الخميس - 19 جمادى الأول 1446 هـ - 21 نوفمبر 2024 م

المخالفات العقديَّة في (رحلة ابن بطوطة) (2)

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

سبق أن تحدثنا في الجزء الأول من هذه الورقة العلمية عن تقسيم المخالفات في الرحلة إلى عدة أقسام، منها:

التصوف: ويشمل الكلام عن: المزارات – القبور – المشاهد – الزوايا – التبرك – الكرامات – الرؤى والمنامات – المكاشفات… وغيرها.

ولأجل أن التصوف هو الطابع العام للرحلة، رأينا أن نفردَ هذه الورقة في الحديث عن مظاهرها مختصرًا.

التصوف في رحلة ابن بطوطة:

المتأمّل في هذه الرحلة يظهر له بوضوحٍ اهتمامُ ابن بطوطة واعتناؤه بذكر الزوايا ووصفها، وتفصيل أمور استقباله وإضافته لدى حلوله في أيٍّ منها، كما أنه اهتمّ بتفصيل أعدادها وأحوالها.

ومع انتشار ظاهرة التصوّف في العالم الإسلاميّ عاد إلى الظهور مظاهر الشرك الأكبر والأصغر، متمثلة في عبادة قبور الأولياء وأضرحتهم. هذه الطائفة من أولياء الصوفية بمناطق آسيا الوسطى خاصة وبجميع ديار الإسلام عامة استحضرت وأحيَت ولو بشكل غير واعٍ مجموعةً منَ المعتقدات الجاهلية.

يتَّضح من رحلة ابن بطّوطة أنّ أولياء الصوفية في وسط آسيا تحديدًا، وبالرغم من موقف الشريعة السنّيّة السلبي تجاههم، كانوا قد أصبحوا تعبيرًا حقيقيًّا وملموسًا عن الضمير والوعي الدينيين لدى العامة آنذاك، فأصبحت قبور الأولياء وبعض المعالم المرتبطة بهم مراكز للحجّ، دون اعتبارهم مخالفين لتعاليم الإسلام، الأمر الذي يدلّ على اختراقهم العميق لنظام المجتمع الإسلامي([1]).

التصوّف من دوافع ابتداء الرحلة:

لم يكن في نية ابن بطوطة عندما خرج من بلده طنجة أن يجاوزَ حدود مكة والمدينة، ولم يخطر بباله أنّ رحلته ستدوم أزيد من ربع قرن، إلا أن أحد الصوفية كاشفه، وكان ابن بطوطة قصّ عليه رؤيا رآها بكونه سيحج ويزور النبي صلى الله عليه وسلم ويجول في بلاد كثيرة ذكرها، فقال له: سوف تحجّ وتزور النبي صلى الله عليه وسلم وتجول في بلاد اليمن والعراق وبلاد الترك وبلاد الهند، وتبقى بها مدة طويلة، وستلقى بها أخي دلشاد الهندي، ويخلّصك من شدة تقع فيها، يقول ابن بطوطة: ومنذ فارقته لم ألق في أسفاري إلا خيرا، وظهرت عليّ بركاته([2]).

لماذا لم يخرج ابن بطوطة إلى الحج مع الركب المغربي؟

أجاب ابن بطوطة عن هذا السؤال بأنه خرج منفردًا عن رفيق يأنس بصحبته، وركب يكون في جملته؛ لباعث على النفس شديد العزائم، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة كامن في الحيازم([3]).

وهو بذلك يكون سلك مسلك المتصوّفة الذين يقصدون برحلتهم إلى تصحيح التوكّل، فلا يتخذون في سياحتهم الصوفية رفيقًا، ولا يحملون معهم زادًا؛ إذ المقصود تصحيح التوكّل على الله، كما كانوا يقولون!

وفي أهمية السياحة للصوفي وشروطها ينقل الصوفي أحمد ابن عجيبة عن شيخ شيخه علي الجمل: “أقل السياحة أربع عشرة سنة”، ثم يضيف: “إذ إن غايته التمكين من شهود الحق، وهو متفاوت على قدر الاجتهاد والقريحة، فمنهم من يتمكّن في أربعة عشر، ومنهم قبل ذلك، ومنهم بعد ذلك، والله يؤتي فضله من يشاء، والله واسع عليم”.

ويقول ابن عجيبة أيضًا: “ولا بدّ للفقير من السياحة في بدايته؛ لأن السفر يسفر عن العيوب، ويطهّر النفوس والقلوب، ويوسّع الأخلاق، وبه تتّسع معرفة الملك الخلاق؛ لأن المسافر كلّ يوم كان يشاهد تجلِّيًا جديدًا، ويلقى وجوهًا لا يعرفها، ولا يأنس بها، فتتَّسع معرفته بذلك، وتتَّسع معناه، وقد قالوا: الفقير كالماء، فإذا طال مكثه في موضع واحد تغير وأنتن”([4]).

