ترجمة الشيخ المقرئ محمد إدريس العاصم(1)
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
اسمه ونسبه:
هو الشيخ المقرئ محمد إدريس العاصم بن محمد يعقوب بن غلام الله بن جامعي.
وأما لقبه العاصم فقد لقَّب به نفسه “نسبةً إلى الإمام عاصم بن أبي النجود الكوفي؛ من شدّة حبه له وتعلّقه به لقَّب به نفسه على عادة أهل القارة الهندية”([2])، وكان القاسم المشترك بينه وبين الإمام عاصم ما ذكره عن نفسه بأنه: “يحمي الناس من سوء قراءة القرآن”([3]).
مولده:
ولد في باكستان وتحديدًا في مدينة لاهور عام 1954م.
نشأته العلمية:
نشأ الشيخ رحمه الله وترعرع في مدينة لاهور، وفيها ترقى في مراتب التعليم الأوّلية، فدرس الابتدائية في المدرسة الحكومية القريبة من المسجد (تشينيانوالي).
وأما حفظ القرآن الكريم فقد كان والده يدفعه إليه دفعًا ويشجِّعه ويحضره مسجد (تشينيانوالي) ويريه الأئمة والقراءَ، ويبدي تمنّيه أن يكون أحد أبنائه إمامًا يقف في المحراب، وقد صلّى في مسجد (تشينيانوالي) مع والده خلف الشيخ داود غزنوي في رمضان، وتأثّر به كثيرًا، وقد بدأ بتعلم الحروف والهجاء وقراءة القرآن نظرًا على يد قاري عبد الغفار في مسجد (تشينيانوالي)، ثم انتقل إلى حلقة قاري صديق لكنوي وجلس عنده حوالي سنتين ونصف، ثم التحق بحلقة الشيخ إظهار أحمد التهانوي في مدرسته مدرسة تجويد القرآن الكريم، ولازمه أربع سنوات تقريبًا، وقرأ عليه القرآن كاملًا عام 1965م، بل وقرأ عليه القراءات العشر الصغرى والكبرى وأجيز بها منه، كما درس عليه التجويد في نفس المدرسة، وكان الشيخ إظهار أحمد التهانوي حينها شيخ عموم المقارئ في شبه القارة الهندية، ثم شيخ عموم المقارئ الباكستانية بعد استقلال باكستان عن الهند، ودرس على الشيخ بديع الزمان ترجمة القرآن الكريم واللغة العربية في نفس المدرسة.
ثم التحق بالمعهد الديني الأهلي المسمى بـ(الجامعة الإسلامية جوجرانوالا) وهي تبعد عن لاهور ١٥٠ كيلو تقريبًا، ودرس فيه الشيخ قريبًا من سبع سنوات، وتتلمذ فيها على الشيخ أبي البركات رحمه الله شيخ الحديث، وقرأ عليه صحيح البخاري ومسلم وسنن أبي دواد والترمذي وغيرها.
يقول تلميذه الشيخ الدكتور حافظ أنس نضر المدني: “كان الشيخ مدرِّسًا في باكستان قبل أن يلتحق بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، فقد كان يدرِّس القرآن والتجويد فيها، ثم التحق بالجامعة الإسلامية”([4]).
ونهم الشيخ العلمي لم يتوقّف عند هذا الحدّ، فحين علم بافتتاح كلية القرآن بالجامعة الإسلامية بمدينة المصطفى عليه الصلاة والسلام ورأى زملاءه يذهبون إليها لطلب العلم حثّ السّير والرحلة إليها، وقدَّم ملفه للالتحاق بها، فلم يقبل في المرة الأولى، ولكن أحد زملائه شفع له عند الشيخ عبد العزيز بن باز لكونه قارئًا مجوّدًا معروفًا في منطقته، فسرَّ الشيخ وقبله.
فالتحق بالجامعة وكان يغدو ومعه محابره وقماطره، يثني الركب عند أساتذتها وعمالقة القراءة فيها، وينهل من علومهم، ولازم منهم على وجه التحديد فضيلة الشيخ المقرئ عبد الفتاح المرصفي، وقد قرأ عليه ختمة كاملة بالقراءات العشر الصغرى وأجيز منه.
