الأحد - 28 صفر 1446 هـ - 01 سبتمبر 2024 م

الفكر الغنوصي في “إحياء علوم الدين” لأبي حامد الغزالي وموقف فقهاء ومتصوفة الغرب الإسلامي منه

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

بسم الله الرحمن الرحيم

لا تخفى المكانة التي حظي بها كتاب إحياء علوم الدين عند المتصوفة في المغرب والأندلس، فكتب التراجم والمناقب المتصوفة المغربية المشهورة، شاهدة على حضور معرفي مؤثر ظاهر لهذا الكتاب في تشكيل العقل المتصوف وتوجيه ممارسته، وأول ما يثير الانتباه فيه، هو التأكيد على الأثر المشرقي الملازم في الفكر المغربي، خاصة التصوف، فقد كانت الأدبيات المتصوفة المشرقية المشهورة الأساس في تكوين العقل المتصوف المغربي، وعلى رأسها رسالة القشيري، والرعاية للمحاسبي، وقوت القلوب لمكي، وهي نفسها من أهم مصادر إحياء علوم الدين، مع مصادر أخرى لا تقل أهمية عنها، كان لها يد في صياغة الفكر المتصوف في الغرب الإسلامي، بطريق مباشرة، وعن طريق الإحياء خاصة، «فإن التصوف في المغرب قد تطور مع الإحياء كما قال بولص نويا[1] عن حق»[2]، ومن الأحداث التي كشفت عن جانب من هذه المكانة الخاصة ما صدر عن القضاة والفقهاء من دعوة إلى إحراقه، وانتصار المؤسسة الأميرية لذلك بتتبع الكتاب ومن يمتلكه، وقيام معارضة متصوفة لذلك، كل هذا سيجعل من قضية إحراق إحياء علوم الدين واحدة من أهم قضايا تاريخ الفكر التي تناولتها أقلام البحث والتنقيب، والتي سيصدر عنها جملة من المواقف ووجهات النظر المتضاربة أحيانا، والشاذة في أحيان أخرى.

مرة أخرى..من هو الغزالي!؟

قد يبدو السؤال عن حقيقة فكر الغزالي اليوم سؤالا مستفزا لمن يركن عادة إلى الأحكام الجاهزة، أو لمن يرى أن الأمر قدر فرغ منه، فمن الذي لا يعرف الغزالي الملقب بحجة الإسلام، ومن منا لا يعرف مكانته وأثره العميق في الفكر الإسلامي، ولكن، أليس من حقنا أن نقترح بمثل هذا السؤال إعادة النظر في بعض جوانب فكره، إن لم يكن ذلك جائزا فيها كلها، لقد كان الغزالي محلا لكثير من الدراسات، تعددت لتعدد مشارب الرجل وكثرة تآليفه، وكثرة ما أثار فكره فيها من إشكاليات، ولا تزال الدراسات تنال منه درسا وتحليلا، وحق لمثل هذه الشخصية أن تثير وتستثير محركات البحث من كل الانتماءات الفكرية.

كان من ذلك محاولة الباحث الشيعي الإسماعيلي عارف تامر، غمس الغزالي في الفكر الباطني بطريقة غريبة، زاعما بها أن السبكي تفرد من بين سائر المؤرخين بالإشارة إلى رحلة الغزالي للأخذ عن أبي نصر الإسماعيلي الشيعي في جرجان[3]، فقال : «وهذا الشيخ على الأرجح، هو إسماعيل بن سعده، ومن دعاة الإسماعيلية المشهورين»، ثم رمى المؤرخين، بثقة من يدق وتدا في نخالة، بالتكتم على هذه الحقيقة[4] ! وهي بهذا محاولة تشييع متأخرة للغزالي، باعتماد ما يستعمله بعض الباحثين من طريقة التنبيه على دور مرحلة الطفولة في اختيارات مرحلة النضج، وهذا صحيح إلى حد ما، ومثال ذلك تأثير مرحلة ابن سينا الطفولية في تكوين شخصيته الفلسفية فيما بعد ذلك، فمعروف أنه تربى في بيئة إسماعيلية، وكان لتعاليم رسائل إخوان الصفا دور في صياغة شخصيته الفكرية، لكن عارف تامر لم ينتبه إلى أن السبكي كان يقصد أبا نصر محمد بن أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، أحد كبار الفقهاء الشافعية في جرجان، وله ترجمة في طبقاته ![5]، وهذا داخل في مبحث “المتفق والمفترق” عند علماء الحديث، فهو إسماعيلي النسب لا المذهب، وهذا مثال لعشرات الأحكام التي تحتاج إلى نقد ومتابعة، حتى يستخلص حق الغزالي في أن ينظر إلى فكره بعلم وعدل.

القلق الغزالي

عاش الغزالي حياة فكرية قلقة، فيها كثير من الحيرة والتردد والقلق والشك والتنقل والتلون[6]، فهو مرة متصوف، وأخرى فيلسوف،[7] وثالثة أشعري، ورابعة فقيه،[8] وخامسة محير على حد تعبير ابن سبعين[9]وابن رشد[10]، وفي كلام ابن سبعين خاصة قدر من المبالغة ظاهر، لكنه معتبر من وجه، ولم يكونا منفردين بذلك، فقد لاحظ عليه هذا أيضا ابن طفيل المتفلسف الأندلسي، وبعبارة هي أشد في نظري من عبارة ابن سبعين يقول فيها : «وأما كتب الشيخ أبي حامد الغزالي فهي بحسب مخاطبته للجمهور تربط في موضع وتحل في آخر، وتكفر بأشياء ثم تنتحلها»[11]، وهذا معناه وصف الغزالي بالتخبط والحيرة في مسائل كبيرة يكون فيها صاحبها على مشارف الخروج من الملة، ثم ما الذي يقصده ابن طفيل بقوله : «بحسب مخاطبته للجمهور» ؟ هل كان يعني أن له مخاطبة أخرى غيرها تنتظم ما ظاهره التناقض في ما يظهره من مذاهبه ؟ ثم ما مضمون المخاطبة الباطنية التي أشار إليها ابن طفيل؟

لعل مما اعتمد عليه ابن طفيل في هذه الإشارة الدقيقة والمهمة أن الغزالي صرح في “كتاب الجوهر” بأن له كتبا مضنونا بها على غير أهلها[12]، وقد نسب بعض الباحثين له كتاب “المضنون به على غير أهله“، وكما ورد في الحديث النبوي: «كيف وقد قيل…» ! وهذه من المسائل المثيرة جدا في التاريخ الفكري، فالحديث عن كتب مضنون بها، تكون مستودع السر المضنون، يخص بها طائفة النخبة دون غيرها، أمر له ثقله في موازين التحليل العلمي، ليس باعتبار التخصص المعرفي فقط، بل باعتبار خطورتها وطبيعة موقف نقادها منها أيضا.

الإحياء

كان جزء التصوف في الإحياء مستودعا لما تضمنته كتب التصوف المشرقية من معارف متصوفة، ولكنها لم تكن مصادره الوحيدة في ذلك، فمن الكتب التي قد يكون تأثر بها الغزالي في الإحياء، رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا، ذات المضمون الصابئي الباطني، وهو أمر انتبه له بعض الفقهاء المالكية أيضا كالمازري، الذي رمى الإحياء بالتأثر الكبير برسائل خوان الصفا، وفلسفة ابن سينا[13]، فكأنها كانت الأصل والأساس وغيرها تبع ومكمل، وما أظن المازري يلقي الكلام على عواهنه، بل أحسب أنه اجتمعت عنده من الشواهد ما جعله يختار مثل هذه الكلمة عوض غيرها، وهو الفقيه النوازلي الذي يدقق العبارة ويحقق في الإشارة، ومن ذلك أنه يروي عن أحد تلامذة الغزالي أنه كان له عكوف على رسائل إخوان الصفا، وهي إحدى وخمسون رسالة[14]، وهنا موضع مناسب لإثارة ما ذهبت إليه دندنش[15] في بيانها لطبيعة العلاقة بين الغزالي وتيار التصوف الفلسفي في الأندلس، فقد رأت أن متصوفة الفلسفة كانوا يقتدون بفكر الغزالي الذي عدوه نموذجا وقطبا يدورون حوله بالدرس والتحصيل والنشر والمدافعة، لكونه أقرب إليهم وأدنى، ولهذا دلالات في غاية الأهمية تبدو في موضعها، فقد ساد الظن بأن الغزالي كان مرجعا للتصوف السني المغربي فقط، ضامنا استمرار الفجوة بينه وبين التصوف الفلسفي، ومثل هذا يسقط نظرية التباين لحساب نظرية التقاطع أو التداخل، وشواهد هذا معتبرة، وإلا، فلم يوصف ابن برجان الأندلسي المحسوب على التيار الفلسفي بأنه غزالي الأندلس ؟

غنوصية الإحياء

          ستكون مرحلة التصوف بسبب هذا، المرحلة الأكثر إثارة وتأثيرا في حياة الغزالي، لاعتبارين، أولها كونها المرحلة الفكرية الأخيرة في الجملة على ظاهر الروايات، وثانيها طولها، وكان الجانب الأهم في فكر الغزالي المتصوف الجانب الغنوصي، وهو ما دفع تلميذه النبيه أبا بكر ابن العربي المعافري إلى مفاوضته فيه[16]، ونقل عنه قوله :«إن القلب إذا تطهر عن علاقة البدن المحسوس، وتجرد للمعقول انكشفت له الحقائق، وهذه أمور لا تدرك إلا بالتجربة لها عند أربابها بالكون معهم والصحبة لهم»[17]، ثم عارضه في كلام طويل، وانتقد ما ورد في ما نقله عنه بعد أن راجعه متأملا بصادق البصيرة، وعرضه على قواعد النظر في المعقول والمنقول، ونظر في أفراده وجمعه[18]، أما في خصوص التجربة فكان رد ابن العربي قائما على اعتبارين، الاعتبار الأول، أن هذه الغنوصية ليست ما يصلح لاختباره في مدق التجربة، والاعتبار الثاني، أن هذه الطريقة لم تكن مسلكا للصحابة ولا موضع نظر تحقيق عندهم، وطريقة ابن العربي هذه مسلوكة ومعتبرة عند جملة علماء المالكية في نقدهم لما يرونه بدعا، على طريقة مالك.

