الأربعاء - 27 ربيع الآخر 1446 هـ - 30 أكتوبر 2024 م

مقاصدُ الحجِّ العقديَّة -حتى يكون حجُّنا وفق مرادِ الله سبحانه وتعالى-

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

المقدمة:

لا ريب أنَّ الله سبحانه وتعالى هو الحكيم العليم، وأنَّه عز وجلَّ لم يشرع شيئًا إلا لحكمة، ونصوص الكتاب والسنة مليئةٌ بذكر حِكَمِ الأحكام الشرعية، وليس شيءٌ من أحكام الله سواء كان صغيرًا أو كبيرًا إلا ولله الحكمة البالغة في تشريعِه، بل لا يوجد فعلٌ من أفعال الله سواء تعلق بالمكلفين أو لم يتعلق إلا وهو صادرٌ لحكمة يعلمُها الله، فالله “سبحانه حكيمٌ لا يفعل شيئًا عبثًا ولا لغير معنى ومصلحة، وحكمه هي الغاية المقصودة بالفعل، بل أفعاله سبحانَه صادرة عن حكمةٍ بالغةٍ لأجلها فعَل، كما هي ناشئة عن أسباب بها فعَل، وقد دلَّ كلامه وكلام رسوله على هذا، وهذا في مواضع لا تكاد تحصى ولا سبيل إلى استيعاب أفرادها”([1]).

فكلُّ ما تراه في هذا الكون الفسيح -من أكبر الأجرام السماوية من مجرات وسديم وثقوب سوداء إلى أصغر الذرات- لم يوجد إلا لحكمة، كل شيء حولك له حكمة علمتها أو جهلتها، يقول ابن القيم رحمه الله: “فهو سبحانه ما أعطى إلا بحكمته، ولا منع إلا بحكمته، ولا أضلَّ إلا بحكمته، وإذا تأمَّل البصير أحوال العالم وما فيه من النَّقص رآه عين الحكمة، وما عُمِّرت الدنيا والآخرة والجنة والنار إلا بحكمته… [والحكمة هي] الغايات المحمودة المطلوبة له سبحانه بخلقه وأمره، التي أمر لأجلها، وقدر وخلق لأجلها، وهي صفته القائمة به كسائر صفاته؛ من سمعه وبصره، وقدرته وإرادته، وعلمه وحياته”([2]).

ومن فوائد معرفة حكم الله سبحانه وتعالى: زيادة الإيمان والطُّمأنينة واليقين، وإلا فلا شكَّ عندنا أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يأمرنا بشيءٍ إلا لحكمة عرفنا ذلك أو جهلنا، وقد ترك الله مساحة لمطلق التَّعبد في أوامر ونواهٍ لا نعرف الحكمة منها، لكنَّنا ندرك يقينًا أن وراء ذلك حكمًا عظيمةً، لو تكشَّف لنا طرفٌ منها لأذعن كل منكِرٍ وجاحد، فالتَّسليم عندنا لا يتوقَّف على معرفة الحكمة ومقاصد الشريعة من الأوامر والنواهي، كما يقول ابن أبي العز: “اعلم أنَّ مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله على التسليم، وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع؛ ولهذا لم يحكِ الله سبحانه عن أمة نبي صدقت بنبيِّها وآمنت بما جاء به أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به ونهاها عنه وبلَّغها عن ربها، ولو فعلت ذلكَ لما كانت مؤمنةً بنبيِّها، بل انقادت وسلَّمت وأذعنت، وما عرفت من الحكمة عرفته، وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها وتسليمها على معرفته، ولا جعلت ذلك من شأنها، وكان رسولها أعظم عندها من أن تسأله عن ذلك، كما في الإنجيل: (يا بني إسرائيل، لا تقولوا: لم أمر ربنا؟ ولكن قولوا: بم أمر ربنا)؛ ولهذا كان سلف هذه الأمة التي هي أكمل الأمم عقولًا ومعارف وعلومًا لا تسأل نبيها: لم أمر الله بكذا؟ ولم نهى عن كذا؟ ولم قدر كذا؟ ولم فعل كذا؟ لعلمهم أنَّ ذلك مضادٌّ للإيمان والاستسلام، وأن قَدَم الإسلام لا تثبت إلا على درجة التسليم”([3]).

