الجمعة - 10 شوّال 1445 هـ - 19 ابريل 2024 م

مذهب الإمام محمَّد بن عبد الوهاب في العذر بالجهل (تقريرٌ ونقاش)

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

تمهيد:

من أكثر القضايا التي شغلت الفكر الإسلامي -بل وغير الإسلامي- قضيَّة الكفر والتكفير، فإنها مسألة دقيقة ندَّت فيها أفهام، وزلَّت فيها أقدام، خاصَّة في تنزيل هذا الحكم على المعيَّن، فهي مسألةٌ عويصة، يصعب على كل أحد لملمة أطرافها، والقول الفصل في كل أجزائِها؛ ولذا نجد الخلافات الواسعة في عددٍ من قضاياها، وقد نبَّه إلى خطورة هذه المسألة عددٌ من العلماء، يقول ابن أبي العز رحمه الله: “واعلم -رحمك الله وإيانا- أنَّ باب التَّكفير وعدم التكفير بابٌ عظمت الفتنة والمحنة فيه، وكثر فيه الافتراق، وتشتَّتت فيه الأهواء والآراء، وتعارضت فيه دلائلهم”([1])، ويقول ابن تيمية رحمه الله مبينًا الاضطراب الكبير الواقع في هذا الباب: “اضطربت الأمة اضطرابًا كثيرًا في تكفير أهل البدع والأهواء، كما اضطربوا قديمًا وحديثًا في سلب الإيمان عن أهل الفجور والكبائر”([2])

وكما أنَّ هذه المسألة عويصة شديدة الدقَّة والخطر لما لها من مآلاتٍ خطيرة قد يؤدي الفهم الخاطئ فيها إلى إزهاق أرواح أبرياء واستباحة أموالهم وأعراضهم، فكذلك المسائل المتعلقة بالتَّكفير لها نفس الأهمية والخطورة، ومن تلك المسائل: مسألة العذر بالجهل، وقد خاض فيها كثيرٌ من العلماء والفضلاء بحثًا وتحريرًا ومناقشة، وحصل فيها سجالات ونقاشات في الساحة الفكرية المعاصرة يعرفها كل من له تتبع لما يكتب في هذه الساحة، ولا عجب فهي قضية عظيمة لها آثارها الكبيرة.

وقد حاول من تناول هذه القضيَّة استجلاء مواقف العلماء البارزين ممَّن لهم أثر في الأمة الإسلامية من هذه القضيَّة، كموقف شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام محمد بن عبد الوهاب وغيرهما، ولقد حظي الإمام محمد بن عبد الوهاب بنقاشٍ واسع متجددٍ لموقفه من قضية الإعذار بالجهل، وهو ما يؤكِّد أهمية الموضوع.

ولكثرة ما كتب في ذلك([3]) فإننا لسنا نريد التأصيل الشامل لموقفه ولا حصر أقواله، وإنما نريد بيان الإشكاليَّة التي وقع فيها بعض من قال بأنَّ الإمام محمد بن عبد الوهاب لا يعذر بالجهل، وهو القول الذي أراه خطأً، فناقشنا تلك الإشكالية، وحقيقة موقف الإمام محمَّد بن عبد الوهاب، وذكرنا المسالك التي تبين أنَّه يعذر بالجهل، وأنَّ هذا هو موقفه الصريح، ثمَّ عرجنا إلى أبرز المواضع التي استدلَّ بها من يرى عدم إعذاره بالجهل، ونبدأ هذه الورقة بمقدمات أراها مهمّة؛ حتى نضبط التعامل مع هذه القضية، ولا نزلَّ فيها:

المقدمة الأولى: الإعذار في مسألة الإعذار:

وأعني أنَّ هناك شططًا في التعامل مع هذه المسألة من بعض من يخوض فيها، ولا شكَّ أنَّها مسألة عظيمة القدر كما سبق بيان ذلك؛ ولكنَّها في كثير من السجالات والنقاشات المعاصرة تخرج من مجرَّد البحث العلمي وتخطئة الآخر في الرأي إلى الرَّمي بأمور عظيمة في الشرع، فكثيرًا ما يُتَّهم من يعذر بالجهل بالإرجاء والتجهُّم، وكثيرًا ما يُتَّهم من لا يعذر بالجهل بالخروج والتكفير، وهذا غير صحيح؛ إذ لا يلزم من القولين القول بالإرجاء أو الخروج.

وممَّا يؤكد أهمية الالتفات إلى هذه النقطة: أنَّ الخلاف في كثيرٍ من الأحيان عند التمحيص والتدقيق نجد أنه خلاف لفظي، أو أنَّ الخلاف في جزئية من جزئيات المسألة وهي الحكم على المعين، وليس في أصل المسألة، وقد سئل الشيخ العثيمين عن العذر بالجهل فيما يتعلق بالعقيدة، فأجاب بقوله: “الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية، وربما يكون اختلافًا لفظيًّا في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين، أي: إن الجميع يتفقون على أنَّ هذا القول كفر، أو هذا الفعل كفر، أو هذا التَّرك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضى في حقه وانتفاء المانع، أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات أو وجود بعض الموانع”([4]).

وبناءً على هذا فإنَّه ينبغي عند طرح المسألة معرفة قدرها، وقدر المخالفين فيها، وعدم إطلاق عبارات التَّبديع والتضليل والتكفير والتجهيل للمخالف فيها، وهذا فيمن أخطأ في أصل المسألة، فكيف بمن أخطأ في تصوير مذهب عالم ما في هذه المسألة؟! كمن أخطأ مثلا في تصوير المسألة عند الإمام محمد بن عبد الوهاب، فلا شك أنَّ المخطئ فيه لا ينبغي تجهيله، ولا تبديعه، ولا اتهام نيته، أو التقليل من علمه، أو القدح في ديانته([5])، وإنَّما هي مسألة علميَّة تبحث في المواطن العلمية، ويبين الخطأ فيها، دون أن يشنع على أحد أخطأ في تصوير مذهب الإمام محمد بن عبد الوهاب فيها، وهذا ما ينبغي فعله من طلبة العلم المتصدِّين لتحرير مثل هذه المسائل.

المقدمة الثانية: لا خلاف في أصل التوحيد والشرك:

فإنَّ أمر التوحيد عظيم، فهو أصل دعوة الرسل، ولا يشكُّ في هذا مسلم، وكما جاءت الشريعة بالدعوة إلى التوحيد فكذلك جاءت بمحاربة الشرك وإزالته من قلوب وواقع الناس، بل كانت الدَّعوة كلها مرتكزها هذان الأمران، وهما غرس التوحيد، وإزالة الشرك ونزعه؛ ولذلك فإن كلمة التوحيد تحمل المعنين: توحيد الله، والبراءة من الشرك، فلا يصح توحيد العبد إلَّا بأن يتخلص من الشرك الأكبر، ومع هذا فإنَّ فئامًا من المسلمين قد وقعوا في الشرك، وأضحوا يصرفون أنواعًا من العبادة لغير الله جهلًا منهم بحقيقة الدعوة التي جاء بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

وبناء على هذا فإنَّ من يعذر بالجهل في مسائل الشرك لا يهوِّن من أمر الشرك، ولا يجوِّز وقوعه، بل العاذرون بالجهل هم من أشد الناس تحذيرًا من الشرك، والوقوع فيه، فهذا ممَّا يتفق عليه الجميع، وإدراكه مهم حتى ندرك أصل الخلاف في المسألة، ومما يوضحه:

المقدمة الثالثة: أن الخلاف في جزئيات المسألة لا في أصلها:

فإنَّ من يعذر بالجهل يقر بأنَّ صرف العبادة لغير الله شرك، بل يقول صراحة: إنَّ الوقوع في هذه المنكرات من صرف شيء لأصحاب القبور، أو الذبح والنذر لهم، أو اعتقاد نفعهم أو ضرهم، كل ذلك شرك أكبر، لا خلاف في ذلك، بل عوام الناس حين تسألهم عن عبادة غير الله سينكرونها، ويرون قبحها، ويتبرؤون منها، ويرون أنَّ من صرف العبادة لغير الله فقد أشرك.