كان ابن العربي المعافري المالكي الأشعري[19] حريصا – وهو يتتبع طريقة الإشراق المتصوفة تتبعا نقديا – على بيان كونها طريقة مستوردة، تحمل في باطنها مذاهب إلحادية، ومطية تشكيك ومشاغبة على الشريعة، وكان حريصا أيضا على بيان حقيقة هذا الموقف النقدي الصادر منه، ومن الفقهاء والمتكلمين، وأصله من مثل هذه الطرق والعقائد الدخيلة على الإسلام وأهله، خلاف ما يروجه بعض المتصوفة عنهم، ممن لم يكن معدودا في سلكهم ومذاهبهم، فقد كان فقهاء المغرب عارفين بطبيعة الفكر المتصوف وأصوله ومسائله، فهم خبراء في مسالك الزهد وطرق التنسك، ولهم الأهلية والقدرة على التمييز بين الأصيل والطارئ، ولم يكن إنكارهم مثل هذه المسالك الغنوصية والطرق الرهبانية عن جهل منهم، بل عن معرفة معتبرة، ولم يكن قصدهم من إنكارها إنكار أصلها الشرعي، وهو أمر ينبغي التفطن له، فنفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم كما هو معروف، وقد بين ابن العربي ذلك بقوله : «ولا ينكر أحد من الإسلاميين، لا من الفقهاء، ولا من المتكلمين، أن صفاء القلب وطهارته مقصود شرعي، إنما المستنكر أن صفاءه يوجب تجلي العلوم فيه بذاته»[20]، بهذه الدقة يجفف ابن العربي المداد ويرفع الصحف، فلم يكن إنكار الفقهاء لأصل التزكية والمجاهدة، بل لأمر كائن وراء ذلك، زائد على ما هنالك.

لم يكن هذا فقط ما وصل إليه الغزالي، إن صح عنه كل الذي سبق عرضه، والذي سيأتي بعده، بعد تجاوزه لسلطة الفقه إلى سلطة الكشف، بل كان الغزالي قد وصل إلى مرحلة أكثر انغماسا في الفكر الباطني، وهي القول بوحدة الوجود عند بادئ النظر لم يكن الإحياء في ظاهره[21] هذه المرة الشاهد على هذا المكون الأكثر خطورة في فكر الغزالي، بل كتاب آخر مشهور، كشف فيه الغزالي عن نفسه، وأفشى سره فيه، وهو كتاب “مشكاة الأنوار[22]، وهو كتاب رفع فيه الغزالي عن حجاب الترميز بيد التصريح، فقال : «ترقى العارفون من حضيض المجاز إلى يفاع الحقيقة، واستكملوا معراجهم فرأوا بالمشاهدة العيانية أن ليس في الوجود إلا الله تعالى، وأن “كل شيء هالك إلا وجهه”، لا أنه يصير هالكا في وقت من الأوقات، بل هو هالك أزلا وأبدا لا يتصور إلا كذلك، فإن كل شيء سواه إذا اعتبر ذاته من حيث ذاته فهو عدم محض، وإذا اعتبرته من الوجه الذي سرى إليه الوجود من الأول الحق رؤي موجودا لا في ذاته، لكن من الوجه الذي يلي موجده، فيكون الموجود وجه الله تعالى فقط »…لم يفهموا من معنى قولهم : “الله أكبر” أنه أكبر من غيره، حاشا لله، إذ ليس في الوجود معه غيره حتى يكون أكبر منه…بل معناه أنه أكبر من أن يقال له أكبر …»[23]، وتسمى هذه الحال التي يصل فيها العارف إلى معرفة أن لون القارورة إنما هو لون الخمر فيها “اتحادا“، وهي شبه الإلحاد[24]، والله تعالى هو النور الكلي، فلا نور إلا هو[25]، وهو ما دفع الجابري إلى أن يقول : «ذهب الغزالي في تأويل هذه الآية على طريقة المتصوفة الإشراقيين مذهبا قصيا، وذلك في كتابه مشكاة الأنوار الذي انتهى فيه إلى القول… بوحدة الوجود.. »[26]!

هل يعني هذا أننا أمام صورتين زمنيتين مختلفتين للغزالي، أو أمام وحدوي مارس ثنائية خطاب العامة والخاصة في كتاباته، حسبي هذا، وإلا فيحتاج الأمر إلى شجاعة من ينغمس انغماس القاصد.

من هذا الزهد إلى ذلك التصوف

كان الزهد فاشيا في أهل الأندلس فشوا تشهد له كتب التراجم الزاخرة بذكر مناقبهم وبعض من أحوالهم، وكان المؤرخون المتقدمون يميزون بين أنواعه، فكان منها عندهم نوع من «الزهد على مذهب المتصوفة»[27]، له خصائصه ومميزاته، وربما نسبوا صاحبه إلى تقلد « مذهب الصوفية»[28] كما فعل الحميدي، كما كان هناك أيضا نوع من الزهد الفلسفي، ونوع آخر على طريقة أهل الحديث والأثر، لم يتعدَّ أهل التواريخ في ذكر كراماتهم في الغالب استجابة دعائهم، مع تحليتهم بالخشوع والنسك وما يقرب منها، خصوصا في بلاد الأندلس، فقد كانت «مأوى الصالحين والزهاد والفقهاء والعباد»[29]، فلم يكن الزهد مذهبا أو علما مستقلا، بل كان ممارسة وحالا، وكان أصحابه مندمجين في النظام المعرفي العام[30]، وكان الأولياء المنسوبون إلى الزهد الأول وفق الاصطلاح الشرعي عبادا فضلاء، لا فرق بينهم وبين غيرهم معرفيا، إنما يتميزون باجتهادهم في العبادات السنية[31].

سيُتحول عن الزهد بعد ذلك شيئا فشيئا، إلى طريق التطرف والغلو والخروج عن الهدي النبوي، آيلا إلى الفكر والممارسة الغنوصية والرهبانية، وتبدأ عبارات المؤرخين تنحو إلى التطبيع مع الحال الجديدة، ويبدأ مصطلح “الصوفي” وما إليه، ينتشر ويجد له محلا في التراجم، إلى أن يحقق نوعا من المزاحمة للمصطلحات الأصيلة، ويستغنى به المؤرخون في غالب أحوالهم عن غيره، وكان ذلك موازيا لما كان يحصل للمصطلح من انزياح فكري، وانتقال دلالي نحو تصوف من نوع جديد،  التصوف الكشفي[32]، وقد كان جزء التصوف في إحياء علوم الدين مشتملا على شيء من ذلك كما سيأتي، فهل كان هذا هو السبب الذي أثار علماء الأندلس للدعوة والمطالبة بحرق إحياء علوم الدين ؟

الموسوعة الغزالية

إن إحياء علوم الدين موسوعة علمية جمعت ثلاثة علوم أصيلة، العقيدة والفقه والتربية، سوى أنها كانت مصبغة بصبغة مذهبية، فالعقيدة أشعرية، والفقه شافعي، والتربية متصوفة، وقد وضع فيه الغزالي خلاصة تجربته الفكرية، وتميز جزء التصوف فيه بكونه محتويا على الجزء المهيمن في فكر الغزالي، والذي غلب عليه وتملكه، واختلف الناس فيه بين من تقبله بلا مثنوية، وبين من رفضه جملة، وبين من توسط، وقد أبدى بعض العلماء موقفا إيجابيا من كثير من مباحثه المتعلقة بأمراض القلوب وعللها، ومع ذلك اتخذوا موقفا سلبيا من جملته المتعلقة بالتصوف خاصة.

دخل كتاب الإحياء إلى المغرب[33] في العهد المرابطي، وذاع صيته، وتنقلت نسخه بين أيدي العلماء في العدوتين، وكانت لهم فيه روايات [34]، وصار مرجعا أساسا في التصوف، وإن كان لم يخل من فائدة كلامية في نطاق ضيق، وهو ما يعني أن إحياء علوم الدين عند المغاربة كان يعني إحياء علوم التصوف، فلم يكن الفقه الشافعي غريبا على علماء الغرب الإسلامي الذي دخل قديما، صحيح أنه كان ذا تأثير على توجهات بعض الفقهاء الأندلسيين، لكنه كان تأثيرا ضيقا فكريا وتاريخا لأسباب معروفة، ويستبعد أن يكون سبب موقف الفقهاء المالكية الخوف من الفقه الشافعي، وكذلك الفكر الأشعري الذي كان قد دخل المغرب بعد عشرات السنوات من وفاة أبي الحسن الأشعري، وإن  كان ذلك بصورة باهتة، فلم يكن هذا الفكر الجديد الطارئ على المغرب ما أثار مخاوف الفقهاء المغاربة والأندلسيين، فقد كان بعض كبارهم ينحون هذا المنحى، بل كان بعضهم ينشره ويعلمه على عين ومسمع الدولة، بل كان بعض كبار الأشاعرة من رجال البلاط المرابطي مثل أبي بكر المرادي، ومع ذلك لم نسمع عن محاولات لحرق مثل هذه الكتب، وليست العبرة هنا بالمؤلف بل بمحتواه، فقد كانت الدولة المرابطية متسامحة مع  أوائل أعلام الفكر الأشعري في المغرب في أولى مراحله، والشواهد على هذا قائمة.

الإحياء في الفكر والممارسة المغربية

كان متصوفة المغرب الأقصى من أكثر من اشتغل بـ”الإحياء” في الغرب الإسلامي، وقد جعلوا له مكانة عالية جدا، حتى قال أبو مدين الغوث الأندلسي الأصل : «نظرت في كتب التصوف فما رأيت مثل الإحياء للغزالي»[35]، ويلاحظ هنا عبارته “كتب التصوف“، فقد كان “الإحياء” عندهم على ما في كلام أبي مدين كتابا في “التصوف“، رغم أنه ثلاثي التكوين، وهذا معطى ينبغي استحضاره عند الحديث عن أسباب حرقه، وكان أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الهواري الأغماتي يلتزم – بعد نسخه إياه بيده – جملة ما فيه من الأذكار والأدعية والأوراد[36]، وجعله أبو العباس ابن عاشر «بين عينيه، واتبع ما فيه بجد واجتهاد وصدق وانقياد»[37]، وكان أبو عبد الله محمد الجناتي الفاسي «يطالع إحياء علوم الدين وما كان فيه من سير الصالحين»[38]، وربما كان أبو عبد الله محمد المشنزائي يحفظه «لكثرة ذكره لمسائله»[39]، فلم يكن عندهم في كتب التصوف مثل “الإحياء“، فقد اتبعوا ما فيه بجد وانقياد، بل ربما حفظوه لكثرة ذكر مسائله، وكأنه مصحف في التصوف، ومع هذا كله، فقد كان على نقيض هؤلاء طائفة من الفقهاء والعلماء، صدرت منهم كلمات شديدة فيه، وفي التحذير منه، وفتاوى صريحة في بيان ما فيه من ضرر على العقيدة والمجتمع في نظرهم، مما دفعه إلى الدفاع عن كتابه، فألف إملاء في إشكالاته، فما الذي أنكروه عليه ؟

كان التصوف على الطريقة الغزالية جديدا على الفكر التربوي الأندلسي خاصة، فقد كان هذا الفكر التربوي عندهم في صوره الأولى زهدا وورعا، وانقباضا وصلاحا، وكان المؤرخون لا يخرجون غالبا عن هذه المصطلحات لتحلية الصالحين والزهاد من القرن الثاني والثالث، ولم يتجاوزوها إلى مصطلح التصوف إلا نادرا، لكن الذي احتواه الإحياء كان زهدا من نوع خاص، مشربا بشوائب أجنبية عن الزهد الإسلامي، لاحظها الفقهاء، فأعلنوا موقفهم منه، وتطور الأمر إلى إصدار الفتاوى والأحكام القضائية، بل وتتدخل الإمارة بجهازها التنفيذي لتنزيل الحكم ومتابعة مخالفيه، وقد انبرى لانتقاد الإحياء عدد من أهل العلم المحققين، فكتب الطرطوشي مثلا كتابا كبيرا يعارضه به[40].

