الدولة السعودية الأولى ومزاعم المتعصبين للعثمانيين قراءة تاريخية نقدية
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
بين الحين والآخر تظهر أصوات المناوئين للدولة السعودية الأولى، ويتجدَّد حديثهم عن العنف الذي صاحب انتشار الدعوة النجدية والأفكار المتشدّدة التي جاءت بها وفق زعمهم، ويتفق هؤلاء على معاداة الدعوة الإصلاحية بالرغم من اختلاف خلفياتهم الفكرية ومنطلقاتهم في العداء، ولعل الفئة الأكثر نشاطا في التيار المناوئ هم الإسلاميون المتعصّبون للدولة العثمانية والمدافعون عن شرعية تحركها للقضاء على الدولة السعودية، والذين تتنوع تعابيرهم عن مواقفهم، فمنهم من يرى في الدعوة الوهابية بدعة خالفت المذاهب الإسلامية وشقَّت عصا الطاعة، فاضطرت الدولة للتدخل للقضاء عليها([1])، ومنهم من يرى أنها أسرفت في سفك الدماء وتكفير المسلمين، فاستوجب ذلك تحركًا لوأد الفتنة([2])، ومنهم من يرى أن الدعوة كانت تحظى بدعم أوربي لتقويض الحكم العثماني([3]).
ويمتدّ الجدل في هذا الأمر إلى صفوف بعض السلفيين من ذوي النزعة الثورية المعادية لنظام الحكم في السعودية، فيحملهم ذلك على القدح بالدعوة ومبادئها والدولة السعودية وتاريخها بطرق مختلفة، كل ذلك بسبب غياب القراءة الموضوعية التي تُذعن للحقائق دون تغليب للهوى الديني والعاطفة السياسية في تناول ذلك الحدث التاريخي.
وللردّ العلمي على هذه المزاعم يتوجَّب علينا قراءتها في ضوء جملة من الحقائق المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بهذا الموضوع، وفي ضوء هذه الحقائق يمكننا الاقتراب من تصورات موضوعية واقعية عن هذا الأمر.
أولًا: قيام حركة إصلاح ديني في نجد:
من يتعلَّق بمثل هذه الأوهام يتجاهل ظهور حركة إصلاح ديني في بلاد نجد، وكانت وليدة الظروف الدينية المتردية، وقد نجحت هذه الحركة بالتوسع والانتشار، ولاقت قبولًا وترحيبًا لدى أقوام، ورفضًا ومعارضة لدى آخرين، شأنها شأن كافة حركات التغيير والتجديد.
وجوهر الدعوة ومضمونها موافق للشرع والعقل والفطرة، لا يمكن القدح بمبادئها أو الطعن بشيء مما جاءت به إلا باستخدام التضليل والتدليس؛ والتراثُ المكتوب الذي تركه إمام الدعوة كافٍ للقطع بهذه الحقيقة، بل إن أفكاره مقارِبة أحيانا ومطابِقة أحيانا أخرى لأفكار مصلحين آخرين سبقوه أو عاصروه دون أن يَسمع بهم أو يلتقي بأحد منهم، ومن هؤلاء: محمد أفندي البركوي في إسطنبول (٩٨١هـ)، وقاضي زاده محمد مصطفى أفندي في إسطنبول (١٠٤٥هـ)، ومحمد بن سليمان الروداني بمكة (١٠٩٤هـ)، والملا أحمد بن الكولة في الموصل (١١٧٣هـ)، وولي الله الدهلوي في الهند (١١٧٦هـ)، وعلي بن عبد الله السويدي في بغداد (١٢٧٣هـ)، ومحمد بن علي الشوكاني في صنعاء (١٢٥٠هـ) وغيرهم.
لكن محمد بن عبد الوهاب (١٢٠٦هـ) توفرت له قوة سياسية تحمي دعوته من معارضة المناوئين، وتمهّد الأرضية لانتشار أفكارها، فتمكّنت من الثبات والصمود، ثم الانتشار وإحداث التغيير المنشود.
ومنذ انطلاقتها الأولى حازت الدعوة على إعجاب الموافق والمخالف من المسلمين وغيرهم، واختلفت التقييمات لأثرها وما أحدثته في واقعها باختلاف المنطلقات الفكرية لأصحابها، لكنها لم تخرج عن الرؤية الإيجابية والثناء العام والإعجاب بهذه الحركة الإصلاحية.
ولو تتبعنا كلام الأعلام من المفكرين والمؤرخين والرحالة الأجانب والمثقفين من العرب والعجم في تقييمهم للدعوة وتأثيرها في حياة العرب الدينية والاجتماعية، فإن ذلك سيكون معيارًا جيدًا لتقييم رأي الخصوم في الدعوة.
إذًا، لا مفر من التعامل مع دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب كتيار إصلاحيّ داخل الدين الإسلامي، وعلى أقل تقدير لنقل: إن شأنها كشأن حركات الإصلاح الديني في أوربا، والتي قادها بعض علماء اللاهوت المسيحي في القرن الخامس عشر الميلادي أمثال مارتن لوثر وجون كالفن، أو كبعض الحركات المعادية للمظاهر الوثنية في النصرانية التي تبناها بعض حكام بيزنطة في القرن الثامن الميلادي كحرب الأيقونات المعارضة لوجود الصور والتماثيل والرسومات داخل الكنيسة، وهذا أقل ما يمكن أن يقال في إنصاف هذه الدعوة، وإلا فإنها أسمى من ذلك وآثارها أكبر من ذلك بكثير.
أما الصراع الفكري والسياسي بين الدعوة وخصومها وصدامها مع واقعها فقضية طبيعية ونتيجة حتمية لكونها حركة تغيير وتجديد وإحياء للدين الصحيح، فلا بد لها من الصدام مع القوى التقليدية التي تقاوم التغيير سعيًا للحفاظ على قناعاتها ومكاسبها ومصالحها والتقاليد الموروثة عن الآباء.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن نصوص أئمة الدعوة تؤكد أن الطرف البادئ بالعدوان هو الخصم المعادي([4])، ويؤكد هذا أن الإمام محمد بن عبد الوهاب طُورد من بلدة إلى أخرى بسبب أفكاره، حتى انتهى به المطاف في الدرعية التي نصرته، مع أنه في كل البلاد التي طُرِد منها لم يكن له توجه يدعو للعنف أو رأي سياسي مناهض لنظام الحكم فيها؛ بل واضح من سيرته أنه عندما كان في العيينة كان قريبًا من الحاكم، إلا أن ابن عريعر حاكم الأحساء قام بالضغط على حاكم العيينة كي يطرده بالرغم من بعد الأحساء عن العيينة وكونه إذ ذاك لم يكن يشكل أدنى تهديد للنظام في الأحساء؛ فإن كان المخالف يزعم غير ذلك فعليه الإتيان بالدليل الذي يدحض مزاعم أنصار الدعوة، ولا سبيل لذلك إلا بالكثير من الكذب وتزوير التاريخ، مع أن المنطق -إضافة إلى الوقائع- يؤكد روايات النجديين ويصدقها.
