الكشف والإلهام بين أهل السنة والصوفية
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
مقدّمة:
يصرِّح كثيرٌ من أئمَّة التصوُّف -خاصّة القُدامى- بضرورة التقيد بالكتاب والسنة، ووزن طريقتهم بميزان الوحيين، فما وافقهما قُبِل، وما خالفهما يُردّ، قال الجنيد (ت: 297هـ): “الطرق كلُّها مسدودةٌ عَلَى الخلق إلا عَلَى من اقتفى أثر الرسول عَلَيْهِ الصلاة والسلام… ومذهبنا هَذَا مقيَّد بأصول الكتاب والسنة”([1])، وقال أبو الحسَن الشاذلي (ت: 622هـ): “إذا عارض كشفُك الكتابَ والسنة فتمسَّك بالكتاب والسنة، ودعِ الكشف، وقل لنفسك: إنّ الله تعالى قد ضمِن لي العصمةَ في الكتاب والسنة، ولم يضمنها لي في جانب الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة”([2])، وقال ابن عربي الطائي (ت: 638هـ): “لا تحكمن بإلهام تجده، فقد… يكون في غير ما يرضاه واهبُه”([3]). والنصوص عنهم في ذلك كثيرة، إلا أن الأمر في الواقع كان بخلاف ذلك كثيرًا، فلم يتقيَّد أكثرُ الصوفية في علومهم وأحوالهم بذلك، وصار التناقض سمةً بارزةً في كلامهم، بل في كلام الشخص الواحد، كابن عربي الذي يقرِّر في بداية الفتوحات المكية “عقيدةً للعوام من أهل الإسلام أهل التقليد وأهل النظر”، ثم يتبعها “بعقيدة خواصّ أهل الله من أهل طريق الله من المحققين أهل الكشف والوجود”، وأما “عقيدة الخلاصة” فلم يصرح بها على التعيين “لما فيها من الغموض”([4])، ولكنه نثرها في كتابه، بل في كثير من كتبه كـ(الفصوص) وغيره، وهي تدور حول قضيته التي يدور حولها وهي (وحدة الوجود).
وهذا الذي ذكره ابن عربي يفسّر هذا التناقض المشار إليه آنفًا، فالقوم يتكلَّمون بكلام لأهل الظاهر والشرائع غير كلامهم لأهل الباطن والحقائق، فالكتاب والسنة والإجماع وغيرها من مصادر التلقّي المعروفة عند أهل السنة يُعتَمد عليها -عند القوم- في استنباط الشرائع فقط، أما الحقائق فلها طريقها ومصادرها الأخرى، فالحقيقة لا يتوصَّل إليها بالكتاب والسنة، ولا تُتلقَّى في مجالس العلم ولا النظر في كتب أهل العلم، وإنما تؤخَذ عن الله مباشرة، فعلماء الشريعة يأخذون علومهم ميتًا عن ميت، و”شتان بين مؤلّف يقول: حدثني فلان رحمه الله عن فلان رحمه الله، وبين من يقول: حدثني قلبي عن ربي”([5]).
فهذا الفصل بين الشريعة والحقيقة هو أساس الضلال والانحراف الذي حصل عند كثير من المتصوّفة، فبنوا أحوالهم التي سموها (الحقيقة) على غير الكتاب والسنة، معتمدين على مصادر أخرى.
ويُعدُّ (الكشف الصوفي) أحدَ أهم مصادر التلقي عند الصوفية، يعتمدون عليه في تقرير أغلب علومهم الخاصة بهم، وبالغوا في ذلك مبالغة عظيمة، حتى جعلوا الكشفَ بمنزلة الوحي مع فروق يسيرة([6])، فبالكشف تُرْفَعُ الحجب عن عين الصوفي وقلبه، فيطالع ويعلم ما في السماء والأرض جميعًا.
وأهل السنة وإن كانوا يقرون بالكشف والإلهام، إلا أن بين الكشف الشرعي السني والكشف الصوفي البدعي فروقًا كبيرة وكثيرة، سواء في حقيقة الكشف أو في مدى حجيته ودلالته، فالكشف الصوفي -الذي يُعتبر الغزالي رحمه الله أحدَ مؤسِّسي مدرسته وكبار نظاره- في حقيقته متأثر -كما الحال في النزعة الصوفية كلها- بروافد فلسفية أجنبية عن الكتاب والسنة، وإن سعى البعض لصبغها بصبغة الشرع.
ولذا أردنا -بعون الله تعالى- أن نبين في هذه الورقة العلمية بعض هذه الفروق بين الكشف الصوفي والكشف السني.
أولا: تعريف الكشف:
الكشف لغة: “رفعُك الشَّيْءَ عَمَّا يُواريه وَيُغَطِّيهِ”([7]).
والكشف اصطلاحا: له تعريفات متعددة، كلها تدور على ارتفاع الحجب عن العين والقلب، حتى يصير الغيب شهادة.
فعرفه بعضهم بقوله: “هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية، والأمور الحقيقية وجودًا وشهودًا”([8]).
وعرفه الهروي بقوله: “المكاشفة: مهاداة السِّرّ بَين متباطنين، وَهِي فِي هَذَا الْبَاب بُلُوغ مَا وَرَاء الْحجاب وجودا”([9]).
وقال أيضا: “الْمُشَاهدَة سُقُوط الْحجاب بتًّا، وَهِي فَوق المكاشفة؛ لِأَن المكاشفة ولَايَة النَّعْت، وَفِيه شَيْء من بَقَاء الرَّسْم، والمشاهدة ولَايَة الْعين والذات”([10]).
ففكرة الكشف قائمة على أن سبيل المعرفة إنما يكون برفع الحجب التي تحول بين النفس والاتصال بالحقيقة، فكلما اجتهد العبد في إزالة هذه الحجب انكشفت له الحقائق الغائبة.
ثانيا: ما يندرج تحت مفهوم الكشف:
الكشف اسم عامّ تندرج تحته أنواع كثيرة، لكل منها اسم يخصّه، فمنها:
1- الإلهام: وهو لغة: “أن يلقي الله في النفس أمرا يبعثه على الفعل أو الترك، وهو نوع من الوحي، يخصّ الله به من يشاء من عباده”([11]).
واصطلاحا: “ما حَرَّك القلبَ بعلمٍ يدعوك إلى العمل به، من غير استدلالٍ بآية، ولا نظرٍ في حجة”([12]).
ويطلق عليه كذلك العلم اللدني، قال ابن القيم رحمه الله: “والعلم اللدني: هو العلم الذي يقذفه الله في القلب إلهامًا بلا سبب من العبد، ولا استدلال”([13]).
