الاثنين - 11 ربيع الآخر 1446 هـ - 14 أكتوبر 2024 م

صفحاتٌ مضيئةٌ من سيرة القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العَمراني (1340-1442هـ)

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

المقدمة:

            الحمد للَّه الذي جعلَ العلماء ورثة الأنبياء، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّد سيد الأصفياء، وعلى آله وصحبه السادة الأتقياء، صلاةً وسلامًا دائمين يستوجبان رتبة الأولياء([1]).

            وبعد، فهذه ترجمةٌ موجزةٌ لشيخنا العلامة القاضي: محمد بن إسماعيل العمراني رحمه الله، والمتوفى في سحَر ليلة الاثنين الثاني من شهر ذي الحجة عام 1442هـ، طلب منِّي كتابتها من لا يسعني مخالفة أمره، فاستعنت بالله وكتبت ما تيسر، وذلك عبر الإضاءات الآتية:

الإضاءة الأولى: حياته الشخصية.

الإضاءة الثانية: مسيرته العلمية. وتحتها عدة أنوار:

الإضاءة الثالثة: آثاره وأثره. وتحتها عدَّة مصَابيح:

الإضاءة الرابعة: جوانب من حياته وأخلاق تميز بها. وتحته شمعتان:

الإضاءة الخامسة والأخيرة: وفاته، وما قيل فيه من مدح ورثاء.

 

 

 

 

الإضاءة الأولى: حياته الشخصية

            أولًا: سيرته:

            هو القاضي العلَّامة الفقيه المُحدِّث الزاهد أبو عبدالرحمن محمَّد بن إسماعيل بن محمد بن محمد بن علي بن حسين بن صالح بن شايع العَمراني (بفتح العين، وتسكين الميم) الصنعاني.

            ولد في مدينة صنعاء يوم الاثنين 12 ربيع أول سنة 1340هـ الموافق 12/11/1921م.

            والده: هو الفقيه الزاهد إسماعيل بن محمد العمراني (1280-1344هـ) ولم يولد له ابنه محمد (صاحب الترجمة) إلا على كبرٍ وهو في الستين.

            وأما أخوه: فهو عبدالرحمن بن محمد العمراني (1332-1416هـ) من موظفي وزارة العدل، وليس له أخٌ غيره.

            أولاده: له من الأولاد تسعة (خمسة من الذكور وأربع من البنات)؛ أما أولاده الذكور فهم:

1-د. عبدالرحمن بن محمد العمراني رحمه الله تعالى (1949-2021م) وهو أستاذ أكاديمي في مجال الأدب والشعر.

2-د. عبد الغني بن محمد العمراني، من مواليد (1954م)، وهو أستاذ في الفقه الإسلامي.

3- عبدالملك بن محمد العمراني، من مواليد (1957م)، اشتغل في العمل الإداري ثم في العمل الحر.

4- عبد الوهاب بن محمد العمراني، من مواليد (1958م)، موظف في وزارة الخارجية، واشتغل في السلك الدبلوماسي.

5- عبدالرزاق بن مُحمّد العمراني، من مواليد (1965م)، عمل في السلك الدبلوماسي سفيرًا في أكثر من بلد.

            وقد تزوج القاضي محمد مرتين؛ الأولى هي أم أولاده، وبعد وفاتها تزوج الثانية، وكلتاهما توفيتا قبله رحمهما الله. 

ثانيًا: عقيدته:

            عقيدة القاضي العمراني هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وربَّما يقع في بعض الأخطاء في تفاصيل الاعتقاد، وهذا حاصلٌ عند بعض أئمة العلم، يقع لهم الخطأ عن اجتهاد وتحرّ للحق ولا تُخرج الرجل عن كونه على عقيدة أهل السُّنة والجماعة إذا كان في الأصول على منهجهم. وقد صرَّح القاضي رحمه الله بأنه من أهل السنة يتبع السلف الصالح في مناسبات عديدة، منها: ما سمعته منه بنفسي وهو في بيت الإمام الشوكاني في بلدة (هجرة الشوكاني) لما زرناها عام 1418هـ بمعيَّة القاضي: إسماعيل بن علي الأكوع رحمه الله تعالى (ت: 1429هـ)، فقد قال: “أنا عقيدتي عقيد السلف الصالح، أنا سلفي العقيدة”، وأحيانًا يجيب عمَّن يسأله عن عقيدة في باب الأسماء والصفات فيقول: “عقيدتي ما في كتاب الشوكاني (التحف في الإرشاد إلى مذهب السَّلف)”، فهو يقرر مذهب أهل السنة والجماعة في هذا الباب وفي أصول الإيمان؛ خاصة ما يتعلق بالمعتزلة ومن على شاكلتهم من الفرق في مخالفتهم في باب القدر، والخروج على الحكَّام.