كانت سياحة ابن بطوطة تارةً في ركب الحاجّ، وتارة في قافلة من قوافل التجار، وفي كثير من الأحيان صحبة جماعته وصحبه؛ وقد صحبه في سياحته الحاجّ عبد الله بن أبي بكر التوزري سنين كثيرة([5])، وكان انعزاله عن الركب أو القافلة دائمًا بسبب الرغبة في لقاء وليّ أو زيارة ضريح، حتى إنه ما كان يسمع بخبر وليّ حيًّا كان أو ميتًا إلا وتكبَّد المشاقَّ من أجل زيارته، جعل ذلك ديدنه في جميع رحلته، وتكبَّد المشاقّ وأوشك غير مرّة على الهلاك بسبب ذلك، ويطول الكلام إن نحن حاولنا الإتيان على ذكر كلّ الأضرحة التي قصدها، والأولياء الذين لقيهم في جميع الأصقاع التي مرّ بها، ولذلك نكتفي بذكر بعض ذلك.

وصول ابن بطوطة إلى مصر وزيارة الأولياء الموجودين فيها:

زار ابن بطوطة في بدايات رحلته الشيخ الصالح العابد أبا عبد الله المرشدي، وهو فيما يقول عنه: من كبار الأولياء المكاشفين([6])، والإمام الزاهد العالم الورع الخاشع: برهان الدين الأعرج، من كبار الزهاد وأفذاذ العباد، وأقام في ضيافته ثلاثًا، وهو الذي كاشفه بما سينتهي إليه أمره.

قال ابن بطوطة في ذلك: “دخلت عليه -يعني برهان الدين الأعرج المذكور-، فقال لي: أراك تحبّ السياحة والجولان في البلاد، فقلت له: نعم إني أحبّ ذلك، ولم يكن حينئذ بخاطري التوغُّل في البلاد القاصية من الهند والصين، فقال: لا بد لك -إن شاء الله- من زيارة أخي فريد الدين بالهند، وأخي ركن الدين زكرياء بالسند، وأخي برهان الدين بالصين، فإذا بلغتهم فأبلغهم مني السلام. فعجبت من قوله، وأُلقِي في روعي التوجّه إلى تلك البلاد، ولم أزل أتجوّل حتى لقيت الثلاثة الذين ذكرهم وأبلغتهم سلامه”([7]).

وهكذا تكون رحلة ابن بطوطة تحقيقًا لمكاشفة هذا المتصوّف، واستجابة لرغبة دفينة في نفس ابن بطوطة، كشف عنها الصوفي.

ولقي ابن بطوطة في الإسكندرية من أهل التصوف أيضا الشيخ ياقوت الحبشي، “من أفذاذ الرجال، وهو تلميذ أبي العباس المرسي، تلميذ ولي الله أبي الحسن الشاذلي الشهير ذي الكرامات الجلية والمقامات العالية”. وينقل ابن بطوطة عنه بعض كرامات الشاذلي.

وأثناء إقامة ابن بطوطة بالإسكندرية سمع بالشيخ الصالح -والتحليات من عند ابن بطوطة- العابد المنقطع المنفق من الكون: أبي عبد الله المرشدي، وهو من كبار الأولياء المكاشفين، وهو منقطع بمنية بني مرشد، له هنالك زاوية هو منفرد فيها لا خديم له ولا صاحب، فخرج ابن بطوطة من مدينة الإسكندرية، قاصدا هذا الشيخ، ويعدّ هذا الشيخ المكاشف الثاني لابن بطوطة بما ستنتهي إليه سياحته في بلاد اليمن والعراق وبلاد الترك، وبلقاء ابن بطوطة بهذا الولي وبحديثه معه ومكاشفته إياه تتأكد الرغبة وتقوى في نفس ابن بطوطة في متابعة السفر إلى كلّ أصقاع العالم الإسلامي، وبذلك تكون رحلته وكأنها تنفيذ لما أشار به الوليَّان اللذان كاشفاه بأمر سياحته.

وزار ابن بطوطة في طريقه من الإسكندرية إلى القاهرة أو مصر عددًا من الأولياء، ونقل كرامات لبعضهم، منهم جمال الدين الساوي، وساق كرامة له، وأطال الحديث عن زوايا القاهرة وصلحائها، ومما قاله في الموضوع: “وأما الزوايا فكثيرة، أي: في مصر، وهم يسمونها الخوانق، واحدتها الخانقة، والأمراء في مصر يتنافسون في بناء الزوايا، وكل زاوية بمصر معيَّنة لطائفة من الفقراء، وأكثرهم الأعاجم، وهم أهل أدب ومعرفة بطريقة التصوف، ولكل زاوية شيخ وحارس، وترتيب أمورهم عجيب”([8]).

