القراءاتُ المتحيِّزَة لتاريخ صدرِ الإسلام في ميزان النَّقد
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
بَينَ الحين والآخرِ يتجدَّد الحديثُ عن أحداثِ الفِتنة في صدرِ التاريخ الإسلامي، لتَنقسِمَ الآراءُ إلى اتِّجاهاتٍ متباينةٍ الجامعُ بينها الغلوُّ والتعسُّف في إطلاق الأحكامِ ومبايَنَةِ العدل والإنصاف في تقييم الشخصيّات والمواقف في ذلك الزمان.
وقد وقَع التحزُّب قديمًا وحديثًا في هذه المسائلِ بناءً على أُسُس غير موضوعيَّة أو تبريرات غير شرعيَّة، فتخَندَق كلُّ طرفٍ في جبهته فَرحًا برأيه المبنيِّ على كثير من العواطفِ وقليلٍ من الشبهات.
وفي ظلِّ التشنُّج والبُعد عن الموضوعيَّة في تناوُل أحداث تلك الحقبة يقف المنهجُ السلفيُّ بعيدًا عن التحيُّز والقراءة المتأثِّرة بالهوى المذهبيِّ والسياسيِّ؛ ليقدِّم رؤيتَه وقراءتَه المستندة إلى جملة من القواعدِ التي يقرُّها الشرع والعقلُ، وتوافِق ما استقرَّت عليه الأمَّة في نظرتها للخلاف السياسيِّ والفتن الحاصِلَة في بداية تاريخها.
لماذا الاهتمامُ بالموقفِ السلفيِّ من أحداث صدر الإسلام؟
قبل البدء بذكر خصائص القراءةِ السَّلَفيَّة لحوادث الخلاف في القرن الأول ينبغي التأكيدُ على أن هذا المبحثَ لا يُعدُّ من مواطن الخلاف بين السلفية وخصومها التقليديِّين، بل هو موضع اتِّفاق بين جميع الطوائف المنتسبة للسنة، لكن الذي دعا لإيضاح الموقف السلفي والدفاع عنه أمورٌ، منها:
أولًا: أن المنهجَ السلفيَّ في زماننا له حصَّةُ الأسد من شرف التصدِّي للأفكار المعادِيَة للصحابة والجيل الأوَّل والتراث الإسلاميّ، وله اهتمامٌ كبير بدِراسة الحوادث التاريخية ومناقشة الشبهات المثارة حول مواقف أعلام تلك الحقبة من الصحابة وتابعيهم.
ولذا كان لا بد من تقييم موقفه والدفاع عنه في ظلِّ اتِّهامه بالتحيُّز من قبل الشيعة ومن وافقهم، بالرغم من عَدَم مخالفته موقفَ الأمة وإجماعَها في هذه المسألة.
ثانيًا: مِن جانبٍ آخر فإنَّ الوسط السُّنيَّ يشهد أيضًا قراءات متحيّزة، منها بدوافع مذهبية، وأخرى سياسية تصادم الرؤية السلفية، وترى في وسطيَّتها تحيُّزًا وحَيدة عن العدل.
فنحن أمام مفارقةٍ تتلخَّص في اتِّفاق أرباب التعصُّب المذهبي والهوى السياسي على اتهام الاتِّجاه الوسطي بالتحيُّز والميل عن الحقِّ.
لذا كان لا بد من بيان خصائص القراءة السلفية لأحداث الفتن في القرن الأول؛ لبيان الحيدة عن الإنصاف في القراءات المخالفة له، فنقول: يتأسَّس النظر التاريخيُّ السلفي حيال تلك الأحداث على عدَّة قواعد منها:
أولًا: غياب الجدوى منَ التحيُّز والقراءة المُؤَدلَجة لأحداث تاريخية:
ينطلق المنهج السلفيُّ من رؤيةٍ عقلانيَّةٍ لا تَرى أيَّ فائدة في استعادة أحداثٍ تاريخية وإجراء محاكمات للمواقف والأشخاص والخوض في تفاصيل مضَت منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا، فكلُّ ذلك مما لا طائلَ تحته، ولا يُجدي نفعًا في حاضر المسلمين ومستقبَلهم، ولا يمكن تبرير الخوضِ المتبوع بالتحيّز المذهبي والسياسيّ وفق أيّ منطق مقبول.
يتعزَّز هذا الأمر بالنظر لمضارّ التحيُّز في البحث التاريخيّ وسلبياته من مختلف النواحي، فمن الناحية الدينية يقع المرء في محاذير كثيرة كالطعن في الأموات وسبهم، وربما تجاوز ذلك إلى التكفير والتفسيق واللعن، والوقوع في الصالحين وذمِّهم ورميِهم بما ليس فيهم.