 

 

 

ثالثًا: مذهبه الفقهي:

            القاضي العمراني كانت دراسته في بداية أمره على المذهب الزيدي، بل حفظ متن (الأزهار) الذي هو معتمد المذهب الفقهي؛ إلا أنَّه أخذ بعد ذلك بمنهج كبار المجتهدين في اليمن وفي غيرها؛ كابن تيمية، وابن القيم، وابن الوزير، وابن الأمير، والشوكاني، وكان غالبًا ما ينشد:

مذهبي في الفروع أسلك فيه

 

مسلك الأمير والشوكاني

            ولذا نجده حريصاً على ترجيح القول الذي يعضده الدليل بعد ذكره للأقوال في المسألة.

الإضاءة الثانية: مسيرته العلمية

أولًا: سيرته العلمية:

            نشأ القاضي محمَّد بن إسماعيل العمراني في بيت علم اشتهر باتباع السنة وحبِّ الحديث، وقد نشأ يتيمًا؛ حيث توفي والده وعمر أربع سنوات وتولت والدته تربيته وتعليمه، وقد بدأ طلبه للعلم في الكتاتيب التي كانت بمثابة المدارس التمهيدية والابتدائية، وأخذ على ذلك شهادة من مدرسة الفليحي سنة 1351هـ وظلَّ محتفظًا بها، ثم التحق بمدرسة الإصلاح التي كانت أعلى درجة من مدرسة الفليحي.

            بدأ رحمه الله في ذلك الوقت بطلب العلم على شيوخه في حاضرة مدينة صنعاء، وخاصة في المساجد المشتهرة بالتدريس كالمسجد الكبير، ومسجد الفليحي، ومسجد خُضير، ومسجد العلَمي، وقد كانت البيئة العلمية في منطقته يغلب عليها المذهب الزيدي الهادوي، تأثَّر رحمه الله بدروس شيوخ مسجد الفليحي لوجود كثير من أهل العلم الذين يدرِّسون مع المذهب الهادوي كتبَ السُّنة، وفي هذه المرحلة توسَّع القاضي محمد العمراني في قراءة كتب السُّنة؛ خاصة كتب الإمام الشوكاني التي أثَّرت على مسيرته العلمية إلى آخر حياته، فهي في الحقيقة أخصب مورد تلقَّى عنه العلم، يقول عن نفسه: “قرأتُ (البحر الزخار) و(البيان) لابن مظفر، و(شرح الأزهار)، ومؤلفات المقبلي، والشوكاني، والأمير، وأنا في مقتبل شبابي”.

ثانيًا: مشايخه:

            من نِعم الله على شيخنا القاضي محمد العمراني أنَّه رُزق التتلمذ على كثيرٍ من أهل العلم المتميِّزين في كثيرٍ من فنون العلم، فشيوخه يزيدون على الخمسين؛ سواء شيوخ التلقي أو الإجازة، ومن أشهرهم:

  • العلامة الفقيه: أحمد بن علي الكحلاني (ت: 1386هـ).
  • العلامة النحوي: أحمد بن لطف الزبيري.
  • العلامة: الحسن بن علي المغربي (ت: 1410هـ).
  • العلامة: عبد الخالق بن حسين الأمير، من ذرية ابن الأمير الصنعاني (ت: 1370هـ).
  • العلامة الأديب: عبدالكريم بن إبراهيم الأمير (ت: 1421هـ).
  • العلامة اللغوي: عبد الله بن عبدالرحمن حُميد (ت: بعد 1390هـ).
  • العلامة المتفنن: عبد الله بن محمد السرحي (ت: 1409هـ).
  • العلامة الرحالة: عبد الواسع الواسعي (ت: 1379هـ).
  • العلامة: عبد الوهاب بن محمد الشماحي (ت: 1357هـ).
  • العلامة: علي بن حسن المغربي (ت: 1367هـ).
  • العلامة الفرضي: علي بن هلال الدبَب (ت: 1388هـ).
  • العلامة: يحيى بن محمد الأرياني (ت: 1362هـ). وغيرهم.