فالمسألة ليست في تقرير هذا الأصل، وإنَّما في الجهل ببعض أنواع العبادة في أنها عبادة، أعني أنَّ بعض الناس يجهلون أن الاستغاثة بغير الله مثلًا عبادة لا يجوز صرفها إلا لله، ويجهلون أنَّ الذبح من العبادات التي لا يجوز صرفها إلا لله، وهكذا، فالمسألة في أفراد المسائل هل هي عبادة صَرْفُها لغير الله شرك أو ليست كذلك؟ مع اتفاق الجميع على أنَّ عبادة غير الله شركٌ مخرجٌ من الملة، وإدراك هذا مهم في تحرير المسألة، وقد أشار المعلمي إلى هذا الإشكال فقال: “فإني تدبَّرت الخلاف المستطير بين الأمَّة في القرون المتأخَّرة في شأن الاستعانة بالصالحين الموتى، وتعظيم قبورهم ومشاهدهم، وتعظيم بعض المشايخ الأحياء، وزَعْم بعض الأمَّة في كثيرٍ من ذلك أنَّه شركٌ، وبعضِها أنه بدعةٌ، وبعضِها أنه من الحقِّ، ورأيتُ كثيرًا من الناس قد وقعوا في تعظيم الكواكب والروحانيِّين والجنِّ بما يطول شرحه، وبعضه موجودٌ في كتب التنجيم والتعزيم كـشمس المعارف وغيره، وعلمتُ أن مسلمًا من المسلمين لا يُقْدِمُ على ما يعلم أنه شركٌ، ولا على تكفير مَن يعلمُ أنه غير كافرٍ، ولكنه وقع الاختلاف في حقيقة الشرك، فنظرتُ في حقيقة الشرك فإذا هو بالاتَّفاق: اتَّخاذ غير الله عزَّ وجلَّ إلهًا من دونه، أو عبادة غير الله عزَّ وجلَّ، فاتَّجه النظرُ إلى معنى الإله والعبادة؛ فإذا فيه اشتباهٌ شديدٌ… فعلمتُ أن ذلك الاشتباه هو سبب الخلاف”([6]).

كما يجب التنبيه على أنَّ من يقول بالعذر بالجهل لا يحصر الكفر في الجحود([7])، بل يرون أنواع الكفر كلها، ككفر الإعراض الذي لا يعذرون فيه بالجهل؛ لأنه لا جهل حقيقي هنا، والكفر الذي يكون بمناقضة التوحيد مناقضة صريحة، كمن يقول: هناك إله مع الله، أو يجوز عبادة غير الله مع الله، أو سب الله ورسوله، فهذه كلها مما ينافي أصل كلمة التوحيد التي تنص على أنه لا إله مع الله، فالعاذرون بالجهل لا يعذرون في كل مسألة، وإنما القضية في هذا الإنسان الذي لم يكن معرضًا، وإنما وقع في الشرك الذي هو لا يعلم أنه شرك، فهل يعذر بجهله هذا أم أنه يحكم عليه بالكفر بمجرد وقوعه في هذا الفعل؟ هذه هي المسألة التي فيها خلاف بين أهل العلم، وتحرير موطن الخلاف مهم كما لا يخفى؛ حتى لا نجور في الحكم على أحد، وحتى نستطيع تحرير المسألة بشكل صحيح.

المقدمة الرابعة: التَّفريق بين الألفاظ العامَّة والحكم الخاص:

فممَّا عظَّم هذه المسألة أنَّ عددًا من الخائضين فيها لا يفرقون بين المقامين: مقام الأقوال العامة والتكفير العام، ومقام تنزيل هذا الحكم على معين، فتراه في حكاية مذهب الإمام محمد بن عبد الوهاب مثلًا يتمسَّك بنصوص كثيرة للإمام يقول فيها بأنَّ الذبح لغير الله كفر، والنَّذر لغير الله كفر، والمتعلقين بالقبور الطالبين منها النفع كفار، فيتمسكون بهذه النصوص في تقرير أنَّ الإمام لا يعذر بالجهل، وإنما يحكم بالكفر بمجرد وقوع الشخص فيه، وهذا غير صحيح؛ إذ إنَّ هذه كلها مسائل لا خلاف فيها، ولا تفيد في مسألة الإعذار بالجهل، فإنَّ أهل السنة والجماعة كلهم يكفِّرون بهذه ولا يرون فيها خلافًا، ولكن الخلاف في إنزال هذا الحكم على هذا المعين الذي وقع في هذا لجهله.

تحرير مذهب الإمام محمد بن عبد الوهاب في مسألة العذر بالجهل:

اضطربت أقوال أهل العلم في تحرير مذهب الإمام محمد بن عبد الوهاب في مسألة العذر بالجهل، فرأى قومٌ أنَّه لا يعذر بالجهل من وقع في الشرك، وإنما يحكم عليه بذلك، ورأى آخرون أنَّه ممَّن يعذر بالجهل، وسبب هذا الاضطراب في بيان موقفه هو أنَّ للشيخ نصوصًا فهم منها البعض أنَّها صريحة في عدم الإعذار بالجهل، وهناك نصوص أخرى هي صريحةٌ في الإعذار بالجهل، فاضطربت أقوال الناس تبعًا لذلك ما بين قائل بأنَّه يعذر بالجهل، وقائل بأنه لا يعذر، وقائل بأنَّه يعذر في المسائل الخفية، ثم يجعل مسائل القبور وما شابهها من المسائل الظاهرة على كلِّ حال فيبين أنَّه لا يعذر فيها، وقد كتب كثيرون من أهل العلم في قضية العذر بالجهل عند محمد بن عبد الوهاب، ولا نريد تسويد الصفحات بتكرار ما قالوه، وإنَّما سنقتصر هنا على بيان أصل إشكاليَّة العذر بالجهل عند من درس الإمام محمد بن عبد الوهاب، وعلى المسالك التي تبين مذهب الإمام بوضوح، وعلى مناقشة بعض الإشكالات والنصوص التي تمسك بها من رأى غير ما نقرره في هذه الورقة، واستدل على رأيه بنصوص من كلام الإمام محمد بن عبد الوهاب.

أما عن أصل الإشكالية: فهي الفصل بين قضيتين فصلًا تامًّا وحقهما أن لا يفصل بينهما هذا الفصل، وهما قضية الظهور والخفاء، وقضية الشّخص الواقع في الشرك هل هو في بادية أو حاضرة علم([8])، وخلاصة القول في هاتين القضيتين هي:

القضية الأولى: الظهور والخفاء:

لا شكَّ أنَّ الأئمة يقسِّمون المسائل إلى مسائل ظاهرة ومسائل خفية، فأما الخفية فيعذر فيها حتى من يقول بعدم العذر بالجهل في مسائل الشرك، وذلك مثل الخطأ في بعض الصفات، أو بعض مسائل القدر الخفية، وهذه لا إشكال فيها إذ إنَّ الجميع يعذر فيها بالجهل.

وأمَّا المسائل الظاهرة فهي التي ينص عليها كثير من الناس بأنَّ الإمام محمد بن عبد الوهاب لا يقبل فيها العذر بالجهل، وإنَّما يعذر في المسائل الخفيَّة فقط، وهذا التَّقرير لا إشكال فيه، وإنما الإشكال في تحديد ماهيَّة المسائل الظاهرة، وفي فصْلِ هذه المسألة عن القضية الأخرى وهي قضية القرب والبعد من حاضرة أهل العلم، فمن فصل بين القضيتين عدَّ كل مسائل القبور والذبح والنذر لغير الله والاستغاثة بغير الله، عدَّها كلها من المسائل الظاهرة التي لا يقبل فيها العذر بالجهل([9])، وهذا غير صحيح، بل المسألة الظاهرة تختلف من بلد لآخر، ومن وقت لآخر، ولأجل ذلك تختلف تقريرات العلماء في العذر في مسائل محددة وقعت في أماكن وأزمنة مختلفة، وسيأتي بيان تقريرات العلماء في نسبية الظهور والخفاء حسب الشخص والزمان والمكان.

القضية الثانية: الشخص الواقع في الشرك، هل هو في حاضرة علم أم ليس كذلك:

فإنَّ وقوع الإنسان في الشرك في المسائل الظاهرة يرتبط بكونه حديث عهد بإسلام، أو في بادية بعيدة، والبادية البعيدة هنا لا تعني كونه في ديار المشركين كما يصوِّره البعض، وإنما كونه في ديار لا ينتشر فيها العلم الصحيح، بأن يكون في منطقة يقول فيها كل العلماء بجواز الذبح لغير الله، أو بجواز الاستغاثة بغير الله، فالعامي هنا -حتى في المسائل التي يعتبرها عدم العاذر ظاهرة- يكون معذورا بالجهل، وهذا ما يقرره الإمام محمد بن عبد الوهاب، وهو ما يقرره علماء أهل السنة من قبله؛ ولأجل هذا ترى أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب يعذر من عبد الصنم الذي على عبد القادر([10]) وهي مسألة ظاهرة، بل من أظهر مسائل الدين، لكن النظر هنا ليس في كون المسألة ظاهرة فحسب، وإنما في حال الشخص، وفي كونه عاش في بلاد وإن لم تكن ديار شرك إلا أنه يكثر فيها تقرير هذا الأمر الذي أخطأ فيه، فيعذرونه بالجهل من أجل ذلك، فلا تناقض بين إعذار الإمام محمد بن عبد الوهاب في ذات المسألة لأناس دون آخرين؛ إذ إنه قد نظر في هاتين القضيتين وبناء عليهما حكم بحكمه.

