دولة بني أمية والسنة النبوية [الجزء الثاني]
#مركز_سلف_للبحوث_والدراسات
انتهينا في المقال السابق عند بيان حال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه من الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاح في نفسه وحسن ولايته لرعيته، وفي هذا الجزء من المقال نتحدث عن حال الملوك من بني أمية بعده وحال العلماء معهم :
حال ملوك بني أمية بعد معاوية:
فلا شك أن حالهم كان أقل من ذلك ،ونحن لا نقول إنها كانت خلافة راشدة ، بل هناك أخطاء وظلم ، وأعظم ما نقمه الناس على بني أمية شيئان :أحدهما :تكلمهم في علي ، والثاني :تأخير الصلاة عن وقتها ،إضافة إلى المظالم التي وقعت من بعض ولاتهم ، كالحجاج وعبيد الله بن زياد ،وغيرهم ، ونحن ننكرها ولا نقرها ،مع العلم بأن سلطان التأويل في مثل هذه الفتن بالحفاظ على الدولة وتماسكها ومنع الفتن فيها ، حاضر ، ومع ذلك لم يتهمهم أي من خصومهم بوضع الأحاديث والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأكثر ما يروى من الأكاذيب والمبالغات مأخوذ من المستشرقين الحاقدين على الإسلام وتاريخه ،خاصة الدولة الأموية التي أدخلت الإسلام بلادهم وأخذت كثيرا من ملك الدولة الرومانية الشرقية والغربية، وهم يعتمدون على الروايات الشيعية الملفقة ،والموجودة في بعض كتب التاريخ ، وتكفي هذه الشهادة الإجمالية من ابن حزم رحمه الله وقد قالها بعد انقضاء آخر معاقل الدولة الأموية في الأندلس وبدأ عصر ملوك الطوائف فقال :”فسار منهم – من بني أمية – عبد الرحمن بن معاوية إلى الأندلس وملكها هو وبنوه ،وقامت بها دولة بني أمية ثلاثمائة سنة ،فلم يك في دول الإسلام أنبل منها ولا أكثر نصرا على أهل الشرك ولا أجمع لخلال الخير “رسائل ابن حزم ٢/ ١٤٦.
بل تدل الروايات على وجود حرية الانتقاد والإنكار ، وأن الاستبداد عند الأمويين كان مصروفا للحفاظ على سلطانهم – كما يقول رشيد رضا في تفسيره ( ٢/٢٠٤) – وقد وردت أخبار صحيحة تدل على وجود الإنكار من الصحابة والتابعين لِمَا استنكروه من أعمال بني أمية وهذا ينقلنا لجواب السؤال الثاني
– حال العلماء زمن بني أمية ؟
تأمل أخي الكريم هذه الأحاديث وهي تعطيك صورة مقاربة لطبيعة تعامل العلماء مع حكام بني أمية قال البخاري رحمه الله في “صحيحه ” بَابُ الخُرُوجِ إِلَى المُصَلَّى بِغَيْرِ مِنْبَرٍ ” ثم روى عن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ، قَالَ: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى ، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ ، وَيُوصِيهِمْ ، وَيَأْمُرُهُمْ ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا : قَطَعَهُ ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ : أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ ” قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: ” فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ – وَهُوَ أَمِيرُ المَدِينَةِ – فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ، فَلَمَّا أَتَيْنَا المُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ، فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ ، فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ ، فَجَبَذَنِي ، فَارْتَفَعَ ، فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلاَةِ ، فَقُلْتُ لَهُ : غَيَّرْتُمْ وَاللَّهِ، فَقَالَ أَبَا سَعِيدٍ: قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ ، فَقُلْتُ : مَا أَعْلَمُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا لاَ أَعْلَمُ ، فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ ) .وعند مسلم ( فقام إليه رجل فقال : الصلاة قبل الخطبة ومد بها صوته )
فتأمل هذا كيف أن رجلا انتقد هذا الأمر مع أن مروان صنعه بتأويل، وتأمل فعل أبي سعيد ورد فعل مروان على كل هذا ؟!
– روى البخاري من حديث سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ حِينَ أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ، فَلَزِقَتْ قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ، فَنَزَلْتُ، فَنَزَعْتُهَا وَذَلِكَ بِمِنًى، فَبَلَغَ الحَجَّاجَ فَجَعَلَ يَعُودُهُ، فَقَالَ الحَجَّاجُ: لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «أَنْتَ أَصَبْتَنِي» قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: «حَمَلْتَ السِّلاَحَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ، وَأَدْخَلْتَ السِّلاَحَ الحَرَمَ وَلَمْ يَكُنِ السِّلاَحُ يُدْخَلُ الحَرَمَ» .
ومن ذلك إنكار الصحابة على من خطب جالسا من بني أمية ، فعن كعب بن عجرة :أنه دخل المسجد وعبدالرحمن بن أم الحكم – والي معاوية على الكوفة – يخطب قاعدًا ، فقال :”انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعدًا وقال الله تعالي {وإذا رأوْا تجارة أو لهوا انفضّوا إليها وتركوك قائما }) رواه مسلم .وإنكار عمارة بن رويبة على بشر بن مروان لما رَآه على المنبر رافعا يديه في الدعاء وقال “قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيديه هكذا ويشير بأصبعه السبابة “رواه مسلم .
ومن ذلك إنكار أبي هُريرة رضي الله عنه على مروان في التصوير ، فعن أبي زرعة قال: “دخلت مع أبي هريرة في دار مروان، فرأى فيها تصاوير، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقًا كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة) “متفق عليه وروى البخاري عن عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد قال أخبرني جدي قال:”كنتُ جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ومعنا مروان ،قال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: (هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش)، وفي رواية: (غلمة سفهاء) فقال أبو هريرة: “لو شئت أن أقول بني فلان، وبني فلان لفعلت”، وكان ذلك كما قال الحافظ في الفتح في زمن معاوية رضي الله عنه، وفي ذلك تعريض ببعض أمراء بني أمية ،فهل يتصور أن يضع لهم الأحاديث مجاملة ونفاقا أو كرها في شيعة علي وأهل البيت وهو من روى أحاديث فضائلهم ؟!
إعداد اللجنة العلمية بمركز سلف للبحوث والدراسات [تحت التأسيس]