الجمعة - 17 شوّال 1445 هـ - 26 ابريل 2024 م

بين وباء كورونا ووباء الكوليرا في الحج

A A

 للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

المقَـدّمَـــة:

“كانت تهدد شعوب العالم تهديدًا كبيرًا؛ مما أوجب على الدول اتخاذ عدد من التدابير… ومع بدايات القرن التاسع عشر أقامت الدول نظمًا كثيرة داخل أراضيها لمكافحة الكوليرا الفتاكة، ومن جانب آخر اختارت طريق التعاون لمواجهة عدو مرعب لا يعرف الحواجز والحدود”([1]).

تلك هي الكوليرا التي اتفقت مع كورونا في الافتتاح بحرف الكاف كما أنها اتفقت معها في كثير من الأحداث والإجراءات والحوادث والإصابات.

واليوم يهدد وباء كورونا (كوفيد 19) شعوب العالم تهديدًا كبيرًا، واتخذت الدول عددًا من التدابير، وأقامت نظمًا كثيرة لمكافحته، واتحدت لمواجهة عدو مرعب لا يعرف الحواجز والحدود، ومن ذلك مبادرة المملكة العربية السعودية -حرسها الله- بجملة من الاحترازات والتدابير الوقائية، ومن جملتها ما قرَّرته في شأن حج هذا العام من اقتصار الحج على عدد محدود من الحجاج ممن هم بداخل المملكة من مختلف البلدان والأجناس؛ تلافيًا لأضرار الوباء.

فإن اتفقت الكوليرا مع كورونا في كثير مما سبق، فكيف كان الأمر مع الحج والحجاج؟! هذا ما سنتعرض له في هذه الورقة؛ مبينين شيئًا من الآثار والأضرار التي نجمت عن ذلك الوباء السابق.

تمهيد:

الكوليرا: مرض جرثومي ينتقل بالعدوى يسبِّب الإسهال، وينجم عن تناول الأطعمة أو شرب المياه الملوّثة بضمات بكتيريا الكوليرا، وهو مرض شديد الفوعة إلى أقصى حد، ويمكن أن يتسبب في الإصابة بإسهال مائي حاد، يستغرق فترة تتراوح بين 12 ساعة و5 أيام لكي تظهر أعراضه على الشخص عقب تناوله أطعمة ملوثة أو شربه مياه ملوثة، وعدوى الكوليرا عدوى حادة قادرة على أن تودي بحياة المصاب بها في غضون ساعات إن تُرِكت من دون علاج([2]).

ومنشأ هذا المرض هو الهند التي كانت تسمى (الهند البريطانية)، وتحديدًا من نهر الغانج، ومن هناك انتقل إلى كل قارات العالم، وظهرت أول ما ظهرت في القرن الثالث عشر الهجري، وظهر في مكة تحديدًا عام 1246هـ، يقول أحمد زيني دحلان: “وكانت تلك السنة -أي: سنة 1246هـ- هي أول السنين التي حدث فيها ذلك الوباء بمكة، ولم يعرفه الناس قبل تلك السنة، ثم بعد هذه السنة تكرر مجيئه بمكة مرات… وكان ابتداؤه من شهر شوال من السنة المذكورة”([3]).

ولم يخفت أمره في السنوات التالية، بل استمر لسنوات، بل حتى القرن الذي يليه كان مؤثرًا على مسيرة الحج والحجاج، ولا زال خطره حتى يوم الناس هذا في كثير من الدول.

الكوليرا وتدابيرها الوقائية وبروتوكولاتها الصحية:

تعالت صرخات وتكررت نداءات من المسؤولين الصحيين والأطباء في فترة وباء الكوليرا، ودق الجميع ناقوس الخطر، منادين بأخذ كل الوسائل الممكنة لتفادي إشكالات هذا الوباء، يقول أدريان بروست: “إن ما ينبغي فعله هو أن نعد العدة في حالة عودة الوباء إلى الظهور، وأن نمنع تحول الحج إلى موطن لانتشار الوباء كل عام، وبذلك نحمي أوربا. لقد أصبح من الضروري اتخاذ تدابير وقائية عاجلة، وأصبح ذلك أكثر إلحاحًا منذ أن أصبح الحجاج يسافرون على السفن البخارية”([4]).

ففي زمن الكوليرا اتخذت الجهات المعنية كثيرًا من الإجراءات والتدابير الوقائية من أجل وقاية الحجاج وضمان صحتهم وسلامتهم، ففي عام 1275هـ ألزمت كل سفينة من السفن الناقلة للحجاج وجود طبيب معالج بينهم؛ تلافيًا لأي إصابة بالكوليرا، وضمانًا لسلامة البقية، ولكن ذلك ما لم يجد نفعًا، فقد انتشر الوباء رغم ذلك بسبب خيانة بعض ربان السفن وكذبهم كما سيأتي، وانتشر إلى الدول الأوربية، وهو ما دفعها إلى المطالبة بعقد مؤتمر حول ذلك([5]).

وأسفر المؤتمر عن نتائجه التي كان من أهمها جملة من التدابير الوقائية؛ كإنشاء حجر صحي كبير في مضيق باب المندب الذي يعدُّ بوابة البحر الأحمر لفحص الحجاج قبل السماح لسفنهم بدخول مياه البحر، وإقامة نقاط ومراكز للحجر الصحي على طول سواحل الحجاز، وتشكيل هيئة كاملة تعنى بالشؤون الصحية في مكة المكرمة خاصة([6]).

“فإنه في العام نفسه -1838م (1253هـ)- شكلت وزارة الحجر الصحي تحت مسميات عديدة؛ مثل: (مجلس الحجر الصحي) و(مجلس الصحة) و(مجلس الحجر) و(مجلس الشؤون الصحية) و(وزارة الصحة)؛ بغرض ترتيب نظم الحجر الصحي وإدارة شؤونه… وفي البداية كانت إدارة الحجر الصحي تابعة لوزارة الخارجية، ولكنها انفصلت فيما بعد عن مبنى وزارة الخارجية، وصارت لفترة قصيرة وزارة مستقلة، ثم صارت شعبة تابعة لكثير من الوزارات”([7]).