لكننا نتطلب الحكم لمعرفة مقاصد الله فنحقِّقها على الوجه المطلوب، إذعانًا لأمر الله سبحانه وتعالى بالتفكر إذ قال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190، 191]، وقال: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101]، وخلاصة الأمر ما قاله ابن تيمية رحمه الله: “وعلى هذا فكلُّ ما فَعَله عَلِمنا أن له فيه حكمةً، وهذا يكفينا من حيث الجملةُ وإن لم نعرف التفصيلَ، وعدم علمنا بتفصيل حكمتِه بمنزلة عدم عِلمنا بكيفية ذاته، وكما أنَّ ثبوت صفات الكمال له معلومٌ لنا، وأمَّا كُنه ذاته فغير معلومة لنا فلا نكذِّب بما علمناه ما لم نعلمه، وكذلك نحن نعلم أنه حكيم فيما يفعله ويأمر به، وعدم عِلمنا بالحكمة في بعض الجزئيات لا يقدح فيما علمناه من أصل حكمته، فلا نكذِّب بما علمناه مِن حكمته ما لم نعلمه من تفصيلها”([4]).

تمهيد:

أمر الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام أن يأذِّن للناس في الحج، يقول تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27]، أي: يأتُون مشاةً وعلى إبلٍ ضامرة من كل طريق ومسلكٍ بعيد، يحدوهم الشَّوق، ويؤنسهم توقهم إلى البيت العتيق.

أما والذي حجَّ المحبُّون بيتَه *** ولبَّوا له عند المهلِّ وأحرموا

وقد كشفوا تلك الرؤوس تواضعًا *** لِعزَّة من تَعنُو الوجوه وتسلم

يُهِلّون بالبيداء: لبَّيك ربنا *** لك الملك والحمد الذي أنت تعلمُ

دعاهم فلبَّوه رِضًا ومحبَّة *** فلمَّا دعوه كان أقربَ مِنهم

يسيرون من أقطارِها وفِجاجها *** رجالًا وركبانًا ولله أسلموا([5])

والحجُّ قد شرعه الله لغاياتٍ عظمى، ومقاصد جليلة، ومنافع عاجلة وآجلة، {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]. {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} ما أعجب هذه الكلمة وأجملها! وما أوجزها وأجمعها! يقول ابن عباس رضي الله عنه: “منافع الدنيا والآخرة، أمَّا منافع الآخرة فرضوان الله تعالى، وأمَّا منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن، والذبائح والتجارات”([6]). ولأنَّ الحج مكانته عظيمة في الدين الإسلامي، فهو ركنٌ من أركان الإسلام كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان»([7])، وتترتَّب عليه أجور عظيمة، فـ«الحجُّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنَّة»([8])، وقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله، ثم الجهاد، ثم حج مبرور»([9]).

ولأجل هذا كلِّه كان البحث عن مقاصد الحج وغاياته من أجل السعي إلى تحقيقها في غاية الأهمية، فمُهِمٌّ جمعُها وتحريرها وبثُّها في الناس؛ حتى يعرفوا مراد الله من هذه الشعرة العظيمة، ويؤدُّونه كما أراده سبحانه وبما يحقِّق مقاصده وغاياته.

وإن كان للحجِّ غايات متنوّعة ومقاصد متعدِّدة، فإنَّنا في هذه الورقة سنتناول مقاصده العقدية؛ إذ إنَّ العقيدة رأس مال المسلم، فتحقيقها من أوجب الواجبات على كل من يريد قصد بيت الله الحرام.

فمن تلك المقاصد:

المقصد الأول: تحقيق التوحيد لله تعالى:

أعظم مقاصد الحج العقديّة أنه يذكِّر الإنسان بوظيفته الحقيقية في هذه الحياة وهي: توحيد الله سبحانه وتعالى وإفراده بالعبادة، وإنَّك لترى مظاهر هذا المقصد واضحةً جليَّةً في كل عمل من أعمال الحج منذ أن ينوي الحاج فيخلص النية لله في هذه العبادة، إلى أن ينتهي وهو يطوف بالبيت طواف الوداع، فهذه الوفود التي تأتي من أصقاع مختلفة وتهتف بلغات متعدِّدة يجمعها شعار واحد، وينظمها توحيد الله سبحانه وتعالى، وهذه الجموع كلُّها تترجم عن ذلك بالتلبية الموحّدة التي تنبض بالتوحيد، فمبدؤها: لبيك اللهم لبيك، أي: استجابة لك -يا رب- بعد استجابة، وآخرها: لا شريك لك، نفيٌ تام لأيِّ مظهر من مظاهر الشرك بالله سبحانه وتعالى. هذه التَّلبية التي تهتزُّ بها الأودية والفجاج والحجاج يهتفون بها تظهر ما تُضمره النُّفوس من توحيد لله سبحانه وتعالى، فأول شيء يبدأ به قاصد البيت العتيق هو توحيد الله سبحانه وتعالى، وإخلاص العبادة له وحده، والتوجُّه إليه، والإقرارُ بأنه سبحانه الواحد الأحد لا شريك له، فإذا كان الحاج يدور مع هذه المناسك وهو يصدح صباح مساء بهذه التلبية ثم لا يستشعر هذا المعنى فإن هذا حرمانٌ عظيم([10]).