والجمع بين القضيتين هو دأب العلماء، فإنهم يقررون أن المسائل الظاهرة تختلف من وقت لآخر، وأن لظهور العلم الصحيح دورًا كبيرًا في ذلك، فليست كل مسألة ظاهرة لدينا هي ظاهرة عند الجميع، يقول ابن رجب: “وفي الجملة فما ترك الله ورسوله حلالًا إلا مبينًا، ولا حرامًا إلا مبينًا، لكن بعضه كان أظهر بيانًا من بعض، فما ظهر بيانه واشتهر وعلم من الدين بالضَّرورة من ذلك لم يبق فيه شك، ولا يعذر أحدٌ بجهله في بلد يظهر فيه الإسلام([11])، فلا يعذر في بلد يظهر فيه الإسلام، وليس في أي بلد.

ويقول ابن تيمية رحمه الله: “وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة الذي يندرس فيها كثير من علوم النبوات حتى لا يبقى من يبلِّغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيرًا مما يبعث الله به رسوله، ولا يكون هناك من يبلغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر([12]).

ويقول في المسائل التي يقال عنها: إنها معلومة من الدين بالضرورة: “وأيضًا فكون الشيء معلومًا من الدين ضرورة أمر إضافي، فحديث العهد بالإسلام ومن نشأ ببادية بعيدة قد لا يعلم هذا بالكليَّة، فضلًا عن كونه يعلمه بالضَّرورة، وكثير من العلماء يعلم بالضرورة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سجد للسهو، وقضى بالدية على العاقلة، وقضى أن الولد للفراش، وغير ذلك مما يعلمه الخاصة بالضرورة، وأكثر الناس لا يعلمه البتة”([13]).

ويقول: “والشيئان المتلازمان كل منهما يصلح أن يكون دليلًا على الآخر، ثم من شأن الإنسان أن يستدل بالظَّاهر على الخفي، لكن الظهور والخفاء من الأمور النسبية، فقد يظهر لهذا ما لا يظهر لهذا، وقد ظهر للإنسان في وقت ما يخفى عليه في وقت آخر”([14]).

وهذا التقرير هو الذي عليه الإمام محمد بن عبد الوهاب، ولأجل ذلك لم يكفر من وقع في مسائل الشرك عند عبد القادر أو الكواز، وكفر من راسلهم هو وأقام عليهم الحجة ممن كانوا قرب ديار نجد، فالقضية لا تتعلق فقط بكون المسألة من المسائل الظاهرة، وإنما ترتبط ارتباطًا وثيقًا بكون الشخص في حاضرة علم صحيح أو لا يكون كذلك، وتأمل في كلام ابنه عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب حين سئل فقيل له: فما القول فيمن حرر الأدلة، واطلع على كلام الأئمة القدوة، واستمر مصرا على ذلك حتى مات؟

فقال: “ولا مانع أن نعتذر لمن ذكر، ولا نقول: إنه كافر، ولا لما تقدم أنه مخطئ، وإن استمر على خطئه، لعدم من يناضل عن هذه المسألة في وقته، بلسانه وسيفه وسنانه، فلم تقم عليه الحجة، ولا وضحت له المحجة؛ بل الغالب على زمن المؤلفين المذكورين التواطؤ على هجر كلام أئمة السنة في ذلك رأسًا، ومن اطلع عليه أعرض عنه، قبل أن يتمكن في قلبه، ولم يزل أكابرهم تنهى أصاغرهم عن مطلق النظر في ذلك”([15]). فهذا الإعذار في مسألةٍ ظاهرة، وفي ديار إسلامية، لكن انتشار القول الباطل جعل الشيخ يتوقف عن التكفير ويعذر بالجهل.

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقيل له: هل هناك فرق بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية؟

فأجاب: “الخفية بينة، مثل هذه المسألة [يتحدث عن الذبح للولي] لو فرضنا أنه يقول: أنا أعيش في قوم يذبحون للأولياء ولا أعلم أن هذا حرام، فهذه تكون خفية؛ لأن الخفاء والظهور أمر نسبي، قد يكون ظاهرًا عندي ما هو خفيٌّ عليك، وظاهرٌ عندك ما هو خفي عليَّ([16]).

ويقول أيضا: “وهنا مسألة: لو كان الجهل في أمر يكون ردةً وكفرا مع العلم، مثل أن يكون عامي قد عاش بين قوم يدعون الأموات، ولم يبين له أحد أن هذا من الشرك، ولكنه يدين بالإسلام، ويقول: إنه مسلم فهل يعذر بدعائه غير الله؟ الجواب: نعم يعذر؛ لأن هذا الرجل قد عاش على هذه الحال ولم يبين له أحد أن هذا شرك، وهو يعتقد أن هذا من الوسائل وليس من المقاصد، يعني يعتقد أن هذا الميت وسيلة له إلى الله عز وجل يقربه إليه، فنقول: هذا لا يكفر؛ لأنه منتسب إلى الإسلام”([17]). فانظر كيف أن هذه في أعظم المسائل التي توجب الردة، لكن لم يحكم بها على الجاهل.

قول الإمام محمد بن عبد الوهاب هو العذر بالجهل:

بناءً على ما سبق فإنَّ الإمام محمد بن عبد الوهاب يعذر بالجهل في مسائل الشرك، ويقرر ذلك في كتبه، وينفي عن نفسه عدم الإعذار بالجهل، فأصل قوله هو الإعذار بالجهل، ثم يحكم على معينين بالكفر رأى أنَّه قد قامت الحجة عليهم، أمَّا من لم يكن كذلك فإنَّه يعذره بالجهل حتى لو كان في بلاد المسلمين، حتى وإن كانت المسألة من المسائل الظاهرة، فالعبرة بعدم تمكنه من العلم الصحيح، وكون جلّ العلماء عنده ممن يجيز هذا الأمر أو يقرره.

والإمام محمد بن عبد الوهاب يقرر هذا الأمر بطريقة جليَّة واضحة، بل ينفي عن نفسه عدم العذر بالجهل، ومن العجب أن ننسب إلى الشخص ما ينفيه عن نفسه صراحة في مواضع عدة، وقرر الإمام محمد بن عبد الوهاب هذ القول بعدة مسالك، من أهمها:

المسلك الأول: التصريح بأنَّه يعذر بالجهل:

فقد صرَّح رحمه الله في عدة مواطن بأنَّه يعذر بالجهل، وأن مرتكب الكفر إن كان جاهلًا لا يكفر، وهي نصوص محكمة يجب علينا أن نردَّ ما اشتبه من أقواله إليها، ونفهمها على ضوئها لا أن نفعل العكس، فإنَّ المتعلقين بتقرير أن الإمام لا يعذر بالجهل تمسَّكوا بنصوص قليلة لها سياقاتها الخاصة، وسيأتي الجواب عنها، لكن قبل ذلك كله يجب رد تلك النصوص إلى المحكم من أقواله ونصوصه، خاصة وأنَّها ليست قليلة.

يقول رحمه الله بعد أن ذكر أن دعاء غير الله والاستغاثة بالصالحين كفر: “فلما رأوني آمر الناس بما أمرهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم أن لا يعبدوا إلا الله، وأنَّ من دعا عبد القادر فهو كافر، وعبد القادر منه بريء، وكذلك من نخا الصالحين أو الأنبياء أو ندبهم، أو سجد لهم، أو نذر لهم، أو قصدهم بشيء من أنواع العبادة التي هي حق الله على العبيد، وكل إنسان يعرف أمر الله ورسوله لا ينكر هذا الأمر، بل يقر به ويعرفه، وأما الذي ينكره فهو بين أمرين، إن قال: إن دعوة الصالحين واستغاثتهم، والنذر لهم، وصيرورة الإنسان فقيرا لهم أمر حسن، ولو ذكر الله ورسوله إنَّه كفر، فهو مصرٌّ بتكذيب الله ورسوله، ولا خفاء في كفره فليس لنا معه كلام. وإنما كلامنا مع رجلٍ يؤمن بالله واليوم الآخر، ويحب ما أحب الله ورسوله، ويبغض ما أبغض الله ورسوله، لكنَّه جاهل، قد لبست عليه الشياطين دينه، ويظن أنَّ الاعتقاد في الصالحين حق؛ ولو يدري أنَّه كفر يدخل صاحبه في النار، ما فعله”([18]). فانظر كيف أنه أطلق الكفر على من دعا عبد القادر، لكن عند الحكم على المعين اختلف الوضع، فقد بين أنَّه يعذر بالجهل، ولا يكفر من وقع في شيء من ذلك إن كانوا على الحالة التي ذكرها من الجهل.

