الجمعة - 10 شوّال 1445 هـ - 19 ابريل 2024 م

عَلْمَنةُ الأسباب وباء (كورونا – كوفيد 19) بين السَّبب المادِّي، والعقاب الإلهي!

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

 

تمهيد:

في ليلةٍ وضحاها انقلب حال العالم حين قدَّر الله ظهور هذا الوباء المسمى بـ (كورونا – كوفيد19)، فتغير كثيرٌ من معالم الحياة التي اعتدنا عليها، وظهرت آثاره ليس على أجساد النَّاس فحسب، بل على مستوى وعي الشعوب، وتفكيرها، والمنهج المتخذ للوقاية منها، وطريقة التعامل معها، وكما ظهرت معه موضوعات طبيَّة عديدة أشغلت الباحثين في المجال الطبي، فكذلك ظهرت معه موضوعات فكرية عديدة شغلت المفكرين والعلماء.

وفي ظلِّ هذه الأزمة التي أطبقت على كثيرٍ من البلدان نجد كثيرًا من الأخطاء المعرفية التي يقع فيها كثيرٌ من الناس في عدد من القضايا الفكرية المتعلقة بالوباء، وقد لوحظ في خضمّ هذا الوباء هجمةُ التيار العلماني على أصحاب المنهج الإسلامي من أهل العلم([1])؛ تارةً بالتجنِّي عليهم بتقويلهم ما لم يقولوه؛ كمسألة الاكتفاء بالدعاء في مواجهة الوباء، وتارةً بتزييف الواقع وخلط المقامات للقول بأننا لسنا بحاجة إلى أهل العلم ما دام أننا في هذه الفترة قد أخفيناهم، فليس لهم منافذ دعوية اجتماعية! وتارة أخرى بادعاء أنَّ أهل العلم إنما يؤمنون بالخرافات ويبثُّونها ليتحكَّموا برقاب الناس –زعموا-، وذلك بربط الناس بالطبِّ النبوي، ومن أهمِّ المسائل التي يُتهم بها المنهج الإسلامي المتمثل في أهل العلم: أسباب هذا الوباء.

فقد ذهب كثير من أصحاب التيار العلمانيّ إلى علمنة الأسباب، فأكدوا أن الوباء ليس له إلا السبب المادِّيّ، ثم بدؤوا يشنُّون هجومًا على أهل العلم بأنَّهم يلبِّسون على الناس ويخوِّفونهم بربط هذا الوباء بالذُّنوب، كما أنَّ أصحاب التيار العلماني صوروا للناس بأن أهل العلم كلهم قد أكَّدوا أن هذا الوباء إنما هو عقوبة للكفار وابتلاءٌ للمسلمين، ورأوا في هذا الطرح تناقضًا بين كون الوباء أمرًا طبيعيًّا كونيًّا وبين ربطه بأمرٍ شرعيّ، يقول أحدهم: “وتفشِّي الأمراض والأوبئة، وكذلك الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والبراكين وحرائق الغابات التدميرية هي سنة من سنن الحياة، وتجلٍّ من تجلّيّات الطبيعة، يَبتلي بها الله سبحانه التجمُّعات البشرية المسلِمة، أو ذات الأغلبية المسلمة، مثلما يَبتلي بها المجتمعات البشرية غير المسلمة. ومع ذلك يُصرُّ بعض المسلمين على التعامل مع هذه الظواهر بانتقائية مضحِكة وساذجَة، وتنمُّ عن لامنطقية قائلِها، فعندما تصيب هذه الكوارث البلادَ المسلمة يعتبرونها ابتلاءً، وحينما تصيب البلاد غير المسلمة يعتبرونها عقابًا ربانيًّا، ينتقم بها جلَّ وعلا من هؤلاء على كفرهم؛ وهنا يلغون نظرية السببيّة إلغاءً تامًّا، ويجعلون من الكفر والإيمان هو السبب الوحيد، والغريب أن من هؤلاء متعلِّمون، نالوا أعلى الدرجات العلمية، ومع ذلك يضربون بالمنطق والعلم عرض الحائط، ويتناقضون تناقضًا لا يقع فيه حتى الأطفال بتفسيراتهم تلك، ليس ذلك فحسب، بل يذهبون إلى أن من لا يقول بقولهم فهو متهم في سلامة عقيدته”([2]).

ثم ينطلقون من ذلك إلى أسئلة أخرى مثل: لماذا يصيب الله الأطفال بالوباء؟ ولماذا يصيب الله به الكفار المسالمين؟ ولماذا يصيب الله به المسلمين إن كان عقوبة؟([3])، إلى غير ذلك من الأسئلة التي يرون أنَّها كلها تبين تناقض العقل الإسلامي في التعاطي مع قضية الوباء من الناحية الفكرية.

كما أنَّ أصحاب التيار العلماني يقرؤون الأحداث من جانب مادّيّ واحد، فيتعجبون ممن يقرأ الحدث من عدة زوايا كما يفعله أهل العلم؛ إذ إنهم يجزِّئون الحادثة الواحدة إلى أجزاء، ويعطون كل جزء حقَّه من التوصيف والحكم، وهذا التعامل العالي مع القضايا الفكرية يتجاهله أصحاب التيار العلماني، أو لا يرقون إليه، ثم يدَّعون أنَّ أهل العلم وقعوا في مأزق حقيقيّ حين قالوا عن الوباء: إنَّه قد يكون عقوبة، فقال أحدهم: طاعون عمواس أصاب المسلمين في عهد الخليفة (العادل) عمر بن الخطاب، ومات بسببه ثلاثون ألفًا من المسلمين في بلاد الشام، ومنهم كبار الصحابة مثل أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل، فأرجوكم لا تصدِّقوا وُعَّاظ التطرُّف والتسلُّف أنَّ كورونا غضبٌ وعقوبة من الله، فهل كان الله يعاقب ابن الخطاب وابن الجراح؟!

وأدرك آخر أن هذا التعاطي تعاطٍ أُحاديّ، فراح يبين أن “المزاج السلفي” -كما أسماه- أراد أن يخرج من المأزق الذي وقع فيه فقال بالتفريق بين العقوبة والابتلاء([4]).