2- الالتقاء بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة والأخذ عنه: وهذا قد ادعاه كثير من كبرائهم، قال الشعراني (ت: 973هـ): “سمعت سيدي عليًّا الخوّاص رحمه الله يقول: لا يكمل عبد في مقام العرفان حتى يصير يجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ وقت شاء، قال: وممن بلغنا أنه كان يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة ومشافهةً من السلف الشيخ أبو مدين شيخ الجماعة والشيخ عبد الرحيم القناوي والشيخ موسى الزولي والشيخ أبو الحسن الشاذلي والشيخ أبو العباس المرسي والشيخ أبو السعود بن أبي العشائر وسيدي إبراهيم المتبولي والشيخ جلال الدين الأسيوطي، كان يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واجتمعت به نيفا وسبعين مرة. وأما سيدي إبراهيم المتبولي فلا يحصى اجتماعه به؛ لأنه كان في أحواله كلها يقول: ليس لي شيخ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الشيخ أبو العباس المرسي يقول: لو احتجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ما عددت نفسي من جملة المؤمنين”([14]).
وألف السيوطي (ت: 911هـ) كتابًا ينتصر فيه للقول بجواز وقوع ذلك، سماه (تنوير الحلك بإمكان رؤية النبي والملك).
3- دعوى الالتقاء بالخضر عليه السلام: وقد ادَّعى ذلك ابن عربي([15])، وأبو العباس المرسي (ت: 686هـ)([16])، وقال أبو الحسن الشاذلي: “لقيت الخضر عليه السلام في صحراء عيذاب، فقال لي: يا أبا الحسن، أصحبك الله اللطف الجميل، وكان لك صاحبًا في المقام والرحيل”([17])، ويحكي الشعراني عن مئات -كابن عيينة، وبشر الحافي، وأحمد بن أبي الحواري، والسري السقطي وغيرهم كثير جدًّا- ممن يزعم لقياهم الخضر([18]).
4- الرؤى والمنامات الصادقة: وهذه من صور الإلهام الشرعي الثابتة، كما جاء في الحديث: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ»([19]). وإن كان الصوفية يغالون فيها، كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
5- الفراسة: “وهي: خاطر يهجم على القلب، فينفي ما يضاده. وله على القلب حكم، اشتقاقًا من فريسة السبع… وكل من كان أقوى إيمانًا كان أحدَّ فراسة… والمتوسم هُوَ الَّذِي يعرف الوسم، وَهُوَ العارف بِمَا فِي سويداء القلوب بالاستدلال والعلامات، قَالَ اللَّه تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: ٧٥] أي: للعارفين بالعلامات الَّتِي يبديها عَلَى الفريقين من أوليائه وأعدائه، والمتفرس ينظر بنور اللَّه تَعَالَى، وَذَلِكَ سواطع أنوار لمعت فِي قلبه فأدرك بِهَا المعاني، وَهُوَ من خواص الإيمان”([20]).
وأغلب ما يروى في ذلك من الحكايات يتعلق بالكشف عما في الضمائر وحقيقة الصفات الخفية وخبث النفوس وطيبها ونحو ذلك.
ومن أشهر من وصف بها الإمام الشافعي رحمه الله، وله في ذلك حكايات مشهورة([21]).
6- الهواتف: قال الغزالي (ت: 505هـ): “وعمل القلب الاستكشاف وملاحظة أسرار الملكوت.. فبواسطة هذه الأسباب يكون سببًا للكشف، بل القلب إذا صفا ربما يمثل له الحق في صورة مشاهدة، أو في لفظ منظوم يقرع سمعه، يعبر عنه بصوت الهاتف إذا كان في اليقظة”([22]).
فحقيقته صوت يسمعه الشخص في حالة اليقظة، ولا يرى صورةً للمتكلم.
7- الإسراءات والمعاريج: وقد ألف ابن عربي في ذلك مصنفًا سماه: (الإسرا إلى مقام الأسرى)، وذكر ذلك عبد الكريم الجيلي (ت: 826هـ) في كتابه (الإنسان الكامل)([23]).
وبين الشعراني المقصود منه بقوله: “قد صرح المحققون بأن للأولياء الإسراء الروحاني إلى السماء، بمثابة المنام يراه الإنسان… ومنهم من يحصل له ذلك في سماء الدنيا، ومنهم من ترقى روحه إلى سدرة المنتهى، إلى الكرسي، إلى العرش”([24]).
فهذه أنواع تدخل كلها تحت مصطلح الكشف([25])، ومنها ما هو شرعيّ، ومنها ما هو بدعيّ، كما سيتضح إن شاء الله.
ثالثا: ما موقف أهل السنة من الكشف والإلهام؟
ربما يظنّ البعض أن أهل السنة لا يثبتون الكشفَ والإلهام مصدرًا للمعرفة والوصول للحقيقة، وربما يكون ذلك بسبب غلوّ أكثر الصوفية في هذا الباب، كما فعلوا في باب الكرامات عمومًا؛ مما ربط هذه المصطلحات في أذهان الكثيرين -خاصة من المثقفين المعاصرين- بالدجل والخرافة والشعوذة، ولا شك أن الكشف الصوفي يصحّ وصفه بذلك، بخلاف الكشف الشرعي السني.
يُثْبِتُ أهلُ السنة الكشف والإلهام سبيلًا للمعرفة تابعًا للكتاب والسنة وليس مستقلًا، وهو عندهم من جملة الكرامات التي يقرّ بها أهل السنة في حقّ الأولياء، وهذه الكرامات منها ما هو من جنس القدرة والتأثير، ومنها ما هو من جنس العلوم والمكاشفات، وأهل السنة يثبتون النوعين، ومن أدلتهم على ذلك:
1- قوله تعالى: {فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَىٰهَا} [الشمس: 8].
“قال ابن زيد: جعل فيها ذلك، يعني بتوفيقه إياها للتقوى، وخذلانه إياها للفجور. واختار الزجاج هذا، وحمل الإلهام على التوفيق والخذلان”([26]).
2- قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلمحسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
“قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أحمد بن أبي الحواري، أخبرنا عَبَّاسٌ الْهَمْدَانِيُّ أَبُو أَحْمَدَ مِنْ أَهْلِ عَكَّا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} قال: الذين يعملون بما يعملون يهديهم الله لِمَا لَا يَعْلَمُونَ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ: فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيَّ، فَأَعْجَبَهُ وَقَالَ: لَيْسَ يَنْبَغِي لِمَنْ أُلْهِمَ شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ حَتَّى يَسْمَعَهُ فِي الْأَثَرِ، فَإِذَا سَمِعَهُ فِي الْأَثَرِ عَمِلَ بِهِ، وحمد الله حتى وَافَقَ مَا فِي نَفْسِهِ”([27]).
