ترجمة الشيخ المحدث ثناء الله المدني([1])
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
اسمه ونسبه:
هو: الشيخ العلامة الحافظ المسنِد الشهير أبو النصر ثناء الله بن عيسى خان بن إسماعيل خان الكَلَسوي ثم اللاهوري.
ويلقَّب بالحافظ على طريقة أهل بلده فيمن يحفظ القرآن، ويُنسب المدنيّ على طريقتهم أيضًا في النسبة لمكان التخرُّج، فقد تخرَّج في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
مولده:
ولد -رحمه الله تعالى- في قرية (كَلَس) قرب مدينة (لاهور) في إقليم (البنجاب) في (باكستان) سنة 1360هـ، الموافق 1940م.
نشأته:
نشأ الشيخ -رحمه الله تعالى- في بيت محبٍّ للعلم والعلماء، فكان أبوه كما قال هو عنه: “ما كان الوالد من العلماء، ولكنه كان يحبّهم ويجالسهم، وكان من أهل الحديث”.
بدأ دراسته الابتدائية في قريته، وحفظ القرآن وهو ابن ثلاثة عشر عاما أو أقل، ورحل بعد ذلك إلى (لاهور) لإتمام دراسته الجامعية في جامعة أهل الحديث، وتخرَّج فيها سنة 1381هـ.
ولما أُسّست الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة التحق مع أفواجها الأولى، في كلية الشريعة سنة 1383هـ، واستفاد كثيرًا من مشايخها، ومن مشايخ الحرمين، وتخرج فيها سنة 1388هـ بامتياز، ويُعدّ الشيخ بذلك من أوائل المتخرّجين في الجامعة الإسلامية.
وبعد تخرّجه رجع إلى بلده مدرّسًا وداعيًا، وواصل الدراسة العليا منتسبًا في جامعة البنجاب، ونال درجة الماجستير سنة 1393هـ، وفي السنة التي بعدها نال شهادة التخصّص في اللغة العربية.
شيوخه:
أخذ الشيخ -رحمه الله تعالى- عن كثير من كبار العلماء في باكستان والسعودية، سواء من علماء الحرمين، أو غيرهما ممن ورد إليها، ولكن مِنْ أَكْثَرِ من تأثر بهم:
1- الحافظ العلامة عبد الله الروبري (ت 1384هـ)، شيخ أهل السنة في باكستان، وهو أكثر من لازمه، وتأثّر به، وكان الشيخ ثناء الله يعظّمه ويُقَدِّمُه على غيره من أهل العلم. قرأ عليه الكتب الستة، بعضها أكثر من مرّة، وقرأ عليه كذلك: الأدب المفرد، وخلق أفعال العباد، وجزء رفع اليدين، وجزء القراءة خلف الإمام، كلها للبخاري، والشمائل للترمذي، ومسند الشافعي، وكتابه الرسالة، ومسند أحمد، وسنن الدارمي، ومعجم الطبراني، وألفية العراقي، ونزهة النظر، وبلوغ المرام، وتفسير جامع البيان للإيجي، وكتاب التوحيد للشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، وغيرها كثير. فقد لازمه ثماني سنوات، حتى قال: “قرأت عليه جميع الكتب الموجودة، لا أستطيع أن أحصر ما قرأته عليه!”.
وقال عن شيخه الروبري: “وكنت معه في الدراسة وخارجها، كلّ حين معه، كنا نجلس في درسه من بعد صلاة الفجر حتى العصر، وأحيانًا بعد صلاة المغرب والعشاء، وأنهينا صحيح مسلم نصف الليل، ومشكاة المصابيح الثامنة ليلا عند العشاء”. وهذا يدل بلا شكّ على علوّ همة الشيخ، ونهمته في التحصيل، وإقباله على العلم بكلّيَّته، وهو من أعظم أسباب الفلاح.
2- الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت 1389هـ)، فكان الشيخ في الإجازات لا ينزل إلى باكستان، ولكن يذهب للشيخ محمد بن إبراهيم في الرياض، وحضر بعض دروسه في المسجد وفي بيته، وقرأ عليه أغلب كتاب التوحيد.
3- الشيخ العلامة المفسر محمد الأمين الشنقيطي (ت 1393هـ)، درس عليه أصول الفقه، وكان يجلس في دروسه في المسجد النبوي في التفسير.
4- الشيخ العلامة السلفي تقي الدين الهلالي المغربي (ت 1407هـ)، درس عليه، وجلس في بعض مجالسه، وقرأ عليه في المسجد النبوي.
5- الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز (ت 1420هـ)، حيث ذكر الشيخ ثناء الله -رحمه الله تعالى- أنه درس عليه في المسجد النبوي الحديث والفقه، وقال أيضًا: “كنّا نجلس مع ابن باز مجالس كثيرة”.
6- الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني (ت1420هـ)، وهو ممن تأثر بهم كثيرًا، قال عنه: “كنا نجلس في مجالس الألباني كثيرًا، مجالسه العلمية خارج الفصول، والرحلة الأسبوعية من يوم الخميس إلى مساء الجمعة برئاسته، وتكون في المجالس السؤالات والإجابات، وكان يُدَرِّسُ في الجامعة أصول الحديث، ودرَّسَ في الجامعة ثلاث سنوات، أدركتُ نصفَ هذه المدة”. وكان يقول عنه: “كان أقرب المدرسين للطلاب، أقربَ من الجميع، ويحبّونه لأجل علم الحديث، ويأخذون منه، وإذا انتهى الدرس يخرج الطلبة من الفصول، ويجلسون عنده كلّهم، ولا يذهبون للاستراحة”.
7- الشيخ حماد الأنصاري (ت 1418هـ)، وهو ممن لازمه، وقرأ عليه الكثير في مجالسه في الحديث وأصوله، والأسانيد، وأجازه، وكان يجلس معه يومَي الخميس والجمعة في مكتبته، ويبحثون معه المسائل، وصرح بأنه من أكثر من استفاد منه، واستفاد من مكتبته الحديثية العامرة، وأجازه مرتين.
– وممن دَرَسَ عليهم في باكستان غير شيخه الأكبر (الروبري): الشيخ محمد عبده الفَلَاح، والشيخ محمد حسن الأَمْرَتسَرى، وقادر بخش البهاوَلبوري -وذكر الشيخ أنه من كبار العلماء-، والشيخ محمد كنكفوري، والدكتور مجيب الرحمن. وقرأ القرآن على القارئ المشهور خدا بخش، عن تاج الدين الحنفي.
– وممن درس عليهم أيضًا في المدينة: الشيخ عبد المحسن العباد، والشيخ عبد الله الغنيمان، والشيخ محمد الغُونْدَلوي، والشيخ عطية محمد سالم، وغيرهم.
- ومن شيوخه في الرواية من غير من ذكرنا: محمد عبده الفلاح الفيروزبوري (ت 1420هـ)، والشيخ محمد علي بن محيي الدين عبد الرحمن اللكهوي (ت 1394هـ)، والشيخ عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي المكي (ت 1392هـ)، والشيخ عبد الغفار حسن الرحماني (ت 1429هـ)، وغيرهم من أهل العلم والرواية.
تلاميذه:
دَرَسَ آلافُ الطلبةِ على الشيخ -رحمه الله تعالى- وقرأ عليه خلائقُ لا يحصَون، فقد عُقِد للشيخ مجالس التحديث في أكثر من بلد، وأقرأ فيها كتب السنة، فأقرأ في الكويت الكتب السبعة وغيرها، وأقرأ في الدوحة صحيح البخاري والمسند، وأقرأ في الرياض المسند وغيره، وأقرأ في مكة كتب السنن. وكانت بعض هذه المجالس يحضرها فوق الألف.
ومن أبرز تلاميذه في باكستان: الدكتور عبد القادر عبد الكريم، وأخوه الدكتور عبد الغفار، والحافظ محمد شريف، وهم جميعًا من علماء الحديث في باكستان الآن.
ومنهم: القارئ محمد إبراهيم مير محمدي، عميد كلية القرآن بجامعة لاهور الإسلامية، والشيخ محمد إسحق زاهد، والشيخ عبد الرؤوف عبد الحنان، والشيخ عبد الستار قاسم، وغيرهم كثير.
مصنفاته:
أكثرُ اهتمام الشيخ بفقه الحديث، فكتب شرحا على سنن الترمذي، سمّاه: (جائزة الأحوذي في التعليقات على شرح الترمذي)، وهو شرح متوسّط مختصر غالبًا، وله شرح على الشمائل: (الوصائل في شرح الشمائل)، وكلاهما مطبوع. وله آلاف الفتاوى المدوّنة بالأردية في أربعة مجلدات كبار.
