الثلاثاء - 28 شوّال 1445 هـ - 07 مايو 2024 م

هل كان في تأسيس الإمام الشافعي لعِلم أُصول الفقه جنايةٌ على العقل المُسلم؟

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

قد كثُرت شبهات الحداثيّين حول الإمام محمد بن إدريس الشافعي، ووقفوا منه موقفًا عدائيًّا شديدًا، وكتبوا في ذلك أبحاثًا ومؤلّفاتٍ تجاوزوا فيها الحدّ.

ومن أبرز تلك الشبهات التي أثاروها: أنَّ الإمام رحمه الله بتأليفه كتاب الرسالة، وتدوينه لعلم أُصول الفقه قام -بزعم الحداثيين- بضرب العقل الإسلامي فيما يتعلَّق بالفقه والتشريع ضربةً نهائيَّة، حيث أغلَق باب الاجتهاد والرأي بذرائع شرعيَّة ومَقولات إسلاميَّة، فطرحُه -من وجهة نظَر الحداثيين- يستحِقّ التجاوُز، ولا يستحِقّ الصدارة، بل إن منهم من طعن في مكانة الإمام الشافعي العلمية، وفي تميزه وعبقريته وإبداعه.

وهذه الشبهة يُقصَد بها الطعنُ في الشريعة الإسلاميَّة من خلال الطعن في أهم العُلوم الشرعيَّة التي تضبِط عمليَّة الفَهم والاستدلال، وهو عِلم أُصول الفقه، وهي شبهة راجَت عند الحداثيين المعاصرين، مثل محمد أركون، ونصر حامد أبو زيد، وعبد المجيد الشرفي، وجورج طرابيشي، وغيرهم.

يصفُ محمد أركون عند استعراضه للأدلة التي ثبّتها الإمام الشافعي في كتاب (الرسالةِ) دليلَ القياس -وهو الدليل الإجمالي الرابع- بأنه (الحيلة الكبرى التي أتاحت شيوع ذلك الوهم بأن الشريعة ذات أصل إلهي)([1]).

وقد تباين الحداثيون في عدد القضايا الأصولية التي انتقدوها على الإمام الشافعي ما بين مستقلٍّ ومستكثر، وقد أكثر زكريا أوزون من الانتقاد على الإمام الشافعي في كتابه الذي أسماه (جناية الشافعي: تخليص الأمة من فقه الأئمة)، ووصل في انتقاداته تلك إلى درجة الإسفاف، وكتابه من أكثر الكتب تطرُّفًا في التعامل مع تراث الإمام الشافعي الفقهي والأصولي([2]).

غير أن أهم القضايا الأصولية وأبرزها التي انتقدها الحداثيون على الإمام الشافعي: تثبيته لحجيّة السنة النبوية، وقد بلغ الحال بهم إلى تشبيه ذلك بالتحريف الذي وقع في الديانة النصرانية، كما ذهب لذلك جورج طرابيشي في كتابه (من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث).

ومن أبرز من انتقد الإمام الشافعي أيضًا من الحداثيين بسبب تدوينه لعلم أصول الفقه: نصر أبو زيد في كتابه (الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجيا الوسطية)، وقد رفض كثيرًا من نقده حداثيٌّ آخر وهو حسن حنفي في كتابه (حوار الأجيال).

ولا يدفع الحداثيين لعداوة الشافعي وإنكار مكانته العلمية إلا أنه قام بعملية تأصيل وتقعيد للفهم والاستنباط، وهذا يناقض العقلية اللبرالية والحداثية التي من أهم مرتكزاتها النسبية، فالحق لا وجود له في نفسِه، وإنما الحق ما اعتقده الإنسان أو أراده. وفي ذلك يقول نصر حامد أبو زيد واصفًا الإمام الشافعي: (كان يناضل للقضاء على التعددية الفكرية والفقهية، وهو نضال لا يخلو من مغزى اجتماعي فكري سياسي واضح)([3]).

يقول أحد الباحثين في بيان أسباب عداء الحداثيين للإمام الشافعي: (فالشافعي وضَع ضوابط لفَهم النصوص، والمناهج الحداثيَّة تُريد فَهمًا مفتوحًا مُتعدِّدًا نِسبيًّا مُتغيِّرًا، وترفُض أنْ يكون للنصوص معنًى واحد ثابت، كما تدعو لفتح الباب على مصراعَيْه لإعادة قراءتها وتأويلها، وما من نص عندَهم إلا وهو قابلٌ لما لا يُحصى منَ التأويلات. هذا، فضلًا عنِ النظر في أدلَّة القرآن والسُّنة بوصفها نصوصًا تاريخيَّة، نزَلت في لحظة مُعيَّنة، مُتأثِّرة بظروف البيئة والواقع الذي انبثَقت منه، وليست وحيًا إلهيًّا متَّصِفًا بالديمومة والاستمرار، وصالحًا لكل زمان ومكان)([4]).