فالجهاد في الآية يتناول جميع أنواع الجهاد، ومنها مجاهدة النفس على الطاعة، والآية تدل على أن للمجاهدات والرياضات الشرعية تأثيرًا في الوصول للحق.
3- قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} [النساء: 66-68].
فالآية تدل على أن الله تعالى يهدي من يعمل بعلمه الصراطَ المستقيمَ، وهو: العلم بالإسلام والعمل به.
وكل آيات الهداية هي دليل على الإلهام، فإنه أحد مراتب الهداية، كما ذكر ابن القيم([28]).
4- قوله تعالى: {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ} [الكهف: 86].
قال البغوي: “يَسْتَدِلُّ بِهَذَا مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَهُ وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا، وَالْمُرَادُ مِنْهُ: الْإِلْهَامُ”([29]).
وكذلك كلام جبريل مع مريم عليها السلام مع كونها ليست نبيةً عند جمهور العلماء، وكذلك قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: ٧]، وهو وحي إلهام، مع كونها ليست نبية كذلك([30])، وقوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} [المائدة: ١١١].
5- قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ»([31]).
قال ابن وهب -أحد رواة الحديث عند مسلم-: تفسير (مُحَدَّثُونَ): مُلْهَمُونَ([32]).
قال النووي رحمه الله: “وَاخْتَلَفَ تَفْسِيرُ الْعُلَمَاءِ لِلْمُرَادِ بـ(ِمُحَدَّثُونَ)، فَقَالَ ابن وَهْبٍ: مُلْهَمُونَ، وَقِيلَ: مُصِيبُونَ، وَإِذَا ظَنُّوا فَكَأَنَّهُمْ حُدِّثوا بشيء فَظَنُّوا، وَقِيلَ: تُكَلِّمُهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ: (مُتَكَلِّمُونَ)، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: يَجْرِي الصَّوَابُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ. وَفِيهِ إِثْبَاتُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ”([33]).
6- عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال: “وَقَدْ كَانَ يُسَلَّمُ عَلَيَّ، حَتَّى اكْتَوَيْتُ، فَتُرِكْتُ، ثُمَّ تَرَكْتُ الْكَيَّ فَعَادَ”([34]).
قال النووي رحمه الله: “كانت الملائكة تسلم عليه، فاكتوى فانقطع سلامهم عليه، ثم ترك الكي فعاد سلامهم عليه”([35]).
7- ومن ذلك قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما نادى وهو على المنبر يخطب الجمعة: “يا ساريةُ الجبلَ! فوجدوا سارية قد أغار إلى الجبل في تلك الساعة يوم الجمعة، وبينهما مسيرة شهر”([36]).
فهذه من الكرامات المشهورة لعمر رضي الله عنه أن كشف الله له ما حدث لجيش المسلمين، ثم أجرى على لسانه هذه الكلمة التي سمعها الجيش، وهي كرامة في القدرة والتأثير، والعلوم والمكاشفات، وكلاهما يثبتهما أهل السنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “القلب المعمور بالتقوى إذا رجَّح بمجرد رأيه فهو ترجيح شرعي. قال: فمتى ما وقع عنده وحصل في قلبه ما بطن معه أن هذا الأمر أو هذا الكلام أرضى لله ورسوله، كان هذا ترجيحا بدليل شرعي، والذين أنكروا كون الإلهام ليس طريقا إلى الحقائق مطلقا أخطؤوا، فإذا اجتهد العبد في طاعة الله وتقواه، كان ترجيحه لِمَا رَجَّحَ أقوى من أدلة كثيرة ضعيفة، فإلهام مثل هذا دليل في حقه… وقال أبو سليمان الداراني: إن القلوب إذا اجتمعت على التقوى جالت في الملكوت؛ ورجعت إلى أصحابها بطرف الفوائد، من غير أن يؤدي إليها عالم علما، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ»([37])، ومن معه نور وبرهان وضياء كيف لا يعرف حقائقَ الأشياء من فحوى كلام أصحابها؟! ولا سيما الأحاديث النبوية؛ فإنه يعرف ذلك معرفة تامة؛ لأنه قاصد العمل بها؛ فتتساعد في حقه هذه الأشياء مع الامتثال ومحبة الله ورسوله حتى إن المحب يعرف من فحوى كلام محبوبه مرادَه منه تلويحا لا تصريحا… وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِه»([38])، ومن كان توفيق الله له كذلك فكيف لا يكون ذا بصيرة نافذة ونفس فعالة؟!”([39]).
وقال أيضا: “والذين أنكروا كون الإلهام طريقا على الإطلاق أخطؤوا كما أخطأ الذين جعلوه طريقا شرعيا على الإطلاق. ولكن إذا اجتهد السالك في الأدلة الشرعية الظاهرة فلم ير فيها ترجيحا، وألهم حينئذ رجحان أحد الفعلين مع حسن قصده وعمارته بالتقوى، فإلهام مثل هذا دليل في حقه”([40]).
ويُخَطِّئُ شيخُ الإسلام من ينفي تأثير الكشف والإلهام مطلقًا، فيقول: “وكذلك كثير من أهل الحديث والسنة قد ينفي حصول العلم لأحد بغير الطريق التي يعرفها، حتى ينفي أكثر الدلالات العقلية من غير حجة على ذلك. وكذلك الأمور الكشفية التي للأولياء، من أهل الكلام من ينكرها، ومن أصحابنا من يغلو فيها، وخيار الأمور أوساطها. فالطريق العقلية والنقلية والكشفية والخبرية والنظرية طريقة أهل الحديث وأهل الكلام وأهل التصوف قد تجاذبها الناس نفيا وإثباتا، فمن الناس من ينكر منها ما لا يعرفه، ومن الناس من يغلو فيما يعرفه، فيرفعه فوق قدره وينفي ما سواه”([41]).
وقال ابن السمعاني (ت: 489هـ): “واعلم أن إنكار أصل الإلهام لا يجوز، ويجوز أن يفعل الله تعالى بعبدٍ بلطفه كرامة له، ونقول في التمييز بين الحق والباطل من ذلك: إن كل ما استقام على شرع النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولم يكن في الكتاب والسنة ما يرده، فهو مقبول، وكل ما لا يستقيم على شرع النبي صلى الله عليه وسلم فهو مردود، ويكون ذلك من تسويلات النفس ووساوس الشيطان، ويجب رده”([42]).
وقال الدبوسي الحنفي (ت: 430هـ): “ثبت أن الإلهام حق من الله تعالى، وأنه كرامة لبني آدم عليه السلام، وأنه وحي باطن إلا أنه إذا عصى ربه وعمل بهواه، حُرِمَ تلك الكرامة، وسلط عليه الشيطان، فصار الوحي منه”([43]).