وشددت الدولة العثمانية الإجراءات على مكة المكرمة بعد ذلك وتحديدًا من عام 1282هـ، وجعلت ترسل مراقبين ولجانًا متخصصة وهيئات طبية لاتخاذ الإجراءات اللازمة، والرقي بالنظام الصحي في الحج، وتفادي انتشار الوباء بين الحجاج خاصة.

“وأسفرت المناقشات التي عقدت بالمجلس الصحي في هذا الشأن عن تقسيم التدابير اللازم اتخاذها في الحجاز ثلاث مواد:

  • اتخاذ التدابير اللازمة لمنع التعفُّن في أماكن نحر الأضاحي.
  • منع بيع المأكولات والمشروبات الضارة بالصحة في مكة والمدينة أثناء موسم الحج.
  • اتخاذ كافة التدابير الصحية اللازمة أثناء قدوم الحجاج وعودتهم، وخاصة إزاء حجاج الهند؛ لأنها منشأ الكوليرا”([8]).

ومن التدابير الوقائية التي اتخذت في تلك الفترة فحص الأشخاص واستحداث وضع شهادة خلو من المرض في أيدي الحجاج الأصحاء، وبذلك تسنى وضع النقل البحري تحت السيطرة الصحية([9]).

ومن تلك الإجراءات الوقائية التعجيل بمغادرة الحجاج الهنود من مكة المكرمة إلى بلادهم؛ كيلا يكثروا الاختلاط بغيرهم ويتسببوا في انتشار الوباء، وعنيت الدولة العثمانية بهذا الأمر بنفسه؛ فقد أمر بتحمل نفقات عودة فقراء الحجاج من الهنود إلى بلادهم على حساب الدولة؛ وذلك من أجل إعادتهم إلى بلادهم بأقصى سرعة، والحد من انتشار الوباء، وذلك بسبب إرسال دولة الهند البريطانية الفقراء كما سيأتي([10]).

وكان الأطباء الأوربيون كثيرًا ما يؤكدون على ضرورة اتخاذ التدابير الوقائية والبروتوكولات الصحية التي تحمي الحجاج، وهو ما أكده الطبيب الفرنسي (أدريان بروست) الذي افتتحنا بمقولته هذه الفقرة، وهو ما يؤكد على مثله اليوم وزارة الصحة في المملكة كما سيأتي.

آثار وباء الكوليرا على الحج والحجاج:

وباء الكوليرا كانت قضية مشكلة وعقبة كؤودًا أمام الحجاج، كما أنه في ذات الوقت هاجس مخيف للحجاج أنفسهم وللمسؤولين عن الحج، فقد تأثر كثير من أنظمة الحج وأحوال الحجاج النفسية بسبب هذا الوباء، فرغم الإجراءات والبروتوكولات الوقائية التي اتخذت من الحكومات انتشر الوباء انتشارًا شديدًا، ففي العام الأول 1246هـ حصدت الكوليرا عددًا مهولًا من الحجاج ومن أهل مكة حتى صار الموتى في الطرقات وفي الأسواق وفي كل مكان، ورجع كثير من الحجاج من المشاعر بجمال محمَّلة بالجنائز، وليس ثمَّة من يجهِّزهم ويغسلهم ويكفنهم، وذعر الناس من ذلك، وقد جلى لنا الصورة أكثر وجسَّد لنا حالة الوباء وخطورته أحمد زيني دحلان حيث وصف وصفًا أدق فقال: “وكانت تلك السنة -أي: 1246هـ- هي أول السنين التي حدث فيها ذلك الوباء بمكة، ولم يعرفه الناس قبل تلك السنة، ثم بعد هذه السنة تكرر مجيئه بمكة مرات، لكنه ما جاء في التي بعد هذه السنة مثل هذه السنة؛ فإنه كان شديد الكثرة، مات فيه خلق كثير لا يمكن ضبطهم ولا إحصاؤهم، وكان ابتداؤه من شهر شوال من السنة المذكورة، ولم يكترث به الناس في ابتداء وقوعه ولم ينزعجوا منه، ثم إنه في النصف من شهر ذي القعدة أصاب كثيرًا من أهل مكة ومن الحجاج من كل صنف، ولم يزل يتزايد واشتد أمره في أيام منى حتى صار الموتى مطروحين في الطرقات، ونزل الناس من منى والجمال محملة من الأموات، واشتد أيضًا بمكة بعد النزول من منى، وامتلأت الأسواق والطرقات من الأموات، وعجز الناس عن تجهيزهم ودفنهم، فخرج مولانا الشريف محمد بن عون بنفسه ومعه بعض أتباعه، وصار يمر على بعض الطرقات والأسواق ويأمر الناس بتجهيز الموتى ودفنهم، وأعطاهم ما يحتاجون إليه من الأكفان، وامتلأت القبور من الأموات، فحفروا حفائر كثيرة، وصاروا يضعون في كل حفرة جملة من الأموات، وقاسى الناس من ذلك الوباء تعبًا شديدًا، واستمر ذلك الوباء إلى عشرين من ذي الحجة، ثم ارتفع شيئًا فشيئًا”([11])، ويقال أنه أودى بحياة خمسة عشر ألف مسلم([12]).

ولم يتوقف أمر الوباء في السنين التالية لهذه السنة، بل كان ثمة انتشار بوضع أخف من ذلك في ثلاثة أعوام؛ عام 1252هـ، وعام 1254هـ، وعام 1255هـ، ثم اشتد على الناس عام 1262هـ، وكثر الموت فيهم واستعر، فقد توفي فيها خمسة عشر ألف حاجّ([13]).