ويقول باحث آخر في جواب شبهات الحداثيين حول تأسيس الإمام الشافعي لأصول الفقه: (من يمعن النظر في الخطاب الحداثي يدركُ بلا شكٍّ أن مفهومَ التأصيل هُو ألدّ أعداء الحداثة؛ لأنها تقومُ بشكلٍ أساسيٍّ على مفهوم النسبيَّة الرافض لوجود حقائق ثابتة للأشياء نفسِهَا، فلا وجودَ للحقِّ في نفسِه، فالحقُّ هو ما اعتقَدَه الإنسانُ حقًّا أو ما أرادَه، وبالتالي فإن وجود قواعد كلية ثابتة تضبط الأحكام الجزئية المتغيرة -وهو المراد من علم الأصول- يتعارض إلى حدِّ التناقضِ مع النسبيَّة الحداثيَّة، ولذلك نال الشافعيَّ القسطُ الأكبر من الذمِّ والتشكيك من قبلِ الحداثيِّين)([5]).

وما أحسن ما قاله ابن جزي في بيان شرف علم أصول الفقه الذي سدّ الإمام الشافعي بتدوينه الطريق على الحداثيين: (فإن العلوم على ثلاثة أضرب: علم عقلي، وعلم نقلي، وعلم يأخذ من العقل والنقل بطرف، فلذلك أشرف في الشَّرَف على أعلَى شَرَف، وهو علمُ أصول الفقه الذي امتزج به المعقولُ بالمنقُول، واشتمَلَ على النظر في الدليل والمدلولِ، وإنه لنعم العون على فهم كتاب اللَّه وسنة الرسول صلى اللَّه عليه وسلم. وناهيك من علم يرتقي الناظرُ فيه عن حضيضِ رُتبَةِ المقلِّدِين إلى رفيعِ درجَاتِ المجتَهِدين، وأقلُّ أحوالِه أن يعرفَ وجُوه الترجيح، فيفرقه بين الراجح والمرجوح، ويُميِّز بين السقيم والصحيح)([6]).

الإمام الشافعي أول من صنَّف في علم أُصول الفقه، ولم يكُن مُبتكرًا له:

منَ المعروف المشهور أنَّ الإمام الشافعي أولُ مَن دوَّن عِلمَ أُصول الفقه، ولا يخفى أن المقصود: أنه حرر ذلك كتابةً وتدوينًا، لا أنه اخترعه وابتكره دون استناد لإرث شفهي، أو تطبيقات عملية سابقة.

يقول أحد الباحثين في جواب هذه الشبهة: (إنَّ عملية التأصيل لا تأتي بشكل فَردي، إنَّما تحتاج لبِنية ثقافية موضوعيَّة لتأسيسها، بيدَ أنَّه قد تتجلَّى في أفراد دون غيرهم القُدرة على التعبير عنها في صورة أكثر شمولًا وتماسُكًا، فتكون نصوص هؤلاء الأفراد بمَثابة النصوص التأسيسيَّة لهذا العِلم المراد التأصيل له.

واعتبار نصوص أفراد مُعيَّنين نصوصًا تأسيسيَّة لا يتأتَّى من كَوْنها تختزِل البِنية الثقافيَّة لهذا العلم، وتُجلِّيها في صورة أكثرَ شمولًا وكليَّة فحسبُ، بل أيضًا لأنَّها تصوغ هذه البِنية، وتُعيد إنتاجها ضمنَ فضاءات جديدة لم تكن معهودةً من قبلُ.

ومن هنا تأتي تأسيسيَّة نصوص الإمام الشافعي في أصول الفقه، حيث إنَّه قام بتدوين ما كان ممارسة عمليَّة غير موثَّقة القواعد والأصول، فدوَّنها بنص اختزَل معظمَ هذه الممارسات، ولكنْ بعد تقعيدها بقواعد كليَّة تُتيح للناظر المُتمرِّس فيها أنْ يُمارِسها على أُسُس مُنضبِطة، فيبتعِد قاصدُ الاجتهاد عنِ العشوائيَّة والتخبُّط، وتضيق عليه دائرة اتِّباع الهوى إلى أقصى حد مُمكن)([7]).

