الرقص الصوفي: أصله، حكمه، جواب شبهات المجوزين
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
مقدمة:
فإن ذكر الله تعالى من أجلّ العبادات والطاعات التي تثمر للعبد الأحوال الإيمانية الشريفة؛ من وجل القلب، ودمع العين، واقشعرار الجلد، وطمأنينة النفس، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلمُؤمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وَإِذَا تُلِيَت عَلَيهِم ءَايَٰتُهُۥ زَادَتهُم إِيمَٰنًا وَعَلَىٰ رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال: 2]، وقال تعالى: ﴿ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحسَنَ ٱلحَدِيثِ كِتَٰبًا مُّتَشَٰبِهًا مَّثَانِيَ تَقشَعِرُّ مِنهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُم وَقُلُوبُهُم إِلَىٰ ذِكرِ ٱللَّهِ﴾ [الزمر: 23]، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إلى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰ أَعيُنَهُم تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا ءَامَنَّا فَٱكتُبنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ﴾ [المائدة: 83]. فهذا هو السماع الشرْعي الإيماني الذي يثمر للعبد الأحوال المرضية.
أما السماع الذي يثمر لصاحبه الرقص والقفز والتمايل والدوران والصراخ والعويل، فهو من السماع البدعيّ الشيطانيّ الذي أضلّ به الشيطان جِبِلًّا كثيرًا من الأمم الماضية ومن اتبع سنتهم من المنتسبين لهذه الأمة من جهَّال المتنسكة والمتصوِّفة، فجعلوا الرقصَ في مجالس سماعهم -التي يسمونها: (الحضرة)- من أعظم القرب التي يتقربون بها إلى الله تعالى، ويتوسَّلون بها للوصول للمقامات والأحوال البدعيّة والمكاشفات الشيطانيّة والأذواق الشهوانية، مضاهئين بذلك عبدة الأوثان.
وغرضنا في هذه الورقة بيان حقيقة هذه البدعة وجذورها وحكمها، مع بيان الشبهات التي استدل بها من يجوّزون هذه البدعة من الصوفية قديما وحديثًا. والله المستعان.
أولا: معنى الرقص وما يدخل فيه:
جاء في الموسوعة الفقهية في مادة (رقص): “تدور مواد اللفظ لغة على معاني الإسراع في الحركة والاضطراب والارتفاع والانخفاض. والزفن: الرقص، وفي حديث فاطمة أنها كانت تزفن للحسن أي: ترقصه.
واصطلاحا: عرف ابن عابدين الرقص بأنه التمايل والخفض والرفع بحركات موزونة”([1]).
فالرقص المقصود في بحثنا هذا هو: الحركات التي تصدر من الصوفية عند حضورهم السماع البدعيّ، ويدخل في ذلك: الدوران الذي اشتهرت به المولوية([2])، والتمايل يمينًا ويسارًا، والقفز، فضلا عن الرقص الذي فيه تكسّر وميوعة، وهو كذلك مما يفعله المتصوفة، خاصّة في ما يعرف بـ(الموالد)، وصارت تضجّ بعامة المنكرات والموبقات.
وليس كلامنا هنا في (السماع)؛ فإن السماع منه سماع شرعيّ محمود، ومنه ما هو بدعيّ مذموم([3])، وإنما الكلام في الرقص الذي يقترن بهذا السماع، وهو من البدع التي لم يختلف العلماء في ذمها، ومع ذلك تتابع عليها الصوفية حتى يومنا هذا، وبعض هؤلاء يخلط بين المسألتين؛ لكي يوهم السامع أن الرقصَ يجري فيه نفس النزاع الذي حدث في السماع، وليس كذلك، بل الرقص من البدع المتَّفق على ذمها ومنعها، كما سنبين إن شاء الله.
ثانيا:جذور هذه البدعة وكيف نشأت:
قال الله تعالى عن المشركين: ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُم عِندَ ٱلبَيتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصدِيَة﴾ [الأنفال: 35]، قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم: “المكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق”([4]).
فالتعبّد بالرقص والقفز والتمايل ليس من سنة الأنبياء وأتباعهم، وإنما هو من سنن المشركين وعبّاد الأوثان، قال ابن القيم رحمه الله في ذكر أحوال عباد الأوثان، وكيف لبس عليهم الشيطان دينهم: “وطائفة أخرى اتّخذت للقمر صنمًا، وزعموا أنه يستحق التعظيم والعبادة، وإليه تدبير هذا العالم السفلي. ومن شريعة عبادته: أنهم اتخذوا له صنما على شكل عجل يجره أربعة، وبيد الصنم جوهرة، ويعبدونه، ويسجدون له، ويصومون له أياما معلومة من كل شهر، ثم يأتون إليه بالطعام والشراب، والفرح والسرور، فإذا فرغوا من الأكل أخذوا في الرقص والغناء وأصوات المعازف بين يديه”([5]).
وقال القرطبي رحمه الله: “وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري”([6]).
وهو ما يؤكده الدكتور المسيري في موسوعته عن اليهود فيقول: “يُعتبَر الرقص واحدًا من أقدم الفنون على الإطلاق، عرفته جميع الأقوام والشعوب على مر العصور كجزء من طقوسها الدينية أو احتفالاتها الاجتماعية. ويوضح لنا كلٌّ من العهد القديم والتلمود ارتباط كثير من الرقصات باحتفالات وطقوس العبرانيين في التاريخ القديم، وهي رقصات لم تختلف كثيرًا في شكلها أو حركاتها أو أسلوب أدائها عن الرقصات السائدة بين الشعوب المحيطة بهم في تلك العصور”.
ثم يصف بعض هذه الرقصات التي تشبه تماما رقص الصوفية فيقول: “وهم يضربون الدفوف، ويرقصون رقصات تتميَّز بالحركات الدائرية التي تزداد سرعة واندفاعًا إلى أن يصل الراقصون إلى حالة من النشوة والابتهاج الغامر. وكان الأنبياء([7]) يعتقدون أن هذا الرقص يعمل على إنعاش الروح الربانية التي تتحدّث نيابةً عنهم، وهم في هذا يشبهون الدراويش”([8]).
فالتعبد بالرقص -أو كما يقال: (الرقص الديني)- معروف عند جميع الأمم الوثنية، وخاصة أصحاب الديانات الوثنية الشرقية وخاصة الهندية الذين اتخذوا إلها للرقص يدعى: (شيفا)، وجعلوا الرقص له والدوران حوله رمزًا لحركة العالم ودوران الأفلاك([9]).
فـعلى حد تعبير ول ديورانت: “الرقص إنما نشأ من الطقوس المقدسة”([10]) عند الأمم الوثنية. ومن يطالع رقص اليهود في صلواتهم يجد تشابها عجيبًا بينه وبين ورقص الصوفية؛ طبل وزمر، ودوران، وصياح وتصفيق، وهو بعينه ما يوجد في (حضرات) الصوفية.
وكذلك (الرقص الهندوسي) مشابه جدًّا للرقص الصوفي، ومعلوم مدى تأثر التصوف، بالفلسفة الهندية، كما أشار إلى ذلك البيروني في كتابه (تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة) في مواضع متعددة([11]). فالهندوس من أكثر الطوائف في العالم استخدامًا للرقص في عباداتهم وطقوسهم، وكذلك طوائف (السيخ) و(البوذية) وغيرها من الديانات الشرقية، يشيع فيها كلها ما يعرف بـ(الرقص الديني) أي: الرقص الذي يتعبَّدون به إلى آلهتهم.
ثالثا: فلسفة الرقص عند الصوفية:
اشتهرت مجالس الذكر عند الصوفية باسم: (الحضرة)، وهي اجتماع يستمع فيه المريدون للأغاني المهيّجة للمواجيد والمشاعر، على صوت المعازف خاصّة الطبل والناي، ويقوم المريدون بالرقص على هذه الأنغام، ويتفاوت المريدون في طريقة الرقص، فبعضهم يكتفي بالتمايل، والبعض يقوم بالدوران الذي يبدأ بطيئًا ثم تزداد سرعته مع زيادة الإيقاع، وبعضهم يصل للقفز الشديد، وبعضهم يرقص بتكسر وتخنّث، وفي بعض الأحيان يحدث اختلاط بين الرجال والنساء، خاصة في ما يعرف بـ(الموالد) التي تعجّ بأنواع من المنكرات والفواحش.
وفي كثير من الأحيان كذلك يعقد الصوفية هذا السماع والرقص في المساجد، فيضربون فيها بالدف والمعازف المحرمة، ويرفعون فيها أصواتهم بالصراخ والتصفيق، ويتراقصون على صوت المعازف بالدوران والقفز والتمايل.
ومن أشهر الطرق التي تعتمد الرقص كشعيرة من شعائرهم (المولوية) -أتباع جلال الدين الرومي (ت 672هـ)- فالرقص عندهم ليس مجرد انفعال بسبب تأثير السماع، وهو ما يسميه الصوفية: (الوجد)، وإنما هو شعيرة مقصودة عندهم لها دلالتها الفلسفية.