ثالثًا: تلامذته:

            قد منح الله من فضله شيخنَا القاضي العمراني عُمرًا مديدًا قضاه في مجال العلم، وحُبِّب إليه التدريس؛ فكثر طلابُه، وأخذ عنه عالَم لا يحصون، وهم طبقات كثيرة، منهم من أخذ عنه في بداية تدريسه وعمره دون العشرين سنة، ومنهم من أخذ عنه وهو في السَّابعة والتسعين، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، وكان مجلس تدريسه مأوى لكل طالب علم، ومرتاد كلِّ باحثٍ عن الخير والفائدة، فأخذ عنه كثير من أهل اليمن وغيرها من البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، “والمورد العذب كثير الزحام”، ولا تفي هذه الورقة المختصرة ذكر تلامذته، نسأل الله أن يكونوا وعلمهم وأعمالهم في ميزان حسناته.

الإضاءة الثالثة: آثاره وأثره

أولًا: نشره للعلم:

            من بركة الرجل نشرُه للخير حيث كان، وكما قال الإمام عبدالله بن المبارك: “لا أعرف عملًا بعد النبوة أفضل من نشر العلم”([2]). وشيخنا القاضي العمراني قد ساهم بشكلٍ كبيرٍ في نشر العلم، وكان النَّصيب الأوفر من جهوده في نشر العلم لتدريسه وشرحه لأكثر كتب السنة والفقه لمدة قاربت الثمانين عامًا، وما رأيت أنشط منه في التَّدريس، وقد كنَّا أحياناً نجلس معه من بعد الفجر إلى السَّاعة التاسعة ونحن قد اعترانا شيء من الكسل أو النعاس، أما هو ففي غاية نشاطه.

            كان أول تدريسه في المساجد، ثم درَّس في المدرسة العلميَّة التي كانت تخرج كبار العلماء وعمره في السابعة والعشرين، وقد أكثر من التَّدريس في أماكن كثيرة؛ منها: مسجد الفليحي، ومسجد الزبيري، وجامعة صنعاء، وجامعة الإيمان، وجامع الصالح، ومسجد بلال.

ثانيًا: مؤلفاته:

            شيخنا القاضي العمراني رحمه الله تعالى غلب عليه مجال التَّدريس على مجال التَّأليف، ومع ذلك فقد ضرب بسهمٍ طيِّب في مجال التأليف، فله مؤلفات وأبحاثٌ طيبةٌ مفيدة، ومع هذا فقد كان يرى أنَّ مؤلفاته لا ترقى لدرجة مؤلفات الأئمة، ويوجه بالاستفادة من كتب غيره، وهذا من تواضعه رحمه الله، وقد تحدَّث رحمه الله عن المؤلفات بشكل عام فقال: “قد كثرت في مختلف الفنون فلا يحتاج لمثلي أن يؤلف، والتأليف يكون للعلماء الكبار، ونحن نحتاج لمن ينشر العلم ويدرسه”، ثم قال: “أين سيقف تأليفي بجانب مؤلفات المقبلي، وابن الوزير، وابن الأمير، والشوكاني، وابن حجر، والنووي؟”، أما مؤلفاته وأبحاثه فمن أهمِّها:

1- أبحاثٌ فقهيَّة بأدلَّة شرعية. وهي مجموعة أبحاثٍ كتبها القاضي أكثرها ردودٌ علمية، وقد اعتنى بإخراجها الإخوة: هاني عبدالله زهرة، وسفيان أبو زيد، وفؤاد دحابة، وعددها اثني عشر بحثًا أهمُّها الآتي:

  • إزالة الشَّك في عدم مشروعيَّة صيام يوم الشَّك.
  • بحثٌ في وجوب تبييت النيَّة للصوم.
  • بحثٌ في شرطيَّة الاعتكاف للصَّوم.
  • بحثٌ في حكم من أكل أو شرب ناسيًا في نهار رمضان.
  • بحثٌ في شرطيَّة الاعتكاف للصَّوم.
  • بحثٌ حول دليل من يقول بأنَّ التَّسبيح في الركعتين الأخيرتين يقوم مقام الفاتحة.
  • بحثٌ في الفرق بين قبر الرجل وقبر المرأة.

2- نظام القضاء في الإسلام. في مجلد وسط، وهو عبارة عن محاضراتٍ كان يلقيها القاضي في المعهد العالي للقضاء أثناء تدريسه في عام 1403هـ، وغالبها في تاريخ القضاء في الإسلام، وهو أول كتاب لمؤلف من أهل اليمن في تاريخ القضاء في الإسلام.

3-كتاب الأوائل. جمع فيه من ذُكر أنَّه أول من عمل أو قال كذا، وهو بحثٌ ماتعٌ فيه تتبع واستقراء.

4-مقالات القاضي العمراني، وهي مقالات عامة عددها 47 مقالة، أكثر هذه المقالات كتبها القاضي وهو في الثلاثين من عمره.

5- سفينة العمراني-معارف ولطائف. جمعها ولده: السفير عبدالرزاق عن والده القاضي، وفيه مجموعة من الفنون، وقد طبع في مجلد كبير.

            وأمَّا الفتاوى التي كتبهَا بيده، أو فرِّغت من أشرطة (الكاسيت) فلا تحصى كثرة، وقد جمع الأخ: عبدالله بن قاسم ذيبان بعضها في ثلاثة مجلدات، أسماه: “نيل الأماني من فتاوى القاضي العمراني”، وهناك مجموعة من طلبة العلم تسعى على إخراج ونشر هذه الفتاوى والدروس، والتي ربما تزيد عند إخراجها على الخمسين مجلدًا.

الإضاءة الرابعة: جوانب من حياته وأخلاقه التي تميز بها

أولًا: أخلاقه:

            من حُسن علم المرء حسنُ أخلاقه، وهذا الذي رأيناه في شيخنا القاضي العمراني، فأخلاقه العالية كلمة إجماعٍ بين المحبِّ وغيره، كان عفّ اللسان، صبورًا على الناس، كثير التَّواضع حتى عُرف بذلك، فكثيرًا ما يأتي إليه الزائر من بلدةٍ بعيدةٍ ليأخذ عنه أو يستفتيه فيقول له القاضي: “تسمع بالمعيدي خيرًا من أن تراه”، ويقول عن نفسه: “أنا دعوة أمي” يعني: أنَّ أمه دعت له بالتوفيق ومحبة الناس لا أنه عالم، وهذا غاية التواضع، وقد سبق بنا حديثه عن مؤلفاته وتواضعه في هذا الجانب رحمه الله.

ثانيًا: زهده وورعه:

            أمَّا زهده في الدنيا والمناصب فهو عجبٌ في ذلك، وقد أقبلت الدنيا عليه إلا أنه لم يكن يعبأ بها ويلتفت إليها التفاتة المريد الولهان بل كان زاهدًا فيها، وأذكر قصتين عن ورعه وزهده:

            الأولى: كنتُ معه في مسجد الزبيري قبل الظهر فجاء أحدُ حرَّاس الرئيس السابق وأعطى القاضي الجوال وقال: مكالمة من الرئيس، فقام في زاوية من المسجد وأجاب على المكالمة، ثمَّ جاءني مغضبًا مهمومًا، فقلت له ما الأمر؟

فقال: طُلب مني أن أتولى منصباً رفيعًا، ورفضت.

فقلت له: كانت فرصةً لنشر الحق، ليتكم قبلتوها.

فغضب منِّي وقال: سأتَّصل بالرئيس وأخبره بأن يوليك. كالمستهتزئ بي.

فقلت له: لكم في الإمام الشوكاني أسوة.