وقد ذهب محمد أركون إلى أن القضاة في القرن الهجري الأول كانوا يستوحون الأعراف المحلية السابقة على الإسلام، والتي كانت تختلف باختلاف الأماكن، وكان الرأي الشخصي للقضاة هو الفيصل في المسائل المطروحة، فجاء تصنيف الإمام الشافعي لكتاب (الرسالة)([8]) لمعالجة الحالة الفوضوية، وهي حالة تبعثر القضاء، واختلاف الأحكام باختلاف القضاة والأمصار، الشيء الذي يشكل خطرًا على وحدة الأمة. فهو بتصنيفه كتاب (الرسالة) وضع منهجية ذلك القانون([9]).

وإنك لتعجب كيف يصح أن يقال: إن القضاة في القرن الأول كانوا يقضون بالأعراف المحلية السابقة للإسلام وفيهم من الأئمة المجتهدين من التابعين وأتباع التابعين الذين عرفت فتاويهم وأقضيتهم وحفظت وعُلِم استنادها للكتاب والسنة؟! فالحقّ أن ما صور به أركون حال القضاة في القرن الأول محضُ افتراءٍ عليهم. وما كان الشافعي مبتكرًا لأصول كانوا معرضين عنها ولا غافلين عن العمل بها.

يقول التقي السبكي رحمه الله: (فإن قُلتَ: قد كانت العلماء في الصحابة والتابعين وأتباع التابعين من أكابر المجتهدين ولم يكن هذا العلم، حتى جاء الشافعي وصنف فيه؛ فكيف تجعله شرطًا في الاجتهاد؟!

قلتُ: الصحابة ومن بعدهم كانوا عارفين به بطباعهم، كما كانوا عارفين النحو بطباعهم قبل مجيء الخليل وسيبويه، فكانت ألسنَتُهم قويمة، وأذهانهم مستقيمة، وفهمهم لظاهر كلام العرب ودقيقه عتيد؛ لأنهم أهله الذي يؤخذ عنهم، وأما بعدهم فقد فسدت الألسن، وتغيرت الفهوم، فيُحتاج إليه كما يحتاج إلى النحو)([10]).

فهذه الحقيقة التاريخية المتعلِّقة بنشأة العلوم وتدوينها لا يعقلها أكثر الحداثيين الذين يدَّعون أن الإمام الشافعي قام بضرب العقل الإسلامي فيما يتعلَّق بالفقه والتشريع ضربةً نهائيَّة، حيث أغلَق باب الاجتهاد والرأي بذرائع شرعيَّة ومَقولات إسلاميَّة -كما يدعون-، فأولية الشافعي في تدوين أصول الفقه لا يلزم منها ابتكاره لقواعد لم تكن موجودة.

ولوضوح هذه القضية وصعوبة جحدها نجد بعض الحداثيين (وهم الأقل) قد أقرّوا بها.

يقول حسن حنفي في عرضه وتقييمه لكتاب نصر حامد أبو زيد عن الإمام الشافعي: (والأدلة الشرعية الأربعة -الكتاب والسنة والإجماع والقياس- ليست للشافعي وحده، بل تُكوِّن بِنية علم أصول الفقه قبل الشافعي وبعده، حتى عند الشيعة الذين ينكرون القياس، فإنهم يستبدلون به قول الإمام المعصوم، وفضل الشافعي أنه وضع النسق كما فعل أرسطو في المنطق، والخليل بن أحمد في العروض، وسيبويه في النحو، وفرنسيس بيكون في الآلة الجديدة، وفيكو في فلسفة التاريخ، هذا ما أجمع عليه الفقهاء بصورةٍ ضمنية، وبعد الشافعي بصورةٍ علنية، بعد أن وضع الشافعي أسس العلم.

وإذا كان الشافعي سيئ النية بتثبيت قواعد الاستدلال، فهل كان كذلك كل علماء الأصول من بعده؟! إن وضع علم جديد ليدلّ على قدرةٍ فائقة على التنظير، واعتبار ذلك رغبة في السيطرة والسيادة على العقل والفكر لهو إسقاط للسياسة في الفكر، لا يوجد علم بلا قواعد أو منهج، هكذا فعل ديكارت وكان الناس قبله يفكرون، وهكذا فعل هوسل وكان الناس قبله يشعرون وينظرون)([11]).

