الجمعة - 04 جمادى الآخر 1446 هـ - 06 ديسمبر 2024 م

أزمتهم مع التاريخ

A A

من خصائصِ العقيدة الإسلامية أن مصدرَها قطعيُّ الثبوت بمعنى: أنه لا شك في نسبته لله -سبحانه وتعالى- كما أنه قطعيُّ الدلالة بمعنى أن أصول العقيدة لا تثبت بالمتشابه من نصوص القرآن الكريم، وبهذا نعلم أن التَّاريخ ليس مصدرًا من مصادر العقيدة بل هو طريق من طرق الاعتبار والتفكر لا غير، يقول تعالى بعدما حكى قصة قومٍ غدروا بالنبي صلى الله عليه وسلم مبينًا عاقبة الغدر: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]، وقال سبحانه: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176]، وهذا خلاف ما نجده عند بعض الكُتَّاب في زماننا؛ حيث يعمدون إلى إظهار مساوئِ التاريخ الإسلامي الأول على أنها هي كل التاريخ، بل وأكثر من ذلك حيث يشوِّهون كل معلَمٍ حسنٍ من معالمه، وهذا سوف يؤدي يقينا بمن ليس لديه بصرٌ بالتاريخ إلى أن تنطبع لديه صورة سوداء عن تاريخ نشأة أمَّته تنسحب على ثقته بأصول التلقي لهذه الشريعة.

وهذا الأمر جد خطير كما أنه جد بعيد عن الموضوعية والرصد الحقيقي، وأنا هنا أحب أن أوجه حديثي إلى الذي استمعوا عبر الحلقات الماضية إلى أسماء معارك متوالية (الجمل صفين النهروان كربلاء الحرة مكة) فربما انطبع عند بعض الناس أن هذا هو التاريخ لا غير، إضافةً إلى ما سمعته من بعض المتحاورين من وصف بعض الفتوحات بالاستعمار لا لشيء إلا لأنها جاءت في عهد بني أمية.

أقول للإخوة لا عليكم فتاريخ الصدر الأول بالرغم مما شجر فيه بين الصحابة ومن بعدهم هو أعظم التواريخ الإنسانية على الإطلاق.

فإن الناس نَعِموا بستٍّ وعشرين سنة من الخير والرفاه ونشر الإسلام وعز دولته في عهد الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان، أعقبتها فترةُ نزاع في نقاطٍ محدَّدة وصغيرَة جدًّا من العالم الإسلامي الكبير في ذلك الوقت، والذي كان ممتدا من شرق إيران الحالية حتى أواسط المغرب العربي حاليا، ففي فترة علي ومعاوية كانت كل تلك المناطق تنعم بالأمن والعدل والرفاه، وكان الصراع يدور في أجزاء يسيرة من الأرض وبين أناس لا يمثلون إلا العدد اليسير من المسلمين، وإن كانوا من خيار المسلمين، بل إن الصحابة -رضي الله عنهم- لم يشارك الجم الغفير منهم في هذه الملاحم ويقدر عدد من شاركوا بثلاثين رجلا من مجموع من عاصرها من الصحابة.

أعقَبَت هذه الأربع سنوات عشرون سنة من سنوات البر والعدل والخير والسيادة لدولة الإسلام على العالم القديم، وهي كامل فترة حكم معاوية رضي الله عنه، وجاء في عهد يزيد القصير شيء من التوتر في الكوفة والمدينة ومكة والكثير من الاستقرار في جميع أنحاء العالم الإسلامي يسود فيها النظام والعدل والشريعة، وبعد وفاة يزيد حدث فراغ سياسي ملأه ابن الزبير -رضي الله عنه- فترة من الزمن، ونازعه مروان بن الحكم وجرت وقائع في عهد مروان وفي عهد ابنه عبد الملك انتهت بمقتل ابن الزبير في حصار الحجَّاج مكة، وكان ذلك سنة 73ه، عادت الدولة الإسلامية بعدها إلى سنوات من القوة والعز والفتح دامت بقية خلافة عبد الملك وبعده الوليد بن عبد الملك وسليمان وعمر ابن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك الذي توفي سنة 125ه، أي: أن دولة الإسلام عاشت فترة خير وبر وفتح بعد تسع سنوات من الفتن أكثر من أربعين سنة لم يكدرها إلا بعض الفتن والثورات التي لا تخلوا منها دولة في التاريخ.