ومن ناحية أخرى فأصحاب القراءة المتحيّزة لأحداث الفتنةِ غالبًا ما يوظِّفون رؤيتَهم خدمةً لمعاركهم المذهبيَّة والسياسية في زماننا، بمعنى استدعاء الماضي وتوظيفه في الحاضر بعد تطويعِه مذهبيًّا وقَولَبَته في قالب يناسب الأهواء الفكرية والمصالح الحزبيَّة، وما ينشأ عن ذلك من تعميق الخلاف بين أبناء الأمة وخاصَّة بين الإسلاميّين.
فالتحيُّز في تناول أحداث الفتن الأولى قرين للبدعة والهوى السياسيّ، لا يُقدِم عليه أحد إلا بقصد محاكمَة الأموات وإدانة المواقف أو تبريرها، وسحب ذلك إلى الواقع المعاصر؛ إما انتصارًا لمذهب دينيّ أو رأي سياسي، أي: أن الأمر يخلو تمامًا من أيّ فائدة معرفية أو دينيّة.
ثانيًا: الورع الديني والموضوعية التاريخيَّة:
من محدّدات النظر السلفيّ للفتن الكائنة في القرن الأول الجمعُ بين الورعِ الديني والموضوعيَّة التاريخية، فهو يؤكِّد على حرمة الصحابةِ ومكانتهم والإقرار بعدالتهم والكفِّ عن الخوض فيما شجر بينهم، ويحذِّر من المساس بجنابهم والتعرُّض لهم بأي نقد لا يراعِي حرمتهم وفضلَهم على سائر المسلمين.
وفي نفس الوقت فإن توقيرَ الصحابة والإمساكَ عما شجر بينهم لا يعنِي عدمَ التحقيق الموضوعيّ في أخبار تلك الفتن؛ إحقاقًا للحق وإبطالا للكذب والزيف، فلا تلازم بين الأمرين.
والموضوعيَّة التاريخية تقتضي تركَ التحيُّز والتحزُّب لفئةٍ أو جماعة أو مذهب، وتفرض النظر المتوازن والمحاكمة العادلة للمواقف والأشخاص؛ إذ لا غرَضَ في الانتصار لفئةٍ والحطِّ من أخرى، فهذا الأمر قبل أن يكونَ قادحًا في أصول البحث الموضوعيِّ، فإنه مخالف للأمر القرآنيِّ بوجوب العدل مع المخالف والعدوّ.
ومن الأمثلة على موضوعيَّة النظر التاريخيِّ السلفي في حوادث فِتنِ صدرِ الإسلام:
1- مقتل عثمان بن عفان: لا يمنع المنهج السلفي من بحث أسباب تحرُّك الغوغاء ضدَّ عثمانَ بن عفان رضي الله عنه، أو النظر في الانتقادات الموجَّهة لسياسته ومناقشتها بطريقة تليق بمقام عثمان بن عفان ومنزلته من الإسلام، لكنَّه في نفس الوقت يعتبر التحرك المعادي له والذي انتَهَى بقتلِه جريمةً منكرةً ومؤامرة فتحت على الأمة أبواب الفتن والانقسام والاقتتال الداخلي.
فلا يرى المنهج السلفي حرجًا في مناقشة الإشكالات المثارة حول سياسة عثمان، بينما لا تجد في القراءات المتحيّزة المعاصرة من يتوقَّف عند حركة المعارضة ضدَّ عثمان وجريمة بقتله، ولا تتعامل مع هذا الحدث تعاملًا يليق بأهميته، وهذا من أقبح أشكال التحيز التي يقع بها بعض المنتسبين للسنة ممن يسلِّط الضوء على الانتقادات الموجَّهة لسياسة عثمان بطريقة تهوِّن من جريمة قتلِه وأسلوب معارَضته، فتجد الاهتمام موجَّهًا نحو نقدِ سياسات الخليفة وتحرُّك المعارضة ضدّه، بينما لا تجد اهتمامًا مماثلًا بتقييم مآلات نشاط المعارضة والذي تجسد بقتل الخليفة، وما تلاه من انقسام واقتتال أحدث من الفساد أضعاف ما كان يُنقم على عثمان.
بل لو تجرَدنا من كل العواطف الدينية وأسقطنا كل الاعتبارات اللازم مراعاتها في تناول هذا الموضوع لوجدنا أن الأسلوب الهمجيَّ لقتل عثمان يبطل مزاعم المعارضة؛ إذ كان من الممكن تحقيق المطلوب بطريقة مختلفة، كما أن التداعيات الكارثية لهذا الحدث تقطع بفساد مبدأ الثورة الدموية لتغيير الحاكم، وهذه النتيجة لا ترضي أصحاب القراءات المتحيِّزة.
إنَّ إدانة سياسات عثمان بطريقة أو بأخرى ثم غض الطرف عن قتله والتعامل مع هذا الحدث تعاملًا باردًا يؤكِّد سقوط المبدأ الذي بُني عليه موقف الإدانة، فالانحراف والظلم في استباحة دم الخليفة أعظم من الانحراف المزعوم في سياسته ومنهج حكمه.