وفي هذه الورقة لن ندرس بالتفصيل أسباب توسع الدولة السعودية الأولى في الأحساء وعمان والحجاز لنثبت للقارئ صدق ما يدعيه أئمة الدعوة في كونهم لا يحاربون إلا من بدأهم بالحرب؛ لأننا سنفرده في أوراق أُخر، وسنخصّص هذه الورقة بما يقتضيه عنوانها.
فالذي يعرض عن هذا كله، ويختزل المشهد في الاقتتال بين النجديين وخصومهم يتجاوز حقائق كثير مرتبطة بالدعوة النجدية كعوامل ظهورها وانتشارها، وحقيقة مبادئها وأفكارها، وانقسام الناس حولها بين مؤيد ومعارض، وتأثيرها داخل الجزيرة وخارجها، ولا يتم ذلك إلا بتلفيق الأكاذيب وتتبع كلام من لا يؤتمن في حديثه عن الدعوة والدولة.
ثانيا: غياب السلطة الفعلية للدولة العثمانية:
يستند الخصم في إدانته للدولة السعودية إلى فرضيَّة مفادها: أن العثمانيين كانوا يبسطون سلطانهم الفعلي على جميع الأراضي الإسلامية؛ والغرض من إطلاق هذه الفرضية محاولة إثبات أن الدعوة السلفية والدولة الراعية لها خارجة عن سلطة ولي الأمر، وسوف نرد على ذلك من جهتين:
الأولى: كون وسط الجزيرة وشرقها لم تكونا أبدًا تحت الحكم العثماني، وهذه حقيقة يؤكدها أنه لم يكن للعثمانيين أي ممثل في نجد وما جاورها، لا تحت اسم والي أو متصرف أو وكيل أو قائمقام، كما لا يعرف التاريخ للعثمانيين قبل الدعوة السلفية أي مشروع حضاري أو علمي أو مالي في تلك البلاد، وكل هذا كاف في إثبات ما ندعيه.
الثانية: بيان طبيعة العلاقة بين العاصمة العثمانية والبلاد العربية، فمن المعلوم لدى المؤرخين أن العلاقة بين عاصمة الخلافة العثمانية والولايات العربية كانت في كثير من الأحيان علاقة شكلية اسمية، ولم يكن للباب العالي سيطرة مباشرة أو هيمنة فعلية على مجريات الأمور في بلاد العرب، وكان الوالي الذي يحكم باسم السلطان يُكْتفى بالدعاء له وإرسال ما يترتب على ولايته من أموال للخزينة السلطانية.
وفي بعض البلاد النائية لم يتمكن العثمانيون من الحصول على التبعية الاسمية كما هو حال المغرب الأقصى واليمن، خاصة في القرنين السابع والثامن عشر، وحتى منتصف القرن التاسع عشر([5])، وإقليم عمان وإقليم نجد في وسط الجزيرة العربية، وكذلك المنطقة الواقعة بين بغداد والبصرة، والتي رضخت لحكم العشائر والفوضى والاقتتال فترة طويلة من الزمن.
ويمكن القول بأن الحكم العثماني لم يتمكن من تثبيت أقدامه وترسيخ دعائمه في البلاد العربية بشكل يجعله صاحب الأمر والنهي فيها، والقادر على التدخل في شؤونها؛ فمن لا يمكنه السيطرة الفعلية والقدرة على إدارة الحكم فلا يمكن القبول بمزاعمه أو مزاعم المتعصبين له في دعوى كمال ولايته على الأمة الإسلامية([6]).
ومما يؤكد الحقيقة السابقة التدهور العام في أحوال البلاد العربية التي كانت تابعة شكليًّا للدولة العثمانية، ومن ذلك: عدم الاستقرار السياسي والصراع على الحكم بين القوى المحلية، وضياع حقوق الرعية بسبب سياسات الولاة الظلمة والإقطاعيين والضرائب المرهقة، والتردي في الأحوال الدينية من جهة الالتزام بشعائر الدين الأساسية، أو من جهة التحريف الذي أصاب جوهر الدين وحقيقة الإسلام، وغلبة التصوف على الثقافة الدينية لدى العوام والعلماء، فضلا عن استفحال الجهل بأحكام الدين والأمية بين المسلمين، ومنح الأقليات الدينية والمذهبية الحرية الكافية لتقوية وجودهم وتعزيز قوتهم دينيًّا وتعليميا وسياسيًّا واقتصاديًّا.
ومن مظاهر التدهور وغياب السيادة الشكلية والفعلية سقوط بعض البلدان بيد العدو وعدم القدرة على استرجاعها، حيث سقطت مدينة البصرة بيد الفرس الشيعة وبقيت بحوزتهم عدة سنوات (1775-1779م)، وسقطت الجزائر بيد الفرنسيين قبل نحو قرن من انهيار الخلافة، وذلك عام1830م، دون أن تتمكن الدولة من استعادتها.
ومن مظاهر التدهور أيضًا: الاستعانة بأمراء الشيعة الدروز والقبول بولايتهم على بعض النواحي في بلاد الشام مدة طويلة، وكذلك سقوط الجنوب العراقي في قبضة التشيع وانحسار الوجود السني فيه، وما يرتبط بهذا الأمر من تأثير في الولاء السياسي لصالح الجانب الإيراني المعادي للعثمانيين.
هذه الحقائق وغيرها كثير تؤكد غياب السلطة الفعلية للعثمانيين عن البلاد العربية، وبالتالي سقوط مبررات تدخلهم وشرعية تحركاتهم العدوانية ضد دعوة الموحدين في نجد، والتي لم تهدد مصالحهم المادية والسياسية.
أما الجزئية الثانية فنناقشها في المحاور التالية.
ثالثا: شيوع الفوضى في نجد والحجاز وغياب التدخل العثماني:
من الحقائق المرتبطة بالحقيقة السابقة والمؤكدة لها أن الدولة العثمانية كانت تتعامل بقدر كبير من السلبية مع ما يجري من أحداث وتطورات في نجد والحجاز، فلم تتحرك لإعادة الأمن وتهدئة الاضطرابات والخلافات الداخلية بين الحكام المحليين، ولم تكترث لأمر البدو الذين عطلوا حكم الشريعة فيما بينهم، وأهملوا الفرائض وشعائر الإسلام، وزادوا على ذلك بالغزو والنهب الذي أصبح من عاداتهم.
كما أنها لم تبال بما كان يقع من حكام مكة من تجاوزاتهم الناشئة من صراعهم على الإمارة وارتكابهم في سبيل ذلك المحرمات من قتل الأنفس وسلب الأموال([7])، ومن ذلك عدوانهم على الأراضي النجدية الذي استمر لفترات طويلة، واتسم بالشدة والقسوة في بعض الأحيان([8])، والأهم من ذلك أن استهتار بعض حكام مكة قادهم إلى العبث بأمن البلد الحرام.
فمما يذكر في حوادث سنة ١٧٨٩م/ ١٢٠٤هـ أن خلافًا نشب بين حاكم مكة الشريف غالب بن مساعد وابن أخيه الشريف عبد الله بن سرور، وتفاقم الأمر حتى وصل إلى الصدام المسلح، ووقعت معركة بين الطرفين داخل مكة، استمرت أربعة أيام، واستخدمت فيها المدافع والبنادق، وانكسر جزء من الحجر الأسود بسبب الشظايا المتطايرة، وبعد تدخل الناس والشرفاء وافق الطرفان على نقل القتال إلى خارج مكة.