ويشرح أحد الصوفية -وهو عبد الغني النابلسي (ت 1143هـ)- دوران المولوية فيقول: “اشتملَ مجلس المولوية على تواجُدِهِم المألوف بدورانهم المعروف، وهي الحركة الدورية الفلكية في عالم الخلق والدورية التجددية في عالم الأمر”. ثم أخذ يشنع على الفقهاء الذين ينكرون هذه البدع والمحدثات فقال: “ولا يعرف كلامَنا هذا إذا بسطناه إلا العارفُ باللهِ تَعَالَى، فلا نطيلُ بذكره؛ فإنَّ المتفقِّه الجاهل كالحمار الناهق لا يعرف من لذائذ المأكل إلا أكل الشعير والتبن”([12]).
فرقص المولوية بالثياب المعروفة، وبالطريقة الدائرية حول الشيخ الذي يكون في مركز الدائرة، كل هذا يرمزون به لأمور عندهم يزعمونها، فيشبّهون حركة الدراويش بحركة الأفلاك الدائرية حول الشمس، ويظهر من هذا التأثر الواضح بالفلاسفة الصابئة الذين كانوا يعبدون الكواكب والنجوم.
وأما عامة المتصوفة فرأوا في الرقص المصحوب بالسماع سبيلا لتحصيل الحالة القلبية التي يرومون الوصول إليها، حيث يتخلص المريد من الشعور بذاته، وكلما زاد الرقص عنفًا غاب الراقص عن الوعي أكثر وأكثر، حتى إنه يخر مغشيًّا عليه في أكثر الأحيان، وكل هذه أحوال ممدوحة ومطلوبة للمريد، في سبيل تجربته للوصول للفناء الذي يتلاشى فيه شعوره بذاته؛ بزعم الاستغراق في شهود الحق([13]).
وبعضهم يزعم أن للرقص تأثيرًا في دفع الخواطر السيئة، وتقليل الشهوة، خاصة عند الشباب، ويشرح أحد المتصوفة ذلك بقوله: “وأما عن رقص الشبان في السماع، فإن الشبان لا تخلو أنفسهم من الشهوة، ويغلب عليهم هوى النفس. ومن المؤكد أن الشهوة تتملك جميع الأطراف، فإذا ما صفّقوا تبددت الشهوة من أيديهم، وإذا ما رقصوا قلَّت الشهوة من أرجلهم. وعندما تنقص الشهوة من أطرافهم على هذا النحو، فإنهم يستطيعون أن يصونوا أنفسهم من الكبائر الأخرى. ولكن عندما تتجمع الشهوات -والعياذ بالله- فإنهم يعجزون عن صيانة أنفسهم من الوقوع في الكبائر. فالأولى أن يبدّدوا نيران تلك الشهوة في السماع أكثر منه من أي شيء آخر”([14]).
ويقول غيره: “الرقص والأصوات كلها إنما وضِعت لدفع الخواطر”([15]).
ومنهم من اعتبر الرقص حركةً اضطرارية، صاحبها مغلوب عليها بتأثير السماع وما يحدثه في نفسه من طرب وسكر، يقول الشيخ أحمد زروق في ذلك: “يعذر الواحد بحالة لا يملك نفسه فيها، وله حكم المجنون في حاله، بسقوط اعتبار أفعاله، وعدم جري الأحكام عليه إن تحقّق وجود الحالة منه، ويلزمه استدراك الفائت كالسكران لتسبّبه في الأصل… ومن ذلك الرقص ونحوه. وبالجملة فلا عتب على معذور، لم يقصد المخالفة بوجه لا يمكنه غير ما فعل، لعدم ضبط حركاته”([16]).
وفي الجملة فإن الرقص الصوفي يعود لسببين:
1- إما بغرض التهذيب -بزعمهم- والتجرد والتخلص من الشعور بالذات، طلبا للفناء الذي يحومون حوله.
2- وإما تعبيرا عن الحالة التي يحدثها السماع، وهو ما يسمونه: (الوجد)، وهذا الوجد إن كان بغير اختيار فهو وجد، وإن كان بتكلف فهو (تواجد)، كمن يتكلف الرقص والتمايل طلبًا للوصول للحالة النفسية المطلوبة.
مذهب أبي حامد الغزالي في الرقص الصوفي:
عقد الغزالي في (الإحياء) فصلا كبيرًا للسماع والرقص، وبين أثره على النفس، وضرورته للمريد، فالقلوب -بحسب تعبيره- “لا سبيل إلى استثارة خفاياها إلا بقوادح السماع، ولا منفذ إلى القلوب إلا من دهليز الأسماع، فالنغمات الموزونة المستلذة تخرج ما فيها وتظهر محاسنها أو مساويها”([17]).
وإذا كان السماع مشروعًا -كما يرى الغزالي- فإن ما يثمره السماع -وهو الوجد ومنه الرقص- يكون مطلوبا ومشروعًا ومستحسنًا، يقول: “ويثمر السماع حالة في القلب تسمّى: الوجد، ويثمر الوجد تحريك الأطراف، إما بحركة غير موزونة فتسمى: الاضطراب، وإما موزونة فتسمى: التصفيق والرقص”([18]).
ثم يقسم الغزالي هذا الوجد إلى وجد يهجم على الإنسان عند السماع بغير قصد ولا تكلّف منه، وتواجد يتكلّفه صاحبه كتكلف التباكي والرقص، ولا يعتبر هذا التكلف مذموما إلا إذا كان على سبيل الرياء، فيقول: “ولكن إن رقص أو تباكى فهو مباح إذا لم يقصد به المراءاة”([19]).
بل ويذهب الغزالي إلى اعتبار تمزيق الثياب عند الذكر بسبب غلبة الوجد من الأحوال المحمودة، فيقول: “وأما تمزيق الثياب فلا رخصة فيه إلا عند خروج الأمر عن الاختيار، ولا يبعد أن يغلب الوجد بحيث يمزّق ثوبه وهو لا يدري؛ لغلبة سكر الوجد عليه، أو يدري ولكن يكون كالمضطر الذي لا يقدر على ضبط نفسه”([20]).
ثم يلتمس التأويل لما اعتادته الصوفية من تمزيق ثيابهم بعد انتهاء الوجد وسكونهم، وهو ما ينفي حالة غلبة الوجد التي برّر بها هذه الحماقة، فقال: “فإن قلت: فما تقول في تمزيق الصوفية الثياب الجديدة بعد سكون الوجد والفراغ من السماع، فإنهم يمزقونها قِطَعًا صغارًا ويفرقونها على القوم ويسمّونها: الخرقة؟ فاعلم أن ذلك مباح إذا قطع قِطعًا مربعة تصلح لترقيع الثياب والسجادات”([21]).
صوفيون سبقوا الغزالي في تبرير الرقص الصوفي:
والغزالي وإن كان أبرز من دافع عن هذه الخزعبلات والبدع وأصبغ عليها لبوس الشرع كما هي عادته في صبغ كلام المتفلسفة بكلام الشرع؛ إلا أنه ليس أول من ابتدع هذه البدعة ودافع عنها، بل هو مسبوق ببعض الصوفية الذين مدحوا الرقص وزينوه.
ففي كتابه (الأربعون في التصوف) ذكر أبو عبد الرحمن السلمي (ت 412هـ) بابا بعنوان: (باب ما جاء في الرقص)، أورد فيه عن سعيد بن المسيب: “أنه مر في بعض أزقة مكة، فسمع الأخضر الجدي يتغنى في دار العاص بن وائل:
تضوع مسكا بطن نعمان إن مشت … به زينب في نسوة عطرات
فلما رأت ركب النميري أعرضت … وكن من أن يلقينه حذرات
قال: فضرب برجله الأرض زمانا وقال: هذا ما يلذ سماعه”([22]).
وأورد في كتابه (طبقات الصوفية) عن أحمد بن عطاء الروذَباري (ت 369هـ) -أحد شيوخ الصوفية- قوله: “الْحَرَكَة فِي السماع على ثَلَاث: الطَّرب وَالْخَوْف والوجد، والطرب لَهُ ثَلَاث عَلَامَات: الرقص والتصفيق والفرح، وَالْخَوْف لَهُ ثَلَاث عَلَامَات: الْبكاء واللطم والزفرات، والوجد لَهُ ثَلَاث عَلَامَات: الْغَيْبَة والاصطلام والصرخات”([23]).
فجعل الرقص أثرًا من آثار السماع المحمودة، وجعله تعبيرًا عن الفرح والسرور بذكر الله والشوق إلى لقائه وشهود مشاهد الإيمان.
وفي كتابه (اللمع في التصوف) -وهو أقدم مصنف صوفي موجود- عقد السراج الطوسي (ت 378هـ) بابا في السماع والوجد، ونقل فيه جملة من أحوال الصوفية مع السماع، وخلاف الصوفية في أيهما أفضل: الحركة مع السماع أم السكون؟ وملخص الجواب الذي نقله عن أبي سعيد بن الأعرابي (ت 340هـ): “أن الواردات من الأذكار منها ما يوجب السكون، فالسكون فيها أفضل من الحركة، ومنها ما يوجب الحركة، فالحركة فيها أتم؛ إذ حكمها القهر لأهلها، فإذا لم يقم بهذا القهر كان الوارد ضعيفًا”([24]).
والحركة المقصودة تشمل القفز والتمايل والرقص والدوران ونحوها مما يفعله المتصوفة عند السماع.