ويتضح هذا بصورة أوضح في قوله: “وأما سؤالكم: هل هذا في المسلم الذي لم يصدر منه شرك بالكلية؟ فنقول: أما الشرك الذي يصدر من المؤمن وهو لا يدري مع كونه مجتهدًا في اتباع أمر الله ورسوله، فأرجو أن لا يخرجه هذا من الوعد؛ وقد صدر من الصحابة أشياء من هذا الباب، كحلفهم بآبائهم، وحلفهم بالكعبة، وقولهم: ما شاء الله وشاء محمد، وقولهم: اجعل لنا ذات أنواط، ولكن إذا بان لهم الحق اتبعوه، ولم يجادلوا فيه حميةَ الجاهلية لمذهب الآباء والعادات. وأما الذي يدَّعي الإسلام وهو يفعل من الشرك الأمور العظام، فإذا تُليتْ عليه آياتُ الله استكبر عنها، فليس هذا بالمسلم، وأما الإنسان الذي يفعلها بجهالة، ولم يتيسر له من ينصحه، ولم يطلب العلم الذي أنزله الله على رسوله، بل أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فلا أدري ما حاله”([19]). فمن تلبَّس بفعلٍ كُفري وهو جاهلٌ فإنه لا يكفر، وقد استدلَّ على ذلك بحديث أبي واقد رضي الله عنه وهو حديث ذات أنواط، بل توقف هنا حتى فيمن تمكن من العلم ولم يطلبه، فكيف بمن عاش في ديار إسلامية جل علمائها إنما يذكرون القول الواحد في هذه الأفعال؟!

أما حديث أبي واقد الليثي الذي فيه أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، وكان للكفار سدرة يعكفون عندها، ويعلقون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، قال أبو واقد: فمررنا بسدرة خضراء عظيمة، قال: فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قلتم -والذي نفسي بيده- كما قال قوم موسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [الأعراف: 138]»([20]).

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب معلقًا على هذا الحديث: “ففي هذا عبرتان عظيمتان:

الأولى: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صرح أن من اعتقد في شجرةٍ أو تبرك بها، أنه قد اتخذها إلهًا، وإلا فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفون أنها لا تخلق ولا ترزق، وإنما ظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم بالتبرك بها صار فيها بركة.

والعبرة الثانية: أن الشرك قد يقع فيمن هو أعلم الناس وأصلحهم وهو لا يدري”([21]).

ويقول رحمه الله: “أمَّا الكذب والبهتان فمثل قولهم: إنا نكفِّر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنَّا نكفِّر من لم يُكفِّر ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدُّون به الناس عن دين الله ورسوله، وإذا كنَّا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما؛ لأجل جهلهم وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا، أو لم يكفر ويقاتل؟ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16]”([22]).

وهذا نصٌّ صريح في أنه يعذر بالجهل حتى في مسائل القبور وعبادة أصحابها، فكيف بما هو دونها من المسائل؟!

المسلك الثاني: تصريحه بنفي عدم الإعذار بالجهل عن نفسه:

فإنَّ الإمام رحمه الله كان يدفع عن نفسه تهمة عدم إعذاره بالجهل، ويبين أنَّ هذا من تهم الأعداء، فلا يصح لنا أن ننسب إليه شيئًا نفاه عن نفسه، يقول رحمه الله: “وأما ما ذكر الأعداء عني أني أُكَفِّر بالظن وبالموالاة، أو أكفِّر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيمٌ؛ يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله”([23]).

المسلك الثالث: التصريح بعدم تكفير المعين إلا بعد قيام الحجة:

مسألة قيام الحجة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالإعذار بالجهل من عدمه، وقد اختلف دارسو منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب أيضًا في تحرير قول الإمام في حقيقة قيام الحجة، لكن الذي يهمنا هو بيان تصريحه بأنه لا يكفر إلا بعد قيام الحجة، ويعني ذلك ضرورة أنَّ الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة معذور عنده.

وقد ساق الإمام محمد بن عبد الوهاب كلام ابن تيمية في رده على البكري مقررًا له، وفيه: “تكفير الشخص المعين وجواز قتله موقوفٌ على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها؛ فليس كل من جهل شيئًا من الدين يكفر”([24]).

وقد سُئل أيضًا رحمه الله عن حال من صدر منه كفر من غير قصد منه بل هو جاهل، هل يعذر، سواء كان قولًا أو فعلًا أو توسلًا؟

فأجاب: “إذا فعل الإنسان الذي يؤمن بالله ورسوله ما يكون فعله كفرًا، أو اعتقاده كفرًا؛ جهلًا منه بما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يكون عندنا كافرًا، ولا نحكم عليه بالكفر حتى تقوم عليه الحجة الرسالية، التي يكفر من خالفها. فإذا قامت عليه الحجة، وبين له ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصرَّ على فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه، فهذا هو الذي يكفر”([25]).

وهذا نص صريح واضح في أن الواقع في أمر كفري وهو جاهل لا يكفر، والتغاضي عن مثل هذه الأقوال الصريحة وإثبات أنه لا يعذر بالجهل إنما هو قفز حكمي لا ينبغي أن يكون في تحرير المسائل العلمية، فالجاهل يعذر بالجهل في مسائل الكفر الظاهرة، ولا يعني ذلك كما نبنها سابقا أنَّه لا كفر إلا بالجحود، بل هناك كفر إعراض؛ بأن يتيسر له طلب العلم الصحيح، أو يقوم الداعي لذلك وعنده من يعرف العلم الصحيح ويُعرِّفه به ثم لا يفعل، وليس حديثنا عن هؤلاء، فمن يعذر بالجهل يدرك هذه الأمور، ولا يحصر الكفر بالجحود كما يتهمهم به بعض من لا يعذر بالجهل، لكن الكلام في رجلٍ عاش في بلاد الإسلام وقع في بعض أنواع الشرك، وكان هو الشائع عنده وعند علمائه، فإنَّ مثل هذا معذور بجهله ولا يكفر.

إيرادات ونقاش:

من يقول بأن مذهب الإمام محمد بن عبد الوهاب هو عدم العذر بالجهل يقدم حزمة من النصوص من أقوال الإمام قد يُفهم منها أنه لا يعذر بالجهل، وقبل أن نعرج عليها ونبينها ينبغي التأكيد على ما سبق بيانه من أنَّ النصوص الصريحة في هذه القضية هي لصالح القائلين بأن الإمام يعذر بالجهل، وقد رأينا كيف أنَّ الإمام يصرح بأنه ممن يعذر بالجهل، وينفي عن نفسه عدم الإعذار، ومتى ما وجدنا نصًّا مشتبها يعارض هذا التقرير المحكم فإنه ينبغي علينا أن نفهمه على ضوء نصوصه المحكمة، هذا إذا اضطررنا إلى ذلك، وإلا فإنَّ نصوص الإمام واضحة بينة، حتى تلك النصوص التي ظنَّ البعض أنها مما يدل على عدم العذر بالجهل، هي ليست كذلك عند التأمل، وهذه النصوص والمواضع التي يحتجون بها نناقشها في الآتي:

أولا: النصوص العامة في التكفير:

هناك نصوص يتمسك بها بعض من ينسب إلى الإمام محمد بن عبد الوهاب في دعوى أنه لا يعذر بالجهل، ومن أمثلة تلك النصوص العامة التي يحتجون بها قول الإمام محمد بن عبد الوهاب: “فيا عباد الله، إذا كان الله ذكر في كتابه أنَّ دين الكفار هو الاعتقاد في الصالحين، وذكر أنَّهم اعتقدوا فيهم ودعوهم وندبوهم لأجل أنَّهم يقربونهم إلى الله زلفى، هل بعد هذا البيان بيان؟! فإذا كان من اعتقد في عيسى ابن مريم -مع أنَّه نبي من الأنبياء- وندبه ونخاه فقد كفر، فكيف بمن يعتقدون في الشياطين؛ كالكلب أبي حديدة، وعثمان الذي في الوادي، والكلاب الأخر في الخرج، وغيرهم في سائر البلدان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله؟!”([26]).