وفي الحقيقة هذا التعاطي مع الوباء بتوحيد السبب وعلمنته بجعله سببًا ماديًّا بحتًا، ولوم أهل العلم في تصوراتهم هو من القصور العلمي، فإنهم قد هاجموا أهل العلم دون أن يعرفوا تصوراتهم بوضوح، بل مارسوا قفزًا حكميًّا بأن اتَّهموا نياتهم دون أن يناقشوا أدلتهم الكثيرة التي يذكرونها في تأييد موقفهم، كما أن أصحاب هذا التيار يمارسون نوعًا من الانتقائية ثم التضليل، وذلك بأخذ كلام بعض من يُنسب إلى المنهج العلمي الإسلامي ويستدل به على أن التعاطي العلمي الإسلامي كله كذلك، وهذه مغالطات منطقية وأخطاء معرفية ومنهجية عديدة يتلبس بها هذا الطرح العلماني.

فهل وباء (كورونا – كوفيد 19) سببه طبيعي مادِّي فحسب، أم أن له سببًا شرعيا، وهل هذا الوباء عقوبة للكفار وهو في نفس الوقت ابتلاء ورحمة للمسلمين؟! هذا ما سنناقشه في هذه الورقة، وذلك عبر المحاور الآتية:

المحور الأول: القانون السببيّ:

من أصول الإيمان عند المسلمين اعتقاد أنَّ كل شيءٍ له سبب، وهي أسباب قدَّرها الله سبحانه وتعالى؛ إذ لا يحدث شيءٌ في الكون دون عِلمه وحكمته وخَلقه، ولا يخرجُ شيء عن قدرته، سواء كان المحصول خيرًا أوشرًّا بالنسبة لنا، وقد جرت السنَّة الإلهية على ربط المخلوقات بعضها ببعض تأثُّرًا وتأثيرًا، وربط الحوادث بأسباب متقدمة عليها.

ويذهب أهل السنَّة والجماعة إلى أنَّ للأسباب تأثيرًا لا يتخلَّف إلا بمشية الله تعالى، فالأصل في النَّار أنها تحرق، وفي السكين أنه يقطع، ولله أن يعطل هذه الخصائص كما حصل مع نار إبراهيم عليه السلام، يقول ابن تيمية رحمه الله: “فالذي عليه السَّلف وأتباعهم وأئمة أهل السنة وجمهور أهل الإسلام المثبتون للقدر المخالفون للمعتزلة: إثبات الأسباب، وأنَّ قدرة العبد مع فعله لها تأثير كتأثير سائر الأسباب في مسبباتها؛ والله تعالى خلق الأسباب والمسببات، والأسباب ليست مستقلة بالمسببات؛ بل لا بد لها من أسباب أخر تعاونها، ولها مع ذلك أضداد تمانعها، والمسبب لا يكون حتى يخلق الله جميع أسبابه ويدفع عنه أضداده المعارضة له، وهو سبحانه يخلق جميع ذلك بمشيئته وقدرته كما يخلق سائر المخلوقات”([5]).

وبناءً عليه فإنَّ ما يحدث في الكون كله من كوارث ومصائب كلّ ذلك جارٍ على هذه السنة الإلهية، أي: أن الأحداث مرتبطة بأسبابها، ومجموع الأسباب والحوادث لا تخرج عن إرادة الله ومشيئته، كما قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22]، وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11].

المحور الثاني: ميزة العقل الإسلامي إدراك التنوع في الأسباب:

من أكبر الأخطاء التي وقع فيها التيَّار العلماني في مسألة الأسباب أنهم جعلوا الأسباب المادية هي الفاعلة فقط، وأنكروا ما عدا ذلك من الأسباب!

فتراهم لا يثبتون إلا السبب المادي البحت في انتقال الفيروسات وإصابتها للناس، وينكرون ما عدا ذلك، وقد وقعوا في شرٍّ ممَّا وصفوا به العلماء حين قالوا: إنهم اكتفوا بالأسباب الشرعية المعنوية، وفي الحقيقة فإنَّ قول العلماء ينبئ عن عقلية واعية مدركة لطبيعة الأشياء والباعث لها، وأن الباعث ليس محصورًا في جهة واحدة فقط، بل يمكن أن يتعدد، فالعقلية المسلمة أكثر وعيًا ونضجًا ممن يقصر الأسباب في سبب واحد ولا يرون أبعد من ذلك!

والأسباب عند أهل العلم تنقسم إلى قسمين:

1- الأسباب الكونية المادية، وهي الأسباب المادِّية التي يدركها الإنسان بحواسه وأجهزته، ويفهمها ضمن القوانين الكونية الدنيوية.

2- الأسباب الشرعية، وهي التي جعلها الله أسبابًا كالطاعة والمعصية، وهي مؤثرة في الأحداث تأثيرًا ماديًّا ومعنويًّا كما سيأتي بيانه.

ولا ينكر هذا النوع من الأسباب وتأثيره إلا من انحرف عن الجادة العلمية، وانزلق في مهاوي الضلال، فإنَّه مبيَّن في القرآن بأساليب متنوعة، وبوضوح بالغ، يدركه من يملك أدنى أدوات الفهم والإدراك، فمن ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} [المائدة: 66]، وقوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52]، وقوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 10، 11]، وقوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: 3]، وقوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [النساء: 62].

إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث، وكلها تثبت أنَّ للأسباب الشرعية آثارًا حسية ومعنوية، فالاستغفار سببٌ للمطر وجلب الخير، وإقامة الحق نتيجته فتح باب الخير، وهناك مصائب نتيجة الذنوب، فكل هذه الشواهد وغيرها تثبت الأسباب الشرعية، ونحن لم نؤصل للأسباب الكونية لأنها محل اتفاق، وأصلنا للشرعية لأنها مما ينكرها أصحاب هذا التيار، أو ينكرون أثرها المادي.