2- الخلاف بين علي ومعاوية: لا يخالف المنهج السلفيُّ إجماعَ الأمة في أن الحق في مسألة الخلاف بين علي ومعاوية إلى جانب الأول، وأن خصومه في الشام هم البغاة عليه، لكن ذلك لا يعني تجريدهم من كل خير ونسبتهم إلى كل شر، بل هم طائفة من المؤمنين اجتهد أميرهم فأخطأ، وقد نطق الوحي بأن طائفة علي بن أبي طالب أدنى إلى الحق من طائفة معاوية([1])، وهذا وحده كاف لوقف التعامل المتشنِّج مع جبهة معاوية والتحامل في تقييم موقفه في ذلك الصراع؛ فالطائفة الأدنى إلى الحق والأقرب إليه لا تجعل من مخالفها منغمسًا في الباطل متردِّيًا في أوديته، بل هو قريبٌ من الحق صادقٌ في طلبه، لكن مخالفه أقرب إليه وأدنى إلى الصواب منه.
وعند النظر في موقف علي وولده الحسن من معاوية تسقط الرؤية التي تسعى لشيطنة موقف معاوية؛ فعلي بن أبي طالب جنح إلى السلم ووقفِ القتال، وتحمَّل المتاعب في سبيل قراره هذا، أما الحسن فقد تنازل لمعاوية وآثر الصلح على مواصلة القتال، ولا يجوز الظن بأنهم فعلَا ذلك تفريطًا بمصير الأمة وقبولًا بوقوعها تحت حكم عابث فاسق طامع بالسلطة، فلو لم يكن هناك قناعة بمعاوية وبأهليته للقيام بواجبات الحكم وتولي شؤون المسلمين لم يقع الصلح ووقف القتال.
3- الموقف من الحُكم الأمويِّ: تظهر وسطيَّة المنهج السلفي وموضوعيَّته التاريخيَّة في الحكم على الحقبة الأموية، فهو من جهةٍ لا ينكر ما اشتهِر من مظالم وسياساتٍ منكَرَة لبعض الخلفاء والولاة، فتلك أمورٌ لا يمكن جحدُها أو نفيُها أو التماسُ المبررات والأعذار لمن تلبَّس بها، ومن جهة أخرى فإنَّ السياسات الجائرةَ لبني أميَّة لا تبرِّر الطعن في ولائهم للإسلام أو جحدهم فضلهم وخدماتهم للدين وأهله طيلةَ مدَّةِ حكمهم كما يفعل الشيعة والثَّوريُّون المعاصرون وغيرهم ممَّن يجتهِد في ذمِّهم، ولا يتحدَّث عن محاسن حكمهم وما حقَّقه الإسلام في عهدهم من فتوحات وانتصارات ورخاءٍ اقتصاديّ وتقدُّم على كثير من الصُّعُد في بناء الدولة وتثبيت أركانها.
بإمكان العقلية السلفية الجمع بين ذم الظلم الذي تلبَّس به بعض حكام بني أمية ومدح الخير الذي كانوا عليه، فهي لا تفكِّر بمنطق أحاديٍّ ضيِّق، ولا تنطلق من رؤية مذهبيَّة تدفعها للمبالغة في ذمِّ الأمويين أو الغلوّ في الثناء عليهم أو التكلف في الدفاع عنهم؛ إذ ليس لها في ذلك غرض.
والتقييم الموضوعيُّ للحقبة الأموية إنما يكون بميزانِ ما تحقَّق فيها من خير للإسلام، مع بيان الأخطاء والتجاوزات والمنكرات التي ارتُكبت فيها، فالإقرار بالأول لا يلزم منه نفيُ الآخَر، فالقضيَّتان منفصلتان إلا عند أصحاب القراءات المتحيِزة مذهبيًّا أو سياسيًّا.
والحكم على بني أمية في ضوء منزلتهم ومكانتهم في تاريخ الإسلام وحضارته يقرِّبنا من نظرة عادِلة منصِفة، ويكشف لنا في نفس الوقت أن خصوم هذه الحقبة قديمًا وحديثًا لهم مشكلة مع تاريخ الإسلام وتراثه، ولهم مسلك مفارق للأمة فكريًّا أو سياسيًّا.
فأكثَر الفرقِ الدينية والاتجاهات الفكرية -بدءًا من الخوارج والشيعة وليس انتهاء بالاستشراق والحداثة- تتبنى موقفًا سلبيًّا وعدائيًّا من بني أمية، وتتَّخذ من هذا الموقف سبيلًا لتأسيس أفكارِها أو الترويج لمقولاتها المخالفة لإجماع المسلمين وثوابت الدين، فالوقوع في بني أمية قضية مشتركة بين أكثر الطوائف والتيارات المخالفة، والتي غالبًا ما يتمُّ توظيفها لصالح الأفكار الشاذَّة والدخيلة والمصادمة لما يتَّفق عليه المسلمون، وهذا يؤكِّد صواب الموقف السلفيِّ من بني أمية.