رابعا: الفرق بين الكشف عند أهل السنة وعند الصوفية:
يختلف الكشف الصوفي البدعيّ عن الكشف السني الشرعيّ في حقيقته، ودرجة ثبوته، ومدى حجيته، ومنزلته، ودلالته على الكرامة، وطريق الوصول إليه، فهذه ستة فروق إجمالًا، ودونك التفصيل:
الفرق الأول: تأثر الكشف الصوفي بالفلسفة الغنوصية:
تأثرت نظرية الكشف الصوفي بمعتقدات الفلاسفة القدماء وتصورتهم، ومن المعلوم أن أبا حامد الغزالي -غفر الله له- كان متأثرًا بشدة بكلام الفلاسفة، ولم يستطع التخلص منه بالكلية، وأسس مذهبه الإشراقي ونظريته في الكشف على كلامهم.
قال الغزالي: “وأما التعليم الرباني فيكون على وجهين، أحدهما: من خارج وهو التحصيل بالتعلم، والآخر: من داخل وهو الاشتغال بالتفكر، والتفكر من الباطن بمنزلة التعلم في الظاهر، فإن التعلم استفادة الشخص من الشخص الجزئي، والتفكر استفادة النفس من النفس الكلي، والنفس الكلي أشد تأثيرا وأقوى تعليما من جميع العلماء والعقلاء…
الطريق الثاني: وهو التعليم الرباني على وجهين:
الأول: إلقاء الوحي وهو أن النفس إذا كملت ذاتها يزول عنها دنس الطبيعة ودرن الحرص والأمل الفانية، وتقبل بوجهها على بارئها ومنشئها، وتتمسك بجود مبدعها، وتعتمد على إفادته وفيض نوره، واللّه تعالى بحسن عنايته يقبل على تلك النفس إقبالا كليّا، وينظر إليها نظرا إلهيا، ويتخذ منها لوحًا، ومن النفس الكلي قلمًا، وينقش فيها جميع علومه، ويصير العقل الكلي كالمعلم، والنفس القدسية كالمتعلم، فيحصل جميع العلوم لتلك النفس، وينتقش فيها جميع الصور من غير تعلم وتفكر”([44]).
فهذا تأثر واضح بنظرية الفيض الفلسفية، وهذا -للأسف- كان له أسوأ الأثر في تسرب كلام الفلاسفة لطوائف من المسلمين، دون أن يعلموا أصول هذا الكلام.
وهذا ما قصده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رده على أبي الحسن الشاذلي، قال رحمه الله: “وصاحب الحزب وأمثاله من المتأخرين ينظرون في كتب الصوفية التي فيها ما هو مبنيٌّ على أصول الفلاسفة المخالفة لدين المسلمين، فيتلقَّون ذلك بالقبول، ولا يعرفون حقيقتَه، ولا ما فيه من الباطل المخالف لدين الإسلام، مثل ما يوجد في كلامهم من دعوى أحدهم أنه يطَّلِع على اللوح المحفوظ، وأنه يأخذ مراده من اللوح المحفوظ ونحو ذلك، فإنَّ اللوح المحفوظ عند المتفلسفة كابن سينا وأتباعه هو النَّفْس الفَلَكِيَّة،ـ وعندهم أن نفوس البشر تتصل بالنفس الفَلَكية أو بالعقل الفَعَّال في المنام أو في اليقظة لبعض الناس، وهم يدَّعون أن ما يحصل للناس من المكاشفة يقظةً ومنامًا هو بسبب اتصالها بالنفس الفلكية، والنفس الفلكية عندهم هي سبب حدوث الحوادث في العالم، فإذا اتصلت بها نفس البشر انتقش فيها ما كان في النفس الفلكية”([45]).
وقال أيضا: “وهؤلاء قد يسمون العقل: القلم، ويسمون النفس الفلكية: اللوح، ويدَّعون أن ذلك هو اللوح المحفوظ في كلام الله ورسوله، ولهذا يدَّعي أحدهم أنه اطلع على اللوح المحفوظ… وفي كلام صاحب الحزب وغيره من ذلك، وأخذوا ذلك من كلام أبي حامد الغزالي في (ميزان العمل) و(جواهر القرآن) و(المضنون به على غير أهله) وغير ذلك؛ فإنه يجعل اللوح عبارة عن النفس، ويجعل الفلك عبارة عن العقل الأول، كما يجعل الملك والملكوت والجبروت عبارة عن الجسم والنفس والعقل، وصاحب الحزب دخل في هذا الباب كما دخل فيه ابن عربي وغيره”([46]).
ومن مظاهر التأثر بالفلسفة: الاعتقاد بأن الكشف في ذاته غاية، باعتبار أن الإنسان الكامل هو من يكمل العلوم، قال الغزالي: “اعلم أن العلم شريف بذاته من غير نظر إلى جهة المعلوم، حتى أن علم السحر شريف بذاته وإن كان باطلا”([47]).
وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله أثر هذا التصور الفلسفي الذي يعتبر العلم غاية، ويجعل العبادات والمجاهدات وسيلة للوصول إليه، فقال: “في أقوالهم أنواع من الفساد، فإن كمال الإنسان عندهم أن يصير عالِمًا معقولا موازيًا للعالم الموجود، يتمثل فيه صورة الوجود على ما هو عليه”، ثم قال: فـ”ضلوا من وجوه، منها ظنهم أن النفس كمالها في مجرد العلم، وأن العبادات الشرعية مقصودها تهذيب الأخلاق ورياضة النفس حتى تستعد للعلم، فإن هذا باطل قطعا”. وقال أيضا: و”العبادات عندهم إنما مقصودها إعداد النفس لمجرد العلم الذي يزعمون أنه الغاية عندهم”([48]).
وقد أقر بعض المتصوفة بهذا التأثير الفلسفي في نظرية الكشف الصوفي، فقال أبو الوفا التفتازاني (ت: 1415هـ): “وليس مِن شك في أن فلسفة أفلوطين السكندري التي تعتبر أن المعرفة مُدْرَكةٌ بالمشاهدة في حال الغيبة عن النفس وعن العالم المحسوس كان لها أثرها في التصوف الإسلامي، فيما نجده من كلام متفلسفي الصوفية عن المعرفة”([49]).
ويقول الدكتور علي النشار (1400هـ) في شرح مصطلح (الغنوصية): “كلمة يونانية الأصل، معناها: المعرفة، غير أنها أخذت بعد ذلك معنى اصطلاحيا هو: التوصل بنوع من الكشف إلى المعارف العليا، أو تذوق تلك المعاني مباشرًا؛ بأن تلقى في النفس، فلا تستند على الاستدلال أو البرهنة العلمية”([50]).
