة، لا نزال على ذلك”.([28])
وهذه الإجابة دافعها الحب والتعظيم والتقرب بقلب متسع منشرح الصدر بذلك ، قاصد ومتوجه إليك.
ولفظ “لبيك” وضع للإجابة، مثل حروف التصديق والإيجاب نحو: نعم، وبلى، وأجل ونحوها.
وقد ورد هذا اللفظ في إهلال النبي صلى الله عليه وسلم مكررا أربع مرات للتأكيد والتحقيق.
وقد ورد في السنة ما يدل على هذا المعنى كما في الأحاديث التالية:
أولاً: أحاديث في إجابة الأنبياء لنداء الله تعالى، ومنها:
- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله عز وجل يوم القيامة يا آدم، فيقول: لبيك ربنا وسعديك )). ([29])
- ونحوه : إجابة نوح عليه السلام إذا دعاه الله تعالى يوم القيامة فيقول: (( لبيك وسعديك يا رب)). ([30])
ثانياً: أحاديث إجابة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومنها:
- حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : مرَّ بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي ثم قال : يا أبا هر فقلت: لبيك يا رسول الله..الحديث)) ([31])
- وحديث أنس قال : التفت النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه فقال: ((يا معشر الأنصار ، قالوا: لبيك يا رسول الله ، أبشر نحن معك … الحديث)) ([32])
ومنها إجابة عبدالله بن قيس([33]) وكعب بن مالك([34])ومعاذ بن جبل ([35])رضي الله تعالى عنهم أجمعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم: لبيك يا رسول الله ، وكلها تعني الإجابة مع الحب والتعظيم.
معنى ( اللهم).
هذا اللفظ ورد مكررا في القرآن الكريم وفي السنة النبوية في صيغ الدعاء كما وردت هذه الصيغة في كلام العرب ، وأصلها : ( يا الله) فحذفت الياء وزيدت الميم المشددة في آخره عوضا عن ياء النداء .
وزيادة الميم مع تشديدها له أثر في المعنى؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى؛ فإن الميم زيدت : للتعظيم والتفخيم ، ولذلك جاءت أكثر أدعية النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ “اللهم” لا بلفظ “يا الله”.
كما أن الميم تدل على الجمع وتقتضيه ، ولذلك فالسائل إذا دعا بـ: “اللهم” ، فكأنه قال: ” أدعو الله الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى بأسمائه وصفاته” فيكون سأل بجميع أسمائه تعالى. ([36]) ولذلك قال الحسن البصري: (“اللهم” مجمع الدعاء). ([37])
وقال النضر بن شميل:(من قال: “اللهم” فقد دعا الله بجميع أسمائه)([38])
وقال أبو رجاء العطاردي: ( إن الميم في قوله: “اللهم” فيها تسعة وتسعون اسما من أسمائه تعالى ). ([39])
ومعنى: (لا شريك لك) تأكيد التوحيد بنفي الشريك عن الله تعالى، وجاءت نكرة في سياق النفي لتعمّ فتشمل نفي الشريك عن الله تعالى في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته تعالى، ثم كررها بعد الثناء على الله تعالى ، بقوله: إن الحمد والنعمة لك والملك ، وذلك يتضمن أنه لا شريك له في الحمد والنعمة والملك، والأول يتضمن أنه لا شريك له في إجابة هذه الدعوة) ([40]) وأكد ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله: ( اللهم حجة لا رياء فيه ولا سمعة). ([41])
ومعنى: ( إن الحمد والنعمة لك والملك )
من قال: بفتح همزة (أن) فيكون ما بعدها سيق مساق التعليل، أي لبيك؛ لأن الحمد والنعمة لك.
ومن قال بالكسر(إن) كانت جملة مستأنفة مستقلة تتضمن ابتداء الثناء على الله تعالى بما هو أهله.
