ترجمة الشيخ يحيى بن عبد الله التشادي([1])
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
اسمه ومولده:
هو: الشيخ يحيى بن عبد الله بن أحمد التشادي.
مولده: ولد -رحمه الله- في قرية شكين التابعة لمدينة أبشة بدولة تشاد عام 1958م.
طلبه للعلم ومشايخه:
بدأ -رحمهُ الله- منذ الصِّغر يهتمُّ بالقرآن الكريم، فحفظه على يد والده رحمه الله، وتلقَّى تعليمه إلى الثانوية بالمعاهد الشرعية بمدينة أبشة، وأثناء دراسته النظامية أخذ العلم عن مشايخ كثيرين في منطقته، وتحصَّل منهم على إجازات عديدة، وقرأ المطوَّلات، وحفظ المتون، ثم انطلق في طلب العلم الشرعي والاهتمام بالدعوة إلى الله، فتحصَّل على دبلوم الأئمة والدعاة من الجزائر، ثم التحق بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنوَّرة فتخرَّج في كلية القرآن الكريم عام 1413هـ، وكان طيلة فترة بقائه في الجامعة الإسلامية حسنَ السمت، معروفًا بجدِّه واجتهاده، خاصَّة وأنه قد تلقى العلم الشرعيَّ في مدينته وحفظ كثيرًا من المتون، فكان بعضُ الطلاب يقرؤون عليه وهو لا يزال طالبًا في الجامعة الإسلامية.
بعد أن أنهى الشيخُ -رحمه الله- مرحلة البكالوريوس انتقل إلى السودان لإكمال دراسته العليا، فالتحق بجامعة القرآن الكريم بالسودان، وحصل على الماجستير في التفسير وعلومه، وكانت رسالته بعنوان: “النسخ وعلاقته بأساليب البيان في القرآن الكريم”.
ثم أكمل دراسته في نفس الجامعة والتخصُّص، فنال درجة الدكتواره، وكانت أطروحته بعنوان: “تفسير السلف.. مصادره ومنهجه وحجيته”.
وقد كان -رحمه الله- حريصًا على العلم، مهتمًّا به، يحفظ أكثر من عشرين ألف بيت في شتى العلوم، وكان كثيرٌ من الطلبة يقرؤون عليه وهو لا يزال طالبًا في الجامعة الإسلامية، بل قد نبغ في العلم في تشاد حتى أجازه كبار العلماء وهو لم يبلغ العشرين بعد، فلديه إجازات في الكتب الستة وفي الحديث وعلومه وفي الأصول والفقه والعقيدة.
ومن مشايخه الذين تلقَّى عنهم العلم في تشاد: الشيخ محمد شرف الدين، والشيخ عبد الله بن إبراهيم شمس، والشيخ حبيب إبراهيم مختار، والشيخ جلال بدر، والشيخ أحمد عبد الله، والشيخ عبد الله نصر، وغيرهم من علماء تشاد.
أما مشايخه من خارج تشاد فهم أيضا كثر، ومنهم: الشيخ محمد بن آدم الأثيوبي، والشيخ أحمد محمد الحسيني الموريتاني، والشيخ إسرائيل الهندي، والشيخ الطاهر محمد علي، وغيرهم، وقد أجازوه كلهم.
المناصب التي تقلدها:
من أعظم الأعمال التي قام بها الشيخ: تأسيسه لمنظمة الرشاد للتنمية، وقد أسِّست عام 2001م كجمعية محلِّيَّة، وبعد قرابة ست سنوات رفعت إلى منظمة، فصار العمل على مستوى الدولة كلها، والمنظمة لها اتجاهان:
الأول: تعليمي: وفي هذا المجال أسّست المنظمة معهدين شرعيين لتأهيل الحفاظ ودراسة العلم الشرعي، وهي معاهد توازي الثانوية في تشاد، ويشترط للالتحاق بهما حفظ القرآن كاملا، ومن أجل تهيئة الطلاب للالتحاق بالمعهد أسّست المنظمة مدارس تحفيظ القرآن الكريم، وقد كان للمعهد صدى كبير في تشاد؛ حيث إن معظم الأوائل على مستوى تشاد كلها كانوا من المعهد، وكان يدرس فيها تفسير ابن كثير، ورسالة ابن أبي زيد القيرواني، والرحيق المختوم، وغيرها.