وبعد وفاة هشام -رحمه الله- استمرَّت الدولة قائمة بكل مقومات الخير غير أنها كانت سنوات انحدار، حتى قامت الدولة العباسية وأخذت مكانها سنة 132ه، ومن تلك السنة والدولة العباسية دولةُ عزٍّ وقوةٍ واستقرار في عهد المنصور والمهدي والهادي والرشيد والمأمون والأمين والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل لا يشوب تلك الفترة إلا ما يشوب الدول في العادة من ثورات ومحاولات انفصال ومشكلات اقتصادية.

والسؤال لماذا يراد لسنوات الفتن القلائل أن تكون هي طابع التاريخ الإسلامي ويتجاهل كثيرٌ من الخير والبر الذي ساد معظم الفترات، هذا ما لا أجد له جوابا إلا أن بعض الناس له رغبةٌ في تزهيدنا بجذور أمتنا، ولا مجال عندي للحديث عن النِّيات، لكن ما يؤول إليه مثل هذا المنهج هو أن ينتهي الشباب المسلم إلى الشعور بالطُّفيلية على هذا العالم لا في صناعاته وإمكانياته وحسب، بل حتى في تاريخه الأخلاقي والسياسي والاجتماعي.

فعلى الشابِّ المسلم أن يدرك أن العبثَ بالتاريخ أمرٌ مقصود منذ بدأت كتابة التاريخ التي أهملها للأسف ثقاتُ الأمةِ منشغلين بتحصيل الحديث والتفسير، وانشغل بها من ليس لهم عناية لا بالحديث ولا بالتفسير، فأدخلوا الأهواء والشائعات في التاريخ ليجعل منه بعضهم مصدرًا من مصادر العقيدة وأصول الدين منصرفين عن المصدر الأصلي وهو القرآن الكريم!

وقد وصل الأمر بآخرين على أن يجعلَ التاريخَ مقدمًا على القطعي من نصوص كتاب الله تعالى!!

ومن هؤلاء كل من ينتقص الصحابة ويشكك في عدالتهم وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ولما تليت في البرنامج الآيات التي تدل على عدالة الصحابة -رضي الله عنهم- غمز بعضهم في دلالتها بأن هناك تخصيص وتقييد، وهنا سوف أعيد استعراض هذه الآيات واقفًا عند دلالتها، وهل يمكن أن يدخلها التخصيص والتقييد؟

{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].

ولا شك عند أحد من علماء السِّير أن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص هم من السابقين الأولين، وقد أخبر الله عنه بأنه رضي عنهم، والله إذا رضي لا يسخط، كما أخبر عنهم -سبحانه- أنهم رضوا عن الله تعالى، كما أخبر -سبحانه- بأنه قد أعد لهم الجنات ووعدهم بالخلود فيها، فكل من يقول بغير ذلك من لَعنِ هؤلاء الأئمة العظام إنما هو مكذب لله عزَّ وجلّ.

وهذا الرضى من الله ليس خاصًّا بالسابقين الأولين، بل دخل فيه بالنص الذين اتبعوهم بإحسان، ولا شك عندنا أن كل من صحب هؤلاء السابقين هو ممن اتبعوهم بإحسان.

والسؤال هنا: أين المخصص والمقيد؟

يعلم كل من له إلمام بأصول الفقه أن عامَّ الكتاب ومطلقَه لا يخصصه ولا يقيده إلا الكتاب أو السنة الصحيحة، ولا يُخصَّصُ أبدًا بوقائع تاريخية، فأين من الكتاب والسنة ما يخصص ذلك أو يقيده، فإذا لم يأت التخصيص من الكتاب والسنة فيبقى تعديل الله تعالى على حاله عامًّا في جميع صحابة رسول الله تعالى.

وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].

فقد أثبت -سبحانه- الرضى عن أصحاب بيعة الرضوان، ومنهم من ذكرنا سابقا، فأين المخصص والمقيد من الكتاب والسنة الذي يستثني بعض الأشخاص أو الأزمان؟

قد يقول قائل إن الرضى محددٌ بظرف وهو حين البيعة، وهذا قول لا تصدقه اللغة لكننا نتنزل معه ونقول: فأين تذهبون بالآيات الأخر غير المقيدة بظرف كالآيات السابقة، وكقوله تعالى: {جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الآنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رضي الله عنهمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة: 8]، وقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التوبة: 20، 22]، وقوله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 88، 89]، وقوله تعالى في هذه الآية {وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}، عام؛ لأن الأسماء الموصولة من ألفاظ العموم عند علماء الأصول، فأين المخصص من الكتاب أو السنة؟

قد يقول قائل: إن الآيات التي تتحدث عن المنافقين مخصِّصَة لهذا العموم.