المفاسد العقدية

كان ما استنكر على الغزالي في كتبه، ما يبدو مخالفات للشريعة والعقيدة، ومن ذلك أنه استثنكر عليه أنواع من التفسير الغريب مما يعُدَّ نزوعا إلى الفكر التأويلي التحريفي الباطني، مثل تفسيره قوله تعالى : ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾، [سورة طه، الآية رقم 11] بأن «موسى فهم من الأمر بخلع النعلين :اطرح الكونين، فامتثل الأمر ظاهرا بخلع النعلين وباطنا بخلع العالمين»[41]، وتابعه على نحو من هذا ابن العربي الحاتمي[42] وابن قسي[43] وغيرهما من باطنية الغرب الإسلامي، وكلٌّ له وجهته في تأويلها، فهو من مداخلهم التي وافقوا فيها عقيدة رسائل إخوان الصفا[44]، تتعدى خطورة هذا التأويل الغزالي كونه تأويلا باطنيا إلى خطورة الزعم بأن موسى أيضا تأول الأمر بطريقة باطنية ! وقد بدا في كتابه “ميزان العمل” شيء من التأويل الباطني أيضا، حين فسر قوله تعالى «﴿َاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْاصْنَامَ﴾، [سورة إبراهيم، الآية رقم 37] بقوله : «عنى به هذين الحجرين الذهب والفضة، إذ رتبة النبوة أجل من أن يخشى فيها أن تعتقد الإلهية في شيء من الحجارة»[45]، وفسر قوله تعالى : ﴿وَلَا تُوتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ﴾، [سورة النساء، الآية رقم 5[، بأن حفظ العلم وإمساكه عمن يفسده العلمُ أولى[46]، وقوله تعالى﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [سورة النساء رقم: 6 ) بأن من بلغ رشده في العلم، ينبغي أن يبث إليه حقائق العلوم، ويرقى من الجلي إلى الدقيق الخفي الباطن[47].

من العبارات الشهيرة التي أطلقها الغزالي، لكنها لم تخرج في ظاهرها عن نطاق المباحث الكلامية، قوله: «ليس في الإمكان أصلا أحسن ولا أتم منه، ولو كان وادخره تعالى مع القدرة ولم يفعله، لكان بخلا وظلما..»[48]، وهي عبارة قد لا يبدو فيها ما يستنكر، خصوصا إذ وجد لها متكلمو الأشاعرة توجيها ومخرجا، لكن العبارة كان لها بعد آخر غير بعدها الكلامي،  يؤكد هذا شهادة عالية من ابن العربي الحاتمي الذي زكى مقالة الغزالي ووافقه عليها، فقد بين قصده منها على وجه يوافق مسلك الفكر الفلسفي الباطني فقال: «صدق قول الإمام أبي حامد، ليس في الإمكان أبدع من هذا العالم، لأنه ليس أكمل من الصورة التي خلق عليها الإنسان الكامل، فلو كان لكان في هذا العالم ما هو أكمل من الصورة التي هي الحضرة الإلهية»[49]، وهذا يحيل ولابد إلى نظرية الإنسان الكامل والحقيقة المحمدية، بل إلى نظرية وحدة الوجود، وابن العربي الحاتمي من أعرف الناس بالغزالي، فإما أنه فهم قصده فبينه، أو أنه يحمل كلامه غير ما يحتمله، ومرة أخرى يصنع ابن العربي الحاتمي حرجا جديدا لكثير من الباحثين، ينضاف إلى غيره، ولا يزال في الإحياء غير هذا مما يثير الاهتمام، ولعل أشد ما في كتاب الإحياء جعله الكشف المتصوف حاكما على ما صح من أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من منهج المتصوفة على الطريقة الغزالية، فما وافق الكشف قبلوه وما خالفه ردوه، بل إن الكشف عندهم أحد مصادر الخبر النبوي والسنن، وهو أمر في غاية الخطورة، ولهم فيه إطلاقات مثيرة، أما الغزالي فقال: «الاقتصاد بين هذا الانحلال كله وبين جمود الحنابلة دقيق غامض لا يطلع عليه إلا الموفقون الذين يدركون الأمور بنور إلهي لا بالسماع، ثم إذا انكشفت لهم أسرار الأمور على ما هم عليه، نظروا إلى السمع والألفاظ الواردة، فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه، وما خالف أوَّلوه، فأما من يأخذ المعرفة من السمع المجرد، فلا يستقر له فيها قدم، ولا يتعين له موقف»[50]، وهذا كلام صريح وخطير في أن الكشف أحد طرق النقد الحديثي عند المتصوفة، بل أحد موجبات التأويل، وأصرح منه وأوضح فيما يتعلق بالنقد قول ابن العربي الحاتمي السابق الذكر:«ورب حديث يكون صحيحا من طرق رواته، يحصل لهذا المكاشف الذي عاين هذا المظهر، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الحديث الصحيح، فأنكره وقال له: لم أقله، ولا حكمت به، فيعلم هذا المكاشف ضعفه، فيترك العمل به عن بينة من ربه، وإن كان قد عمل به أهل النقل لصحة طريقه..وقد يعرف هذا المكاشف من وضع ذلك الحديث الصحيح طريقه في زعمهم، إما يسمى له أو تقام له صورة الشخص !!»[51]، ومثله عكسه، ومن طريف ذلك أن ابن العربي الحاتمي ذكر مرة إجماع أهل الكشف على تصحيح حديث [52]! بل إن طريق الكشف إحدى مصادر الحديث النبوي عند المتصوفة في الغرب الإسلامي، وقد صرح ابن العربي الحاتمي وغيره بهذا، وأنهم يتلقون عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، والمقارنة بين كلام الغزالي وتقرير ابن العربي الحاتمي شاهدة على التوافق الظاهري، فليس بين الغزالي وبين ابن العربي الحاتمي كما ترى إلا فاصل زمن، وأما الطريقة فواضح أنها واحدة، وهي وحدها كافية لإثارة كل علماء الأندلس على الإحياء !

بقيت مسألة متعلقة بهذا المبحث تعلق الفعل بالفاعل، وهي كثرة الأحاديث الموضوعة في كتاب الإحياء بله الضعيفة، بل التي لا أصل لها مما جرده السبكي في الطبقات، وهو أمر استوقفني طويلا، ولست أقصد كثرتها، بل سبب ذلك، فهل كان الغزالي يعمل بقاعدته الكشفية في أحاديث الإحياء أو بعضها، تضعيفا وتصحيحا ؟ هذا أمر لم أر فيما اطلعت عليه – مع قلته – من نبه عليه، أو حول وجهة البحث إليه، ويحتاج إلى نظر جاد، فإن كان، فنعما هو، والله الموفق.

المفاسد الاجتماعية

كان الزهد الذي يقدمه الغزالي في الإحياء في بعض أنحائه قريب الصورة من زهد متصوفة البراهمة والبوذية،  فقد دعا فيه أحيانا إلى ترك طلب الرزق باتخاذ الأسباب زاعما أن «الاهتمام بالرزق قبيح بذوي الدين، وهو بالعلماء أقبح، إن الكسب يمنع من السير بالفكر الباطن»[53]، وعوض ذلك طالبهم بالتسول، وجعل لذلك آدابا خاصة[54]، وممن عرف بذلك أبو مدين الغوث، فقد قال ابن العربي الحاتمي: «كان شيخنا أبو مدين بالمغرب، قد ترك الحرفة، وجلس مع الله على ما يفتح الله له، وكان على طريقة عجيبة مع الله في ذلك الجلوس، فإنه ما كان يرد شيئا يؤتى إليه»، ثم بين وجه جواز ذلك على لسان أبي مدين في قوله: «نحن معشر الصوية أضياف ربنا تبارك وتعالى، نزلنا في حضرته على وجه الإقامة عنده إلى الأبد»[55]، وشرط الغزالي على الزاهد «أن لا يكون له ثوب يلبسه إذا غسل ثوبه…بل يلزمه القعود في البيت، فإذا صار صاحب قميصين وسروالين ومنديلين فقد خرج من جميع ألوان الزهد من حيث المقدار» [56]، وقد كان الغزالي يعرض فيه ألوانا غريبة من علاج أدواء النفوس كالبخل، فإنه كان يرى للبخيل أن يرمي ماله في الماء عوض إمساكه[57]، وهذا الذي جعله الغزالي الأولى للبخيل، محسوبٌ من السفاهة في الفقهين الشافعي والمالكي، بل طلب من المبتدئ السالك إلى الله أن يترك الزواج فقال: «اعلم أن المريد في ابتداء أمره ينبغي ألا يشغل نفسه بالتزويج، فإن ذلك شغل شاغل يمنعه من السلوك»[58] ونقل عن الداراني – ولا أظنه يصح عنه -: «من تزوج فقد ركن إلى الدنيا»[59]، ولست محتاجا إلى كثرة، بل يكفيني هذا القليل لإقامة الشهادة على غنوصية الفكر الصوفي الإحيائي.

فتوى إحراق علوم الدين

كان هذا وغيره، مما أثار فقهاء وقضاة الغرب الإسلامي على الإحياء، فتكلموا فيه عن علم ومعرفة، خلاف ما يفهم من قول السبكي : «كانت المغاربة لما وقع بهم كتاب الإحياء لم يفهموه، فحرقوه»[60]، فهو كلام لا يستقيم من جهة الاعتبار، وفيه نوع إساءة للمغاربة وفهمهم، والظاهر أنهم ما أفتوا بحرقه إلا لأنهم فهموه، ومثله ابن طلموس الذي زعم أن علماء المرابطين في الأندلس لم يعرفوا ما في كتب الغزالي[61]، وهو قول غريب، ويفهم سبب هذه التهمة إذا قرأنا قوله بعد ذلك: « وجاء الله بالإمام المهدي رضي الله عنه ..وندب الناس إلى قراءة كتب الغزالي رحمه الله، وعرف من مذهبه أنه يوافق» ! فهو لسان موحدي يقصد المرابطين بالتهمة والتنقيص.