يقول علي الخضير في معرض بيان أنَّ الإمام لا يعذر بالجهل: “رسالة جوابية ردًّا على اتهامات ضدّه موجودة في تاريخ نجد، وهي مجموعة من التهم والأقاويل ضد الشيخ أقر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ببعضها أنه يقول بها، ومنها: تكفير النَّاذر إذا أراد به التقرب لغير اللَّه وأخذ النذور كذلك، ومنها أنَّ الذبح للجن كفر والذبيحة حرام، ولو سمى اللَّه عليها إذا ذبحها للجن، فهذه خمس مسائل كلها حق وأنا قائلها… إلى أن قال: فصار ناس من الضَّالين يدعون أناسًا من الصالحين في الشدة والرخاء مثل عبد القادر الجيلاني وأحمد البدوي وعدي بن مسافر، وأمثالهم من أهل العبادة والصلاح… ثم ذكر أن أهل العلم أنكروا عبادة الصالحين إلى أن قال: وبيَّن أهل العلم أن أمثال هذا هو الشرك الأكبر… انتهى. والشاهد أنه سمى من عبد هذه القبور الثلاثة ضالين، وأنه الشرك الأكبر، إلى أن قال: فتأمل هذا إذا كان كلامه هذا في علي، فكيف بمن ادعى أن ابن عربي وعبد القادر إله؟!…” انتهى([27]).

والجواب: أنَّ هذه نصوص عامة في التكفير لا ينكرها من يقول بالعذر بالجهل، بل هو مذهب الأئمة من سلف الأمة وخلفها في التفريق بين القول والقائل، والتفريق بين إطلاق الكفر على المقولة أو الفعل والتوقف عن ذلك عند الحكم على المعين، فهذه النصوص المذكورة موجودة في كتب الإمام، وكتب الأئمة من قبله، ولا إشكال البتة في ذلك، فإنه لا خلاف في أن دعاء غير الله كفر، والذبح والنذر لغير الله كفر، ولكن هذه النصوص لا تفيد أنَّ الإمام محمد بن عبد الوهاب لا يعذر بالجهل، فإنه عند تنزيل الحكم على المعين يتوقف، فلا ينزل حكم الكفر عليه إلا بوجود الشروط وانتفاء الموانع، وهذا يتضح بجلاء بنصِّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذ يقول: “وأكثر الطَّالبين للعلم والدين ليس لهم قصدٌ من غير الحق المبين، لكن كثرتْ في هذا الباب الشبه والمقالات، واستولت على القلوب أنواع الضَّلالات، حتى صار القول الذي لا يشك من أوتي العلم والإيمان أنَّه مخالف للقرآن والبرهان، بل لا يشك في أنَّه كفر بما جاء به الرسول من رب العالمين، قد جهله كثير من أعيان الفضلاء، فظنوا أنه من محض العلم والإيمان، بل لا يشكـون في أنَّه مقتضى صريح العقل والعيان، ولا يظنون أنه مخالف لقواطع البرهان، ولهذا كنت أقول لأكابرهم: لو وافقتكم على ما تقولونه لكنت كافرًا مرتدًّا لعلمي بأن هذا كفر مبين، وأنتم لا تكفرون لأنكم من أهل الجهل بحقائق الدين؛ ولهذا كان السلف والأئمة يكفرون الجهمية في الإطلاق والتعميم، وأما المعين منهم فقد يدعون له ويستغفرون له؛ لكونه غير عالم بالصراط المستقيم، وقد يكون العلم والإيمان ظاهرًا لقوم دون آخرين، وفي بعض الأمكنة والأزمنة دون بعض بحسب ظهور دين المرسلين”([28]).

فهذ نصٌّ واضحٌ صريح في بيان منهج السلف في التكفير، وأنهم يطلقون التكفير بالعموم، لكنهم لا يكفرون المعين إلا بوجود الشروط وانتفاء الموانع.

ثانيًا: الاعتماد على كتاب (مفيد المستفيد) للدلالة على أنه لا يعذر بالجهل:

يقول علي الخضير في معرض بيان الأدلة على أن الإمام محمد بن عبد الوهاب لا يعذر بالجهل: “وقبل النقولات نحبُّ أن نبين أن الشيخ محمد له كتاب مستقل متخصص في هذه المسألة وهو كتاب (مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد)، وتأمَّل نصه في عنوان الكتاب على تكفير تارك التوحيد الذي هو بالضرورة فاعل للشرك، ففي العنوان تكفير المعين إذا أشرك، وقد تهجم على من قال: إن ابن تيمية لا يكفر المعين في باب الشرك”([29]).

والجواب: أننا لم ننكر تكفير المعين، ولا نفيناه، بل هو موجود عند أهل السنة والجماعة، لكن من الخطأ أن نأتي إلى نصوصٍ سيقت للدلالة على أمر ما ثم نحمِّلها أمرا آخر، أعني أن كتاب (مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد) في الأصل موضوع لبيان وجود تكفير المعين، لا لبيان عدم الإعذار بالجهل، فتقريرات الإمام في هذا الكتاب هي لبيان هذه القضية، وهي وجود تكفير المعين عند أهل السنة والجماعة، ويؤكّد على هذا قول الشيخ محمد بن إبراهيم: “وإمام الدعوة أَلّف مؤلفًا في مسأَلة تكفير المعين وهو المسمى: (مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد)، بين ووضح أَنه لا مناص من تكفير المعين بشروطه الشرعية([30]). فهذا بيان كافٍ فيما وضع الكتاب من أجله، فلا يصح أن نسوق نصوصًا من هذا الكتاب لنؤصل لمسألة أخرى مع تركنا لنصوص واضحة في ذات المسألة في كتبه الأخرى([31]).

ومع هذا فإن نصوصه في هذا الكتاب لا لبس فيها، فإنه يشترط لتكفير المعين قيام الحجة، وهو يعني بالضرورة: الإعذار بالجهل، بل الرسالة موضوعة لبيان تكفير المعين بعد بلوغ الحجة، ويبين هذا مواضع كثيرة من كتابه ينقل فيها كلام ابن تيمية رحمه الله، وكلها فيها تصريح باشتراط قيام الحجة، مثل قوله: “قال رحمه الله تعالى: أنا من أعظم الناس نهيًا عن أن ينسب معيَّن إلى تكفير أو تبديع أو تفسيق أو معصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرًا تارة وفاسقًا أخرى وعاصيًا أخرى. انتهى كلامه. وهذا صفة كلامه في المسألة في كل موضع وقفنا عليه من كلامه، لا يذكر عدم تكفير المعين إلا ويصله بما يزيل الإشكال أن المراد بالتوقف عن تكفيره قبل أن تبلغه الحجة، وإذا بلغته حكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة من تكفير أو تفسيق أو معصية”([32]).

بل يبيّن في نصٍّ صريح أن المقصود من التكفير هنا هو بعد قيام الحجة، قال: “على أنَّ الذي نعتقده وندين الله به ونرجو أن يثبتنا عليه أنَّه لو غلط هو أو أجل منه في هذه المسألة، وهي مسألة المسلم إذا أشرك بالله بعد بلوغ الحجة، أو المسلم الذي يفضل هذا على الموحدين أو يزعم أنه على حق، أو غير ذلك من الكفر الصريح الظاهر الذي بينه الله ورسوله وبينه علماء الأمة، أنا نؤمن بما جاءنا عن الله وعن رسوله من تكفيره”([33]).

وبهذا يتبين أنه لا حجة في الكتاب لإثبات أن الإمام محمد بن عبد الوهاب لا يعذر بالجهل.

ثالثا: كلام له في كتاب (كشف الشبهات)([34]):

قال رحمه الله: “إذا عرفت ما ذكرت لك معرفة قلب، وعرفت الشرك بالله الذي قال الله فيه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]؛ وعرفت دين الله الذي أرسل به الرسل من أولهم إلى آخرهم، الذي لا يقبل الله من أحد سواه، وعرفت ما أصبح غالب الناس فيه من الجهل بهذا، أفادك فائدتين:

الأولى: الفرح بفضل الله ورحمته كما قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].