الثاني: تنموي دعوي: وهذه المنظمة كان لها دور كبير في تهيئة الظروف المناسبة لدخول الناس في دين الله، وكانت قبائل بأكملها تدخل في الإسلام بجهود الشيخ رحمه الله، وبمساندة من المنظمة التي كانت تتولى العناية والاهتمام بهم بعد الدخول في الإسلام.
كان الشيخ أيضا رئيسًا لمجلس إدارة مركز نون للبحوث والدراسات التَّنموية، والمركز عضوٌ في اتحاد المنظمات الأهلية في العالم الإسلامي، وهو أيضًا رئيس مجلس الشورى لرابطة حفظة كتاب الله، ورئيس هيئة الرقابة الشرعية لشركة صافي للتمويل الأصغر والعمل المصرفي، كما أنه عضو مؤسس في رابطة علماء المسلمين، وعضو مؤسس ورئيس لجنة التخطيط والرقابة باتحاد علماء إفريقيا، ورئيس اللجنة المحلية لفرع اتحاد علماء إفريقيا بتشاد، وعضو اتحاد المنظمات الأهلية في العالم الإسلامي.
المناصب العلمية:
درَّس الشيخ -رحمه الله- في جامعة الخرطوم أستاذًا للثقافة الإسلامية لمدة 7 سنوات، كما درس في كلية القادة والأركان بالخرطوم، وجامعة الملك فيصل بتشاد، وكذلك في جامعة الرباط الوطني بالخرطوم.
الأنشطة الدعوية والعلمية:
كان للشيخ -رحمه الله- جهود دعويةٌ وعلميَّةٌ كبيرة، فقدَّم عددًا من البرامج في قناة طيبة، منها برنامجه (ديوان الإفتاء)، وقدَّم برامج في التلفزيون السوداني، والتلفزيون التشادي، كما عمل الشيخ إمامًا وخطيبًا في مسجد المنشية بالخرطوم لتسعة أعوام، وكذلك عمل خطيبًا مناوبًا في مسجد الزبير بن العوام بأنجمينا في تشاد، وقدَّم محاضرات عديدة في عددٍ من الدول.
وللشيخ دروس علمية مستمرة في التفسير وأصول الفقه والفقه واللغة العربية، ويحضرها طلبة العلم والعامة، وكان درسه في التفسير، وفي مختصر خليل في عدة مساجد، وكذلك في شرح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني، وشرح سلَّم الوصول، وكان يحضر دروسه جمعٌ غفيرٌ من النَّاس، بل كان يحضره عدد كبير يربو على الثلاثة آلاف؛ لذلك لم تكن الدروس في المساجد وإنما كانت في الساحة العامة، وتتميَّز دروسه بالتَّأصيل والتَّبسيط وإرجاع الطالب إلى الدَّليل وربطه به، ومحاولة فهم الواقع انطلاقًا من الشَّريعة الإسلامية، فكانت دروسه مرتبطةً بحياة الناس، فاستفادوا منه، كما أنَّه كان يلقي بعض الدروس في بيته يحضرها طلابه وبعض مشايخ المنطقة.
وللشيخ أيضًا جهود دعويةٌ كبيرة في المناطق والقرى غير المسلمة، فكان ينطلق إليها داعيًا إلى الله برفق وإحسان؛ مما حبب الناس إلى دين الله، وقد أسلم على يديه عدد كبير يقدرون بالآلاف، بل هناك قرى بأكملها تدخل في الإسلام وتنطق الشهادة على يديه، نسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناته، ولا يكتفي الشيخ بدعوتهم إلى الإسلام فقط، بل يهتم بهم بعد الدخول في دين الله، فيترك لهم من يعلمهم دينهم، ويقدم لهم الدورات والدروس الشرعية.
كما أنَّ الشيخ -رحمه الله- شارك في عددٍ منَ المؤتمرات، وقدم فيها أوراقًا علمية، ومنها:
1- مؤتمر الرابطة والجمعية العمومية، وكان في تركيا عام 2013م.
2- المؤتمر العالمي الأول لتدبر القرآن الكريم، عام 2013م.
3- مؤتمر جهود الصحابة في نشر الإسلام في أفريقيا، وكان في السودان عام 2014م.