وعن ملازمته للشيخ المرصفي يقول الشيخ رحمه الله: “علمت وأنا طالب في الجامعة الإسلامية بالمدينة أن الشيخ المرصفي رحمه الله يمنح وقته للطلاب للقراءة عليه خارج الجامعة، فتعرفت عليه وطلبت وقتًا للقراءة، فطلب مني الحضور لمنزله وحضرت، فما إن استمع إليّ حتى سرَّ كثيرًا بقراءتي وأدائي، ولكن لم يعطني الفرصة للقراءة عليه إلا يومًا واحدًا في الأسبوع؛ لكثرة الطلبة عنده، ومع الأيام ازدادت حصتي عنده حتى غدوت أقرأ عليه كل يوم، ولازمته ثلاث سنوات ونصفًا، ختمت عليه فيها وأجازني بالصغرى والكبرى”([5]).
وبعد أن أتم دراسته بكلية القرآن الكريم انتقل إلى معهد إعداد الأئمة والخطباء برابطة العالم الإسلامي، ودرس به وأتم دراسته، يقول زميله في الجامعة الإسلامية الشيخ عبد الرب فيض: “زاملت الشيخ محمد إدريس العاصم، كان قد درس في باكستان ومنَّ الله عليه بإتمام دراسته هناك، ففيها أصّل تكوينه العلمي، ولكنه كان طالب علم نهم لم يشبع نهمه ما حصَّله في بلده، بل سافر إلى المدينة المنورة والتحق بكلية القرآن الكريم، وقد زاملته فيها أربع سنوات، ثم التحق هو بمعهد إعداد الأئمة والدعاة، وسكنَ في سَكنِ دار الحديث في الشامية، فاستمرت مزاملتي له في السكن في تلك الفترة”([6]).
أبرز شيوخه:
- الشيخ إظهار أحمد التهانوي، وهو شيخ عموم المقارئ في شبه القارة الهندية ثم شيخ عموم المقارئ الباكستانية.
- الشيخ عبد الفتاح المرصفي، وقد قرأ عليه ختمة كاملة بالقراءات العشر الصغرى ثم الكبرى وأجيز منه.
- الشيخ محمود سيبويه البدوي.
- الشيخ عبد الرافع رضوان الشرقاوي.
- الشيخ عبد الفتاح القاضي.
- الشيخ محمود عبد الخالق جادو.
- الشيخ عامر سيد عثمان.
- الشيخ سالم محيسان.
- الشيخ عبد الرازق إبراهيم موسى.
أخلاقه وصفاته:
عُرف الشيخ رحمه الله منذ بداية طلبه للعلم بكرمه ونبل أخلاقه وإيثاره لزملائه ممن كان معه، يقول زميله في الجامعة الإسلامية الشيخ عبد الرب فيض: “كان نِعم الصديق ونعم الصاحب، ومن خيرة الإخوة وأفضل الزملاء، وأكثر ما فيه أنه كان يؤثر زملاءه على نفسه ويكرمهم ويتحفهم بما عنده، وبعد أن رجع هو إلى باكستان كان كلّما سافرت إليه لا يرضى إلا بأن يستضيفني عنده ويكرمني أيما إكرام، وكان يرسل لي سيارة تأخذني من المطار أو محطة وصولي ويضيفني في منزله ويكرمني، وكان يقدّمني للصلاة ويتنحّى هو عن الإمامة، وكان يتنحّى عن كرسيه الذي يدرّس فيه ويجلسني في مكانه ويقول: (هذا زميلي وأخي الكبير) من تواضعه رحمه الله”([7]).
وكان الشيخ معروفًا بعنايته بالتذكير والوعظ، وكثيرا ما يجد من يجلس معه زيادةً في إيمانه ورفعةً في يقينه.
وكان متواضعا جدًّا، وكان يقلل من شأن خدمته للقرآن مع أنه أنفق عمره كلّه في القرآن، وكان دائما ما يتحرز من الرياء والسمعة، ويتعاهد إخلاصه وتنقيته من الشوائب، وكثيرًا ما يدعو: اللهم إنا نعوذ بك من الرياء والسمعة.