ولذلك قال ثعلب:”من قال بالكسر فقد عمّ، ومن قال بالفتح فقد خصّ”.([42])
وفي اجتماع الثناء على الله تعالى بالحمد والنعمة والملك في التلبية إضافة إلى الثناء على الله تعالى بكل صفة من هذه الصفات على انفراداها، ففيه -إضافة إلى ذلك- معنى آخر متعلق باجتماعها فهو كمال مع كمال ، قال ابن القيم: ” فإذا اجتمع الملك المتضمن للقدرة مع النعمة المتضمنة لغاية النفع والإحسان والرحمة، مع الحمد المتضمن لعامة الجلال والإكرام الداعي إلى محبته كان في ذلك من العظمة والكمال والجلال ما هو أولى به وهو أهله، وكان في ذكر الحمد له ومعرفته به من انجذاب قلبه إلى الله وإقباله عليه والتوجه بدواعي المحبة كلها إليه ما هو مقصود العبودية ولبّها ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء”. ([43])
وقال ابن المنير: ” قرن الحمد والنعمة وأفرد الملك، لأن الحمد متعلق بالنعمة ولهذا يقال: الحمد لله على نِعمِه، فجمع بينهما كأنه قال: لا حمد إلا لك، لأنه لا نعمة إلا لك، وأما الملك فهو معنى مستقل بنفسه ، ذكر لتحقيق أن النعمة كلها لله لأنه صاحب الملك “.([44])
وفيه لطيفة أخرى وهي أن الكلام يصير بذلك جملتين مستقلتين ؛ فإنه لو قال : إن الحمد والنعمة والملك لك، كان عطف الملك على ما قبله عطف مفرد، فلما تمت الجملة الأولى بقوله: “لك” تم عطف الملك كان تقديره: والملك لك فيكون مساويا لقوله: له الملك وله الحمد، ولم يقل: الملك والحمد، وفائدته تكرار الحمد في الثناء. ([45])
كما أنه عرّف الحمد والنعمة والملك لإفادة الاستغراق، فكل المحامد لله تعالى كما أن النعم كلها له سبحانه وهو موليها والمنعم بها، كذلك الملك فكله لله لا لغيره، فلا ملك حقيقة إلا له سبحانه ، قال تعالى (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [آل عمران:26].
معنى (وسعديك):
مصدر غير متصرّف، إعرابه: مفعول مطلق منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنّى، بفعل محذوف تقديره قيل: أسعدك الله إسعادًا بعد إسعاد، ولذا قيل في معناها: أسعدنا سعادة بعد سعادة، وقيل: مساعدة لطاعتك بعد مساعدة. ([46])
أهمية الإهلال بالتوحيد ودلائله:
كما تقدم في بيان أهمية التوحيد ومكانته بين سائر العبادات وفي جميع الشرائع السماوية، وعند جميع الرسل صلوات الله عليهم وسلامه، فإن أهمية إهلال النبي صلى الله عليه وسلم به تظهر فيما يلي :
1- ابتداء النبي صلى الله عليه وسلم بها في أول أعمال نسكه ، فأول شعيرة في الحج هي الإهلال بالتلبية بعد لبس الإحرام إيذانا بدخوله في عبادة الحج ،كما تقدم في حديث جابر والاستمرار على ذلك حتى رمي جمرة العقبة، ثم التحول من هذه الصورة لإعلان التوحيد بصورة أخرى وهي التكبير والتهليل والتحميد ، وهي تحمل معاني التلبية ولكنها بألفاظ وعبارات مختلفة .
قال ابن تيمية : ” في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يتلفظ قبل التكبير بنية ولا غيرها ، ولا عَلَّم أحداً من المسلمين ، ولو كان ذلك مستحباً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولعظّمه المسلمون ، وكذلك في الحج إنما كان يستفتح الإحرام بالتلبية ، وشرع للمسلمين أن يلبوا في أول الحج، ولم يشرع لأحد أن يقول قبل التلبية شيئا ، لا يقول اللهم إني أريد العمرة والحج، ولا الحج والعمرة، ولا يقول : فيسره لي.. “([47])
والبدء بالتوحيد ظاهر في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في عباداته كلها ، وفي دعوته ، وفي شأنه كله .
فكان أول دعوته إلى التوحيد كما في حديث معاذ لما بعثه إلى اليمن فقال له: ((فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل)). ([48])وفي رواية: ((إلى أن يوحدوا الله)) ([49]) وفي رواية أخرى ((إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله ..)) ([50]) وكل هذه الروايات في الصحيح ، وهي بمعنى واحد.