ثم أورد وصفًا لعاداتهم في الطعام وفي غيره، ومن طريف عاداتهم “مع القادم أنه يأتي باب الزاوية، فيقف به مشدود الوسط، وعلى كاهله سجادة، وبيمناه العكاز، وبيسراه الإبريق، فيعلم البواب خديم الزاوية بمكانه، فيخرج إليه، ويسأله: من أي البلاد أتى؟ وبأي الزوايا نزل في طريقه؟ ومن شيخه؟ فإذا عرف صحة قوله أدخله الزاوية، وفرش له سجادته في موضع يليق به، وأراه موضع الطهارة، فيجدّد الوضوء، ويأتي سجادته، فيحلّ وسطه، ويصلي ركعتين، ويصافح الشيخ ومن حضر، ويقعد معهم”([9]).

وقصد ابن بطوطة وهو في طريقه إلى الحجاز عيذاب، وقبل دخولها مر بحميثرا، ونزل فيها، وفيها ضريح أبي الحسن الشاذلي([10]).

وفي عيذاب لقي ابن بطوطة الشيخ المسن محمد المراكشي، زعم أنه ابن المرتضى ملك مراكش وسنه خمس وتسعون سنة.

ويمكن القول اختصارًا بأن ابن بطوطة زار أضرحة عامة المشاهير من أعيان التصوف في التاريخ الإسلامي كله، وكان في أكثر الأحيان يقصدها بعد سماعه بها من جهات نائية، أو يرحل إلى إحداها إلى جهات غير مأمونة، فلما وصل إلى شيراز خرج برسم زيارة قبر الشيخ الصالح أبي إسحاق الكازوني، وقبره على مسيرة يومين من شيراز([11])، وفي البنغال توجه صوب جبال البنغال من أجل لقاء ولي من الأولياء كان ينزل بها.

إن انتشار طائفة الأولياء هذا شجع إحياء بعض المعتقدات الجاهلية الوثنية، وظهر مزيج مثير للاهتمام بين عادات جاهلية وأخرى إسلامية، فيذكر ابن بطوطة مثلًا قبر قثم بن العباس بن عبد المطلب في سمرقند، كيف أن الناس يذبحون عنده البقر والغنم وينذرون الدراهم والدنانير([12]). هذا إلى جانب انتشار بعض العادات المتعلقة ببقايا الطوطميّة، من مثل تسمية الأشخاص بأسماء الحيوانات، كابنة السلطان محمد أوزبك: “إيت كُجك”، وهو اسم يعني الجرو([13]). كذلك تسمية الطفل الوليد بأي شيء أو حيوان تراه الأم، كالملك “خربنده” الذي دخل عليه حمار لدى ولادته، فسمته أمّه بذلك الاسم الذي يعني عبد الحمار، أو غلام الحمار([14]).

كانت هذه المعتقدات المتعارضة مع الشريعة الإسلامية شائعة في ذلك العصر، علاوة على إيمان الناس بحصول الكرامات والمعجزات لأولياء الصوفية، مثل مقدرة الوليّ على صنع العجائب وشفاء الأمراض والتنبّؤ بالمستقبل.

هذه الخصائص للمجتمع الإسلامي في القرنين السابع والثامن للهجرة تتكرر لدى كثير من مؤلّفي هذه الحقبة، خاصّة في المسائل التي تتعلق بالإيمان واعتناق الإسلام والارتداد عنه، خصوصًا في دول المغول والترك؛ لما لهذا الأمر من أهمية سياسية واقتصادية.

ثم إن الاهتمام بسرد التفاصيل عن الزوايا يتماشى مع عديد من المؤلفات الأخرى التي تعود إلى الفترة نفسها، والتي تعكس واقعًا حيًّا لذلك العصر، كما تشير إلى الانتشار الواسع لطوائف الصوفية في مختلف أرجاء دار الإسلام؛ الظاهرة التي تعكس ازدهار أدب تراجم الأولياء وسيرهم.

إذا اعتبر القرن الثامن الهجري عصر الثقافة الدينية السطحية للمجتمع الإسلامي، فلا شك في أن ابن بطوطة قد عكس بصدق ومصداقيّة صورة ذلك العصر بما فيه من عدم مصداقيّة للذات وللآخر، علاوة على سيطرة الخرافة والعجائبيّة على عقول العامة.

فابن بطوطة بثقافته وعلمه المتواضعين يُعَدّ مثقفًا وسطًا منتميًا إلى الطبقة الوسطى من متعلمي المجتمع الإسلامي آنذاك، ولا يُعدُّ -وهو لم يعد نفسه- عالِمًا منتميًا إلى النخبة.

فالجهل والثقافة السطحيّان وغلبة المعتقدات الخرافية التي سادت في ذلك العصر طغت أيضًا على أهله؛ فلا عجب في أن نرى رحلة ابن بطوطة قد امتلأَت بالقصص الخرافيّة، حتى لو كانت تخالف المنطق والمعتقدات الإسلامية.

لقد أحصى حاجي خليفة في “كشف الظنون” أربعة وعشرين كتابًا في مادة العجائب، معظمها ألّف بعد القرن السادس الهجري.