وينبغي التأكيد على أن موقف المخالفين من بني أمية يؤكد صحة الرؤية السلفية ويشهد لها، لا أنه أساس لتشكيل موقفه ورؤيته كما يظن البعض، فالسلفية لا تتخذ رأيا لمجرد مناقضته رأي المخالف، ولا تبني موقفها على أساس ردود الأفعال والتشنُّج المذهبي.
ثالثًا: مراعاة السياق التاريخي للأحداث ونبذ القراءة المذهبية والمثالية:
يحرص المنهج السلفيُّ على قراءة أحداثِ الفتن قراءةً تاريخية مجرَّدة عن النظر المذهبيّ المتحيِّز، وبعيدًا عن التصورات الافتراضية المثالية، بل يحاول قدرَ المستطاع وضعَ الحدث في سياقِه التاريخي وظروفه التي أسهَمَت في تشكيله؛ من أجل الوصول إلى تقييم مقارب للحقيقة.
فالقراءة المذهبية للحدث التاريخيِّ تخرجه من سياقه، وتضعه في قالب يلائم هواها المذهبي أو ميلها السياسي، وهذا مرفوض لأنَّه تزوير وتلاعب بالتاريخ.
ونذكر ثلاثةَ أمثلة للقراءة المذهبية القائمة على نزع الحدَث التاريخي من سياقه وإخراجه من ظروفه الحاكمة له والمؤثرة عليه:
1- يتعمَّد بعض المعاصرين المخالفين لبني أميَّة حشدَ الأحداث التاريخية بطريقةٍ غايتُها التعظيمُ من أخطائهم وتحميلهم مسؤوليةَ كلِّ ما حصل من فتن واضطرابات في القرن الأول، فيبدأ مثلًا بالانتقادات الموجهة لسياسة عثمان بن عفان والتعامل معها كانتقادات معتبرة وصحيحة، ثم يتجاهل جريمةَ قتله، ليقفزَ إلى موقعةِ صِفِّين، ومنها إلى استخلاف معاوية لولده يزيد وما حصل في زمنه من أحداثٍ داميةٍ؛ معظِّمًا من شأن قتلِ الحسين ووقعة الحرَّة بشكل مختلِف تمامًا عن التناول الباهت لحادثة قتل عثمان بن عفان والثورة عليه.
هذه الطريقة في سرد الأحداث والوقائع وتوجيهها نحو إدانة فئة معينة أو جماعة سياسية أو دينية مسلكٌ غير علميٍّ ولا مرضيٍّ عند ذوي الإنصاف منَ المسلمين وغيرهم.
ولو أردنا قراءةَ كلِّ حدث من هذه الأحداث بطريقةٍ تراعي ظروفَه وسياقَه والمعطيات المؤثِّرة فيه لخرجنا بنتيجةٍ مختلفة عن النتيجة المتحيِّزة والمقرَّرة مسبقًا قبل الخوض في التفاصيل التاريخية.
إنَّ تناول الصراعات المبكِّرة في تاريخ الإسلام بمعيارٍ غير موضوعيّ غايتُه المدح أو القدح يوحِي بأنها امتدادٌ لغزوات النبيّ محمد عليه الصلاة والسلام ضدِّ مشركي العرب واليهود، قد تبين فيها الرشد من الغيّ، وتمايز الحقّ عن الباطل، وليس الحال كذلك، بل هي صراعات بين طوائف مسلمة تتداخل العوامل السياسيَّة والدينية في توجيهها، وقد ينحاز الحق إلى فئة في موقف ثم ينحاز إلى غيرها في موقف آخر.
2- المثال الآخر لإضفاء التصورات المثالية على القراءة التاريخية: مسألة خروج الحسين بن علي رضي الله عنهما إلى العراق، والذي انتهى باستشهاده مظلومًا مع طائفة من أهل بيته الكرام سنة 61هــ.
فقد اشتهر بين الشيعة وطائفة من المثقفين الإسلاميين واليساريين التعامل مع هذا الحدث باعتباره ثورة على الظلم، وتضحية بالدم من أجل المبادئ، ومنارة لكل مناهضي الاستبداد والطغيان والأنظمة المتجبرة.
والقراءة الثورية لخروج الحسين رضي الله عنه لا تستند لأساس تاريخيٍّ أو تقييم موضوعيّ، بل هو إسقاط لمفاهيم معاصرة على حدث تاريخي بعد انتزاعه من سياقه وظرفه وتجريده من الملابسات المتصلة به.
ونقد هذه القراءة المتحيزة يكون بمراعاة ما تم إغفاله والنظر في اللَّوازم الفاسدة المترتبة على هذا الرأي، وذلك على النحو التالي:
– نصح بعض كبار الصحابة الحسين بعدم الخروج إلى العراق والاغترار بما وصله من رسائل البيعة من شيعة الكوفة، فلو سلّمنا بصحة القراءة الثورية لزم من ذلك اتهام الصحابة بالتثبيط عن الثورة، وتدعيم حكم يزيد بن معاوية، ومنع أي محاولة للتغيير مع علمهم بأفضلية الحسين على يزيد بن معاوية وسائر بني أمية في ذلك الزمان.