وأما مشايخ التصوف القدامى فمنهم من روي عنه تحسين الرقص والاستدلال عليه، فلما سئل يحيى بن معاذ الرازي (ت 258هـ) عن الرقص أنشأ يقول:
دَقَقْنَا الْأَرْضَ بِالرَّقْصِ … عَلَى غَيْبِ مَعَانِيكَا
وَلَا عَيْبَ عَلَى الرَّقْصِ … لِعَبْدٍ هَائِمٍ فِيكَا
وَهَذَا دقُّنا الْأَرْضَ … إِذَا طُفْنَا بِوَادِيكَا([25])
وهذا يعني أن الرقص إذا كان تعبيرًا عن المحبة والوجد فهو محمود -بزعمهم- ولا عيب فيه.
وهذا الخبر يدلنا عن انتشار هذه البدعة من قديم، وأنها صارت ظاهرة في مجالس السماع الصوفي، حتى صار بعضهم يستغرب من تركه، ولذلك يروى عن “أبي مُحَمَّد الجريري رحمه الله أَنَّهُ قَالَ: كنت عِنْدَ الجنيد وهناك ابْن مسروق وغيره، وثَم قوال، فقام ابْن مسروق وغيره والجنيد ساكن، فَقُلْتُ: يا سيدي، مَا لك فِي السماع شَيْء؟ فَقَالَ الجنيد: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: 88]”([26]).
وهذه الحكاية تدلّ على اشتهار الرقص المقترن بالسماع منذ القدم، وأنه كان معروفًا في مجالسهم، وأنهم وإن اختلفوا في الحكم عليه، وهل يستحسن من كلّ أحد أم من بعض الناس دون بعض؟ وهل يشرع تكلُّفه -وهو التواجد- طلبًا للوجد أم يكون هذا مذموما؟ كل هذا الخلاف النظري لا أثر له في الواقع الصوفي من قديم الزمان، فكل من يتتبع أحوال الصوفية -سواء من المنتمين لها والمدافعين عنها، أو من الناقدين لها- يدرك بوضوح وجلاء مدى شيوع مسألة الرقص أثناء السماع، واعتباره نوعًا من الوجد والتأثر المحمود بالسماع. ولا تخلو مجالسهم غالبًا من القفز أو الدوران أو التمايل أو غير ذلك من مظاهر التواجد المعروفة.
وهذا -كما ذكر ابن القيم- يبيّن خطر مآلات البدعة، فإن هذه البدعة بدأت بالسماع البدعي للقصائد المرقِّقة، ثم زادوا فيها استعمال الآلات التي أخفُّها (التغبير) الذي أنكره الشافعي رحمه الله، ثم زادوا في الآلات الدفوف والزّمر والناي، ثم زادوا الرقص الذي هو استخفاف الشيطان بأحدهم، وركوبه على كتفه، ودقُّه برجليه في صدره، وكلما دقَّه برجليه ورقَص على صدره رقص هو كرقص الشيطان عليه، وهذه الصورة لا يختلف العلماء في الحكم عليها، وأنها بدعة ضلالة، إلا من شذ من بعض الصوفية الجهال.
رابعا: شبهات الصوفية في تجويز الرقص:
1- استدلالهم بالإباحة الأصلية، فقالوا: إن الرقص لا يزيد على القفز أو الدوران أو حركات بالجسد، وهي في أصلها مباحة، وهي تعبير عن الفرح والسرور، فما وجه المنع منها؟
قال الشيخ أحمد بن عجيبة الصوفي (ت 1224هـ): “الرقص وقعَ فيه اضطراب كثير بين الصوفية وعلماء الشريعة، والتحرير في المسألة أن نقول: الأصل في الرقص هو الإباحة؛ إذ لم يرد نصّ عن الشارع فيه بتحريم ولا إباحة، بل ظواهر النصوص تقتضي الإباحة، وإنما حرَّمته الأئمة لما قارنه من تعاطي أهل الفساد بجمع النساء والشبان”([27]).
والجواب من وجهين:
الأول: أنا لا نسلم بالإباحة الأصلية، فإن للعلماء في الرقص -الذي هو عادة ولعب- ثلاثة أقوال: التحريم وهو قول الأحناف والمالكية وابن عقيل من الحنابلة. والثاني: الكراهة وهو قول الحنابلة. والثالث: الإباحة وهو قول الشافعية([28]).
وقيد الشافعية الإباحة بألا يكون فيه تثنٍّ أو تكسّر فيحرم، قال النووي رحمه الله: “والرقص ليس بحرام، قال الحليمي: لكن الرقص الذي فيه تثن وتكسّر يشبه أفعال المخنّثين حرام على الرجال والنساء”([29]).
وقيد الشافعية ذلك بعدم الإكثار أيضًا، وإلا فلو أكثر منه كان ذلك مسقطًا للمروءة، قال النووي رحمه الله: “ما حكمنا بإباحته في هذه الصورة قد يقتضي الإكثار منه ردّ الشهادة، لكونه خارمًا للمروءة”([30]).
وهذا كله ما لم يقترن بالرقص محرّم آخر، كالمعازف أو كشف العورات أو غيرها من المحرمات، فيحرم اتفاقا.
الوجه الثاني: أنه ليس كلّ ما كان مباحًا في أصله شرع التقرب بفعله؛ لأن العبادات مبناها على التوقيف، وأمثلة ذلك كثيرة، فمثلا: كشف الرأس والقيام وأكل اللحم، كل هذا مباح في أصله، ولو تقرب أحد إلى الله بذلك كان بدعة بالاتفاق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وأما (الرقص) فلم يأمر الله به ولا رسوله، ولا أحد من الأئمة، بل قد قال الله في كتابه: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ}، وَقَالَ فِي كِتَابِهِ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} أي: بسكينة ووقار. وإنما عبادة المسلمين الركوع والسجود”([31]).
وقال أيضا: “اتخاذ الضرب بالدّفّ والغناء والرقص عبادة هو من البدع التي لم يفعلها سلف الأمة ولا أكابر شيوخها؛ كالفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والسري السقطي وغير هؤلاء. وكذلك أكابر الشيوخ المتأخرين؛ مثل الشيخ عبد القادر والشيخ عدي والشيخ أبي مدين والشيخ أبي البيان وغير هؤلاء، فإنهم لم يحضروا (السماع البدعي) بل كانوا يحضرون (السماع الشرعي) سماع الأنبياء وأتباعهم كسماع القرآن”([32]).
وقال ابن القيم رحمه الله: “فإنَّ كثيرًا من الأفعال قد يكون مباحًا أو مكروهًا أو محرمًا، إما بالاتفاق، أو فيه نزاع بين العلماء، فيستحسنه طائفة من الناس ويفعلونه على أنَّه قربة وطاعة ودين يتقربون به إلى الله، حتى يعدُّون من يفعل ذلك أفضل ممن لا يفعله، وربما جعلوا ذلك من لوازم طريقهم إلى الله، أو جعلوه شعارَ الصالحين وأولياء الله، ويكون ذلك خطأ وضلالًا، ودينًا مبتدعًا لم يأذن به الله”([33]).
وقال أيضا: “وبالجملة فالكلام في السماع على وجهين:
أحدهما: سماع اللهو واللعب والطرب، فهذا يقال فيه: مكروه أو محرم أو باطل، أو مُرخَّص في بعض أنواعه.
والثاني: السماع المحدَث لأهل الدين والقُربة، فهذا يقال فيه: إنه بدعة وضلالة، وإنه مخالف لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع السالفين جميعهم”([34]).
وسوف يأتي مزيد نقول في ذلك تؤكّد اتفاق أهل العلم على حرمة اتخاذ الرقص قربة إلى الله تعالى، وهو ما يبيّن الفرق بين كون الشيء في أصله مباحًا على سبيل اللهو واللعب والترفيه، وبين اتخاذه عبادةً يُتقرَّب بها إلى الله تعالى.
2- ومن أدلتهم أيضا قولهم: إن هذا الرقص والحركة الناشئة عن الوجد مما يُغلب عليها صاحبها، وما كان كذلك فسبيله الإعذار.
قال ابن عربي: “أهل السماع يتفاوتون في حال سماعهم، فمنهم من يغلب عليه في حال سماعه الخوف أو الشوق، ومنهم من يغلب عليه الرجاء والفرح والاستبشار، فيؤديه إلى الطرب والرقص والتصفيق”([35]). وسبق كلام الشيخ زروق في من يغلبه الوجد، فراجعه.
والجواب من أوجه:
أولها: أن الله تعالى لم يمدح هذه الأحوال، ولم يثن على أصحابها، فلو كانت أحوالا محمودة ناشئة عن الخشوع المحمود لمدح الله أصحابها، ولكن لا ذكر لذلك في كتاب الله تعالى، ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ثانيها: أن الصحابة رضي الله عنهم لم تؤثَر عنهم هذه الأحوال عند السماع الشرعي الإيماني، وإنما أُثِر عنهم وجل القلب ودمع العين واقشعرار الجلد وطمأنينة القلب، فهذه هي المواجيد الشرعية الإيمانية، وقد كانوا أعظم إيمانا ممن جاء بعدهم.