وليست التلبيةُ هي وحدها التي تنطق بالتوحيد، بل إنَّ أعمال الحج كلّها توحيد، وكلّ أقوال الحج توحيد، ومنها الطواف بالبيت الحرام؛ فإنَّه تعظيم لله وعبادة له، وما يحصل فيه من دعاء وتضرع والتجاء لا يكون إلا لله وحده.

ومن أهمِّ معالم التوحيد: ركعتا الطواف؛ إذ يسنُّ فيهما قراءة سورة الكافرون وسورة الإخلاص لحديث جابر: “حتَّى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام، فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى} [البقرة: 125]، فجعل المقام بينه وبين البيت… كان يقرأ في الركعتين: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}”([11])، وهما من أعظم السُّور التي توضِّح أهميةَ تحقيق التوحيد بجميع أنواعه والبراءة من الشرك.

وهذا المقصد ذكره الله سبحانه وتعالى في آيات الحج وأكد عليه، فقد بدأها بذكر تطهير البيت وتهيئته لاستقبال كل هؤلاء العابدين فقال: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26]، ثم أمر إبراهيم عليه السلام بأن يرفع صوته مناديًا بالحج: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27]، لماذا؟ {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28]، ثمَّ قال الله سبحانه وتعالى في ختام هذه الآيات: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ * وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 31-34]. فمبدأ الحج وختامه ومقصده الأعظم هو توحيد الله، وأن يكون الناس حنفاء لله غير مشركين به، فكل هذه الآيات ترشد الناس إلى تحقيق هذا الأمر وهو توحيد الله سبحانه وتعالى، وتنفر من الشرك الذي هو ضد التوحيد، وتشبه حال من يشرك بالله برجل سقط من السماء، فتخطفه الطير فتقطعه، أو تهوي به الريح في مكان سحيق، فهو هالكٌ على كل حال.

المقصد الثاني: الإخلاص لله:

الإخلاص لله تعالى هو أحد شرطي قبول العمل، فلا يُقبل عملٌ إلا إذا كان خالصًا لله سبحانه وتعالى، يقول الفضيل بن عياض: “العمل الحسن هو أخلصه وأصوبه”، قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال: “إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص: ما كان لله، والصواب: ما كان على السنة”، ثم قرأ قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]([12]).

 وهذا المقصد وإن كان داخلًا في المقصد الأول إلا أنه أخصُّ منه، فإن الحج من أعظم مقاصده أن يكون خالصًا لله، وأداؤه لوجه الله، لا يريد الحاج بذلك رياءً ولا فخرًا ولا سمعة، ويجب على الحاج حين يتجرد من كل ملابسه ويلبس الإحرام أن يتجرد أيضًا من كل حظوظ النفس؛ ولذلك قال الله سبحانه وتعالى في آيات الحج: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} يقول الطبري: “يقول تعالى ذكره: اجتنبوا -أيها الناس- عبادة الأوثان وقول الشرك، مستقيمين لله على إخلاص التوحيد له، وإفراد الطاعة والعبادة له خالصًا دون الأوثان والأصنام، غير مشركين به شيئًا من دونه”([13]).

والحج من الأعمال التي يُداخلها الرياء من أوجه كثيرة، إما بكثرة النفقة أمام الناس، أو بكثرة الحاشية والأتباع، أو بكثرة الحج وتكراره مع إشاعة ذلك والتباهي به، أو بحب معرفة الناس بأنه حاج؛ ولذلك كان أكمل الناس وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الرياء والسمعة في الحج، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: حجَّ النبي صلى الله عليه وسلم على رحل رث، وقطيفة تساوي أربعة دراهم، أو لا تساوي، ثم قال: «اللهم حجة، لا رياء فيها، ولا سمعة»([14])، قال ابن رجب: “وما يجب اجتنابه على الحاج وبه يتمُّ برُّ حجِّه أن لا يقصد بحجِّه رياء ولا سمعةً، ولا مباهاة ولا فخرًا ولا خيلاء، ولا يقصد به إلا وجه الله ورضوانه، ويتواضع في حجِّه، ويستكين ويخشَع لربِّه”([15]).