أمَّا العقل العلمي المسلم فيجمع في إدراك الأشياء -كالكوارث والأوبئة- بين فهم الأسباب الكونية وإدراك الأسباب الشرعية، فهو إذن يتعامل مع الأحداث بموازين واسعة ومتنوعة، ومختلفة في طبيعتها ونوعها وجهتها وطريقة التعامل معها عن تلك الموازين التي يتعامل بها العقل المادي الذي لا ينظر إلا من منظور واحد، يقول الدكتور عماد الدين خليل وهو يبين تميز العقلية المسلمة في التعاطي مع الأسباب: “من خلال التمعن في نسيج كتاب الله نجد كيف منحت آياته البيّنات العقل المسلم المعاصر رؤية تركيبيةً للكون والحياة والإنسان والوجود، تربط وهي تتأمل وتبحث وتعاين وتتفكر بين الأسباب والمسببات، تسعى إلى أن تضع يدها على الخيط الذي يربط بين الظواهر والأشياء في هذا الحقل أو ذاك، وفي هذه المساحة أو تلك، لقد أراد القرآن الكريم أن يجتاز بالعقل العربي مرحلة النظرة التبسيطية المسطحة المفككة التي تعاين الأشياء والظواهر كما لو كانت متقطعة معزولة منفصلا بعضها عن بعض… لقد تمكن القرآن بطرْقِه المستمر على العقلية التبسيطية أن يعيد تشكيلها لتُبعث من جديد بالصيغة التي أرادها لها: عقلية تركيبية، تملك القدرة على الرؤية الاستشرافية التي تطل من فوق حشود الظواهر بحثا عن العلائق والارتباطات، ووصولا إلى الحقيقة المرتجاة.

بل إن إحدى طرائق القرآن المنبثة عبر سوره ومقاطعه من أقصاها إلى أقصاها هي التأكيد على ضرورة اعتماد هذه الرؤية السببية للظواهر والأشياء”([6]).

وثمة أمر مهم هنا، وهو: هل السبب المادي وحده كافٍ في كشف حقائق الأمور؟ وهل الأخذ بالسبب المادي وحده كافٍ في رفع البلاء؟

إن أصحاب التيار العلماني تشدَّقوا بالأسباب المادية فقط، واكتفوا بذلك عن الالتفات إلى الأسباب الشرعية والاعتماد عليها، بل وشنَّعوا على من كشف عن الأسباب الشرعية ودعا إلى اعتبارها، إلا أن أصحاب هذا التيار بقطع الناس عن الأسباب الشرعية إنما يغلقون عليهم بابًا عظيمًا من أبواب رفع البلاء!

ذلك أنه مستقر عندنا أن الأسباب الشرعية لها آثارها الحسية والمعنوية، وثبت عندنا يقينًا أن الأسباب الشرعية قد ترفع البلاء حتى لو لم تنضم لها الأسباب الدنيوية، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «والدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء، فيعتلجان إلى يوم القيامة»([7])، فهذا دفع للبلاء دون أي سبب مادي، وإنما بمجرد الاستناد إلى السبب الشرعي وهو الدعاء. ومثله قصة أصحاب الغار، فإنهم آووا إلى غار فأطبقت عليهم صخرة، فما كان منهم إلا أن توسَّلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة التي قدموها في حياتهم، ففرج الله عنهم بمجرد السبب الشرعي دون أن يسنده سبب مادي واضح([8]).

والشاهد أن الأسباب الشرعية وحدها قد تقوم برفع البلاء، وهذا الذي فهمه أهل العلم فدعوا إلى الاعتماد على الأسباب الشرعية مع بذل الأسباب المادية.

لكن ماذا لو أخذ الإنسان كبرٌ وغرور، وتضخمت لديه “العلموية” حتى بات لا يثق إلا بالأسباب المادية البحتة ويذمُّ من يعتمد على الأسباب الشرعية والمادية معًا، هل كل سبب مادي يمكن أن يعمل ويظهر أثره؟

والجواب: لا، والواقع يشهد أن آلاف الناس الذين تمسكوا بالأسباب المادية لم تنفعهم تلك الأسباب.

وهذا الصراع العلماني في التعاطي مع قضية الأسباب وتميز العقلية الإسلامية في التعامل معها يذكرنا بقصة نوح عليه السلام مع ابنه، فإنَّ نوحًا عليه السلام ومن معه من المؤمنين حين أخبرهم الله عن الطوفان بقوله: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [المؤمنون: 27]، لم يكتف نوح عليه السلام بالأخذ بالسبب الشرعي وهو الإيمان بالله سبحانه وتعالى، بل أتمَّ صنع الفلك وركب فيه هو ومن أمره الله بأن يأخذهم معه، فلما نزل أمر الله وقضاؤه، وفار التنور، وركب نوح عليه السلام آخذًا بالسبب المادي؛ رأى ابنه، فناداه وقال له: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [هود: 42].

فما كان من ابن نوح إلا أن بيَّن أنه سيأخذ بالأسباب المادية، ظانًّا أن ذلك سينجيه، فقال لأبيه: {سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود: 43]، فماذا كانت النتيجة؟ {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود: 43]، فلم ينفعه أخذه بالسبب المادي دون أن يأخذ بالسبب الشرعي، بل أورده ذلك المهالك، وهنا يقف المتأمل ليجد صورة واضحة من الصراع الذي يجري اليوم بين العلمانيين وأهل العلم، بين العقليَّة الإسلامية المتميزة التي تأمر بالأخذ بالأسباب المعنويَّة الشرعية والأسباب المادية الكونيَّة، وبين العقلية العلمانية التي ترفض الاعتراف بغير المادة.

فأول خطأ وقع فيه التَّيار المادي في نقدهم للتَّعامل الإسلامي مع وباء مثل (كورونا كوفيد 19) هو: اختزالهم للأسباب المؤثرة في حدوث مثل هذا الوباء، وادعاؤهم أن ثمة تعارضًا بين الأسباب الشرعيَّة والأسباب المادية، وأنَّ من يؤمن بالشرعيَّة لا يمكن أن يقرَّ بالأسباب الكونية، وهذا تصورٌ زائف لحقيقة قول علماء الإسلام.