ثالثها: أن الذي يمكن تصور وقوعه من ذلك بغير اختيار هو الاضطراب والإغماء والصراخ، ونحو ذلك مما يحدث لمن هجم عليه أمر لا يقدر على تحمّله. وهذا الذي وجد في بعض العباد من التابعين، ولم يكن موجودًا في الصحابة رضي الله عنهم ولا في كبار علماء التابعين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “فلما ظهر ذلك أنكر ذلك طائفة من الصحابة والتابعين كأسماء بنت أبي بكر وعبد الله بن الزبير ومحمد بن سيرين ونحوهم. والمنكرون لهم مأخذان: منهم من ظنّ ذلك تكلفًا وتصنعًا، يذكر عن محمد بن سيرين أنه قال: ما بيننا وبين هؤلاء الذين يصعقون عند سماع القرآن إلا أن يقرأ على أحدهم وهو على حائط، فإن خر فهو صادق. ومنهم من أنكر ذلك لأنه رآه بدعة مخالفا لما عرف من هدي الصحابة كما نقل عن أسماء وابنها عبد الله. والذي عليه جمهور العلماء أن الواحد من هؤلاء إذا كان مغلوبا عليه لم ينكر عليه، وإن كان حال الثابت أكمل منه”([36]).
ويبين في موضع آخر سبب عدم الإنكار عليهم فيقول: “وأما جمهور السلف والأئمة فلا ينكرون ذلك؛ فإن السبب إذا لم يكن محظورًا كان صاحبه فيما تولّد عنه معذورًا”([37]).
فالذين عذروهم عذروهم إذا كان ذلك ناشئا بغير تقصير أو سبب محرم، ولم يكن ذلك تكلّفًا ولا رياء ولا تصنّعًا، أما إذا كان ذلك بسبب السماع غير الشرعي، كسماع الغناء والمعازف، فمثل هذا مذموم.
وأما مسألتنا -وهي الرقص عند السماع كما هو في حلقات الصوفية- فهذا محدث مبتدع بعد القرون الثلاثة الذين أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأجمع علماء الإسلام على النهي عنه وحرمته كما سيأتي إن شاء الله.
وهذا الرقص لا يتصوّر فيه أن يكون غلبة بغير اختيار، ومن يشاهد رقص المولوية الذي هو دوران منتظم حول شيخ في وسط الحلقة أو القفز المنتظم أو غيرها من صور الرقص التي هي إيقاع منتظم كما يفعلها الصوفية في مجالسهم يجزم أنهم يتكلفونها ويتصنعونها، ولا يمكن أن تكون حركة اضطرارية بزعم غلبة الوجد.
قال ابن الجوزي رحمه الله: “ومن يصحّح لهؤلاء غَيبتَهم وهم يعرفون المغني من غيره، ويحذرون من بئر إن كانت عندهم؟!”([38]).
رابعها: أننا لو فرضنا أنهم يُغلبون على هذه الحالة، فإنهم لا يعذرون إذا دخلوا فيها باختيارهم، أي: فعلوا مسبباتها. يقول ابن الجوزي رحمه الله: “ثم لو قدرنا أن القوم يصيحون عَنْ غَيبة فَإِن تعرضهم لما يغطّي عَلَى العقول من سماع مَا يطرب منهيّ عنه كالتعرض لكل مَا غالبه الأذى، وَقَدْ سئل ابْن عقيل عَنْ تواجدهم وتخريق ثيابهم فَقَالَ: خطأ وحرام، وقد نهى رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إضاعة المال وعن شقّ الجيوب، فَقَالَ لَهُ قائل: فإنهم لا يعقلون مَا يفعلون، قَالَ: إن حضروا هذه الأمكنة مَعَ علمهم أن الطرب يغلِب عليهم فيزيل عقولهم أثموا بما يدخل عليهم من التخريق وغيره مما يفسد، ولا يسقط عنهم خطاب الشرع؛ لأنهم مخاطبون قبل الحضور بتجنّب هذه المواضع التي تفضي إلى ذلك”([39]).
3- ومن أدلتهم على ذلك: ما في هذا الرقص من فوائد ومصالح للقلب والروح، مثل التخلص من الشهوات، أو الإعانة على الوصول للفناء الذي يفتح باب المكاشفات، أو غيرها من المصالح التي يزعمونها في الرقص.
والجواب: أن الاستحسان بالذوق والوجد هو نوع من اتباع الهوى، وليس من أدلة الشرع، وقد كتب الشافعي رحمه الله كتابه (إبطال الاستحسان)([40]) ومراده الاستحسان بالهوى الذي لا يستند للشرع. ومثل هذا أنكره جميع العلماء حتى شيوخ الصوفية الكبار؛ فإنهم صرحوا بأن مواجيدهم وأذواقهم محكومة بالشرع، لا حاكمة عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “هذا السماع لو كان مصلحة شرعية لشرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، وإذا وجد فيه منفعة لقلبه ولم يجد شاهد ذلك لا من الكتاب ولا من السنة لم يلتفت إليه. قال سهل بن عبد الله التستري: كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل. وقال أبو سليمان الداراني: إنه لتلمّ بقلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة. وقال أبو سليمان أيضا: ليس لمن أُلهم شيئا من الخير أن يفعله حتى يجد فيه أثرا، فإذا وجد فيه أثرا كان نورا على نور. وقال الجنيد بن محمد: علمنا هذا مقيدٌ بالكتاب والسنة، فمن لم يقرأ القرآن ولم يكتب الحديث لا يصلح له أن يتكلم في علمنا”([41]).
وقال ابن القيم رحمه الله ردًّا على من يستدل بمثل ذلك على إباحة السماع البدعي: “يجب أن يُعرف أن المرجع في القُرَب والطاعات والديانات بين ما يحبه الله ويرضاه وبين ما يسخطه ويكرهه إلى الله ورسوله، لا إلى رأي ولا قياس ولا ذوق ولا وجد ولا استحسان ولا تقليد ولا منام ولا كشف، ولا (حدثني قلبي عن ربي)، ولا (خُوطِبتُ وقيل لي)، ولا (رأيتُ فلانا يفعل وهو ممن اعتُقِد فيه الخيرُ)، أو (كان فلان يفعل وهو ممن يُحسَن به الظنُّ)، ونحو ذلك، فليس لأحد أن يبتدع دينًا لم يأذن به الله ويقول: هذا يحبه الله؛ لأنه يوصل إلى محبوب الله، بل بهذه الطريق بُدِّلَ دينُ الله وشرائعه، وابتُدِعَ الشرك وكل ما لم ينزِّل به سلطانًا… ولهذا اشتدّت وَصاة الشيوخ المستقيمين بهذا الأصل، وأخبروا أن من عدل عنه فهو مطرود وعن طريق قصده مصدود”([42])، ثم نقل جملة من أقوالهم في ذلك.
وغالب ما يحصل للراقص في هذه الجلسات هو نوع من الراحة النفسية الناشئة عن كثرة الحركة، مثلها كسائر الرياضات التي تهدّئ التوتّر والقلق والاضطراب، وهذا يعرف في العلاج النفسي بـ(العلاج بالأداء الحركي)، فليست هذه حالة إيمانية كما قد يظن، بل هي حالة نفسية مشتركة، يجدها عباد الأوثان كالهندوس والأصنام والمبتدعة، ولا شأن لها بتحريك القلوب للآخرة ولا للأحوال الإيمانية الشرعية.
وما أحسن ما قاله ابن الجوزي في ذلك: “أيُّ معنى فِي الرقص إلا اللعب الذي يليق بالأطفال؟! وما الذي فيه من تحريك القلوب إلى الآخرة؟! هذه وَالله مكابرة باردة. ولقد حَدَّثَنِي بعض المشايخ عَنِ الغزالي أنه قَالَ: الرقص حماقة بين الكتفين لا تزول إلا بالتعب”([43]).
وكذلك يقال: وجود مصلحة من فعل معين لا يستلزم الإباحة، فإن الشريعة قد تنهى عما فيه مصلحة مرجوحة، إذا كان الفعل مشتملا على مفسدة راجحة، فالشريعة تنهى عما مفسدته خالصة أو راجحة، وتبيح ما مصلحته خالصة أو راجحة.
ومن أعظم مفاسد السماع والرقص أنه يصدّ صاحبه عن القرآن والانتفاع به، ولذلك من غلبت عليه هذه الأحوال لا ينتفع بالسماع الإيماني، ولا تظهر عليه المواجيد الإيمانية، من دمع العين ووجل القلب والسكون والخشوع والطمانينة، فما من بدعة إلا وتزيل ما قابلها من السنة.
ثم كثيرًا ما يجرّ هذا الرقص مع السماع والمعازف لخروجه عن التحكم في أفعاله، فيدفعه ذلك لمنكرات تخالف الشرع، كتمزيق الثياب، وفيه إتلاف للمال كما لا يخفى. ومن شاهد أحوال هؤلاء علم أن أمرهم يؤول إلى فساد عظيم نسأل الله العفو والعافية.
4- استدلالهم بقوله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ يَذكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِم﴾ [آل عمران: 191]، وقوله تعالى: ﴿وَرَبَطنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِم إِذ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ لَن نَّدعُوَاْ مِن دُونِهِۦ إِلَٰها لَّقَد قُلنَا إِذًا شَطَطًا﴾ [الكهف: 14].
قال ابن عطية في تفسيره: “وبهذه الألفاظ التي هي (قاموا فقالوا) تعلقت الصوفية في القيام والقول”([44]).
