الاثنين - 19 جمادى الأول 1447 هـ - 10 نوفمبر 2025 م

كيفَ نُثبِّتُ السُّنة النبويَّة ونحتَجُّ بها وَقَد تأخَّر تدوِينُها؟!

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

مقدمة:

إنَّ إثارةَ الشكوك حول حجّيّة السنة النبوية المشرَّفة بسبب تأخُّر تدوينها من الشبهات الشهيرة المثارة ضدَّ السنة النبوية، وهي شبهة قديمة حديثة؛ فإننا نجدها في كلام الجهمي الذي ردّ عليه الإمامُ عثمانُ بن سعيد الدَّارِميُّ (ت 280هـ) رحمه الله -وهو من أئمَّة الحديث المتقدمين-، كما نجدها في كلام بعض المتكلمين كالفخر الرازي([1])، وقد أثارها في الوقت الحاضر المستشرقون، وأثارها منكرو السنة والمشكِّكون بها من أذنابهم.

يقول المستشرق برنارد لويس: (إن جمعَ الحديث وتدوينَه لم يحدثا إلا بعد عدّة أجيال من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وخلال هذه المدَّة فإن الغرضَ والدوافع لتزوير الحديث كانت غير محدودة، فأولًا: لا يكفي مجرد مرور الزمن وعجز الذاكرة البشرية وحدهما لأن يلقيا ظلالًا من الشكّ على بيّنة تنقل مشافهة، مدة تزيد على مائة عام)([2]).

ولهذا يؤكد مركز سلف للبحوث والدراسات على ضرورة إحياء الثقة بالسنة النبوية، وبيان جهود الأمة في حفظها وصيانتها، وردِّ الشبهات عنها بالحجة والعلم والمنهج الراسخ.

مركز سلف للبحوث والدراسات

 

 

ويتبيَّن بطلان هذه الشبهة من وجوه:

الوجه الأول: لا يلزم من تأخّر تدوين السنة ضياعُها:

إن السُّنَّة النبوية قد تكفَّل الله تعالى بحفظها كما تكفّل بحفظ القرآن؛ لأن تكفُّله بحفظ القرآن يستلزم تكفُّله بحفظ بيانه وهو السُّنة، وحفظِ لسانه وهو العربية، إذ المقصود بقاء الحجة قائمةً والهداية باقيةً بحيث ينالها من يطلبها؛ لأن محمدًا خاتم الأنبياء وشريعته خاتمة الشرائع، بل دلَّ على ذلك قوله: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19].

فالشأن في هذا الأمر: هو العلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلّغ ما أُمِر به التبليغ الذي رضيه الله منه، وأن ذلك مظنَّة بلوغه إلى من يحفظه من الأمة ويبلغه عند الحاجة ويبقى موجودًا بين الأمة.

وتكفُّلُ اللهِ تعالى بحفظ دينه يجعل تلك المظنَّة مئِنَّة، فتمَّ الحفظُ كما أراد الله تعالى، وبهذا التكفُّل يُدْفَع ما يتطرق إلى تبليغ القرآن كاحتمال تلف بعض القطع التي كتبت فيها الآيات، واحتمال أن يغيِّر فيها من كانت عنده، ونحو ذلك([3]).

كيف تثبت السنة النبوية ويحتج بها بها وقد تأخر تدويتها

وقد أحسن الشيخُ صالح بن مهدي المقبلي إذ قال: (فقد صارت السنن على طرف الثمام، يُقتَنَص شاردها بأدنى إلمام، وقد كان يرحل أحدهم للحديث الواحد السفر الطويل، فالحمد لله الذي لطف بنا، ورفق بضعفنا، ورحم في آخر الزمان غربتنا، وميزنا على سائر الأمم بأن جعل ديننا يزداد على بعدنا من نبينا صلى الله عليه وسلم بيانًا، وبراهين الحق تعرض لنا عيانًا، تحقيقًا لما قاله سبحانه: {‌ٱلْيَوْمَ ‌أَكْمَلْتُ ‌لَكُمْ ‌دِينَكُمْ ‌وَأَتْمَمْتُ ‌عَلَيْكُمْ ‌نِعْمَتِي ‌وَرَضِيتُ ‌لَكُمُ ‌ٱلْإِسْلَٰمَ ‌دِينًا} [المائدة: 3]، ولقوله تعالى: {هُوَ ‌ٱلَّذِي ‌أَرْسَلَ ‌رَسُولَهُۥ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33])([4]).

ونحن إذا قلنا: إنّ السنةَ النبوية لم تدوّن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عهد الخلفاء الراشدين، فإنه لا يلزم من ذلك أن تكون قد ضاعت، بل كانت محفوظة في الصدور، مع حصول التحرّي والتوقّي من الرواة حال التحمّل والأداء، وبهذا يبطل قول منكري السنة إنها (أشبه شيء بكتب أهل الكتاب، وما نشأ ذلك إلا من عدم كتابتها في عهد النبي عليه السلام، وعدم حصر الصحابة لها في كتاب، وعدم تبليغها للناس بالتواتر، وعدم حفظهم لها جيدًا في صدورهم حتى أباحوا نقلها بالمعنى)([5]).

يقول الإمام ابن رجب رحمه الله: (إن تدوين السنة أكثر ما يفيد صحتها وتواترها، وقد صحت بحمد الله تعالى، وحصل العلم بكثير من الأحاديث الصحيحة المتفق عليها -أو أكثرها- لأهل الحديث العارفين به من طرق كثيرة، دون من أعمى الله بصيرته؛ لاشتغاله عنها بشُبَه أهل البدع والضلال)([6]).

