فضائل شعبان وسننه | وما ابْتُدِع فيه
تتكرر مواسم الخيرات، وتتجدد أوقات الطاعات؛ ليجتهد المجتهدون، ولينتبه الغافلون.
ومن هذه الأوقات التي تكثر فيها النفحات: شهر شعبان، غير أن بعض الناس تقع منهم المخالفات؛ بأن ينساقوا وراء البدع والمنكرات، ولا يكتفون بما شرعه الله تعالى وشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم، وسنورد -بإذن الله تعالى- ما يشرع وما لا يشرع في هذا الشهر الفضيل، حتى نغنم ولا نغرم، ونسلم ولا نندم، وسيكون حديثنا في هذه الأسطر عن فضل هذا الشهر، وما يسنّ فيه، والأحاديث الشعبانية التي لا تصح، ثم نسوق أهم البدع التي تقع في هذا الشهر.
أولًا: فضل شهر شعبان.
- ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى:
فعن أسامةَ بنِ زيد رضي الله عنهما قال: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»([1]).
- تغفر الذنوب في ليلة النصف من شعبان:
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَه تَعَالَى لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ»([2]) . والمشاحن: المخاصم للمسلم أو الهاجر له.
ثانيًا: ما يُسنّ في شهر شعبان.
- الاجتهاد في تحقيق التوحيد والبعد عن الشرك بجميع أنواعه، للحديث المتقدم: «…فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».
- البعد عن الشحناء والبغضاء. للحديث السابق. «…أَوْ مُشَاحِنٍ».
- الإكثار من الصيام:
كما في الحديث المتفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ»([3]).
ثالثًا: أحاديث عن شعبان لا تصح.
- حديث: «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلّغنا رمضان»([4]).
- حديث: «رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي»([5]).
- حديث: «فضل شهر شعبان كفضلي على سائر الأنبياء». قال ابن حجر: موضوع ظاهر الوضع([6]).
- حديث: «إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها»([7]).
- حديث: «خمس ليال لا تردّ فيهن الدعوة: أول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلة الجمعة، وليلة الفطر، وليلة النحر»([8]).
- حديث: «إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعرِ غنمِ كلبٍ»([9]).
- حديث: «يا علي من صلى ليلة النصف من شعبان مئة ركعة بألف “قل هو الله أحد” قضى الله له كل حاجة طلبها تلك الليلة»([10]).
- حديث: «من أحيا ليلتي العيد وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»([11]).
رابعًا: بدع شعبان.
وجلّ هذه البدع مبناها على الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة، وقد تقدم ذكر جملة منها وبيان ضعفها أو بطلانها.
- الاحتفال بليلة النصف من شعبان بأي شكل من أشكال الاحتفال، سواء بالاجتماع على عبادات، أو إنشاد القصائد والمدائح، أو بالإطعام واعتقاد أن ذلك سنة واردة.
قال أبو شامة المقدسي: “وأول ما حدثت عندنا سنة 448هـ قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس يُعرف بابن أبي الحميراء، وكان حسن التلاوة، فقام يصلي في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان، فأحرم خلفه رجل ثم انضاف ثالث ورابع فما ختمها إلا هو في جماعة كثيرة…”([12]).
قال الحافظ ابن دحية: “قال أهل التعديل والتجريح: ليس في حديث النصف من شعبان حديثٌ يصح، فتحفّظوا عباد الله من مُفترٍ يروي لكم حديثًا يسوقه في معرض الخير، فاستعمال الخير ينبغي أن يكون مشروعًا من الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا صحّ أنه كذب خرج من المشروعية، وكان مستعمله من خدم الشيطان لاستعماله حديثًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُنزل الله به من سلطان”([13]).
قال النجم الغيطي: “إنه قد أنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز منهم عطاء وابن أبي مُليكة وفقهاء المدينة وأصحاب مالك وقالوا: ذلك كله بدعة”([14]).
- صلاة الألفية، وتسمى -أيضًا- صلاة البراءة، وهي تخصيص قيام ليلة النصف من شعبان وهي مائة ركعة. قال الإمام النووي: “الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب وهي: اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان، ولا يغتر بذكرهما في “قوت القلوب” و”إحياء علوم الدين” ولا بالحديث المذكور فيهما فإن كل ذلك باطل…”([15]).
- صلاة أربع عشرة ركعة أو اثنتي عشرة ركعة أو ست ركعات.
- تخصيص صلاة العشاء في ليلة النصف من شعبان بقراءة سورة يس، أو بقراءة بعض السور بعدد مخصوص كسورة الإخلاص أو تخصيصها بدعاء يسمى: دعاء ليلة النصف من شعبان، وربما شرطوا لقبول هذا الدعاء قراءة سورة يس وصلاة ركعتين قبله، وكذلك تخصيصها بالصوم أو التصدّق.
- صلاة ست ركعات: بنية دفع البلاء وطول العمر والاستغناء عن الناس.
- اعتقادهم أن ليلة النصف من شعبان هي ليلة القدر. قال الشقيري: وهو باطل باتفاق المحققين من المحدثين([16]). وذلك لقوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}، وقال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، وليلة القدر في رمضان وليس في شعبان.
فهذه جملة مما ورد في شعبان مما صح ومما لم يصح، فليحرص المسلم على الاقتداء والاتباع، وليحذر الإحداث والابتداع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) رواه النسائي (2357)، وأحمد (21801)، وهو حديث حسن. ينظر إرواء الغليل (4/103).
([2]) رواه ابن ماجه (1390)، وهو صحيح بمجموع طرقه، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/135- 139).
([3]) رواه البخاري (1969)، ومسلم (1156).
([4]) منكر. رواه البزار في مسنده (6496) والطبراني في الأوسط (3939)، والبيهقي في شعب الإيمان (3534). ينظر مجمع الزوائد (2/196)، وتبيين العجب (ص 13).
([5]) موضوع. انظر الموضوعات لابن الجوزي (2/124)، والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني (ح 38).
([6]) تبيين العجب (ص 18)، وانظر المقاصد الحسنة (ح 740)، وكشف الخفاء (2/99).
([7]) موضوع. رواه ابن ماجه (1388)، والفاكهي في أخبار مكة (1837). وانظر العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لابن الجوزي (2/562)، وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (5/145).
([8]) موضوع. رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/408)، وانظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (5/145).
([9]) ضعيف. رواه الترمذي (739)، وابن ماجه (1389)، وأحمد (26060).
([10]) ضعيف. ينظر المنار المنيف في الصحيح والضعيف لابن القيم (ص 98). والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني (ص50).
([11]) موضوع. ينظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (11/268)
([12]) الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة (ص 125-124).
([13]) الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص 127).