والجواب: ما ردّ به القرطبي على استدلالهم هذا فقال: “وهذا تعلّق غير صحيح؛ هؤلاء قاموا فذكروا الله على هدايته، وشكروا لما أولاهم من نعمه ونعمته، ثم هاموا على وجوههم منقطعين إلى ربهم خائفين من قومهم، وهذه سنة الله في الرسل والأنبياء والفضلاء الأولياء. أين هذا من ضرب الأرض بالأقدام والرقص بالأكمام وخاصة في هذه الأزمان عند سماع الأصوات الحسان من المرد والنسوان؟! هيهات بينهما والله ما بين الأرض والسماء. ثم هذا حرام عند جماعة العلماء”([45]).
وقال الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي الحنفي (ت 956هـ): “ومن جملة الحماقة استدلال بعض من يدّعي العلم منهم على إباحة الرقص والدوران المذكور بقوله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ يَذكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِم﴾، وهذا الاستدلال منه أبعد شيء عن العلم؛ فإن مفهوم الآية تعميم الأحوال التي اعتوارها على الإنسان ضروري بالذكر، وأين هي من حالة زائدة ذمها الشرع والعقل، يجب تنزيه الذكر عنها كما يجب تنزيهه عن حالة التغوط ومخالطة النجاسات وسائر أنواع الفسق؟! فإن الرقص المذكور من جملة الفسق”([46]).
وتفسير آية آل عمران بالرقص تفسير باطل مخالف لإجماع المفسرين في الآية، فإن الآية تدل على ذكر الله في كل حال، كما ورد في الحديث: “كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَذْكُرُ اللهَ علَى كُلِّ أحْيَانِهِ”([47])، أو تدل على جواز الصلاة قياما أو قعودًا أو على جنب للمريض، وكلام جميع المفسرين يدور حول هذين المعنيين([48])، فتفسير الآية بالرقص باطل مخالف للإجماع.
5- استدلالهم بقوله تعالى: ﴿ٱركُض بِرِجلِكَ﴾ [ص: 42].
والجواب: ما ذكره ابن الجوزي رحمه الله في ردّه هذا الاستدلال الساقط بقوله: “وهذا الاحتجاج بارد؛ لأنه لو كان أمر بضرب الرجل فرحًا، كان لهم فيه شبهة، وإنما أمر بضرب الرجل لينبع الماء”.
ثم نقل عن ابن عقيل ردَّه على هذا الاستدلال فقال: “أين الدلالة فِي مبتلًى أمر عند كشف البلاء بأن يضرب برجله الأَرْض لينبع الماء إعجازًا من الرقص؟! ولئن جاز أن يكون تحريكُ رِجلٍ قد أنحَلَها تحكُّم الهوامّ دلالةً عَلَى جواز الرقص فِي الإسلام جاز أن يجعل قوله تعالى لموسى: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ} دلالة عَلَى ضرب الجماد بالقضبان، نعوذ بالله من التلاعب بالشرع”([49]).
وقال القرطبي: “استدلّ بعض جهال المتزهدة وطغام المتصوفة بقوله تعالى لأيوب: ﴿ٱركُض بِرِجلِكَ﴾ على جواز الرقص”([50])، ثم ساق كلام ابن الجوزي وابن عقيل السابقين.
6- استدلالهم بقوله تعالى: ﴿إِذَا زُلزِلَتِ ٱلأَرضُ زِلزَالَهَا﴾ [الزلزلة: 1].
وقد نقل الذهبي رحمه الله عن الحريري الصوفي (ت: 645هـ) أنه سئل: ما الحجة في الرقص؟ قال: ﴿إِذَا زُلزِلَتِ ٱلأَرضُ زِلزَالَهَا﴾([51]).
والجواب: أنه استدلال ساقط فاسد، والحريري المذكور نقل عنه الذهبي في ترجمته ما يدلّ على زندقته وفساده، ومثل هذا لا يُلتفت لكلامه أصلا، لولا أن القوم يتعلّقون بخيط العنكبوت؛ ليقيموا بدعهم.
وليس في الآية ما يدلّ على الرقص، لا نصّا، ولا تأويلا، ولا إشارة، بوجه من الوجوه، وإنما هو العبث بالشريعة ونصوصها.
7- استدلالهم بحديث لعب الحبشة في المسجد، وهو من أشهر أدلتهم على ذلك.
فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتِ الْحَبَشَةُ يَزْفِنُونَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَرْقُصُونَ، وَيَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ عَبْدٌ صَالِحٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَقُولُونَ؟» قَالُوا: يَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ عَبْدٌ صَالِحٌ([52]). والزفن: هو الرقص.
وقد استدل به الغزالي في (إحيائه) على جواز الرقص الصوفي في المسجد([53]).
والجواب من وجوه:
أولا: أن فعل الحبشة لم يكن على سبيل التعبّد والذكر، وإنما كان على سبيل اللعب واللهو المباح، وهو يدخل في باب العادات، خلافا للرقص مع الذكر واعتباره خشوعًا وتوجّدًا ناشئا عن الذكر، فهذه بدعة بالاتفاق.
ثانيا: أن رقص الحبشة المقصود به لعبهم بالحراب، وليس الرقص المشابه لرقص الصوفية.
قال النووي رحمه الله في شرح قوله: (يزفنون): “ومعناه: يرقصون، وحمله العلماء على التوثب بسلاحهم ولعبهم بحرابهم على قريب من هيئة الراقص؛ لأن معظم الروايات إنما فيها لعبهم بحرابهم، فيتأول هذه اللفظة على موافقة سائر الروايات”([54]).
ثالثا: أن لعب الحبشة كان في حقيقته تدريبًا على القتال، فهو من اللعب المحمود الذي يستعان به على الجد.
قال ابن الجوزي رحمه الله: “وكذلك زفن الحبشة نوع من المشي بتشبيب يفعل عند اللقاء بالحرب”([55]).
وقال النووي رحمه الله: “فيه جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد، ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد”([56]).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “قال الزين بن المنيِّر: سماه لعبا وإن كان أصله التدريب على الحرب -وهو من الجدّ- لما فيه من شبه اللعب لكونه يقصد إلى الطعن ولا يفعله”([57]).
وقال أيضا: “واستدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه”([58]).
رابعا: نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله عن أبي العباس القرطبي ردًّا على الصوفية الذين يستدلّون بهذا الحديث على جواز الرقص والغناء، فقال: “وأما ما ابتدعه الصوفية في ذلك فمن قبيل ما لا يختلف في تحريمه، لكن النفوس الشهوانية غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير، حتى لقد ظهرت من كثير منهم فعلات المجانين والصبيان، حتى رقصوا بحركات متطابقة وتقطيعات متلاحقة، وانتهى التواقح بقوم منهم إلى أن جعلوها من باب القرب وصالح الأعمال، وأن ذلك يثمر سنيَّ الأحوال، وهذا على التحقيق من آثار الزندقة وقول أهل المخرفة، والله المستعان”([59]).
فهذه استنباطات أهل العلم من الحديث، لم يفهم أحد منهم قط جواز هذا الرقص، ولا جعله قربة إلى الله كما ادَّعت الصوفية.
8- استدلالهم بحديث الجارية التي قالت: يا رسولَ اللَّهِ، إنِّي كُنتُ نذرتُ إن ردَّكَ اللَّهُ سالمًا أن أضربَ بينَ يديكَ بالدُّفِّ وأتغنَّى، فقالَ لَها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: «إن كنتِ نذَرتِ فاضربي، وإلَّا فلا»([60]).
والجواب من وجوه:
أولها: أن هذا خارج محلّ النزاع، فإن الحديث في جواز ضرب الدف والغناء في الفرح، ومسألتنا في الرقص عند الذكر، فما علاقة هذه بتلك؟!
ثانيها: أن هناك فرقًا كبيرًا بين جواز الضرب بالدف والغناء المباح في حالات الفرح والسرور، وبين التقرب إلى الله تعالى بذكره في هذه الحالة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “قد عرف بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لصالحي أمته وعبّادهم وزهادهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات الملحَّنة مع ضرب بالكف أو ضرب بالقضيب أو الدفّ.. ولكن رخّص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواع من اللهو في العرس ونحوه، كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح”([61]).
وقال ابن الجوزي: “وأما الضرب بالدف فقد كان جماعة من التابعين يكسرون الدفوف، وما كانت هكذا، فكيف لو رأوا هذه؟! وكان الْحَسَن البصري يَقُول: ليس الدف من سنة المرسلين في شيء. وقال أَبُو عُبَيْد القاسم بْن سلام: من ذهب به إلى الصوفية فهو خطأ فِي التأويل عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما معناه عندنا: إعلان النكاح واضطراب الصوت والذكر فِي الناس… وكل مَا احتجوا به لا يجوز أن يستدل به عَلَى جواز هَذَا الغناء المعروف المؤثر فِي الطباع، وَقَد احتج لهم أقوام مفتونون بحب التصوف بما لا حجة فيه”([62]).