يخلص من كل هذا سؤال حري بالإجابة الصادقة، وهو، هل يجوز صدور فتوى بإحراق كتاب ما أو منعه من الوقوع في عامة الناس لسبب ما ؟ فإن كان الجواب بالإيجاب، فما هي الأسباب المقبولة لذلك، ومن هي الجهة المؤهلة بإصدار فتوى وحكم المنع ؟

حينما كتب ابن رشد كتابه فصل المقال، كان من جملة ما قصده منه شيئان، بيان طبيعة العلاقة بين الشريعة والفلسفة من جهة، والرد على الغزالي في نقده للفلاسفة من جهة، وكان مما اجتمع فيه القصدان بحثه عن حقيقة التأويل وحدوده وشروطه، وقد اندفع فيه ابن رشد إلى أقصى ما يمكنه أن يصل إليه في مقال نقدي فلسفي، وهو درجة التكفير، وما يلزم منه من منع أسبابه، فرمى أبا حامد بالتسبب في كفر الناس لإفشائه التأويل الكلامي فيهم، زاعما أن التأويل في الأصل حكر على الفلاسفة فقط، وقال مفرعا عن موقفه من كتب أبي حامد الغزالي : «والذي يجب على أئمة المسلمين أن ينهوا عن كتبه التي تتضمن هذا العلم، إلا من كان من أهل العلم، كما يجب عليهم أن ينهوا عن كتب البرهان عمن ليس أهلا لها، وإن كان الضرر الداخل على الناس من كتب البرهان أخف..»[62]. فهي دعوة صريحة إلى مصادرة كتاب كلامي متصوف، بلسان فلسفي يخاطب فيه الأئمة ومن معهم لممارسة واجبهم في حماية أديان الناس، وقد تضمن كلام ابن رشد بيان قضيتين، علاقة العلماء بالحكام، وبيان سبب المنع، فواضح من خلال هذا النص الرشدي أن من دور العالم إصدار الحكم المؤهل له في مسألة من المسائل العلمية والعملية بالنظر إلى الغايات والمقاصد التي يرجى تحقيقها منه، أي بالنظر إلى تحقق المصالح والمفاسد وعدمها، وقد كان موقف ابن رشد – وهو لسان الفلسفة في زمانه – من كتب الغزالي واضحا، وهو وجوب قيام الحكام بمنع كتبه عن الناس لمنع وقوعهم في الكفر، وهو نفس ما كان السبب في قيام فقهاء وقضاة الأندلس على الإحياء، وبنفس الذريعة، وإن  اختلفت جهة النظر، أعني الخوف من إفساد أديان الناس! فهي إذن فتوى فقهية فلسفية، وحكم قضائي !

القضاء المرابطي

لم يكن قضاة الأندلس إلا فئة أخص من الفقهاء، وهذا أمر ينبغي اعتباره وملاحظته، فالأمر بالحرق كان قبل كل شيء حكما قضائيا قبل أن تتضارب فيه الفتاوى، وقبل أن يصير أمرا سلطانيا، فالذين تولوا هذا الأمر أصالة كانوا قضاة يمثلون المؤسسة القضائية، واستحضار هذا الاعتبار لا بد أن يؤثر في كثير من المواقف التي امتلأت بها بعض الأبحاث والكتابات الفكرية، التي غلب على كثير منها التقليد والعجلة وقلة التحقيق، فغالبها يتحدث عن فتوى الإحراق، ثم يعارضونها بفتاوى المنع من ذلك، لكنهم لا يعرجون على بيان أنه حكم قضائي بامتياز، وأنه كان من الواجب استئنافه، ولم يكن من ذلك شيء! وإذ إن الحرق تم، فهذا يعني أن الحكم القضائي كان ناجزا محكما، ولم نسمع عن أحد من المعترضين إقامة دعوى ضد حكم الحرق، وقد كان ذلك ممكنا، ومتيسرا، وكان الواجب اللجوء إلى القانون لا الاكتفاء بالفتاوى المضادة، وإصدار أحكام المواقف، ممن سعوا في حرقه ومنعه من أيدي الناس.

          ورث المرابطون نظاما قضائيا راقيا ومتمكنا بخصوصياته وميزاته، وكان عدد القضاة وتوزيعهم في الأراضي التابعة لحكم الدولة المرابطية تابعا للتقسيم الإداري والسياسي للأقاليم في المغرب والأندلس،[63] فلكل عدوة قاض يلقب بقاضي الجماعة، وإن كان النظام واحدا، فكان قاضي الجماعة بالأندلس في قرطبة، وممن تولاها القاضي محمد بن علي ابن حمدين التغلبي[64]، وامتاز قاضي العدوة المغربية بلقب زائد هو قاضي الحضرة، أي الحضرة المراكشية عاصمة الدولة، ووصف القاضي عياض منصبه هذا بـ”خلافة القضاء” كما في ترجمة القاضي عبد الرحمن بن محمد الكتامي المعروف بابن العجوز[65].

قوة الاستقلالية

تميز هذا القضاء في العهد المرابطي أكثر من غيره بالاستقلالية، والشواهد على ذلك قائمة، فكانت قوة القضاء ومصداقيته في استقلاله، كما كانت قوة السلطان من قوة القضاء، ولأجل هذا تجد أمثال أبي الوليد الباجي ينبه على ما ينبغي أن يكون من دعم سلطاني لأجل ذلك، ومن وجوب العدل من القاضي، ولو على الملك وأهل بيته وخاصته، فيقول: “على الملك أن يشرف منزلة القاضي ويقوي سلطانه، وينفذ حكمه في نفسه وولده وأهله وفي جميع أهل مملكته، كما فعلت الخلفاء والأيمة الهادية والسلف الصالح، لأن سلطانه من سلطانهم[66]، وصور عبد الله كنون هذا في النبوغ المغربي بأنه “يدل على أن القانون كانت له السيطرة على الجميع، وأن رجال الدولة كانوا هم أول من يحترمه[67]، ولاحظ استعماله لعبارة “القانون“.

لماذا أحرقوها؟

عودا إلى حكم الإحراق، فـ«في أول عام ثلاثة وخمسمائة عزم علي بن يوسف – عن إجماع قاضي قرطبة، أبي عبد الله محمد بن علي بن حمدين وفقهائها، على إحراق كتاب أبي حامد الغزالي رحمه الله تعالى المسمى بـ”الإحياء”، فأحرق في قرطبة بمسجدها على الباب الغربي على هيئته بجلوده بعد إشباعه زيتا…ونفذت كتبه إلى جميع بلاده أمرا بإحراقه..وتوالى الإحراق على ما اشتهر منه ببلاد المغرب بقية لك العام، وكان إحراق هؤلاء الجهلة لهذا الكتاب العظيم الذي ما ألف مثله سببا لزوال ملكهم وانتثار سلكهم واستئصال شأفتهم على يد هذا الأمير العزيز القائم بالحق المظهر للسنة ….»[68]، هكذا حكى ابن القطان قصة الإحراق، ثم حكى قصة طريفة في لقاء محمد بن تومرت بالغزالي، ودعائه أن يجعل ذهاب دولتهم على يديه!

يعتبر هذا النص في اعتقادي بظاهره ومضمره حافلا بالمعلومات الكاشفة عن صورة فتوى وحكم الإحراق، فهو يشير إلى أن فتوى الإحراق كانت إجماعا شاركت فيه المؤسسة التشريعية – الفقهاء – بالفتوى، والمؤسسة القضائية – قاضي القضاة والقضاة والفقهاء المشاورون – بالحكم، والمؤسسة التنفيذية – الأمير علي بن تاشفين والشرطة – بالتنفيذ، فكان قرار الإحراق قرار الدولة ومؤسساتها، هذا من جهة، وأما عن السبب، فإن ما مر ذكره قد يكون سببا أو أسبابا كافية لحرقه، لكن الأهمية التي أعطيت لحرق كتبه – ولا أخص الإحياء – كانت كبيرة ..بحيث ينبغي أن يكون السبب كبيرا!

روى السبكي في طبقات الشافعية الكبرى[69] بإسناده أن أبا الحسن علي ابن حِرْزِهِم  أحد كبار المتصوف في المغرب، كان ينتقد في أول أمره أشياء في الإحياء، ويرى أنها بدعة مخالفة للسنة – ولم يذكر السبكي مثالا لها -، وأن ابن حرزهم رأى بعد ذلك في المنام النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بجلده لذلك، ولم يرفع عنه الجلد حتى عفا عنه الغزالي الذي كان حاضرا، ثم استيقظ وعلى ظهره علامات السياط، فرجع عن موقفه النقدي من الإحياء، وصار يبشر به، وهي قصة غريبة طريفة، فيها بيان تراجع عالم عن موقف علمي برؤيا منامية، وكأنها قصة ترمز إلى التقابل الحاصل بين الفقيه والمتصوف، بين النظر والكشف، وإن اجتمعا في شخص واحد، والأغرب عندي في هذه القصة أن ابن حرزهم – كما في الرواية – كان من الداعين إلى مصادرة الإحياء أولا، أي أن بعض المتصوفة المغاربة رأى في الإحياء بعض ما يستنكر مما لا علاقة له بما يروجه بعض الباحثين مثل ضربة لازب، ولم يدفعه عن ذلك إلا رؤيا منامية، معدودة عندهم من الكشف، فإن كان من أمر يميز الفكر المتصوف عن غيره فالكشف، والذي يؤول معناه إلى نوع من الوحي، والنبوة، وهي قضية مؤهلة لتكون فوق غيرها الأسباب الحقيقية للإحراق، فهل كان في الإحياء من هذا شيء ؟

في كتاب “شرح عجائب القلب” من الإحياء، وهو الكتاب الأول من ربع المهلكات، استعرض الغزالي موضع القلب في عالم المعرفة، وبيَّن وحي الكشف وطريقة حصوله وطبيعته، وكان واضحا من كلام الغزالي أنه لا يفرق بين كشف الأولياء ووحي الأنبياء، إلا بفارق غير مؤثر، فقد عرف النبي بكونه شخصا كوشف – هكذا هي العبارة – بحقائق الأمور، وشغل بإصلاح الخلق، فأساس النبوة عنده شيئان، الكشف بحقائق الأمور، والانشغال بإصلاح الخلق، ثم عقب على هذا بقوله : «فلا يستحيل أن يكون في الوجود شخص مكاشف بالحقائق، ولا يشتغل بإصلاح الخلق»[70]، فالفرق بين النبوة والولاية في الفكر المتصوف عنده إذن، هو عدم الانشغال بإصلاح الخلق، والأمر الجامع “الكشف“، أي الوحي، ولذلك يجعلهما الغزالي نوعين تحت جنس “أهل الوحي والكشف” في مقابل نوعين آخرين داخلين تحت جنس مقابل، وهم “أهل النظر من العلماء والحكماء[71]، ومع هذا، فثم اعتبار آخر قد يكون محل اختلاف بين وحي الأنبياء وكشف الأولياء، وهو طريقة تحصيل هذا الوحي والكشف، فهل كان الغزالي يميز بينهما بذلك ؟

أرجو أن تبقى صورة قوله : «ولا يشتغل بإصلاح الخلق» في الذهن، مع استحضار ممارسة “الخلوة” و”العزلة” و”السياحة“، فإن هذا سيكشف للباحث طبيعة المشروع الصوفي، والذي يقوم على “تدبير المتوحد” كما هو عنوان كتاب ابن باجة الفيلسوف الأندلسي، بعيدا عن الانشغال بإصلاح الحال، وهداية عموم العباد، وعمران البلاد، وما كان من ذلك، فهو استيراد من المشروع الفقهي.