والجواب من ثلاثة أوجه:

الأول: أن الله تعالى اختصَّ -سبحانه- بمعرفة المنافقين حين قال: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة: 101].

فإذا كان -سبحانه- قد اختصَّ بعلمهم فلا يحق لأحد دعوى معرفتهم، بل إن مَن ادَّعى معرفة أحد منهم غير منصوص عليه فهو مفترٍ على الله تعالى.

الوجه الثاني: أن الله تعالى بيَّن بعض صفاتهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه الصفات لا تنطبق على الصحابة المعروفين بالرواية عنه -صلى الله عليه وسلم- وأهل البلاء في الإسلام، ومن هذه الصفات:

أنهم قعدوا عن الخروج في جيش العسرة، واعتذروا من غير ضعف ولا عجز عن الخروج، وكل من نعرف أسماءهم من الصحابة -رضي الله عنهم- لا تنطبق عليهم هذه الصفات.

الوجه الثالث: أنهم لم يكونوا كثيرين في المجتمع المسلم ولا مؤثرين فيه بدلالة خبر كعب بن مالك الذي نص فيه على أن القاعدين كلهم من كان منهم على عذر وضعف أو من قعد دون عذر وضعف بضعة وثمانون رجلا، وليس منهم أحد ممن نعرف أسماءهم بالرواية، ولله الحمد والمنة.

وقد يقال: إن من الصحابة من عملوا أعمالًا سيئة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يمكن أن يدخلوا في مسمى الصحبة.

فالجواب: أن الله تعالى قال: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 102].

وقوله سبحانه: {عَسَى} كما يقول المفسرون إنما هي للتحقيق وليس للتقليل، وهذا هو المتضح من التعبير القرآني أنَّ الله تعالى إذا قال: {عَسَى} فمعناها: التحقيق ولله الحمد، كما في قوله سبحانه: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} [النساء: 84]، وكما في قوله سبحانه: {فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أو أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: 52].

أما قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117]، فهو من أقوى النصوص صراحةً في توبة الله تعالى ورضاه على جميع المهاجرين والأنصار، ولا مخصص له في الكتاب أو السنة فلزم على كل مسلم المصير إليه.

ويصنف بعض الناس الصحابةَ من حيث العدالة إلى من أسلم قبل الفتح ومن أسلم بعد الفتح، وهذا التصنيف لا يصدقه الكتاب العظيم حيث يقول تعالى: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأموالهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأموالهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلًا وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95].

فهذه الآية سمَّت من أكرمه الله تعالى بالجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومن لم يكرمه الله تعالى بذلك مؤمنًا، كما أنهم جميعا قد حظوا بوعد من الله بالحسنى وهي الجنة {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الحج: 47]، ومن تجرأ على ذم من وعده الله تعالى بالحسنى فقد اجترح إثما عظيما.

وفي آية أخرى يقول تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد: 10]، والمعروف عند علماء الأصول أن (كل) و(جميع) من ألفاظ العموم، أي: أن الوعد من الله تعالى بالحسنى يدخل فيه كل الصحابة سواء منهم من أسلم قبل الفتح أم من أسلم بعده.

وأيضًا من عموم الاسم الموصول قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29].

ومما ينبغي التنويه إليه ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد: حدثنا أبي، حدثنا إسماعيل بن علية، حدثنا أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، قال: “هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف، فما حضرها منهم مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين”([1]).

وأختم بما قاله ابن القيم في نونيته:

دع ما جرى بين الصحابة في الوغى بسيوفهم يوم التقى الجمعــان
فقتيلهم وقاتلهم لهـــــــــم وكلاهما في الحشر مرحومـان
والله يوم الحشر ينـزع كلمــــا تحوي صدورهم من الأضـغان

 ــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) السنة لأبي بكر بن الخلال (2/ 466).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

اتفاق علماء المسلمين على عدم شرط الربوبية في مفهوم العبادة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدّمة: كنّا قد ردَدنا في (مركز سلف) على أطروحة أحد المخالفين الذي راح يتحدّى فيها السلفيين في تحديد ضابط مستقيم للعبادة، وقد رد ردًّا مختصرًا وزعم أنا نوافقه على رأيه في اشتراط اعتقاد الربوبية؛ لما ذكرناه من تلازم الظاهر والباطن، وتلازم الألوهية والربوبية، وقد زعم أيضًا أن بعض العلماء […]