ويذكر أحد الفرمانات السلطانية أن القتال أدى لعدم إمكان أداء الصلوات الخمس لثلاثة أو أربعة أيام، كما لم يرفع الأذان الشريف، إضافة إلى قتل عدد وافر من الرجال وتخويف بعض المنازل([9]).
في ضوء ما سبق فإن سعي العثمانيين للقضاء على الدعوة الإصلاحية في نجد لا يتّسق مع سياستهم في إهمال شؤون الجزيرة العربية والزعم بأن تحركهم المعادي للدعوة دافعه الشفقة بالمسلمين والحرص على أرواحهم وأموالهم ودينهم، وكذلك مخالف لما كانت عليه سياسة الدولة من سلبية وعدم اكتراث بما يجري على الأرض في تلك النواحي المهملة.
رابعًا: إهمال العثمانيين لشؤون المناطق القريبة من نجد:
ذكرنا في الفقرة السابقة أنه لم يكن من دأب الدولة العثمانية في ذلك الوقت الاهتمام بأحوال المناطق البعيدة نسبيًّا عن المركز، فضلا عن التحرك لمواجهة أي خطر يهدد أمن الناس وعقائدهم، أو يحمي سيادة الدولة وأمنها القومي.
ومن الحقائق المؤكدة لذلك التي تدين الموقف العثماني من الدولة السعودية هو أن حكام إسطنبول أهملوا الالتفات لشؤون البلاد التابعة لهم، خاصة تلك القريبة من إقليم نجد في الجزيرة العربية، وكان الإهمال يتمثل في تركها عرضة لاحتلال الأجنبي، وعدم التحرك لإنقاذ أهلها من خطر تغير مذهبهم إلى مذهب الدولة المعادية للعثمانيين من جهة الشرق.
سنضرب مثالين لسياسة الإهمال العثمانية، ثم نتبعها بذكر خلاصة مهمة لإدانة الموقف العثماني من الدعوة النجدية:
المثال الأول: انتشار التشيع جنوب العراق:
يذكر المؤرخون المهتمون بتاريخ العراق في العصور المتأخرة أن المذهب الشيعي ظل يمثل مذهب الأقلية من سكانه حتى مطلع القرن الثامن عشر الميلادي، حيث بدأ الدعاة الشيعة بالتحرك لنشر مذهبهم في أوساط العشائر العربية في جنوب العراق ووسطه، وتمكنوا في نهاية المطاف من النجاح في مهمتهم إلى حد كبير.
وكان بعض المثقفين ينبه الدولة لخطر انتشار التشيع في العراق، لكنها أهملت هذا الأمر، وتركته يستفحل بطريقة جعلها تعجز عن مقاومته حينما بدأت بالتحرك أواخر القرن التاسع عشر.
لم يكن انتشار التشيع في العراق مجرد خطر ديني يستهدف عقائد المسلمين السنة، بل كان تهديدًا دينيا سياسيا في الوقت نفسه، فالتشيع ينحرف بولاء اتباعه نحو إيران المعادية، وهذا ما نبه إليه الناصحون المشفقون على الدولة العثمانية، وبالرغم من ذلك لم تكترث الدولة كثيرًا لما كان يحصل، وربما لم تصل تلك الأنباء لأسماعها.
المثال الثاني: الاحتلال الإيراني للبصرة عام ١٧٧٥م:
منذ اندلاع الصراع الصفوي العثماني في القرن السادس عشر الميلادي، كانت مدن العراق الرئيسة تتعرض لحملات عسكرية إيرانية، ينجح بعضها في احتلالها، وبعضها بضرب الحصار عليها مدة طويلة، وتفشل أخرى، وفي الربع الأخير من القرن الثامن عشر تعرضت مدينة البصرة لحصار شديد فرضه الحاكم الإيراني في ذلك الوقت كريم خان الزند، واستمر مدة طويلة دون أن يصل مدد من الدولة العثمانية لنجدتها، فتمكنت القوات الإيرانية بعد ذلك من احتلال المدينة وتخريبها، وبقيت بحوزتها 4 سنوات (١٧٧٥-١٧٧٩م)، وانسحبت بعد ذلك دون قتال، وكان الموقف العثماني من هذا الاحتلال في غاية السلبية([10]).
وقعت هذه الأحداث [تشيع جنوب العراق، احتلال الفرس للبصرة] في مناطق تابعة للدولة العثمانية وأقرب للعاصمة إسطنبول من إقليم نجد، وتزامنت مع ظهور الدعوة الإصلاحية والدولة السعودية، وبالرغم من هذا فلم يكن الاهتمام العثماني بها مقاربا أو مماثلًا للاهتمام بالقضية النجدية، مع أن المنطق الديني والسياسي يحتم غير ذلك، فمواجهة التشيع الذي تعترف الدولة بخطره وتعادي من يدعمه، واحتلال الفرس الشيعة للبصرة ورفعهم للأذان الشيعي فيها = ينبغي أن يكون مقدمًا على مواجهة أي تحدٍ داخلي مهما كان خطره، لكن الواقع أثبت أن الدولة بذلت من الجهود والأموال للقضاء على الدعوة النجدية الخارجة فعليًّا عن مناطق سلطتها، ويتقاصر خطرها عن التحدي الشيعي والاحتلال الإيراني = ما لم تبذله لمواجهة هذين الشرين.
فمن ينافح عن الموقف العثماني من دعوة النجديين ودولتهم لن يجد تبريرًا أو تفسيرًا لسياسة الإهمال التي انتهجتها حيال إيران وتمددها المذهبي في العراق، وكذلك موقفها السلبي من احتلال أكبر حواضره الجنوبية لمدة 4 سنوات.
وبشكل عام فإن كل ما يُساق من مبررات للتدخل العثماني في شؤون البلاد النجدية يُعارَض بما هو أقوى منها من مظاهر التهاون واللامبالاة تجاه تهديدات أكثر تحديًا لسلطة الدولة، وأكثر تأثيرًا على دورها في رعاية مصالح الشعب وتدبير شؤون البلاد وحمايتها من الأخطار الخارجية والداخلية.
خامسًا: مبادرة العثمانيين للعدوان قبل معرفة حال الدعوة:
اتسمت السياسة العثمانية تجاه الدعوة الإصلاحية في نجد بالعدائية والعنف منذ اللحظة الأولى، ولم تكن هذه السياسة مبررة في ضوء الجهل التام بحقيقة الدعوة والتغييرات التي أحدثتها في واقعها، بل كانت التصورات مبنية على دعاية خصوم الدعوة من حكام الأحساء ومكة.