وأفادك أيضًا الخوف العظيم، فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه، وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل، وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى الله تعالى كما ظن المشركون، خصوصًا إن ألهمك الله ما قص على قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم أنهم أتوه قائلين: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138]، فحينئذ يعظم خوفك وحرصك على ما يخلصك من هذا وأمثاله”([35]).

والجواب: أنَّ هذه العبارة عبارة عامة، وليست في بيان المسائل التي وقع فيها نزاع في كون الإنسان يعذر فيها بالجهل أو لا، وأعني أن ثمة مسائل لا نزاع في أن الإنسان لا يعذر فيها بالجهل؛ كأن يقول ما يناقض أصل الشهادتين كالاستهزاء بالله ورسوله، فالعبارة في مطلق الكفر الأكبر، وأتى بها الإمام محمد بن عبد الوهاب لدفع شبهة من ظنَّ بأن من نطق بالشهادتين فإنَّه لا يخرج من الملة، وهذا غير صحيح، بل الانتساب إلى الإسلام والنطق بالشهادتين ليس عاصمًا من الارتداد إذا جاء بناقض من نواقض الإسلام.

ومما يؤكد أنه لم يقصد بالعبارة عدم إعذار المعين بالجهل أنه في نفس الكتاب قد قال: “ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها، فتفيد التعلم والتحرز، ومعرفة أن قول الجاهل: (التوحيد فهمناه) أن هذا من أكبر الجهل ومكائد الشيطان، وتفيد أيضا أن المسلم المجتهد إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فنُبِّه على ذلك فتاب من ساعته أنه لا يكفر كما فعل بنو إسرائيل، والذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم”([36]).

فكلامه في بداية الكتاب من قبيل القول العام بأن هناك من يتكلم بكلمة فيكفر ولا يعذر، وذلك فيما ذكرنا مما يناقض أصل التوحيد، ولا يعني ذلك عدم الإعذار بالجهل في مسائل الشرك، وهو ما بينه في هذا النص في نفس الكتاب، فلا تناقض في موقفه، وإنما النص الأول عام، وهذا النص خاص في إنزال الحكم على المعين.

وهذا هو الذي فهمه الأئمة من كلام الإمام محمد بن عبد الوهاب، وقد علق العثيمين على هذا النص الذي أوردوه فقال في شرح كشف الشبهات: “أولًا: لا أظن الشيخ رحمه الله لا يرى العذر بالجهل، اللهم إلا أن يكون منه تفريط بترك التعلم، مثل أن يسمع بالحق فلا يلتفت إليه ولا يتعلم، فهذا لا يعذر بالجهل، وإنما لا أظن ذلك من الشيخ؛ لأن له كلامًا آخر يدل على العذر بالجهل”([37]).

وسئل العثيمين رحمه الله فقيل له: قرأنا لك جوابًا عن العذر بالجهل فيما يكفر، ولكن نجد في كتاب كشف الشبهات للشيخ محمد بن عبد الوهاب عدم العذر بالجهل، وكذلك في كتاب التوحيد له، مع أنك ذكرت في جوابك أقوال الشيخ محمد بن عبد الوهاب وكذلك ابن تيمية في الفتاوى وابن قدامة في المغني، نرجو التوضيح.

فأجاب الشيخ وقال: “شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب قد ذكر في رسائله أنه لا يكفر أحدا مع الجهل، وإذا كان قد ذكر في كشف الشبهات أنه لا يعذر بالجهل فيحمل على أن مراده بذلك الجهل الذي كان من صاحبه تفريط في عدم التعلم، مثل أن يعرف أن شيئا مخالفا لما هو عليه ولكنه يفرط ويتهاون، فحينئذ لا يعذر بالجهل”([38]).

رابعًا: كلام له في كتاب (نواقض الإسلام العشرة)([39]):

قال رحمه الله: “ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره”([40])، والشاهد أنه لم يستثن الجاهل، وبناء عليه فإنه لا يعذر في هذه النواقض العشرة.

والجواب: أن مراد الإمام من هذا النص هو ما نزلت الآية بسببه، وهو إظهار الكفر، وأنه لا يجوز إلا للمكره، ولا علاقة لهذا بالعذر بالجهل من عدمه، ولا يريد الإمام محمد بن عبد الوهاب بهذا النص تكفير المعين الجاهل ممن وقع في هذه النواقض، ويدل عليه أنه ذكر من النواقض العشرة: “السابع: السحر، ومنه الصرف والعطف”([41])، لكن الإمام رحمه الله جعل هذه المسألة من المسائل الخفية، ولا يكفر بها الإنسان إلا بعد التعريف وإقامة الحجة، يقول رحمه الله: “فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة خفية، مثل الصرف والعطف، فلا يكفّر حتى يعرَّف”([42]).

فعرف من هذا أن هذا النص ليس على إطلاقه بأن يكون يتناول حتى الجاهل، فإذا جمع كلام الإمام في موضع واحد تبين أنه يعذر بالجهل في هذه المسائل كما سبق بيانه، وإنما مراده هو إظهار الكفر من عدمه.

خامسًا: كلام له في كتاب التوحيد:

ذكر في “بابٌ من الشرك: لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه” حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر على عضد رجل حلقة أراه قال من صفر، فقال: «ويحك! ما هذه؟»، قال: من الواهنة؟ قال: «أما إنها لا تزيدك إلا وهنا، انبذها عنك؛ فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا»([43])، ثم قال في مسائل الباب: “الثالثة: أنه لم يعذر بالجهالة”([44]).

والجواب: أن هذا النص من أقوى ما يمكن أن يتمسَّك به من ينسب للشيخ عدم الإعذار بالجهل؛ لإطلاقه القول بعدم العذر([45])، لكن المراد من الحديث أنه لا عذر بالجهالة بعد قيام الحجة، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بين له، فقوله: «ما أفلحت أبدا» أي: لو لم تنزعها بعد البيان، ولم يأمره في ذلك الوقت بأن يجدد إسلامه!

ومما يبين أن الإمام محمد بن عبدالوهاب قصد ذلك: أنه عذر بالجهل في مسائل أكبر من هذه وأصرح وأبين، فلا يمكن أن يريد في هذا الموضع أن الإنسان لا يعذر بالجهالة في أي مسألة وعلى كل حال، وإنما المراد ما بيناه.

سادسا: قصة ذات الأنواط([46]):

وهو حديث أبي واقد الليثي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى حنين مر بشجرة للمشركين يقال لها: ذات أنواط يعلِّقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138]، والذي نفسي بيده، لتركبن سنة من كان قبلكم»([47])، فقد قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مسائل هذا الباب: “السابعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعذرهم، بل رد عليهم بقوله: «الله أكبر! إنها السنن، لتتبعن سنن من كان قبلكم»، فغلظ الأمر بهذه الثلاث”([48]).

والجواب: أنه لا يُفهم من تعليق الإمام محمد بن عبد الوهاب أنَّه استفاد من هذا الحديث عدم الإعذار بالجهل، بل لم يعذرهم النبي صلى الله عليه وسلم في خطئهم فأغلظ عليهم القول، وليس معنى ذلك أن الإمام محمد بن عبد الوهاب يرى عدم الإعذار بالجهل، بل فهم الإمام محمد بن عبد الوهاب من هذه القصة عكس ما قالوا عنه، أي: فهم أن الإنسان يعذر بالجهل لا أنه لا يعذر، فقد قال رحمه الله: “وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا”([49])، فالإمام ينص على أن الكفر يقع بهذا الفعل بعد البيان لا قبله، أي: ليس في حال الجهل، ويزيد هذا بيانًا فيقول: “هذه القصة تفيد أنَّ المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها، فتفيد التعلم والتحرز، ومعرفة أن قول الجاهل: (التوحيد فهمناه) أن هذا من أكبر الجهل ومكائد الشيطان، وتفيد أيضا أن المسلم المجتهد إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فنبه على ذلك فتاب من ساعته، أنه لا يكفر كما فعل بنو إسرائيل والذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم. تفيد أيضا أنه لو لم يكفر فإنه يغلظ عليه الكلام تغليظا شديدا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم”([50])، فهذا بيان صريح وواضح من الشيخ أنه فهم من القصة الإعذار بالجهل، وليس عدم الإعذار كما فهمه من نسب إليه عدم الإعذار بالجهل.