يذهب الغزالي إلى أن مقام النبوة، مثلها مثل مقام الولاية، من المنازل العلية التي يمكن بلوغها واكتسابها عن طريق نوع خاص من المجاهدة والرياضة الروحية، ويبين ذلك بقوله: «فالأنبياء والأولياء انكشف لهم الأمر، وفاض على صدورهم النور، لا بالتعلم والدراسة والكتابة للكتب، بل بالزهد في الدنيا، والتبري من علائقها، وتفريغ القلب من شواغلها، والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى»[72]، وفي النص مسألتان، الأولى، أن طريق تحصيل الكشف هو ما سبق وبينت حقيقته، وهو الغنوصية، والمسألة الثانية، أنه جعل الوحي مثل الكشف مسببا للحالة الغنوصية، إن لم يكن هو نفسه، باسم مختلف، وهذا هو الذي يسميه العلماء “اكتساب النبوة“، فالشخص الذي يحقق المجاهدة على الطريقة التي ذكرها الغزالي، يصل إلى مستوى الولاية والكشف، وتتحقق الأمور عنده على ما عليها، فإذا انضاف إلى ذلك انشغاله بإصلاح الخلق – على حد تعبير الغزالي وعلى ما يقصده منه – كان نبيا على وجه اللزوم، وهي نفسها الطريقة التي سلكها ابن العربي الحاتمي، الذي انتبه إلى ما يمكن أن يجر إلى كلام الغزالي من انتقادات، وتفطن إلى مضمون ما في كتاباته بخصوصها[73]، فاجتهد في رد دعوى اكتساب النبوة عنه[74]، ويقصد بها نبوة التشريع، أي التي يكون فيها انشغالٌ بإصلاح الخلق، أو كما يسميها ابن العربي الحاتمي “نبوة التشريع“، لكنه أثبت له القول باكتساب النبوة غير التشريعية، والتي يسميها “الوراثة” وأحيانا “مقام النبوة“، ومقام النبوة عنده نبوة، ولذلك تراه يقول : «النبوة مقام عند الله يناله البشر، وهو مختص بالأكابر من البشر، يعطى للنبي المشرع، ويعطى للتابع لهذا النبي المشرع»[75]، والأمر في النهاية، يؤول وفق ما حققه ابن العربي الحاتمي، إلى أن الغزالي يعتقد اكتساب النبوة الغنوصية ! وقد كنت ذكرت ما رمي به الإحياء من تأثره برسائل إخوان الصفا، وسيؤكد هذا التأثر بهم في هذه المسألة بالضبط الطرطوشي – الذي كان قد لقي الغزالي – إذ يقول: «سبكه بمذاهب الفلاسفة، ومعاني رسائل إخوان الصفا، وهم قوم يرون النبوءة مكتسبة، وليس النبي في زعمهم أكثر من شخص فاضل، تخلق بمحاسن الأخلاق، وجانب سفسافها، وساس نفسه حتى ملك قيادها …ثم ساس الخلق بتلك الأخلاق.. »، ثم ذكر علم المكاشفة وقال: «وهذا من فعل الباطنية وأهل الدغل والدخل في دين الله، يستغل الموجود، ويكلف النفوس المفقود، فهو تشويش لعقائد القلوب، وتوهين لما عليه كلمة الجماعة..»[76]، فلم يكن العلماء الذين انتقدوا الإحياء وصاحبه يتحدثون عن حلال وحرام، ولا عن ضرائب وأعشار، بل عن جملة من الأفكار المشوشة على العقائد ، والتي تؤول إلى إحداث الفرقة، وكسر عصا الجماعة، في بلد محاط بالمتربصين من كل وجه، وتنصيص الطرطوشي على تأثر الغزالي بمذاهب أصحاب الرسائل في اكتساب النبوة، هو ما سبق التنبيه عليه من قبل، ولله الحمد والمنة.

لابد هنا من وقفة مع عبد السلام غرميني في كتابه “المدارس الصوفية[77]، فإنه تناول موقف الطرطوشي بطريقة غريبة ومستنكرة علميا، فزعم أنه أبدى موقفه منه لعداء سابق، أو ربما بسبب تقدم الغزالي عليه في العلم والشهرة، إذ كان قد قصده على زعمه، فحاد عنه الغزالي، واستشهد بنص الضبي في البغية، ولفظه : «فلما تحقق أبو حامد أن الطرطوشي يؤمه حاد عنه، ووصل الحافظ أبو بكر فلم يجده»[78]، ولست أدري إن كان انتبه غرميني إلى تصريح الطرطوشي بلقائه بعد ذلك بالغزالي، وشهادته فيه، فإنه قال في رسالته لأبي عبد الله المظفر:«رأيت الرجل وكلمته، فوجدته رجلا جليلا من أهل العلم، قد نهضت به فضائله، واجتمع فيه العقل والفهم وممارسة العلوم طول عمره» [79]، فلا محل للحسد في موقف الطرطوشي، ولا وجود لعداء سابق، فما فعله الطرطوشي كان نصيحة، فإنه قد لقي الغزالي وشهد في شخصه بخير، لكن موقفه من فكره كان حسبة خالصة، وكشفا عما احتوى عليه فكر الغزالي مما رآه مخالفة للشريعة.

لا بد أن فقهاء الأندلس وعلماءه وزهاده وقفوا على هذا وأمثاله كما وقف الطرطوشي، وقام عندهم من ذلك تصور كاف لماهية دعوة الغزالي في إحيائه، وقضية الكشف، “الوحي“، واكتساب النبوة غير التشريعية، كافية لإثارة إجماع القضاة والفقهاء للدعوة إلى إحراق كتاب يحتوي ذلك، وما عارض معارض لهذا الحكم إلا لجهل بما يقتضيه ، وعدم تفطنه إلى ما تفطن إليه الإجماع الفقهي العاقل والقضائي الواعي، أو بسبب الموافقة على ما فيه، ومن ذلك القول بالكشف الغنوصي الآيل إلى القول بنوع من النبوة، فهل يمكن الجزم بأن هذا هو السبب الحقيقي والوحيد لحرق إحياء علوم الدين؟

الظاهر أنه لم يكن وحده ما دفع العلماء إلى الحكم على الإحياء بالإعدام، وإن كان أحرى بأن يكون كافيا، فالقول باكتساب النبوة قاصمة، كانت تحتاج من الفقهاء إلى عاصمة، ولذلك صرح بعض العلماء في وضوح، أن إحراق الإحياء كان بسبب القول باكتساب النبوة وغيرها[80].

المعارضة المتصوفة

كان هذا موقف الفقهاء وعلماء الشريعة، لكنه لم يسلم من المعارضة، فقد أظهرها بعض المتصوفة، وتولى المنسوبون منهم إلى شيء من الفقه كبر ذلك، خصوصا المَرِّيُّون[81]، وكان منهم أبو الحسن البرجي المري (509هـ) أحد شيوخ ابن العَرِّيف، والذي أفتى بتأديب محرق كتب الغزالي، وتبعه على ذلك أبو القاسم ابن ورد وأبو بكر عمر بن الفصيح، وله قصة مع قاضي المرية مروان بن عبد الملك، [82] وتخفف بعض الفقهاء، فأظهروا استنكارهم الشديد لمضمون الكتاب، دون الدعوة إلى إحراقه، كالقاضي عياض الذي قال : «والشيخ أبو حامد ذو الأنباء الشنيعة والتصانيف الفظيعة، غلا في طريقة التصوف، وتجرد لنصر مذهبهم، وصار داعية في ذلك، وألف فيه تواليفه المشهورة، أخذ عليه فيها مواضع، وساءت به ظنون أمة، والله أعلم بسره، ونفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب، وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها، فامتثل ذلك»[83] .

في كلام عياض إضافات وإضاءات في غاية الأهمية، فهو يتحدث عن تواليف وتصانيف احتوت على فظائع وأنباء شنيعة، وهذا يعني أن الأمر لم يكن قاصرا على الإحياء، بل شمل كتب الغزالي المتعلق بالتصوف، وبعبارة أخرى أقرب… بفكر الغزالي، وهو ما يشهد له نص وازن آخر لابن حمدين القاضي القائم بأمر الإحراق، يقول فيه: «إن بعض من يعظ ممن كان ينتحل رسم الفقه، ثم تبرأ منه شغفا بالشرعة الغزالية والنحلة المتصوفة، أنشأ كراسة تشتمل على معنى التعصب لكتاب أبي حامد إمام بدعتهم، فأين هو من شنع مناكيره ومضاليل أساطيره المباينة للدين»[84]، ففيه حديث عن “شرعة غزالية متصوفة“، فيها مناكير ومضاليل أساطير مخالفة للدين، ومتابعة لمن ينتمي إليها، وقد كان لابن حمدين رسائل في الرد على الغزالي، تلقاها عنه القاضي عياض[85]، وقد حمله كنون[86] مسؤولية إثارة قضية الإحياء، وأحسب أنه كان يقصد الإثارة القضائية بمتابعته وإحراقه، وإلا فإن موقف الفقهاء لم يكن يحتاج إلى من يثيره.

من الأمور الغريبة التي تشين بعض الأبحاث العلمية، ما فعله عبد الجليل العلمي، حينما ذكر أن “الكرامة تتدخل لردع الفقهاء“! وأن من كرامات أبي محمد عبد الله المليجي، وهو من رجال التشوف، أنه دعا على الذين أفتوا بإحراق كتاب الإحياء، وأنه ما انقضى شهر حتى مات جميع أولئك الفقهاء، وقد كانت فتوى إحراق الإحياء سنة 503 هـ، وابن حمدين الذي يعدونه رأس القائمين على ذلك توفي سنة 508 هـ[87]، أي بعد الدعوة عليه بنحو خمس سنوات ! وواضح أن الدعاء لم يستجب، وكان من الأولى أن يتجنب العلمي أمثال هذه الأمور التي ليس لها قيمة علمية، إن هي إلا خرافات.

إحراق كتاب أو إحراق فكر؟

كل هذا يؤكد أن جل فقهاء الأندلس والمغاربة كانوا يعرفون ما في الإحياء، لا كما ادعاه السبكي، بل كانوا يفهمون ما في كتبه الأخرى التي دخلت الأندلس مثل “معيار العلم” الذي ألف أبو القاسم بن نجاح كتابا حذا فيه حذوه[88]، وكان موقفهم منها على السواء، فقد قضوا فيها بالتضييق والمتابعة، وتثيرك عبارة مليئة لصاحب التكلمة، يشير فيها إلى إحراق كتب الغزالي لا الإحياء بالتعيين، وهو يدل على أن الإحياء لم يختص بذلك، بل كان الحكم بالإحراق عاما لكتبه التي دخلت الأندلس، ومن الكتب المشهورة النسبة إلى الغزالي كتاب مشكاة الأنوار، الذي قال فيه عبد الحق ابن سبعين: «وكتابه على أكثر ما يظهر، في أكثر كلامه، هو رسائل إخوان الصفا»[89]،  وهو نص له أهمية فائقة لثلاثة اعتبارات، الأول، أهلية صاحبه المتفق عليها في التصوف، والثاني سلامته من شوائب المؤثرات، إذ أن الرجل معروف عنه صراحته في النقد، لا يرقب في المنتقد تصوفه ولا شهرته، والثالث وهي الأخطر علميا، ربطه بين فكر الغزالي وفكر باطنية إخوان الصفا، ويشهد لهذا قول المحقق : «يمثل هذا الكتاب صورة عن التأويل الباطني للآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة»[90]، وأما المستشرق فنسنك فذهب في جهة مختلفة، بمحاولة إثبات «أن القسم الأول من مشكاة الأنوار، ليس إلا تلخيصا للفصل الخامس من التساع الرابع من تساعات أفلوطين..»[91]، ولو ثبت هذا وغيره، فسنكون أمام فكر تلفيقي بامتياز، لكنني راجعت الموضعين، فكان عنوان الفصل الخامس في التاسوعات الرابعة “في المشكلات المتعلقة بالنفس في الإبصار[92]، وكان الموضع الذي أشار إليه فنسنك في المشكاة متعلقا بالنور والإبصار الطبيعيين[93]، ولكنني لم أجد على قدر فهمي، ما يمكن أن يكون صلة وصل بينهما..ولعل الأمر يحتاج إلى مزيد تأمل!