فقال: إنَّ الوضع في ذلك الزمان مختلفٌ عن هذا الزمان.

            القصة الثانية: سمعت بعضَ طلاب القاضي يحكي أنَّه ذهب إليه، وأخبره أنَّ تاجرًا كبيرًا أهداه سيارة جديدة فرفض شيخنا القاضي، وقال: عندي سيارة.

فقال له الطالب: سيارتكم قديمة جدًا، وهذه أفضل.

فقال: أنا يا بني لا يمكن أن أقبل ذلك، وأنا اليوم رِجْل في الأرض ورجل في القبر، وأبى أن يأخذها.

الإضاءة الخامسة والأخيرة: وفاته، وما قيل فيه من مدح ورثاء

            أُصيب شيخنا القاضي في بداية عام 1432هـ بجلطةٍ في السَّاق، وبقي متأثرًا بها سنوات عدة، وقد تحسَّن من هذه الوعكة إلا أنَّها منعته من إلقاء الدروس العامَّة، ثم لكبر سنه ترك التَّدريس العام وبقي يفتي الناس إلى قبل وفاته بسنتين، وفي ذلك الوقت كان قد تعب أكثر وصعب عليه الكلام مع بقاء الذهن والذاكرة.

            اشتدَّ به المرض قبل وفاته بشهر فنُقل إلى المشفى، ثمَّ رجع إلى البيت وقام على تمريضه مجموعةٌ من الأطباء، وفي سحر ليلة الاثنين الثاني من شهر ذي الحجة سنة 1442هـ توفي شيخنا وفاضت نفسه إلى باريها، فعظُمَ على الخلق ذلك المصاب، وأجزل اللَّه لهم بالصَّبر على فقده الثواب، وعلموا أنَّ قضاء اللَّه سبحانه فصْلٌ لا يُدفع، رحمه الله رحمة واسعة.

            وقد تسارع الناس إلى الصلاة عليه، وتجهيز قبره، وصُلِّي عليه أكثر من مرة، وخرجت الجموع الكثيرة بدون سابقة ترتيب، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: “بيننا وبين أهل البدع الجنائز”([3])، وقد كانت جنازة القاضي أكبر جنازة عرفتها صنعاء منذ نصف قرن على الأقل ولله الحمد على قضاءه وقدره. كما صلِّي عليه صلاة الغائب في أكثر من بلد من بلاد المسلمين، ونعتته أكثر المجاميع العلمية والدعوية، وبموته فقد أهل اليمن أجل علمائه وأكبرهم، أسال الله أن يرفع درجته، وأن يلحقه بعباده الصالحين، وأن يخلف على المسلمين بخير.

            وقد قيلت فيه المراثي والأشعار والكلمات الكثيرة، فمن ذلك ما قاله الشيخ أحمد بن شملان:

مات الفقيه العالم الرباني

 

مات الإمامُ محمد العمراني

مفتي الديار سهولِها وجبالها

 

بأدلةٍ وبحجة وبيانِ

مات الذي نشر العلوم بحكمة

 

وتواضع وبهمةٍ وتفاني

مات المعلم والمربي والذي

 

أفتى وأصلح في مدى الأزمان

وقال الشاعر فؤاد الحميري:

على مثلكم أبكي وتبكي السحائبُ

 

وفي مثلكم من ذا يلوم ويعتب؟!

(محمدُ) والاسماء مفتاح أهلها

 

لشوكان يُدعى أو لعمران يُنسبُ

إمامٌ إذا قالوا إمام، وسيدٌ

 

إذا سوّدوا.. لا من يغشّ ويكذبُ!

تواضعُ أرضٍ تحملُ الناسَ رحمةً

 

وعزُّ سماءٍ لم تطُلها الكواكبُ

لبستَ على بحر العلوم عمامةً

 

فمَن شاهد البحر المُعمَّم يُعجب

ورثاه الدكتور جبران سحاري بقصيدة منها:

مضى شيخنا القاضي لقد كُسف البدرُ

 

مضى شيخُ عَمرانَ الذي علمُه بحرُ

مضى عُمْرُه عامان من بعد قرنِهِ

 

فيا شاهدَ القرن الدموعُ هنا غَمرُ

“توفيت الآمال بعد محمدٍ”

 

ولكنْ عزاءُ الجيل ما بثّه الحَبْرُ

تخرّج طلابٌ وحازوا بعلمه

 

وسام المعالي؛ وافق الخَبَرَ الخُبْرُ

لقد كان في فقه الشريعة راسخاً

 

يفيد ويفتي المِصْرَ من بعده مصرُ!