وهذا غير لائق بالصحابة أن يكونوا دعاةَ خنوع واستسلام للواقع الفاسد، ولا يقول بهذا الرأي إلا من فسدت عقيدته وفارق الجماعة برأيه الشاذِّ، فالمسلمون على اختلاف طوائفهم متَّفقون على توقير الصحابة وحمل اجتهاداتهم على أحسن المحامل.
فإن قيل: إن اجتهاد الصحابة خالف اجتهاد الحسين في هذا الأمر، فيقال: إن طلب الإصلاح وتغيير المنكر ليست قضية اجتهادية تختلف فيها الأنظار، بل ينبغي أن يكون مطلبًا إجماعيًّا لا يتردَّد فيه أحد، فحاصل هذا الرأي ينتهِي إلى الطعن في الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
– لا يصح الحديث عن ثورة وُلِدت مَيتةً وانتهت قبل أن تبدأ، فمن المعلوم أنَّ الحسين رضي الله عنه غَدَر به شيعة الكوفة وخذلوه وانفضُّوا عنه، ووجد نفسه بمفرده في مواجهة خَصمِه، ولما رأى ذلك أراد الانصراف والرجوع، وخاطب أهل الكوفة: (أيها الناس، إذ كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمَني من الأرض)، وفي بعض الروايات أنه فاوض قائد المعسكر الآخر على الرجوع إلى الحجاز أو الذهاب للمرابطة في الثغور أو التوجُّه لمبايعة يزيد، وفي بعضها أنه طلب الرجوع إلى المدينة دون القبول بالبيعة، وفي الروايات أيضًا صرّح بكراهيته البدء بقتال جيش ابن زياد، وفي الروايات كذلك أنه خطب خطبة ذكَّرهم بحقَّه وحرمته وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم على غرار ما كان يفعل عثمان بن عفان حينما حاصره الغوغاء في داره([2]).
فلم يكن الحسين حريصًا على المضِيِّ في القتال، بل أراد العدولَ عما خرج إليه، لكن الأشقياء من جيش ابن زياد هم الذين حرصوا على قتله.
وهذا كلُّه يُبطل الرؤيةَ الثورية لتحرُّك الحسين وخروجه إلى العراق، فمعاني الثورة وما تتضَّمنه من رغبةٍ في التغيير الجذريِّ ونسف أسُس الواقع الفاسِد والصدام العنيف مع جند الباطل، كل ذلك لا يتناسب مع الرغبة في تغيير الوِجهة والعدول عن الثورة واعتزالِ الصراع، أو الحرص على عدم البدء بالقتال.
– أن الأمة لم تتحرَّك للثأر لقتل ابن نبيِّها عليه الصلاة والسلام، ولم تنتفض على حكم يزيد بن معاوية، ولم تَكن ردة الفعل متناسبة مع عظم الجريمة وحجم المصيبة، وهذا يقودُنا إلى ما يراه الشيعة وبعض الثوريين المعاصرين من الاعتقاد السيئ في الأمة والجرأة على لعنها؛ كونها خذلتِ الحسينَ فلم تؤيِّده، وقعدت عن ثأره فلم تطلُبه، وتعايشت مع قاتِلِه ورضخت له، فاستقام الأمر له بعد قمع كل معارضيه.
فالأخذ بالنظر الثوري اليساري لخروج الحسين بن علي سينتهي بنا إلى النتائج التي لا يقول بها إلا من فارق الجماعة دينيًّا وسياسيًّا كطوائف الشيعة التي اعتادَت لعن الأمة الإسلامية لأنها خذلت الحسين ولم تثأر له.
– أنَّ مبدأ الثورة ومقاومة الاستبداد والطغيان السياسيّ لم يكن من ثقافة المسلمين في القرن الأول، فدوافع الخروج كانت دينيَّة محضَة؛ كالتشكيك بعدم أهليَّة الحاكم وجدارتِه، أو الطعن بالتزامه الديني في سيرته ومنهج حكمه، فتأويل خروج الحسين تأويلًا ثوريًّا وفق المنطق المعاصر لا يختلف عن قراءة الإسلام قراءة ماركسيَّة وإسقاط مفاهيم هذه الفلسفة على دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته للبشرية.
3- موقف معاوية بعد مقتل عثمان بن عفان: تتَّفق القراءات المتحيِّزة مذهبيًّا وسياسيًّا على إدانة موقف معاوية من بيعة عليّ بن أبي طالب وما تبِعَها من صراع دام على أرض صِفِّين.