نظريات في إحراق الإحياء

ثَم نظريات أخرى حول الأسباب التي دفعت الفقهاء إلى الفتوى بإحراقه، فذهب مصطفى بنسباع[94] إلى أن كتاب الحلال والحرام من الإحياء يحتوي على الجواب، خصوصا الباب الرابع والخامس والسادس، وهي أبواب معقودة في إدرارات السلاطين وصلاتهم، وما يحل منها وما يحرم، والدخول على السلاطين ومخالطتهم وكيفية خروج التائب عن المظالم المالية .

ومثله عبد الهادي البياض، حيث رأى أن سبب الإحراق كان بسبب الحملة الشعواء التي أعلنها فيه الغزالي على علماء البلاط، المتآمرين مع الأمراء في إلزام الرعية بأداء ضرائب غير شرعية تحت مسميات مغرضة[95].

ولي على هذا جملة من الملاحظات أولها:

إن الفقهاء ومعهم السلطة في مراكش، لم يأمروا بإحراق الإحياء وحده، بل كانت المصادرة منوطة بكتب أبي حامد الغزالي، وعلى هذا شواهد، منها ما ورد في رسالة أميرية من تاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين فيها : «ومتى عثرتم وفقكم الله على كتاب بدعة أو صاحب بدعة، وخاصة وفقكم الله كتب أبي حامد الغزالي فليتبع أثرها، وليقطع بالحرق المتتابع خبرها، ويبحث عليها، وتغلظ الأيمان على من يتهم بكتمانها»، ثم يذكر الخمر ووجوب إراقة دنانها، وأخذ حقوق المسلمين من الأعشار والزكوات والأموال المفروضة للأرزاق المسماة، وأخذ ما فرض الله منها في نصابها المعلوم، وعلى سنة نبيه عليه أفضل الصلاة والتسليم[96]، وهذا النص بالغ الأهمية، فزيادة على كونه دالا على أن المتابعة والحرق استمرت بعد علي بن تاشفين،  ففيه أن ذلك لم يكن خاصا بالإحياء، ولا بكتب الغزالي فقط، بل بكتب أهل البدع، وليس من أمر جامع بينها إلا المخالفة للشريعة، وليلاحظ أيضا أن الأمير علي بن يوسف كان واضحا في شأن الضرائب التي تحدث عنها عبد الهادي البياض، فقد نص على أن تؤخذ وفق ما ورد بيانه في الكتاب والسنة، لأنها حقوق المسلمين ! ويؤكد هذا قول صاحب المعجب عنه: «كان حسن السيرة، جيد الطوية، نزيه النفس بعيدا عن الظلم، كان إلى أن يعد من الزهاد ..أقرب منه إلى أن يعد من الملوك والمتغلبين، واشتد إيثاره لأهل الفقه والدين»[97].

ومثله ابن حمدين القاضي، ولعل أقوى شهادة يمكن اعتمادها في بيان حقيقة هذا الرجل، ما صدر عن ابن القطان، أحد ألسنة الموحدين المشهورين، وهو قوله: «كان جميل الطريقة، ساعيا في كل خير، قطع الضرائب والمعاون عن أهل قرطبة، وسن كل طريقة جميلة وسيرة حسنة…وكان ذكي الفهم، سريع الخاطر، رقيق الطبع، فقيها أديبا بليغا، شاعرا كاتبا فاضلا، ورعا دينا حذرا من العواقب»[98]، فكان جميل الطريقة..قطع الضرائب..ورعا ديّنا..!

إن مما يؤكد أن الحرق طال غير الإحياء، قول عبد الواحد المراكشي : «ولما دخلت كتب أبي حامد الغزالي رحمه الله المغرب، أمر أمير المسلمين بإحراقها»[99]، ومثله ابن طلموس في المدخل إلى صناعة المنطق[100]، فالقضية إذن قضية كتب الغزالي لا الإحياء خاصة، وبملاحظة كلمة الأمير علي، يخلص عندنا أن حكم الإحراق والملاحقة كان لكتب أهل البدع، وكانت كتب الغزالي منها في نظرهم، وخاصة الإحياء، ولم يكن هذا بدعا من الأمر، فقد سبقته حوادث مشابهة، مثل إحراق كتب علوم الأوائل بأمر المنصور بن أبي عامر، وقبله إحراق كتب ابن مسرة الجبلي، وكان الأمر الجامع في كل ذلك، هو دفع ضرر تلك الكتب لما احتوته من مخالفات للعقيدة السلفية وأصول الشريعة السنية، خوفا على أديان الناس، وصونا لوحدة الأمة، أي أن المرابطين مارسوا عادة مستمرة لدول الغرب الإسلامي، وسيكون للموحدين موقف مشابه مع كتب ابن رشد، وكتب فروع المالكية، وبهذا تبدو نظرية ربط الإحراق بسبب كتاب الحلال والحرام من الإحياء ضعيفة جدا، ليس لها من الضمانات ما يقيمها في وجه الانتقاد الجاد، وإن مما يؤكد هذا أن الغزالي رد على منتقديه، وألف في ذلك رسالة “الإملاء على إشكالات الإحياء“، ولا يوجد فيها حديث عن حلال ولا حرام ولا ضرائب، إنما هو المعتقد وأصول الشريعة.

وأما الملاحظة الثانية فإنه لو كان باب الحلال والحرام هو ما كان يثير المرابطين، لكان الأمر أهون بكثير، ولتصدى الفقهاء للتأليف في نقد ونقض ما عرضه الغزالي، وما كان ليعوزهم ما بين أيديهم من المعرفة المدونة، ولوجدوا ما يردون به عليه، ولكان ذلك أوقع في النفوس وأحرى بقطع ما ينتجه ذلك من تشويش أو إثارة اجتماعية وسياسية على الدولة، ولكن الذي حصل أن الردود على الغزالي كانت متعلقة بالجانب العقدي في الإحياء لا بسبب الحلال والحرام، وكان ممن رد عليه الطرطوشي (520 هـ) في “الأسرار والعبر“، وابن الألبيري (537 هـ) في “الأمالي في النقض على الغزالي“، والمازري (536 ) في “الكشف والإنباء عن كتاب الإحياء“.

نظرية أخرى أثارها بعضهم، فيها من الغرابة شيء كثير، وهي الزعم بأن سبب الإحراق كان بسبب التوجه الفقهي الشافعي في الكتاب، وهو ما أثار الفقهاء المالكية عليه، وصوب هذا التعليل الغرميني[101]، ولم يأت بشيء يدل على ذلك، ولعله من أضعف التعليلات في نظري، فليس هذا مما يستخرج له حكم قضائي بالإحراق، ومثلها أنه بعد أن ذكر إنكار المازري على الغزالي أن من مات بعد بلوغه، ولم يعلم أن الباري قديم، مات مسلما بالإجماع، قال: «وربما تكون هذه المسألة قد حركت هواجس الفقهاء المغاربة قبله»، وهذا غريب جدا، وما الذي تعنيه كلمة “ربما” ؟ فمثل هذه الأمور لا تحقق بمثل هذه الكلمات.

الظاهر أن ما كان ما يخشاه علماء الغرب الإسلامي في عهد المرابطين، هو أن يصير الإحياء وغيره متونا تشريعية[102]، تكون أساسا لظهور وانتشار نوع خاص من الفكر والممارسة اللذين يفضيان إلى إضعاف الدولة والدين، وتوهين المجتمع، وهو أمر لفت الانتباه إليه عبد القادر العافية بطريقة لطيفة بقوله: «وسنرى أنه عندما فتح الباب على مصراعيه، كيف أصبح المغرب زاوية كبيرة، من أقصاه إلى أقصاه، وهذا ما كانت تخشاه الدولة المرابطية»[103]، وهو الذي حصل، وهو جزء مما كان يخشاه الفقهاء في عهد المرابطين وليسوا فقهاء المرابطين ! وقد لاحظ هذا الحجوي في فكره السامي، مع إضافة مهمة، وهي أن الزوايا صارت أكثر عددا من المساجد والمدارس، وهو أمر كان يعني عند الحجوي أن حدوث هذا النوع من التصوف وتطوراته، أدخل كثيرا من الوهن على الفقه والفقهاء خاصة بعد القرن السابع الهجري [104]، فقد وقع نوع من التزاوج بين الفقه والتصوف، وصار الأول متحكما في الثاني بقهر القطبية والكشف، وصار الفقيه مسلما للمتصوف، ولو كان أميا، بعد أن كان منتقدا محتسبا عليه، كما هي حال الفقهاء مع أبي يعزى .

الإحياء في عيون حداثية

استمر تأثير الإحياء في الفكر المغربي، وهذه المرة في الفكر العلماني أيضا، فما الذي يمكن أن يجده العلمانيون في مثل هذا الكتاب مما يناسب أصولهم وقواعدهم وتطلعاتهم، صحيح أن الفكر العلماني يعادي الفكر العرفاني كما يصفونه، فهل يمكن أن يوجد في إحياء علوم الدين ما يمكنهم توظيفه لدعم فكرهم، أو على الأقل، لدفع الانتقاد عنهم، أو لإلزام خصوهم الإسلاميين على حد تعبير ابن العربي المعافري ؟

كان عبد المجيد الشرفي[105] من تولى الإجابة عن هذا السؤال الطريف، وكان جوابه أكثر غرابة من السؤال، فقد – لفت نظره كما يزعم – تكرر استعمال أبي حامد لعبارة «استفت قلبك»، واعتبرها «قاعدة حري بالمسلمين أن يأخذوا بها، لردم الفجوة بين الدين والحياة، ولكسر التقليد الأعمى من دون برهان ولا دليل»[106]، لكن هذا الاستنباط والتقعيد يعترضه إشكالان، الأول متعلق بمدى مطابقة فهمه للعبارة مع مقصد الغزالي من استعمالها، والذي كان متعلقا بباب الورع، والإشكال الثاني متعلق بطبيعة هذا الاستفتاء.

أيا ما كان الأمر، فما فعله الشرفي نموذج من نماذج كثيرة لعمليات الانتقاء والتوظيف داخل التراث الإسلامي، ولم يكن الإحياء ببعيد عن هذه العمليات، فإذا كان متصوفة القرن السادس وما بعده وجدوا في جزء التصوف من الإحياء، مادة مؤسسة للفكر والممارسة المتصوفة في المغرب والأندلس خاصة، وهو توظيف موضوعي تقتضيه طبيعة المادة والفكر، فما فعله الشرفي لم يكن له مسوغ موضوعي، سوى انتقاء ما يناسبه لتوظيفه، فالشرفي لا يخفي موقفه من الشريعة كلها، وأنها مما ينبغي تجاوزه، وغلق بابه، والختم على رتاجه.

