أهل البدع واستغلال الأزمات..مثال من أرض سوريا
مر بي مقطع فيديو لأحد مشايخ طائفة الأحباش وهو يجلب معه الطعام والشراب للأطفال السوريين في الملاجيء ، وهذا أمر جيد ، ليت كل المسلمين يقومون به تجاه إخوانهم ، ونحن نقبله من الجمعيات المنتسبة إلى الدول الأوروبية لأن فيه دفع ضرر عن المسلمين ، في حين لم يقم المسلمون بكل واجبهم نحوه ، فإذا رأينا الأحباش والصوفية يقومون به فسوف يسرنا ذلك لأنه يدفع عن إخواننا ضرر الهلاك بين الجوع والبرد .
لكن هذا الشيخ للأسف جعل يقبض الثمن من هؤلاء الأطفال المساكين ليقول لهم: الله ليس جسماً ، الله ليس حجماً، الله ليس كمية ، الله لا يسكن السماء ، الله موجود بلا مكان ، ثم يجعلهم يرددون هذه العبارة لترسخ في عقولهم .
ثم يكذب عليهم ويقول لهم :هذه عقيدة جميع الأنبياء !
وهنا أقف في عدة ملاحظات :
الأولى : أن ما قاله كذب على الله تعالى وعلى رسوله وعلى جميع الأنبياء عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، فلا يوجد نبي واحد ممن حكى عنهم الكتابُ والسنة قال لقومة :الله ليس جسماً ولا كمية وليس حجماً ولا يسكن السماء ؛من النبي الذي قال ذلك لقومه ، وفي أي صورة من القرآن ،أو أي حديث نبوي رُوِي عنه ذلك ؟
هذا كذب خبيث على الله تعالى وعلى أنبيائه ،وتشويه وتعقيد لعقيدة الإسلام السمحة الميسرة .
فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يقولوا ذلك ، كما أنهم لم يقولوا بضده ، فلا يوجد نبي قال : إن الله جسم أو حجم أو كمية ولا أنه يسكن في السماء أو غير السماء .
لا هذا ولا ضده هو قول الأنبياء .
الأنبياء عليهم وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام دعوا أقوامهم إلى عبادة الله وحدة لا شريك له ، وإلى دعائه وحده دون سواه ، كما قال تعالى : ﴿وَلَقَد بَعَثنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسولًا أَنِ اعبُدُوا اللَّهَ وَاجتَنِبُوا الطّاغوتَ فَمِنهُم مَن هَدَى اللَّهُ وَمِنهُم مَن حَقَّت عَلَيهِ الضَّلالَةُ فَسيروا فِي الأَرضِ فَانظُروا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبينَ﴾ [النحل: ٣٦] فالأمر بعبادة الله وحدة هو رسالة جميع الأنبياء ، وهو ما يحتاج الأطفال أن يتيقنوه في هذا الزمن العصيب ، لاسيما الأطفال الذين وقعت في بلادهم الكوارث وأصبحوا نهباً لدعاة الضلالة من الصفويين وعباد القبور وجمعيات التنصير ، هذا هو الدرس الذي بنبغي أن يُكَثَّف عليهم ، كما فعل الأنبياء في أممهم ، لا أن يُدَرَّسوا هذه الخزعبلات التي لم يقلها نبي ولا رسول ولا صاحب ولا تابعي ولا أحد من أئمة القرون المفضلة .
الملاحظة الثانية : شيخ السوء هذا ليس قصده ولا قصد طائفته إنقاذ السوريين ، أو إصلاح عقائد السوريين ، ولو كان الأمر كذلك لكان أولَ همه تعليمُ الأطفال إخلاص العبادة لله ، والرد على شُبهات الدعاة الإيرانيين الذين ينشرون في سوريا سب الصحابة وعصمة أئمتهم الاثني عشر مستغلين الأوضاع التي يعاني منها السوريون ؛ لكن هَمَّ هؤلاء محاربةُ عقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين ، والتي يرونها تنتشر بين السوريين انتشار العَبَق في حدائق الزهور ، لأنها تُعَلِّم اللجوء إلى الله والضراعة لله والصبر على ما قضى الله والرجاء لما عند الله والعمل ابتغاء وجه الله ، وهذا هو كل ما يحتاجه أهل المصائب كحال إخوانني في سوريا .
فجعل دعاة الطائفة الحبشية همهم محاربةَ السلفية وتشويهها ، وذلك بالكذب على السلفيين، وادعاء أنهم يقولون : إن الله جسم وحجم وكتلة ويسكن في السماء ، فاتخذوا من عقول الأطفال ساحة حرب لهم ضد السلفية وأهلها ، لا ساحة تعليم وتأديب وإعانة على نوائب الدهر خالصةً لوجه الله تعالى ، فلا فرق هنا بين الأحباش وبين التنصيريين وبين الصفويين ، كلهم لا يعمل لوجه الله ، وإنما يعمل لنصرة خرافته وبدعته ، وما كان لله تعالى فهو الذي يبقى .