المحور الثالث: هل الذنوب تستوجب عقوبة دنيوية؟

حين نبين أن هناك أسبابًا كونية وأخرى شرعية يبرز سؤال لطالما ردده أصحاب هذا التيار لينفوا أي تأثير لأي سبب إلا للسبب المادي المجرد، وهو: هل يمكن أن يعاقب الله في الدنيا بسبب الذُّنوب؟

ويكررون هذا السؤال في سياق بيان أن أي وباء لا يمكن في حال من الأحوال أن يكون بسبب الذنوب، وأن هذا مجرد سذاجة في الطرح الإسلامي لتخويف الناس، فليس للوباء إلا سبب مادي!

وبغض النظر عن كون الذنوب هي سبب فيروس (كورونا-كوفيد19) بالخصوص أو لا -وسيأتي بيانه- فإننا في الإجابة عن هذا السؤال نقول: لا شكَّ أنَّ الذنوب مصيبة عظيمة في الدين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولا تجعل مصيبتنا في ديننا»([9])، وهذه الذنوب تستوجب عقوبات دنيوية وأخروية، معنوية ومادية.

ومن ينفي ذلك لا يمكنه أن يأتي بدليلٍ واحد يؤيد ما ادَّعاه؛ لذلك تجدهم دائمًا يمارسون القفز الحكمي، فلا يجيبون عن أي دليل يقدِّمه أهل العلم في أنَّ الذنوب بشكل عام تستوجب عقابًا في الدنيا والآخرة.

وما يقوله أهل العلم من أنَّ بعض الذنوب تستوجب عقوبات دنيوية حسية ومعنوية مذكورٌ في الكتاب والسنة بوضوح، وقد سبق بيان الآثار الطيبة للأعمال الصالحة، أما عن وجود العقوبات بسبب الذنوب فالآيات في ذلك عديدة، يقول تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة: 49]، يقول الطبري رحمه الله: “{فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} يقول: فاعلم أنهم لم يتولوا عن الرض بحكمك وقد قضيت بالحق إلا من أجل أن الله يريد أن يتعجل عقوبتهم في عاجل الدنيا ببعض ما قد سلف من ذنوبهم”([10]).

وهذه العقوبة قد تكون معنوية تتمثل في حرمان التوفيق والهداية كما في قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، يقول الطبري رحمه الله: “{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} الذين يصنعون هذا {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الفتنة هاهنا: الكفر، وقوله: {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يقول: أو يصيبهم في عاجل الدنيا عذاب من الله موجع على صنيعهم ذلك، وخلافهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم”([11])، فالآية إذن جمعت العقاب المعنوي والمادي، وكلها في الدنيا.

يقول ابن كثير رحمه الله: “{فَلْيَحْذَرِ}: وليخش من خالف شريعة الرسول باطنا أو ظاهرا {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} أي: في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة، {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي: في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك”([12]).

وفي بيان العقوبات المعنوية يقول ابن أبي العز مبينًا حرمان التوفيق والهداية بسبب الذُّنوب: “إنَّ ما يبتلى به العبد من الذُّنوب الوجودية، وإن كانت خلقا لله تعالى، فهي عقوبة له على ذنوب قبلها، فالذنب يكسب الذنب، ومن عقاب السيئة السيئة بعدها. فالذنوب كالأمراض التي يورث بعضها بعضا”([13]).

وقد تكون هذه العقوبات المترتبة على الذنوب عقوبات مادية حسيَّة، والنصوص التي تبين وجود العقوبات الدنيوية المادية بسبب الذنوب كثيرة، منها حديث عبد الله بن مغفَّل أنَّ رجلًا لقي امرأة كانت بغيًّا في الجاهلية، فجعل يلاعبها حتى بسط يده إليها، فقالت المرأة: مه، فإنَّ الله عز وجل قد ذهب بالشرك وجاءنا بالإسلام، فولى الرجل، فأصاب وجهه الحائط فشجَّه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: «أنت عبد أراد الله بك خيرًا، إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرًا عجَّل له عقوبة ذنبه، وإذا أراد بعبد شرًّا أمسك عليه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة كأنه عيرٌ» ([14]).

وقد حرصتُ على أن أسوق الحديثَ بطوله حتى لا يقالَ: إنَّ هذا من جِنس العقوبة المعنويَّة، بل العقوبة التي أخبر عنها الرسول بأنها عُجِّلت له هي اصطدام الرجل بحائطٍ وشجُّ رأسه، فهي إذن عقوبة حسية دنيوية.

وقد تحدَّث الله في سورة القلم عن أصحاب الجنة حين أقسموا على أن يجذُّوا ثمار جنتهم صباحًا، وتواصوا بمنع المساكين والفقراء منها، فعاقبهم الله بأن أحرقَ لهم تلك الجنة، ثم قال الله: {كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [القلم: 33].

ويدخل في هذا كل العقوبات التي عاقب الله بها الأقوام المكذبة للرسل من قوم نوح وعاد وثمود، وهي عقوبات دنيوية على تكذيبهم للرسل، كما أنها عقوبات حسِّية لا معنوية، يقول تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [العنكبوت: 40].

ويتبين من هذه الأدلة بجلاء أن الذنوب من أسباب المصائب، وأن المصائب قد تجمع بين الأسباب الدنيوية المادية والأسباب الشرعية التي أخبر الله سبحانه وتعالى عنها، وإغفال نوع من الأنواع يعدُّ قصورًا في فهم المسألة.

المحور الرابع: هل (كورونا-كوفيد19) سببه الذنوب؟!

إذا كنَّا نقول: إنَّ الذنوب من جملة الأسباب التي بموجبها تحصل المصائب وتنزل العقوبات، فإنه يجب أن نبيَّن أنَّه ليست كل الذنوب مسببة للمصائب الدنيوية، وليست كل المصائب تعتبر عقوبات سببها الذنوب، وغياب هذا الأمر هو الذي يولد إشكالات عند البعض، ولا يمكنه التخلُّص من القول بأن كل مصيبة تحدث في الدنيا فهي بسبب الذنوب، وبناء عليه فإنَّه يقول: إنَّ المصائب الخاصة مثل (كورونا – كوفيد 19) بالضرورة سببها الذنوب، وهذا ليس بصحيح، أعني أنه ليس بالضرورة أن يكون هذا سببها.