المقصد الثالث: تحقيق الانقياد والاستسلام لله والاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم:

من أجلِّ مقاصد الحج تحقيق الاستسلام والانقياد لله سبحانه وتعالى ولشرعه، وهذا يظهر في كل أعمال الحج، فهذه الجموع الغفيرة حين تحرَّكت وانطلقت من كل فجٍّ عميق ما الذي دعاها إلى ذلك؟ إنها الاستجابة لنداء الله سبحانه وتعالى والانقياد لطاعته، والحج رغم أنه ينطوي على حكمٍ عظيمة ومقاصد كبيرة، إلا أن كثيرًا من أعماله لا نعرف لها حكمة إلا ما نتحدث عنه، وهو: تحقيق التسليم والانقياد. فوقت الحج ومكانه وترتيب شعائره ومواقيته كلها يتجلى فيها التسليم لله سبحانه وتعالى.

ومقصدُ الاتِّباع قد حثَّنا على تحقيقه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «لتأخذوا مناسككم؛ فإنِّي لا أدري لعلي لا أحجُّ بعد حجتي هذه»([16])، وقد فهم الصَّحابة هذا المقصد فهمًا تامًّا، فكانوا يحرصون على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن كل شيء، ويحكي جابر حال الناس حين أرادوا الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم ويبين مقصدهم من ذلك فيقول: “إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في النَّاس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجّ، فقدم المدينة بشرٌ كثير، كلُّهم يلتمس أن يأتمَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعمل مثل عمله”([17]).

ومن أعظم مظاهر الاتباع: استلام الحجر الأسود، فليس في ذلك إلا الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إنِّي أعلمُ أنك حجر، لا تضرُّ ولا تنفع، ولولا أنّي رأيت النَّبي صلى الله عليه وسلم يقبِّلك ما قبلتك”([18]). وكذلك يتجلّى الاتباع في الوقوف بعرفة إلى أن تغرب الشمس، والمبيت بمزدلفة ليلة العيد دون إحيائها، ورمي الجمار، وغير ذلك من أعمال الحج الكثيرة([19]).

المقصد الرابع: الوحدة ونبذ التفرق:

لا شكَّ أنَّ الاجتماع والتآلف من مقاصد الشَّريعة العظمى، وهو مقصد عقدي لكثير من مسائل العقيدة كالسَّمع والطاعة، وذمِّ الاختلاف في أصول الدين، وذمِّ البدع وأهلها، كلّ ذلك من أجل الحفاظ على وحدة المسلمين وعدم تفرقهم، ومن أجلِّ الأعمال وأكثرها إظهارًا لهذا المقصد هو الحج.

ففي أيام معيَّنة من السنة وأماكن مخصوصة من الأرض تلتقي ملايين الناس من مشارق الأرض ومغاربها، على اختلاف ألسنتهم وأعراقهم وألوانهم وطبقاتهم الاجتماعية، كلهم يجتمعون في صعيدٍ واحد، بلباسٍ واحد، لا يصلح لتمييز أحدٍ عن أحد، يؤدّون شعيرة واحدة، تكسوهم سيماء العبودية والذلِّ لله سبحانه وتعالى والافتقار إليه، والتجرد من حظوظ الدنيا، كل ذلك من مظاهر الوحدة بين المسلمين في الحج، يقول محمد المختار الشنقيطي: “أمَّا منافع هذه المناسك الدينية: توحيد الله عز وجل، وجمع المسلمين في صعيد واحد ليستشعروا به أخوة الإسلام، وما ألف الله به بين قلوبهم، حتى يحس المسلم أن الله جمع بينه وبين أخيه المسلم بهذا الدين. ورابطة الدين هي أعزُّ وأكرم وأشرف عند الله سبحانه من رابطة النسب والقرابة… ولا يجتمع على وجه الأرض المليون والمليونان ينصتون لرجلٍ واحد وهو يتكلم، ولو اجتمع مائة ألف عجز الناس عن إسكاتهم، ولو جاؤوا بعدد من الخلق من أجل أن يُسْكِتُوا هؤلاء المائة ألف لحظة أو ساعة مؤقتة لكان من الصعوبة بمكان، ولحصل اللغط، ولكن في الإسلام يجتمع المليون والأكثر من المليون ويستمعون لخطيب واحد على صعيد عرفة، لا يتكلَّمون ولا يهمسون”([20]).

