السبت - 08 ربيع الأول 1445 هـ - 23 سبتمبر 2023 م

أزمتهم مع التاريخ

A A

من خصائصِ العقيدة الإسلامية أن مصدرَها قطعيُّ الثبوت بمعنى: أنه لا شك في نسبته لله -سبحانه وتعالى- كما أنه قطعيُّ الدلالة بمعنى أن أصول العقيدة لا تثبت بالمتشابه من نصوص القرآن الكريم، وبهذا نعلم أن التَّاريخ ليس مصدرًا من مصادر العقيدة بل هو طريق من طرق الاعتبار والتفكر لا غير، يقول تعالى بعدما حكى قصة قومٍ غدروا بالنبي صلى الله عليه وسلم مبينًا عاقبة الغدر: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]، وقال سبحانه: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176]، وهذا خلاف ما نجده عند بعض الكُتَّاب في زماننا؛ حيث يعمدون إلى إظهار مساوئِ التاريخ الإسلامي الأول على أنها هي كل التاريخ، بل وأكثر من ذلك حيث يشوِّهون كل معلَمٍ حسنٍ من معالمه، وهذا سوف يؤدي يقينا بمن ليس لديه بصرٌ بالتاريخ إلى أن تنطبع لديه صورة سوداء عن تاريخ نشأة أمَّته تنسحب على ثقته بأصول التلقي لهذه الشريعة.

وهذا الأمر جد خطير كما أنه جد بعيد عن الموضوعية والرصد الحقيقي، وأنا هنا أحب أن أوجه حديثي إلى الذي استمعوا عبر الحلقات الماضية إلى أسماء معارك متوالية (الجمل صفين النهروان كربلاء الحرة مكة) فربما انطبع عند بعض الناس أن هذا هو التاريخ لا غير، إضافةً إلى ما سمعته من بعض المتحاورين من وصف بعض الفتوحات بالاستعمار لا لشيء إلا لأنها جاءت في عهد بني أمية.

أقول للإخوة لا عليكم فتاريخ الصدر الأول بالرغم مما شجر فيه بين الصحابة ومن بعدهم هو أعظم التواريخ الإنسانية على الإطلاق.

فإن الناس نَعِموا بستٍّ وعشرين سنة من الخير والرفاه ونشر الإسلام وعز دولته في عهد الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان، أعقبتها فترةُ نزاع في نقاطٍ محدَّدة وصغيرَة جدًّا من العالم الإسلامي الكبير في ذلك الوقت، والذي كان ممتدا من شرق إيران الحالية حتى أواسط المغرب العربي حاليا، ففي فترة علي ومعاوية كانت كل تلك المناطق تنعم بالأمن والعدل والرفاه، وكان الصراع يدور في أجزاء يسيرة من الأرض وبين أناس لا يمثلون إلا العدد اليسير من المسلمين، وإن كانوا من خيار المسلمين، بل إن الصحابة -رضي الله عنهم- لم يشارك الجم الغفير منهم في هذه الملاحم ويقدر عدد من شاركوا بثلاثين رجلا من مجموع من عاصرها من الصحابة.

أعقَبَت هذه الأربع سنوات عشرون سنة من سنوات البر والعدل والخير والسيادة لدولة الإسلام على العالم القديم، وهي كامل فترة حكم معاوية رضي الله عنه، وجاء في عهد يزيد القصير شيء من التوتر في الكوفة والمدينة ومكة والكثير من الاستقرار في جميع أنحاء العالم الإسلامي يسود فيها النظام والعدل والشريعة، وبعد وفاة يزيد حدث فراغ سياسي ملأه ابن الزبير -رضي الله عنه- فترة من الزمن، ونازعه مروان بن الحكم وجرت وقائع في عهد مروان وفي عهد ابنه عبد الملك انتهت بمقتل ابن الزبير في حصار الحجَّاج مكة، وكان ذلك سنة 73ه، عادت الدولة الإسلامية بعدها إلى سنوات من القوة والعز والفتح دامت بقية خلافة عبد الملك وبعده الوليد بن عبد الملك وسليمان وعمر ابن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك الذي توفي سنة 125ه، أي: أن دولة الإسلام عاشت فترة خير وبر وفتح بعد تسع سنوات من الفتن أكثر من أربعين سنة لم يكدرها إلا بعض الفتن والثورات التي لا تخلوا منها دولة في التاريخ.