حيث تؤكد وثائق الأرشيف العثماني أن حالة من الجهل عن الدعوة السلفية في نجد سادت في الأوساط الرسمية العثمانية، ففي أحد الاجتماعات المخصصة للتشاور حول هذه المسألة ذهب البعض إلى أن الأفكار التي طرحها محمد بن عبد الوهاب ليست خطأ من حيث الأساس، ولا يمكننا أن نقول شيئا في رجل يدعو إلى المعروف وينهى عن المنكر، فظهروا وكأنهم يوافقونه الرأي، أما البعض الآخر فزعم أنه رجل يحمل فكر تخريب مكة المكرمة مثل أصحاب الفيل، وهو بلا شك رجل خارجي من الضرورة تأديبه، بينما ذهبت مجموعة ثالثة إلى أن المشكلة ظهرت من الخلاف بين عائلة سعود والشريف غالب، ولأجل هذا لا بد من سؤال والي بغداد هو الآخر.
هذا التضارب في الآراء دفع المؤرخ والسياسي التركي الشهير جودت باشا لإبداء دهشته تجاه هذا القدر من الجهل في مجلس مشورة حول هذا المذهب الذي ذاع منذ مدة طويلة، ووضعت الكتب للرد عليه في أنحاء الحجاز والعراق، ويقول: “أمر لا يمكن تصديقه أن تظهر مسألة مذهبية تكون سببًا في تشكيل حكومة مستقلة في داخل ملكها [أي: ملك الدولة] ثم ها هي تعيش منذ خمسين أو ستين سنة ولا يستطيعون إلى اليوم الحصول على معلومات صحيحة حولها”([11]).
قد يعذر البعض الدولة العثمانية بعدم القدرة على معرفة حقيقة الدعوة، خاصة مع حجم الدعاية المضادة لها والإشاعات السيئة عنها.
والجواب عن هذا: أن مثل هذه الأمور قد تخفى على بعض الناس الذين تبلغهم أخبار لا يمكنهم التحقق من صحتها، فيستقر عندهم التصور الخاطئ عن الدعوة.
أما الدولة فإن عندها من القدرة ما يُمكنها من معرفة التطورات الحاصلة في نجد أو غيرها من البلاد، بل الواجب عليها بذل الجهد اللازم للوقوف على الحقيقة؛ لأن ذلك متعلق بالقرارات والإجراءات التي ستتخذها للتعامل مع الوضع الجديد سلبًا أو إيجابًا.
ومن جهة ثانية: فإن أئمة الدعوة بذلوا جهدًا كبيرًا في التعريف بأفكارهم، حتى وصلت كتبهم ورسائلهم إلى كثير من أقطار العالم الإسلامي فسمع بها أهل الهند وبلاد المغرب الأقصى، واطلع أعيان البلاد على مبادئها، ومنهم المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي، وفقهاء اليمن كالصنعاني والشوكاني، وعلماء بغداد فضلا عن علماء مكة، كما انتشرت أفكارها في أوساط الحجيج؛ ورسائل الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد إلى والي بغداد مثال واضح على جهود أئمة الدعوة في بيان حقيقتها للدولة العثمانية.
ومع ذلك فعداء العثمانيين للدعوة كان في وقت مبكر جدًّا، وقبل انتشارها وقبل أن يصحّ ادّعاء كونها تشكّل خطرًا عسكريًّا أو سياسيًّا؛ فقد أصدرت السلطنة العثمانية أمرًا إلى حاكم مكة آنذاك مسعود بن سعيد تحثه على زجر وتهديد الملحد [هكذا] محمد بن عبد الوهاب، وإن أصرّ على مذهبه فيجب إقامة الحدود الواجبة شرعا بحق هذا الملحد.
يصف الأمر السلطاني الصادر في شوال ١١٦٤هــ/ ١٧٥١م الشيخَ محمد بن عبد الوهاب بالْمُفسد الْمُلحد، ويحث على القضاء عليه قبل اتساع دعوته([12])، كل ذلك قبل أن يعرف العثمانيون حقيقة الدعوة، وقبل أن تتوسع الدولة السعودية خارج حدود الدرعية، بل قبل أن تُكمل عقدها الأول، لكنهم أصغوا إلى حاكم مكة قبل أن يتحققوا من صدقه وصحة مزاعمه.
كما صدرت من مكة فتاوى بتكفير الوهابية وضرورة القضاء عليهم في وقت مبكر من ظهور الدعوة([13])، وقد أكد ذلك الشوكاني بقوله: “وأما أهل مكة فصاروا يكفرونه ويطلقون عليه اسم الكافر”([14])، بينما تولى حكام مكة ترجمة هذا الحكم عمليًّا من خلال منع الوهابيين من الحج، واستمر هذا المنع سنوات طويلة([15]).
هذه العدائية لا يمكن أن تكون مبررة أو مفهومة بحال من الأحوال؛ وذلك لانعدام الأسباب الداعية لها، فسياسة العثمانيين تجاه الدولة السعودية كانت أشبه بالتعامل مع طائفة من الزنادقة المارقين والملاحدة الخارجين عن الشريعة، مع أن الحال ليس كذلك، وحتى مع وجود الدعاية الكاذبة والإشاعات عن مبادئ الدعوة النجدية، فإنه من غير المقبول شرعا ولا عقلا تصديقها والاندفاع للقضاء عليها بشكل جنوني، وكأنها أكبر الأخطار المهددة للإسلام في ذلك الوقت.
وحتى مع وجود الاختلاف بين مذهب الدولة الصوفي، ومذهب الدولة السعودية السلفي، فإن ذلك لا يبرر السياسة العدوانية التي انتهجها العثمانيون تجاهها، والسعي بشتى الوسائل للخلاص منها.
فالدروز والنصيرية والإمامية وغلاة الصوفية كانوا يتمتعون بحرية التعبد وتدريس مذهبهم وممارسة طقوسهم في ظلال حكم العثماني، ولم تعاملهم الدولة كملحدين مارقين بالرغم من علمها بشناعة أقوالهم ومذاهبهم وأنها تصل لحد الخروج من الشريعة والطعن في الأصول والثوابت الدينية.
أما السلفيون في نجد فلم يعرف عنهم منكرٌ في العمل أو الاعتقاد، فأهم ما يميز دعوتهم: هدم الأضرحة التي تعبد من دون الله، وإنكار ما يجري حولها من جهالات، وإلزام الناس بأداء الفرائض الدينية كالصلاة والزكاة، وإبطال الاحتكام للقوانين العشائرية، وردع اللصوص وقطاع الطرق، وقد شهد الموافق والمخالف بأن أفعال أتباع الدعوة ومعتقداتهم لا تخرج عن الأمور المذكورة.
سادسا: تجنب الدعوة النجدية الصدام مع الدولة العثمانية:
في مقابل الموقف العدائي للعثمانيين من دعوة النجديين ودولتهم، فإن الطرف الآخر لم تعرف عنه أي سياسة متطرفة ضد العثمانيين، فلم تكن الدعوة النجدية تنتهج أي سياسة معادية للعثمانيين، ولم يتضمن خطابها الديني والسياسي أي قدح في شرعية الحكم العثماني وأهليته لحكم البلاد النجدية، فضلا عن الخوض في الحكم عليه أو تكفيره ونقد سياساته الداخلية والخارجية، أو ادعاء الخلافة، فكل ذلك لا وجود له في أدبيات الدعوة الإصلاحية في عهدها الأول.