وانظر إلى أعمال الحجّ كلها، ومرِّر بصرك عليها؛ تجد أن من أهمِّ مظاهرها هذه الوحدة والتآلف بين المسلمين كلهم، فتراهم جميعًا بثوب واحد وزي واحد، وعلى هيئة واحدة، وفي مقام واحد وصعيدٍ واحد، كل ذلك لكي يشعروا بأخوة الإسلام، وما ربط الله عز وجل بينهم، بل من أهمِّ مظاهر هذا المقصد رفعهم التلبية أجمعين: (لبَّيك اللهم لبيك)، فتراهم قد نسوا كلَّ الهتافات، وخلَّفوا خلفهم كل الشعارات، ورفعوا راية واحدة هي راية التوحيد وعدم التمييز بين المسلمين.

ومن نتائج هذا المقصد العظيم أن يجتمع المسلم بأخيه المسلم، يسأله عن حاله وأشجانه وأحوال المسلمين في بلاده، فإن كانوا في خير فرح لهم وحمد الله تعالى، وإن كانوا في سوء عرف أحوالهم ونصرهم بدعائه، وتواصوا على الثبات على الحقِّ وعدم الانزياح عنه، فتجد المسلمين متآلفين متحابين متوادِّين، يحزن مسلم من مشرق الأرض للأواء مسلم آخر من مغربها.

وهذا المقصد العظيم من مقاصد الحج قد كرَّسه النبي صلى الله عليه وسلم، وأكَّد عليه، وذكَّر به، فعن أبي نضرة قال: حدثني من سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق فقال: «يا أيها الناس، ألا إنَّ ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربيٍّ على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى، أبلغت؟» قالوا: بلغ رسول الله([21]).

فالحج ترجمةٌ عملية للوحدة والاجتماع تحقيقًا لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103].

المقصد الخامس: الارتباط بالأنبياء:

من مقاصد الحج العقدية ربط الإنسان بالأنبياء ودعوتهم؛ حتى يحرص المسلم على ما حرصوا عليه، فالحاج حين يقدم مكة المكرمة ويقف عند هذا البيت العتيق ينهال عليه ذلك التاريخ الطَّويل من لدن أبينا آدم عليه السلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، هذ التاريخ الطويل مرتبطٌ بهذا البيت العتيق الذي يقول الله فيه: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 96، 97]. فهو أول بيتٍ وضع على الأرض كما يقول أبو ذر رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام»، قال: قلت: ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى»، قلت: كم كان بينهما؟ قال: «أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصله؛ فإن الفضل فيه»([22]).

وهذا التاريخ العظيم لهذا البيت يربطك بالأنبياء، وأولهم إبراهيم عليه السلام الذي رفع قواعد هذا البيت، وقد شاء الله أن يكون هذا البيت يرتبط به ملايين المسلمين، يتوجهون إليه في صلاتهم، ويطوفون حوله. ومن مقاصد الحج أن يتذكر الإنسان ما كان عليه حال هذا البيت، حيث كان مكانا مقفرًا، حتى جاء إبراهيم عليه السلام ورفع قواعده بمساعدة ابنه إسماعيل وهما يردِّدان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127].

وكان إبراهيم عليه السلام هو من أمره الله بأن ينادي بالحج: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27]، وهذا الواقع الذي نشهده اليوم ما هو إلا امتدادٌ لهذا التاريخ الموغل في القدم، وما هو إلا استجابة لذلك النداء الذي صدح به إبراهيم عليه السلام؛ ولذلك فهذه الأماكن التي فيها أعمال الحج شاهدة على ما كان من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وعلى رأسهم إبراهيم عليه السلام، ومن يستشعر هذ المقصد العظيم ينبغي عليه أن يرتبط بدعوة هؤلاء الأنبياء، ويستحضر في نفسه كيف أرسى إبراهيم عليه السلام قواعدَ التوحيد بعد عراكٍ طويل مع الوثنية المستبدة، فقد أعلن إبراهيم عليه السلام الحرب على الأصنام والوثنية في صراعٍ طويل خاضه مع أهل بيته وقومه، وأشرف على الموت في هذا الصراع، كل ذلك من أجل إعلان التوحيد والدعوة إليه، فيأتي الحاجّ إلى هذه الأماكن ويستحضر هذه المعاني؛ ليترسخ إيمانه، ويحرص على ما حرص عليه إبراهيم عليه السَّلام من توحيد الله ونبذِ الشرك، فيكون ذلك داعيًا له إلى ترك الوثنيات والشِّركيات والدعوة إلى التوحيد الخالص.