ويقول المعلمي: (والعالم الراسخ هو الذي إذا حصل له العلم الشافي بقضية لزمها ولم يبالِ بما قد يشكّك فيها، بل إما أن يُعْرِض عن تلك المشكّكات، وإما أن يتأمَّلَها في ضوء ما قد ثبت. فهاهنا مَنْ تدبَّر كتاب الله، وتتبَّع هدي رسوله، ونظر إلى ما جرى عليه العملُ العامّ في عهد أصحابه وعلماء أمته، بوجوب العمل بأخبار الثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها من صُلْب الدين، فمَنْ أعرض عن هذا وراح يقول: لماذا لم تُكْتَب الأحاديث؟ بماذا؟ لماذا؟ ويتَّبع قضايا جزئية -إمَّا أن لا تثبت، وإما أن تكون شاذة، وإما أن يكون لها مَحْملٌ لا يخالف المعلوم الواضح- مَنْ كان هذا شأنه فلا ريب في زيغه)([7]).

الوجه الثاني: الحكمة من عدم تدوين السنة النبوية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:

يمكننا تلخيص أسباب عدم تدوين السنة النبوية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في ما يأتي([8]):

أولًا: مشقَّة التكليف بالكتابة: حيث كانت العرب أمّة أُميّة يندر وجود من يقرأ أو يكتب منهم، وأدوات الكتابة عزيزة، ولا سيما ما يُكتب فيه. وكان الصحابة رضي الله عنهم محتاجين إلى السعي في مصالحهم، فكانوا في المدينة منهم من يعمل في حائطه، ومنهم من يبايع في الأسواق، فكان التكليف بالكتابة شاقًّا، فاقتصر منه على كتابة ما ينزل من القرآن شيئًا فشيئًا، ولو مرة واحدة في قطعة من جريد النخل أو نحوه تبقى عند الذي كتبها.

وكذلك فإنَّ التزام كتابة السنة في العهد النبوي كان شاقًّا جدًّا؛ لأنها تشمل جميعَ أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله وما يقوله غيره بحضرته أو يفعله وغير ذلك.

وسيأتي أن سياسة النبي صلى الله عليه وسلم التعليمية سهّلت التدوين، فمرَّ بمراحل متعدِّدة، حتى استوى على سوقه في المدوّنات الحديثية التي بين أيدينا.

ثانيًا: المقصود من القرآن لفظه ومعناه، وأما السنة فالمقصود معانيها: هذا هو المقصود الشرعي منها، وليست كالقرآن المقصود لفظه ومعناه؛ لأنه كلام الله بلفظه ومعناه، ومعجز بلفظه ومعناه، ومُتَعبَّد بتلاوته بلفظه بدون أدنى تغيير؛ لا جَرَمَ خفَّف الله عنهم، واكتفى من تبليغ السنة غالبًا بأنْ يَطَّلِعَ عليها بعضُ الصحابة، ويكمل الله تعالى حفظها وتبليغها بقدرته التي لا يعجزها شيء.

ثالثًا: عدم تدوين السنة فتح الباب لعبادة طلب الحديث: ومن طالع تراجم أئمة الحديث من التابعين فمَنْ بَعْدَهم، وتدبر ما آتاهم الله تعالى من قوَّة الحفظ والفهم والرغبة الأكيدة في الجد والتشمير لحفظ السُّنة وحياطتها؛ بان له ما يحيِّر عقلَه، وعَلِم أن ذلك ثمرة تكفُّلِ الله تعالى بحفظ دينه، وشأنهم في ذلك عظيم جدًّا، فهو عبادة من أعظم العبادات وأشرفها، وبذلك يتبين أن ذلك من المصالح المترتبة على ترك كتابة الأحاديث كلها في العهد النبوي، إذ لو كتبت لانسدَّ باب تلك العبادة، وقد قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].

رابعًا: تنشئةُ علومٍ تحتاج إليها الأمة: فهذه الثروة العظيمة التي بِيَد المسلمين من تراجم قدمائهم إنما جاءت من احتياج المحدِّثين إلى معرفة أحوال الرواة، فاضطروا إلى تتبُّع ذلك، وجمع التواريخ والمعاجم، ثم تَبِعهم غيرُهم. ومن تلك العلوم: الإسناد الذي يُعْرَف به حال الخبر، كان بدؤه في الحديث، ثم سرى إلى التفسير والتاريخ والأدب.

 

الوجه الثالث: لماذا لم يجمع الصحابة رضي الله عنهم السنة كما جمعوا القرآن؟

جُمِع القرآن في صحف بقيت عند أبي بكر، ثم عند عمر، ثم عند ابنته حفصة أم المؤمنين، حتى طلبها عثمان في خلافته وكتب المصاحف.

ومعنى هذا أنه طول تلك المدة لم تَبْدُ حاجة إلى تلك الصحف، بل بقي القُرَّاء يُبلِّغون القرآن من صدورهم، ومنهم مَن كتب مِن صدره مصحفًا لنفسه، فلما كان في زمن عثمان احتيج إلى تلك الصحف لاختيار الوجه الذي دعت الحاجة إلى قصر الناس على القراءة به دون غيره، وكتب عثمانُ بضعة مصاحف، وبعث بها إلى الأمصار، لا لتبليغ القرآن، بل لمنع أن يقرأ أحد بخلاف ما فيها. هذا شأن القرآن.