هذه وقفات كان لابد منها لرفع بعض ما كان مرميا على وجه قضية الإحياء، وكشف بعض مما أخفي من معالمها وحقيقتها، وقد كنت حريصا على أن يكون هذا المبحث طريقة لتحفيز الباحثين على إعادة النظر في قصة الإحياء في المغرب، فلن نتمكن من معرفة حقيقة ما فعله الإحياء في المغرب أو ما لم يفعله بدون دراسة عميقة وصادقة، بتجاوز بعض الدراسات الموجهة أو السطحية، وعرض كل المعلومات المتعلقة به أمام أنظار النقاد، بعيدا عن المزايدات والمداهنات.

والحمد لله رب العالمين

المصادر والمراجع

القرآن الكريم

الأبعاد المتصوفة، آن ماري شيمل، ترجمة محمد إسماعيل السيد ورضا حامد قطب، منشورات الجمل، الطبعة الأولى، 2006م.

إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، تحقيق محمد الدالي، المكتبة العصرية، 1413هـ، 1992م.

الإسلام بين الرسالة والتاريخ، عبد المجيد الشرفي، دار الطليعة، الطبعة الثانية، 2008م.

أضواء جديدة على المرابطين، عصمت دندش، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1991م.

أنس الفقير وعز الحقير، أحمد ابن قنفذ القسنطيني، اعتنى بنشره وتحقيقه محمد الفاسي وأدولف فور، منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي التابع لكلية الآداب جامعة محمد الخامس، 1965م.

بد العارف، ابن سبعين، تحقيق جورج كتوره، دار الأندلس، الطبعة الأولى، 1978م.

بغية الملتمس في تاريخ أهل الأندلس، الضبي، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب اللبناني، الطبعة الأولى، 1410هـ، 1989م.

تاريخ علماء الأندلس، ابن الفرضي، تحقيق عزت العطار الحسيني، مطبعة المدني، الطبعة الثانية، 1408هـ، 1988م.

التاسوعات، أفلوطين، ترجمة فريد جبر، مكتبة لبنان ناشرون، الطبعة الأولى، 1997م.

التشوف إلى رجال التصوف، ابن الزيات التادلي، تحقيق أحمد التوفيق، الطبعة الثانية، 1997م.

التصوف السني في تاريخ المغرب، نسق نموذجي للوسطية والاعتدال، مجموعة من المؤلين، منشورات الزمن، سلسلة شرفات، رقم27، 2010م.

التكملة لكتاب الصلة، ابن الأبار، تحقيق عبد السلام الهراس، دار الفكر، 1415هـ، 1995م.

التوحيد والوساطة في التربية الدعوية، فريد الأنصاري، دار السلام، الطبعة الأولى، 1432هـ، 2011م.

جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس، محمد بن فتوح الأندلسي، تحقق بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1429هـ، 2008م.

حي بن يقظان، ابن طفيل، تحقيق أحمد أمين، وزع مجانا مع العدد 79 من مجلة الدوحة مايو 2014.

خلع النعلين، واقتباس النورين من موضع القدمين، أحمد ابن قسي، تحقيق محمد الأمراني، الطبعة الأولى، 1418هـ، 1997م.

الزهد والمتصوفة والسلطة في الأندلس، منويلا مرين، تعريب مصطفى بنسباع، جامعة عبد الملك السعدي، 2010.

السلطة بين التسنن والتشيع والتصوف ما بين عصري المرابطين والموحدين، مصطفى بنسباع، منشورات الجمعية المغربية للدراسات الأندلسية، الطبعة الأولى، 1999م.

سير أعلام النبلاء، الذهبي، مؤسسة الرسالة، بشار عواد معروف.

شفاء السائل وتهذيب المسائل، ابن خلدون، تحقيق محمد مطيع الحافظ، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1996م.

طبقات الشافعية الكبرى، تاج الدين السبكي، تحقيق جماعي، دار إحياء الكتب العربية.

علم المكاشفة في إحياء علوم الدين، عبد الله السهلي، دار كنوز إشبيليا، الطبعة الأولى، 1436هـ، 2015م.

الغزالي بين الدين والفلسفة، عارف تامر، رياض الريس للكتب والنشر.

الغنية، القاضي عياض بن موسى، تحقيق ماهر زهير جرار، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1402هـ، 1982م.

الفتوحات المكية، ابن العربي الحاتمي، تحقيق عثمان يحيى وإبارهيم مدكور، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 407هـ، 1987م.

فصل المقال فيما بين الشريعة والحقيقة من الاتصال، أبو الوليد ابن رشد، تحقيق محمد عمارة، دار المعارف، الطبعة الثانية.

فصول الأحكام وبيان ما مضى عليه العمل عند الفقهاء والحكام، أبو الوليد الباجي، تحقيق محمد أبو الأجفان، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1422هـ، 2002م.

الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، محمد بن الحسن الحجوي، مطبعة البلدية بفاس، المغرب، 1345هـ.

فهم القرآن، محمد عابد الجابري، الطبعة الأولى، 2008م.

قانون التأويل، ابن العربي المعافري، تحقيق محمد السليماني، دار القبلة للثقافة الإسلامية، الطبعة الأولى، 1406هـ، 1986م.

مجلة المعهد المصري، مطبعة المعهد المصري.

مجلة دعوة الحق، وزارة عموم الأوقاف المغربية سابقا.

المدارس المتصوفة المغربية والأندلسية في القرن السادس الهجري، عبد السلام غرميني، دار الرشاد الحديثة، الطبعة الأولى، 1420هـ، 2000م.

المدخل إلى صناعة المنطق، ابن طملوس، تحقيق ميغيل أسين، 1916م.

مشكاة الأنوار، أبو حامد الغزالي، تحقيق عبد العزيز السيروان، عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1407هـ، 1986م.

المعجب في تلخيص أخبار المغرب، عبد الواحد المراكشي، تحقيق محمد سعيد العريان، المجلس الأعلى للشؤون

المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي اهل إفريقية والأندلس والمغرب، أبو العباس الونشريسي، تحقيق جماعي، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب.

مؤلفات الغزالي، عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات بالكويت، الطبعة الثانية، 1977م.

ميزان العمل، أبو حامد الغزالي، مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح أولاده.

النبوغ المغربي، عبد الله كنون، الطبعة الثانية.

نظم الجمان لترتيب ما سلف من أخبار الزمان، ابن القطان الفاسي، دار الغرب الإسلامي.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

[1] Paul Nwyia في “Ibn ‘Abbād de Ronda “.

[2] الأبعاد المتصوفة ص286.

[3] طبقات الشافعية الكبرى (6/195).

[4] الغزالي بين الدين والفلسفة ص41.

[5] طبقات الشافعية الكبرى (4/92)

[6] يشهد لهذا كتابه “المنقذ من الضلال”.

[7] ينقل محمد أركون عن لويس ماسينيون أن الغزالي كان تاليا للحلاج في محاولة مطابقة العقيدة الإسلامية مع الفلسفة الإغريقية بالارتكاز على قواعد التجريب المتصوفة كما في الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ص154.

[8] يبدو أن محمد أركون اقتبس هذا في وصفه لأعمال الغزالي بأنها «ذات صبغة فلسفية ولاهوتية وقانونية وفقهية ومتصوفة..»، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص144.

[9] بد العارف ص144.

[10] فصل المقال ص52.

[11] حي بن يقظان ص22.

[12] حي بن يقظان ص23.

[13] سير أعلام النبلاء (19/330و341).

[14] طبقات الشافعية الكبرى (6/241).

[15] أضواء جديدة على المرابطين ص43.

[16] العواصم ص24.

[17] العواصم ص24

[18] العواصم ص26.

[19] يؤسفني أن يتعمد كثير من الباحثين في التصوف المغربي اجتناب ابن العربي ونقده، ولست أدري سبب ذلك على التفصيل .

[20] العواصم ص18.

[21] يحتاج إلى إعادة قراءة الإحياء قراءة حذرة، بترقب وجود مؤشرات قد تدل على ترميز لبعض ما يفصح عنه في غيره والله أعلم.

[22] ذكره محققه عبد العزيز السبروان أن للكتاب أكثر من 36 نسخة مخطوطة، وقد حققه على نسختين نفيستين كما يقول.

[23] مشكاة الأنوار ص137و138.

[24] مشكاة الأنوار ص 140و141.

[25] مشكاة الأنوار ص 142.

[26] فهم القرآن (3/295).

[27] تاريخ علماء الأندلس ص207.

[28] جذوة المقتبس ص468.

[29] شفاء السائل ص33.

[30] الزهد والمتصوفة والسلطة في الأندلس ص36.

[31] قانون التأويل ص565.

[32] شفاء السائل ص55.

[33] وثم من المغاربة والأندلسيين من أخذه بالمشرق، نفح الطيب (2/513).

[34] التكملة (1/274).

[35] التشوف ص213.

[36] التشوف ص270.

[37] أنس الفقير ص9.

 [38]أنس الفقير ص76.

[39] أنس الفقر ص75.

[40] بغية الملتمس (1/179).

[41] مشكاة الأنوار ص161.

[42] الفتوحات المكية (1/283).

[43] خلع النعلين ص212.

[44] يراجع العواصم من القواصم ص198.

[45] ميزان العمل ص106.

[46] ميزان العمل ص102

[47] ميزان العمل ص102.

[48] الإحياء (4/258).

[49] الفتوحات المكية (4/154).

[50] الإحياء (1/104).

[51] الفتوحات المكية (2/358و359).

[52] الفتوحات المكية (3/187).

[53] الإحياء (4/275).

[54] الأدب في الدين ص124.

[55] الفتوحات المكية (8/418).

[56] الإحياء (4/231).

[57] الإحياء (2/25).

[58] الإحياء (3/19).

[59] الإحياء (3/101).

[60] طبقات الشافعية الكبرى (6/254).

[61] المدخل إلى صناعة المنطق ص11و12.

[62] فصل المقال ص53.

[63] يراجع في تقسيم بلاد الأندلس إلى “المعرب عن حلى المغرب” لابن سعيد.

[64] الغنية ص46.

[65] المصدر نفسه ص 168.

[66] فصول الأحكام وبيان ما مضى عليه العمل عند الفقهاء والحكام ص108.

[67] النبوغ المغربي ص69.

[68] نظم الجمان ص71 و72.

[69] طبقات الشافعية الكبرى (6/259و260).

[70] إحياء علوم الدين (3/34).

[71] إحياء علوم الدين (3/29).

[72] إحياء علوم الدين (3/26).

[73] الفتوحات المكية (11/253و255).

[74] ذكر البرزلي في جامع مسائل الأحكام (6/401) أن القول باكتساب النبوة كفر وفسق، وأنها من مقالات الباطنية، وأن بعضهم نقله عن الغزالي، وأنها إحدى الأمور التي أخذ عليها فيها كثيرا.