وقال أيضا: “وأَطَمُّ الطامات ادِّعاؤهم أن هذا [أي: الرقص] قربةٌ، وقد انعقد إجماع العلماء أن من ادعى الرقص قربة إلى الله تعالى كفر، فلو أنهم قالوا: مباح، كان أقرب حالًا، وهذا لأن القرب لا تعرف إلا بالشرع، وليس في الشرع أمر بالرقص، ولا ندب إليه”([63]).
ثالثها: أن في الحديث ما يشعر بكراهة هذا الأمر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لها في ذلك؛ لكونها نذرت هذا الأمر، وإلا لنهاها عن ذلك، مما يدل على أن الأولى ترك ذلك.
رابعها: أن غاية ما يستدل عليه بهذا الحديث هو جواز ضرب الدف للنساء في حالة الفرح والسرور بقدوم غائب، وتعميمه على كل غائب مما ينازع فيه كثير من أهل العلم، فيجعلون هذا خاصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم لكون قدومه في إغاظة للكفار والمنافقين([64]).
أما الاستدلال بذلك على جواز ضرب الدف للرجال، فضلا عن اقترانه بذكر الله تعالى، فضلا عن الرقص على ذلك واعتبار كل ذلك قربة إلى الله تعالى، فهذا لا يقول به عالم قط، بل كما سبق نقل العلماء الإجماع على كفر من استحل ذلك. والله أعلم.
9- استدلالهم بحديث عليٍّ رضي الله عنه قال: أتَينا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنا وجَعفَرٌ وزيدٌ، فقالَ لِزَيدٍ: «أنتَ أخونا ومَولانا»، فحَجَلَ، وقالَ لِجَعفَرٍ: «أشبَهتَ خَلْقِى وخُلُقِى»، فَحَجَلَ وراءَ حَجلِ زَيدٍ، ثُمَّ قال لِى: «أنتَ مِنِّى وأنا مِنكَ»، فحَجَلتُ وراءَ حَجلِ جَعفر([65]).
والحجل: أن يرفع رجلًا ويقفز على الأخرى من الفرح، وقد يكون بالرِّجلين معًا، إلا أنه قفز وليس بمشي([66]).
وهذا من أشهر أدلَّتهم على الرقص، وممن استدلّ به الغزالي في “الإحياء” وابن حجر الهيتمي، فقد سئل عن رقص الصوفية عند تواجدهم: هل له أصل؟ فأجاب بقوله: “نعم له أصل، فقد روي في الحديث أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه رقص بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له: «أشبهت خلقي وخلقي»، وذلك من لذة هذا الخطاب، ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم، وقد صحَّ القيام والرقص في مجالس الذكر والسماع عن جماعة من كبار الأئمة، منهم عز الدين شيخ الإسلام ابن عبد السلام”([67]).
والجواب عن ذلك من وجهين:
الأول: أن أكثر العلماء ضعَّفوا الحديث بهذه الرواية التي فيها ذكر (الحجل)؛ فإن فيها علتين:
العلة الأولى: جهالة أحد رواته وهو هانئ بن هانئ، قال عنه الشافعي: “لا يُعرف، وأهل العلم بالحديث لا يثبتون حديثه لجهالة حاله”([68])، وقال البيهقي: “هانئ بن هانئ ليس بالمعروف جدا”([69]).
والعلة الثانية: أبو إسحق السبيعي، وهو مشهور بالتدليس، ولا يحتج إلا بما صرح فيه بالتحديث([70])، وقد عنعن في إسناد هذا الحديث.
ولذا قال البيهقي بعد روايته الحديث: “وفي هذا -إن صح- دلالة على جواز الحجل، وهو أن يرفع رجلا ويقفز على الأخرى من الفرح، فالرقص الذي يكون على مثاله يكون مثله في الجواز”([71]).
وممن ضعف هذه اللفظة كذلك ابن حجر الهيتمي في كتابه (كفّ الرعاع) فقال مخطِّئا مَنِ احتج برقص الحبشة وبحجل الصحابة على جواز رقص الصوفية: “ووجْه خطَئِه ما تقرَّر أنَّ رقْص الحبشة لم يكنْ من الرقص المُختَلف فيه، وأنَّ ما ذُكِرَ عن هؤلاء الثلاثة -رضوان الله عليهم أجمعين- كذبٌ مختلَق لا تحلُّ روايته ولا الاحتجاج به إذا تقرَّر أنَّ فعل الحبشة ليس من المختلف فيه، وأنَّ ما رُوِي عن أولئك الأئمَّة كذبٌ، بطل قول صاحب الكتاب: إنَّ القياس على ذلك حجَّة على إباحة الرقص”([72]).
ثم نقل بعد ذلك عن الإمام الطرطوشي -وسيأتي ذكره لاحقا- حرمة رقص الصوفية، وردّ على من يحتج بفعل الأئمة على جواز رقص الصوفية، وأنه لعله مكذوب عليهم، وأنه لو ثبت فعلهم له اختيارًا فلا حجة في فعلهم.
وهذا الكلام منه في هذا الكتاب (كف الرعاع) مناقض لكلامه في الفتوى المشار إليها آنفا، وهو أضبط وموافق لما عليه عامة العلماء كما سنبين ذلك.
الوجه الثاني: أنه لو سلَّمنا صحة هذه اللفظة([73]) فليس فيها دلالة على جواز الرقص الصوفي، بل غايته أن يدلّ على جواز مثل هذا الرقص الذي هو كالحجل، بلا تكسّر ولا تثنٍّ، عند الفرح والسرور، كرقص بعض العرب بالسيف فرحا بقدوم قادم ونحو ذلك.
وقد بوّب عليه البيهقي رحمه الله بقوله: “باب من رخّص في الرقص إذا لم يكن فيه تكسّر وتخنّث”. وقال بعد روايته: “وفي هذا -إن صح- دلالة على جواز الحجل، وهو أن يرفع رجلا ويقفز على الأخرى من الفرح، فالرقص الذي يكون على مثاله يكون مثله في الجواز”([74]).
وقال ابن الجوزي رحمه الله: “أما الحجل فهو نوع من المشي، يفعل عند الفرح، فأين هو من الرقص؟!”([75]).
وأجاب ابن القيم رحمه الله عن الاحتجاج بهذا الحديث فقال: “ولو صح لم يكن في هذا حجة على جواز التشبه بالدباب والتكسّر والتخنّث في المشي المنافي لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن هذا لعلّه كان من عادة الحبشة تعظيمًا لكبرائها كضرب الجوك عند الترك ونحو ذلك، فجرى جعفر على تلك العادة، وفعلها مرة ثم تركها لسنة الإسلام، فأين هذا من القفز والتكسر والتثني والتخنث؟!”([76]).
10- الاستدلال بما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ اللَّهِ حَتَّى يَقُولُوا: مَجْنُونٌ»([77]).
والجواب من وجهين:
الأول: أن الحديث منكر لا يصحّ؛ لأنه من طريق دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري. قال الإمام أبو داود: “سمعت أحمد سُئل عن دراج أبي السَّمْح، قال: هذا روى مناكير كثيرة”([78]). وأورده العقيلي في الضعفاء([79]).
وضعف الحديث الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة، وقال فيه حديث: “منكر.. ذكره ابن عدي في جملة أحاديث لدراج هذا، وقال: وعامتها مما لا يتابع عليه، وهذا الحديث مما ينكر عليه. وقال في حديث آخر له: حديث باطل. وكذلك أورد الحافظ الذهبي حديث الترجمة فيما أُنكِر على دراج”([80]).
وضعَّف الحديثَ الشيخُ المحدث محمد عمرو عبد اللطيف رحمه الله، وحكم عليه بالنكارة بسبب دراج، وقال فيه: “خلاصته أنَّه مستقيم الحديث إذا روى عن غير أبي الهيثم -سليمان بن عمرو العتواري- فإنه كثير المناكير عنه. وهذا منها، ولذلك أورده ابن عدى ثم الذهبي (2/ 25) في جملة ما استنكر عليه”([81]).
الثاني: أنه على فرض صحته، فمعناه الإكثار من ذكر الله حتى ينسبه أهل النفاق وأهل الغفلة للجنون، كعادتهم في الاستهزاء بأهل الطاعة الملازمين لها.
ولذا ذكر جميع العلماء الذين أوردوا هذا الحديث وروَوه في مصنفاتهم هذا الحديث تحت أبواب فضيلة الذكر والإكثار منه ونحو ذلك، كما فعل الطبراني في (الدعاء) والبيهقي في (شعب الإيمان) وغيرهما. وبعضهم استدلّ به على جواز الجهر بالذكر إذا لم يشوّش على غيره.
ولم يستنبط منه أحد قطّ جواز الرقص والقفز أثناء ذكر الله تعالى، ولم يفهم أحد من السلف ذلك، ولا فعله، ولو كان هو المراد بالحديث لكانوا أول من يذكر ذلك.
وقد وردت بعض الآثار التي تؤيّد ما ذكرنا، وأن الحديث إنما يدلّ -إن صح- على الإكثار من ذكر الله تعالى، أو الجهر بالذكر في محله المشروع.
فقد كان أبو مسلم الخولاني يكثر أن يرفع صوته بالتكبير حتَّى مع الصبيان، وكان يقول: “اذكر الله حتَّى يقول الجاهل: إنك مجنون”([82]).