ثم ظهر بحال أخف في ثلاثة أعوام؛ عام 1267هـ وعام 1272هـ وعام 1273هـ، وفي عام 1275هـ ألزم الربان بتوفير الأطباء في السفن، ولكن بسبب عدم التزام ربان السفينة البريطانية الآنفة الذكر انتشر الوباء في 1276هـ.

وفي عام 1280هـ أنشئ أول حجر صحي في مكة المكرمة، وكانت تسمى الكرنتينة([14]).

ويعتبر عام 1281هـ من أشد أعوام الكوليرا على الحجاج؛ حيث امتد أثره إلى مصر ومن ثم إلى دول أوربا بل حتى أمريكا، وتوفي فيه قريب من ثلاثين ألفًا، وقيل: إن الموتى نصف هذا العدد([15]).

ومن ثم عقد المؤتمر الصحي العالمي لمناقشة أمر وباء الكوليرا في الحج في إسطنبول عام 1282هـ، وعمل بالتوصيات والتقارير الصادرة عن المؤتمر، وازدادت الإجراءات شدة، ولكن الوباء لم يتغير حاله، بل ازداد هو أيضًا سوءًا واستعارًا، فقد نقل الحجاج الوباء في العام الذي يليه إلى بلدانهم ومناطقهم([16])، وفي عام 1288هـ دهم الوباء الحجاج في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشئ لهم محجر في الزاهر عند عودتهم إلى مكة المكرمة([17]).

ثم ظهر الوباء بحال أخف نوعًا ما في السنوات التالية، ولكن دهم الحجاز بعد ذلك ما سمي بـ (فترة الخراب الأكبر في الحجاز) بسبب الكوليرا، فقد دهم الوباء من عام (1296هـ) حتى ثلاث سنوات ثم في عام (1307هـ)، و(1308هـ)، و(1310)([18]).

ووباء عام 1310هـ هو أكبر وباء وأشده في تاريخ الحجاز، وقد اضطر المسؤولون إلى إخلاء المشاعر في ثاني أيام العيد ومغادرة قوافل الحج دون المبيت أيام التشريق، بناء على توجيهات الإدارة الصحية، ولكن الوباء انتشر في كل أنحاء مكة، “وهناك تقديرات متفاوتة لأعداد الضحايا فيذكر الدكتور بروست أن عدد القتلى بلغ 40000 شخص، بينما يرى مسؤول الصحة في مكة أنها كانت 30336 شخصًا”([19]).

ومن أهم الآثار التي نجمت عن وباء الكوليرا بعد الحج أنه تسبب في انتشار الوباء للعالم بأسره، وذلك بسبب كذب وخيانة أحد ربان السفن البخارية البريطانية (سيدني) والتي كانت عائدة بالحجاج من جدة إلى قناة السويس في عام 1282هـ؛ فقد أدلى الربان ببيانات وتصريحات كاذبة طمعًا منه في دخول ميناء السويس؛ ولم يصرح بظهور الكوليرا في ركاب السفينة مع أنه قد فشا في الركاب معه في السفينة، بل وتوفي عدد من المصابين على متن السفينة أثناء الرحلة، ولم يمر يومان على وصول تلك الرحلة إلى ميناء السويس حتى فشا الوباء واستعر في مصر كلها، وحصدت منها وحدها ستين ألف شخص خلال ثلاثة أشهر، ثم اجتاح أوربا وآسيا الصغرى ونيويورك وغوادلوب، ولم يختف إلا في عام 1291هـ([20]).

وزاد الهم أن أعداء الإسلام استغلوا هذا الوضع للضغط على المسلمين للتدخل في دولتهم وشئونهم الداخلية بدعوى أن الأماكن المقدسة وماء زمزم هو مصدر الوباء!

فادعت بريطانيا في تقاريرها القنصلية أن “منى هي موطن الكوليرا في موسم الحج، ويحملها الحجاج معهم عند انتقالهم بين المشاعر، وعودتهم من منى إلى مكة وإلى بلادهم”([21]). وفي موضع آخر يذكر صاحب التقرير: “إن الالتزام بتنفيذ قواعد الحجر الصحي بصرامة هذا العام آتى ثماره، فقد ثبت خطأ الفكرة التي تقول: إن الكوليرا تأتي مع الحجاج الهنود، وهو ما كتبته في تقرير العام الماضي أن الكوليرا موطنها منى، إن الأوضاع الصحية في كل من منى ومكة سيئة إلى أبعد الحدود في كل عام”([22]).

وهكذا “شهد تاريخ الحجاز الصحي في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي ونهاية القرن العشرين صراعًا بين الدول الاستعمارية عمومًا، وبريطانيا على وجه الخصوص، وبين الدولة العثمانية التي كانت تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية خانقة، وكانت بريطانيا تسعى لتجد لها موطئ قدم في الحجاز؛ لاستغلال المكانة الإستراتيجية والاقتصادية لتلك المنطقة المقدسة، واتخذت من الجانب الصحي وظهور موجات الكوليرا ذريعة لذلك؛ فادعت أن الحجاز موطن الكوليرا، وأن ماء زمزم هي أكبر مصدر للوباء، وأن هدي الحجاج في منى يتعفن ويسبب انتشار الأمراض والأوبئة”([23]).

يقول أدريان بروست: “لقد واصلت في عام 1894م (1311هـ) نسبة الوفيات الارتفاع بين الحجاج الذين يقيمون في المدينة المقدسة، وقد عزي سبب ذلك في البداية إلى حمى الضنك، إلا أنه تبين فيما بعد بأن سبب ذلك هو الالتهاب المعوي (الكوليرا)، وقد بحث الأطباء الموجودون في مكة المكرمة عن سبب الالتهاب، واعتقدوا أنهم وجدوه في تلوث الماء الذي يشربه الحجاج، ولم يكن ذلك الماء الذي سبب الالتهاب إلا ماء زمزم الماء الذي يتبرك به الحجاج”([24]).