4- مؤتمر الاحتساب، في السودان عام 2015م.
5- مؤتمر الأمن والاستقرار في ظلّ التحديات المعاصرة، وكان في نيجيريا عام 2016م.
6- مؤتمر قيمة المسؤولية في الأسرة، وكان في تركيا عام 2016م.
أخلاقه:
كان الشيخ -رحمه الله- صاحبَ أخلاق عالية، ويشهد له كل من قابله أو تتلمذ عليه، وكان متواضعًا عفيفَ النفس، لا يعلّق قلبه بأحد أبدًا، وقد كان يعيش أيام دراسته في الجامعة الإسلامية في شظفٍ من العيش مكتفيًا بمكافأته الجامعية، وحين أراد بعض زملائه أن يعينوه رفضَ وطلب منهم الدعاءَ له، ومن أكثر ما يشدّك في سيرة الشيخ -رحمه الله- أنه كان مهتمًّا بالقرآن دراسة وتدريسًا، ولا أدلَّ على ذلك من إنشائه المعاهد من أجل تأهيل الحفاظ، وإنشاء دور تحافيظ للقرآن الكريم، وهو ما تسمعه منه مرارًا وتكرارا في حلقاته وبرامجه، ولا يفتر من التأكيد على أهمية القرآن والاعتناء به، وهو ما طبَّقه حتى على نفسِه، فكان متعلقًا بالقرآن حتى آخر لحظات حياته، وينقل الدكتور عبد العزيز المزيني صورة من هذا الاهتمام فيقول: “وقد ذكر مرافق الشيخ في المستشفى أنَّ الشيخ يقول له كثيرًا: أسمعني القرآن، اقرأ عليَّ القرآن، فأقرأ عليه، فلما كان يوم الجمعة قال: اقرأ عليَّ سورة الرعد، فقرأتها وكان يقرأ معي، فلما ختمتها قال: هي أربع وأربعون آية، وهي مكية -وهي أربع وأربعون في عدّ البصري، والشيخ يقرأ برواية الدوري عن أبي عمرو البصري، والسورة مكية على قول-، ثم قال الشيخ: قد انتهى كل شيء، أنزلوني من السرير، ثم أغميَ عليه، حتى توفاه الله”.
كتبه وأبحاثه:
للشيخ عدة أبحاث غير منشورة حتى الآن منها:
1- مقارنة بين كتابَي درة التنزيل وغرة التأويل للإسكافي ومشكل القرآن للأنصاري.
2- الشيخ آدم بركة وجهوده الإصلاحية.
3- إعجاز القرآن في أسلوب الاستفهام.
4- شرح لألفية مراقي السعود في أصول الفقه.
5- شرح مختصر الإمام خليل في الفقه المالكي إلى باب النكاح.
6- حقوق الإنسان بين النظرة الإنسانية والاستغلال السياسي.
7- شرح سلم الوصول للحافظ الحكمي.
وفاته:
أصيب -رحمه الله- بحادث سير وهو متَّجه إلى أبشة لتخريج حفظة كتاب الله في الثامن عشر من شهر شوال سنة 1440هـ، فأصيب إصابات بالغة، ونقل إلى مستشفى النهضة بأنجمينا، ثم نقل منه إلى القاهرة لتلقِّي العلاج، وقد قُرّر إجراء عملية له يوم السبت، إلا أنه دخل صباح الجمعة في غيبوبة استمرَّت حتى وفاته -رحمه الله- يوم الاثنين الثاني والعشرين من شهر شوال عام أربعين بعد الأربعمائة والألف من الهجرة النبوية (22/ 10/ 1440هـ)، وصلي عليه ظهر يوم الثلاثاء في المسجد الذي يقيم فيه درس التفسير، ودفن بمقبرة لاماجي، وقد شيعه جموع غفيرة من الناس، نسأل الله له العفو والمغفرة والرحمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1- أ. د. عبد العزيز بن سليمان المزيني في مقال له، منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو زميل للشيخ أيام دراسته في الجامعة الإسلامية.
2- د. بدر الدين محمد، وهو أحد طلاب الشيخ رحمه الله.
3- جار النبي محمد، وهو أحد طلاب الشيخ رحمه الله.
4- لقاء تلفزيوني معه في قناة طيبة في برنامج حوارات.