يقول أ. د. حافظ حمزة مدني: “هذه العناية بالتزكية وصفاء القلب وزيادة الإيمان مع التواضع الكبير واحتقار النفس لم أجده في غيره من المشايخ، مع أني قرأت على عدد من المشايخ في باكستان، ولا أعرف أحدا بكثرة التواليف والتلاميذ مثل الشيخ رحمه الله؛ لأنه كان يضحّي بوقته كله للقرآن، وكان لا ينام إلا سويعات منذ ثلاثين سنة”([8]).
أبرز جهوده:
ضرب السلف لنا أروع الأمثلة في العناية بالقرآن وبذل المهج وإفناء الأعمار في سبيله، وكانوا في ذلك متطلّعين للخيرية التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «خيركم من تعلّم القرآن وعلمه»([9]).
فجلس كثير من السلف في المساجد والحلق، وتركوا الصفق في الأسواق والسعي وراء الزراعة والصناعات لينالوا هذا الفضل العظيم، يقول أبو عبد الرحمن السلمي وهو أحد رواة الحديث الآنف الذكر: (وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا) وقد جلس للإقراء قريبًا من أربعين سنة.
والشيخ محمد إدريس العاصم لشدّة تعلّقه بالقرآن تعلُّمًا وتعليمًا تلقَّب بلقب العاصم كما ذكرنا، ثم كان وثيق الصلة بالقرآن الكريم؛ يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، وجلس لتعليمه للطلاب أكثر من خمسة عقود في لاهور في مسجد لاسوري واري، وكان يوصي الطلبة بإتقان أدائه وتجويد قراءته وإخراج الحروف من مخارجها والإتيان بأحكامها من مدود وغُنن وصفات وغيرها.
يقول تلميذه الدكتور حافظ أنس نضر المدني: “درّس الشيخ في باكستان علوم القرآن والقراءات والتجويد والأداء أكثر من خمسين سنة في باكستان”([10]).
ويزيد على ذلك تلميذه أ. د. حافظ حمزة مدني: “وبعد أن توفي الشيخ يحيى رسول نجري صار هو شيخ عموم المقارئ في جمهورية باكستان الإسلامية”([11]).
يقول الشيخ عبد الرب فيض: “عُرف رحمه الله بحزمه ودقّته في تدريس الطلاب، خاصة في إتقان الأداء القرآني، وكان ربما زجَر تلميذه لعدم إتقانه القرآن وأدائه، ولكن هذه الصورة سرعان ما تتغير إذا انتهى وقت الدراسة، فيلاطفهم بالكلام ويمازحهم ويتودّد إليهم وكأنه لم يكن مدرّسًا لهم قبل قليل، فتعامله مع الطلاب في مجلس الدرس غير تعامله معهم خارج الدرس”([12]).
وعن أخلاقه مع تلاميذه يقول تلميذه أ. د. حافظ حمزة مدني: “كان الشيخ شفيقا على تلاميذه، ولذا كان الطلاب يحبونه كثيرا؛ فلطفه ولينه مع الطلاب هو ما جعل له القبول وأصبح كثير التلاميذ، وحب الطلاب له كثيرًا ما يجعلهم يحبون القرآن ويتعلقون به، ومن أساليبه في ترغيب الطلاب في القرآن حكاية تراجم القراء من السلف ومن المعاصرين ممن توفي، وهذا معروف عنه، فهو كثير القراءة في تراجم القراء، كثير الحكاية عنهم، ويحرِّص المدرسين على ذلك، ولا أعرف أحدا من المشايخ يهتمّ بتراجم القراء مثله”([13]).
وفي آخر عمره بنى الشيخ مسجدا بجوار بيته في مدينة لاهور من خاصة جهده، وبنى بجواره مكتبة خاصة في القراءات، وهي من أكبر المكتبات في القراءات في باكستان.
وقد تولى الشيخ عددًا من المسؤوليات في حياته ومنها:
- مدير معهد القراءات المسمى المدرسة العالية تجويد القرآن الكريم في لاهور.
- خطيب الجامع الكبير محمد لاهور.
- مدير مدرسة تعليم القرآن والسنة للبنات لاهور.
- رئيس تحرير مجلة العاصم لاهور.