ولم ينته الأمر بهذه الاتهامات، بل اتخذت هذه الشعيرة العظيمة وسيلة يتراشق من خلالها أعداء الإسلام سهامهم، فقد انتدبت فرنسا للرد على تلك الاتهامات البريطانية ممثلة في الطبيب الفرنسي (أخيل – أدريان بروست) الذي كتب مقالًا بعنوان: الحج إلى مكة المكرمة وانتشار الأوبئة، ومما قال فيه: “إن الكوليرا لم تنشأ قط في الحجاز، وإنما يحملها معهم الحجاج القادمون إليه، وعلى رأسهم الهنود الذين هم مواطنون بريطانيون، وإنه ينبغي على بريطانيا التي تشكو من الوباء اتخاذ الحيطة والاهتمام بصحة حجاجها، بدل أن تركز اهتمامها على الجوانب التجارية بغض النظر عما يحيق بالبشر من أخطار”([25]).

الخوف من ضرر الوباء محقق هذا العام، ولكن الحج لن يتوقف، وإنما سيكون عدد الحجج محدودًا.

فقد رأينا ما حصل في وباء الكوليرا من وفيات، وما لحق بالحجاج من أضرار ومدلهمات، سواء من ناحية أعداد الوفيات، أو من جهة الأضرار والآثار التي حصلت على المسلمين في كل نواحي الحياة، بل على البشرية جمعاء.

واليوم بات انتشار وباء كورونا وتفشيه بين الحجاج وأهل مكة خطرًا حقيقيًّا محتمًا إذا بقي أمر الحج كما كان عليه في كل عام، وبات أمر السيطرة على المرض مع السماح بإقامة الفريضة لكل من رغب فيها أشبه بالمستحيل، كيف والمرض ينتشر في الناس انتشارًا كبيرًا؟!

فالخوف من تفشي هذا المرض أمر محققٌ، والخوف ممَّا يترتب عليه من فساد في العباد والبلاد أكَّده الخبراء والأطباء والمسؤولون في الجهات ذات العلاقة، وهذا الخوف هو أحد الأوجه التي رفع الشارع الحرج بسببها عن العباد، يقول الشاطبي: “فاعلم أن الحرج مرفوع عن المكلف لوجهين:

أحدهما: الخوف من الانقطاع من الطريق، وبغض العبادة، وكراهة التكليف، وينتظم تحت هذا المعنى الخوف من إدخال الفساد عليه في جسمه أو عقله أو ماله أو حاله… فإن الله وضع هذه الشريعة المباركة حنيفية سمحة سهلة، حفظ فيها على الخلق قلوبهم، وحببها لهم بذلك، فلو عملوا على خلاف السماح والسهولة لدخل عليهم فيما كلفوا به ما لا تخلص به أعمالهم، ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} إلى آخرها [الحجرات: 7]، فقد أخبرت الآية أن الله حبب إلينا الإيمان بتيسيره وتسهيله، وزينه في قلوبنا بذلك، وبالوعد الصادق بالجزاء عليه”([26]).

ولا شكَّ أن حفظ النفوس ووقايتها من الهلاك بمثل هذه الأوبئة والطواعين هو من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية، فالنفس البشرية مكرَّمة محترمة في الشريعة الإسلامية، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]، وعن المقصود بحفظ النفس وما تشتمله يقول الشاطبي: “وحفظ النفس حاصله في ثلاثة معان، وهي: إقامة أصله بشرعية التناسل، وحفظ بقائه بعد خروجه من العدم إلى الوجود…”([27]).

وهذا المعنى هو ما نجده في الحج آياته وأحاديثه؛ يقول الله تعالى في خاتمة سورة الحج: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، فالدين الإسلامي لا يقصد بأحكامه العنت والمشقة، ولا يدفع الناس إلى المهالك والمقاتل، بل المشقة تجلب التيسير، وهذا من قواعد الشرع وأصول الفقه الإسلامي، ومن أصولها رفع الحرج عن الناس وإرادة اليسر بهم، يقول الشاطبي رحمه الله: “إن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع؛ كقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]”([28]).

ومن أحاديث الحج الحديث العظيم الذي نصَّ فيه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الأمر، وأصبح مضرب المثل بعد ذلك، ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاءه رجل فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح؟ فقال: «اذبح ولا حرج»، فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ قال: «ارم ولا حرج»، فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: «افعل ولا حرج»([29]).

واعتبارًا بهذه الأمور وعملًا بمقاصد الشريعة من حفظ النفس ورفع الحرج وبناء على ما قررته الهيئات والمؤسسات الصحية قرر ما قرر في حج هذا العام.

فرغم الوباءِ لن يتوقَّف الحجُّ تمامًا في هذا العام كما حصل في سنوات مضت، وإنما قررت المملكة العربية السعودية اتخاذ تدابير وقائية وحصر الحج على أعداد محدودة جدًّا؛ وذلك لضمان سلامة الحج والحجيج وحفاظًا على صحتهم، ولا شك أن تحديد العدد وتقليصه هو من أجل إمكانية العمل بكثير من التدابير الوقائية والبروتوكولات الصحية كما في نصّ البيان: “بناءً على ما أوضحته وزارة الصحة بالمملكة العربية السعودية حيال استمرار مخاطر هذه الجائحة وعدم توفر اللقاح والعلاج للمصابين بعدوى الفايروس حول العالم، وللحفاظ على الأمن الصحي العالمي، خاصةً مع ارتفاع معدل الإصابات في معظم الدول وفق التقارير الصادرة من الهيئات ومراكز الأبحاث الصحية العالمية، ولخطورة تفشي العدوى والإصابة في التجمعات البشرية التي يصعب توفير التباعد الآمن بين أفرادها، لذلك فإن المملكة العربية السعودية، وانطلاقًا من حرصها الدائم على تمكين ضيوف بيت الله الحرام وزوار مسجد المصطفى صلى لله عليه وسلم من أداء مناسك الحج والعمرة في أمن وصحة وسلامة، حرصت منذ بدء ظهور الإصابات بفايروس كورونا وانتقال العدوى إلى بعض الدول على اتخاذ الإجراءات الاحترازية لحماية ضيوف الرحمن، بتعليق قدوم المعتمرين والعناية بالمعتمرين المتواجدين في الأراضي المقدسة، حيث لاقى هذا القرار مباركةً إسلاميةً ودولية لما كان له من إسهام كبير في مواجهة الجائحة عالميًّا، ودعمًا لجهود الدول والمنظمات الصحية الدولية في محاصرة انتشار الفيروس.