وكما في حديث وفد عبد القيس : ((آمركم بالإيمان بالله وحده ، أتدرون ما الإيمان بالله وحده))؟ قالوا: الله ورسوله أعلم ، قال: ((أن تشهدوا ان لا إله إلا الله وأني رسول الله)). ([51])
وكما في حديث أبي سفيان لهرقل: ” يأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا وينهانا أن نعبد ما كان يعبد آباؤنا …”. ([52])
وكان آخر وصيته عند مفارقة هذه الحياة الدنيا التحذير مما يخدش التوحيد ويقدح فيه، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح قميصه على وجهه فإذا اغتم بها كشفها فقال وهو كذلك: (( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) يحذر ما صنعوا ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا)) ([53])
وكذلك سنته العملية فكانت حياته كلها في تقرير التوحيد والإيمان، يربي على ذلك أصحابه ويصحح عقائد الناس ، قال جندب بن عبدالله البجلي : “تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيماناً”.([54]) فلا غرو إذن أن يستفتح النبي صلى الله عليه وسلم أعمال الحج بالتوحيد ويستمر ذلك حتى نهاية نسكه.
والتلبية: مشتملة على معاني التوحيد وأنواعه ، ولذلك قال جابر رضي الله تعالى عنه “فأهل بالتوحيد”.
وفي قوله ( لبيك لا شريك لك) إثبات للتوحيد الطلبي وذلك بنفي ما يضاده وهو عموم نفي الشريك عن الله تعالى، إضافة إلى ما في معاني ( لبيك ) من معاني التوحيد الطلبي وهي : تتضمن الاستجابة والانقياد لله تعالى كما تتضمن : التقرب إلى الله تعالى والإخلاص في ذلك لأن لُبّ الشيء خالصه.
كما تتضمن دوام العبودية لله تعالى بالاستمرار والإقامة والملازمة للعبودية، وفيها أيضاً دلالة واضحة وصريحة على كمال الحب والذل لله تعالى مع كمال الحب والخضوع له سبحانه وهما ركنا العبودية الحقّة لله عز وجل.
وفي قوله ( إن الحمد والنعمة لك والملك ) إثبات التوحيد العلمي لله تعالى، وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات
وأكد تفرد الله تعالى بذلك بقوله عقيبه (لا شريك لك).
كما أن التلبية مشتملة على الحمد الذي هو أحب ما يتقرب به العبد إلى الله وأول من يدعى إلى الجنة أهله وهو أول فاتحة الصلاة وخاتمتها ..
ومشتملة على الاعتراف لله بالنعمة كلها، وعلى الاعتراف بأن الملك كله لله تعالى وحده، فلا ملك على الحقيقة لغيره. ([55])
ولذلك قال ابن القيم رحمه الله تعالى : ” فهذا توحيد الرسول صلى الله عليه وسلم المتضمن لإثبات صفات الكمال التي يستحق عليها الحمد، ولإثبات الأفعال التي استحق بها أن يكون منعما، ولإثبات القدرة والمشيئة والإرادة والتصرف والغنى والجود الذي هو حقيقة ملكه”. ([56])
وهذا الهدي النبوي في الإهلال بالتوحيد يعطي دلالة واضحة على وجوب العناية بالتوحيد والبدء بتحقيقه وتقديمه على كل الواجبات ، ومراعاة سلامته من القوادح والنواقض التي تخدش صفاءه ونقاءه ، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من دعائه:((اللهم أعوذ بك أن أشرك بك شيئا وأنا أعلمه ، وأستغفرك لما لا أعلم)). ([57])
كما يجب على مريد الحج أن يحقق أسباب قبول الحج ، وأولها تحقيق التوحيد، والتخلص من كل شائبة من شوائب الشرك ، كبيره وصغيره، جليّه وخفيه، وأن يكون صادقا في تلبيته وإجابته حينما يقول: لبيك اللهم لبيك.. لأن التلبس بشيء من أدران الشرك من أكبر أسباب عدم القبول وحبوط العمل ، قال تعالى : (وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا) [الفرقان:23].