الفرق الثاني: الكشف والإلهام عند أهل السنة لا يوثق بصحته ولا يجزم به، بخلاف الكشف الصوفي:
أهل السنة وإن أثبتوا الكشف إلا أنهم لا يجزمون بأن ما يقع في نفس الواحد يكون إلهامًا شرعيًّا، بل ربما يكون كشفًا شيطانيًّا أو حديثًا للنفس، فإن الكشف والإلهام والتحديث والرؤيا ونحوها تارة يكون من الله تعالى، وتارة يكون من الشيطان والجانّ، وتارة يكون من النفس، ولا يمكن الجزم بأن هذا الكشف والإلهام يكون من الله تعالى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وأهل المكاشفات والمخاطبات يصيبون تارة ويخطئون أخرى؛ كأهل النظر والاستدلال في موارد الاجتهاد؛ ولهذا وجب عليهم جميعهم أن يعتصموا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يزنوا مواجيدهم ومشاهدتهم وآراءهم ومعقولاتهم بكتاب الله وسنة رسوله، ولا يكتفوا بمجرد ذلك؛ فإن سيد المحدثين والمخاطبين الملهَمين من هذه الأمة هو عمر بن الخطاب؛ وقد كانت تقع له وقائع فيردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو صديقه التابع له الآخذ عنه الذي هو أكمل من المحدَّث الذي يحدّثه قلبه عن ربه”([51]).
فالكشف والإلهام ظنيّ في ثبوته، وإذا كان سيد الملهَمين عمر بن الخطاب قد اخطأ في مواضع، كصلح الحديبية، وقتال المرتدين في أول الأمر، وغيرها من المواطن، ولم يكن يحتج على أحد من الصحابة بأنه ملهم أو محدث؛ فكيف يُجْزَمُ بصحة كشف أحدٍ سواه؟!
وأما الكشف عند الصوفية فإنهم وإن أقروا باحتمال الخطأ في الإلهام، وحذروا مريديهم من الركون والتسليم لما يرِد عليهم، إلا انهم جعلوا للولي المتحقّق من ولايته الجزم بما يرد على قلبه.
قال الحكيم الترمذي (ت: 320هـ): “المكلَّم والمحدَّث إذا تحققا في درجتهما لم يَخَافا من حديث النفس”([52]).
وبعد أن حذَّر ابنُ عربي من تلبيسات الشيطان في ذلك، بين أن الولي إذا كان على بينة من ربه، فقد سعد وارتفع عنه الإشكال، فيحكم بصحة الإلقاء، وأنه بهذه البينة يقطع النبيون والأولياء فيما يرد عليهم من الله([53]).
الفرق الثالث: الكشف والإلهام ليس حجة مستقلة عند أهل السنة، ولا مصدرًا من مصادر التشريع، ولا يُسْتَدلُ به، ولكن قد يستأنس به في الترجيح عند تكافؤ الأدلة في نفس المجتهد:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “والناس لهم في طريق الرياضة والزهد والتصفية هل تفيد العلم ثلاثة أقوال: فقالت طائفة: ذلك وحدَه يُحَصِّل العلم، وربما قالوا: لا يُحَصَّل العلمُ إلا به، وهو قول طائفة من المتفلسفة والمتصوفة كصاحب الإحياء… وقالت طائفة: إنه لا تأثير لذلك في العلم، ولكن يحصل به ثواب أو يُدْفع به عقاب، وهو قول كثير من أهل النظر والكلام وغيرهم، والقول الثالث وهو الصواب: أن ذلك عَونٌ على بعض العلوم وشرط في حصول بعض العلوم، ليس مستقلًّا بتحصيل العلم”([54]).
ويجعله -إذا تحققت شروطه- في حق العالم المجتهد من باب الاستحسان، الذي هو أحد مصادر التشريع عند من قال به([55]).
وقال الأمين الشنقيطي (ت: 1393هـ): “المقرر في الأصول أن الإلهام من الأولياء لا يجوز الاستدلال به على شيء؛ لعدم العصمة، وعدم الدليل على الاستدلال به، بل لوجود الدليل على عدم جواز الاستدلال به، وما يزعمه بعض المتصوفة من جواز العمل بالإلهام في حق الملهم دون غيره… كله باطل لا يعوَّل عليه؛ لعدم اعتضاده بدليل، وغير المعصوم لا ثقة بخواطره ; لأنه لا يأمن دسيسة الشيطان، وقد ضُمنت الهداية في اتباع الشرع، ولم تُضمن في اتباع الخواطر والإلهامات”([56]).
وقال أبو إسحق الشاطبي (ت: 790هـ) بعد أن بيّن أن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وإلهامه معصوم: “وأما أمته فكل واحد منهم غير معصوم، بل يجوز عليه الغلط والخطأ والنسيان، ويجوز أن تكون رؤياه حلمًا، وكشفه غير حقيقي. وإن تبين في الوجود صدقه، واعتيد ذلك فيه واطرد؛ فإمكان الخطأ والوهم باق، وما كان هذا شأنه لم يصح أن يُقطع به حكم”([57]).
وأما عند الصوفية فإنهم يعتمدون على الكشف اعتمادًا عظيمًا جدًّا، فمن أمثلة ذلك:
1- تصحيح حديث إحياء أبوي النبي صلى الله عليه وسلم وإسلامهما، فقد صححه بعضهم اعتمادًا على الكشف، جاء في (تحفة المريد) للشيخ إبراهيم اللقاني الصوفي المالكي المصري (ت: 1041هـ): “ولعل هذا الحديث صحّ عند أهل الحقيقة بطريق الكشف”([58]).
ويذكر أحمد بن مبارك اللمطي (ت: 1156هـ) فصلًا في الأحاديث التي يسأل عنها شيخه عبد العزيز الدباغ (ت: 1132هـ)، فيصححها ويضعفها، ويبين مرادها، مع “كونه أمّيًّا لا يحفظ القرآن العزيز، فضلا عن أن يسام بتعاطي شيء من العلوم، مع أنه قطّ لم يُر في مجلس درس من صغره إلى كبره”([59])، ولكن يفعل ذلك كله اعتمادًا على الكشف ولقيا النبي صلى الله عليه وسلم يقظة!
2- يقول ابن عربي: “فنحن ما نعتمد في كل ما نذكره إلا على ما يلقي الله عندنا من ذلك، لا على ما تحتمله الألفاظ من الوجوه”([60])، ويقول أيضا: “فوالله، ما كتبت منه حرفًا إلا عن إملاء إلهي، وإلقاء رباني، أو نفث روحاني في روع كياني”([61]).