‏‎وفي ظل استمرار هذه الجائحة، وخطورة تفشي العدوى في التجمعات والحشود البشرية، والتنقلات بين دول العالم، وازدياد معدلات الإصابات عالميًا، فقد تقرر إقامة حج هذا العام 1441هـ بأعداد محدودة جدًّا للراغبين في أداء مناسك الحج لمختلف الجنسيات من الموجودين داخل المملكة، وذلك حرصًا على إقامة الشعيرة بشكل آمن صحيًّا، وبما يحقق متطلبات الوقاية والتباعد الاجتماعي اللازم لضمان سلامة الإنسان وحمايته من مهددات هذه الجائحة، وتحقيقًا لمقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ النفس البشرية بإذن الله”([30]).

واتخاذ التدابير والبروتوكولات الصحية ليس عبثًا، بل الالتزام بالتدابير الوقائية من الضرورة بمكان كما رأينا مما حصل في تاريخ وباء الكوليرا من آثار لتجاوزات بعض الحجاج وتساهل بعض المسؤولين، وقد فرضت المملكة جملة من التدابير الوقائية من أجل حماية الحجاج والحفاظ على صحتهم، ومن ضمن تلك المتطلبات فحص الحجاج والعاملين في المشاعر قبل وصولهم إلى المشاعر المقدسة، والتأكد من عدم إصابتهم بالوباء، واشتراط خلو الحاج من الأمراض المزمنة، وألَّا يكون من كبار السن، وإخضاع الحجاج للحجر المنزلي بعد الحج وغيرها من الإجراءات([31]).

الخاتمة:

ولئن فات كثيرًا من المسلمين فضل الحج وأجره، فإنه لم يفتهم كثير مما في شهر الحج من الفضائل والمكرمات، والتي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «ما العمل في أيام أفضل منها في هذه؟» قالوا: ولا الجهاد؟ قال: «ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء»([32]).

فعلى المسلم أن يحرص على الاجتهاد في طاعة الله تعالى في هذه العشر المباركة، عسى أن يكتبه الله تعالى مع الفائزين،

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) الحجر الصحي في الحجاز، جولدن صاري يلدز، ترجمة: عبد الرزاق بركات (ص: 28).

([2]) ينظر موقع منظمة الصحة العالمية:

https://www.who.int/ar/news-room/fact-sheets/detail/cholera

([3]) خلاصة الكلام (ص: 308-309).

([4]) مقالة له بعنوان: الحج إلى مكة المكرمة وانتشار الأوبئة، ترجمة: محمد خير البقاعي، مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية، مج1، ع1، المحرم – جمادى الآخرة 1423هـ (ص: 234).

([5]) ينظر: الحجر الصحي في الحجاز، جولدن صاري يلدز، ترجمة: عبد الرزاق بركات (ص: 44).

([6]) ينظر: الحجر الصحي في الحجاز، جولدن صاري يلدز، ترجمة: عبد الرزاق بركات (ص: 46).

([7]) الحجر الصحي في الحجاز، جولدن صاري يلدز، ترجمة: عبد الرزاق بركات (ص: 31 وما بعدها).

([8]) الحجر الصحي في الحجاز، جولدن صاري يلدز، ترجمة: عبد الرزاق بركات (ص: 48).

([9]) الحجر الصحي في الحجاز، جولدن صاري يلدز، ترجمة: عبد الرزاق بركات (ص: 47).

([10]) ينظر: الحجر الصحي في الحجاز، جولدن صاري يلدز، ترجمة: عبد الرزاق بركات (ص: 121).

([11]) خلاصة الكلام (ص: 308-309)، وينظر: تاريخ مكة (2/ 586).

([12]) ينظر: الحجر الصحي في الحجاز، جولدن صاري يلدز، ترجمة: عبد الرزاق بركات (ص: 44).

([13]) الحجر الصحي في الحجاز، جولدن صاري يلدز، ترجمة: عبد الرزاق بركات (ص: 23).

([14]) يقول الصباغ: “وأول حدوثها بمصر سنة 1252هـ، ثم انتشرت في سائر البلاد إلا بلاد الهند، فتركوها حيث لم يحصل منها إفادة، وأول حدوثها بجدة ومكة سنة 1280هـ… ومعنى الكرنتينة على ما ذكره صاحب كنوز الصحة: أعني أن الأشخاص المظنون فيهم ذلك يمكثون أربعين يومًا في محل وحدهم لا يخالطهم أحد معرضين للهواء”. تحصيل المرام (2/ 887). وينظر: الرحلة الحجازية (ص: 306 وما بعدها).

([15]) وعن هذا الوباء وسببه يقول صاحب إفادة الأنام: “وفي سنة 1281هـ كان الوباء بمكة، وابتداؤه ثاني يوم النحر، واستمر سبعة أيام، وكثر الموت جدًّا إلى أن بلغ من يموت في اليوم نحو الألف، ثم انتقل إلى مصر عند وصول الحجاج، وكذا إسلامبول وبلاد الترك وبلاد النصارى، فأجمع الحكماء أن هذا من كثرة العفونة بمنى ومكة، فبسبب ذلك يتغير الهواء فيحصل في الأمزجة ويحصل الوباء ويموت الخلق… ووصل الأوامر إلى مكة في شوال، فشرعوا في تنظيف مكة ومنى، وبنوا بها نحو خمسمائة كنيف، وكذلك جعلوا محلات تذبح فيها الهدايا، وكان قبل ذلك تذبح في أي مكان” إفادة الأنام، عبد الله الغازي (2/ 458). وينظر: تحصيل المرام، محمد الصباغ (2/ 885)، والحجر الصحي في الحجاز، جولدن صاري يلدز، ترجمة: عبد الرزاق بركات (ص: 24، 44).