ولم تتصرف الدولة السعودية الأولى تصرف دولة مارقة منشقة معارضة للحكم العثماني، تحرض الناس عليهم وتذكر مساوئهم ومبررات المعارضة وضرورة القضاء على حكمهم، فكل ذلك لم يقترب النجديون من التفكير به، بل كان الإصلاح الديني هاجسهم الأكبر ومحركهم الأول، فهو الذي يحدد لهم نهجهم السياسي وليس العكس.
وكان بإمكان الدعوة النجدية لو أرادت فتح هذا الباب أن تجد شواهد كثيرة لإدانة السياسة العثمانية والتشكيك بشرعيتها وأهليتها سواء في الجانب الديني المتعلق برعاية التصوف المنحرف وشيوع مظاهر الشرك وانحراف عقائد العوام، أو في جانب الظلم الواقع من الولاة وإهمال شؤون الرعية والتدهور الحاصل في عموم الأحوال الاقتصادية والاجتماعية.
ولو كانت الدولة السعودية الأولى تنتهج سياسة دينية متشددة كما يزعم خصومها لسارعت لمهاجمة العثمانيين وإدانتهم برعاية الانحراف الديني والمسؤولية عنه، وهذا بحد ذاته كفيل للقدح بشرعيتهم، لكن الطبيعة الإصلاحية للدعوة النجدية لم تنحرف بها تجاه الصراع السياسي والدخول في نفق مظلم لا يخدم مقصود الإصلاح الديني وغايته النهائية من تنقية عقائد المسلمين وإصلاح شؤون دينهم
ولم تكن الدولة السعودية في خطابها للولاة التابعين لإسطنبول -كوالي بغداد سليمان باشا وحكام مكة المكرمة- تتناول شرعية الحكم العثماني من جهة دينية أو قومية أو غيرها، ولم تقدم نفسها كقوة معارضة لا تعترف بالسلطان، بل كان غاية أمرهم التعريف بمعتقدهم ومبادئ دعوتهم، ونفي الأكاذيب الشائعة عنهم، والدعوة للحوار من أجل جمع المسلمين على كلمة سواء ونبذ الخلاف والاقتتال.
ولا يمكن لمناوئي الدولة السعودية الأولى الإتيان بشاهد من سياساتها وتحركاتها يشير إلى وجود رغبة في الصدام مع الدولة العثمانية أو تصريح بعدم شرعيتها فضلا عن تكفيرها.
بل الوثائق العثمانية تؤكد أن حكام الدولة السعودية الأولى تفاعلوا بإيجابية مع مبعوثي الدولة العثمانية وسفرائها عبر الإجابة عن التساؤلات والإشكالات المتعلقة بسياسة النجديين، كالهجوم على كربلاء ودعوى التعرض للحجاج ومهاجمة مناطق الحجاز وبيان تجاوزات حكام مكة، وقبل ذلك التعريف بمعتقدهم ونفي الإشاعات المثارة عنهم، وبعض الوثائق تؤكد أن آخر حكام الدولة السعودية عبد الله بن سعود وجه كتابًا إلى السلطان العثماني مقرًّا بشرعيته معلنًا الدخول في طاعته([16]).
سابعًا: تردّد الولاة في الاستجابة لمطلب العثمانيين بالتحرك المعادي للدعوة:
حينما يتحدث البعض عن تحرك العثمانيين لإنقاذ المسلمين من شرور الوهابيين فإنه يخيل للبعض أننا نتحدث عن دولة لها سلطانها الفعلي وإرادتها النافذة، وكلمتها المسموعة لدى الولاة والحكام التابعين لها، لكننا في واقع الحال أمام دولة تستجدي الدعم من بعض التابعين لها شكليًّا، ولا تملك تنفيذ ما تريده بطريقة مباشرة.
ومن المعلوم لأي مطالع لتاريخ تلك الحقبة أن العثمانيين حرضوا حكام البلاد العربية لتسيير جيوشهم والقضاء على الدعوة الجديدة، وكان موقف الولاة في الغالب يميل إلى الاعتذار عن المهمة والتهرب من الاستجابة للأمر السلطاني وتقديم الأعذار المختلفة، وكانت إسطنبول تواصل مطالبتها وإلحاحها من أجل إنجاز هذه المهمة دون جدوى، فتضطر أحيانًا لعزل الوالي أو تنقل المهمة لغيره عند اليأس من استجابته، وترضخ لابتزاز آخرين.
فالدولة العثمانية لم تكن قادرة على تسيير جيش للقضاء على من اتخذته خصمًا في نجد، ولم تكن تملك سلطة فعلية على الولاة التابعين لها في الظاهر لتنفيذ سياستها.
وهذا يعيدنا من جديد لسؤال الشرعية، شرعية التدخل العثماني في شؤون البلاد النجدية التي لم تدخل في حوزة ملكهم، ولم تتبع لهم ولو شكليًّا، هذا من جهة، كما أنه يقدح في سيادتهم -لا سيما مع فقدان السيطرة- على الولاة التابعين لهم والعجز عن إلزامهم بالأمر، والسيادة الناقصة والسلطة العاجزة تقدح في أهلية الحاكم وشرعية أحكامه وتصرفاته بقدر ما نقص من سلطته ونفوذ أمره.
وإن كان بعض الإسلاميين([17]) يرى أن تحرك محمد علي باشا ضد الدولة السعودية كان بتحريض من القوى الأوربية المسيحية للقضاء على اليقظة الإسلامية السلفية، فإنه قبل البحث في صحه ذلك يجب الإقرار بأن الإثم الأكبر يقع على عاتق العثمانيين الذين سعوا جاهدين لضرب الدعوة والدولة السعودية، وتكررت مطالباتهم لولاة العراق والشام ومصر من أجل هذا الغاية.
فإن ثبت أن للأوربيين يدًا في تحريض محمد علي باشا ضد الوهابية كما يشير لذلك محمد رشيا رضا بقوله: “أما الخواص فإنهم يعلمون أن الوهابية كانوا قائمين بإصلاح إسلامي لو تم لعاد للإسلام مجده الأول، وأن الذين وسوسوا لمحمد علي بمحاربتهم هم الأوربيون الذين ينظرون إلى غايات الأمور وعواقبها كما هو مصرح به في بعض تواريخهم”.
إن ثبت ذلك فإن العثمانيين قد حققوا للقوى الأوربية مأربهم في “وأد اليقظة التي كانت تهددهم بها دار الإسلام في جزيرة العرب”([18])، كما يصفها العلامة محمود شاكر.
ثامنًا: الاستعانة بمحمد علي باشا للقضاء على الدولة السعودية:
من أقوى أدلة الإدانة لموقف العثمانيين استعانتها بوالي مصر محمد علي باشا للقضاء على الدعوة النجدية والدولة السعودية.
لم يكن اختيار ” محمد علي ” لولاية مصر بإرادة سلطانية، بل كان صعوده نتيجة لصراع داخلي أسفر عن ترشيحه لهذا المنصب([19])؛ لذا لم تكن علاقته بالسلطان علاقة المتبوع بالتابع، وحينما أوكلت له مهمة القضاء على الدولة السعودية تردد واعتذر عنها في بادئ الأمر، ثم أخذ يفاوض العثمانيين، فتارة يطلب ضم ولاية الشام لحكمه، وتارة أخرى يطلب عزل والي الشام المعارض له وتعيين آخر أقرب إليه، وتارة يطلب من الدولة مساعدة مالية وعسكرية لتجهيز حملته في الجزيرة([20]).