سابعًا: تعليق الإمام محمد بن عبد الوهاب على حديث: «من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه، وحسابه على الله»([51]):

وهذا الموضع لم نكن لنورده لولا أن بعض الفضلاء قد نبه إلى أن هذا المورد يؤكد أن الإمام محمد بن عبد الوهاب لا يعذر بالجهل([52])، ولم يورد الفاضل أي نصٍّ يستفاد منه ذلك، ولكن بالرجوع إلى تعليق الإمام محمد بن عبد الوهاب نجد أن تعليقه لا علاقة له بالعذر بالجهل من عدمه، وأنقل نص التعليق حتى نكون قد أوضحنا الحجة، يقول الإمام رحمه الله: “وهذا من أعظم ما يبين معنى (لا إله إلا الله); فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ولا دمه. فيا لها من مسألة ما أعظمها وأجلها! ويا له من بيان ما أوضحه! وحجة ما أقطعها للمنازع!”([53])، والنص لا تعلق له بالعذر بالجهل كما هو واضح.

وأخيرا: يحسن بطلاب العلم أن يناقشوا مثل هذه القضايا مناقشة علمية هادئة دون تبديع أو تفسيق كما بينا ذلك سابقا، وهذه مسالك الإمام محمد بن عبد الوهاب في بيان الإعذار بالجهل، ومناقشة لأبرز النصوص التي قد يُفهَم منها أنه لا يعذر بالجهل، ومذهب الإمام في المسألة هو مذهب السلف والأئمة من قبله.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) شرح الطحاوية (ص: 296).

([2]) مجموع الفتاوى (12/ 466).

([3]) انظر: إشكالية الإعذار بالجهل في البحث العقدي لسلطان العميري (ص: 54-59)، وكشف الالتباس عن مسألة العذر بالجهل في الشرك لولد الحاج محمد الإفريقي، ومنهج الإمام محمد بن عبد الوهاب في مسألة التكفير لأحمد بن جزاع الرضيمان (ص: 101-111)، وضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة لعبد الله القرني (ص: 230-234).

([4]) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (2/ 130).

([5]) خاصة من عرف عنه حب العلم وأهله، ونصرة الإمام محمد بن عبد الوهاب، وشرح كتبه، والدفاع عنه، وكونه لم يقع فيما وقع فيه إلا باجتهاد، فغاية ما فيه أنه يرى أن الإمام محمد بن عبد الوهاب لا يعذر بالجهل من خلال ما اطلع عليه من نصوص، ولعله لو اطلع على نصوص أخرى وجمع بينها وتأمل فيها يرجع إلى القول الصواب، وهو ما نحتاجه حينما نتعامل مع المخالفين من أمثال هؤلاء الذين خدموا الدين، بل خدموا كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب.

([6]) آثار الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيي المعلمي اليماني (2/ 3).

([7]) أعني من يعذر بالجهل ممن هو من أهل السنة في باب الإيمان، وليس من المرجئة.

([8]) نبه الدكتور أحمد بن جزاع الرضيمان على هذا في كتابه: منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب في مسألة التكفير (ص: 105).

([9]) وعلى هذا اعتمد كثير ممن يقول بأن الإمام محمد لا يعذر بالجهل، فإنهم يعدون جميع مسائل التوحيد من المسائل الظاهرة بغض النظر عن حال الشخص الذي بموجبه قد يعذر أو لا يعذر؛ ولذلك عد بعض الباحثين أن التفريق بين القول والقائل لا يكون إلا في المسائل الخفية، فيقول: “فتبين من كلامه أن هذا التفريق -إن قلنا به- لا يكون إلا في المسائل الخفية، أما المكفرات الظاهرة أو المعلومة من الدين بالضرورة فالواقع فيها كافر بعينه”. انظر: مدونة عبد الله بن فهد الخليفي، على الرابط التالي:

http://alkulify.blogspot.com/2015/05/blog-post_14.html

([10]) انظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 104).

([11]) جامع العلوم والحكم (1/ 196).

([12]) مجموع الفتاوى (11/ 407).

([13]) مجموع الفتاوى (13/ 118).

([14]) درء تعارض العقل والنقل (3/ 303).

([15]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 235).

([16]) لقاء الباب المفتوح (48/ 16).

([17]) شرح منظومة أصول الفقه (ص: 74).

([18]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 75).

([19]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (2/ 150-151).

([20]) أخرجه الترمذي (2180)، وأحمد (21897)، وقال الترمذي: “هذا حديث حسن صحيح”، وصححه بن حبان (6702) وغيره.

([21]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (2/ 112).

([22]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 104).

([23]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 113).

([24]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 224).

([25]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 239).

([26]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 77-78). وللاحتجاج بهذا النص انظر مقالا على موقع الألوكة بعنوان: “نقض شبهة استدل بها المخالفون من كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب”.

([27]) علي الخضير في ورقته المسمة: “الْمُتَمّمَة لكلام أئمة الدعوة في مسألة الجهل في الشرك الأكبر” (ص: 12). ويعتمد كثيرًا في تقرير هذا المذهب للإمام على مثل هذه النصوص.

([28]) بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (1/ 9-10).

([29]) الْمُتَمّمَة لكلام أئمة الدعوة في مسألة الجهل في الشرك الأكبر (ص: 8-9).

([30]) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (1/ 75).

([31]) انظر: إشكالية الإعذار بالجهل للدكتور سلطان العميري (ص: 53)، وكشف الالتباس عن مسألة العذر بالجهل في الشرك لولد الحاج محمد الإفريقي (ص: 208-211).

([32]) مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد، ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1/ 289).

([33]) مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد، ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1/ 290).

([34]) استدل به أيضا علي الخضير في: الْمُتَمّمَة لكلام أئمة الدعوة في مسألة الجهل في الشرك الأكبر (ص: 8-9).

([35]) كشف الشبهات (ص: 10-11).

([36]) كشف الشبهات (ص: 45).

([37]) شرح كشف الشبهات ويليه شرح الأصول الستة (ص: 35).

([38]) من فتاوى الحرم المكي (1411) والفتوى بصوت الشيخ على الرابط التالي:

https://alathar.net/home/esound/index.php?op=codevi&coid=120248

([39]) استدل به أيضا علي الخضير في الْمُتَمّمَة لكلام أئمة الدعوة في مسألة الجهل في الشرك الأكبر (ص: 8-9).

([40]) الرسائل الشخصية، ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (6/ 214).

([41]) الرسائل الشخصية، ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (6/ 213).

([42]) الرسائل الشخصية، ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (6/ 244).

([43]) أخرجه ابن ماجه (3031)، وأحمد (20000)، وصححه ابن حبان (6085).

([44]) ينظر: القول المفيد على كتاب التوحيد (1/ 173).

([45]) بين الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن هذا النص بهذا الإطلاق فيه نظر فقال: “(الثالثة: أنه لم يعذر بالجهالة) هذا فيه نظر؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: «لو متّ وهي عليك ما أفلحت أبدا» ليس بصريح أنه لو مات قبل العلم، بل ظاهره: لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا، أي: بعد أن علمت وأمرت بنزعها”. القول المفيد على كتاب التوحيد (1/ 173). لكن بينا أن النص يفهم مع نصوصه الأخرى الكثيرة الصريحة، وهي المنهجية التي يتخذها ابن عثيمين رحمه الله مع نصوص الإمام في هذه المسألة، فيقيد الإطلاقات بنصوصه الصريحة، يقول رحمه الله: “شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب قد ذكر في رسائله أنه لا يكفر أحدًا مع الجهل، وإذا كان قد ذكر في كشف الشبهات أنه لا يعذر بالجهل فيحمل على أن مراده بذلك الجهل الذي كان من صاحبه تفريط في عدم التعلم مثل أن يعرف أن شيئا مخالفا لما هو عليه ولكنه يفرط ويتهاون، فحينئذ لا يعذر بالجهل”. من فتاوى الحرم المكي والفتوى بصوت الشيخ على الرابط التالي:

https://alathar.net/home/esound/index.php?op=codevi&coid=120248

([46]) ذكره الشيخ مصطفى العدوي في معرض بيانه أن الإمام محمد بن عبد الوهاب قرر عدم الإعذار بالجهل في كتاب التوحيد، استمع إلى محاضرته التي بعنوان: كتاب التوحيد لابن عبد الوهاب: الحلقة الأخيرة في ما يحترز منه في الكتاب، الدقيقة (8:37)، المقطع على الرابط التالي:

https://www.youtube.com/watch?v=uGhhTdoIeIM

([47]) أخرجه الترمذي (2180)، وأحمد (21897)، وقال الترمذي: “هذا حديث حسن صحيح”، وصححه بن حبان (6702) وغيره.