- رئيس لجنة المصاحف الذي طبع في مكتبة دار السلام لاهور.
- مشرف الحلقات القرآنية في بنجاب لاهور.
- أقام عددًا من الدروس العلمية والمحاضرات القيمة في المدارس والجامعات والمساجد.
أبرز مؤلفاته:
عني الشيخ رحمه الله بالتأليف خاصة في علم التجويد الذي كان يميل إليه، ومن أبرز مؤلفاته:
- حق التلاوة، في علم التجويد.
- تحبير التجويد.
- تحفة الإخوان في تجويد القرآن.
- زينة المصحف.
- شرح فوائد مكية.
- المقدمة الجزرية مع تحفة الأطفال مع ترجمتها للأردية.
- الفوائد السلفية على المقدمة الجزرية حاشية مختصرة.
- الفوائد العلمية في شرح المقدمة الجزرية المطولة، وهو غير مطبوع.
- قواعد التجويد، وهو مطبوع بمكتبة الدار السلام.
- قرآني تجويدي قاعدة، وهو مطبوع بمكتبة الدار السلام.
- سبحاني قاعدة، وهو للأطفال.
- الاهتداء في الوقف والابتداء.
- إبلاغ النفع في القراءات السبع.
- مفتاح الكنز في وقف حمزة وهشام على الهمز، وهو غير مطبوع.
- نفائس البيان في رسم القرآن.
- في علم الرسم القرآني.
- أحسن المقال في القراءات الثلاث.
- الكواكب الـنيـرة في وجوه الطيبة، وهي في القراءات العشر الكبرى.
- شرح طيـبـة النـشـر.
- نجوم الفرقان في عدد آي القرآن، وهو في علم عد الآي.
- اللولؤ والمرجان في قواعد ضبط القرآن، وهو غير مطبوع.
- متشابهات القرآن مع معلومات قرآنية.
وغيرها من المؤلفات.
وفاته:
توفي الشيخ رحمه الله يوم الأربعاء 13/ 7/ 1443هـ الموافق 16/ 2/ 2022م، عن عمر يناهز (73) سنة، رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) أفدت هذه الترجمة من المراجع التالية:
- حوار مع الشيخ أجرته مجلة (رشد) الشهرية التي تصدر عن كلية القرآن الكريم بجامعة لاهور الإسلامية باللغة الأردية، العدد (2) والصادر في شهر رمضان المبارك عام 1430هـ، الموافق لشهر سبتمر 2009م (ص: 778 وما بعدها)، وهو منشور على الرابط التالي:
http://www.urdumajlis.net/index.php?threads/30345/
- التواصل مع ذوي الشيخ كابنه أويس.
- التواصل مع تلاميذه ومنهم: د. حافظ حمزة مدني، د. حافظ أنس نضر المدني، الشيخ عبد الرب فيض.
([2]) أخبرني بذلك تلميذه أ. د. حافظ حمزة مدني يوم الجمعة بتاريخ 18/ 7/ 1443هـ.
([3]) حوار مجلة (رشد) الأردية، العدد (2) والصادرة في شهر رمضان عام 1430هـ، الموافق لشهر سبتمر 2009م.
([4]) ذكره لي الدكتور أنس نضر المدني يوم الخميس بتاريخ 17/ 7/ 1443هـ.
([5]) حوار مجلة (رشد) الأردية، العدد (2) والصادرة في شهر رمضان عام 1430هـ، الموافق لشهر سبتمر 2009م.
([6]) أملاه عليّ الشيخ عبد الرب فيض يوم السبت بتاريخ 18/ 7/ 1443هـ.
([7]) أملاه علي الشيخ عبد الرب فيض يوم السبت بتاريخ 18/ 7/ 1443هـ.
([8]) أخبرني بذلك يوم الجمعة بتاريخ 18/ 7/ 1443هـ.
([10]) ذكره لي الدكتور أنس نضر المدني بتاريخ 17/ 7/ 1443هـ.
([11]) أخبرني بذلك يوم الجمعة بتاريخ 18/ 7/ 1443هـ.
([12]) أملاه علي الشيخ عبد الرب فيض يوم السبت بتاريخ 18/ 7/ 1443هـ.