ولعل سبب هذا الموقف الإيجابي لحسن حنفي من الإمام الشافعي اعتداده بالشيخ مصطفى عبد الرازق، فإنه من التجديديين -بحسب حسن حنفي-، ومع ذلك فله كتاب بعنوان: (الإمام الشافعي واضع علم أصول الفقه) يعلي فيه من شأن الشافعي، ولذلك أخذ حسن حنفي على نصر أبو زيد تجاهُلَه لهذا الكتاب([12]).

وممن أقر بعبقرية الإمام الشافعي في كتابه (الرسالة) من الحداثيين: عبد المجيد الشرفي حيث يقول: (تكمن عبقرية الشافعي لأنه وضع هذه القوانين الكلية على غير مثال، واستطاع بثاقب ذهنه أن يتلقط المؤشرات المتناثرة في عصره وعند سابقيه، ليؤلف بينها ويشيد صرحًا أصوليًّا شامخًا، سيكون اللاحقون له عالةً فيه عليه)([13]). هذا مع أن الشرفي طعن في الموروث الأصولي للإمام الشافعي من جهة أخرى، كما سيأتي.

اعتراض جورج طرابيشي والجواب عنه:

رفض جورج طرابيشي -بسبب جهله بحقيقة النبوة والرسالة- القولَ باقتصار دور الإمام الشافعي على التنظيم والترتيب والصياغة دون أن يكون مبتكرًا أو مخترعًا لعلم الأصول، وحجته في ذلك أن الإمام الشافعي في تثبيته حجية السنة النبوية في كتاب الرسالة قام بانقلاب تأليهي (أي: أنه جعل الرسول صلى الله عليه وسلم إلهًا مع الله تعالى!)، وهذا لا يتناسب -بحسب طرابيشي- مع القول بأن ما قام به الشافعي في علم الأصول نظير ما قام به الخليل في علم العروض، وسيبويه في علم النحو، وغيرهما في غيرهما من الفنون.

يقول جورج طرابيشي: (وعندما يقال لنا: إن الشافعي كان لعلم الشرع ما كانه أرسطو لعلم المنطق والخليل لعلم العروض، فلا بد أن نلاحظ أن هذه المماثلة التي كان الفخر الرازي أتقن حبكها وأعاد أحمد أمين -ومن بعده الجابري- إدخالها إلى الحقل التداولي للثقافة العربية الحديثة إنما هي مماثلة مضللة، فالدور الذي اضطلع به الشافعي لم يكن دور المنظم الذي يصوغ في قانون كلي ما يعرفه سائر الناس بمحض الطبع، بل كان -إذا استعرنا لغة الحركات الانقلابية الحديثة- مؤسسًا لجمهورية جديدة، وباستعارة لغة ابن خلدون فإنه لم يكن محض متابع لمن تقدّمه، بل كان رائدًا ومدشنًا لنشأة مستأنفة، ولم يكن دوره الانقلابي في مجال أصول الشريعة بأقل من ذاك الذي اضطلع به معاوية في مجال تاريخ السياسة بتأسيسه الخلافة الأموية، أو أبو العباس السفاح بتأسيسه الخلافة العباسية، فمن بعده لن يعود أي شيء على الصعيد اللاهوتي والمعرفي كما كان قبله، فالسنة صارت كتابًا مع الكتاب، وأحيطت بمثل هالة الوحي التي تحيط بالتنزيل، ولعل مثل هذا الانقلاب التأليهي في الإسلام لا يجد ما يناظره في تاريخ الأديان سوى الانقلاب الذي شهدته المسيحية في القرن الرابع الميلادي عندما جرى مع تنصّر الإمبراطورية الرومانية تنصيب المسيح إلهًا ابنًا مشاركًا في الجوهر للإله الأب، ولكن مع هذا الفارق فبدلًا من تأليه شَخصِ الرَّسُول جرى تكريسُ المصدريَّة الإلهية لسُنَّتِه، أو كلمته حسب التعبير المسيحي الوارث للوغوس الإغريقي، وهذا أقصى ما كان يمكن أن يتقبله دين كالإسلام قام في أساسه على التوحيد التجريدي)([14]).

والجواب عما ذكرَه طرابيشي أن طاعة الرسُول صَلَّى الله عليه وسلم هي طاعةٌ أمَرَ الله تعالى بها وأذِن فيها، ولا نجاةَ يوم القيامة إلا بها، وليس الإيمانُ بالسُّنة النبوية والتحاكُم إليها إلا طاعةَ الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المأمور بها، وطاعةُ من أمر الله تعالى بطاعته هي طاعةٌ لله تعالى.