فمن المصائب ما تكون محض ابتلاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنَّ الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط»([15]).

وهو يبيِّن بوضوح أنَّ كثيرًا من المصائب إنَّما تحدُث ابتلاءً، وتحدث لأحبِّ الناس إلى الله، وكثيرًا ما وقعت المصائب على الأنبياء الذين لا تقَع منهم الكبائر، ولا يصرُّون على الصغائر، فقد شُجَّ رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وكُسرت رَباعيَتُه، وفقد أبناءَه في حياته، وفقد أحبابه وأصحابه، وكم أوذي وعودي! وكل ذلك من المصائب.

وبناءً عليه فإنه لا يمكن الجزم بأنَّ هذه المصيبة الخاصة (كورونا-كوفيد19) سببها الذنوب، فنحنُ لم نقل: إنَّ كل مصيبة سببها الذنوب، وإنما الذنوب بعض الأسباب، وقد تحدث المصائب بغير سبب الذنوب، وقد تحدث بلا سبب معنوي، وإنما بسبب حسي بمحض إرادة الله من أجل الحِكَم المترتبة عليها مثل رفع الدرجات وتكفير السيئات.

وأعظم آية يتمسك بها من يقول: إنَّ كل المصائب التي تحصل في الدنيا سببها الذنوب قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30].

وهذه الآية يُفهم منها أن كل مصيبة وبلاء سببه الذنوب أو صنيع الإنسان؛ لكن هذا العموم يخصص بما مرَّ بنا من أنَّ المصائب قد تكون لمحض الابتلاء وتكفير الذنوب ورفعة الدرجات، كما أن من المصائب ما وقع على الأنبياء وغير المكلفين، وقد اختار الحسن أن المراد من المصيبة في هذه الآية: الحدود([16])، يقول البغوي: “قال عكرمة: ما من نكبة أصابت عبدًا فما فوقها إلا بذنب لم يكن الله ليغفر له إلا بها، أو درجة لم يكن الله ليبلغها إلا بها”([17])، فقوله: “أو درجة” يعني أن المصيبة قد تأتي لغير الذنوب، ويقول البيضاوي: “والآية مخصوصة بالمجرمين، فإن ما أصاب غيرهم فلأسباب أخر، منها تعريضه للأجر العظيم بالصبر عليه”([18]).

وكثيرًا ما كان المسلمون يصابون بمصائب وأمراض ويزورهم العلماء، فلا يزيدون على المواساة والدعاء الشرعي، وهذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأعني أنهم لا يجعلون كل مرض بسبب ذنب يحتاج إلى توبة بالخصوص، وإن كان ذلك موجودًا في سبيل ذم النفس.

فإن قيل: إذن لِمَ تصرُّون على أن الأوبئة عقوبات وتطلُبون من الناس التوبة والإنابة؟!

نقول: قولنا إنه ليس كل مصيبة يكون سببها الذنوب لا يعني أنَّ الذنوب لا تورث المصايب والابتلاءات، كما أنَّنا لا ندري بالتحديد هل هذه المصيبة الخاصة سببها الذنوب أو غير ذلك، ومع ذلك فإنَّ التوبة من أسباب رفع البلاء سواء كان هذا البلاء سببه الذنوب أو لا، ولذلك عند وقوع المصائب يُطلب من الناس التوبة والإنابة والرجوع إلى الله، كما في قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 43]، فقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنَّ التضرع هو المطلوب عند حصول المصايب، وأنَّ عدمه دليلٌ على قسوة القلب، ومفهوم الآية أنَّ التضرع سبب لرفع البلاء والمصايب، يقول الطبري: “”تضرعوا”، فاستكانوا لربهم، وخضعوا لطاعته، فيصرف ربهم عنهم بأسه، وهو عذابه”([19]).

ومن فهِم هذا التقرير الذي يقرره الشرع تنحلُّ لديه كثير من الإشكالات العلمانية حول علاقة المصائب والعقوبات بالمعاصي، وخلاصتها: أن المصائب قد يكون سببها الذنوب، وقد يكون غير ذلك، ومع ذلك فإنه عند وقوع المصائب يطلب من الناس الرجوع إلى الله، ويُذَكَّرون بالله؛ لأن التضرع أحد أسباب رفع البلاء.

المحور الخامس: أزمة توحيد الفعل وانفكاك الحِكم، هل كورونا عقوبة أم ابتلاء أم رحمة؟

العقل المادِّي العلماني لا يمكنه التَّفكيك بين آثار متعددة مختلفة لفعل واحد؛ ولذلك دائمًا يظهر السؤال: لماذا تجعلون الوباء عقوبة لقوم وابتلاء ورحمة لآخرين؟!

أمَّا العقل المسلم فإنه يفكر بعقلية مركبة يستطيع الفصل بين الأشياء وآثارها المختلفة، فقد يكون الفعل واحدًا لكن مآلاته مختلفة تمامًا، مثل المؤمن والكافر اللذين يقتلان في أرض المعركة، كلاهما وقعت عليهما مصيبة الموت، لكن شتان بينهما في المآل، وكذلك الحال في المصائب؛ فإنَّ المصيبة الواحدة قد تقع لأناسٍ مختلفين؛ لكن الحِكم تختلف، ولا يوجد أي مانع عقلي أو شرعي لذلك، فتكون الحكمة الإلهية من إصابة فلان من الناس بمصيبة هي العقوبة، ونفس المصيبة تصيب آخر وتكون الحكمة الإلهية في ذلك الابتلاء أو رفعة الدرجات، والله حكيم عليم.

وهذا الذي لم يدركه العقل الماديّ العلماني، فتراه يقول: عاقب الله بالوباء الكفار، فلِمَ يعاقب المسلمين؟! بل وكيف يعاقب الله الصَّالحين ممن ليست لهم ذنوب كبيرة معروفة؟!

ونقول لهم ابتداء: هذا السؤال مبني على افتراض خاطئ، وهو أن الحكمة من هذه المصيبة واحدة، وهي العقوبة، والصحيح أنَّ الحِكم مختلفة متعددة.

فقد تكون المصيبة الواحدة عقوبة للكافر، ورحمة للمسلم، وقد تكون عقوبة للمسلم كذلك.