فأما السُّنة فمخالفةٌ لذلك في أمور:

الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعْنَ بكتابتها، بل اكتفى بحفظهم في صدورهم وتبليغهم منها، أي: بنحو الطريق الأولى في القرآن.

الثاني: أنها كانت منتشرة لا يمكن جمعها كلها بيقين.

الثالث: أنه لم يتفق لها في عهد الصحابة ما اتفق للقرآن؛ إذ استحرَّ القتل بحُفَّاظه من الصحابة قبل أن يتلقَّاه التابعون، فإن الصحابة كانوا كثيرًا ولم يتفق أن استحرَّ القتل بحُفَّاظ السُّنة منهم قبل تلقي التابعين.

الرابع: أنهم كانوا إذا هموا بجمعها رأوا أنه لن يكون كما قال عمر في جمع القرآن: «هو والله خير» أي: خير محض لا يترتَّب عليه محذور. كانوا يرون أنه يصعب جمعها كلّها، وإذا جمعوا ما أمكنهم خشوا أن يكون ذلك سببًا لردِّ مَنْ بعدهم ما فاتهم منها.

وخشوا أيضًا مِنْ جمعها في الكتب قبل استحكام أمر القرآن أن يُقْبِلَ الناس على تلك الكتب ويَدَعوا القرآن، كما جاء عن عمر رضي الله عنه وعن أبي موسى رضي الله عنه، فلذلك رأوا أن يكتفوا بنشرها بطريق الرواية، ويَكِلُوها إلى حفظ الله تعالى الذي يؤمنون به([9]).

وخشوا أيضًا (أن يفتحوا بابًا يدخل منه آفة المضِلّين بكتبهم على الأمة، تحفُّظًا لما أوصي إليهم، واتقاءَ ما حَذِروه)، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي([10]).

وبهذه الأوجه يجاب عمّا أثاره منكرو السنة، حيث يقولون: إن السنة (لو كانت واجبة في الدين لأُمروا أن ‌يعاملوها ‌معاملة ‌القرآن)([11]).

وقدِ ادِّعى أعداء السنة أنّ عدم تدوين الصحابة للسنة النبوية فوّت فرصة سدّ باب الاختلاف بين الأمة، ولمزوا بذلك لمزًا خفيًّا بالصحابة رضي الله عنهم، وفي ذلك يقول أبو ريّة: (ولو أن المسلمين الأولين أو من دخلوا في الإسلام -من بعد- كانوا طبقة واحدة في الصدق، ودرجة متساوية في العدل وكمال السيرة، أو لو أن الرواية قد وقفت على من أطلقوا عليهم اسم الصحبة الصحيحة، وربطت الكتابة ما روي في عهد الخلفاء الراشدين، لكان عسى أن يكون النقل مقصورًا على ما قاله النبي -صلوات الله عليه- بغير زيادة ولا نقص، ولجاءت الأحاديث كلها صحيحة لا شك فيها، ومن ثم كانت الأمة تتلقاها بالرضا والتسليم كما تلقت من قبلها آيات القرآن الحكيم، ويأخذها الخلف عن السلف بألفاظها ومعانيها، ولا يخالف أحد من المسلمين وغير المسلمين فيها، ثم تسير الأمة على نورها وتهتدي بهديها من غير تمذهب ولا تفرق كما هو الأصل في الدين، ولكن الناس هم الناس في كلّ عصر، والبشر لهم طباع لا تتغيّر، وغرائز لا تتبدّل، وأهواء لا تتحوّل، وما كان الصحابة -رضوان الله عليهم- ومن جاء بعدهم من التابعين بدعًا من الناس، ولا هم بالمعصومين، سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلًا)([12]).

وهذه الدعوى كان الحافظ ابن رجب قد أجاب عنها في ردّه على كلامٍ للطوفي فقال: (والاختلاف لم يقع لعدم تواتر السنة، بل وقع من تفاوت فهم معانيها، وهذا موجود، سواء دُوِّنَت وتواترت أم لا. وفي كلامه([13]) إشارة إلى أنّ حقها اختلط بباطلها، ولم يتميّز، وهذا جهل عظيم)([14]).

ويقول الشيخ المعلمي في جواب كلامِ أبي ريّة: (أأنتم أعلم أم الله؟ أرأيتَ لو قال قائل: لو خلق الله عباده على هيئة كذا لانسدَّ باب الظلم والعدوان والفجور، ولو أُنزل القرآن وكلّ دلالاته يقينية لا يمكن أحدًا أن يشك أو يتشكّك فيها لانسدَّ باب التفرق، ولو، ولو… إنما شأنُ المؤمن أن ينظر ما قضاه الله واختاره، فيعلم أنه هو الحقّ المطابق للحكمة البالغة، ثم يتلمَّس ما عسى أن يفتح الله عليه به مِنْ فهم الحكمة)([15]).

الوجه الرابع: تأخر التدوين لا يعني انتفاءَ الكتابة مُطلقًا في زمان الصحابة والتابعين:

مما يجدر التنبيهُ إليه أن التدوين الرسميَّ للسنة النبوية في عهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لمّا رأى انقراض جيل الصحابة لا ينافي أن تكون الكتابة قد وقعَت قبل ذلك، وإنما هو انتقال من مرحلة في التدوين إلى مرحلة أخرى أوسعَ وأكثر شمولًا وتنظيمًا.

قال الإمام مالك: أخبرنا يحيى بن سعيد أنّ عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن عمرو بن حزم: (أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو سنته، أو حديث عمر أو نحو هذا، فاكتبه لي؛ فإني قد خفت دروس العلم وذهاب العلماء)([16]).