لقد سيطرت مثل هذه المفاهيم على المجتمع الإسلامي في هذه الفترة، وبالتالي فابن بطّوطة -سواء أكان يؤمن بهذه الخرافات أم لا- مثل شريحة كبيرة من مجتمع العامة الذي كان ينتمي إليه([15]).

تعجّ رحلة ابن بطوطة بذكر كرامات المتصوّفة من معجزات ونبوءات وأعمال خارقة للمعتاد، والمهمّ هنا هو ما حدث مع ابن بطوطة عينا من كرامات جعلته شخصيّة مركزية روحية بنظره.

وعن زيارته قبر ولي من الأولياء قال ابن بطوطة: “وعند دخولي إلى مدينة شيراز لم يكن لي همّ إلا قصد الشيخ القاضي الإمام قطب الأولياء فريد الدهر ذي الكرامات الباهرة: مجد الدين إسماعيل بن محمد بن خداد، ومعنى خداد: عطية الله، فدخلت إليه رابع أربعة من أصحابي”([16]).

وفي موضوع زيارته رجلًا صالحًا قال أيضًا: “ثم سافرنا من مدينة جرون برسم لقاء رجل صالح ببلد خنج بال، فلما عدينا البحر اكترينا دواب من التركمان، وهم سكان تلك البلاد، ولا يسافر فيها إلا معهم لشجاعتهم ومعرفتهم بالطرق، وفيها مسيرة أربع، يقطع بها الطريق لصوص من الأعراب، وتهب فيها ريح السموم في هري تموز وحزيران، فمن صادفته قتلته، وبها قبور كثيرة للذين ماتوا فيها بهذه الريح، وكنا نسافر فيها بالليل، فإذا طلعت الشمس نزلنا تحت ظلال الأشجار من أم غيلان، ونرحل بعد العصر إلى طلوع الشمس، ونزلنا بزاوية الشيخ العابد أبي دلف محمد، وهو الذي قصدنا زيارته”([17]).

فأي عذاب أشدّ وأية أهوال أفظع من كل هذا الذي كان ابن بطوطة يلاقيه من أجل زيارة الأولياء؟! وهل هناك مبالغة بعد كل ما سمعنا عن عذابه في زيارة الأولياء في القول بأن زيارة الأولياء أحياء وأمواتا والتبرك بهم كانت الدافع الأساس الذي دفع ابن بطوطة في مغامراته وطوافه بمشارق الأرض ومغاربها؟!

كانت إقامة ابن بطوطة في رحلته الطويلة في أكثر من الأحيان في الزوايا، فكانت الزوايا تقدّم الطعام والمأوى، وفيها كان ابن بطوطة يلقى الصالحين والأولياء، والزوايا في القرن الثامن -أي: في زمن ابن بطوطة- كانت مؤسسات اجتماعيةً ودينيّة، ذات وظائف سياسية هامة، فلما انتزى على الحكم في الأمصار الاسلامية أقوام غير قرشيين، فإنهم اضطروا إلى تقريب أهل التصوف لإضفاء نوع من الشرعية على حكمهم، حدث ذلك في المغرب والمشرق على السواء، فلا عجَب إذن إذا رأينا ولاة الأمر في ذلك العصر يتنافسون في بناء الزوايا، وفي القيام بشؤونها.

وفي رحلة ابن بطوطة وصف دقيق لكثير من زوايا العالم الإسلامي، استوفى فيه الكلام على نظامها وطريقة تسييرها.

وكانت الزوايا تؤوِي طوائف من المتصوّفة مختلفة المشارب، متشعّبة الطرائق، ولعلّ الجامع الوحيد بينها كلها تلك المسحة الروحية التي كانت تجذب ابن بطوطة في الهند، ومنها الطائفة الحيدرية، وفي وصفها يقول ابن بطوطة: “كنت مرة بموضع يقال له: (أفقانبور)، من عمالة (هزار آمروها)، بينها وبين دهلي حضرة الهند مسيرة خمس، وقد نزلنا بها على نهر يعرف بنهر السرور، فأقمنا على النهر أربعة أيام، ووصل إلى هناك جماعة من الفقراء في أعناقهم أطواق الحديد، وكبيرهم رجل أسود حالك اللون، وهم من الطائفة المعروفة بالحيدرية، فباتوا عندنا ليلة، وطلب مني كبيرهم أن آتيه بالحطب ليوقدوه عند رقصهم، فكلّفت والي تلك الجهة أن يأتي بالحطب، فوجّه منه نحو عشرة أحمال، فأضرموا فيه النار بعد صلاة العشاء الأخيرة حتى صارت جمرا، وأخذوا في السماع، ثم دخلوا في تلك النار، فما زالوا يرقصون ويتمرغون فيها”([18]).