والشرك في التشريع يكون بطاعة تشريعات وأنظمة وقوانين لم يأذَنِ الله تعالى بها، كما قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]، لا باتباع الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم.

والله تعالى دلَّنا في كتابه الكريم على وجوب طاعة الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ودلَّنا أنَّ السُّنة منَ الوحي الذي جاء به النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإذا كان في ذلك تأليه للرسول صلى الله عليه وسلم، فإن نتيجة ذلك: أنَّ الله تعالى يدُل عباده على الإشراك به، وأن القرآن يدعو حينئذٍ إلى الإشراك بالله تعالى.

 وأما السُّنة النبويَّة التي جاءت فيها أحكام مستقِلَّة، فإنَّما جاءت بوحي من الله تعالى لنبيه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولم يأتِ بها النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ من تلقاء نفْسه، فهو مُبلِّغ عن الله تعالى ومؤدٍّ عنه، لا مُشرِّع معه، وليس شريكًا له في الحُكم والتدبير([15]).

وإن مما يوضح هذا المعنى بجلاء: ما جاء عن التابعي الجليل حسان بن عطية رحمه الله تعالى أنه قال: «كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، يُعلِّمُه إيَّاها كما يُعلِّمُه القرآن»([16]).

فالاستناد إلى ورود السُّنة التشريعيَّة الاستقلاليَّة في دعوى أنَّ الاحتكام إلى السُّنة تأليه للرسول صلى الله عليه وسلم جهل بصفة النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ووظيفته التي وُكِلت إليه، وجهل بمعنى الرسالة والنبوة.

وبهذا يتضح فساد الأصل الذي بنى عليه جورج طرابيشي إسقاطاته وتشبيهاته، وهو أن الإمام الشافعي بتثبيته المصدرية الإلهية للسنة النبوية في كتاب (الرسالة) قام بتأليه النبي صلى الله عليه وسلم! وإذا تبين فساد ذلك الأصل فإن جميع تلك الإسقاطات والتشبيهات التي أتى بها طرابيشي -سواء التي استجلبها من تاريخ الإسلام أو تاريخ النصرانية- هي إسقاطات وتشبيهات لا معنى لها.

الأصول التي قرَّرها الشافعي تُعين على تلبية الاحتياجات الفقهيَّة المُعاصرة:

من الحداثيين من لم يستَطِع إلا الإقرارَ بعبقريَّة الإمام الشافعيِّ في تصنيفه كتاب (الرسالة)، وفي تدوينه لأصول الفقه، ولم يذهب إلى الطعنِ فيه بسبب ذلك، غير أنَّهُ لجأ بعدَ ذلك إلى ادِّعَاء عدمِ صلاحية موروثِه الأصولي لهذا الزمانِ.

يقول عبد المجيد الشرفي: (لقد كانت منظومةُ الشافعيِّ الأصوليَّة صالحةً ما كانت الظروفُ التاريخيَّةُ مشابهةً لظروفه، إلا أن تغيُّر هذه الظروف تغيرًا جذريًّا تحتَ وطأة الثورات الصناعية والتقنية والإعلامية وما يشهدُه العالم من تحولات في أنماط المعيشة وفي القيم المجتمعية، وفي الوسائل المعرفية، كل ذلك يُحتِّمُ إعادةَ النظر في تلك المنظومةِ ونقدَها، فلم يعُد باستطاعة المؤمن في عصرنا أن يقرأ كتابَهُ عبر معايير القدماء، ومن خلال نظرتهم إلى الكَونِ، والحال أن الزمن قد تكفَّلَ بتجاوز هذه وتلك، تجاوزًا لا أمل فيه أن يسترِدَّا إشعَاعَهُما ومصداقيَّتَهُما)([17]).

والجواب: أنه ثمَّةَ مجالان يتعلَّقان بتأصيل الشافعي([18]):

المجال الأول: ما يتعلَّق بفَهم الدليل وأُصول الاستدلال التي لا يختلِف فيها الشافعي عن غيره، فهذا لا يتأثَّر بتغيُّر الزمان والمكان، ولا بشروط تاريخيَّة في عصره، ولا بتغيُّر في عصرنا.
ما الذي سيتغيَّر مثلًا في قاعدة قَبول خبَر حديث النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أو أنَّ الأصل في النهي التحريم، أو أنَّ الخصوص مُقدَّم على العموم، أو أنَّ المُحرَّم يُستَباح عند الضرورة، أو في شروط النسخ؟ هذه قضايا كليَّة مُتعلِّقة بفَهم النص، ليست مُرتبِطة بظرف زماني، ولا بمُتغيِّرات عارضة، بل هي بحثٌ عن كيفيَّة فَهم مراد الشارع فَهمًا صحيحًا.