يقول الناظم في شأن التدوين الرسميّ للسنة النبوية على رأس المئة:

وبعدَ أن جاءَ الفتى المَرواني … الراشِدُ الْمُسَدَّدُ الرباني

شَاورَ أهلَ العلمِ في تَدوينِ … سُنَّةِ مَنْ قدْ جاءنا بالدِّينِ

صلَّى وسلم عليه مَنْ ختمْ … بهِ جميعَ الرسلِ والوحيَ أتمْ

وكانَ ذا الأمرُ علَى رأسِ المئهْ … يُعينُهُ في ذلِكُم خيرُ فِئهْ

من تابعي أصحابِ خيرِ الرسلِ … مثلِ أبي بكرِ بن حَزمٍ الوَلِي

وابنِ شهابٍ وكذاكَ قَاسِمُ … وغيرُهُم تحدُوهمُ العزائمُ

فأجمعوا على كتابةِ السُّنَنْ … حِفْظًا لها مِنَ العَوَادِي والْمِحَنْ

وقيلَ: إنَّ ابنَ شهابٍ سَبَقا … سِوَاهُ لا غَروَ يكونُ الأسبقا

وأصْبَحتْ مجالسُ التحديثِ … تَزْخَرُ بالتَّدوينِ للحديثِ

وازدحمتْ بِرُزَمِ الدَّفَاتِرِ … تَزْدانُ بالأقلامِ والمحابِرِ([17])

وقد أثار أعداء السنة شبهاتٍ حول تدوين عمر بن عبد العزيز للسنة، منها زعمهم أن ذلك كان بأمر الأمراء، وهذا قول عجيب، فإن جمع القرآن إنما كان بأمر الأمراء: أبي بكر وعمر وعثمان. فإن قيل: هم أمراء المؤمنين وأئمة في العلم وأئمة في التقوى، قلنا: فعمر بن عبد العزيز كذلك في هذا كله، وهو الآمر بالتدوين، وتبعه الخلفاء بعده([18]).

وتلا هذه المرحلةَ مرحلةُ ظهور المصنّفات، قال الإمام عبد الرحمن بن مهدي: (ما نعرف كتابًا في الإسلام بعد كتاب الله أكثر صوابا من موطأ مالك)([19]).

ويتَّضح وجود الكتابة والتدوين قبل ظهور المصنّفات -كموطأ الإمام مالك، والصحيحين والسنن، وغيرها- بل قبل التدوين الرسمي للسنة النبوية في عهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بجملة من الأمور:

الأمر الأول: لم يكن ثمّة مانع شرعي يمنع المسلمين في الأجيال الأولى من كتابة السنة النبوية:

فإن منهج أهل العلم في التلقّي والاستدلال يقتضي النظرَ في جميع الروايات الواردةِ في هذا الباب، وهي نوعان:

الرواياتُ الناهية عن كتابة الأحاديث؛ وأصح ما جاء فيها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تَكتُبوا عنِّي، ومَن كَتب عنِّي غيرَ القرآن فليَمْحُهْ» أخرجه مسلم([20]).

والروايات المُبيحة لذلك، كحديث: «اكتُبوا لأبي شاهٍ» متفق عليه([21])، ومنه ما جاء في السنن من خبر إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو على الكتابة، فعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو قال: كنتُ أَكتُبُ كلَّ شيءٍ أَسمَعُهُ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُرِيدُ حِفْظَهُ، فنَهَتْنِي قُرَيشٌ وقالوا: أَتكتُبُ كلَّ شيءٍ تَسمَعُهُ ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَشَرٌ يَتكلَّمُ في الغضبِ والرِّضا؟! فأَمسَكْتُ عن الكِتابِ، فذَكَرْتُ ذلكَ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأَوْمأَ بأُصبُعِهِ إلى فيه، فقال: «اكتُبْ؛ فوالَّذي نفْسي بيدِهِ، ما يَخْرُجُ منه إلَّا حقٌّ»([22]).

وقد تعدَّدت مسالكُ أهل العلم في التعامل مع هذه الروايات:

فمنهم مَن ذهب إلى ترجيح الروايات المرخِّصة في الكتابة؛ لكونِها أكثرَ وأشهرَ.

ومنهم مَن ذهب إلى القول بنسْخ الروايات المانعة من الكتابة، وأن ذلك كان في أول الأمر خشيةَ اختلاط السنة بالقرآن.

ومنهم مَن جمع بين الروايات بأن النهيَ في حقّ من خِيفَ منِ اتِّكاله على المكتوب، والإذن في حقّ مَن لا يُوثَق بحِفظِه([23]).

قال الحافظ العراقيّ: (‌‌اختلف الصحابة والتابعون في كتابة الحديث: فكرهه ابن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو سعيد الخدري، وآخرون من الصحابة والتابعين، لحديث أبي سعيد رضي الله عنه. وجوزه أو فعله جماعة من الصحابة، منهم: عمر، وعلي وابنه الحسن، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأنس، وجابر، وابن عباس، وابن عمر أيضا، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعمر بن عبد العزيز، وحكاه القاضي عياض عن أكثر الصحابة والتابعين، قال: ثم أجمع المسلمون على جوازها، وزال ذلك الخلاف)([24]).