وعند النظر في دوافع النقمة الشديدة على موقف معاوية سنجد أنها تنتهي إلى أمرين:
الأمر الأول: تقديس علي بن أبي طالب وإنزاله منزلة النبي صلى الله عليه وسلم: فمن عارضه أو قاتله كان كمن حارب النبي الله عليه وسلم وعارض دعوته، وهذا رأي الغلاة في عليٍّ وآله، وسائر طوائف الأمة على خلافهم.
الأمر الثاني: إهمال السياق التاريخي لموقف معاوية: الفئة الأخرى التي تنقم على معاوية موقفه بعد مقتل عثمان تجرِّد الحدث من سياقه، وتتعامل معه كشخص متمرِّد على الأمير المنتخَب المجمع عليه، له طمع بالسلطة بذريعة الثأر لعثمان.
وسبب الخطأ في هذه القراءة أنها تتجاهل الحدث الكبير الذي فتح باب الفتن والأزمات على الأمة، وهو خلع الخليفة عثمان بن عفان وقتله في عقر داره بطريقة بشعة بعد حصاره، وترى أنه من الطبيعي انتقال السلطة بطريقة سلمية سَلِسَة للخليفة الذي يليه وكأن شيئًا لم يكن.
وهذا خلاف المنطق المفترض والمتوقَّع، فإن حدثًا بضخامة قتل الخليفة لا بد أن تتبعه آثار تتناسَب معه، والظروف والملابسات لهذه الجريمة تؤكِّد أن الامور لم تكن لتمضِي نحو الهدوء والاستقرار، وأن ردة الفعل على هذا الحدث لن تقِلَّ عن ضخامته وأهميته.
وكل انقلاب دمويٍّ وثورة غوغائيَّة تنتهى بقتل رأس النظام أو ضرب أركان الحكم لا بد أن يعقبها تداعياتٌ كارثية، فمن توقَّع خلاف ذلك فهو معاند للمنطق جاهل بالتاريخ.
وفي جريمة قتل عثمان تزداد الأمور تعقيدًا؛ نظرا لمكانة عثمان الدينيَّة والسياسية والاجتماعية، والطريقة البشعة لقتله، وكل الملابسات المرتبطة بها، لا سيما انتهاك حرمة المكان والزمان والشخص المقرَّب من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وليس فيما ذكرناه تبريرٌ لموقف معاوية، لكن الغاية التنبيهُ إلى خطأ التحامُل عليه انطلاقًا من قراءة مشوَّهة تتجاهل مقدِّمات الحدَث وسياقه الذي نشأ فيه.
رابعًا: توافق النظرة التاريخية السلفية مع الموقف العام للأمة من تلك الأحداث:
إذا كانت الرؤية السلفية لأحداث الفتن الأولى متَّهَمة بالانحياز فهو أمرٌ صحيح من وجهٍ واحد، وهو الانحياز للموقف العامّ للأمّة، حيث فارق السلفيّون مقالات أهل الأهواء وتعصُّبهم لأحزابهم وشِيَعهم، ووافقوا الأمَّة في طريقةِ تعاطيها مع تلك الأحداث على المستوى النظري والعملي.
لقد أدرك الجيل الأول من الصحابةِ والتابعين من خلال فقهِهم لأخبار النبي صلى الله عليه وسلم ما سيجري بعد وفاته من تغييرات كبرى خاصَّة في شؤون الحكم والسياسة، وتعاملوا مع واقعهم بحكمة وعقلانية، والأهم من ذلك أنهم التزموا بالتوجيهات النبوية للتعامل مع التغيرات التي أخبر الوحي عنها، فصبروا على ما يكرهون من منكر السياسات اتقاءً لشرورٍ ومفاسدَ كبرى، وتقدَّموا بالنصح لمن ولي أمرهم، كل ذلك مع مواصلة الدعوة ونشر العلم وتوعية الخلق.
فوقفوا بذلك موقفًا متوسِّطًا بين التطرُّف والتهوُّر والمسالك المفضية لفساد الدين والدنيا، وبين السلبية والانعزال عن الحياة العامَّة والقعود عن واجب الإصلاح الممكن.
على الصعيد النظري فقد نبذت الأمة مسلكَ الثورة المسلَّحة لتغيير الحاكم؛ لما فيه من مفاسد وفتنٍ تذهب بمصالح الدين والدنيا، أما محاولات الخروج المسلَّح في القرن الأول -والتي جعلت ابن حجر يصفه بأنه (مذهب للسلف قديم، لكن استقر الأمر على ترك ذلك؛ لما رأوه قد أفضى إلى أشد منه)([3])– فلا ينبغي الاعتداد بها، أو الانتصار بها لمن يؤيِّد مسلك الخروج من المعاصرين وذلك لأمور:
1- أن محاولات الخروج تلك لم تعبِّر عن الموقف العام لأئمَّة الإسلام من الصحابة والتابعين والفقهاء في ذلك الزمان، والمحاولات التي قام بها بعض الفضلاء لا تمثِّل سوى تيار الأقلية، فالأصح أن يقال: إنه مذهب لبعضِ السلف، وبعضُهم الآخر كان يرفض الخروج، وبعضهم كان يعتزل الخوض في الصراعات السياسية وينأى بنفسه عنها.