وعن تنظيم إحدى الزوايا في مصر قال ابن بطوطة: “ومن عوائدهم في الطعام أنه يأتي أحدهم إلى الزاوية… صباحا، فيعين لكل واحد (من الفقراء) ما يشتهيه من الطعام، فإذا اجتمعوا للأكل جعلوا لكل إنسان خبزه ومرقه في إناء على حدة لا يشاركه فيه أحد، وطعامهم مرتان في اليوم، ولهم كسوة في الشتاء وكسوة في الصيف، ومرتب شهري من ثلاثين درهما للواحد في الشهر إلى عشرين، ولهم حلاوة من السكر في كل ليلة جمعة، والصابون لغسل أثوابهم، وأجرة لدخول الحمام، والزيت للمصباح، وهم أعزاب وللمتزوجين زوايا على حدة، ومن المشترط عليهم حضور الصلوات الخمس، والمبيت بالزاوية، واجتماعهم بالقبة داخل الزاوية…” إلخ([19]).

وفي موضوع زاوية أخرى يقول ابن بطوطة: “وأقمت بمدينة رامز ليلة واحدة، ثم رحلنا منها ثلاثا، في بسيط قرى يسكنها أكراد، وفي كل مرحلة منها زاوية فيها للوارد الخبز واللحم والحلواء، وحلواؤهم من رُبّ العنب، مخلوط بالدقيق والسمن، وفي كلّ زاوية الشيخ والإمام والمؤذنون والخادم للفقراء، والخدم والعبيد يطبخون الطعام”([20]).

ويخيل للباحث وهو يتتبع ما ورد في الرحلة عن الزوايا والخيرات التي كان ينعم بها روادها أن المجتمع الإسلامي على هذا العصر انقسم قسمين: قسم انصرف كليّا للعبادة، لا يهمّه من أمر الدنيا شيء؛ إذ الخيرات تأتيه دونما تعبٍ في طلبها، وقسم يكدح من أجل نفسه، ومن أجل هؤلاء المنصرفين إلى العبادة، ولا شك في أن الحياة في الزوايا بهذا الشرط كانت تجلب الكثيرين إليها، على أن ابن بطوطة لم يكن عندما قرر غير ما مرة الانصراف عن الدنيا في زاوية من تلك الزوايا مدفوعا بما تغدقه الزاوية على روادها، أو المريدين بها على الأصح، وذلك لأننا نجده كلّ مرة يقرر فيها الانصراف عن هموم الحياة إلى العبادة إنما يكون مدفوعا بهاجس صوفيّ قويّ، أجّجته نكبة من نكبات الدهر، وابن بطوطة حدّثته نفسه غير ما مرة بالإقامة الدائمة في زاوية يخدم فيها وليّا من الأولياء، إلا أن النفس اللجوج -فيما قال- كانت تصرفه عن ذلك.

ولعلّه اتضح لنا كيف كانت رحلة ابن بطوطة بحثًا دؤوبا عن الأولياء، وكم لقيَ من عناء في ذلك، وقد يكون من المفيد الإشارة إلى أن زيارة الأولياء مما كان يحثّ عليه شيوخ التربية الصوفية، وكتب أحدهم قصيدة شهيرة في هذا الموضوع([21]).

كان ابن بطوطة -كما سبق القول- كثيرا ما تحدّثه نفسه باعتزال الناس من أجل صحبة ولي في إحدى الزوايا، يخدمه وينال بركته، وقد زار مرةً إحدى الزوايا، وبعد أن شاهد ما شاهد من انصراف المريدين فيها إلى الله طوال الليل أراد البقاء طول عمره معهم، وفي ذلك يقول: “وجامع هذه المدينة من أحسن الجوامع، وفيه جماعة من الفقراء المنقطعين إلى العبادة، وإذا صلّوا العصر أجمعوا للذكر بين يدي الشيخ إلى صلاة المغرب، وإذا صلّوا المغرب أخذ كل واحد منهم موقعه للتنفّل، فلا يزالون كذلك إلى صلاة العشاء الآخرة، فإذا صلّوا العشاء الآخرة أقاموا على الذكر إلى ثلث الليل، ثم انصرفوا، ويعودون في أول الثلث الثالث إلى المسجد فيتهجّدون إلى الصبح، ثم يذكرون إلى أن تحين صلاة العصر، فينصرفون بعد صلاتها، ومنهم من يقيم إلى أن يصلّي صلاة الضحى بالمسجد، وهذا دأبهم أبدا، ولقد كنت أردت الإقامة معهم باقي عمري، فلم أوفق إلى ذلك، والله تعالى يتداركنا بلطفه وتوفيقه”([22]).

وعقب محنةٍ لحقته انقبض عن الناس ولازم أحدَ الشيوخ، وفي ذلك يقول رحمه الله: “ذكر انقباضي عن الخدمة وعزوفي عن الدنيا، ولما كان بعد مدة انقبضت عن الخدمة، ولازمت الشيخ الإمام العابد الزاهد الخاشع الورع فريد الدهر ووحيد العصر كمال الدين عبد الله، وكان من الأولياء، وله كرامات كثيرة قد ذكرت منها ما شاهدته عند ذكر اسمه، وانقطعت إلى خدمة هذا الشيخ، ووهبت ما عندي للفقراء، وظهر لي من نفسي تكاسل بسبب شيء بقي معي، فخرجت عن جميع ما كان عندي من قليل وكثير، وأعطيت ثياب ظهري لفقير، ولبست ثيابه، ونزلت بزاوية، وذلك في أواخر جمادى الثانية سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، فاعتكفت بها شهر رجب وعشرة من شعبان، وانتهيت إلى مواصلة خمسة أيام، وأفطرت بعدها على قليل أرز دون إدام، وأثناء ذلك كنت أقرأ القرآن كل يوم، وأتهجد بما شاء الله، وأقمت على ذلك أربعين يوما”([23]).