هل اختار السلفيون آراءً تخالف الإجماع؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: كثير من المزاعم المعاصرة حول السلفية لا تنبني على علمٍ منهجيٍّ صحيح، وإنما تُبنى على اجتزاءٍ للحقيقة دونما عرضٍ للحقيقة بصورة كاملة، ومن تلك المزاعم: الزعمُ بأنَّ السلفية المعاصرة لهم اختيارات فقهية تخالف الإجماع وتوافق الظاهرية أو آراء ابن تيمية، ثم افترض المخالف أنهم خالفوا الإجماع لأجل ذلك. […]

الألوهية والمقاصد ..إفراد العبادة لله مقصد مقاصد العقيدة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: مما يكاد يغيب عن أذهان بعض المسلمين اليوم أن العبودية التي هي أهمّ مقاصد الدين ليست مجرد شعائر وقتيّة يؤدّيها الإنسان؛ فكثير من المسلمين لسان حالهم يقول: أنا أعبدُ الله سبحانه وتعالى وقتَ العبادة ووقتَ الشعائر التعبُّدية كالصلاة والصيام وغيرها، أعبد الله بها في حينها كما أمر الله […]

تحقيق القول في زواج النبي ﷺ بأُمِّ المؤمنين زينب ومعنى (وتخفي في نفسك ما الله مبديه)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لهج المستشرقون والمنصّرون بالطعن في مقام النبي صلى الله عليه وسلم بسبب قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، حتى قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: (دُعاة النصرانية يذكرون هذه الفرية في كل كتابٍ يلفِّقونه في الطعن على الإسلام، والنيل من […]

جُهود الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي في نشر الدعوة السلفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي من العلماء البارزين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد برزت جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تأثر رحمه الله بالمنهج السلفي، وبذل جهودًا كبيرة في نشر هذا المنهج وتوعية الناس بأهميته، كما عمل على نبذ البدع وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تنشأ في […]

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

قياس الغائب على الشاهد.. هل هي قاعِدةٌ تَيْمِيَّة؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   القياس بمفهومه العام يُقصد به: إعطاء حُكم شيء لشيء آخر لاشتراكهما في عِلته([1])، وهو بهذا المعنى مفهوم أصولي فقهي جرى عليه العمل لدى كافة الأئمة المجتهدين -عدا أهل الظاهر- طريقا لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من مصادرها المعتبرة([2])، وقد استعار الأشاعرة معنى هذا الأصل لإثبات الأحكام العقدية المتعلقة بالله […]

فَقْدُ زيدِ بنِ ثابتٍ لآيات من القرآن عند جمع المصحف (إشكال وبيان)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: القرآن الكريم وحي الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، المعجزة الخالدة، تتأمله العقول والأفهام، وتَتَعرَّفُه المدارك البشرية في كل الأزمان، وحجته قائمة، وتقف عندها القدرة البشرية، فتعجز عن الإتيان بمثلها، وتحمل من أنار الله بصيرته على الإذعان والتسليم والإيمان والاطمئنان. فهو دستور الخالق لإصلاح الخلق، وقانون […]

إرث الجهم والجهميّة .. قراءة في الإعلاء المعاصر للفكر الجهمي ومحاولات توظيفه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إذا كان لكلِّ ساقطة لاقطة، ولكل سلعة كاسدة يومًا سوقٌ؛ فإن ريح (الجهم) ساقطة وجدت لها لاقطة، مستفيدة منها ومستمدّة، ورافعة لها ومُعليَة، وفي زماننا الحاضر نجد محاولاتِ بعثٍ لأفكارٍ منبوذة ضالّة تواترت جهود السلف على ذمّها وقدحها، والحط منها ومن معتنقها وناشرها([1]). وقد يتعجَّب البعض أَنَّى لهذا […]

شبهات العقلانيين حول حديث: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يزال العقلانيون يحكِّمون كلامَ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلى عقولهم القاصرة، فينكِرون بذلك السنةَ النبوية ويردُّونها، ومن جملة تشغيباتهم في ذلك شبهاتُهم المثارَة حول حديث: «الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم» الذي يعتبرونه مجردَ مجاز أو رمزية للإشارة إلى سُرعة وقوع الإنسان في الهوى […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017