([16]) “ففي إبريل من عام 1867م (1283هـ) انتشرت مع الحجاج العائدين حتى بلغت البنجاب وكشمير وأفغانستان وإيران وبحر قزوين، وحتى عام 1869م (1285هـ) بلغت الكوليرا روسيا” الحجر الصحي في الحجاز، جولدن صاري يلدز، ترجمة: عبد الرزاق بركات (ص: 24).

([17]) ففي عام 1288هـ ابتلي الحجاج بالوباء أيضًا رغم تلك الاحتياطات التي اتخذت، “إلا أنه لم يمت به أحد، مع أنه عمَّ جميع من بمكة إلا ما كان نادرًا من الناس، ثم انقطع آخر ذي الحجة، وعند توجه الحجاج إلى المدينة في ذي القعدة من التاريخ أصابهم الوباء، وهو معهم إلى أن خرجوا من المدينة، وانقطع عنهم عند رجوعهم إلى مكة، وكذلك انقطع من المدينة، ثم رجع إلى مكة بعد نزول الناس من منى إلى مكة نحو خمسة أيام، لكنه شيء خفيف، ثم عند توجه الحجاج إلى المدينة بعد الحج أصابهم الوباء، واستمر معهم إلى المدينة وعند خروجهم انقطع”. تحصيل المرام، محمد الصباغ (2/ 896). وينظر: تاريخ مكة، السباعي (2/ 607)، إفادة الأنام، عبد الله الغازي (2/ 460).

([18]) ففي عام 1293هـ دهم الوباء الحجاج في شهر ذي الحجة قبيل عيد الأضحى بعدة أيام، وتسبب في وفاة عدد كبير من الحجاج في منى، وحين رجعوا إلى مكة انهمر مطر غزير تسبب في زيادة نسبة الوفيات، وبرغم هذا فإن هذا الوباء يعد من الأوبئة الخفيفة، وأشد منه وباء سنة 1296هـ، وتسبب في انتقاله سفينة إنجليزية كانت تحمل الحجاج الهنود إلى جزيرة قمران، وبعد حجزها 47 يومًا منحت براءة نظافة، واحتجزت أيضًا سفينة كولومبية ترفع العلم الإنجليزي عشرة أيام، ومنحت براءة نظافة صحية، فالأولى نقلت الكوليرا إلى قمران، والثانية نقلتها إلى الحجاز، ولوجود شهادة براءة نظافة أخفى ربان السفينة وجود الكوليرا لمدة خمسة عشر يومًا.

وفي عام 1297هـ بلغت الوفيات 4421 فردًا؛ مما جعل الدولة تشدد في اتخاذ التدابير العاجلة للقضاء على المرض، وجُهِّز مستشفى مؤقت يتسع لألف مريض.

وأما في عام 1307هـ فقد ظهرت الكوليرا في ثاني أيام العيد، وفيها كثر الموت في الحجاج، وتوفي قريبا من عشرة آلاف شخص من الحجاج، “ولعل الذي ساعد على هذا الظهور المكثف هو تلك السرعة الكبيرة التي تحققت في وسائل الانتقال بالطرق البحرية، والزيادة العامة في أعداد الحجاج الناجمة عن ذلك، وكذلك الزيادة الكبيرة في أعداد الحجاج الفقراء والمتسولين الذين كانوا بمثابة مجموعة ناقلة للمرض”. الحجر الصحي في الحجاز، جولدن صاري يلدز، ترجمة: عبد الرزاق بركات (ص: 139 وما بعدها).

([19]) ينظر: الحجر الصحي في الحجاز، جولدن صاري يلدز، ترجمة: عبد الرزاق بركات (ص: 121)، ويقول الطبيب أدريان بروست: “لقد بلغت نسبة الذين ماتوا في الحجاز من الجزائريين 40%، ويقال: إن النسب الرسمية لعدد الموتى من الحجاج في مكة وجدة ينبغي أن يزاد عليها نسبة كبيرة بمعامل يبلغ ثلاث مرات كما يقول بعضهم، وخمس مرات كما يقول آخرون. لقد كانت شوارع مكة المكرمة وجدة في عام 1893م (1310هـ) تغص بالموتى، ولم يكن عدد العاملين على حملهم كافيًا، وكانت البيوت وزوايا الشوارع مليئة بالمرضى الذين لا يجدون أطباء لمعالجتهم ولا أدوية. وكنا نجد في الصحراء المحيطة بجدة بعض الحجاج المرضى الذين تخلّفوا عن الركب أو الذي ألقى بهم مرافقوهم من على ظهور الجمال”. مقالة له بعنوان: الحج إلى مكة المكرمة وانتشار الأوبئة، ترجمة: محمد خير البقاعي، مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية، مج1، ع1، المحرم – جمادى الآخرة 1423ه (ص: 244).

([20]) ينظر: مقالة له بعنوان: الحج إلى مكة المكرمة وانتشار الأوبئة، ترجمة: محمد خير البقاعي، مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية، مج1، ع1، المحرم – جمادى الآخرة 1423هـ (ص: 234)، الحجر الصحي في الحجاز، جولدن صاري يلدز، ترجمة: عبد الرزاق بركات (ص: 44).

([21]) وباء الكوليرا في الحجاز حج عام 1300هـ/ 1883م من خلال تقرير القنصلية البريطانية في جدة، د. سلوى الغالبي، مجلة دارة الملك عبد العزيز، ع 3، السنة 38 (ص: 239).

([22]) وباء الكوليرا في الحجاز حج عام 1300هـ/ 1883م من خلال تقرير القنصلية البريطانية في جدة، د. سلوى الغالبي، مجلة دارة الملك عبد العزيز، ع 3، السنة 38 (ص: 244).