([48]) كتاب التوحيد ضمن القول المفيد على كتاب التوحيد (1/ 204).

([49]) كشف الشبهات (ص: 44-45).

([50]) كشف الشبهات (ص: 45).

([51]) أخرجه مسلم (23).

([52]) ذكره الشيخ مصطفى العدوي في معرض بيانه أن الإمام محمد بن عبد الوهاب قرر عدم الإعذار بالجهل في كتاب التوحيد، استمع إلى محاضرته التي بعنوان: كتاب التوحيد لابن عبد الوهاب: الحلقة الأخيرة في ما يحترز منه في الكتاب، الدقيقة (8:39)، المقطع على الرابط التالي:

https://www.youtube.com/watch?v=uGhhTdoIeIM

([53]) كتاب التوحيد، ضمن القول المفيد على كتاب التوحيد (1/ 163).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

دعوى أن الخلاف بين الأشاعرة وأهل الحديث لفظي وقريب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعتمِد بعض الأشاعرة المعاصرين بشكلٍ رئيس على التصريحات الدعائية التي يجذبون بها طلاب العلم إلى مذهبهم، كأن يقال: مذهب الأشاعرة هو مذهب جمهور العلماء من شراح كتب الحديث وأئمة المذاهب وعلماء اللغة والتفسير، ثم يبدؤون بعدِّ أسماء غير المتكلِّمين -كالنووي وابن حجر والقرطبي وابن دقيق العيد والسيوطي وغيرهم- […]

التداخل العقدي بين الفرق المنحرفة (الأثر النصراني على الصوفية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: بدأ التصوُّف الإسلامي حركة زهدية، ولجأ إليه جماعة من المسلمين تاركين ملذات الدنيا؛ سعيًا للفوز بالجنة، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم تطور وأصبح نظامًا له اتجاهاتٌ عقائدية وعقلية ونفسية وسلوكية. ومن مظاهر الزهد الإكثار من الصوم والتقشّف في المأكل والملبس، ونبذ ملذات الحياة، إلا أن الزهد […]

فقه النبوءات والتبشير عند الملِمّات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منَ الملاحَظ أنه عند نزول المصائب الكبرى بالمسلمين يفزع كثير من الناس للحديث عن أشراط الساعة، والتنبّؤ بأحداث المستقبَل، ومحاولة تنزيل ما جاء في النصوص عن أحداث نهاية العالم وملاحم آخر الزمان وظهور المسلمين على عدوّهم من اليهود والنصارى على وقائع بعينها معاصرة أو متوقَّعة في القريب، وربما […]

كيف أحبَّ المغاربةُ السلفيةَ؟ وشيء من أثرها في استقلال المغرب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدّمة المعلِّق في كتابِ (الحركات الاستقلاليَّة في المغرب) الذي ألَّفه الشيخ علَّال الفاسي رحمه الله كان هذا المقال الذي يُطلِعنا فيه علَّالٌ على شيءٍ من الصراع الذي جرى في العمل على استقلال بلاد المغرب عنِ الاسِتعمارَين الفرنسيِّ والإسبانيِّ، ولا شكَّ أن القصةَ في هذا المقال غيرُ كاملة، ولكنها […]

التوازن بين الأسباب والتوكّل “سرّ تحقيق النجاح وتعزيز الإيمان”

توطئة: إن الحياةَ مليئة بالتحدِّيات والصعوبات التي تتطلَّب منا اتخاذَ القرارات والعمل بجدّ لتحقيق النجاح في مختلِف مجالات الحياة. وفي هذا السياق يأتي دورُ التوازن بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله كمفتاح رئيس لتحقيق النجاح وتعزيز الإيمان. إن الأخذ بالأسباب يعني اتخاذ الخطوات اللازمة والعمل بجدية واجتهاد لتحقيق الأهداف والأمنيات. فالشخص الناجح هو من يعمل […]

الانتقادات الموجَّهة للخطاب السلفي المناهض للقبورية (مناقشة نقدية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: ينعمُ كثير من المسلمين في زماننا بفكرٍ دينيٍّ متحرِّر من أغلال القبورية والخرافة، وما ذاك إلا من ثمار دعوة الإصلاح السلفيّ التي تهتمُّ بالدرجة الأولى بالتأكيد على أهمية التوحيد وخطورة الشرك وبيان مداخِله إلى عقائد المسلمين. وبدلًا من تأييد الدعوة الإصلاحية في نضالها ضدّ الشرك والخرافة سلك بعض […]

كما كتب على الذين من قبلكم (الصوم قبل الإسلام)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: مما هو متَّفق عليه بين المسلمين أن التشريع حقٌّ خالص محض لله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، فالتشريع والتحليل والتحريم بيد الله سبحانه وتعالى الذي إليه الأمر كله؛ فهو الذي شرَّع الصيام في هذا الشهر خاصَّة وفضَّله على غيره من الشهور، وهو الذي حرَّم […]

مفهوم العبادة في النّصوص الشرعيّة.. والردّ على تشغيبات دعاة القبور

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لا يَخفَى على مسلم أنَّ العبادة مقصَد عظيم من مقاصد الشريعة، ولأجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وكانت فيصلًا بين الشّرك والتوحيد، وكل دلائل الدّين غايتها أن يَعبد الإنسان ربه طوعًا، وما عادت الرسل قومها على شيء مثل ما عادتهم على الإشراك بالله في عبادتِه، بل غالب كفر البشرية […]

تحديد ضابط العبادة والشرك والجواب عن بعض الإشكالات المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لقد أمر اللهُ تبارك وتعالى عبادَه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ومدار العبادة في اللغة والشرع على التذلُّل والخضوع والانقياد. يقال: طريق معبَّد، وبعير معبَّد، أي: مذلَّل. يقول الراغب الأصفهاني مقررًا المعنى: “العبودية: إظهار التذلّل، والعبادة أبلغُ منها؛ […]

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة.. بين أهل السنة والصوفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الناظر المدقّق في الفكر الصوفي يجد أن من أخطر ما قامت عليه العقيدة الصوفية إهدار مصادر الاستدلال والتلقي، فقد أخذوا من كل ملة ونحلة، ولم يلتزموا الكتاب والسنة، حتى قال فيهم الشيخ عبد الرحمن الوكيل وهو الخبير بهم: “إن التصوف … قناع المجوسي يتراءى بأنه رباني، بل قناع […]

دعوى أن الحنابلة بعد القاضي أبي يعلى وقبل ابن تيمية كانوا مفوضة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة إن عهدَ القاضي أبي يعلى رحمه الله -ومن تبِع طريقته كابن الزاغوني وابن عقيل وغيرهما- كان بداية ولوج الحنابلة إلى الطريقة الكلامية، فقد تأثَّر القاضي أبو يعلى بأبي بكر الباقلاني الأشعريّ آخذًا آراءه من أبي محمد الأصبهاني المعروف بابن اللبان، وهو تلميذ الباقلاني، فحاول أبو يعلى التوفيق بين مذهب […]

درء الإشكال عن حديث «لولا حواء لم تخن أنثى»

  تمهيد: معارضة القرآن، معارضة العقل، التنقّص من النبي صلى الله عليه وسلم، التنقص من النساء، عبارات تجدها كثيرا في الكتب التي تهاجم السنة النبوية وتنكر على المسلمين تمسُّكَهم بأقوال نبيهم وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم، فتجدهم عند ردِّ السنة وبيان عدم حجّيَّتها أو حتى إنكار صحّة المرويات التي دوَّنها الصحابة ومن بعدهم يتكئون […]

(وقالوا نحن ابناء الله ) الأصول والعوامل المكوّنة للأخلاق اليهودية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: لا يكاد يخفى أثر العقيدة على الأخلاق وأثر الفكر على السلوك إلا على من أغمض عينيه دون وهج الشمس منكرًا ضوءه، فهل ثمّة أصول انطلقت منها الأخلاق اليهودية التي يستشنعها البشر أجمع ويستغرب منها ذوو الفطر السليمة؟! كان هذا هو السؤال المتبادر إلى الذهن عند عرض الأخلاق اليهودية […]

مخالفات من واقع الرقى المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الرقية مشروعة بالكتاب والسنة الصحيحة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله وإقراره، وفعلها السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان. وهي من الأمور المستحبّة التي شرعها الشارع الكريم؛ لدفع شرور جميع المخلوقات كالجن والإنس والسباع والهوام وغيرها. والرقية الشرعية تكون بالقرآن والأدعية والتعويذات الثابتة في السنة […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017