[75] الفتوحات المكية (11/254).

[76] المعيار المعرب (12/186و187).

[77] ص418.

[78] بغية الملتمس ص135.

[79] المعيار المعرب (12/186).

[80] علم المكاشفة في إحياء علوم الدين ص17، ونسبه صاحب الكتاب إلى الزبيدي في رسالة في حفظ النبوة، مخطوطة في مكتبة الملك فهد.

[81]  نسبة إلى ألمِرِيَّة إحدى مدن الأندلس.

[82] التكملة (2/184).

[83] سير أعلام النبلاء (19/327).

[84] السير (19/332).

[85] الغنية ص46.

[86] النبوغ المغربي (1/70).

[87] الغنية ص46.

[88] التكملة (4/79).

[89] بد العارف ص145، ولست أدري وجه قول المحقق في الهامش: «وهذه إحدى أخطاء ابن سبعين»، ولم يذكر وجه ذلك، فلست أظن أنه يشكك في صحة نسبة الكتاب إلى الغزالي فقد تولى ذلك عبد الرحمن بدوي في مؤلفات الغزالي ص52، فإن كان قصده خطأ في الفهم فابن سبعين أعلم بكتب الغزالي، وأعلم بمضمون رسائل إخوان الصفا…!

[90] جزء الدراسة من تحقيق المشكاة ص36.

[91] مؤلفات الغزالي ص197.

[92] التاسوعات ص377.

[93] مشكاة الأنوار ص83.

[94] السلطة بين التسنن والتشيع والتصوف ما بين عصري المرابطين والموحدين ص82.

[95] التصوف السني في تاريخ المغرب، نسق نموذجي للوسطية والاعتدال ص217.

[96] مجلة المعهد المصري (3/113).

[97] المعجب ص235.

[98] نظم الجمان ص74.

[99] المعجب ص227، تحقيق العريان.

[100] ص12.

[101] المدارس الصوفية ص420.

[102] التوحيد والوساطة ص97.

[103] مجلة دعوة الحق (السنة 16/العدد7/ص177).

[104] الفكر السامي (3/59و60).

[105] ألقى عبد المجيد الشرفي محاضرة بمقر أكاديمية المملكة المغربية يوم السبت 07/05/2016 بعنوان : “الحداثة الغربية والظاهرة الدينية”.

[106] الإسلام بين الرسالة والتاريخ ص66.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية في الإسلام

  إنَّ حريةَ الاعتقاد في الإسلام تميَّزت بتفاصيل كثيرة واضحة، وهي تعني أن كلَّ شخص حرّ في اختيار ما يؤمن به وما يدين به، ولا يجب على أحدٍ أن يُكرهَه على اعتقاده، كما تعني الاحترامَ لحرية الآخرين في اختياراتهم الدينية والمعتقدات الشخصية. موقفُ الإسلام من الحرية الدينية: الأصلُ عدمُ الإجبار على الإسلام، ولا يُكره أحد […]

دفع إشكال في مذهب الحنابلة في مسألة حَلِّ السِّحر بالسحر

  في هذا العصر -عصر التقدم المادي- تزداد ظاهرة السحر نفوذًا وانتشارًا، فأكثر شعوب العالم تقدّمًا مادّيًّا -كأمريكا وفرنسا وألمانيا- تجري فيها طقوس السحر على نطاق واسع وبطرق متنوعة، بل إن السحر قد واكب هذا التطور المادي، فأقيمت الجمعيات والمعاهد لتعليم السحر سواء عن طريق الانتظام أو الانتساب، كما نظمت المؤتمرات والندوات في هذا المجال. […]

الفكر الغنوصي في “إحياء علوم الدين” لأبي حامد الغزالي وموقف فقهاء ومتصوفة الغرب الإسلامي منه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة بسم الله الرحمن الرحيم لا تخفى المكانة التي حظي بها كتاب إحياء علوم الدين عند المتصوفة في المغرب والأندلس، فكتب التراجم والمناقب المتصوفة المغربية المشهورة، شاهدة على حضور معرفي مؤثر ظاهر لهذا الكتاب في تشكيل العقل المتصوف وتوجيه ممارسته، وأول ما يثير الانتباه فيه، هو التأكيد على الأثر المشرقي […]

لماذا أحرق أبو بكر وعمر الأحاديث؟

تمهيد: يلتفُّ بعض فرق المبتدعة حول الحداثيين والعلمانيين، ويلتفُّ العلمانيون ومن نحى نحوهم حول هذه الفرق، ويتقاطع معهم منكرو السنَّة ليجتمعوا كلّهم ضدَّ منهج أهل السنة والجماعة في تثبيت حجية السنة والأخذ بها والعمل بها والذبِّ عنها. وبالرغم من أنّ دوافع هذه الفرق والطوائف قد تختلف، إلا أنها تأخذ من بعضها البعض حتى يطعنوا في […]

هل كان ابن فيروز وغيره أعلم من ابن عبد الوهاب بمنهج ابن تيمية؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة يعتمد المخالفون على أن مناوئي الدعوة -من الحنابلة- كانوا معظِّمين لابن تيمية وابن القيم، بل وينتسبون إليهم أيضًا؛ كابن فيروز وابن داود وابن جرجيس، ويعتبرون ذلك دليلًا كافيًا على كونهم على مذهب ابن تيمية، وعلى كون الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعيدًا عن منهج الشيخين ابن تيمية وابن القيم. […]

ترجمة الشَّيخ د. عمر حسن فلاته (محدث الحرمين الشريفين وأول من نال شهادة الماجستير في المملكة العربية السعودية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة ترجمة الشَّيخ د. عمر حسن فلاته([1]) محدث الحرمين الشريفين وأول من نال شهادة الماجستير في المملكة العربية السعودية   اسمه ونسبه: هو محدث الحرمين الشريفين الشَّيخ الدكتور أبو ميْسُون عُمر بن حسن بن عثمان بن محمد الفُلَّاني المدني المالكي، المعروف بـ(عمر حسن فلاته)([2]). مولده: ولد الشَّيخ في المدينة المنورة […]

ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده.  وبعد: فهذه ترجمة للشيخ محمد بن عبد الوهاب أخذتها من كتاب زعماء الإصلاح للكاتب والأديب المصري الراحل أحمد أمين، وقد ضمنتها بعض التعاليق التي تبين الوجهة الصحيحة من الشيخ وما في زمانه من أحداث، وتتميز […]

أسانيد الأمة عن الأشاعرة ووجود فجوة بين ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب (دعوى ونقاش)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدّمة: من الدعاوى التي يروّجها كثيرٌ من الأشاعرة المعاصرين القولُ بأن أسانيد علوم الإسلام نُقلت من خلالهم، مثل علوم القرآن وعلوم الحديث وعلوم التفسير والأصول، فنقَلَةُ الدين في العصور المتأخرة من الأشاعرة، أو على الأقل من المتأثرين بهم، وحتى فقهاء الحنابلة لم يسلَموا من تقريرات الأشاعرة في كتبهم. ثم […]

فتوى الشيخ عبد الرحمن بن عبدِ الله السُّويدِي (1134- 1200هـ) في فَعاليَّات الدَّرْوَشة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الحمد لله. هذه فتوى لأحدِ علماءِ العراق في القرن الثاني عشر الهجري -وهو الشيخ عبد الرحمن السويدي الشافعي ت 1200هـ- في الأعمال التي يقوم بها المتصوّفة من أكل الحيات ودخول النيران، وضرب الصدور بالحراب وغير ذلك. وقد اشتهرت هذه الأعمالُ عن أتباع الطريقة الرفاعية منذ دخول التتار إلى بغداد […]

إيضاح ما أَشكَل في قصة موسى عليه السلام وملك الموت

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدّمة: إن حديثَ لطم موسى عليه السلام لملك الموت من الأحاديث التي طعَن فيها المبتدعةُ منذ وقتٍ مبكِّرٍ، وتصدَّى العلماءُ للردِّ عليهم في شُبهاتهم. وقد صرّح الإمامُ أحمد رحمه الله لما سئل عن هذا الحديث بأنه: (لا يدَعُهُ إلا ‌مُبتَدِع أو ضعيف الرأي)([1])؛ ولذلك ذكر الأئمة الإيمان بهذا الحديث […]

التداخل العقدي بين الطوائف المنحرفة – الشيعة والصوفية أنموذجًا –

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة أولًا: المد الشيعي في بلاد أهل السنة: من أخطر الفتن التي ابتُليت بها هذه الأمة: فتنةُ الشيعة الرافضة، الذين بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، الذين يشهد التاريخ قديمًا وحديثًا بفسادهم وزيغهم وضلالهم، الذين ما سنحت لهم فرصة إلا وكانت أسلحتهم موجَّهة إلى أجساد أهل السنة، يستحلّون […]

الحجاب.. شبهات علمانية، عرض ونقاش

  الهجوم على الحجاب قديم متجدِّد، ولا يفتأ العلمانيون والليبراليون من شحذ أقلامهم دائما في الصحف والمواقع والمنتديات الثقافية للكتابة عن الحجاب وحوله، سالبين بذلك حتى أبسط الحقوق التي ينادون بها، وهي الحرية. فالمسلمة التي تلتزم بحجابها دائما عندهم في موطن الرَّيب، أو أنها مضطهَدة، مسلوبة الحقوق والإرادة، ولا يرون تقدُّما علميًّا أو فكريًّا أو […]

الدِّيوان الصوفي.. نظريةٌ بدعيةٌ وخرافةٌ صوفيةٌ

ما الديوان الصوفي؟ يصوِّر الفكر الصوفي أن لهم مجلسًا يطلَق عليه اسم: (الديوان الصوفي)، وهذا المجلس النيابي تمثَّل فيه أقطار الدنيا من النخبِ الممتازة من الصوفية، وهو حكومةٌ باطنيةٌ خفيَّة يرونَ أن عليها يتوقَّفُ نظام العالم، ويتخيَّلون انعقاده في غار حراء خارج مكة، وفي أماكن أخرى أحيانًا؛ ليدير العالم من خلال قراراته، ويجتمع فيه سائر […]

المنهج النبوي في معالجة المواقف الانفعالية عند الأزمات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة إنَّ الأزمات والفتن النازلة بالمسلمين تدفع بعض الغيورين إلى اتخاذ مواقف انفعالية وردود أفعال غير منضبطة بالشرع، ومن ذلك إصدار الأحكام والاتهامات تحت وطأة الغضب والحمية الدينية. ومعلوم أن لهذه المواقف آثارا سلبية منها: أنها تؤثر على تماسك المجتمع المسلم ووحدته، لا سيما في أوقات الشدة والفتنة واختلاف الآراء […]

المحرم وعاشوراء.. شبهات ونقاش

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: هذا الدين العظيم يجعل الإنسان دائمًا مرتبطًا بالله سبحانه وتعالى، فلا يخرج الإنسان من عبادة إلَّا ويتعلَّق بعبادة أخرى؛ لتكون حياته كلُّها كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163]، فلا يكاد […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017