ومن مظاهر هذا الارتباط أن يتوكَّل الإنسان على الله، ويستلهم هذا المعنى من قصة هاجر بعد أن تُركت وولدها إسماعيل في وادٍ غير ذي زرع بين كثبان من الرمال، لا أنيس معها ولا زاد، ووسط هذا المكان المقفر كانت تلهث خلف إبراهيم عليه السلام تسأله: لمن تتركنا؟ ولما لم تجد جوابًا قالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال نعم، فقالت في رسوخ وتوكل: إذن لا يضيِّعنا([23]).

ماذا كانت ترجو هناك في ذلك الوادي الموحش إلا أن يشملها الله برحمته، فتوكلت على الوحيد القادر على أن ينتشلها من هذا الضيق، فكان لها ما رجت، ولم يخيب الله ظنَّها، بل أكرمها بماءٍ لا يزال يجري حتى اليوم، وصار هذا الرضيع الذي كان معها والذي أوشك على الهلاك أمَّةً من النَّاس، اختار الله منها خاتم الرسل وأفضل الرُّسل صلى الله عليه وسلم. فما أحوج الحاج أن يستلهم مثل هذه الدُّروس من التَّاريخ الغابر، ويفعِّلها في الواقع المعاصر، يتذكَّر ما كان من هاجر في هذا المكان الذي يقف فيه، يسعى بين الصفا والمروة وهو يستشعر عظم الجهد الذي بذلته هاجر وهي تسعى وترمق وليدها بين الحين والآخر، لكنها المرأة المؤمنة المتوكلة على الله، لم تفقد الثقة بربها، فمن استحضر هذا المعنى توكل على الله حق توكله وأحسن الظن بربِّه.

المقصد السادس: استحضار عزة الإسلام ورفعته:

بعد أن وهنت قلوب كثيرٍ من المسلمين، واستسلمت لبريق الحضارة الغربية بكل ما فيها من مادية وظلم وطغيان وجهلٍ بالله الواحد، وبعد عن الحياة الحقة التي يريدها الله سبحانه وتعالى، يأتي الحجّ ليحقِّقَ واحدًا من أعظم مقاصده، وهو تذكير المسلمين بعزة هذا الدين ورفعته، وشموخ أهله وقوتهم ورفعتهم وعزتهم، فالحج يؤكِّد أن عزم المسلمين عزم شديد، يأتون من كل فجٍّ عميق، يلتقون في مكان محدِّد المساحة، في زمن محدد، وينضبطون فيه انضباطًا عاليا، بعد أن تحمَّلوا عناء السفر، وصبروا وصابروا حتى وصلوا إلى هذه الأماكن، مما يدلك على أن المسلمين أهل عزيمة وقوة، وأنَّهم متى ما أرادوا أن يتعاونوا ويتَّحدوا فيما بينهم فإنهم يستطيعون ذلك كما يتَّحدون في الحج.

وهذا المقصد ممَّا ركز عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة، قال ابن عباس: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه مكةَ، وقد وهنتهم حمى يثرب، قال المشركون: إنه يقدم عليكم غدا قومٌ قد وهنتهم الحمى، ولقوا منها شدَّة، فجلسوا مما يلي الحجر، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين؛ ليرى المشركون جَلَدَهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم! هؤلاء أجلد من كذا وكذا([24]).

فالحج مما يظهر قوة المسلمين واعتزازهم بدينهم، وتنمية هذا الشعور مما يحرص عليه الشرع ويؤكد عليه.

وأخيرًا:

يقول ابن القيم رحمه الله: “وليس على وجه الأرض بقعةٌ يجب على كل قادر السعي إليها والطَّواف بالبيت الذي فيها غيرها، وليس على وجه الأرض موضع يشرع تقبيله واستلامه وتحط الخطايا والأوزار فيه غير الحجر الأسود والركن اليماني”([25]).

فيا أيها الحاج، تحمَّلت عناء السفر، وتكبَّدت مشاق الطريق، ووصلت إلى هذا البيت العتيق، بعد أن تجرَّدت من كل ملابسك، ولبست اللباس الموحّد بينك وبين كل الحجاج، فاحرص على أن تؤدي الحج كما أراده الله منك، تتبَّع مقاصد الحج، واجعلها نصب عينيك في كل أعمالك وأقوالك وحركاتك وسكناتك، فأيُّ فعلٍ ينافي هذه المقاصد فأنت في غنى عنه، والرابحُ هو من رجع بعد الحج وقد حقَّق هذه المقاصد الجليلة، فيرجع إنسانًا آخر، يقدِّم توحيد الله على كل شيء، ويستشعر معنى الأخوَّة في الدين، ويتخلَّص من الجبروت والكبرياء والطغيان، ويعتز بدينه وأمته، وهذه المقاصد كلها تربط قلوب المؤمنين وتشدهم إلى أن يجابهوا كل ما يضادّ الإسلام من وثنيات وشركيات وشبهات.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

[1] شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (ص: 190).