فاستعانة العثمانيين بمحمد علي باشا أشبه بالاستعانة بالفتوة أو البلطجي أو القاتل المأجور لتنفيذ مهمة ما.
وإن أردنا تقييم سياسة محمد علي باشا فبإمكاننا أن نقرأ عنها الكثير، لكننا في النهاية لن نخرج بانطباع إيجابي، فلم تكن سيرته سيرة مرضية، ولم يصدر في تصرفاته عن أصول السياسة الشرعية، بل كان ملتزما لسنة الحكام المتجبرين في استعباد الرعية لتنفيذ مشاريعه وإرهاقهم بالضرائب والتسلط على ما في أيديهم، وسَوْقِهم إلى المعارك لغزو البلاد المجاورة كالسودان وبلاد الشام والجزيرة العربية.
فهذا هو جندي الخلافة ويدها الضاربة للقضاء على الدعوة السلفية؛ أما جيش الخلافة ومدى التزامه الديني والأخلاقي فحسبنا في وصفه وبيان حقيقته كلام المؤرخين المعاصرين لتلك الأحداث ومن أشهرهم: المصري عبد الرحمن الجبرتي والفرنسي (Félix Mengin) وهو نفس الجيش الذي خرج بعد سنوات على السلطان العثماني مهددًا عاصمة ملكه.
وحسبنا أن نعلم أن الإيرانيين والإنكليز بادروا لتهنئة حكام بمصر بإنجازهم في القضاء على الدعوة السلفية والدولة السعودية، حيث تلقى محمد علي باشا تهنئة من الشاه الإيراني عباس ميرزا، أما إبراهيم باشا قائد الجيش المصري فجاءته التهاني من الإنكليز عبر مبعوثهم جورج سادلير([21]).
في ضوء هذا ندرك صحَّة مقولة محمد عبده بأن حرب محمد علي باشا على الوهابية كانت “إغارة على الدين”([22])، وهذا بالرغم من خلافه معهم وإنكاره عليهم الغلو في بعض المسائل.
تاسعًا: أوربا تنقذ دولة العثمانيين من محمد علي باشا:
لا يخفى على المختصين بالتاريخ أن للدول الأوربية الدور الأهم في حماية الدولة العثمانية من السقوط والانهيار بعد أن داهمت جيوش محمد علي الأناضول وهددت العاصمة إسطنبول.
وهذه الحقيقة عليها إجماع المؤرخين؛ إذ لا توجد رواية أخرى توضح الطريقة التي نجت بها الدولة من التهديد المصري الذي كاد أن يطيح بها.
وملخص الأمر: أن محمد علي باشا اندفع بجيوشه نحو فلسطين، وتمكن من احتلال بلاد الشام، وتساقطت المدن واحدة تلو الأخرى في قبضته، وواصل زحفه نحو الأناضول، فالتقى مع الجيش العثماني في منطقة قونية وتمكن من هزيمته، وكانت هذه الجولة الأولى من حروب محمد علي في الشام التي امتدت من سنة ١٨٣١ حتى ١٨٣٢م.
لجأ السلطان العثماني إلى روسيا لمساعدته في صد الخطر المصري بعد أن تجاهلته فرنسا وبريطانيا، فتحرك الأسطول الروسي باتجاه الشاطئ الآسيوي لمضيق البسفور، وقد أثار هذا التحرك قلق فرنسا وبريطانيا والنمسا لما قد ينجم عنه من سيطرة روسية على الدولة العثمانية واضطراب التوازن الأوربي([23]).
كانت السياسة البريطانية على وجه التحديد تسعى للحفاظ على الدولة العثمانية والحيلولة دون وقوعها في أيدي الدول الأوربية؛ وذلك لتأمين طرق تجارتها مع الهند، فالمنطقة التي تقع على طريق مستعمرتها أصبحت بمثابة القشرة الواقية للهند، فليس من المستغرب أن تقف بريطانيا في وجه أي تدخل خارجي يهدد أمن وسلامة الطريق المؤدي إلى الهند، خاصة المداخل البحرية للخليج العربي والبحر الأحمر، وهما الشريان المائي المؤدي إلى درة التاج البريطاني (الهند)([24]).
في نهاية المطاف نجحت الجهود الدبلوماسية الأوربية في إجبار محمد علي على وقف الحرب والاتفاق مع السلطان محمود الثاني على الانسحاب من الأناضول مقابل تسليمه ولاية أضنة والشام وجزيرة كريت وتثبيته على مصر والحجاز، وهي اتفاقية كوتاهية الشهيرة المبرمة في نيسان عام١٨٣٣م.
وبقي الأمر على ما هو عليه حتى تجدد الصدام المسلح مرة أخرى بين الجيش العثماني وجيش محمد علي باشا، وكانت الهزيمة المنكرة من نصيب العثمانيين مرة أخرى، وذلك في معركة نزيب = نصيبين الشهيرة عام ١٨٣٩م، حينها استسلم الأسطول العثماني الذي أرسله السلطان لحصار الإسكندرية([25]).
أثارت هذه التطورات قلق الدول الأوربية، فأرسل سفراء كل من فرنسا وبريطانيا وروسيا والنمسا وبروسيا مذكرة إلى السلطان العثماني، يعلنون فيها أن الاتفاق بين دولهم أصبح أمرًا واقعًا، وأنهم يدعون الباب العالي إلى عدم إقرار أي صلح في المسألة المصرية إلا بعد أخذ رأي دولهم بشأن ذلك([26]).
وفي حزيران ١٨٤٠م وقعت كل من روسيا وبريطانيا والنمسا وبروسيا والدولة العثمانية معاهدة لندن التي أرغمت جيش محمد علي باشا على الانسحاب من الأناضول والشام والجزيرة العربية، وتثبيته على حكم مصر، وجعلها في ذريته من بعده، والاتفاق على حماية عرش السلطان العثماني باللجوء إلى القوة إن لزم الأمر([27]).
والارتباط بين هذه الحقيقة وموضوع البحث من عدة جهات:
1- الحال الذي وصلت إليه الدولة العثمانية في تلك الفترة من عجزها عن حمايتها نفسها، والاستنجاد بالعدو الأوربي الصليبي لحماية عاصمة الخلافة من السقوط بيد تابعها المتمرد محمد علي باشا، وحرص الأوربيين على بقاء الدولة العثمانية وإسنادها ضد الخارج عليها، كل هذه المعطيات لا تدعم رؤية المتعصبين للعثمانيين من جهة تصوراتهم المثالية عن واقع الحكم العثماني المتهالك من الداخل، ومن جهة اندفاعهم لمعاداة الدولة السعودية والدعوة النجدية انطلاقًا من تصوراتهم المثالية الساذجة عن الدولة العثمانية.
2- أن العثمانيين بسوء تصرفهم وطيش سياستهم ساهموا في نمو قوة محمد علي باشا وتوسيع رقعة ملكه، لكن طموحاته كانت أكبر من رؤيتهم القاصرة، ولعل الذي أعماهم عن التحسب لخطره المستقبلي هو الرغبة غير المبررة في القضاء على الدعوة السلفية في نجد، ولو أنهم تفاهموا مع النجديين لساهم ذلك في تثبيت حكمهم وتقوية وجودهم في البلاد العربية، بدلًا من إيجاد تهديد محتمل قد يزحف نحو عرش السلطنة.