وقد يقَع خلاف بين العلماء في البحث عنِ الأصوب في ذلك، والمجال يتَّسِع للنظر والترجيح وَفْق الشروط الموضوعيَّة، ولا عَلاقة لتغيُّر الزمان والمكان بهذا كله.

والمجال الثاني: ما يتعلَّق بالاجتهاد المَبنيِّ على واقع مُعيَّن، رُوعيَ فيه مصالحُ أو مفاسدُ مُعيَّنة، أو ما كان من قَبيل الاجتهاد في اختيار الحُكم الشرعي الأرجح، فهنا لا أحدَ يقول بلزوم اتِّباع رأي الشافعي، ولا رأي غيره فيها، بل ولا الشافعي نفْسه يقول: إنَّ قولي فيها ملزِمٌ لكل أحد في كل زمان ومكان، فلا معنى لإضاعة الجُهد في التفكير بمثل هذا.

فالحق أنَّنا بحاجة ماسَّة إلى عقل كمِثل عقل هذا الإمام الكبير، حتى نُقدِّم اجتهادًا قويًّا يُحافظ على أصول الشرع، ويُحقِّق مصالح الناس، ويدفَع الضررَ عنهم.

وخلاصة القول:

أن الإمام الشافعي لم يخترع أصول الفقه أصلًا، وليس في أصول الفقه جناية على العقل المُسلم.  وقد كان العلماء من قبل الشافعي وفي عصره يعملون بتلك القواعد، وهذا شأن كثير من العلوم التي يعمل بها من دون تحرير كتاب خاصّ، ثم تفرد في كتاب ونحوه، كالاقتصاد والحروب وغيرها.

وما طرَحَهُ الشافعي على مستوى التأصيل والتقعيد يمثل إضافة متميزة تسهم في تسهيل الاستنباط والاستدلال الفقهي، مما يعين على المحافظة على أُصول الشرع، وتحقيق مصالح الناس، ودفع الضرَر عنهم.

والطعن في طرح الإمام الشافعي باعثُه عداوةُ الخطاب الحَداثي لمبدأ التأصيل المُناقِض للنسبيَّة في فَهم النصوص، وليس باعثًا علميًّا.

والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) «تاريخية الفكر العربي الإسلامي» (ص: 297).

([2]) وقد تتبعه الباحث مروان الكردي تتبعًا تفصيليًّا، وسايره في انتقاداته، وأجاب عنها في كتابه (الجناية على الشافعي: حوار علمي هادئ مع رافضي علمَي الفقه والأصول).

([3]) «الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولجيا الوسطية» (ص: 101).

([4]) «موقف الاتجاه الحداثي من الإمام الشافعي: عرض ونقد» للدكتور أحمد قوشتي (ص: 52). وانظر أيضًا: «العلمانيون العرب وموقفهم من الإسلام» لمصطفى باحو (ص: 323).

([5]) (شبهات الخطاب الحداثي حول الإمام الشافعي) في «مجلة الدراسات والعلوم الاجتماعية» التركيَّة، العدد السابع (ص: 234-235).

([6]) «تقريب الوصول إلى علم الأصول» (ص: 13-14).

([7]) مقال بعنوان: (شبهات الخطاب الحداثي حول الإمام الشافعي) في «مجلة الدراسات والعلوم الاجتماعية» التركيَّة، العدد السابع (ص: 234-235).

([8]) يصف أركون كتاب الرسالة بأنه (إحدى الكتابات الجميلة والممتعة التي أنتجها الفكر الإسلامي الكلاسيكي)!

([9]) «تاريخية الفكر العربي الإسلامي» (ص: 297). ويُشار أن صاحب بحث (شبهات الخطاب الحداثي حول الإمام الشافعي) المشار إليه آنفًا التبس عليه في هذا الموضع مُراد أركون، فظن أنه يعني كتاب الرسالة بقوله في هذه الصفحة: (هذه هي الحيلة الكبرى التي أتاحت شيوع ذلك الوهم بأن الشريعة ذات أصل إلهي)، والحق أن أركون قصد بذلك دليل القياس الذي هو من الأدلة الإجمالية للشريعة عند الجمهور، ولم يقصد بذلك كتاب الرسالة.