وكان السلف يتخوفون كثيرا عند التلبية مخافة أن ترد عليهم ، كما روى مالك أنه حج مع جعفر بن محمد فلما أراد أن يهلّ كاد أن يُغشى عليه ، فقلت له: لا بدّ لك من ذلك ، قال : وكان يكرمني وينبسط إلي فقال:”يا ابن أبي عامر : إني أخشى أن أقول: لبيك اللهم لبيك فيقول : لا لبيك ولا سعديك”. قال مالك: ولقد أحرم جده علي بن حسين فلما أراد أن يقول : لبيك اللهم لبيك أو قالها ؛ غُشي عليه وسقط من ناقته فهشم وجهه رضي الله تعالى عنهم أجمعين. ([58])
2- الاكثار منها وإعلان ذلك على الملأ وإبرازه وإظهاره ليقتدوا به.
ومما يدل على أهمية الإهلال بالتوحيد إعلان النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على الملأ وإظهاره كما جاء في حديث جابر المتقدم حينما أهلّ صلى الله عليه وسلم بالتوحيد وهو راكب القصواء والحجاج محيطون به صلى الله عليه وسلم من جميع الجهات مد البصر، يرددون ما يقول ويعملون بما يعمل .
وقد أخرج الشافعي عن محمد بن المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من التلبية. ([59])
وكذلك الصحابة فهذا ابن عمر كان يلبي راكباً ونازلا ومضطجعا. ([60]) وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سابط قال: ” كان سلفنا لا يدعون التلبية عند أربع: عند انضمام الرفاق حتى تنضم ، وعند إشرافهم على الشيء وهبوطهم من بطون الأودية أو عند هبوطهم من الشيء الذي يشرفون منه ، وعند الصلاة إذا فرغوا منها” قال الشافعي : ” وما روى ابن سابط عن السلف هو موافق ما روي علن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن جبريل أمره أن يأمرهم برفع الصوت بالتلبية”.
وفي هذا من الدلالة على وجوب إظهار التوحيد وإعلانه ورفعه مناره وإعلان البراءة من الشرك وأهله ؛ لأن المشركين كانوا يلبّون لكنهم يشركون في تلبيتهم أيضا ، فقد كانت تلبيتهم :(( لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك)). ([61])
وهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحج ظاهر فيه إعلان مخالفة المشركين والحرص على ذلك ابتداء بالتلبية ثم ببقية الشعائر من الوقوف بعرفة والانصراف بعد الغروب ، والرحيل من مزدلفة قبل شروق الشمس .. إلى غير ذلك من المواقف .
3- جعلها شعار الحج ، كما في حديث زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أَتَانِي جِبْرِيلُ -صلى الله عليه وسلم- فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي وَمَنْ مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالإِهْلاَلِ – أَوْ قَالَ – بِالتَّلْبِيَةِ)). ([62])
فلما كانت التلبية شعار الحج أمر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم إظهار هذا الشعار لأهميته وذلك برفع أصواتهم به لإعلان التوحيد صراحة والبراءة من الشرك وأهله.
كما جعلها شعار الانتقال من حال إلى حال ومن منسك إلى منسك ، كما جعل التكبير سببا للانتقال من ركن إلى ركن ، ولهذا كانت السنة أن يلبي حتى يشرع في طواف القدوم،ثم إذا سار لبّى حتى يقف بعرفة فيقطعها، ثم يلبي حتى يقف بمزدلفة فيقطعها ، ثم يلبي حتى يرمي جمرة العقبة فيقطعها … ([63])
وقد علل ابن عبد البر قطع التلبية برمي الجمرة بقوله: ” لأن المحرم لا يحل من شيء من إحرامهن ولا يلقي عنه شيئا من شعثه حتى يرمي جمرة العقبة ، فإذا رماها فقد حلت له أشياء كانت محظورة عليه، وذلك أول إحلاله، فينبغي أن تكون تلبيته بالحج على حسب ما كانت عليه من حين أحرم إلى ذلك ..” ([64])
4- الأمر برفع الصوت بها .