وعنه أن رجلًا أتاه فقال له: أوصني يا أبا مسلم، قال: اذكر الله تحت كل شجرة وحجر، قال: زدني، قال: اذكر الله حتَّى يحسبك الناس من ذكر الله مجنونًا، قال: فكان أبو مسلم يكثر ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ، فرآه رجل يذكر الله عَزَّ وَجَلَّ فقال: أمجنون صاحبكم هذا؟! فسمعه أبو مسلم فقال: ليس هذا بالجنون يا ابن أخي، ولكن هذا دواء الجنون([83]).
فهذا معنى الحديث وتطبيقه عند السلف والعلماء.
11- الاستدلال بأحاديث باطلة أو لا أصل لها.
ومن ذلك الحديث الذي ذكره بعض المتصوّفة أن النبي صلى الله عليه وسلم أنشده أعرابي:
قد لسعت حية الهوى كبدي … فلا طبيب لها ولا راقي
إلا الحبيب الذي شغفت به … فعنده رقيتي وترياقي
وأنه تواجد حتى سقطت البردة عن منكبيه، فقال له معاوية: ما أحسن لهوكم! فقال له: «مهلا يا معاوية، ليس بكريم من لم يتواجد عند ذكر الحبيب»([84]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “فهذا الحديث مكذوب موضوع باتفاق أهل العلم بهذا الشأن. وأظهر منه كذبا حديث آخر يذكرون فيه أنه لما بشر الفقراء بسبقهم الأغنياء إلى الجنة تواجدوا وخرقوا ثيابهم، وأن جبرائيل نزل من السماء فقال: يا محمد، إن ربك يطلب نصيبه من هذه الخرق، فأخذ منها خرقة فعلقها بالعرش، وأن ذلك هو زيق الفقراء. وهذا وأمثاله إنما يرويه من هو من أجهل الناس بحال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم ومعرفة الإسلام والإيمان”([85]).
وقال أيضا في هذا الحديث: “موضوع باتفاق أهل العلم كذب مفترى، وكذلك ما يروى من أنهم تواجدوا وأنهم مزقوا الخرقة ونحو ذلك كلّ ذلك كذب، لم يكن في القرون الثلاثة لا بالحجاز ولا بالشام ولا باليمن ولا بالعراق ولا خراسان من يجتمع على هذا السماع المحدث، فضلا عن أن يكون كان نظيره على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كان أحد يمزق ثيابه ولا يرقص في سماع ولا شيء من ذلك أصلا”([86]).
بل إن السهروردي (ت 632هـ) الذي أورد هذا الحديث المكذوب في كتابه (عوارف المعارف) قال بعد أن ذكره: “فهذا الحديث أوردناه مسندا كما سمعناه ووجدناه. وقد تكلم في صحته أصحاب الحديث، وما وجدنا شيئا نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاكل وجدَ أهل الزمان وسماعهم واجتماعهم وهيئتهم إلا هذا. وما أحسنه من حجة للصوفية وأهل الزمان في سماعهم وتمزيقهم الخرق وقسمتها أن لو صح، والله أعلم. ويخالج سري أنه غير صحيح، ولم أجد فيه ذوق اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وما كانوا يعتمدونه على ما بلغنا في هذا الحديث، ويأبي القلب قبوله، والله أعلم بذلك”([87]).
وحكم عليه الذهبي رحمه الله بأنه خرافة، ونسب وضعها لعمار بن إسحاق([88]).
وسئل الإمام النووي رحمه الله عن هذا الحديث فأجاب: “الحديثُ المسؤول عنه باطل لا تحلّ روايته ولا نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وُيعزَّر مَن رواه عالمًا بحاله تعزيرًا بليغًا. ولا يُغتَرّ بكونه في (عوارف المعارف) وغيره، والله أعلم”([89]).
وقال السيوطي رحمه الله: “الواقف على متن هذا الحديث يظهر له أنّه مصنوع موضوع؛ لأنّ الشِّعر الذي فيه لا يناسب شعر العرب، ولا يليق بجزالة شِعرهم وألفاظهم، وإنّما يليق بشعر المولّدين؛ يدرِك ما ذكرناه بالذوق الضروري مَن له خبرة بشعر العرب والمولّدين، وكذلك ألفاظ متن الحديث لا تليق بكلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا بكلام أصحابه، وكذلك معناه لا يليق بهم؛ للذي صحَّ عندنا مِن أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحوال أصحابه مِن الجدّ والاجتهاد وحسن الهيئة، وكذلك تمزيق الرداء أربعمائة قطعة لا يليق بهم، وكيف يفعل هذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقد نهى عن إضاعة المال؟!”([90]).
12- الاستدلال بنسبة ذلك لبعض العلماء المشهورين بالعلم والصلاح.
فمن ذلك ما نسبه أبو عبد الرحمن السلمي إلى سعيد بن المسيب -وقد سبق ذكره-.
فالجواب من وجهين:
الأول: أنَّ سند القصةِ لا يثبت، قال المعلّمي اليماني: “والراوي عن ابن المسيّب هو إبراهيم بن محمَّد بن العباس المطّلبي الشافعي، وله ترجمة في تهذيب التهذيب، وأرّخ وفاته سنة 237 أو بعدها بسنة. ويُعْلَم من الترجمة أنه لم يدرك ابن المسيب ولم يَرْوِ عمن أدركَ ابنَ المسيّب.. فالقصة معضلة”([91]).
الثاني: ما قاله المعلمي اليماني: “أن ابن المسيب لم يطرب للغناء، وإنما أعجبه الشعر لما فيه من وصف المرأة بالحياء والخفر والتقوى والتستُّر”([92]).
وعقَّب ابن الجوزي على ما أورده السلمي فقال بعد أن ضعّف القصة وأنها لا يمكن أن تكون من شعر سعيد بن المسيب، وأن إسنادها مظلم، ثم قال: “ثم لو قدرنا أن ابْن المسيب ضرب برجله الأَرْض فليس فِي ذلك حجة عَلَى جواز الرقص؛ فَإِن الإنسان قد يضرب الأَرْض برجله أَوْ يدقّها بيده لشيء يسمعه، ولا يسمى ذلك رقصا، فما أقبح هَذَا التعلق! وأين ضرب الأَرْض بالقدم مرة أَوْ مرتين من رقصهم الذي يخرجون به عَنْ سمت العقلاء؟!”([93]).
ومن ذلك احتجاجهم بتواتر هذا الفعل عن الصوفية من قديم الزمان دون نكير من العلماء([94])، وأنه نقل ذلك عن الجنيد وغيره من كبار المتصوفة المشهود لهم بالفضل.
والجواب من وجوه:
أولها: أن دعوى الإجماع من أعجب العجاب! فما زال العلماء من كافة المذاهب ينكرون هذا المنكر العظيم والبدعة الشنيعة، ويقبّحون فاعلها وينكرون عليه.
ففي (حاشية ابن عابدين) من كتب الأحناف: “قوله: (ومن يستحل الرقص قالوا بكفره) المراد به التمايل والخفض والرفع بحركات موزونة كما يفعله بعض من ينتسب إلى التصوف. وقد نقل في البزازية عن القرطبي إجماع الأئمة على حرمة هذا الغناء وضرب القضيب والرقص. قال: ورأيت فتوى شيخ الإسلام جلال الملة والدين الكرماني أن مستحلّ هذا الرقص كافر، وتمامه في شرح الوهبانية”([95]).
وقال العز بن عبد السلام رحمه الله: “وأما الرقص والتصفيق فخفّة ورعونة مشبهة لرعونة الإناث، لا يفعلها إلا راعن أو متصنّع كذاب.. ومن هاب الإله وأدرك شيئا من تعظيمه لم يتصوّر منه رقص ولا تصفيق، ولا يصدر التصفيق والرقص إلا من غبيّ جاهل، ولا يصدران من عاقل فاضل، ويدلّ على جهالة فاعلهما أن الشريعة لم ترد بهما في كتاب ولا سنة، ولم يفعل ذلك أحد الأنبياء ولا معتبر من أتباع الأنبياء، وإنما يفعل ذلك الجهلة السفهاء الذين التبست عليهم الحقائق بالأهواء، وقد قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]، وقد مضى السلف وأفاضل الخلف ولم يلابسوا شيئا من ذلك، ومن فعل ذلك أو اعتقد أنه غرض من أغراض نفسه وليس بقربة إلى ربه، فإن كان ممن يقتدَى به ويعتقد أنه ما فعل ذلك إلا لكونه قربة فبئس ما صنع لإيهامه أن هذا من الطاعات، وإنما هو من أقبح الرعونات”([96]).
ونقل القرطبي عن أبي بكر الطرطوشي أنه سئل عن حكم الرقص الذي يفعله الصوفية عند السماع فأجاب: “مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله، وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون، فهو دين الكفار وعباد العجل، وأما القضيب فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى، وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار، فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم من الحضور في المساجد وغيرها، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم، ولا يعينهم على باطلهم، هذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين، وبالله التوفيق”([97]).
والنقول في ذلك كثيرة جدًّا، فكيف يدَّعي أحد الإجماع على جواز الرقص؟!
الثاني: أن هذا خلط بين مسألتي السماع المجرد ومسألة الرقص، ولا شك أن الرقص لم يقع من أكابر المشايخ، وإنما وقع من بعض الجهال، ثم حاول بعض المتعصّبين للتصوف تسويغ ذلك.