[2] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 450-451).

[3] شرح الطحاوية (ص: 238-239).

[4] مجموع الفتاوى (6/ 128).

[5] ميمية ابن القيم بتعليق ابن عثيمين (ص: 6).

[6] ينظر: تفسير ابن كثير (5/ 364).

[7] أخرجه البخاري (8).

[8] أخرجه البخاري (1773).

[9] أخرجه البخاري في باب: (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها).

[10] انظر ورقة علمية بعنوان: “لبيك اللهم لبيك” تنبض بالتوحيد، على هذا الرابط:

      https://salafcenter.org/4031/

[11] أخرجه مسلم (1218).

[12] أخرجه الثعلبي في الكشف والبيان (9/ 356)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 95). وينظر: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 104-105)

[13] تفسير الطبري (18/ 620).

[14] أخرجه ابن ماجه (2890)، وضعَّف إسناده ابن حجر في الفتح (3/ 381).

[15] لطائف المعارف (ص: 236).

[16] أخرجه مسلم (1297).

[17] أخرجه مسلم (1218).

[18] أخرجه البخاري (1597).

[19] وفي مركز سلف مقال بعنوان: الاتباع.. مقصد الحج الأسنى، على الرابط:

https://salafcenter.org/4046/

[20] شرح زاد المستقنع (2/ 111).

[21] أخرجه أحمد (23489)، وصحَّح إسناده ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 412).

[22] أخرجه البخاري (3366)، ومسلم (520).

[23] أخرجه البخاري في حديث طويل (3364).

[24] أخرجه مسلم (1266).

[25] زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 49).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

قياس الغائب على الشاهد.. هل هي قاعِدةٌ تَيْمِيَّة؟!

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   القياس بمفهومه العام يُقصد به: إعطاء حُكم شيء لشيء آخر لاشتراكهما في عِلته([1])، وهو بهذا المعنى مفهوم أصولي فقهي جرى عليه العمل لدى كافة الأئمة المجتهدين -عدا أهل الظاهر- طريقا لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من مصادرها المعتبرة([2])، وقد استعار الأشاعرة معنى هذا الأصل لإثبات الأحكام العقدية المتعلقة بالله […]

فَقْدُ زيدِ بنِ ثابتٍ لآيات من القرآن عند جمع المصحف (إشكال وبيان)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: القرآن الكريم وحي الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، المعجزة الخالدة، تتأمله العقول والأفهام، وتَتَعرَّفُه المدارك البشرية في كل الأزمان، وحجته قائمة، وتقف عندها القدرة البشرية، فتعجز عن الإتيان بمثلها، وتحمل من أنار الله بصيرته على الإذعان والتسليم والإيمان والاطمئنان. فهو دستور الخالق لإصلاح الخلق، وقانون […]

إرث الجهم والجهميّة .. قراءة في الإعلاء المعاصر للفكر الجهمي ومحاولات توظيفه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إذا كان لكلِّ ساقطة لاقطة، ولكل سلعة كاسدة يومًا سوقٌ؛ فإن ريح (الجهم) ساقطة وجدت لها لاقطة، مستفيدة منها ومستمدّة، ورافعة لها ومُعليَة، وفي زماننا الحاضر نجد محاولاتِ بعثٍ لأفكارٍ منبوذة ضالّة تواترت جهود السلف على ذمّها وقدحها، والحط منها ومن معتنقها وناشرها([1]). وقد يتعجَّب البعض أَنَّى لهذا […]

شبهات العقلانيين حول حديث: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يزال العقلانيون يحكِّمون كلامَ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلى عقولهم القاصرة، فينكِرون بذلك السنةَ النبوية ويردُّونها، ومن جملة تشغيباتهم في ذلك شبهاتُهم المثارَة حول حديث: «الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم» الذي يعتبرونه مجردَ مجاز أو رمزية للإشارة إلى سُرعة وقوع الإنسان في الهوى […]

شُبهة في فهم حديث الثقلين.. وهل ترك أهل السنة العترة واتَّبعوا الأئمة الأربعة؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة حديث الثقلين يعتبر من أهمّ سرديات الخطاب الديني عند الشيعة بكافّة طوائفهم، وهو حديث معروف عند أهل العلم، تمسَّك بها طوائف الشيعة وفق عادة تلك الطوائف من الاجتزاء في فهم الإسلام، وعدم قراءة الإسلام قراءة صحيحة وفق منظورٍ شمولي. ولقد ورد الحديث بعدد من الألفاظ، أصحها ما رواه مسلم […]