فمن أراده العثمانيون خلفًا للدولة السعودية في حكم الجزيرة دفعهم إلى الاستنجاد بعدوهم الأوربي بعد سنوات قليلة.
3- لم يحاول العثمانيون بعد مؤتمر لندن عام ١٨٤٠م التحرك لتأديب محمد علي باشا الخارجي المتمرد، بل استمر يحكم مصر تسع سنوات حتى وفاته عام ١٨٤٩م، ولم يصدر منهم أي تحرك للثأر منه أو التدبير لانقلاب ضده وإثارة القلاقل ضد حكمه والسعي لاسترداد ما انتزعه منهم رغمًا عنهم، ولم يتعاملوا معه كمصدر تهديد.
لقد رضي العثمانيون بحكم الأوربيين في الخلاف بينهم وبين حاكم مصر، ونسوا أنهم يمثلون خلافة إسلامية لا يمكن لعدوها الكافر أن يقرر مصيرها أو أن يفرض وصايته عليها.
تناسى العثمانيون هيبتهم في العالم الإسلامي التي قيل: إنها السبب وراء حرصهم على استرداد الحرمين من الدولة السعودية.
قد يقال بأن رجال الدولة استسلموا للأمر الواقع، لكن الأهم من ذلك: أن العلماء المناوئين للوهابية والذين حرضوا عليها بوصفها خارجة على السلطان المسلم سكتوا عن خروج محمد علي باشا على سلطانه بالرغم من وضوحه وعظم جنايته.
لقد كانت تلك النازلة بكل تفاصيلها تتطلب تحركًا جادّا من العلماء لإبداء الرأي الشرعي في أهم القضايا، ومن ذلك: خروج محمد علي باشا وزحفه نحو الأناضول، ثم لجوء العثمانيين إلى الأوربيين لتخليصهم من شره، ثم القبول بالواقع الذي أقره العدو الكافر في أرض الإسلام، فأقل ما يمكن أن يقدمه العلماء في ذلك الوقت هو بيان الموقف الشرعي بعد دراسته والتأمل فيه. لكن صمت العلماء وسكوتهم عن ذلك كله وعدم الارتقاء لمستوى التفاعل المطلوب مع المصيبة التي دهمت الإسلام في ذلك الوقت = كل ذلك يؤكد أن المساعي السابقة لشيطنة الوهابية والاجتهاد في التحريض عليهم لم يكن دافعها مصلحة الإسلام، وأن الموجّه لمواقف المناوئين كان الهوى والتعصب المذهبي، وليس المصلحة الدينية والسياسية للأمة، وأن الانشغال بتصفية الخصوم العقائديين مقدم في عُرف هؤلاء على الانشغال بالقضايا العامة للأمة والأخطار المهددة لأمنها وعقيدتها ومستقبلها السياسي، وهذا دأب خصوم الدعوة النجدية في القديم والحديث.
بقي أن نشير إلى رأي يكثر تداوله لدى الباحثين عند تناولهم قضية دوافع العثمانيين للقضاء على الدعوة السلفية، وهو: أن السيطرة السعودية على الحرمين الشريفين أمر مرتبط بهيبة الدولة وسمعتها في العالم الإسلامي، وأن استردادها بات ضرورة لا بد منها لاستعادة الهيبة وإثبات السيادة العثمانية على العالم الإسلامي.
والجواب أن: الهيبة تُستمد من الهيمنة الفعلية والإشراف المباشر على حكم البلاد، وحمايتها ورعاية مصالح الناس وتأمين مستلزمات العيش الكريم لهم، بذلك تفرض الدولة هيبتها وتؤكد سيادتها ويُذعن الجميع لهذا الواقع.
والدولة العثمانية في القرن التاسع عشر كان ينقصها الكثير لتحقيق السيادة، ولم تكن استعادة الحرمين إلا قضية رمزية هامشية في هذا الإطار، فكما قدمنا كان ارتباط كثير من الحكومات بالعاصمة إسطنبول ارتباطا شكليا وتبعية اسمية ظاهرية، والفوضى والاضطرابات السياسية وانعدام الأمن وتسلط الولاة الظلمة مشهد شائع في تلك الأزمنة، ودب الضعف والفساد في أجهزة الدولة بشكل لم يعد الحديث فيه عن السيادة والهيبة قضية ذات أهمية.
خلاصات مهمة:
بعد استعراض الحقائق المرتبطة بالقضية المبحوثة نقف على أهم النتائج فيما يتعلق بالرواية المنحازة للدولة العثمانية والمؤيدة لموقفهم من دولة النجديين ودعوتهم:
أولًا: بينما يجتهد البعض لإثبات عنف الوهابيين ودمويَّتهم دون استناد إلى دليل تاريخي صحيح فإنه في نفس الوقت يغفل أو يتغافل عن السياسة الدموية -التكفيرية- التي انتهجتها دولة العثمانيين في التعامل مع الدولة السعودية الأولى، تمثلت هذه السياسة بتكفير الوهابيين قبل الوقوف على حقيقة معتقدهم، ومنعهم من الحج، ثم تسيير الجيوش للقضاء على دعوتهم، فضلا عن تشويه سمعتهم وإشاعة الكذب عنهم، وانتهاء بهدم عاصمة دولتهم.
ثانيًا: التأمل في الحقائق المتقدم ذكرها يبدد النظرة العاطفية والتصورات الساذجة عن الدولة العثمانية في مراحلها الأخيرة، التي يجنح إليها بعض المعاصرين في دفاعهم عنها.
فالدولة العثمانية كانت غافلة عما يجري في الولايات التابعة لها، متجاهلة لما يدور فيها من صراعات ومظالم وأمور منكرة لا يقرها شرع ولا تقبلها سياسة، عاجزة عن الإصلاح والتغيير في هذا الواقع، فلما ظهرت دعوة دينية تحارب الخرافة والجهل وتصلح للناس أمر دينهم ودنياهم انتبهوا من غفلتهم، لا لإصلاح الفساد المنتشر، بل للقضاء على الدعوة الإصلاحية.
لقد أكدت هذه الأحداث مدى الضعف الذي وصلت إليه الدولة العثمانية وانهيار سلطتها ونفوذها في العالم العربي، هذا الواقع كان مختبئا خلف ستار التبعية الاسمية والسيادة الظاهرية، لكن ظهور الحركة الإصلاحية في نجد كشف حقيقة هذا الواقع الذي تجسد في تردد ولاة الشام والعراق ومصر في استجابتهم لأوامر الدولة في التحرك ضدها، ثم جاء تمرد محمد علي وسرعة سيطرته على بلاد الشام وانطلاقه نحو إسطنبول، وتحرك الأوربيين لنجدة الدولة العثمانية، كل هذه الأحداث وغيرها كشفت واقع السيادة الاسمية للعثمانيين، وكشفت أيضًا عظم جنايتهم بتدخلهم للقضاء على الدعوة من خلال سقوط كل المبررات والأسباب الدافعة لتحركهم العدواني، وفي مقدمة هذه الأسباب: غياب السيادة وسقوط الشرعية الدينية والسياسية.