ويقول: “فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مُبشِّرة أُرِيتُها في العشر الآخِر من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وآله وسلم كتاب، فقال لي: هذا (كتاب فصوص الحكم) خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به، فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أُمِرْنا. فحقَّقْتُ الأمنية، وأخلصت النيَّة، وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حدَّه لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غير زيادة ولا نقصان”([62]).
3- يقول ابن عربي: “فالولي لا يأمر أبدًا بعلم فيه تشريع ناسخ لشرعه، ولكن قد يُلْهَم لترتيب صورة لا عين لها في الشرع من حيث مجموعها… فهذا القدر له من التشريع”([63]).
وبهذا كان الكشف الصوفي مستندًا لعامة البدع والمحدثات.
4- عامة الأذكار والأوراد البدعية يستند الصوفية فيها لنوع من أنواع الكشف.
يقول الشعراني: “اعلم -يا أخي- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان هو الشيخ الحقيقي لأمة الإجابة كلها ساغ لنا أن نقول في تراجم عهود الكتاب كلها: أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعني: معشر جميع الأمة المحمدية، فإنه صلى الله عليه وسلم إذا خاطب الصحابة بأمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب انسحب حكم ذلك على جميع أمته إلى يوم القيامة، فهو الشيخ الحقيقي لنا بواسطة أشياخ الطريق أو بلا واسطة، مثل من صار من الأولياء يجتمع به صلى الله عليه وسلم في اليقظة بالشروط المعروفة عند القوم، وقد أدركت -بحمد الله تعالى- جماعة من أهل هذا المقام كسيدي علي الخواص والشيخ محمد العدل والشيخ جلال الدين السيوطي وإضرابهم رضي الله عنهم أجمعين”([64]).
فهذا واضح جدًّا أنهم يجعلون ما ينقله شيوخهم في لقائهم المزعوم بالنبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة الوحي والتشريع والسنة الصحيحة، بل في الحقيقة هي عندهم أعلى وأوثق.
5- التفسير الإشاري الباطني لكلام الله تعالى يعتمد في أغلبه على الكشف والإلهام، فليست له قواعد من اللغة ولا المأثور، ولا قواعد الاستنباط المعلومة.
فمثلا يفسر ابن عربي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 6، 7] بقوله: “إيجاز البيان فيه -يا محمد- أنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ستروا محبتهم في عنهم، فسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ بوعيدك الذي أرسلتك به أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بكلامك، فإنهم لا يعقلون غيري وأنت تنذرهم بخلقي، وهم ما عقلوه ولا شاهدوه، وكيف يؤمنون بك وقد ختمت على قلوبهم، فلم أجعل فيها متسعا لغيري، وعلى سمعهم فلا يسمعون كلاما في العالم إلا مني، وعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ من بهائي عند مشاهدتي فلا يبصرون سواي؟!”([65]).
وللشعراني تفسير كامل سماه: (الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والعلوم)، يقول فيه في أول كل سورة: “ما تنتجه الخلوة من علوم سورة كذا”، ويذكر كلامًا لا مستند له سوى الكشف المزعوم.
6- يقرر ابن عربي أن عقيدته في فناء النار مبنية على الكشف فيقول: “ومع هذا لا يَقطع أحدٌ من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيمٌ خاص بهم”([66]).
وقال أيضا: “وما ورد في العذابِ شيءٌ يدل على الخلود فيه، كما ورد في الخلود في النار، ولكن العذاب لا بد منه في النار، وقد غُيِّبَ عنا الأجلُ في ذلك، وما نحن منه من جهة النصوص على يقين، إلا أن الظواهر تعطي الأجل في ذلك، ولكن كميته مجهولة لم يَرِد بها نصٌّ، وأهل الكشف كلهم مع الظواهر على السواء، فهم قاطعون من حيث كشفهم، فيسلم لهم؛ إذ لا نصَّ يعارضهم”([67]).
7- إقرار الصوفية أن كثيرًا من مشايخهم في الطريق أمّيّون لا يعرفون القراءة والكتابة، ولم يحضروا درس علم في حياتهم، ومع ذلك يعتمدون عليهم في التصحيح والتضعيف للأحاديث؛ اعتمادًا على دعوى لقائهم بالرسول صلى الله عليه وسلم يقظة، وكذا أخذ التفسير، وسائر علوم الشريعة عنهم، مع كونهم لم يتعلموا شيئًا من العلم الشرعي قط.
ومن أمثلة ذلك: الشعراني مع شيخه علي الخواص([68])، وأحمد بن المبارك مع شيخه عبد العزيز الدباغ، والشيخ داود الكبير بن ماخلا([69])، وكان أميًّا أيضًا، وكان شرطيًّا في بيت الوالي بالإسكندرية، وكان يجلس تجاه الوالي، وبينهما إشارة يفهم منها وقوع المتهوم أو براءته، فإن أشار إلي أنه بريء عمل بإشارته، أو أنه فعل ما اتُّهم به عمل بذلك، وغيرهما كثير ممن حفلت بهم كتب تراجم الصوفية، وهذا كله يدل على مدى اعتناء الصوفية بالعلوم الكشفية، واحتجاجهم بها، واعتمادهم عليها.
8- يعتمد الصوفية على الكشف في الجزم بكثير من تواريخ الحوادث الماضية والمستقبلة، فـ”الكشف الصوفي لم يترك شيئا إلا حاول الدخول فيه وإليه؛ من ذلك تاريخ بناء الأهرام التي بناها خوفو الفرعون قبل ميلاد المسيح عليه السلام بنحو أربعة آلاف سنة، ولكن بالكشف الصوفي يقول ابن عربي: بلغنا أنه وجد مكتوبًا بالقلم الأول على الأهرام أنها بنيت والنسر الطائر في الأسد، وهو الآن في الجدي.
قال عبد الوهاب الشعراني تعليقًا على كلام ابن عربي: ومعلوم أن النسر الطائر لا ينتقل من برج إلى غيره إلا بعد مضي ثلاثين ألف سنة، قال الشيخ عبد الكريم الجيلي: وهو اليوم في الدلو، فقد قطع نحو عشرة أبراج، ولا يتأتى ذلك إلا بعد ثلاثمائة ألف سنة. ا هـ. وعلى الكشف الصوفي هذا يصبح عمر الأهرام -حسب تخريفاتهم- أكثر من 295 ألف سنة فقط من عمرها الحقيقي”([70]).
الفرق الرابع: ليس بين الكشف والولاية تلازم:
فقد يكون الرجل من سادات الأولياء، ولا يكون من أهل الكشف، ولا تحدث له الخوارق عمومًا، وقد تظهر الخوارق -ومنها الكشف- على يد أولياء الشيطان، من الدجاجلة والكهان والكفار والمشركين. فالكشف في ذاته ليس فضيلة ولا غاية ولا مطلوبًا لذاته، خلافًا للصوفية الذين يرون الكشف غاية المريد.