2- أن هذا الرأي مرجوح قد ترك الناس العملَ به، فلا يصحُّ الاعتداد والفرح به على سبيل التنويه والإشادة به، وإحياء هذا الرأي المتروك من قبيل الانتصار للهوى الحزبي والسياسي، وليس رغبة بمعرفة الحكم الشرعي، لا سيما بعد أن استقر الرأي على خلافه واتفق أئمة الإصلاح على نبذه قديمًا وحديثًا.
3- أن الحجة في ترك العمل بهذا المذهب قائمة بغض النظر عن كثرة الآخذين به أو المعرضين عنه، فانعدام القدرة ورجحان المفسدة والعجز عن ضبط التداعيات السلبية للثورة وعدم اليقين من حصول التغيير المنشود كلُّ ذلك يقطع ببطلان هذا المذهب، ويؤكِّد صحة ما اتَّفقت عليه كلمة الأمة.
ومن النتائج النظرية التي تؤكِّد موافقة الرؤية السلفية للتوجه العام للأمة: الموقف من الحكم الأموي وتقييمُه، فكما تقدَّم معنا فإن الوقوع والطعن في بني أمية أصبح سمةً من سمات أهل البدع قديمًا وحديثًا، وقد فارقوا بموقفهم هذا ما كان عليه السلف الأوائل من المعاصرين للحكم الأموي أو من جاء بعدهم؛ إذ لا يُؤثَر عن عالم فاضل ذمٌّ مطلقٌ لتلك السلالة الحاكمة.
نعم قد نُقل عن البعض ذمٌّ أو لعنٌ لبعض خلفاء ذلك العهد وأمرائه لدوافع وأسباب معروفة ليست كدوافع المبتدعة في ذم بني أمية، أي: ذمهم بسبب الظلم وسفك الدماء وتجاوز حدود الشرع، وهو أمر لا يختلف عليه المسلمون، ولا ينبغي الجدال فيه.
وحتى الشخصيات الأموية التي أثير الجدل حولها بسبب سياساتها المنكرة، فقد انقسم العلماء حولها: فمنهم من بادر إلى اللعن والطعن، ومنهم من رفض هذا المسلك، ومثال ذلك موقف العلماء من يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.
أما معاوية بن أبي سفيان فقد عظّم أئمة السلف من شأن المساس به والانتقاص منه، واعتبروه خطًّا أحمر لا يمكن تجاوُزُه، وعباراتهم مبثوثة في كتب الاعتقاد.
هذا على صعيد النخَب العلمية، أما على المستوى الشعبيِّ فقد ذكر المؤرِّخون والبلدانيون أن حبَّ معاوية كان ثقافةً عند عوام المدن الإسلامية الكبرى كأصفهان وبغداد وواسط([4])، فضلا عن البلاد التي حكمها بنو أمية كالشام والأندلس.
مثل هذا وغيره يؤكِّد أنَّ ذمَّ بني أمية ولعنَهم والحديثَ بالسوء عن زمانهم ودولتهم لم يكن يومًا مِن ثقافة المسلمين أو عقيدَتِهم في زمن من الأزمان، إنما هو رأيٌ يتبناه أهل الأهواء والشيع المفارقة للجماعة قديمًا وحديثًا.
ولم يزل “التشيع الناقم على بني أمية” تهمةً ومنقصة في نظر أئمَة الإسلام وأعلامه في القديم والحديث، فلا تجد أحدًا يحوم حول آراء الشيعة ويدندن حول مقالاتهم الدينية والسياسية إلا اتُّهِم بالتشيُّع والميل للحزب العلويّ الطالبيّ، وهي تُهمة ومذمَّة تقدح بعدالة الرجل وبرأيه ومذهبه.
فإنصاف بني أمية وذم مخالفيهم من الشيعة هي الثقافة التي عرفتها الأمة منذ القرن الأول وحتى زماننا، ولا ينحرف عنها إلا صاحب هوى سياسي أو بدعة دينية.
خامسا: الاعتداد بالحقائق العامة وليس الروايات:
يعتمد المنهج السلفيُّ في قراءته التاريخية للاضطرابات السياسية في القرن الأول على أساسٍ صلب متين، فهو ينطلِق من حقائق ليست محلَّ جدل ليؤسِّس عليها موقِفَه ويبنيَ أحكامه؛ مبتعِدًا عن مهاترات المتخاصمين من أرباب المذاهب.
فالمنهج السلفيُّ لا يحرص على إيجاد مكانٍ له بين المتنازعين والمختلفين حول هذا التاريخ وطريقة تقييمه، بل يستند إلى قواعد ثابتة تنأَى به عن الدخول في جدالات لا فائدة منها، والتي تدور في معظمها حول الروايات التاريخية والأخبار المنقولة عن تلك الحقبة.