وقد ذكر الحافظ ابن عبد البرّ أن الذين كرهوا الكتابة كرهوها لأنهم كانوا مطبوعين على الحفظ، ويجتزئ الواحد منهم بالسماع، حتى كان ابن شهاب رحمه الله يقول: (إنِّي أمُرُّ بالبقيع فأسُدُّ آذاني مخافة أن يدخل فيها شيء من الخنا، فوالله ما دخل أذني شيء قط فنسيته)([25]).

وقد ذكر الأعظميّ أن كلّ مَن نُقِل عنه ذلك نُقِل عنه عكسُه أيضًا، ما عدا شخصًا أو شخصين، وقد ثبتت كتابتُهم أو الكتابة عنهم، ومنهم ابن شهاب الذي ذكرنا قوة ذاكرته آنفًا، وكان أوّلَ من دوّن السنة النبوية بأمر عمر بن عبد العزيز.

الأمر الثاني: تدوين السنة في القرنين الأول والثاني الهجريَّين أمر ممكن عادةً؛ لأن أسبابَه كانت متوفّرةً، وليس في بيئة الصحابة ما يمنع من الكتابة:

فإنَّ أمام الناظر في تاريخ العرب قبل الإسلام حقيقةً صُلبة: وهي أن الغالبيّة العظمى من أهل الجزيرة تكاد تكون جاهلةً، ولم يكن هناك ما يدفعها للتعليم، ويرغِّبها في تعلُّم الكتابة، غيرَ أن سياسة رسول الله صلى الله عليه وسلم التعليميّة جاءت بثمرة مرجوَّةٍ سريعة؛ فأنتجت الكُتَّاب بعدَد وافر، وأنتجت كذلك الإداريين والمعلِّمين، ولم يمض قرنٌ إلا وقد وُجدت الكتب وأُنشئت المكتبات([26]).

وهذا التصوّر حولَ إمكانيات الأجيال الأولى من المسلمين المتعلّقة بالكتابة مَدخَل ينبني عليه جواب هذه الشبهة؛ إذ لا يُتصوَّر التدوين مع المنازعة في وُجود الكتَّاب في تلك الأجيال.

يقول الدكتور محمد مصطفى الأعظمي رحمه الله: (إن معرفة الكتابة في عصر الصحابة وكبار التابعين لم تكن نادرةً إلى الحدّ الذي يصوِّره كثير من الكاتبين، وإن أنكرنا معرفتهم بالكتابة فكيف نحكم بكتابة القرآن نفسه؟! أما كان الصحابة يكتبون القرآن أولًا بأول؟! ثم ما معنى: «لا تَكتُبوا عنِّي، ومَن كَتب عنِّي غيرَ القرآن فليَمْحُهْ» إذا كان الناس لا يقدرون على الكتابة؟! فلا داعي للمنع البتة. وهذا الحديث نفسه يشير إلى أنهم كانوا يكتبون القرآن وغير القرآن أيضًا. ثم وجود عدَد كبير من كتَّاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإدارة دولة وما شاكل ذلك.

إذن لا محيص من القول بأنه كان هناك عددٌ وافر من الذين يجيدون القراءة والكتابة، حتى في عصر الصحابة أنفسهم، وسياسة النبي صلى الله عليه وسلم التعليمية التي آتت أكلها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا بدّ أن تكون قد أنتجت أضعافَ ذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.

إذن مما لا شكّ فيه أنه كان هناك عددٌ كافٍ من الصحابة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم يعرفون القراءة والكتابة، ولو أن الأغلبية لم تكن تعرف الكتابة، وبالرغم من هذا فإن الذين كانوا يعرفون كان فيهم كفاية)([27]).

الأمر الثالث: دلّت الدلائل على أن كتابة السنة وتدوينها في القرنين الأول والثاني الهجريَّين أمر وقع وتحقَّق فعلًا:

فهذه الشبهة مبنيّة على تصوُّرٍ ناقص لوجود انقطاع ممتدٍّ إلى قرنَين من الزمان، من زمن النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظهور المدوَّنات الشهيرة؛ كصحيحي البخاري ومسلم والسنن وغيرها، أو إلى زمن التدوين الرسمي للسنة النبوية في عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله على أحسن الأحوال.

وأصحاب هذه الشبهة يظنّون أنه في زمن الانقطاع تراكمت المروياتُ الشفهية الباطلة التي وجدت طريقَها إلى تلك المدونات الشهيرة، مما يعني إسقاطَ الوُثوق بتلك المدونات؛ فهي مبنيّة على تصور فاسدٍ لتاريخ تدوين السنة.

إن عنايةَ الأمة الإسلامية الحثيثةَ بحفظ السنة في الصدور والسطور والتي تعاقبت عليها أجيال المسلمين هي حقيقة تاريخية، لها شواهدها الغزيرة؛ فمن هذا الوجه كان القول بأن السنة النبوية تأخَّر تدوينُها إلى زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قولًا مبنيًّا على تصور مشوِّه للتاريخ.

وفي وقت مبكِّر أجاب الإمامُ عثمانُ بن سعيد الدَّارِميُّ عن دعوى تأخُّر التدوين إلى مدةٍ أقربَ من المدة التي يدَّعيها مروِّجو هذه الشبهةِ؛ حيث ادَّعى بعضُ المبتدعة أن التدوينَ تأخر إلى مقتل عثمان رضي الله عنه؛ فقال الإمام الدارمي: «صح عندنا أن الأحاديثَ كُتِبَت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعهدِ الخلفاء بعدَه»([28]). ثم شرع يُسنِد الرواياتِ الدالةَ على وقوع التدوين من الصحابة، كأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه (قبل مقتل عثمان)، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

وقال أبو إسماعيل الهروي: (وعلى ما ذكرت درج ثلاث طبقات من صدر هذه الأمة -الطبقة الأولى: الخلفاء، وبقية العشرة، والمهاجرون الأولون، ومشيخة الأنصار، والطبقة الثانية: من متأخريهم والمخضرمين وقدماء التابعين، والطبقة الثالثة: من متأخريهم مع أكثر أوائل من يليهم من أتباع التابعين- لم يكونوا يكتبون الحديث، إنما كانوا يؤدونها لفظًا، ويأخذونها حفظًا، إلا كتاب الصدقات والشيء اليسير الذي يقف عليه الباحث بعد الاستقصاء.