([10]) «الإبهاج في شرح المنهاج» (1/ 16-17). وهو شرح لمنهاج البيضاوي، وقف فيه في أوله عند مباحث الوجوب، وأتمه ولده تاج الدين.

([11]) «حوار الأجيال» (ص: 452-453).

([12]) «حوار الأجيال» (ص: 447).

([13]) «لَبِنَات» (ص: 140).

([14]) «من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث» (ص: 194-195). ومن الأوراق المنشورة في مركز سلف حول فكر جورج طرابيشي: (من الهرطقة إلى الأصولية.. قراءة في فكر جورج طرابيشي). انظره في هذا الرابط: https://salafcenter.org/2413

([15]) انظر: «شبهات القرآنيين حول السنة النبوية» لمحمود مزروعة.

([16]) أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 267).

([17]) «لَبِنَات» (ص: 143).

([18]) الجواب مستفاد من بحث بعنوان: (عقل الشافعي والفراغات الثلاث) للدكتور فهد العجلان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

ألـَمْ يذكر القرآنُ عقوبةً لتارك الصلاة؟

  خرج بعضُ أهل الجدَل في مقطع مصوَّر يزعم فيه أن القرآنَ لم يذكر عقوبة -لا أخروية ولا دنيوية- لتارك الصلاة، وأن العقوبة الأخروية المذكورة في القرآن لتارك الصلاة هي في حقِّ الكفار لا المسلمين، وأنه لا توجد عقوبة دنيوية لتارك الصلاة، مدَّعيًا أنّ الله تعالى يريد من العباد أن يصلّوا بحبٍّ، والعقوبة ستجعلهم منافقين! […]

حديث: «جئتكم بالذبح» بين تشنيع الملاحدة واستغلال المتطرفين

الطعنُ في السنة النبوية بتحريفها عن معانيها الصحيحة وباتِّباع ما تشابه منها طعنٌ في النبي صلى الله عليه وسلم وفي سماحة الإسلام وعدله، وخروجٌ عن التسليم الكامل لنصوص الشريعة، وانحرافٌ عن الصراط المستقيم. والطعن في السنة لا يكون فقط بالتشكيك في بعض الأحاديث، أو نفي حجيتها، وإنما أيضا بتحريف معناها إما للطعن أو للاستغلال. ومن […]

تذكير المسلمين بخطورة القتال في جيوش الكافرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: من المعلومِ أنّ موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين من أعظم أصول الإيمان ولوازمه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ‌وَلِيُّكُمُ ‌ٱللَّهُ ‌وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ [المائدة: 55]، وقال تعالى: (لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ […]

ابن سعود والوهابيّون.. بقلم الأب هنري لامنس اليسوعي

 للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   بسم الله الرحمن الرحيم هنري لامنس اليَسوعيّ مستشرقٌ بلجيكيٌّ فرنسيُّ الجنسيّة، قدِم لبنان وعاش في الشرق إلى وقت هلاكه سنة ١٩٣٧م، وله كتبٌ عديدة يعمَل من خلالها على الطعن في الإسلام بنحوٍ مما يطعن به بعضُ المنتسبين إليه؛ كطعنه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وله ترجمةٌ […]

الإباضــــية.. نشأتهم – صفاتهم – أبرز عقائدهم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من الأصول المقرَّرة في مذهب السلف التحذيرُ من أهل البدع، وذلك ببيان بدعتهم والرد عليهم بالحجة والبرهان. ومن هذه الفرق الخوارج؛ الذين خرجوا على الأمة بالسيف وكفَّروا عموم المسلمين؛ فالفتنة بهم أشدّ، لما عندهم من الزهد والعبادة، وزعمهم رفع راية الجهاد، وفوق ذلك هم ليسوا مجرد فرقة كلامية، […]

دعوى أن الخلاف بين الأشاعرة وأهل الحديث لفظي وقريب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعتمِد بعض الأشاعرة المعاصرين بشكلٍ رئيس على التصريحات الدعائية التي يجذبون بها طلاب العلم إلى مذهبهم، كأن يقال: مذهب الأشاعرة هو مذهب جمهور العلماء من شراح كتب الحديث وأئمة المذاهب وعلماء اللغة والتفسير، ثم يبدؤون بعدِّ أسماء غير المتكلِّمين -كالنووي وابن حجر والقرطبي وابن دقيق العيد والسيوطي وغيرهم- […]