قال ابن القيم رحمه الله: “وليس مراد الشيخ في هذا الباب: الكشف الجزئي المشترك بين المؤمنين والكفار والأبرار والفجار، كالكشف عما في دار إنسان، أو عما في يده، أو تحت ثيابه، أو ما حملت به امرأته بعد انعقاده ذكرا أو أنثى، وما غاب عن العيان من أحوال البعد الشاسع ونحو ذلك، فإن ذلك يكون من الشيطان تارة، ومن النفس تارة، ولذلك يقع من الكفار كالنصارى وعابدي النيران والصلبان، فقد كاشف ابن صياد النبي صلى الله عليه وسلم بما أضمره له وخبأه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنت من إخوان الكهان»([71])، فأخبر أن ذلك الكشف من جنس كشف الكهان، وأن ذلك قدره، وكذلك مسيلمة الكذاب مع فرط كفره كان يكاشف أصحابه بما فعله أحدهم في بيته وما قاله لأهله، يخبره به شيطانه، ليغوي الناس، وكذلك الأسود العنسي، والحارث المتنبي الدمشقي الذي خرج في دولة عبد الملك بن مروان، وأمثال هؤلاء ممن لا يحصيهم إلا الله، وقد رأينا نحن وغيرنا منهم جماعة، وشاهد الناس من كشف الرهبان عباد الصليب ما هو معروف”([72]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وأما الكشف أو التأثير فإن لم يقترن به الدين، وإلا هلك صاحبه في الدنيا والآخرة”([73]).
ولما سئل الشافعي رحمه الله عن قول الليث رحمه الله: “لَوْ رَأَيْتَهُ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ -يَعْنِي: صَاحِبَ الْكَلامِ- لا تَثِقْ بِهِ -أَوْ: لا تَغْتَرَّ بِهِ- وَلا تُكَلِّمْه”؛ قال الشافعيُّ: “فَإِنَّهُ وَاللَّهِ قَدْ قَصَّرَ! إِنْ رَأَيْتَهُ يَمْشِي فِي الْهَوَاءِ فَلا تَرْكَنْ إِلَيْه”([74]).
وهاهم سادات الأولياء الصحابة رضي الله عنهم، وليس كلهم قد ظهرت على يديه الخوارق، فالاستقامة أعظم كرامة، وأعظم الكشف أن يُكشف للعبد عن الحقّ والصراط المستقيم، وأما الكشف الخارق للعادة فقد يكون محمودًا إذا أعانه على طاعة الله تعالى، وقد يكون بضد ذلك.
الفرق الخامس: أن الصوفية يُدخلون في الكشف أنواعًا لا دليل عليها، خلافا لأهل السنة في ذلك:
ومن ذلك قولهم بلقيا النبي صلى الله عليه وسلم يقظةً، والأخذ عن الخضر، ومقابلة بعض المقبورين يقظة، والقول بالإسراءات والمعاريج، وكل هذا لا يثبته أهل السنة؛ لعدم صحته من جهة الدليل، بل وقيام الدليل النقلي والعقلي على عدم صحته.
الفرق السادس: في الوسيلة الموصلة للكشف:
الطريق للكشف عند الصوفية طريق مبتدعة، قائمة على المجاهدات والرياضات المحدثة، كالخلوة والانقطاع عن الناس، والجوع الشديد المبالغ فيه، وكذلك السهر، مع ملازمة أوراد بدعية، وذكر بألفاظ محدثة؛ كالذكر باللفظ المفرد (الله) والمضمر (هو) بأعداد محدَّدة لم يرد بها دليل من الشرع.
وكذلك للسماع دور كبير في الوصول للكشف عند الصوفية، وهذا يفسر سبب اهتمام الصوفية بالسماع، قال الغزالي: “ولا يبعد أن يكون السماع سببًا لكشف ما لم يكن مكشوفًا قبله؛ فإن الكشف يحصل بأسباب، منها: التنبيه، والسماع منبّه… ومنها: صفاء القلب، والسماع يؤثر في تصفية القلب، والصفاء يسبب الكشف… فبواسطة هذه الأسباب يكون سببًا للكشف، بل القلب إذا صفا ربما يمثل له الحق في صورة مشاهدة أو في لفظ منظوم يقرع سمعه، يعبر عنه بصوت الهاتف إذا كان في اليقظة، وبالرؤيا إذا كان في المنام، وذلك جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة”([75]).
وقال أيضا: “فإذا عرفتَ هذا فاعلم أن ميل أهل التصوف إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية؛ فلذلك لم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون والبحث عن الأقاويل والأدلة المذكورة، بل قالوا: الطريق تقديم المجاهدة ومحو الصفات المذمومة… فالأنبياء والأولياء انكشف لهم الأمر وفاض على صدورهم النور لا بالتعلم والدراسة والكتابة للكتب، بل بالزهد في الدنيا، والتبري من علائقها، وتفريغ القلب من شواغلها، والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى…
وزعموا أن الطريق في ذلك أولا: بانقطاع علائق الدنيا بالكلية وتفريغ القلب منها، وبقطع الهمة عن الأهل والمال والولد والوطن، وعن العلم والولاية والجاه، بل يصير قلبه إلى حالة يستوي فيها وجود كل شيء وعدمه، ثم يخلو بنفسه في زاوية، مع الاقتصار على الفرائض والرواتب، ويجلس فارغ القلب مجموع الهم، ولا يفرق فكره بقراءة قرآن! ولا بالتأمل في تفسير ولا بكتب حديث ولا غيره! بل يجتهد أن لا يخطر بباله شيء سوى الله تعالى، فلا يزال بعد جلوسه في الخلوة قائلًا بلسانه: (الله الله) على الدوام مع حضور القلب”([76]).
والمقصود الحقيقي من هذه الرياضات هو الوصول لحالة الفناء عن شهود السوى، وهي حالة الغياب عن الشعور بالنفس والذات، التي يعتبرون الشعور بوجودها حجابًا بين العبد والله تعالى، ولا شك أن هذا مقام بدعيّ محدَث، وتعمُّد الوصول إليه بدعة محدثة، وأخطر منه الوصول للفناء الكفري، وهو الفناء عن وجود السوى، كما عليه أهل الاتحاد.
مفاسد هذه الطريقة البدعية ومخاطرها:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “فإن الخوارقَ هي من الأمور الخطرة التي لا تنالها النفوس إلا بمخاطرات في القلب والجسم والأهل والمال، فإنه إن سلك طريق الجوع والرياضة المفرطة خاطر بقلبه ومزاجه ودينه، وربما زال عقله ومرض جسمه وذهب دينه”([77]).