استعانة العثمانيين بحاكم دكتاتوري للقضاء على الدعوة السلفية، ثم استعانتهم بالنصارى الأوربيين للقضاء على هذا الحاكم ومسارعة الروس ومن بعدهم الإنكليز لوقف زحف محمد علي= لا يدل على وجود نظام يلتزم بالشرع في سياساته؛ إذ لا يختلف السلوك العثماني في التعامل مع مشكلة الوهابيين وتمرد محمد علي مع سلوك أي دولة ترتكب ألوان المنكرات في سبيل الحفاظ على الحكم والملك وتلتزم مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”، وهذا يدفعنا للتنبيه مرة أخرى إلى جناية العثمانيين وعظم إثمهم بقضائهم على الدولة السعودية.
ثالثًا: سلّط العثمانيون والي مصر محمد علي على الدولة السعودية، وعاملوها معاملة المارق الذي ينبغي ردعه والقضاء عليه، ولم تكن هذه السياسة العدائية تجاه الدعوة مبنية على معلومات دقيقة ومعرفة بأحوال البلاد النجدية وحقيقة الدعوة الإصلاحية، بل كان تحركهم وموقفهم المعادي مبنيًّا على تحريض المناوئين وإغراء خصوم الدعوة بضرورة القضاء عليها، فماذا كانت عاقبة البغي على الدعوة والدولة؟
قضى العثمانيون على مصدر التهديد المفتعل بواسطة والي مصر محمد علي، فلم تمض سنوات طويلة حتى تحول هذا الحامي والمنقذ لمصدر تهديد حقيقي يزحف بجيوشه نحو عاصمة الخلافة، ويستولي على أهم الأقطار العربية التابعة للدولة (مصر والشام والجزيرة العربية).
لقد كان الخطر المفتعل يبعد آلاف الأميال عن عاصمة الخلافة، ولم تبدر منه أي خطوة عدائية تجاه الدولة، لكنها سارعت إلى القضاء عليه في الوقت الذي غفلت فيه عن طموح محمد علي الذي لم يكتم رغباته التوسعية بلسانه في زيادة نفوذه وسطوته حينما دفعته لغزو الجزيرة العربية، ليصبح بعد سنوات قليلة خطرًا حقيقيًّا يغزو الأناضول ويهدد الخلافة في عقر دارها، فانقلب السحر على الساحر، وارتد البغي على أهله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) تاريخ الدولة العلية العثمانية (ص 404، 406).
([2]) الخطط التوفيقية الجديدة (1/ 69).
([3]) انظر كتاب (كيف هُدمت الخلافة؟) الصادر عن حزب التحرير عام 1969م.
([4]) منهج الغلاة في ميزان الدعوة النجدية (ص 76-83).
([5]) تاريخ الدولة العثمانية، يلماز أوزتونا (2/ 814-815).
([6]) والإقرار بهذه الحقيقة خير للمتعصبين للدولة العثمانية من الاعتراف بسلطتها؛ لأن ذلك سيحملها مسؤولية التدهور والانحطاط في معظم تفاصيل الحياة في البلاد العربية.
([7]) للوقوف على طرف من حوادث الصراع بين أشراف مكة وما ينشأ عنها من اضطراب وفوضى، انظر كتاب (أشراف مكة وأمرائها في العهد العثماني) للباحث التركي إسماعيل حقي جارشلي، وكتاب تاريخ مكة لأحمد السباعي وبحث (السلطة العثمانية في الحجاز في أواسط القرن 11هـ/ 17م كما يعكسها عهد شريف مكة زيد بن محسن) للدكتور عويضة بن متيريك الجهني، والمنشور في المجلة الأردنية للتاريخ والآثار (المجلد 2) العدد (2) (سنة 2008م).
([8]) الدولة السعودية الأولى (ص 134-135).
([9]) أشراف مكة وأمراؤها في العهد العثماني (ص 194-195)، خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام (ص 297).
([10]) مصطفى عقيل الخطيب، التطلعات الإيرانية على عهد كريم خان الزند (1774-1779م)، بحث منشور في حولية كلية الإنسانيات والعلوم الاجتماعية – جامعة قطر (العدد 16/ سنة 1993م) (ص 385-388)، ولمزيد من التفصيل عن الاحتلال الإيراني للبصرة يراجع كتاب (الصراع العراقي الفارسي) لمجموعة باحثين، دار الحرية للطباعة والنشر، بغداد 1983م، و(البصرة في سنوات المحنة) (1775-1779) لمحمد صالح العابد، بحث منشور في مجلة المورد البغدادية المجلد (14) العدد (3) (خريف 1985م).
([11]) العثمانيون وآل سعود في الأرشيف العثماني (ص 55).
([12]) لمطالعة الفرمان السلطاني يراجع: أشراف مكة وأمراؤها في العهد العثماني (ص 179-180/ الحاشية رقم 4)، العثمانيون وآل سعود في الأرشيف العثماني (ص 48)، وهما من الدراسات التركية المعربة.
([13]) خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام (ص 299-300)، تاريخ “وهابيان إسلام” لأيوب صبري باشا نقلا عن كتاب وثائق نجد (ص 32)، تاريخ المملكة العربية السعودية لعبد الله العثيمين (1/ 133).
([14]) البدر الطالع (2/ 7). ونقل كلامه هذا صديق حسن خان في التاج المكلل (ص 326).
([15]) تاريخ المملكة العربية السعودية لعبد الله العثيمين (1/ 134-136).
([16]) العثمانيون وآل سعود في الأرشيف العثماني (ص 55/ 66-67)، الدولة السعودية الأولى (ص 444-445).
([17]) ومنهم محمود محمد شاكر في (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) (ص137-138)، وعلي الصلابي في الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط (ص 568-569)، وأشار لذلك محمد رشيد رضا، مجلة المنار (5/ 157).
([18]) رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (ص 138).
([19]) سياسة محمد علي باشا التوسعية (ص 27-29).
([20]) الدولة السعودية الأولى (1745-1818م) (ص284-289)، حروب محمد علي في الشام وأثرها في شبه الجزيرة العربية (ص 34)، علاقة الدولة العثمانية السياسية بالدولة السعودية الأولى (ص 108-109).
([21]) الدولة السعودية الأولى (ص 293، 452-454)، الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط (ص 572) وقد دوّن سادلير وقائع رحلته إلى الجزيرة العربية وطبعت مترجمة إلى اللغة العربية عدة طبعات.
([22]) تاريخ الأستاذ الإمام محمد عبده (2/ 388-389).
([23]) الموقف الروسي التدخل المصري في بلاد الشام (ص 392-392/ مجلة دراسات تاريخية – جامعة دمشق العدد 117-118 لعام 2012م)، تاريخ الدولة العلية العثمانية (ص 451).
([24]) حروب محمد علي في الشام (ص 50).
([25]) تاريخ الدولة العلية العثمانية (ص 452).
([26]) تاريخ الدولة العلية العثمانية (ص 455)، حروب محمد علي في الشام (ص 422).