فالسلفية تجد نفسها بِغنًى عن مثل هذه المرويات لتأييد موقفها ورأيها وتفنيد موقف خصمها، وذلك لأمور:
1- أن الأسُس التي ينطلق منها المنهج في تعاطيه مع حوادث الخلاف في القرن الأول قوية بذاتها، لا تحتاج إلى مرويات الإخباريين لإسناد موقفه وتصحيح أحكامه دون خوض في تفاصيل لا تؤثر في التقييم والحكم.
فغياب الجدوى من الخوض في صراعات الأقدمين، وعدالة الصحابة وفضلهم على الأمة وخيرية القرن الأول على سائر القرون، والنظر الموضوعي دون التحيز المذهبي، ومراعاة السياق التاريخي للحدث، وموافقة ما استقرت عليه الأمة رأيا وعملًا، كل ذلك يغني عن البحث والتنقيب في المرويات، ويكفي للخروج بتقييم أقرب للموضوعية من موقفٍ ورأي يعتمد على مرويات الإخباريين.
2- أن الكذب الذي دخل في مجال الروايات والأخبار التاريخية قد أفسد الاعتماد عليها، وجعل من الصعب الثقة بتفاصيلها والركون إليها، وهذا لا يعني ترك الاستئناس بها والرجوع إليها ،بل هو أمر ممكن، لكن بعد سبرها وتمييز الصحيح والسقيم منها بمنهج يلائم البحث التاريخي، إلى جانب ذلك لا بد من إخضاع هذه المرويات للقواعد الموضوعية في تناول أحداث الفتن، والتي أشرنا لبعضها فيما سبق.
3- أن اللجوء للمرويات التاريخية والفزع إليها طريقة أتباع الهوى السياسي والتعصب المذهبي، فهم يتعلقون بأي شيء يؤيد غايتهم، فيجدون في الروايات مادة جيدة؛ لأنها خليط غير نقيّ من الأخبار والحكايات دخلت المذاهبُ والسياسات في صياغتها والتلاعب بها.
وهذه طريقة الضعيف الذي يعلم أنه لن ينتصر لمذهبه إلا بمثل هذه المرويات، وأنه لا ينطلق من أسس ثابته شرعًا وعقلًا في تقرير أصوله المذهبية، بل كل همّه نقد الأشخاص ومحاكمة المواقف للخروج بنتائج تؤيد تصوُّراته الدينية والسياسية.
أما القراءة السلفية لتلك الأحداث فهي قوية بنفسها، غير متفقرة لمرويات تستند إليها لتصحيح موقفها وتصويب رؤيتها، بل هذا مسلك الخصوم الذي وجد ضالته في هذه الروايات، وظنَّها تؤيِّد رأيه وانحيازه لهذه الفئة أو لتلك الفكرة.
خِتامًا: فإنَّ المنهجَ السلفي يقوم على رؤية تصالحية مع تاريخه، مستندةٍ إلى تقييم موضوعيّ لأحداثه والفتن الواقعة في مطلعه، وهو بذلك يضمَن تعزيز ثقةِ الأمة بهذا التاريخ والسِّيَر المشرّفة لأعلامه الأوائل والحقبة الذهبية منه، ودفع الشبهات القديمة والحديثة التي تسعى لزعزعة هذه الثقة وضرب الصورة المشرقة لتلك الحقبة برموزها، وكل ما يترتب على ذلك من نتائج فاسدة تهدف إلى قطع صلة الأمة بدينها وتراثها وفهمها الصحيح للدين.
أما القراءات المتحيزة المناوئة للرؤية السلفية في تقييمها التاريخي فلا تكترث لشيء من ذلك كله، وغايتها تقديسُ بعض الشخصيات، فالدين والتاريخ والحاضر والماضي كلها مختزَلة في هذه الشخصيات، وهذا حال المتشيعين لأهل البيت، وبعضُهم غايتُه تقديس مبادِئ يعتقِد أهميتَها لحاضر الأمة ومستقبلها، فهو ينطلق من قناعتِهِ هذه لتقييم التاريخ تقييمًا سلبيًّا والخروج بمقالات شاذَّة ومجازفات لم يقل بها أحدٌ من المعتبَرين من المؤرخين والعلماء، وهذا شأن دعاة الثورةِ والإصلاح السياسيّ ومن يلتزم جانب المعارضة للأنظمة، فهو ينطلِق من موقفه السياسي في قراءته التاريخية، فالذي يوجِّه قراءتَه وتقييمه للتاريخ هو الهوى السياسيُّ والانتصار للرَّأي والموقف المعارض للحكومات والأنظمة، ليجد نفسه متَّفقًا بطريقة أو بأخرى مع آراء المذاهب الشاذَّة المفارقة للجماعة.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) كما في صحيح مسلم (1064).
([2]) معظم هذه المرويات مذكورة في تاريخ الطبري، وهي متداولة عند الشيعة والسنة، يراجع كتاب: صحيح وضعيف تاريخ الطبري لمحمد طاهر البرزنجي.