وبعد وفاة هشام -رحمه الله- استمرَّت الدولة قائمة بكل مقومات الخير غير أنها كانت سنوات انحدار، حتى قامت الدولة العباسية وأخذت مكانها سنة 132ه، ومن تلك السنة والدولة العباسية دولةُ عزٍّ وقوةٍ واستقرار في عهد المنصور والمهدي والهادي والرشيد والمأمون والأمين والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل لا يشوب تلك الفترة إلا ما يشوب الدول في العادة من ثورات ومحاولات انفصال ومشكلات اقتصادية.

والسؤال لماذا يراد لسنوات الفتن القلائل أن تكون هي طابع التاريخ الإسلامي ويتجاهل كثيرٌ من الخير والبر الذي ساد معظم الفترات، هذا ما لا أجد له جوابا إلا أن بعض الناس له رغبةٌ في تزهيدنا بجذور أمتنا، ولا مجال عندي للحديث عن النِّيات، لكن ما يؤول إليه مثل هذا المنهج هو أن ينتهي الشباب المسلم إلى الشعور بالطُّفيلية على هذا العالم لا في صناعاته وإمكانياته وحسب، بل حتى في تاريخه الأخلاقي والسياسي والاجتماعي.

فعلى الشابِّ المسلم أن يدرك أن العبثَ بالتاريخ أمرٌ مقصود منذ بدأت كتابة التاريخ التي أهملها للأسف ثقاتُ الأمةِ منشغلين بتحصيل الحديث والتفسير، وانشغل بها من ليس لهم عناية لا بالحديث ولا بالتفسير، فأدخلوا الأهواء والشائعات في التاريخ ليجعل منه بعضهم مصدرًا من مصادر العقيدة وأصول الدين منصرفين عن المصدر الأصلي وهو القرآن الكريم!

وقد وصل الأمر بآخرين على أن يجعلَ التاريخَ مقدمًا على القطعي من نصوص كتاب الله تعالى!!

ومن هؤلاء كل من ينتقص الصحابة ويشكك في عدالتهم وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ولما تليت في البرنامج الآيات التي تدل على عدالة الصحابة -رضي الله عنهم- غمز بعضهم في دلالتها بأن هناك تخصيص وتقييد، وهنا سوف أعيد استعراض هذه الآيات واقفًا عند دلالتها، وهل يمكن أن يدخلها التخصيص والتقييد؟

{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].

ولا شك عند أحد من علماء السِّير أن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص هم من السابقين الأولين، وقد أخبر الله عنه بأنه رضي عنهم، والله إذا رضي لا يسخط، كما أخبر عنهم -سبحانه- أنهم رضوا عن الله تعالى، كما أخبر -سبحانه- بأنه قد أعد لهم الجنات ووعدهم بالخلود فيها، فكل من يقول بغير ذلك من لَعنِ هؤلاء الأئمة العظام إنما هو مكذب لله عزَّ وجلّ.

وهذا الرضى من الله ليس خاصًّا بالسابقين الأولين، بل دخل فيه بالنص الذين اتبعوهم بإحسان، ولا شك عندنا أن كل من صحب هؤلاء السابقين هو ممن اتبعوهم بإحسان.

والسؤال هنا: أين المخصص والمقيد؟

يعلم كل من له إلمام بأصول الفقه أن عامَّ الكتاب ومطلقَه لا يخصصه ولا يقيده إلا الكتاب أو السنة الصحيحة، ولا يُخصَّصُ أبدًا بوقائع تاريخية، فأين من الكتاب والسنة ما يخصص ذلك أو يقيده، فإذا لم يأت التخصيص من الكتاب والسنة فيبقى تعديل الله تعالى على حاله عامًّا في جميع صحابة رسول الله تعالى.

وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].