التداخل العقدي بين الفرق المنحرفة (الأثر النصراني على الصوفية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: بدأ التصوُّف الإسلامي حركة زهدية، ولجأ إليه جماعة من المسلمين تاركين ملذات الدنيا؛ سعيًا للفوز بالجنة، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم تطور وأصبح نظامًا له اتجاهاتٌ عقائدية وعقلية ونفسية وسلوكية. ومن مظاهر الزهد الإكثار من الصوم والتقشّف في المأكل والملبس، ونبذ ملذات الحياة، إلا أن الزهد […]

فقه النبوءات والتبشير عند الملِمّات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منَ الملاحَظ أنه عند نزول المصائب الكبرى بالمسلمين يفزع كثير من الناس للحديث عن أشراط الساعة، والتنبّؤ بأحداث المستقبَل، ومحاولة تنزيل ما جاء في النصوص عن أحداث نهاية العالم وملاحم آخر الزمان وظهور المسلمين على عدوّهم من اليهود والنصارى على وقائع بعينها معاصرة أو متوقَّعة في القريب، وربما […]

كيف أحبَّ المغاربةُ السلفيةَ؟ وشيء من أثرها في استقلال المغرب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدّمة المعلِّق في كتابِ (الحركات الاستقلاليَّة في المغرب) الذي ألَّفه الشيخ علَّال الفاسي رحمه الله كان هذا المقال الذي يُطلِعنا فيه علَّالٌ على شيءٍ من الصراع الذي جرى في العمل على استقلال بلاد المغرب عنِ الاسِتعمارَين الفرنسيِّ والإسبانيِّ، ولا شكَّ أن القصةَ في هذا المقال غيرُ كاملة، ولكنها […]

التوازن بين الأسباب والتوكّل “سرّ تحقيق النجاح وتعزيز الإيمان”

توطئة: إن الحياةَ مليئة بالتحدِّيات والصعوبات التي تتطلَّب منا اتخاذَ القرارات والعمل بجدّ لتحقيق النجاح في مختلِف مجالات الحياة. وفي هذا السياق يأتي دورُ التوازن بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله كمفتاح رئيس لتحقيق النجاح وتعزيز الإيمان. إن الأخذ بالأسباب يعني اتخاذ الخطوات اللازمة والعمل بجدية واجتهاد لتحقيق الأهداف والأمنيات. فالشخص الناجح هو من يعمل […]

الانتقادات الموجَّهة للخطاب السلفي المناهض للقبورية (مناقشة نقدية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: ينعمُ كثير من المسلمين في زماننا بفكرٍ دينيٍّ متحرِّر من أغلال القبورية والخرافة، وما ذاك إلا من ثمار دعوة الإصلاح السلفيّ التي تهتمُّ بالدرجة الأولى بالتأكيد على أهمية التوحيد وخطورة الشرك وبيان مداخِله إلى عقائد المسلمين. وبدلًا من تأييد الدعوة الإصلاحية في نضالها ضدّ الشرك والخرافة سلك بعض […]

كما كتب على الذين من قبلكم (الصوم قبل الإسلام)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: مما هو متَّفق عليه بين المسلمين أن التشريع حقٌّ خالص محض لله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، فالتشريع والتحليل والتحريم بيد الله سبحانه وتعالى الذي إليه الأمر كله؛ فهو الذي شرَّع الصيام في هذا الشهر خاصَّة وفضَّله على غيره من الشهور، وهو الذي حرَّم […]

مفهوم العبادة في النّصوص الشرعيّة.. والردّ على تشغيبات دعاة القبور

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لا يَخفَى على مسلم أنَّ العبادة مقصَد عظيم من مقاصد الشريعة، ولأجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وكانت فيصلًا بين الشّرك والتوحيد، وكل دلائل الدّين غايتها أن يَعبد الإنسان ربه طوعًا، وما عادت الرسل قومها على شيء مثل ما عادتهم على الإشراك بالله في عبادتِه، بل غالب كفر البشرية […]

تحديد ضابط العبادة والشرك والجواب عن بعض الإشكالات المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لقد أمر اللهُ تبارك وتعالى عبادَه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ومدار العبادة في اللغة والشرع على التذلُّل والخضوع والانقياد. يقال: طريق معبَّد، وبعير معبَّد، أي: مذلَّل. يقول الراغب الأصفهاني مقررًا المعنى: “العبودية: إظهار التذلّل، والعبادة أبلغُ منها؛ […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017