كما في حديث زيد المتقدم وكما في حديث السائب بن خلاد الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال يريد أحدهما )) ([65])
وهذا هدي الأنبياء عليهم السلام من قبل : فموسى عليه السلام يصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ((كأني أنظر إليه هابطا من الثنية وله جؤار إلى الله بالتلبية)) ([66])
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الحج أفضل؟ قال: ((العَجُّ والثَّجُّ)) ([67])
والعج : رفعُ الصَّوت بالتّلْبِيةِ وقد عَجَّ يَعِجُّ عجًّا فهو عَاجٌّ وعَجَّاجٌ ، والثّج: سَيلان دماء الهدْي والأضاحي يقال ثَجَّه يثُجُّه ثَجًّا. ([68])
وقد امتثل الصحابة رضوان الله عليهم هدي النبي صلى الله عليه وسلم (فكانوا لا يبلغون الروحاء حتى تبحّ أصواتهم من شدة تلبيتهم). ([69])
وعن المطلب بن عبد الله قال: “كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم بالتلبية حتى تبح أصواتهم”.([70])
وفي رفع الحاج صوته بالتلبية من الدلالة ما فيه من إعلان التوحيد لله تعالى والبراءة من الشرك ، ولما فيه من تذكير غيره من الحاج بالتلبية، ولما فيه من متابعة الجمادات له بالتلبية وإعلان التوحيد كما في حديث سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه أو عن شماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وها هنا)). ([71])
5- كونها من الدين المشترك بين الأنبياء عليهم السلام .
ومن دلائل أهميتها وتعظيمها لما فيه من إعلان التوحيد وتحقيقه أن الأنبياء كانوا يلبون بها ويهلّون بالتوحيد في حجهم إلى بيت الله العتيق .
فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : ((لما مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي عسفان حين حج قال : يا أبا بكر أي واد هذا؟ قال: وادي عسفان ، قال صلى الله عليه وسلم: ((لقد مرَّ به هود وصالح على بكرات حمر خِطَمُها الليف أُزْرهم العِباء وأرديتهم النِّمار يلبون يحجون البيت العتيق)) ([72])
ولما مر بوادي الأزرق قال صلى الله عليه وسلم : (( كأني أنظر إلى موسى هابطاً من الثنية وله جؤار إلى الله بالتلبية، ثم لما مر على ثنية هرشى([73]) قال صلى الله عليه وسلم: كأني أنظر إلى يونس بن متى عليه السلام على ناقة حمراء جعدة عليه جبة من صوف خطام ناقته خُلْبة وهو يلبى)). ([74])
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((والذى نفسى بيده ليهلّنّ ابن مريم بفجّ الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنينهما)). ([75])
وفي هذا من الدلالة على أهمية التلبية وما فيها من التوحيد وتعظيم الأنبياء لها؛ لأنها إعلان وتحقيق التوحيد المشترك بينهم عليهم السلام ،قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)(25) [الأنبياء:25].
6- أن من مات محرما بعثه الله تعالى يوم القيامة ملبياً.
ومن أهميتها اختصاص من مات محرماً أنه يبعث يوم القيامة ملبياً لانشغال المحرم بالتلبية وإعلانها فيبعث على ما مات عليه من التوحيد.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقصته ناقته وهو محرم فمات فقال صلى الله عليه وسلم : (( اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ، ولا تمسوه بطيب ، ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)). ([76])
يعني: يحشر يوم القيامة على هيئته وحاله الذي مات عليه، فيكون ذلك دليلا على أنه مات حاجاً أو معتمراً ، معلنا التوحيد والبراءة من الشرك .
هذا ما تيسر جمعه في هذه العجالة من التنبيه على أهمية الإهلال بالتوحيد وتلبية النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله بذلك ، والإشارة إلى بعض الدلائل التي دلّ عليها ذلك الهدي النبوي الكريم .
وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
ـــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1] ) رواه البخاري ـ كتاب : بدء الوحي 51و87(1 / 21) ومسلم ـ باب الأمر بالإيمان بالله ورسوله124 (1 / 35).