فقد أثبت -سبحانه- الرضى عن أصحاب بيعة الرضوان، ومنهم من ذكرنا سابقا، فأين المخصص والمقيد من الكتاب والسنة الذي يستثني بعض الأشخاص أو الأزمان؟

قد يقول قائل إن الرضى محددٌ بظرف وهو حين البيعة، وهذا قول لا تصدقه اللغة لكننا نتنزل معه ونقول: فأين تذهبون بالآيات الأخر غير المقيدة بظرف كالآيات السابقة، وكقوله تعالى: {جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الآنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رضي الله عنهمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة: 8]، وقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التوبة: 20، 22]، وقوله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 88، 89]، وقوله تعالى في هذه الآية {وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}، عام؛ لأن الأسماء الموصولة من ألفاظ العموم عند علماء الأصول، فأين المخصص من الكتاب أو السنة؟

قد يقول قائل: إن الآيات التي تتحدث عن المنافقين مخصِّصَة لهذا العموم.

والجواب من ثلاثة أوجه:

الأول: أن الله تعالى اختصَّ -سبحانه- بمعرفة المنافقين حين قال: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة: 101].

فإذا كان -سبحانه- قد اختصَّ بعلمهم فلا يحق لأحد دعوى معرفتهم، بل إن مَن ادَّعى معرفة أحد منهم غير منصوص عليه فهو مفترٍ على الله تعالى.

الوجه الثاني: أن الله تعالى بيَّن بعض صفاتهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه الصفات لا تنطبق على الصحابة المعروفين بالرواية عنه -صلى الله عليه وسلم- وأهل البلاء في الإسلام، ومن هذه الصفات:

أنهم قعدوا عن الخروج في جيش العسرة، واعتذروا من غير ضعف ولا عجز عن الخروج، وكل من نعرف أسماءهم من الصحابة -رضي الله عنهم- لا تنطبق عليهم هذه الصفات.

الوجه الثالث: أنهم لم يكونوا كثيرين في المجتمع المسلم ولا مؤثرين فيه بدلالة خبر كعب بن مالك الذي نص فيه على أن القاعدين كلهم من كان منهم على عذر وضعف أو من قعد دون عذر وضعف بضعة وثمانون رجلا، وليس منهم أحد ممن نعرف أسماءهم بالرواية، ولله الحمد والمنة.

وقد يقال: إن من الصحابة من عملوا أعمالًا سيئة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يمكن أن يدخلوا في مسمى الصحبة.

فالجواب: أن الله تعالى قال: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 102].

وقوله سبحانه: {عَسَى} كما يقول المفسرون إنما هي للتحقيق وليس للتقليل، وهذا هو المتضح من التعبير القرآني أنَّ الله تعالى إذا قال: {عَسَى} فمعناها: التحقيق ولله الحمد، كما في قوله سبحانه: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} [النساء: 84]، وكما في قوله سبحانه: {فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أو أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: 52].

أما قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117]، فهو من أقوى النصوص صراحةً في توبة الله تعالى ورضاه على جميع المهاجرين والأنصار، ولا مخصص له في الكتاب أو السنة فلزم على كل مسلم المصير إليه.

ويصنف بعض الناس الصحابةَ من حيث العدالة إلى من أسلم قبل الفتح ومن أسلم بعد الفتح، وهذا التصنيف لا يصدقه الكتاب العظيم حيث يقول تعالى: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأموالهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأموالهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلًا وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95].

فهذه الآية سمَّت من أكرمه الله تعالى بالجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومن لم يكرمه الله تعالى بذلك مؤمنًا، كما أنهم جميعا قد حظوا بوعد من الله بالحسنى وهي الجنة {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الحج: 47]، ومن تجرأ على ذم من وعده الله تعالى بالحسنى فقد اجترح إثما عظيما.

وفي آية أخرى يقول تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد: 10]، والمعروف عند علماء الأصول أن (كل) و(جميع) من ألفاظ العموم، أي: أن الوعد من الله تعالى بالحسنى يدخل فيه كل الصحابة سواء منهم من أسلم قبل الفتح أم من أسلم بعده.

وأيضًا من عموم الاسم الموصول قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29].