ثمَّ نقول: في النظرة الشرعية للأحداث يجوز حدوث المصائب العامة للناس وفيهم من ليس مختصًّا بذنب، ويرجع ذلك إلى أمور:

أولا: أن يكون من الساكتين، فلا ينهى عن منكر، ولا يأمر بمعروف، فوقوع المصيبة عليه من شؤم سكوته، وقد بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي، هم أعز وأكثر ممن يعمله، لم يغيروه، إلا عمهم الله بعقاب»([20])، وعن أبي بكر الصديق أنه قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية، وتضعونها على غير مواضعها: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، قال: وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب»، وفي رواية: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيروا، ثم لا يغيروا، إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب» وفي لفظ آخر: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أكثر ممن يعمله…»([21]).

ثانيًا: ما بيناه سابقًا من أن الفعل الواحد قد ينزل لكن تختلف الحكمة منه.

ويجب أن نفهم أنَّ العقاب صفة للمصيبة، فهو أمر معنوي لا حسي، أعني وصف الشيء بكونه عقوبة، وبناء عليه يمكن أن الفعل الواحد يكون له سبب مادي، وحكمة معنوية وهي العقوبة، وهذا تمييز لا يصنعه أصحاب التيار العلماني.

بل أحد أكبر أسباب الخطأ في فهم فلسفة المصائب هو الخلط بين الأسباب والحِكم، فالمصيبة قد تكون بسبب مادي، أو معنوي، أو بالاثنين معًا، ثم الحكمة من وقوعها قد تكون العقوبة، أو الابتلاء، أو الرحمة، أو رفعة الدرجات، وغير ذلك من المعاني، فتفكيك الجهات هو الذي يجلِّي المسألة ويوضِّحها، وهو ما لم تفطن له العقلية العلمانية المتهمة للعلماء بأنهم يصنفون الوباء حسب مزاجهم، فتارة يجعلونه عقوبة، وتارة يجعلونه رحمة وتكفيرًا للذنوب، والحقيقة أنهم نظروا إلى السبب من جهة وإلى الحكمة من جهة.

وفي النُّصوص ما يثبت أنَّ السبب المادي قد يعم الجميع، لكن الحكمة الإلهية التي هي معنوية تختلف اختلافا كبيرًا، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم»، قالت: قلت: يا رسول الله، كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟! قال: «يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم»([22])، وعن عائشة أيضا قالت: عبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، فقلنا: يا رسول الله، صنعتَ شيئا في منامك لم تكن تفعله! فقال: «العجب، إنَّ ناسًا من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش، قد لجأ بالبيت، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم»، فقلنا: يا رسول الله، إن الطريق قد يجمع الناس! قال: «نعم، فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل، يهلكون مهلكًا واحدًا، ويصدرون مصادر شتى، يبعثهم الله على نياتهم»([23]).

فهذه أسباب مادية حسية، لكن حِكَمها المعنوية تختلف، وبإدراك الإنسان لهذا يعرف أنَّه لا تلازم بين نزول المصائب واختصاص من نزلت به بتعاظم ذنوبه على غيره ممَّن لم تنزل به مصيبة، يقول ابن تيمية رحمه الله: “ونظير ذلك المصائب المقدرة في النفس والأهل والمال؛ فإنها تارة تكون كفارة وطهورا، وتارة تكون زيادة في الثواب وعلوًّا في الدرجات، وتارة تكون عقابا وانتقاما”([24]).

وفي ضوء هذا نستطيع أن نفهم القضية التي يدندنون حولها دائمًا وهي: لماذا يعاقب الله الكافر الذي لم يرتكب جرمًا حسيًّا كالظلم مثلا؟ ولماذا يعاقب الله الأطفال أيضا بالوباء وليست لهم ذنوب، وهم غير مكلفين؟!

وهذا السؤال منشؤه الخلط الحاصل بين السبب والحكمة كما بينا، فإننا نقول: بل هي مصيبة مادية حسية تحدث للجميع، ثم لله حكمة في كل من مات في هذه المصيبة أو أصيب بها، وهو من جنس الكوارث العادية، كالزلازل مثلا، والفيضانات، والأمراض، فإن هذه تصيب الجميع إذا جاء، ثم من مات منهم يمكن القول أن أحدهم كان هذا الزلزال عقوبة له، والآخر كان ذلك رفعة لدرجاته، وكل ذلك يعود إلى أمر معنوي لا حسي، فلا يقال: إنه ليس من العدل أن يعاقب الأطفال وغيرهم؛ لأننا: لا نقول إنه عاقبهم، وإنما أخذهم بسبب مادي حسي، ثم فرق بينهم في المآل، وهذا هو الذي تقتضيه الأدلة الشرعية، والنظر العقلي الصحيح.

المحور السادس: هل يصحُّ أن نقول إن هذا الوباء عقوبة لدولةٍ معينة، أو لأناس معينين؟

من خلال التَّفصيل السابق يمكننا أن نجيب عن هذا السؤال بوضوح.

فقد قررنا أن أسباب المصائب قد تكون حسية أو معنوية، أو تجتمع كلها في المصيبة الواحدة، ثم بينَّا أن العقوبة حكمة إلهية لا سبب، فهو أمر معنوي غيبي، وما دام أن الأمر كذلك فإن تنزيله على معين لا يجوز إلا بدليل شرعي، فلا يجوز شرعًا الجزم بأن فايروس (كورونا – كوفيد 19) إنما أرسله الله عقابا لهؤلاء الناس بأعيانهم، أو لهذه الدولة بعينها!

والاختصاص بالعقاب زمانًا ومكانًا وأشخاصًا راجع إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن الجزم أن ذلك الوباء عقوبة لتلك المنطقة إلا بوحي، فلا نجزم بأن الوباء عقوبة لأحد بعينه، ولا لبلاد بعينها، والعقلية المسلمة تدرك أن القول بأن وباء ما عقوبة خاصة لبلاد معينة هو من القول على الله بغير علم، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36].

