الأربعاء - 06 شعبان 1446 هـ - 05 فبراير 2025 م

عرض وتعريف ببحث: نقد المتن من خلال معرفة خصائص الحديث النبوي وضوابطه

A A

اهتمَّ المحدِّثون بنقد الحديث سندًا ومتنًا، فلم يهملوا نقدَ المتن؛ بل أعمَلوا فيه منهجَهم النَّقديَّ الدقيق، وقد أُلِّفت كتبٌ كثيرة حول نقدِ المتن عند المحدِّثين قديمًا وحديثًا، تناولته من عدَّة جهات، منها هذا البحث الذي بين أيدينا، والذي تناول نقدَ المتن من خلال معرفة خصائص الحديثِ النبويِّ.

عنوان البحث: نقد المتن من خلال معرفة خصائص الحديث النبوي وضوابطه.

صاحب البحث: أ. د. ياسر أحمد الشمالي.

موضوع البحث: هو عبارة عن دراسةٍ لإحدى وسائل نقَّاد الحديث النبويّ لمعرفة صحة الحديث من ضعفه من خلال خبرتهم الثاقبة بخصائص الحديث النبوي الصحيح، فينظرون في بلاغته، واتِّساقه مع الزمن الذي قيل فيه، وغير ذلك.

مباحث الكتاب:

عنون المؤلف للمبحث الأول بـ: شروط نقد المتن وضوابطه:

بيَّن فيه أن نقد المتن قد برز فيه أعلام كثيرون؛ لكنهم بالنسبة إلى غير هذا العلم قلةٌ من الناس، ونعني بالقلَّة مَن اشتهر منهم بنقد المتن، لا من اشتغل منهم بذلك، فالمشتغلون كثيرون، وقد ذكر المؤلف شروط نقد المتن، وأهمها:

1- أن يكون الناقد من أهل السنة والجماعة.

2- التخصُّص في علم الحديث.

3- إتقان الصنعة الحديثية، ومعرفة أسس التصحيح وأسس النقد.

4- أن لا يكون الناقد متعصبًا لمذهب فقهيٍّ معين.

وانطلق المؤلف بعد ذلك إلى المبحث الثاني، وعنون له بـ: بيان قاعدة الإعلال بتشابه الأسلوب وشرحها:

هذه القاعدة يمارسها أهل الحديث المتخصّصون الممارسون للعلم بكثرة، فهو علمٌ يختصّ به حذاق النقاد بحيث يعرفون سمات الأحاديث النبوية وخصائصها، ومضمونها، ومعانيها، وما يبدو فيها من نور النبوة، فإن عثروا على أحاديث ليس فيها هذه السمات علموا أنها ليست من حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن خلال استقراء صنيع النُّقاد نجد أن نقد الحديث بكونه يفتقد خصائص الحديث النبوي جاء فيه العبارات التالية:

  • لا يشبه كلام النبوة.
  • يشبه حديث القصاص.
  • يشبه الحديث الموضوع.
  • يشبه الإسرائيليات.

ولكل واحد من هذه الأقوال معايير من خلالها يحكمون على الحديث بكونه داخلا تحت واحد من هذه الأربعة، فأحاديث القصاص مثلا تتَّسم بالطول والركاكة وكثرة التفصيلات والمبالغة التي لم تعهد في الشريعة، وهكذا.

المبحث الثالث: دراسة عبارات التشبيه، أو العبارات التي تدل على افتقاد الرواية لخصائص الحديث النبوي الصحيح:

في هذا المبحث تطرَّق المؤلِّف بتوسُّع إلى استعمال المحدّثين لعبارات التضعيف بهذا السبب؛ وهو بُعده عن خصائص الأحاديث النبوية، وذكَر أمثلة عديدة لذلك، فهو يعدُّ تطبيقًا للكلام الذي ذكره سابقًا، طبَّقه على عدد من الأحاديث التي أنكرها المحدثون لهذا السبب.

وقد بين المؤلِّف أن المحدِّثين لم يقتَصروا على الألفاظ التي ذكرها في المبحث الثاني؛ وإنَّما هي الشائعة، مع كونهم قد أطلقوا عبارات أخرى هي قريبة من واحد من الأربعة ألفاظ التي ذكرها، فذكر كلَّ عبارة وما يشابهها من كلام المحدثين.