﴿أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَت أَودِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحتَمَلَ السَّيلُ زَبَدًا رابِيًا وَمِمّا يوقِدونَ عَلَيهِ فِي النّارِ ابتِغاءَ حِليَةٍ أَو مَتاعٍ زَبَدٌ مِثلُهُ كَذلِكَ يَضرِبُ اللَّهُ الحَقَّ وَالباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذهَبُ جُفاءً وَأَمّا ما يَنفَعُ النّاسَ فَيَمكُثُ فِي الأَرضِ كَذلِكَ يَضرِبُ اللَّهُ الأَمثالَ﴾ [الرعد: ١٧]
الملاحظة الثالثة :
الأنبياء الذين افترى عليهم شيخ السوء هذا وزعم أن عقيدتهم أن الله ليس حجما ولا جسما ولا كتلة ولا يسكن السماء : لم يقولوا بهذا القول الذي افتراه عليهم ، ولا بضده ، وإنما وصفوا الله بما وصف به نفسه في كتابه ، وتَبِعَهم الصحابة والتابعون وتابعيهم ، فلم يخرجوا عن أوصاف القرآن لله تعالى وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك أن له صفة العلو سبحانه كما قال عز وجل :
﴿سَبِّحِ اسمَ رَبِّكَ الأَعلَى﴾ [الأعلى: ١] وجاءت آيات كثيرة تفسر هذا العلو بأنه الفوقية التامة لرب العزة على جميع خلقه ، فقال: ﴿يَخافونَ رَبَّهُم مِن فَوقِهِم وَيَفعَلونَ ما يُؤمَرونَ ۩﴾ [النحل: ٥٠] وقال: ﴿أَأَمِنتُم مَن فِي السَّماءِ أَن يَخسِفَ بِكُمُ الأَرضَ فَإِذا هِيَ تَمورُ﴾ [الملك: ١٦]
﴿وَالمَلَكُ عَلى أَرجائِها وَيَحمِلُ عَرشَ رَبِّكَ فَوقَهُم يَومَئِذٍ ثَمانِيَةٌ﴾ [الحاقة: ١٧]
﴿ إِلَيهِ يَصعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصّالِحُ يَرفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠]
﴿تَعرُجُ المَلائِكَةُ وَالرّوحُ إِلَيهِ في يَومٍ كانَ مِقدارُهُ خَمسينَ أَلفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج: ٤]
وكذلك كل ما ورد في الكتاب والسنة من أدلة الصعود إليه والعروج إليه والاستواء على العرش ونزوله سبحانه والنزول من عنده ، وهي كثيرة لا يدفعها أحد هي أدلة عقيدة الأنبياء في صفات الله تعالى .
والأنبياء الذين افترى عليهم شيخ السوء هذا ومن تبعهم ، يؤمنون بهذه الأدلة كما جاءت ، ويثبتون أنها حقائق ، فالله عز وجل هو الواحد الذي بعلم كيفيتها ، ولم يُكلفهم التعرف على كيفيتها ، بل نهاهم عن ذلك لأنها من عالم الغيب الذي لا يملكون العلم به ، فقال عز وجل مخاطباً نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ﴿وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنهُ مَسئولًا﴾ [الإسراء: ٣٦] فالأنبياء الذين كذب عليهم شيخ السوء هذا لا يثبتون لهذه الصفات كيفيات من عند أنفسهم ، ولا ينفون أن لها كيفيات عِلمُها عند الله ، وهذا من جليل تعظيمهم لله تعالى وعظيم قَدْرِهم إياه حق قدره ، ولا ينتحل الأنبياء ومن تبعهم من عند أنفسهم لوازم لها ، فيقولون كما يقول شيخ السوء هذا ومن على شاكلته ، لو كان كذلك لكان ساكناً في السماء فينكرون لأجل لوازمهم المخترعة من عقولهم الصفات التي أثبتها الله في الكتاب والسنة ، حاشا أنبياء الله وأنباعهم ذلك .
الوقفة الرابعة : الكلمات الغثة التي رددها الأطفال مع شيخ السوء هذا هي من عويص ما يسمى علم الكلام الذي قال الشافعي في أهله كما رواه عنه البيهقي : “حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام” والعجيب أن الأحباش يزعمون أنهم شافعية ، والأعجب من ذلك أنهم حينما يُعْرَض عليهم قولُ الشافعي هذا يقولون : نحن لا نترك الكتاب والسنة !
وأي ترك للكتاب والسنة أعظم من أن تثبتوا لله صفات لم يثبتها لنفسه ، فتقولون : إنه في كل مكان بذاته ، مع أنه يصف نفسه بالعلو والاستواء على عرشه ، وتنفون عنه ما أثبته لنفسه كصفتي العلو والاستواء !
وأي ترك للكتاب والسنة أعطم من أن يكون أول ما تعلمونه الأطفال من العقيدة عويص علم الضلال الذي تسمونه علم الكلام ، تلك المسائل التي حار فيها أذكياء الأشاعرة كالجويني والرازي اللذين تابا منها بعدما ذاقا مرارتها ، فقال الجويني :أموت على على إيمان عجائز نيسابور ؛ وقال اارازي:
نهاية إقدام العقول عقال, وغاية سعي العالمين ضلال.
وأرواحنا في وحشة من جسومنا, وحاصل دنيانا أذى ووبال.
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا, سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا.
وألف الغزالي الشافعي كتابه :”إلجام العوام عن علم الكلام” بعدما عرف أضراره على الدين ، فكيف يأمر الغزالي بإلجام العوام عنه ثم يقوم هؤلاء بتلقينه للأطفال !
الوقفة الأخيرة : أقول للدعاة من أبناء سوريا : لن يحفظ الله بلادكم ويصرف عنها الفتن إلا بالإسلام كما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما فهمه عنه صحابته الكرام ، أما استغلال المأساة في سوريا لترويج المزيد من الانحراف العقدي فهؤ لا يزيد اليلاد إلا أسا ، وقولوا ما قال الله تعالى : ﴿إِنَّ الَّذينَ فَرَّقوا دينَهُم وَكانوا شِيَعًا لَستَ مِنهُم في شَيءٍ إِنَّما أَمرُهُم إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِما كانوا يَفعَلونَ﴾ [الأنعام: ١٥٩]