وأما مشايخ التصوف أنفسهم فأكثرهم على إنكاره، كالشيخ عبد القادر الجيلاني([98]) والقاضي زروق وغيرهما من مشايخ التصوف، ومن جوّزه منهم جعله على سبيل الرخصة لمن غلبه الوجد ولم يتمالك نفسه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وأما الاستماع إلى القصائد الملحّنة والاجتماع عليها فأكابر الشيوخ لم يحضروا هذا السماع كالفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والسري السقطي، وأمثالهم من المتأخرين؛ كالشيخ عبد القادر والشيخ عدي بن مسافر والشيخ أبي مدين والشيخ أبي البيان وأمثال هؤلاء المشايخ، فإنهم لم يكونوا يحضرون هذا السماع. وقد حضره طائفة من الشيوخ وأكابرهم ثم تابوا منه ورجعوا عنه”([99]).
وهذا في السماع المجرد عن المنكرات الأخرى، ومع ذلك لم يحضره كبار المتصوفة، ومنهم من حضر ثم تاب منه، أما الرقص فلم يقع من واحد من الفضلاء، وإنما وقع فيه المبتدعة الجهال، وتتابع نكير علماء الإسلام عليهم من كل الطوائف والمذاهب.
ولذلك ذكر السهروردي الصوفي -مع كونه يجيز الرقص للمبتدئين من المريدين- أن هذا الرقص “لا يليق بالشيوخ ومن يقتدَى به؛ لما فيه من مشابهة اللهو، واللهو لا يليق بمنصبهم”([100]).
وأنكره كذلك من الصوفية القاضي زروق (ت 899هـ) فقال رحمه الله: “ويقال: إن الرقص أحدثه أصحاب السامري لما لقوا العجل. وما ينسبونه للنبي صلى الله عليه وسلم من التواجد عند إنشاده: لسعت حية الهوى كبدي… فباطل، وكذا كل الأحاديث التي يستشهدون بها في هذا النوع”([101]).
وجعل زروق رحمه الله الذكر مع الرقص والصياح ونحوه “من فعل المجانين كما أشار إليه مالك رحمه الله لما سئل عنهم فقال: أمجانين هم؟!”([102]).
والخلاصة: أن هذا الرقص الصوفي من البدع المسشنعة التي اتفق علماء الإسلام على ذمها وقبحها، بل -كما سبق- أنكرها كثير من علماء المتصوفة قديمًا وحديثًا، وليس كما يصوّر بعض المبتدعة أنه لم ينكر هذه البدع والضلالات إلا من يسمّونهم بالوهابية، تنفيرا عن اتباعهم في التحذير من البدع والضلالات.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) الموسوعة الفقهية الكويتية (23/ 9).
([2]) طريقة صوفية تنسب لجلال الدين الرومي (ت 672هـ).
([3]) راجع في ذلك كتاب ابن القيم رحمه الله: الكلام في مسألة السماع.
([4]) انظر: تفسير ابن جرير (13/ 521).
([6]) تفسير القرطبي (10/ 366).
([7]) حسب ما يعتقده اليهود، وإلا فإنه لا دليل عندنا على صحة نسبة ذلك للأنبياء.
([8]) موسوعة اليهود واليهودية (7/ 217).
([9]) انظر للاستزادة: قصة الحضارة، ول ديورانت (3/ 336).
([12]) العقود اللؤلؤية في طريق السادة المولوية (ص: 44).
([13]) انظر مثلا: تفسير روح البيان، للشيخ إسماعيل حقي البروسوي (3/ 243)، نقلا من موسوعة الكسنزان (10/ 35).
([14]) أسرار التوحيد في مقامات الشيخ أبو سعيد (ص: 237-238)، نقلا من موسوعة الكسنزان (10/ 33).
([15]) موسوعة الكسنزان (10/ 34).
([16]) قواعد التصوف (ص: 93) باختصار.
([17]) إحياء علوم الدين (2/ 268).
([18]) المصدر السابق نفس الموضع.
([19]) إحياء علوم الدين (2/ 304).
([22]) الأربعون في التصوف (ص: 15).
([23]) طبقات الصوفية (ص: 373). وانظر ترجمة أحمد بن عطاء في الكتاب نفسه (ص: 370).
([24]) اللمع -ت: نيكلسون- (ص: 308).
([25]) ينظر: حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصفهاني (10/ 61).
([26]) ينظر: الرسالة، للقشيري (1/ 161).
([27]) الفتوحات الإلهية شرح المباحث الأصلية (2/ 281).
([28]) انظر: الدر المختار، للحصكفي (ص: 351). والإنصاف في معرفة الخلاف، للمرداوي (6/ 89). وفتح العلي المالك، لعليش (2/ 336)، والموسوعة الفقهية الكويتية (10/ 23).
([29]) روضة الطالبين (11/ 229).
([30]) روضة الطالبين (11/ 230).
([31]) مجموع الفتاوى (11/ 599).
([32]) مجموع الفتاوى (11/ 604).
([33]) الكلام على مسألة السماع (ص: 165).
([35]) ما لا بد للمريد منه، مخطوط ورقة 56، نقلا من موسوعة الكسنزان (10/ 32).
([37]) مجموع الفتاوى (11/ 591).
([39]) تلبيس إبليس (ص: 232) باختصار يسير.
([41]) مجموع الفتاوى (11/ 595).
([42]) الكلام على مسألة السماع (ص: 158).
([44]) المحرر الوجيز (3/ 501).
([45]) تفسير القرطبي (10/ 366).
([46]) الرهص والوقص لمستحلّ الرقص (ص: 9).
([47]) أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم قبل حديث (634)، ومسلم (373).
([48]) انظر: تفسير الطبري (6/ 309)، وتفسير القرطبي (4/ 311).
([50]) تفسير القرطبي (15/ 215).
([51]) سير أعلام النبلاء (23/ 225).
([52]) رواه أحمد (12540)، وابن حبان (5870). وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم، وحديث لعب الحبشة بالحراب في المسجد في الصحيحين من حديث عائشة.
([53]) انظر: الإحياء (2/ 279).
([54]) شرح صحيح مسلم (16/ 186).
([56]) شرح صحيح مسلم (6/ 184).
([60]) رواه الترمذي (3690)، وأحمد (23061). وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
([61]) مجموع الفتاوى (11/ 565) باختصار يسير.
([62]) تلبيس إبليس (ص: 213) باختصار.
([64]) ذكر هذا المعنى الخطابي في معالم السنن (4/ 60).
([65]) رواه أحمد (857)، والبزار (744)، والبيهقي في الكبرى (21069). قال محققو المسند: “إسناده ضعيف… ولفظ الحجل في الحديث منكر غريب”.
([66]) ينظر: غريب الحديث لأبى عبيد (3/ 182-183).
([67]) الفتاوى الحديثية (ص: 212). وسوف ننقل عن العز ما ينافي ما نقله عنه الهيتمي.
([68]) ينظر: تهذيب التهذيب (11/ 22).
([69]) السنن الكبرى (21/ 151).
([70]) ينظر: جامع التحصيل في احكام المراسيل، لصلاح الدين أبي سعيد العلائي (ص: 113).
([71]) السنن الكبرى (21/ 152).
([72]) كفّ الرعاع عن المحرمات والسماع (ص: 56).
([73]) ممن حسنها الحافظ العراقي في تخريج الإحياء (1/ 579)، والشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند.
([77]) رواه أحمد (212)، وابن حبان (817)، والطبراني في الدعاء (1859)، والبيهقي في شعب الإيمان (523)، وغيرهم.
([78]) سؤالات أبي داود لأحمد (ص: 247).
([80]) السلسلة الضعيفة (7043) باختصار.
([81]) تبييض الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة (1/ 31).
([82]) رواه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد (ص: 382)، وابن عساكر (9/ 33).
([83]) أورده ابن رجب في كشف الكربة (ص: 331).
([84]) ممن استدل به ابن عجيبة في تفسيره البحر المديد (4/ 363). والحديث ذكره السهروردي في عوارف المعارف (ص: 226) رواية عن أبي طاهر المقدسي.
([85]) مجموع الفتاوى (11/ 598).
([87]) عوارف المعارف (ص: 226).
([88]) ميزان الاعتدال (3/ 164).
([89]) نقله عنه السيوطي رحمه الله في الزيادات على الموضوعات المعروف بـ(ذيل اللآلئ المصنوعة) (2/ 657).
([90]) الزيادات على الموضوعات (2/ 659).
([91]) تعقيب الشيخ المعلمي على رسالة الأربعين في التصوف للسلمي، ضمن مجموع آثار المعلمي اليماني (15/ 410).
([94]) ممن احتج بذلك صاحب كتاب نجوم المهتدين في دلائل الاجتماع للذكر (ص: 49). حيث عقد فصلا لبيان مشروعية الرقص والتواجد.
([95]) حاشية ابن عابدين (4/ 259).
([96]) قواعد الأحكام (2/ 221) باختصار.
([97]) تفسير القرطبي (11/ 238).
([98]) انظر كتابه: سر الأسرار ومظهر الأنوار (1/ 59).
([99]) مجموع الفتاوى (11/ 534).
([100]) عوارف المعارف (ص: 201).