المهدي بين الحقيقة والخرافة والرد على دعاوى المشككين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»([1]). ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالأمه أنه أخبر بأمور كثيرة واقعة بعده، وهي من الغيب الذي أطلعه الله عليه، وهو صلى الله عليه وسلم لا […]

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان الإيمان منوطًا بالثريا، لتناوله رجال من فارس) شبهة وجواب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  يقول بعض المنتصرين لإيران: لا إشكالَ عند أحدٍ من أهل العلم أنّ العربَ وغيرَهم من المسلمين في عصرنا قد أعرَضوا وتولَّوا عن الإسلام، وبذلك يكون وقع فعلُ الشرط: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ}، ويبقى جوابه، وهو الوعد الإلهيُّ باستبدال الفرس بهم، كما لا إشكال عند المنصفين أن هذا الوعدَ الإلهيَّ بدأ يتحقَّق([1]). […]

دعوى العلمانيين أن علماء الإسلام يكفرون العباقرة والمفكرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة عرفت الحضارة الإسلامية ازدهارًا كبيرًا في كافة الأصعدة العلمية والاجتماعية والثقافية والفكرية، ولقد كان للإسلام اللبنة الأولى لهذه الانطلاقة من خلال مبادئه التي تحثّ على العلم والمعرفة والتفكر في الكون، والعمل إلى آخر نفَسٍ للإنسان، حتى أوصى الإنسان أنَّه إذا قامت عليه الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها. ولقد كان […]

حديث: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ» شبهة ونقاش

من أكثر الإشكالات التي يمكن أن تؤثِّرَ على الشباب وتفكيرهم: الشبهات المتعلِّقة بالغيب والقدر، فهما بابان مهمّان يحرص أعداء الدين على الدخول منهما إلى قلوب المسلمين وعقولهم لزرع الشبهات التي كثيرًا ما تصادف هوى في النفس، فيتبعها فئام من المسلمين. وفي هذا المقال عرضٌ ونقاشٌ لشبهة واردة على حديثٍ من أحاديث النبي صلى الله عليه […]

آثار الحداثة على العقيدة والأخلاق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الفكر الحداثي مذهبٌ غربيّ معاصر دخيل على الإسلام، والحداثة تعني: (محاولة الإنسان المعاصر رفض النَّمطِ الحضاري القائم، والنظامِ المعرفي الموروث، واستبدال نمطٍ جديد مُعَلْمَن تصوغه حصيلةٌ من المذاهب والفلسفات الأوروبية المادية الحديثة به على كافة الأصعدة؛ الفنية والأدبية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية…)([1]). ومما جاء أيضا في تعريفه: (محاولة […]

الإيمان بالغيب عاصم من وحل المادية (أهمية الإيمان بالغيب في العصر المادي)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعيش إنسان اليوم بين أحد رجلين: رجل تغمره الطمأنينة واليقين، ورجل ترهقه الحيرة والقلق والشكّ؛ نعم هذا هو الحال، ولا يكاد يخرج عن هذا أحد؛ فالأول هو الذي آمن بالغيب وآمن بالله ربا؛ فعرف الحقائق الوجوديّة الكبرى، وأدرك من أين جاء؟ ومن أوجده؟ ولماذا؟ وإلى أين المنتهى؟ بينما […]

مناقشة دعوى الإجماع على منع الخروج عن المذاهب الأربعة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن طريقة التعامل مع اختلاف أهل العلم بَيَّنَها الله تعالى بقوله: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ‌أَطِيعُواْ ‌ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ […]

بدعية المولد .. بين الصوفية والوهابية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدّمة: من الأمور المقرَّرة في دين الإسلام أن العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فإنَّ الإسلام مبني على أصلين: أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له، والثاني أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فالأصل في العبادات المنع والتوقيف. عَنْ عَلِيٍّ […]

الخرافات وأبواب الابتداع 

[ليس معقولاً، لا نقلاً، ولا عقلاً، إطلاق لفظ «السُّنَّة» على كل شيء لم يذكر فيه نص صريح من القرآن أو السنة، أو سار عليه إجماع الأمة كلها، في مشارق الأرض ومغاربها]. ومصيبة كبرى أن تستمر التهم المعلبة،كوهابي ، وأحد النابتة ، وضال، ومنحرف، ومبتدع وما هو أشنع من ذلك، على كل من ينادي بالتزام سنة […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017