([23]) الحجر الصحي في الحجاز، جولدن صاري يلدز، ترجمة: عبد الرزاق بركات (ص: 170 وما بعدها).

وإن كنا نرد على الأكاذيب والافتراءات التي رموا بها الدين الإسلامي ومقدساته كدعواهم أن ماء زمزم هو سبب الوباء، والقول بأن منى موطن الوباء، وهو ما أعلن خطؤه لاحقًا، إلا أننا لا ننكر جملة من الأسباب الصادرة من المسلمين ومنها:

1- تدني الأوضاع والتنظيمات الصحية سواء من جهة الكوادر والإمكانيات، أم من جهة وعي الحجاج، أم من جهة وعي العاملين على خدمة الحجيج والمجتمع المسلم بأسره.

2- بعض أعمال البر غير الموفقة وغير المخطط لها تخطيطًا كاملًا؛ وذلك أن بعض أثرياء الهند كانوا يتحملون عن الفقراء نفقة الطريق دون نفقة السكن والأكل وغير ذلك، فيتسبب هؤلاء في إحداث المخلفات والقاذورات؛ لأنهم من طائفة المتسولين غير المبالين بالنظافة.

3- قلة الوعي لدى المجتمع، فإن الحكومة وإن كانت قد نظمت وشرعت كثيرًا من التدابير والإجراءات الوقائية وبذلت في ذلك الجهود، إلا أن ذلك لم ينعكس بالصورة المرجوة على الحجاج والأهالي، وخاصة على من كان يسكن منهم في مكة والمدينة وجدة، فلم يأخذ كثير منهم تلك الإجراءات مأخذ الجد، ولم يبال آخرون منهم.

4- تساهل المطوفين والموظفين وإخفاؤهم لبعض المصابين هروبا من الحجر الصحي، ونجم عنه انتشار الوباء.

5- جشع أصحاب الأعمال والمكاسب في الحج كشركات النقل وغيرهم.

ينظر: رحلات إلى شبه الجزيرة العربية، جون لويس بيركهارت، ترجمة: هتان عبد الله (ص: 201 وما بعدها)، جدة خلال الفترة 1286-1326هـ، دراسة تاريخية وحضارية في المصادر المعاصرة، صابرة مؤمن إسماعيل (ص: 149 وما بعدها)، الحجر الصحي في الحجاز، جولدن صاري يلدز، ترجمة: عبد الرزاق بركات (ص: 151 وما بعدها، ص: 253 وما بعدها)، الرحلة الحجازية، محمد البتنوني (ص: 63 وما بعدها)، وباء الكوليرا في الحجاز حج عام 1300هـ/ 1883م من خلال تقرير القنصلية البريطانية في جدة، د. سلوى الغالبي، مجلة دارة الملك عبد العزيز، ع 3، السنة 38 (ص: 243).

([24]) مقالة له بعنوان: الحج إلى مكة المكرمة وانتشار الأوبئة، ترجمة: محمد خير البقاعي، مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية، مج1، ع1، المحرم – جمادى الآخرة 1423هـ (ص: 247).

([25]) مقالة له بعنوان: الحج إلى مكة المكرمة وانتشار الأوبئة، ترجمة: محمد خير البقاعي، مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية، مج1، ع1، المحرم – جمادى الآخرة 1423هـ (ص: 141 وما بعدها).

([26]) الموافقات (2/ 233).

([27]) الموافقات (4/ 347).

([28]) الموافقات (1/ 520 وما بعدها).

([29]) متفق عليه، صحيح البخاري (83)، صحيح مسلم (1306).

([30]) وكالة الأنباء السعودية، الاثنين 01 ذو القعدة 1441هـ الموافق 22 يونيو 2020م:

https://www.spa.gov.sa/2100944

([31]) المؤتمر الصحفي لمعالي وزير الحج والعمرة ومعالي وزير الصحة عن حج هذا العام 1441هـ:

https://www.youtube.com/watch?v=xgzhuGS4CS8

([32]) أخرجه البخاري (969).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

ابن سعود والوهابيّون.. بقلم الأب هنري لامنس اليسوعي

 للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   بسم الله الرحمن الرحيم هنري لامنس اليَسوعيّ مستشرقٌ بلجيكيٌّ فرنسيُّ الجنسيّة، قدِم لبنان وعاش في الشرق إلى وقت هلاكه سنة ١٩٣٧م، وله كتبٌ عديدة يعمَل من خلالها على الطعن في الإسلام بنحوٍ مما يطعن به بعضُ المنتسبين إليه؛ كطعنه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وله ترجمةٌ […]

الإباضــــية.. نشأتهم – صفاتهم – أبرز عقائدهم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من الأصول المقرَّرة في مذهب السلف التحذيرُ من أهل البدع، وذلك ببيان بدعتهم والرد عليهم بالحجة والبرهان. ومن هذه الفرق الخوارج؛ الذين خرجوا على الأمة بالسيف وكفَّروا عموم المسلمين؛ فالفتنة بهم أشدّ، لما عندهم من الزهد والعبادة، وزعمهم رفع راية الجهاد، وفوق ذلك هم ليسوا مجرد فرقة كلامية، […]

دعوى أن الخلاف بين الأشاعرة وأهل الحديث لفظي وقريب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعتمِد بعض الأشاعرة المعاصرين بشكلٍ رئيس على التصريحات الدعائية التي يجذبون بها طلاب العلم إلى مذهبهم، كأن يقال: مذهب الأشاعرة هو مذهب جمهور العلماء من شراح كتب الحديث وأئمة المذاهب وعلماء اللغة والتفسير، ثم يبدؤون بعدِّ أسماء غير المتكلِّمين -كالنووي وابن حجر والقرطبي وابن دقيق العيد والسيوطي وغيرهم- […]