أعماله وجهوده الدعوية:
1- تولى التدريس في قريته عند عودته من المدينة سنة 1389هـ، ودرّس في عدد من الجامعات والمدارس، وعُيّن مديرًا للتعليم في الجامعة السلفية في فيصل آباد، ثم انتقل إلى جامعة لاهور الإسلامية، وهو شيخ الحديث فيها.
2- كان مشتهرًا بلقب: مفتي لاهور، وفي سنة 1428هـ تم اختياره من قبل العلماء مفتيًا لعموم أهل الحديث في باكستان.
3- أقام مدرسة للتحفيظ في جامع خالد بن الوليد، استفاد منها عشرات الآلاف.
4- بنى سنة 1415هـ مركزًا كبيرًا أسماه: (مركز أنصار السنة)، وهو مركز إسلامي ضخم، شارك في بنائه بعض أهل الفضل من المملكة العربية السعودية، وهو مركز تعليميّ دعويّ تربويّ، يدرس فيه مئات الطلاب، ويكفل مئات الأيتام، وفيه مقرّ لسكنى الطلاب الفقراء الذين يَفِدون للدراسة فيه. وقد جمع له الشيخ كبار المدرّسين ذوي العلم والخبرة، وكفل فيه الطلاب المتميزين.
5- شارك في عضوية مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.
6- شارك في عضوية جريدة الاعتصام الأسبوعية في لاهور.
7- شارك في عدد من المؤتمرات العلمية والدعوية داخل باكستان وخارجها، وله جهود في نشر التوحيد والسنة ونشر العقيدة السلفية في باكستان والجاليات الباكستانية في الغرب.
8- شرح صحيح البخاري كاملًا في دروسه اليومية المستمرة في لاهور منذ حوالي ثلاثين سنة حوالي عشر مرات، حيث إنه كان من عادته أن يُتِمَّ شرح البخاري كل ثلاث سنوات تقريبًا.
9- برنامج الشيخ اليومي: كان -رغم شيخوخته- يخرج للمشي في الصباح الباكر يوميًّا، ثم يجلس للتدريس إلى الضحى، ثم يجلس للكتابة وشرح الحديث إلى ما بعد العصر، وربما إلى المغرب. ويختص يوم الخميس لكتابة الفتاوى، كما يختصّ وقتًا لأولاده وأحفاده في تعليمهم وإرشادهم، ويشارك الناس في مناسباتهم، ويستقبل الضيوف، وليس منزويًا على نفسه، ويخطب الجمعة في قريته (سرهالي)، إضافة لحفاظه على أوراده من التلاوة والذكر والتهجّد وغير ذلك.
منهجه ومنزلته وفضله:
الشيخ ثناء الله سلفي على منهج أهل السنة والجماعة، محبّ لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكان ينوي عمل جامعة في باكستان باسم الشيخ، وكان يُدَرِّسُ كتبَ شيخِ الإسلام ابن تيمية والشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولازم عددًا من كبار علماء الدعوة -كما سبق ذكره-.
وللشيخ مكانة كبيرة في باكستان، فهو كما قال عنه تلميذه الشيخ وليد المنيسي: “الشيخ من كبار علماء أهل الحديث بالباكستان إن لم يكن أكبرهم وأجلّهم حاليا”، وقال الشيخ فيصل العلي: “ثناء الله إمام أهل السنة في باكستان الآن، وليس له همٌّ إلا نشر العلم والدعوة، ولا يطلب لنفسه شيئا”.
والشيخ -بشهادة العلماء- من كبار المجيزين بالرواية لكتب السنة -رحمه الله تعالى-.
وفاته:
أُصيب الشيخ -رحمه الله تعالى- بأمراض كثيرة، وابتُلي في أوقات عديدة بأمراض عصيبة، ومنَّ الله عليه بالشفاء منها، وقبل وفاته بيومين سقط في بيته سقطة قويّة، أصيب على إثرها بكسر وشلل، وانقطع عن الكلام، وضاق نَفَسُه، ونُقِل للمستشفى، وتوفي فيه في ضحى الأحد 25 جمادى الآخرة سنة 1442هـ، عن اثنين وثمانين سنة.
ونعاه جمع غفير من العلماء، وآلاف من الطلبة الذين أجازهم بمروياته، وأقرأهم كتب السنة، رحم الله الشيخ رحمة واسعة.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) الترجمة مقتبسة من كتابات بعض طلبته، وأغلبها مأخوذ من ترجمة تلميذه الشيخ محمد زياد التكلة، وفقه الله.