والنص خير دليل على عمق البعد الصوفي في قلب ابن بطوطة، هذا وقد أورد في رحلته أنه انتهى به الأمر إلى أن صار يختم القرآن مرتين في اليوم، وبقي على تلك الحال ثلاثة أشهر([24]). وأكثر ما كان يضيء الوجدَ الصوفي في قلب ابن بطوطة اشتدادُ المحن به، فعندما همّ أحد مخدوميه من سلاطين الهند بعقابه، وتيقن ابن بطوطة أن لا مفرّ له من ذلك، ألهمه الله -فيما قال- تلاوة قوله تعالى: {حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ}، فكان يقرؤها ثلاثة وثلاثين ألف مرة في اليوم، ووصل إلى خمسة آلاف([25]).

ابن بطوطة ولبس المرقّعات والخرق:

وكان ابن بطوطة شديدَ الحرص على لبس المرقعات والخرق، قد لبس الخرقة من غير يد، وله فيها أسانيد كان شديدَ الاعتزاز بها، حريصًا عليها.

والخرق -فيما ذكر أبو سالم العياشي في رحلته- ثمانية، تنتهي كلها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالتتبّع في أسانيد أبي سالم العياشي في الخرق لم نجد من بينها سندًا يرد فيه ذكر لابن بطوطة، وهذا يؤكّد ما سبق قوله من إهمال المغاربة لرحلة ابن بطوطة ولصاحبها، فلم يأخذوا عنه شيئًا، وهذا ابن جزي المكلّف بتحرير الرحلة من قبل أبي عنان يقف عندما يجد الفرصة مناسبة ليظهر تهافت أسانيد ابن بطوطة، ومن ذلك تعليقاته على سند ابن بطوطة في بعض الخرق.

لبس ابن بطوطة الخرقة من يد الشيخ الصالح العابد أبي عبد الرحيم بن مصطفى، وهو من تلامذة تاج الدين الرفاعي، وله معه صحبة، وألبسه إياها كذلك في أصبهان الصالح العابد القطب حسين ابن الشيخ الصالح ولي الله شمس الدين محمد بن محمد بن علي المعروف بالرجاء، ولبس ابن بطوطة الخرقة أيضًا على يد الشيخ العابد الزاهد الشريف قطب الدين، وبقي ابن بطوطة محتفظا بهذه الخرقة إلى أن فقدها في البحر، سلبه إياها الجوس.

هكذا يتأكّد لنا تشبّع روح ابن بطوطة بالتصوّف قولا وسلوكا، ومن كانت حالته كحال ابن بطوطة في الطواف على الأولياء والاغتراف من ينابيع التصوف حيث كانت، فلا شك في أنه سيفضي به الحال إلى باب الكرامات([26]).

ابن بطوطة والكرامات:

ونورد فيما يلي بعضا من الكرامات مما شاهده وعاينه أو حصلت له.

فمن الكرامات التي كان ابن بطوطة موضوعًا لها مكاشفة الزاهد برهان الدين الأعرج إياه بالبلدان التي سيصل إليها في رحلته، ولم يكن ابن بطوطة فيما قال يخطر له شيء من ذلك بعد، ومنها أن الشيخ عبد الله المرشدي كاشفه برؤيا رآها، وأوَّلها له، فصدق في المكاشفة وتعبير الرؤيا، ومنها ما وقع له مع الشريف أبي محمد الحسيني، وذلك أن الشريف المذكور كاشفه بكونه لن يتيسّر له الحج في سنته تلك، فكان كما قال، ومنها هذه الكرامة التي نوردها بلفظ ابن بطوطة لدلالتها الخاصة فيما نحن به: قال ابن بطوطة: “دخل علي -يعني قطب الدين حسين المعروف بالرجاء- بموضع نزولي من الزاوية، وكان ذلك الموضع يشرف على بستان للشيخ، وكانت ثيابه قد غسلت في ذلك اليوم، ونشرت في البستان، ورأيت في جملتها جبة بيضاء، فأعجبتني، وقلت في نفسي: مثل هذه كنت أريد، فلما دخل علي الشيخ نظر في ناحية البستان، وقال لبعض خدامه: ائتني بذلك الثوب، فأتوا به، فكساني إياه، فأهويت إلى قدميه أقبلهما”([27]).