ختم المؤلف بحثه بالمبحث الرابع وهو: التَّشابه البلاغي، هل هو دليل صحة الحديث أو قرينة على ذلك؟

وقد قطع المؤلف الطريقَ في هذا المبحث على من ينسب الأحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم بحجة أنَّها كذبٌ له لا عليه، فصحَّة المعنى وسلامتُه واتساقه مع البلاغة النبوية ليس كافيًا لصحة الحديث، بل يجب أن يُضاف إليه صحَّة السَّند، فلا يمكن تصحيح حديث دون هذين الشرطين:

  • صحة المتن.
  • صحة السند.

    فالمعيار البلاغيّ وحده ليس شرطًا لصحة الحديث، وإنَّما هو قرينة مقوِّية لصحة الحديث الذي توافرت فيه شروط صحة السند، وليس في المتن ما يستنكر من جهة المعنى.

وقد خلص الباحث إلى عدة نتائج وهي:

  1. النظر في صحَّة المعنی معيار أساس في صحة الحديث عند علماء النقد.

۲. إحدى وسائل معرفة صحة المعنى: النَّظر في متن الحديث، وهل يتناسب في أسلوبه ومعناه مع أسلوب الحديث النبوي أم لا.

  1. كانت عبارة: “لا يشبه كلام النبوة” إحدى عبارات النَّقد المشهورة لدى النقاد، وهي تدلل على مدى اهتمامهم بنقد المتن، حتى لو كان السند ظاهره الصحة.
  2. من العبارات المشهورة عند النقاد: “يشبه أحاديث القصاص، ولا يشبه أحاديث النبوة”، وتطلق على المرويات التي تتسم بالطول والغرابة والمبالغة وإحالة العقل وقلب الحقائق، وهي تدل على معرفة النُّقاد بأساليب الوضاعين أو المغفلين من الرواة.
  3. بعض المرويات ترِدُ بطريقة تشبه كلام الفقهاء، وهي من القرائن التي تعين الناقد على معرفة كون النص ليس من كلام النبوة.
  4. بعض المرويات ترد بطريقة تشبه الإسرائيليات، والمقصود بذلك أنها لا تشبه كلام النبوة؛ بل تشبه ما يرويه بعض أهل الكتاب ممَّن أسلم، ولا دليل على صدقها (ويكون عادة فيها كاذب أو فاحش الغلط).
  5. كثير من انتقادات العلماء للأحاديث عندما يحكمون عليها بقولهم: “هذا حديث منكر”، أو قولهم : “باطل، أو موضوع، أو كذب”، ونحو ذلك؛ إنما يراعون من كون المنسوب للرسول صلى الله عليه وسلم لا يصلح أن يكون من كلام النبوة.
  6. مثل هذه القواعد المنهجية إنما يقدر عليها فحول العلماء وكبار النقاد الذين يرجع إليهم في مثل هذا؛ حتى لا تخضع السنة لأذواق المتحذلقين.

والحمد لله أولا وآخرًا، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

ردان على “عرض وتعريف ببحث: نقد المتن من خلال معرفة خصائص الحديث النبوي وضوابطه”

  1. يقول عبد الله يوسف عبد السلام:

    بحث مفيد جدا جزاكم الله خيرا

  2. يقول عبد الله يوسف عبد السلام:

    الحمد لله التعليق علي الكتاب طيب جدا وجزاكم الله خيرا والحمد لله رب العالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

البهائية.. عرض ونقد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات بعد أن أتم الله تعالى عليه النعمة وأكمل له الملة، وأنزل عليه وهو قائم بعرفة يوم عرفة: {اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، وهي الآية التي حسدتنا عليها اليهود كما في الصحيحين أنَّ […]

الصمت في التصوف: عبادة مبتدعة أم سلوك مشروع؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: الصوفية: جماعةٌ دينية لهم طريقةٌ مُعيَّنة تُعرف بالتصوّف، وقد مَرَّ التصوّف بمراحل، فأوَّل ما نشأ كان زُهدًا في الدنيا وانقطاعًا للعبادة، ثم تطوَّر شيئًا فشيئًا حتى صار إلحادًا وضلالًا، وقال أصحابه بالحلول ووحدة الوجود وإباحة المحرمات([1])، وبين هذا وذاك بدعٌ كثيرة في الاعتقاد والعمل والسلوك. وفي إطار تصدِّي […]