وأخيرًا: عدم تخصيص أحد بكون الوباء عقوبة له لا يعني أننا نترك الأمارات الدالة على ذلك، ومتى ما نزلت المصيبة بقوم أو أناس بعيدين عن الله، وينتهكون المحرمات، ويظلمون خلق الله، تكون هذه المصيبة أقرب إلى العقوبة مع عدم الجزم، ومتى ما نزلت مصيبة بمن تخفَّف من ذنوبه، وأحسن سريرته، فإن كونها رفعة للدرجات أو تكفيرًا للسيئات أقرب.

وعلى كل حال فسواء قلنا: عقوبة أو ابتلاء أو رحمة، فإن ثمة شيئًا ينبغي أن يطرح في أوقات المصائب والأوبئة، وهو التضرع إلى الله سبحانه وتعالى، والإنابة إليه، والتذلل له، وليس هذا تخويفًا للناس وربطًا للمصائب بالذنوب على كل حال كما تقوله العقلية العلمانية، فليس التضرع لكون الذنب سببا، وإنما لكون التضرع سببا في رفع الوباء مهما كان سببه الخاص؛ ولذا في زمن الأوبئة تستحن المواعظ الإيمانية أكثر من غيره من الأوقات لكن بعلم وحكمة، وإن كانت فطر الناس تستدعي الرجوع إلى الله في زمن الشدة -وهو الواقع- فإننا يجب أن نطعِّم هذه الفطرة ببث الرجاء والأمل بالله سبحانه وتعالى، والرجوع إليه طلبا لمغفرته ورضوانه، وبيان أنه قريب مجيب.

فالعقلية المسلمة فريدة في التعامل مع الأحداث، ولا تنظر إليها كلها بمنظار واحد، وإنما تفكك جزئياتها، وتعطي كل جزء حقه، وتفرق بين الأسباب والحكم الإلهية، وتجمع بين الأسباب المادية والمعنوية، وبين هذا وذاك تؤمن أن ذلك كله من الله.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

ــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) حين نجعل المنهج الإسلامي مقابل العلماني فلا يعني إخراج العلمانيين من دائرة المسلمين، ولكن نعني بالإسلامي بالتحديد: منهج أهل العلم، كما نعني به المنهج لا أفراد أصحابه.

([2]) انظر هذا الرابط:

https://www.hafryat.com/ar/blog/%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D8%A7%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D9%84%D8%A7%D8%A1

([3]) انظر هذا الرابط:

https://www.hafryat.com/ar/blog/%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D9%88%D8%A3%D8%B3%D9%84%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%B1%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%AA-%D9%87%D9%83%D8%B0%D8%A7-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B4%D8%B1%D8%AA-%D8%AC%D9%86%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%8B-%D9%84%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%BA%D9%88%D8%B1

([4]) انظر: صحيفة الأهرام، 15 أبريل 2020م، مقالة بعنوان: “العقل السلفي في مواجهة كورونا”، لخالد منتصر.

([5]) مجموع الفتاوى (8/ 487).

([6]) حول تشكيل العقل المسلم (ص: 49).

([7]) أخرجه الحاكم (1813) وقال: “هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه”، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير (7739).

([8]) انظر قصتهم في صحيح البخاري (2333).

([9]) أخرجه الترمذي في سننه برقم (3502)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي بنفس الرقم.

([10]) تفسير الطبري (10/ 393)، وانظر: تفسير البغوي (3/ 66).

([11]) تفسير الطبري (19/ 231-232).

([12]) تفسير ابن كثير (6/ 90).

([13]) شرح الطحاوية (ص: 443).

([14]) أخرجه أحمد (16806)، وقال عنه شعيب الأرناؤوط: “صحيح لغيره”.

([15]) أخرجه الترمذي (2396)، وابن ماجه (4031)، وقال الترمذي: “هذا حديث حسن غريب”، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (146).

([16]) انظر: تفسير الطبري (21/ 539)، وتفسير القرطبي (16/ 30).

([17]) تفسير البغوي (7/ 196).

([18]) تفسير البيضاوي (5/ 82)، وانظر في نفس المعنى: تفسير الألوسي (13/ 41).

([19]) جامع البيان ت شاكر (11/ 356)

([20]) أخرجه أبو داود (4339)، وابن ماجه (4009)، وأحمد (19230) واللفظ له، وصححه ابن حبان (300، 302).

([21]) أخرجه أبو داود (4338)، والترمذي (2307، 3309)، وابن ماجه (4005)، وأحمد (1، 19، 29)، وقال الترمذي: “حسن صحيح”، وصححه ابن حبان (304).

([22]) أخرجه البخاري (2118).

([23]) أخرجه مسلم (2884).

([24]) الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 432).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

دعوى أن الخلاف بين الأشاعرة وأهل الحديث لفظي وقريب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعتمِد بعض الأشاعرة المعاصرين بشكلٍ رئيس على التصريحات الدعائية التي يجذبون بها طلاب العلم إلى مذهبهم، كأن يقال: مذهب الأشاعرة هو مذهب جمهور العلماء من شراح كتب الحديث وأئمة المذاهب وعلماء اللغة والتفسير، ثم يبدؤون بعدِّ أسماء غير المتكلِّمين -كالنووي وابن حجر والقرطبي وابن دقيق العيد والسيوطي وغيرهم- […]

التداخل العقدي بين الفرق المنحرفة (الأثر النصراني على الصوفية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: بدأ التصوُّف الإسلامي حركة زهدية، ولجأ إليه جماعة من المسلمين تاركين ملذات الدنيا؛ سعيًا للفوز بالجنة، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم تطور وأصبح نظامًا له اتجاهاتٌ عقائدية وعقلية ونفسية وسلوكية. ومن مظاهر الزهد الإكثار من الصوم والتقشّف في المأكل والملبس، ونبذ ملذات الحياة، إلا أن الزهد […]

فقه النبوءات والتبشير عند الملِمّات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منَ الملاحَظ أنه عند نزول المصائب الكبرى بالمسلمين يفزع كثير من الناس للحديث عن أشراط الساعة، والتنبّؤ بأحداث المستقبَل، ومحاولة تنزيل ما جاء في النصوص عن أحداث نهاية العالم وملاحم آخر الزمان وظهور المسلمين على عدوّهم من اليهود والنصارى على وقائع بعينها معاصرة أو متوقَّعة في القريب، وربما […]