حتى خيف عليه الدروس، وأسرع في العلماء الموت، أمر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الأمويّ أبا بكر الحزمي فيما كتب إليه أن انظر ما كان من سنةٍ أو حديث عمر فاكتبه؛ فإني أخاف دروس العلم وذهاب العلماء)([29]).

وكلام الهروي وإن كان فيه تقليل شديد لما كُتب في تلك الطبقات المتقدّمة من الصحابة والتابعين، إلا أن فيه إقرارًا بوجود (الشيء اليسير الذي يقف عليه الباحث بعد الاستقصاء).

وفي سبيل الوقوف على ذلك (الشيء اليسير الذي يقف عليه الباحث بعد الاستقصاء) قام الدكتور محمد مصطفى الأعظَميُّ رحمه الله بدراسةٍ لـ(تقييد الحديث من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى منتصف القرن الثاني الهجري على وجه التقريب)، وهي دراسة استقرائية لنشاط المحدِّثين إلى منتصف القرن الثاني، الذي بدأت تظهر فيه كتبُ السنة ذاتُ الصِّبغة الموسوعية، وقد قسَّم تلك الدراسةَ إلى أربعة فصول:

الفصل الأول: في كتابة الصحابة رضي الله عنهم.

والفصل الثاني: في كتابة كبار التابعين (من مات إلى سنة 105هـ).

والفصل الثالث: في كتابات المحدثين ومؤلَّفاتهم الذين امتدَّت حياتهم من القرن الأول إلى فترة معقولة من القرن الثاني (مَن ولد إلى سنة 65هـ).

والفصل الرابع: خاص بصغار التابعين (من ولد ما بين 66-110هـ). وشملت دراسته مسردًا ضمَّ 500 محدثٍ([30]).

وبناءً على ما تقدّم يمكن القول: إن ما تضمّنته المصنفات الحديثية ليست أحاديثَ جديدة اكتُشفت في حِقبة علمية متأخرة، وإنما هي انتخاب دقيق من مدوَّنات حديثية سابقة.

فالأحاديث المُضمَّنة في هذه المدوَّنات الجليلة الموجودة بين أيدينا اليوم -مثل الصحيحين والموطأ والسنن والمسانيد والمعاجم والأجزاء- لم تظهرْ في هذه الحِقبة فجأة كما قد يتوهَّمه بعضُ الناس، بل وقعت لأصحابها متّصلةَ الإسناد بمَن فوقهم، حتى تصل إلى الجناب النبوي الشريفِ، في جهد علميّ تراكُميّ متميّز، يعتمد فيه المتأخّرُ جُهدَ المتقدِّم ويبني عليه، في سلسلةٍ علمية لم تنقطع، بل إن كثيرًا من الأحاديث الموجودة في هذه الكتب هي في الحقيقة انتخابٌ مِن كتب مَن فوقهم؛ حيث وقعت هذه الكتبُ لهم متصلةَ الإسناد مشافهةً؛ فسمعوا أحاديثَها حديثًا حديثًا ممن حدَّثهم بهذا الكتاب، والذي بدَوره سمعها ممَّن فوقه؛ فوقعت لهم هذه الكتبُ سماعًا وكتابة.

فهناك عملية ابتلاع واستيعاب علميّ ممنهج حدثت لصحفِ الصحابة، ونُسَخ التابعين، ومصنفاتِ تابعي التابعين، لتأخذَ أحاديثُهم مواضعَها من مصنفات الأئمة المتأخرين عنهم، فما تضمَّنتْه هذه المصنفات من الحديث ليست أحاديثَ جديدةً اكتُشِفَت في حِقبة علمية متأخرة، وإنما هي انتخابٌ دقيق من مدونات حديثية سابقة، ساعَد على تشكُّلها وتضمينِها تقاليدُ رواية الكتاب بالأسانيد([31]).

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) انظر: «المطالب العالية من العلم الإلهي» (9/ 213).

([2]) الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي.. دراسات تطبيقية على كتابات برنارد لويس (ص: ١٥٧).

([3]) مستفادة من «الأنوار الكاشفة» ضمن «مجموع آثار المعلمي» (12/ 44).

([4]) «العلم الشامخ» (ص: 392).

([5]) مقالات «الإسلام هو القرآن وحده» لمحمد توفيق صدقي، نشرت في «مجلة المنار» (12/ 911).

([6]) «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 268-269). وانظر مقال: (كيفَ نُثبِّتُ السُّنة النبويَّة ونحتَجُّ بها وهي ظَنِّيَّة؟!):

كيفَ نُثبِّتُ السُّنة النبويَّة ونحتَجُّ بها وهي ظَنِّيَّة؟!

([7]) «الأنوار الكاشفة» ضمن «آثار المعلمي» (12/ 44).

([8]) مستفادة من «الأنوار الكاشفة» ضمن «مجموع آثار المعلمي» (12/ 43-44).