دفع مزاعم القبورية حول حديث: «اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»

مقدمة: من الفِرى ردُّ الأحاديث الصحيحة المتلقّاة بالقبول انتصارًا للأهواء والضلالات البدعية، وما من نصّ صحيح يسُدُّ ضلالًا إلا رُمِي بسهام النكارة أو الشذوذ ودعوى البطلان والوضع، فإن سلم منها سلّطت عليه سهام التأويل أو التحريف، لتسلم المزاعم وتنتفي معارضة الآراء المزعومة والمعتقدات. وليس هذا ببعيد عن حديث «‌اتخذوا ‌قبور ‌أنبيائهم»، فقد أثار أحدهم إشكالًا […]

استباحة المحرَّمات.. معناها وروافدها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: من أعظم البدع التي تهدم الإسلام بدعة استباحةُ الشريعة، واعتقاد جواز الخروج عنها، وقد ظهرت هذه البدعة قديمًا وحديثًا في أثواب شتى وعبر روافد ومصادر متعدِّدة، وكلها تؤدّي في نهايتها للتحلّل من الشريعة وعدم الخضوع لها. وانطلاقًا من واجب الدفاع عن أصول الإسلام وتقرير قواعده العظام الذي أخذه […]

الحالة السلفية في فكر الإمام أبي المعالي الجويني إمام الحرمين -أصول ومعالم-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: من الأمور المحقَّقة عند الباحثين صحةُ حصول مراجعات فكرية حقيقية عند كبار المتكلمين المنسوبين إلى الأشعرية وغيرها، وقد وثِّقت تلك المراجعات في كتب التراجم والتاريخ، ونُقِلت عنهم في ذلك عبارات صريحة، بل قامت شواهد الواقع على ذلك عند ملاحظة ما ألَّفوه من مصنفات ومقارنتها، وتحقيق المتأخر منها والمتقدم، […]

أحوال السلف في شهر رجب

 مقدمة: إن الله تعالى خَلَقَ الخلق، واصطفى من خلقه ما يشاء، ففضّله على غيره، قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ ‌وَيَخۡتَارُ﴾ [القصص: 68]. والمقصود بالاختيار: الاصطفاء بعد الخلق، فالخلق عامّ، والاصطفاء خاصّ[1]. ومن هذا تفضيله تعالى بعض الأزمان على بعض، كالأشهر الحرم، ورمضان، ويوم الجمعة، والعشر الأواخر من رمضان، وعشر ذي الحجة، وغير ذلك مما […]

هل يُمكِن الاستغناءُ عن النُّبوات ببدائلَ أُخرى كالعقل والضمير؟

مقدمة: هذه شبهة من الشبهات المثارة على النبوّات، وهي مَبنيَّة على سوء فَهمٍ لطبيعة النُّبوة، ولوظيفتها الأساسية، وكشف هذه الشُّبهة يحتاج إلى تَجْلية أوجه الاحتياج إلى النُّبوة والوحي. وحاصل هذه الشبهة: أنَّ البَشَر ليسوا في حاجة إلى النُّبوة في إصلاح حالهم وعَلاقتهم مع الله، ويُمكِن تحقيقُ أعلى مراتب الصلاح والاستقامة من غير أنْ يَنزِل إليهم […]

الصوفية وعجز الإفصاح ..الغموض والكتمان نموذجا

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  توطئة: تتجلى ظاهرة الغموض والكتمان في الفكر الصوفي من خلال مفهوم الظاهر والباطن، ويرى الصوفية أن علم الباطن هو أرقى مراتب المعرفة، إذ يستند إلى تأويلات عميقة -فيما يزعمون- للنصوص الدينية، مما يتيح لهم تفسير القرآن والحديث بطرق تتناغم مع معتقداتهم الفاسدة، حيث يدّعون أن الأئمة والأولياء هم الوحيدون […]