            والمراثي والكلمات كثيرة، لعل ما ذُكر كفاية بمقام هذه الكلمات المضيئة عن شيخنا القاضي العمراني، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) من مقدمة “الجواهر والدرر” للسخاوي.

([2]) تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للمزي (16/ 20).

([3]) البداية والنهاية، لابن كثير (14/ 425).

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

المهدي بين الحقيقة والخرافة والرد على دعاوى المشككين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»([1]). ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالأمه أنه أخبر بأمور كثيرة واقعة بعده، وهي من الغيب الذي أطلعه الله عليه، وهو صلى الله عليه وسلم لا […]

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان الإيمان منوطًا بالثريا، لتناوله رجال من فارس) شبهة وجواب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  يقول بعض المنتصرين لإيران: لا إشكالَ عند أحدٍ من أهل العلم أنّ العربَ وغيرَهم من المسلمين في عصرنا قد أعرَضوا وتولَّوا عن الإسلام، وبذلك يكون وقع فعلُ الشرط: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ}، ويبقى جوابه، وهو الوعد الإلهيُّ باستبدال الفرس بهم، كما لا إشكال عند المنصفين أن هذا الوعدَ الإلهيَّ بدأ يتحقَّق([1]). […]

دعوى العلمانيين أن علماء الإسلام يكفرون العباقرة والمفكرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة عرفت الحضارة الإسلامية ازدهارًا كبيرًا في كافة الأصعدة العلمية والاجتماعية والثقافية والفكرية، ولقد كان للإسلام اللبنة الأولى لهذه الانطلاقة من خلال مبادئه التي تحثّ على العلم والمعرفة والتفكر في الكون، والعمل إلى آخر نفَسٍ للإنسان، حتى أوصى الإنسان أنَّه إذا قامت عليه الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها. ولقد كان […]

حديث: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ» شبهة ونقاش

من أكثر الإشكالات التي يمكن أن تؤثِّرَ على الشباب وتفكيرهم: الشبهات المتعلِّقة بالغيب والقدر، فهما بابان مهمّان يحرص أعداء الدين على الدخول منهما إلى قلوب المسلمين وعقولهم لزرع الشبهات التي كثيرًا ما تصادف هوى في النفس، فيتبعها فئام من المسلمين. وفي هذا المقال عرضٌ ونقاشٌ لشبهة واردة على حديثٍ من أحاديث النبي صلى الله عليه […]

آثار الحداثة على العقيدة والأخلاق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الفكر الحداثي مذهبٌ غربيّ معاصر دخيل على الإسلام، والحداثة تعني: (محاولة الإنسان المعاصر رفض النَّمطِ الحضاري القائم، والنظامِ المعرفي الموروث، واستبدال نمطٍ جديد مُعَلْمَن تصوغه حصيلةٌ من المذاهب والفلسفات الأوروبية المادية الحديثة به على كافة الأصعدة؛ الفنية والأدبية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية…)([1]). ومما جاء أيضا في تعريفه: (محاولة […]

الإيمان بالغيب عاصم من وحل المادية (أهمية الإيمان بالغيب في العصر المادي)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعيش إنسان اليوم بين أحد رجلين: رجل تغمره الطمأنينة واليقين، ورجل ترهقه الحيرة والقلق والشكّ؛ نعم هذا هو الحال، ولا يكاد يخرج عن هذا أحد؛ فالأول هو الذي آمن بالغيب وآمن بالله ربا؛ فعرف الحقائق الوجوديّة الكبرى، وأدرك من أين جاء؟ ومن أوجده؟ ولماذا؟ وإلى أين المنتهى؟ بينما […]