ولكثرة ما في الرحلة من أخبار المتصوفة وكراماتهم، فإن الرحلة تقترب في بعض فصولها من كتب المناقب، أما اعتبار الرحلة مصدرًا أساسيًّا من مصادر التصوف فهذا أمر لا يرقى إليه الشك نظرًا لما أوردنا.

وقد انتهى الأمر بابن بطوطة في أواخر أسفاره في رحلته إلى السودان، وبعد نحو من ربع قرن قضى معظمها في مجاورة المتصوفة إلى أن صار يسمع في نومه هتافات، فقد ذكر أنه أيام إقامته في السودان رأى فيما يراه النائم كأن إنسانًا يقول له: يا محمد ابن بطوطة، لماذا لا تقرأ سورة يس في كل يوم؟ فمن ذلك اليوم ما ترك قراءتها كل يوم([28]).

ومن كل ما سبق يتبين أن ابن بطوطة عريق في التصوف، وأن رحلته كانت سياحة من قبيل السياحة الصوفية التي حثّ عليها -كما رأينا- أهل التصوف، ولولا ما شابها من غرائب نفّرت القدماء من المحدثين والمتصوفّة منها لكانت من منابع المتصوفة في المغرب والمشرق.

ولعل معترضًا على هذا يقول: كيف يصحّ هذا وابن بطوطة نال من أطايب الدنيا ما شاء؟! فتزوج مرات، وتسرّى مرات، وكانت الجواري المغنّيات لا تفارقنه، إذ كان يصحب معه الجواري في سفره من أجل الغناء.

والجواب: هو أن المتصوفة في الإسلام لم يزهدوا في النساء، بل كانوا يتزوّجون، ويتسرّون ويحثون على الزواج.

ويحسن أن ننقل هنا بعض ما قاله الشيخ أحمد ابن عجيبة في الموضوع.

قال الشيخ ابن عجيبة: “اعلم أن النكاحَ مرغَّب فيه في الجملة، وهو سنة من سنن المرسلين، وقد يجب على من خاف على نفسه الزنى، وقال سهل بن عبد الله: لا يصحّ الزهد في النساء، وقال غيره: ليس في كثرة النساء دنيا”([29]).

ومهما كان الأمر، فإن نزوع ابن بطوطة إلى التصوف أمر لا يرقى إليه شكّ، ولا عجب في ذلك، فالمغرب في زمنه كانت أرضُه تنبِت الأولياء كما تنبت الكلأ، كما قال ابن الخطيب القسنطيني، رحمه الله([30]).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) انظر: ابن بطوطة وصناعة أدب الرحلة (ص: 31-33).

([2]) انظر: رحلة ابن بطوطة (1/ 19-20).

([3]) انظر: رحلة ابن بطوطة (1/ 7).

([4]) فهرسة ابن عجيبة (ص: 48-49).

([5]) انظر: رحلة ابن بطوطة (1/ 112، 216).

([6]) انظر: رحلة ابن بطوطة (1/ 18).

([7]) انظر: رحلة ابن بطوطة (1/ 15).

([8]) انظر: رحلة ابن بطوطة (1/ 26).

([9]) انظر: رحلة ابن بطوطة (1/ 26).

([10]) انظر: رحلة ابن بطوطة (1/ 15).

([11]) انظر: رحلة ابن بطوطة (2/ 437).

([12]) انظر: رحلة ابن بطوطة (1/ 293).

([13]) انظر: رحلة ابن بطوطة (1/ 260).

([14]) انظر: رحلة ابن بطوطة (1/ 173).

([15]) انظر: ابن بطوطة وصناعة أدب الرحلة (ص: 47-48).

([16]) انظر: رحلة ابن بطوطة (1/ 155).

([17]) انظر: رحلة ابن بطوطة (1/ 211).

([18]) انظر: رحلة ابن بطوطة (1/ 141).

([19]) انظر: رحلة ابن بطوطة (1/ 26).

([20]) انظر: رحلة ابن بطوطة (1/ 145).

([21]) وهو أبو إسحاق إبراهيم التازي دفين وهران. انظر: البعد الصوفي في حياة ابن بطوطة من خلال رحلته، عبد السلام شقور، مجلة دعوة الحق، العدد (304).

([22]) انظر: رحلة ابن بطوطة (1/ 188-189).

([23]) انظر: رحلة ابن بطوطة (2/ 410).

([24]) انظر: رحلة ابن بطوطة (2/ 441).

([25]) انظر: رحلة ابن بطوطة (2/ 410).

([26]) انظر: البعد الصوفي في حياة ابن بطوطة من خلال رحلته، عبد السلام شقور، مجلة دعوة الحق، العدد (304).

([27]) انظر: رحلة ابن بطوطة (1/ 153).

([28]) انظر: رحلة ابن بطوطة (2/ 547).

([29]) انظر: فهرسة ابن عجيبة (ص: 77-78)، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد (4/ 36).