التداخل العقدي بين الفرق المنحرفة (الأثر النصراني على الصوفية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: بدأ التصوُّف الإسلامي حركة زهدية، ولجأ إليه جماعة من المسلمين تاركين ملذات الدنيا؛ سعيًا للفوز بالجنة، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم تطور وأصبح نظامًا له اتجاهاتٌ عقائدية وعقلية ونفسية وسلوكية. ومن مظاهر الزهد الإكثار من الصوم والتقشّف في المأكل والملبس، ونبذ ملذات الحياة، إلا أن الزهد […]

فقه النبوءات والتبشير عند الملِمّات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منَ الملاحَظ أنه عند نزول المصائب الكبرى بالمسلمين يفزع كثير من الناس للحديث عن أشراط الساعة، والتنبّؤ بأحداث المستقبَل، ومحاولة تنزيل ما جاء في النصوص عن أحداث نهاية العالم وملاحم آخر الزمان وظهور المسلمين على عدوّهم من اليهود والنصارى على وقائع بعينها معاصرة أو متوقَّعة في القريب، وربما […]

كيف أحبَّ المغاربةُ السلفيةَ؟ وشيء من أثرها في استقلال المغرب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدّمة المعلِّق في كتابِ (الحركات الاستقلاليَّة في المغرب) الذي ألَّفه الشيخ علَّال الفاسي رحمه الله كان هذا المقال الذي يُطلِعنا فيه علَّالٌ على شيءٍ من الصراع الذي جرى في العمل على استقلال بلاد المغرب عنِ الاسِتعمارَين الفرنسيِّ والإسبانيِّ، ولا شكَّ أن القصةَ في هذا المقال غيرُ كاملة، ولكنها […]

التوازن بين الأسباب والتوكّل “سرّ تحقيق النجاح وتعزيز الإيمان”

توطئة: إن الحياةَ مليئة بالتحدِّيات والصعوبات التي تتطلَّب منا اتخاذَ القرارات والعمل بجدّ لتحقيق النجاح في مختلِف مجالات الحياة. وفي هذا السياق يأتي دورُ التوازن بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله كمفتاح رئيس لتحقيق النجاح وتعزيز الإيمان. إن الأخذ بالأسباب يعني اتخاذ الخطوات اللازمة والعمل بجدية واجتهاد لتحقيق الأهداف والأمنيات. فالشخص الناجح هو من يعمل […]

الانتقادات الموجَّهة للخطاب السلفي المناهض للقبورية (مناقشة نقدية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: ينعمُ كثير من المسلمين في زماننا بفكرٍ دينيٍّ متحرِّر من أغلال القبورية والخرافة، وما ذاك إلا من ثمار دعوة الإصلاح السلفيّ التي تهتمُّ بالدرجة الأولى بالتأكيد على أهمية التوحيد وخطورة الشرك وبيان مداخِله إلى عقائد المسلمين. وبدلًا من تأييد الدعوة الإصلاحية في نضالها ضدّ الشرك والخرافة سلك بعض […]

كما كتب على الذين من قبلكم (الصوم قبل الإسلام)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: مما هو متَّفق عليه بين المسلمين أن التشريع حقٌّ خالص محض لله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، فالتشريع والتحليل والتحريم بيد الله سبحانه وتعالى الذي إليه الأمر كله؛ فهو الذي شرَّع الصيام في هذا الشهر خاصَّة وفضَّله على غيره من الشهور، وهو الذي حرَّم […]

مفهوم العبادة في النّصوص الشرعيّة.. والردّ على تشغيبات دعاة القبور

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لا يَخفَى على مسلم أنَّ العبادة مقصَد عظيم من مقاصد الشريعة، ولأجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وكانت فيصلًا بين الشّرك والتوحيد، وكل دلائل الدّين غايتها أن يَعبد الإنسان ربه طوعًا، وما عادت الرسل قومها على شيء مثل ما عادتهم على الإشراك بالله في عبادتِه، بل غالب كفر البشرية […]

تحديد ضابط العبادة والشرك والجواب عن بعض الإشكالات المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لقد أمر اللهُ تبارك وتعالى عبادَه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ومدار العبادة في اللغة والشرع على التذلُّل والخضوع والانقياد. يقال: طريق معبَّد، وبعير معبَّد، أي: مذلَّل. يقول الراغب الأصفهاني مقررًا المعنى: “العبودية: إظهار التذلّل، والعبادة أبلغُ منها؛ […]

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة.. بين أهل السنة والصوفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الناظر المدقّق في الفكر الصوفي يجد أن من أخطر ما قامت عليه العقيدة الصوفية إهدار مصادر الاستدلال والتلقي، فقد أخذوا من كل ملة ونحلة، ولم يلتزموا الكتاب والسنة، حتى قال فيهم الشيخ عبد الرحمن الوكيل وهو الخبير بهم: “إن التصوف … قناع المجوسي يتراءى بأنه رباني، بل قناع […]

دعوى أن الحنابلة بعد القاضي أبي يعلى وقبل ابن تيمية كانوا مفوضة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة إن عهدَ القاضي أبي يعلى رحمه الله -ومن تبِع طريقته كابن الزاغوني وابن عقيل وغيرهما- كان بداية ولوج الحنابلة إلى الطريقة الكلامية، فقد تأثَّر القاضي أبو يعلى بأبي بكر الباقلاني الأشعريّ آخذًا آراءه من أبي محمد الأصبهاني المعروف بابن اللبان، وهو تلميذ الباقلاني، فحاول أبو يعلى التوفيق بين مذهب […]

درء الإشكال عن حديث «لولا حواء لم تخن أنثى»

  تمهيد: معارضة القرآن، معارضة العقل، التنقّص من النبي صلى الله عليه وسلم، التنقص من النساء، عبارات تجدها كثيرا في الكتب التي تهاجم السنة النبوية وتنكر على المسلمين تمسُّكَهم بأقوال نبيهم وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم، فتجدهم عند ردِّ السنة وبيان عدم حجّيَّتها أو حتى إنكار صحّة المرويات التي دوَّنها الصحابة ومن بعدهم يتكئون […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017