مناقشة دعوى الإجماع على منع الخروج عن المذاهب الأربعة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن طريقة التعامل مع اختلاف أهل العلم بَيَّنَها الله تعالى بقوله: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ‌أَطِيعُواْ ‌ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ […]

بدعية المولد .. بين الصوفية والوهابية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدّمة: من الأمور المقرَّرة في دين الإسلام أن العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فإنَّ الإسلام مبني على أصلين: أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له، والثاني أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فالأصل في العبادات المنع والتوقيف. عَنْ عَلِيٍّ […]

الخرافات وأبواب الابتداع 

[ليس معقولاً، لا نقلاً، ولا عقلاً، إطلاق لفظ «السُّنَّة» على كل شيء لم يذكر فيه نص صريح من القرآن أو السنة، أو سار عليه إجماع الأمة كلها، في مشارق الأرض ومغاربها]. ومصيبة كبرى أن تستمر التهم المعلبة،كوهابي ، وأحد النابتة ، وضال، ومنحرف، ومبتدع وما هو أشنع من ذلك، على كل من ينادي بالتزام سنة […]

ترجمة الشَّيخ د. علي ناصر فقيهي

‏‏للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة ترجمة الشَّيخ د. علي ناصر فقيهي([1]) اسمه ونسبه: هو الشَّيخ الأستاذ الدكتور علي بن محمد بن ناصر آل حامض الفقيهي. مولده: كان مسقط رأسه في جنوب المملكة العربية السعودية، وتحديدا بقرية المنجارة التابعة لمحافظة أحد المسارحة، إحدى محافظات منطقة جيزان، عام 1354هـ. نشأته العلمية: نشأ الشيخ في مدينة جيزان […]

مناقشة دعوَى أنّ مشركِي العرب جحدوا الربوبية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: اعتَمَد بعضُ الأشاعرةِ في العصور الحديثةِ على مخالفة البدهيات الشرعية، وتوصَّلوا إلى نتائج لم يقل بها سلفُهم من علماء الأشعرية؛ وذلك لأنهم لما نظروا في أدلة ابن تيمية ومنطلقاته الفكرية وعرفوا قوتها وصلابتها، وأن طرد هذه الأصول والتزامَها تهدم ما لديهم من بدعٍ، لم يكن هناك بُدّ من […]

حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية في الإسلام

  إنَّ حريةَ الاعتقاد في الإسلام تميَّزت بتفاصيل كثيرة واضحة، وهي تعني أن كلَّ شخص حرّ في اختيار ما يؤمن به وما يدين به، ولا يجب على أحدٍ أن يُكرهَه على اعتقاده، كما تعني الاحترامَ لحرية الآخرين في اختياراتهم الدينية والمعتقدات الشخصية. موقفُ الإسلام من الحرية الدينية: الأصلُ عدمُ الإجبار على الإسلام، ولا يُكره أحد […]

دفع إشكال في مذهب الحنابلة في مسألة حَلِّ السِّحر بالسحر

  في هذا العصر -عصر التقدم المادي- تزداد ظاهرة السحر نفوذًا وانتشارًا، فأكثر شعوب العالم تقدّمًا مادّيًّا -كأمريكا وفرنسا وألمانيا- تجري فيها طقوس السحر على نطاق واسع وبطرق متنوعة، بل إن السحر قد واكب هذا التطور المادي، فأقيمت الجمعيات والمعاهد لتعليم السحر سواء عن طريق الانتظام أو الانتساب، كما نظمت المؤتمرات والندوات في هذا المجال. […]

الفكر الغنوصي في “إحياء علوم الدين” لأبي حامد الغزالي وموقف فقهاء ومتصوفة الغرب الإسلامي منه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة بسم الله الرحمن الرحيم لا تخفى المكانة التي حظي بها كتاب إحياء علوم الدين عند المتصوفة في المغرب والأندلس، فكتب التراجم والمناقب المتصوفة المغربية المشهورة، شاهدة على حضور معرفي مؤثر ظاهر لهذا الكتاب في تشكيل العقل المتصوف وتوجيه ممارسته، وأول ما يثير الانتباه فيه، هو التأكيد على الأثر المشرقي […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017