القيادة والتنمية عند أتباع السلف الصالح الأمير عبد الله بن طاهر أمير خراسان وما وراء النهر أنموذجا (182-230ه/ 798-845م)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  المقدمة: كنتُ أقرأ قصةَ الإمام إسحاق بن راهويه -رحمه الله- عندما عرض كتاب (التاريخ الكبير) للإمام البخاري -رحمه الله- على الأمير عبد الله بن طاهر، وقال له: (ألا أريك سحرًا؟!)، وكنت أتساءل: لماذا يعرض كتابًا متخصِّصًا في علم الرجال على الأمير؟ وهل عند الأمير من الوقت للاطّلاع على الكتب، […]

دعوى غلو النجديين وخروجهم عن سنن العلماء

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تكثر الدعاوى حول الدعوة النجدية، وتكثر الأوهام حول طريقتهم سواء من المخالفين أو حتى من بعض الموافقين الذين دخلت عليهم بعض شُبه الخصوم، وزاد الطين بلة انتسابُ كثير من الجهال والغلاة إلى طريقة الدعوة النجدية، ووظفوا بعض عباراتهم -والتي لا يحفظون غيرها- فشطوا في التكفير بغير حق، وأساؤوا […]

التحقيق في موقف ابن الزَّمْلَكَاني من ابن تيّمِيَّة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: يُعتَبَر ابن الزَّمْلَكَاني الذي ولد سنة 667هـ مُتقاربًا في السنِّ مع شيخ الإسلام الذي ولد سنة 661هـ، ويكبره شيخ الإسلام بنحو ست سنوات فقط، وكلاهما نشأ في مدينة دمشق في العصر المملوكي، فمعرفة كلٍّ منهما بالآخر قديمة جِدًّا من فترة شبابهما، وكلاهما من كبار علماء مذهبِه وعلماء المسلمين. […]

الشَّبَهُ بين شرك أهل الأوثان وشرك أهل القبور

مقدمة: نزل القرآنُ بلسان عربيٍّ مبين، وكان لبيان الشرك من هذا البيان حظٌّ عظيم، فقد بيَّن القرآن الشرك، وقطع حجّةَ أهله، وأنذر فاعلَه، وبين عقوبته وخطرَه عليه. وقد جرت سنة العلماء على اعتبار عموم الألفاظ، واتباع الاشتقاق للأوصاف في الأفعال، فمن فعل الشرك فقد استوجب هذا الاسمَ، لا يرفعه عنه شرعًا إلا فقدانُ شرط أو […]

هل مُجرد الإقرار بالربوبية يُنجِي صاحبه من النار؟

مقدمة: كثيرٌ ممن يحبّون العاجلة ويذرون الآخرة يكتفون بالإقرار بالربوبية إقرارًا نظريًّا؛ تفاديًا منهم لسؤال البدهيات العقلية، وتجنُّبا للصّدام مع الضروريات الفطرية، لكنهم لا يستنتجون من ذلك استحقاق الخالق للعبودية، وإذا رجعوا إلى الشرع لم يقبَلوا منه التفصيلَ؛ حتى لا ينتقض غزلهم مِن بعدِ قوة، وقد كان هذا حالَ كثير من الأمم قبل الإسلام، وحين […]

هل كان شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني أشعريًّا؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: مِن مسالك أهل الباطل في الترويج لباطلهم نِسبةُ أهل الفضل والعلم ومن لهم لسان صدق في الآخرين إلى مذاهبهم وطرقهم. وقديمًا ادَّعى اليهود والنصارى والمشركون انتساب خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام إلى دينهم وملَّتهم، فقال تعالى ردًّا عليهم في ذلك: ﴿‌مَا ‌كَانَ ‌إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّا وَلَا نَصۡرَانِيّا وَلَٰكِن كَانَ […]

هل علاقة الوهابية بالصوفية المُتسنِّنة علاقة تصادم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تعتبر الصوفيةُ أحدَ المظاهر الفكرية في تاريخ التراث والفكر الإسلامي، وقد بدأت بالزهد والعبادة وغير ذلك من المعاني الطيِّبة التي يشتمل عليها الإسلام، ثم أصبحت فيما بعد عِلمًا مُستقلًّا يصنّف فيه المصنفات وتكتب فيه الكتب، وارتبطت بجهود عدد من العلماء الذين أسهموا في نشر مبادئها السلوكية وتعدَّدت مذاهبهم […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017