([9]) مستفاد من «الأنوار الكاشفة» ضمن «مجموع آثار المعلمي» (12/ 59-60).

([10]) «ذم الكلام وأهله» (3/ 150).

([11]) مقالات «الإسلام هو القرآن وحده» لمحمد توفيق صدقي، نشرت في «مجلة المنار» (12/ 911).

([12]) «أضواء على السنة المحمدية» (ص: 241-242).

([13]) أي: كلام الطوفي. وما قاله ينطبق أيضًا على كلام أبي رية.

([14]) «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 369).

([15]) «الأنوار الكاشفة» ضمن «مجموع آثار المعلمي» (12/ 333).

([16]) «الموطأ» برواية محمد بن الحسن (935)، كما في «التعليق الممجد» للكنوي (3/ 460-461).

([17]) «عدة الطلب بنظم منهج التلقي والأدب» (مبحث في التدوين الرسمي للسنة النبوية) (ص: 78-79).

([18]) «الأنوار الكاشفة» ضمن «آثار المعلمي» (12/ 60). وانظر في موقف المستشرقين من تدوين عمر بن عبد العزيز للسنة: «دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه» (1/ 72)، وكذلك شكَّك أحمد أمين في تنفيذ ما أمر به عمر بن عبد العزيز من تدوين السنة. «ضحى الإسلام» (ص: 463-464).

([19]) ينظر: «ذم الكلام وأهله» للهروي (4/ 44).

([20]) «صحيح مسلم» (3004).

([21]) «صحيح البخاري» (2434)، «صحيح مسلم» (1355).

([22]) رواه أبو داود (3646).

([23]) «شرح التبصرة والتذكرة» للعراقي (1/ 464).

([24]) «شرح التبصرة والتذكرة» (1/ 462-463).

([25]) ينظر: «جامع بيان العلم وفضله» (1/ 263).

([26]) «دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه» للدكتور محمد مصطفى الأعظمي (1/ 70).

([27]) «دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه» (1/ 73).

([28]) «نقض الدارمي على المريسي» (ص: 231).

([29]) «ذم الكلام وأهله» (3/ 148).

([30]) امتدَّت هذه الدراسة من الصفحة (92) إلى الصفحة (325) من كتابه «دراسات في الحديث النبوي»، وهي من الدراسات الجادّة التي يحسُن الرجوع إليها في هذا الباب.

([31]) انظر: «زخرف القول» لعبد الله العجيري وفهد العجلان (ص: 65-66).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

كيفَ نُثبِّتُ السُّنة النبويَّة ونحتَجُّ بها وَقَد تأخَّر تدوِينُها؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ إثارةَ الشكوك حول حجّيّة السنة النبوية المشرَّفة بسبب تأخُّر تدوينها من الشبهات الشهيرة المثارة ضدَّ السنة النبوية، وهي شبهة قديمة حديثة؛ فإننا نجدها في كلام الجهمي الذي ردّ عليه الإمامُ عثمانُ بن سعيد الدَّارِميُّ (ت 280هـ) رحمه الله -وهو من أئمَّة الحديث المتقدمين-، كما نجدها في كلام […]

نقد القراءة الدنيوية للبدع والانحرافات الفكرية

مقدمة: يناقش هذا المقال لونا جديدًا منَ الانحرافات المعاصرة في التعامل مع البدع بطريقةٍ مُحدثة يكون فيها تقييم البدعة على أساس دنيويّ سياسيّ، وليس على الأساس الدينيّ الفكري الذي عرفته الأمّة، وينتهي أصحاب هذا الرأي إلى التشويش على مبدأ محاربة البدع والتقليل من شأنه واتهام القائمين عليه، والأهم من ذلك إعادة ترتيب البدَع على أساسٍ […]

كشف الالتباس عما جاء في تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لقوله تعالى في حق الرسل عليهم السلام: (وظنوا أنهم قد كُذبوا)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إن ابن عباس رضي الله عنهما هو حبر الأمة وترجمان القرآن، ولا تخفى مكانة أقواله في التفسير عند جميع الأمة. وقد جاء عنه في قول الله تعالى: (وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُواْ) (يوسف: 110) ما يوهم مخالفة العصمة، واستدركت عليه عائشة رضي الله عنها لما بلغها تفسيره. والمفسرون منهم […]

تعريف بكتاب “نقض دعوى انتساب الأشاعرة لأهل السنة والجماعة بدلالة الكِتابِ والسُّنَّةِ والإِجْمَاعِ”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقَـدّمَـــة: في المشهد العقدي المعاصر ارتفع صوت الطائفة الأشعرية حتى غلب في بعض الميادين، وتوسعت دائرة دعواها الانتساب إلى أهل السنة والجماعة. وتواترُ هذه الدعوى وتكرارها أدّى إلى اضطراب في تحديد مدلول هذا اللقب لقب أهل السنة؛ حتى كاد يفقد حدَّه الفاصل بين منهج السلف ومنهج المتكلمين الذي ظلّ […]

علم الكلام السلفي الأصول والآليات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: اختلف العلماء في الموقف من علم الكلام، فمنهم المادح الممارس، ومنهم الذامّ المحترس، ومنهم المتوسّط الذي يرى أن علم الكلام نوعان: نوع مذموم وآخر محمود، فما حقيقة علم الكلام؟ وما الذي يفصِل بين النوعين؟ وهل يمكن أن يكون هناك علم كلام سلفيّ؟ وللجواب عن هذه الأسئلة وغيرها رأى […]