ومما ينبغي التنويه إليه ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد: حدثنا أبي، حدثنا إسماعيل بن علية، حدثنا أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، قال: “هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف، فما حضرها منهم مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين”([1]).

وأختم بما قاله ابن القيم في نونيته:

دع ما جرى بين الصحابة في الوغى بسيوفهم يوم التقى الجمعــان
فقتيلهم وقاتلهم لهـــــــــم وكلاهما في الحشر مرحومـان
والله يوم الحشر ينـزع كلمــــا تحوي صدورهم من الأضـغان

 ــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) السنة لأبي بكر بن الخلال (2/ 466).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

دعوى تلقي البردة بالقبول وانفراد علماء نجد بنقدها.. تحليل ونقاش

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة قصيدةُ البردة هي أحد أشهر القصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، كتبها محمد بن سعيد البوصيري في القرن السابع الهجري، وهي قصيدة عذبة رائقةُ البناء اللغوي والإيقاع الشعري، ولذلك استعذبها كثير من العلماء والأدباء والشعراء، إلا أنها تضمَّنت غلوًّا في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها […]

قَولُ ابن عربي الاتّحاديّ بإيمان فِرْعون وموقفُ العلماء مِنه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة إن المسلم الموحِّد الذي قرأ القرآن العظيم، وآمن بصدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به من أخبار الأمم السابقين، لا يخالجه أدنى تردّد في هلاك فرعون على الكفر بالله تعالى وبنبيه موسى عليه السلام. ولو قيل لأي مسلم: إن ثمّة من يدافع عن فرعون، ويحشد الأدلة لإثبات […]

مفارقة الأشاعرة لمنهج أهل السنة والجماعة (2)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: فقد ذكرنا في المقال السابق، أن المتكلمين يُوجبون النظر، ويُوجبون نظرا محددا، وليس مطلق النظر وفي مطلق الأوقات، كما هو الواقع في دعوة القرآن، الذي يدعو إلى النظر والتأمل والتفكر […]

عرض وتعريف بكتاب (دعوى تعارض السنة النبوية مع العلم التجريبي) دراسة نقدية تطبيقية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المعلومات الفنية للكتاب: عنوان الكتاب: دعوى تعارض السنة النبوية مع العلم التجريبي، دراسة نقدية تطبيقية. اسم المؤلف: د. راشد صليهم فهد الصليهم الهاجري. رقم الطبعة وتاريخها: الطبعة الأولى، طباعة الهيئة العامة للعناية بطباعة ونشر القرآن والسنة النبوية وعلومها، لسنة (1444هــ- 2023م). حجم الكتاب: يقع في مجلدين، عدد صفحات المجلد […]

جهود علماء الحنابلة في الدفاع عن الإمام أبي حنيفة النعمان رحمه الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة هذا تجريد لأقوال علماء الحنابلة في الثناء على الإمام أبي حنيفة النعمان رحمه الله، والذبّ عنه، جمعته من مصنفات أعيانهم عبر القرون حتى وقتنا الحاضر. وستجد فيه الكثير من عبارات الثناء والمدح للإمام، وبيان إمامته وفضله ومنزلته، والاعتداد بخلافه في مسائل الفقه، والاستشهاد بكلامه في عدد من مسائل الاعتقاد، […]

الحقيقة المحمدية عند الصوفية عرض ونقد – الجزء الأول

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة في خطر التصوف الفلسفي وأهم نظرياته: من المعروف أن التصوف مر بأدوار مختلفة، فبدأ بطبقة الزهاد والعباد الذين كانوا في الجملة على طريقة أهل السنة والجماعة، وكانوا مجانبين لطرائق الفلاسفة والمتكلمين، وإن كان وُجِد منهم شيءٌ من الغلو في مقامات الخوف والمحبة والزهد والعبادة. ثم وُجِدت طبقة أخرى […]

مفارقة الأشاعرة لمنهج أهل السنة والجماعة (1)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: فقد بيّنت في مقال سابق، أن مذهب الأشاعرة ليس ثابتا، بل مرَّ بمراحل وانقسم إلى طبقات. فالطبقة الأولى: وهي طبقة الشيخ أبي الحسن الأشعري، والقاضي أبي بكر الباقلاني، ونحوهما، […]