وقد سبق أن ذكرنا أن الكرامات والخوارق عمومًا -ومنها الكشف- ليست غاية يَسعى المؤمن للوصول إليها، بل غايته تحقيقُ العبودية لله تبارك وتعالى، وأن يكون وليًّا لله تعالى، ثم قد يكرمه الله بالخارق عند الحاجة لذلك لمصلحة في الدين أو الدنيا، وقد لا يحصل له الخارق.
وسبيل الولاية هو الإيمان والتقوى، ومتابعة السنة ظاهرًا وباطنًا، كما قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63]، فكل مؤمن تقي هو لله ولي، وبيّن صلى الله عليه وسلم أن طريق الولاية هو المحافظة على الفرائض والإكثار من النوافل، وهذا يشمل الفرائض الفعلية والتركية الظاهرة والباطنة، فبهذا يصل المؤمن لدرجة الولاية، وأن يكون محبوبًا لله تعالى، مؤيدًا موفقا في سمعه وبصره ويده ورجله، كما جاء في حديث الولاية المشهور([78]).
خاتمة:
ما سبق ذكره يؤكّد أن الصوفية اعتمدوا على الكشف والإلهام اعتمادًا كبيرًا جدًّا، ووثِقوا به وعظَّموه أكثر من أدلة الشريعة وعلومها، بل ربما نظروا لعلوم الشريعة نظرةً دونية؛ باعتبارها علومًا ظاهرة لا توصل للحقيقة واليقين، حتى قال أبو يزيد البسطامي: “خضنا بحرًا وقف الأنبياء بساحله”([79]).
ويؤكّد أن كلامهم في عرض الإلهام على الشريعة لم يلتزموا به، بل تم تجاوزه بشكل صارخ، سواء بالتلفيق بينه وبين الشريعة، أو تقديمه على الشريعة، أو الفصل بين الحقيقة والشريعة، ولعل هذا هو الأقرب في تفسير هذا التناقض.
وهذا كله بخلاف الطريقة المحمدية السنية الجامعة بين الشريعة والحقيقة، والظاهر والباطن، ويتوافق فيها نور الفطرة مع نور العلم والوحي.
والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) ينظر: الرسالة القشيرية (1/ 79).
([2]) ينظر: الطبقات الكبرى، للشعراني (2/ 4).
([3]) الفتوحات المكية (1/ 285).
([4]) الفتوحات المكية (1/ 38).
([5]) الفتوحات المكية، لابن عربي (1/ 57).
([6]) ذكر الغزالي أن الفرق بينهما هو في مشاهدة السبب وهو الملك، انظر: الإحياء (3/ 19).
([8]) التعريفات، للجرجاني (ص: 184)، معجم مصطلحات الصوفية، د. عبد المنعم حنفي (ص: 225).
([9]) منازل السائرين (ص: 113).
([10]) السابق (ص: 115). وانظر في شرح ذلك: مدارج السالكين، لابن القيم (3/ 210-218).
([12]) تقويم الأدلة، للدبوسي (ص: 392).
([13]) مدارج السالكين (3/ 399).
([14]) لواقح الأنوار القدسية (ص: 22).
([15]) الفتوحات المكية (1/ 186).
([16]) ينظر: جامع كرامات الأولياء، النبهاني (1/ 521).
([17]) ينظر: الطبقات الكبرى، الشعراني (2/ 4).
([18]) انظر مثلا: الطبقات الكبرى (1/ 48، 62، 63، 70).
([19]) رواه البخاري (6989)، ومسلم (2263).
([20]) باختصار من الرسالة القشيرية (2/ 386، 387).
([21]) انظر: مناقب الشافعي، لابن أبي حاتم (ص: 96).
([23]) الإنسان الكامل (2/ 63).
([24]) كشف الحجاب والران عن أسئلة الجان (ص: 52).
([25]) راجع: المصادر العامة للتلقي عند الصوفية.. عرضا ونقدا، لصادق سليم صادق.
([27]) تفسير ابن كثير (6/ 266).
([28]) مدارج السالكين (1/ 68).
([29]) تفسير البغوي (5/ 199). وللعلماء خلاف في نبوته، انظر: الرسل والرسالات، للأشقر (ص: 21).
([30]) انظر مبحث الخلاف في نبوة النساء في: الرسل والرسالات، لعمر الأشقر (ص: 86).
([31]) رواه البخاري (3469)، ومسلم (2398).
([33]) شرح صحيح مسلم (15/ 166).
([35]) شرح صحيح مسلم (8/ 206).
([36]) رواه أحمد في فضائل الصحابة (1/ 269)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1110).
([39]) باختصار من مجموع الفتاوى (20/ 44).
([40]) مجموع الفتاوى (10/ 473).
([41]) مجموع الفتاوى (11/ 338).
([44]) العلم اللدني، ضمن مجموع رسائله (ص: 231).
([45]) الرد على الشاذلي (ص: 38، 39).
([46]) الرد على الشاذلي (ص: 141).
([47]) العلم اللدني، ضمن مجموع رسائل الغزالي (224).
([48]) المواضع الثلاثة من الصفدية (2/ 235).
([49]) مدخل إلى التصوف الإسلامي (ص: 33، 34).
([50]) نشأة الفكر الفلسفي (ص: 186).
([51]) مجموع الفتاوى (11/ 66).
([52]) ينظر: طبقات الشعراني (1/ 91).
([53]) الفتوحات المكية (2/ 623، 624).
([54]) الرد على الشاذلي (ص: 33).
([55]) مجموع الفتاوى (11/ 343).
([56]) أضواء البيان (3/ 323) باختصار يسير.
([58]) تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد (ص: 52).
([59]) الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز (ص: 31).
([60]) الفتوحات المكية (1/ 136).
([61]) الفتوحات المكية (3/ 456).
([63]) الفتوحات المكية (3/ 56).
([64]) لواقح الأنوار القدسية (1/ 4).
([65]) الفتوحات المكية (1/ 115).
([66]) الفتوحات المكية (1/ 114).
([67]) الفتوحات المكية (3/ 77).
([68]) انظر ترجمته في الطبقات (2/ 130).
([70]) الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة (ص: 192).
([71]) رواه البخاري (1354)، ومسلم (2930).
([72]) مدارج السالكين (3/ 215).
([73]) مجموع الفتاوى (11/ 330).
([74]) مناقب الشافعي، لابن أبي حاتم (ص: 141).
([75]) باختصار من إحياء علوم الدين (2/ 293).
([76]) إحياء علوم الدين (2/ 19).