بين المعجزة والتكامل المعرفي.. الإيمان بالمعجزة وأثره على تكامل المعرفة الإنسانية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لقد جاء القرآن الكريم شاهدًا على صدق نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، بل وعلى صدق الأنبياء كلهم من قبله؛ مصدقًا لما معهم من الكتب، وشاهدا لما جاؤوا به من الآيات البينات والمعجزات الباهرات. وهذا وجه من أوجه التكامل المعرفي الإسلامي؛ فالقرآن مادّة غزيرة للمصدر الخبري، وهو […]

قواعد علمية للتعامل مع قضية الإمام أبي حنيفة رحمه الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من القضايا التي عملت على إثراء التراث الفقهي الإسلامي: قضية الخلاف بين مدرسة أهل الرأي وأهل الحديث، وهذا وإن كان يُرى من جانبه الإيجابي، إلا أنه تمخَّض عن جوانب سلبية أيضًا، فاحتدام الصراع بين الفريقين مع ما كان يرجّحه أبو حنيفة من مذهب الإرجاء نتج عنه روايات كثيرة […]

كيف نُؤمِن بعذاب القبر مع عدم إدراكنا له بحواسِّنا؟

مقدمة: إن الإيمان بعذاب القبر من أصول أهل السنة والجماعة، وقد خالفهم في ذلك من خالفهم من الخوارج والقدرية، ومن ينكر الشرائع والمعاد من الفلاسفة والملاحدة. وجاءت في الدلالة على ذلك آيات من كتاب الله، كقوله تعالى: {ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُواْ ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ} [غافر: 46]. وقد تواترت الأحاديث […]

موقف الحنابلةِ من الفكر الأشعريِّ من خلال “طبقات الحنابلة” و”ذيله”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: تحتوي كتبُ التراجم العامّة والخاصّة على مضمَرَاتٍ ودفائنَ من العلم، فهي مظنَّةٌ لمسائلَ من فنون من المعرفة مختلفة، تتجاوز ما يتعلَّق بالمترجم له، خاصَّة ما تعلَّق بطبقات فقهاء مذهب ما، والتي تعدُّ جزءًا من مصادر تاريخ المذهب، يُذكر فيها ظهوره وتطوُّره، وأعلامه ومؤلفاته، وأفكاره ومواقفه، ومن المواقف التي […]

مسألة التحسين والتقبيح العقليين بين أهل السنة والمتكلمين -الجزء الثالث- (أخطاء المخالفين في محل الإجماع)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الفصل الثالث: أخطاء المخالفين في محل الإجماع: ذكر الرازي ومن تبعه أن إطلاق الحسن والقبح بمعنى الملاءمة والمنافرة وبمعنى الكمال والنقصان محلّ إجماع بينهم وبين المعتزلة، كما تقدّم كلامه. فأما الإطلاق الأول وهو كون الشيء ملائمًا للطبع أو منافرًا: فقد مثَّلُوا لذلك بإنقاذِ الغَرقى واتهامِ الأبرياء، وبحسن الشيء الحلو […]

مسألة التحسين والتقبيح العقليين بين أهل السنة والمتكلمين -الجزء الثاني- (أخطاء المخالفين في محل النزاع)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الفصل الثاني: أخطاء المخالفين في محل النزاع: ابتكر الفخر الرازيُّ تحريرًا لمحل الخلاف بين الأشاعرة والمعتزلة في المسألة فقال في (المحصل): “مسألة: الحُسنُ والقبح‌ قد يُراد بهما ملاءمةُ الطبع ومنافرَتُه، وكون‌ُ الشي‌ء صفةَ كمال أو نقصان، وهما بهذين المعنيين عقليان. وقد يُراد بهما كونُ الفعل موجبًا للثوابِ والعقابِ والمدحِ […]

ترجمة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ (1362  – 1447هـ)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه([1]): هو سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب. مولده ونشأته: وُلِد سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ رحمه الله بمدينة مكة المكرمة في الثالث من شهر ذي الحجة عام 1362هـ. وقد […]

مسألة التحسين والتقبيح العقليين بين أهل السنة والمتكلمين -الجزء الأول- (تحرير القول في مسألة)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ مسألةَ التحسين والتقبيح العقليين من المسائل الجليلة التي اختلفت فيها الأنظار، وتنازعت فيها الفرق على ممرّ الأعصار، وكان لكل طائفةٍ من الصواب والزلل بقدر ما كُتب لها. ولهذه المسألة تعلّق كبير بمسائلَ وأصولٍ عقدية، فهي فرع عن مسألة التعليل والحكمة، ومسألة التعليل والحكمة فرع عن إثبات الصفات […]

جُهود الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي في نشر الدعوة السلفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي من العلماء البارزين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد برزت جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تأثر رحمه الله بالمنهج السلفي، وبذل جهودًا كبيرة في نشر هذا المنهج وتوعية الناس بأهميته، كما عمل على نبذ البدع وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تنشأ في […]

وصفُ القرآنِ بالقدم عند الحنابلة.. قراءة تحليلية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يُعدّ مصطلح (القِدَم) من أكثر الألفاظ التي أثارت جدلًا بين المتكلمين والفلاسفة من جهة، وبين طوائف من أهل الحديث والحنابلة من جهة أخرى، لا سيما عند الحديث عن كلام الله تعالى، وكون القرآن غير مخلوق. وقد أطلق بعض متأخري الحنابلة -في سياق الرد على المعتزلة والجهمية- وصف (القديم) […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017