رفع الاشتباه عن موقف أئمة الدعوة النجدية من الحلف بغير الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وبعد: فإن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ت:1206) السلفية، هي امتدادٌ لأولئك الأئمة المحققين الذين حفظوا مفهوم التوحيد وذبوا عنه وبلغوه للناس، وبذل أئمة هذه الدعوة جهودهم في إحياء تراث أئمة السلف، ومحققي العلماء الذين اعتنوا بتحرير […]

هل الأشاعرة من أهل السنة؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا مبحث مختصر في الجواب عن إشكالية الخلط بين المفاهيم. هل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة؟ وهل التقاء بعض العلماء مع بعض […]

كيفَ نُثبِّتُ السُّنة النبويَّة ونحتَجُّ بها وهي ظَنِّيَّة؟!

من الشُّبهات التي أثارها المنكِرون للسنةِ النبويةِ شبهةٌ حاصلُها: أنَّ السُّنةَ النبويَّة ظنيَّةٌ، فكيف نقبلُ بهَا ونعُدُّها مَصدرًا للتشريع؟! واستنَدُوا في ذلك إلى بعضِ الآيات القرآنية التي أساؤُوا فهمَهَا، أو عبَثُوا بدلالتها عمدًا، لكي يوهموا الناس بما يقولون، من تلك الآيات قوله تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ […]

دعوى افتقار علماء السلفية لعلوم الآلة.. عرض ونقد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة من العبارات الفاسدة التي يقول بها المناوؤون للدعوة السلفية، التي يُدرك فسادها بالضرورة قول بعض المناوئين: (لو تعلَّموا وفق المنظومة العلمية التراثية ودرسوا العلم الصناعي لتمشعروا، ولساروا في ركاب الأمة الإسلامية، ولتركوا ما هم عليه من توهبُن وتسلُّف، ولذهبوا إلى القبور يعفرون الخدود ويجأرون بطلب الحاجات). وهذه مقالة يؤسفني […]

حكم المبتَدِع الداعية عند شيخ الإسلام ابن تيمية.. وهل انفرد به عن سائر الحنابلة؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مِن مقولاتِ شيخِ الإسلام ابن تيمية التي استُشكِلت مقولةٌ في مسائل الأسماء والأحكام في كتابه (الرد على البكري) بشأن مناظريه من مبتدعة زمانه الذين امتحنوه في قوله في الصفات، وأصابه منهم الأذى والضَّرر، وضيَّقوا عليه بالحبس والتهديد والوعيد، وهي مقولة: (أنتم لا تكفُرُون عندي لأنكم جُهَّال). وقد استُشكِلَت هذه […]

الجواب عن شبهة تصريح بعض الأئمة أن آيات الصفات من المتشابه وزعمهم أنه لا سلف لابن تيمية في التفصيل

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمثَّلت قضية المحكم والمتشابه في الأزمنة القديمة في ثوبٍ علميٍّ، واقتصر بحثها في كتب الأصول والتفسير كمسألة علمية تتجاذبها الأدلة ووجهاتُ النظر، ولقد زاد السجال في المعاصرين، لا سيما وأن هذه المسألة لها ارتباطٌ بمبحث الأسماء والصفات عند المتأخِّرين، وكثُرت الدعاوى ممن يتبنى مذهب التفويض، حتى سمعنا من يقول: […]

الإعلام بخطورة تكفير أئمة الإسلام .. (تكفير السلف للجهمية، ولماذا لا يعني هذا تكفير أعيان الأشاعرة؟) الجزء الثاني

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لا ينازع أحدٌ في أنَّ أئمة السلف نُقل عنهم تكفير الجهمية، وعباراتهم في ذلك مشهورة، قال ابن القيم رحمه الله في نونيته: ولقد ‌تقلّد ‌كفرَهم ‌خمسون في       عشر من العلماء في البلدان واللالكائي الإمام حكاه عنـهم      بل حكاه قبله الطبراني([1]) وقد أورد أبو القاسم الطبري اللالكائي (ت: 418هـ) أسماء […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017