([30]) انظر: البعد الصوفي في حياة ابن بطوطة من خلال رحلته، عبد السلام شقور، مجلة دعوة الحق، العدد (304).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

قياس الغائب على الشاهد.. هل هي قاعِدةٌ تَيْمِيَّة؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   القياس بمفهومه العام يُقصد به: إعطاء حُكم شيء لشيء آخر لاشتراكهما في عِلته([1])، وهو بهذا المعنى مفهوم أصولي فقهي جرى عليه العمل لدى كافة الأئمة المجتهدين -عدا أهل الظاهر- طريقا لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من مصادرها المعتبرة([2])، وقد استعار الأشاعرة معنى هذا الأصل لإثبات الأحكام العقدية المتعلقة بالله […]

فَقْدُ زيدِ بنِ ثابتٍ لآيات من القرآن عند جمع المصحف (إشكال وبيان)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: القرآن الكريم وحي الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، المعجزة الخالدة، تتأمله العقول والأفهام، وتَتَعرَّفُه المدارك البشرية في كل الأزمان، وحجته قائمة، وتقف عندها القدرة البشرية، فتعجز عن الإتيان بمثلها، وتحمل من أنار الله بصيرته على الإذعان والتسليم والإيمان والاطمئنان. فهو دستور الخالق لإصلاح الخلق، وقانون […]

إرث الجهم والجهميّة .. قراءة في الإعلاء المعاصر للفكر الجهمي ومحاولات توظيفه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إذا كان لكلِّ ساقطة لاقطة، ولكل سلعة كاسدة يومًا سوقٌ؛ فإن ريح (الجهم) ساقطة وجدت لها لاقطة، مستفيدة منها ومستمدّة، ورافعة لها ومُعليَة، وفي زماننا الحاضر نجد محاولاتِ بعثٍ لأفكارٍ منبوذة ضالّة تواترت جهود السلف على ذمّها وقدحها، والحط منها ومن معتنقها وناشرها([1]). وقد يتعجَّب البعض أَنَّى لهذا […]

شبهات العقلانيين حول حديث: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يزال العقلانيون يحكِّمون كلامَ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلى عقولهم القاصرة، فينكِرون بذلك السنةَ النبوية ويردُّونها، ومن جملة تشغيباتهم في ذلك شبهاتُهم المثارَة حول حديث: «الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم» الذي يعتبرونه مجردَ مجاز أو رمزية للإشارة إلى سُرعة وقوع الإنسان في الهوى […]

شُبهة في فهم حديث الثقلين.. وهل ترك أهل السنة العترة واتَّبعوا الأئمة الأربعة؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة حديث الثقلين يعتبر من أهمّ سرديات الخطاب الديني عند الشيعة بكافّة طوائفهم، وهو حديث معروف عند أهل العلم، تمسَّك بها طوائف الشيعة وفق عادة تلك الطوائف من الاجتزاء في فهم الإسلام، وعدم قراءة الإسلام قراءة صحيحة وفق منظورٍ شمولي. ولقد ورد الحديث بعدد من الألفاظ، أصحها ما رواه مسلم […]

المهدي بين الحقيقة والخرافة والرد على دعاوى المشككين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»([1]). ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالأمه أنه أخبر بأمور كثيرة واقعة بعده، وهي من الغيب الذي أطلعه الله عليه، وهو صلى الله عليه وسلم لا […]

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان الإيمان منوطًا بالثريا، لتناوله رجال من فارس) شبهة وجواب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  يقول بعض المنتصرين لإيران: لا إشكالَ عند أحدٍ من أهل العلم أنّ العربَ وغيرَهم من المسلمين في عصرنا قد أعرَضوا وتولَّوا عن الإسلام، وبذلك يكون وقع فعلُ الشرط: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ}، ويبقى جوابه، وهو الوعد الإلهيُّ باستبدال الفرس بهم، كما لا إشكال عند المنصفين أن هذا الوعدَ الإلهيَّ بدأ يتحقَّق([1]). […]

دعوى العلمانيين أن علماء الإسلام يكفرون العباقرة والمفكرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة عرفت الحضارة الإسلامية ازدهارًا كبيرًا في كافة الأصعدة العلمية والاجتماعية والثقافية والفكرية، ولقد كان للإسلام اللبنة الأولى لهذه الانطلاقة من خلال مبادئه التي تحثّ على العلم والمعرفة والتفكر في الكون، والعمل إلى آخر نفَسٍ للإنسان، حتى أوصى الإنسان أنَّه إذا قامت عليه الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها. ولقد كان […]

حديث: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ» شبهة ونقاش

من أكثر الإشكالات التي يمكن أن تؤثِّرَ على الشباب وتفكيرهم: الشبهات المتعلِّقة بالغيب والقدر، فهما بابان مهمّان يحرص أعداء الدين على الدخول منهما إلى قلوب المسلمين وعقولهم لزرع الشبهات التي كثيرًا ما تصادف هوى في النفس، فيتبعها فئام من المسلمين. وفي هذا المقال عرضٌ ونقاشٌ لشبهة واردة على حديثٍ من أحاديث النبي صلى الله عليه […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017