كيف أحبَّ المغاربةُ السلفيةَ؟ وشيء من أثرها في استقلال المغرب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدّمة المعلِّق في كتابِ (الحركات الاستقلاليَّة في المغرب) الذي ألَّفه الشيخ علَّال الفاسي رحمه الله كان هذا المقال الذي يُطلِعنا فيه علَّالٌ على شيءٍ من الصراع الذي جرى في العمل على استقلال بلاد المغرب عنِ الاسِتعمارَين الفرنسيِّ والإسبانيِّ، ولا شكَّ أن القصةَ في هذا المقال غيرُ كاملة، ولكنها […]

التوازن بين الأسباب والتوكّل “سرّ تحقيق النجاح وتعزيز الإيمان”

توطئة: إن الحياةَ مليئة بالتحدِّيات والصعوبات التي تتطلَّب منا اتخاذَ القرارات والعمل بجدّ لتحقيق النجاح في مختلِف مجالات الحياة. وفي هذا السياق يأتي دورُ التوازن بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله كمفتاح رئيس لتحقيق النجاح وتعزيز الإيمان. إن الأخذ بالأسباب يعني اتخاذ الخطوات اللازمة والعمل بجدية واجتهاد لتحقيق الأهداف والأمنيات. فالشخص الناجح هو من يعمل […]

الانتقادات الموجَّهة للخطاب السلفي المناهض للقبورية (مناقشة نقدية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: ينعمُ كثير من المسلمين في زماننا بفكرٍ دينيٍّ متحرِّر من أغلال القبورية والخرافة، وما ذاك إلا من ثمار دعوة الإصلاح السلفيّ التي تهتمُّ بالدرجة الأولى بالتأكيد على أهمية التوحيد وخطورة الشرك وبيان مداخِله إلى عقائد المسلمين. وبدلًا من تأييد الدعوة الإصلاحية في نضالها ضدّ الشرك والخرافة سلك بعض […]

كما كتب على الذين من قبلكم (الصوم قبل الإسلام)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: مما هو متَّفق عليه بين المسلمين أن التشريع حقٌّ خالص محض لله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، فالتشريع والتحليل والتحريم بيد الله سبحانه وتعالى الذي إليه الأمر كله؛ فهو الذي شرَّع الصيام في هذا الشهر خاصَّة وفضَّله على غيره من الشهور، وهو الذي حرَّم […]

مفهوم العبادة في النّصوص الشرعيّة.. والردّ على تشغيبات دعاة القبور

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لا يَخفَى على مسلم أنَّ العبادة مقصَد عظيم من مقاصد الشريعة، ولأجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وكانت فيصلًا بين الشّرك والتوحيد، وكل دلائل الدّين غايتها أن يَعبد الإنسان ربه طوعًا، وما عادت الرسل قومها على شيء مثل ما عادتهم على الإشراك بالله في عبادتِه، بل غالب كفر البشرية […]

تحديد ضابط العبادة والشرك والجواب عن بعض الإشكالات المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لقد أمر اللهُ تبارك وتعالى عبادَه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ومدار العبادة في اللغة والشرع على التذلُّل والخضوع والانقياد. يقال: طريق معبَّد، وبعير معبَّد، أي: مذلَّل. يقول الراغب الأصفهاني مقررًا المعنى: “العبودية: إظهار التذلّل، والعبادة أبلغُ منها؛ […]

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة.. بين أهل السنة والصوفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الناظر المدقّق في الفكر الصوفي يجد أن من أخطر ما قامت عليه العقيدة الصوفية إهدار مصادر الاستدلال والتلقي، فقد أخذوا من كل ملة ونحلة، ولم يلتزموا الكتاب والسنة، حتى قال فيهم الشيخ عبد الرحمن الوكيل وهو الخبير بهم: “إن التصوف … قناع المجوسي يتراءى بأنه رباني، بل قناع […]

دعوى أن الحنابلة بعد القاضي أبي يعلى وقبل ابن تيمية كانوا مفوضة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة إن عهدَ القاضي أبي يعلى رحمه الله -ومن تبِع طريقته كابن الزاغوني وابن عقيل وغيرهما- كان بداية ولوج الحنابلة إلى الطريقة الكلامية، فقد تأثَّر القاضي أبو يعلى بأبي بكر الباقلاني الأشعريّ آخذًا آراءه من أبي محمد الأصبهاني المعروف بابن اللبان، وهو تلميذ الباقلاني، فحاول أبو يعلى التوفيق بين مذهب […]

درء الإشكال عن حديث «لولا حواء لم تخن أنثى»

  تمهيد: معارضة القرآن، معارضة العقل، التنقّص من النبي صلى الله عليه وسلم، التنقص من النساء، عبارات تجدها كثيرا في الكتب التي تهاجم السنة النبوية وتنكر على المسلمين تمسُّكَهم بأقوال نبيهم وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم، فتجدهم عند ردِّ السنة وبيان عدم حجّيَّتها أو حتى إنكار صحّة المرويات التي دوَّنها الصحابة ومن بعدهم يتكئون […]

(وقالوا نحن ابناء الله ) الأصول والعوامل المكوّنة للأخلاق اليهودية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: لا يكاد يخفى أثر العقيدة على الأخلاق وأثر الفكر على السلوك إلا على من أغمض عينيه دون وهج الشمس منكرًا ضوءه، فهل ثمّة أصول انطلقت منها الأخلاق اليهودية التي يستشنعها البشر أجمع ويستغرب منها ذوو الفطر السليمة؟! كان هذا هو السؤال المتبادر إلى الذهن عند عرض الأخلاق اليهودية […]

مخالفات من واقع الرقى المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الرقية مشروعة بالكتاب والسنة الصحيحة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله وإقراره، وفعلها السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان. وهي من الأمور المستحبّة التي شرعها الشارع الكريم؛ لدفع شرور جميع المخلوقات كالجن والإنس والسباع والهوام وغيرها. والرقية الشرعية تكون بالقرآن والأدعية والتعويذات الثابتة في السنة […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017