([2] ) رواه مسلم ـ باب شعب الإيمان162 (1 / 46)
([3] ) رواه البخاري ـ كتاب الإيمان.- باب سؤال جبريل النبي : عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة وبيان النبي صلى الله عليه وسلم له. 50 (1/ 20)، ومسلم ـ كتاب الإيمان- باب معرفة الإيمان والإسلام. 102 (1/ 28).
([4] ) أخرجه ابن حبان في صحيحه ح:3424.
([5] ) رواه البخاري ـ كتاب الإيمان.باب صوم رمضان احتسابا من الإيمان. 38 (1/ 16) ومسلم ـ صلاة المسافرين- باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح. 1817 (2/ 177).
([6] ) ينظر في تفصيل ذلك كتاب: “مظاهر الإيمان في شعائر الحج ومشاعره وظواهر الانحراف فيها” لفضيلة الشيخ الدكتور/ محمد بن حمود الفوزان .
([8] ) النهاية في غريب الأثر – باب الهاء مع اللام (هلل)(5/ 629)
([10] ) صحيح مسلم ـ كتاب الحج – باب حجة النبي -صلى الله عليه وسلم-. 3009 (4/ 39).
([11] ) تَلْبيد الشَّعَرِ : أن يُجْعَل فيه شيءٌ مِن صَمْغ عند الإحْرامِ لِئَّلا يَشْعَثَ ويَقْمَل إبْقَاءً على الشَّعَر . وإنَّما يُلَبَّد مَن يَطُول مُكْثُه في الإحْرام . ينظر: النهاية في غريب الأثر (4/ 423).
([12] ) صحيح البخاري ـ كتاب الحج- باب التلبيد. 5915 (7/ 209) صحيح مسلم ـ الحج- باب التلبية وصفتها ووقتها. 2871 (4/ 8).
([13] ) رواه البخاري ـ باب التلبية. 1550 (2/ 170).
([14] ) صحيح مسلم ـ باب التلبية وصفتها ووقتها. 2871 (4/ 8).
([15] ) صحيح مسلم ـ باب التلبية وصفتها ووقتها. 2868 (4/ 7).
([16] ) أخرجه النسائي. ح: 2752 (5/161)، وابن ماجه. ح: 2920 (4/416)، وأحمد في المسند. ح: 8497 (14/194)، و 8629، و 10171.
([17] ) تقدم تخريج حديث جابر .
([18] ) لبسط ذلك ومصادره ينظر كتاب : مظاهر الإيمان في شعائر الحج (ص139-147).
([19] ) الكتاب . لسيبويه(1/348-350).
([20] ) مشارق الأنوار.للقاضي عياض(1/43).
([21] ) غريب الحديث . لابن سلام (3/15-16).
([22] ) حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (5/ 176) ، الصحاح في اللغة (لبب) (2/ 130).
([23] ) مشارق الأنوار(1/43) حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (5/ 178).
([24] ) حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (5/ 178).
([25] ) ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم(8/87) وحاشية ابن القيم على سنن أبي داود (5/ 176).
([26] ) حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (5/ 176).
([27] ) حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (5/ 178).
([28] ) مجموع الفتاوى (26/ 115).
([29] ) أخرجه البخاري في التفسير- باب {وترى الناس سكارى}. 4741 (6/ 122) ومسلم ـ كتاب الإيمان- باب قوله « يقول الله لآدم أخرج بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ». 554 (1/ 139).
([30] ) صحيح البخاري ـ التفسير- باب قوله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}. 4487 (6/ 26).
([31] ) أخرجه البخاري ـ الرقاق-باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم من الدنيا. 6452 (8/ 120).
([32] ) أخرجه البخاري ـ المغازي- باب غزوة الطائف. 4333 (5/ 201) ومسلم ـ الزكاة- باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى إيمانه. 2488 (3/ 106).
([33] ) أخرجه البخاري في المغازي-باب غزوة خيبر. 4205 (5/ 170).
([34] ) أخرجه البخاري ـ الصلح- باب التقاضي والملازمة في المسجد. 457 (1/ 124)ومسلم ـ المساقاة-باب استحباب الوضع من الدين 4067 (5/ 30).
([35] ) رواه البخاري ـ كتاب بدء الوحي .باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا. 128 (1/ 44) ومسلم ـ الإيمان-باب من لقى الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار. 152(1/ 43).
([36] ) جلاء الأفهام. لابن القيم (ص150-152)وينظر: مظاهر الإيمان .للفوزان(ص153-154).
([37] ) المحرر الوجيز (1/417).
([38] ) مرقاة المفاتيح(3/6) نقلا عن مظاهر الإيمان(ص154).
([40] ) حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (5/ 181-182).
([41] ) أخرجه ابن ماجه :ح2890وصححه الألباني بمجموع طرقه في السلسلة الصحيحة، ح2617.
([42] ) حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (5/ 179).
([43] ) حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (5/ 181).
([44] ) فتح الباري(3/409-410) وينظر: مظاهر الإيمان في شعائر الحج(ص115).
([45] ) حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (5/ 181).
([46] ) يُنظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/366، وشرح النووي على صحيح مسلم: 1/231، وفتح الباري شرح صحيح البخاري: 1/132.
([47] ) مجموع الفتاوى(22/222).
([48] ) أخرجه البخاري ـ باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة. 1458 (2/ 147)ومسلم ـ الإيمان-باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام. 132 (1/ 38)
([49] ) رواه البخاري ـ كتاب التوحيد7372 (9/ 140).
([50] ) رواه البخاري ـ 1496 (2/ 158).
([52] ) رواه البخاري ـ كتاب الجهاد والسير.باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام والنبوة2941(4/ 56).
([53] ) صحيح البخاري ـ كتاب الصلاة. 435 و436- (1/ 118) صحيح مسلم ـ المساجد- باب النهى عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهى عن اتخاذ القبور مساجد. 1215(2/ 67).
([54] ) رواه ابن ماجة ـ أَبْوَابُ السُّنَّةِ-بابٌ فِي الإِيمَانِ 61 (1/ 42) وصححه الألباني.
([55] ) حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (5/ 179-180).
([56] ) الصواعق المرسلة03/927-933).
([57] ) أخرجه البخاري في الأدب المفرد ح:716وصححه الألباني في تعليقه.
([58] ) التمهيد(2/67) وانظر: بعض أخبار العباد عند التلبية ، سير أعلام النبلاء(10/185).
([59] ) مسند الشافعي(1/122) الأم(2/175).
([60] ) أخرجه أحمد في المسند(5/192) والحاكم في المستدرك(1/619)وصححه.
([62] ) رواه أبو داود ـ باب كيفية التلبية1816 (2/ 99)والنسائي – باب رفع الصوت بالإهلال 2753 (5/ 162) وصححه الألباني.
([63] ) حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (5/ 178).
([66] ) أخرجه مسلم ـ الإيمان- باب الإسراء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى السموات وفرض الصلوات. 438 (1/ 105)
([67] ) رواه الترمذي–باب فضل التلبية والنحر 827 (3/ 189)وابن ماجة ـ 2924(4/ 160) وصححه الألباني .
([68] ) النهاية في غريب الأثر (1/404، 585)
([69] ) المصنف لابن أبي شيبة ح:15051.
([70] ) المصدر نفسه ح:15057 وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في فتح البارئ(3/408).
([71] ) أخرجه الترمذي – فضل التلبية والنحر 828 (3/ 189)وصححه الألباني.
([72] ) رواه أحمد في المسند 2067 (1/ 232) وحسنه ابن كثير من البداية والنهاية(1/130).
([73] ) “ثنية هرشى” ثنية بين مكة والمدينة, وقيل: هرشى: جبل قرب الجحفة, ولدى ياقوت: “هرشى: ثنية في طريق مكة قريبة من الجحفة, ترى البحر”.أخبار مكة للأزرقي – (1/ 48).
([75] ) أخرجه مسلم ـ الحج- باب إهلال النبي -صلى الله عليه وسلم- وهديه. 3089 (4/ 60).
([76] ) رواه البخاري ـ الجنائز-باب الحنوط للميت. 1266 (2/ 96) ومسلم ـ الحج- باب ما يفعل بالمحرم إذا مات. 2948 (4/ 23).