بطلان دعوى مخالفة ابن تيمية للإجماع (مسألة شدِّ الرِّحال نموذجًا)
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
الحمد لله الذي علم عباده الإنصاف؛ فقال سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219]، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبينا محمد الذي أرسله ربه لإحقاق الحق، ورد الاعتساف؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه»([1]) .
أما بعد، فإن من أكثر ما اشتهر عن مناوئي شيخ الإسلام ابن تيمية الادعاء عليه بأنه يخالف الإجماع، ولا ريب أنها دعوى عريضة بلا برهان؛ وقد أقدم عليها مخالفو الشيخ؛ بغية تزهيد الناس في كلامه، ورغبة في صرفهم عن أقواله، والباحث المنصف يدرك تمامًا أن دعوى مخالفة الإجماع من الدعاوى الكبيرة التي ينبغي التريث والتثبت في إطلاقها، ويجدر بالعالم ألا يقدم عليها إلا بعد بحث وتفتيش وتنقيب عن أقوال العلماء في المسألة؛ هذا هو دأب المخلصين في دعوتهم الاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، السالكين مسلك الإنصاف في بحثهم.
أعظم المسائل التي شنع بها على ابن تيمية:
من أعظم المسائل التي عورض فيها شيخ الإسلام ابن تيمية: مسألة شد الرحال إلى زيارة القبور، وقد كثر التشنيع عليه بسببها، وحرَّف المناوئون عليه القول فيها، ونقلوا عنه ما لم يقله، وحملوا كلامه ما لا يحتمله، وآلت الأمور إلى استصدار أمر من السلطان بحبس شيخ الإسلام بقلعة دمشق، وكان ذلك في سنة ست وعشرين وسبعمائة (726 هـ)، فبقي شيخ الإسلام مقيمًا بالقلعة سنتين وثلاثة أشهر وأيامًا، بسبب تلك المسألة ولوازمها التي ادعوها عليه، ثم توفي إلى رحمة الله ورضوانه سنة (728 هـ)، وما برح في هذه المدة مكبًّا على العبادة وتلاوة القرآن، وتصنيف الكتب والرد على المخالفين، ومن بديع ما كتبه في تلك المدة قوله: “ومن سنة الله أنه إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه؛ فيحق الحق بكلماته، ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق” ([2]).
ومن أفحش ما شغبوا به على شيخ الإسلام -في مسألة شد الرحال- أن قوله شاذ مخالف للإجماع([3]) ، ووصل الأمر ببعضهم إلى الادعاء بأنه أتى فيها بما لم يقله أحد من المسلمين؛ وقد نقل الحافظ العلائي قولًا لبعضهم -معلقًا على قول شيخ الإسلام ابن تيمية: “بأن إنشاء السفر لزيارة نبينا صلى الله عليه وسلم لا تقصر فيه الصلاة”-: “إنه قول لم يقل به أحد من المسلمين قبله”([4])، وسيأتي في طيات هذا البحث إبطال تلك المزاعم والأباطيل.
وقد جاءت هذه الورقة العلمية محاولة لإرساء قواعد الإنصاف بالرد على تلك الافتراءات، وإظهارًا لبطلان دعوى مخالفة شيخ الإسلام للإجماع في مسألة شد الرحال خاصة، ولا يعد من نافلة القول: التذكير بأنه ليس من شأن تلك المقالة استقصاء القول في حكم شد الرحال والسفر لزيارة قبور الصالحين، وخاصة قبر نبينا صلى الله عليه وسلم، فإن لهذا موضعًا آخر([5]).
تفصيل القول في بطلان دعوى مخالفة الإجماع في مسألة شد الرحال لزيارة القبور من وجوه:
الأول: تحرير محل النزاع في المسألة، وفيه بشاعة ما وصل إليه المخالفين من الافتراء على شيخ الإسلام، والتقول عليه بما لم يقله.
الثاني: موافقة ابن تيمية لما فهمه الصحابة رضي الله عنهم من الأحاديث في المسألة، وفيه نقض صريح لدعوى مخالفة ابن تيمية للإجماع.
الثالث: ذكر أقوال من ذهب إلى القول بالمنع قبل شيخ الإسلام ابن تيمية، من فقهاء المذاهب الأربعة، وبه يعلم أن الإمام ابن تيمية مسبوق بالقول في هذه المسألة، وليس مخترعًا لها، ولا منفردًا بالتشهي والهوى.
الرابع: حجج من نصر القول بالمنع، ممن عاصر تلك المحنة من فقهاء المذاهب الأربعة، وفي ذلك رد عملي على المنكرين عليه، والزاعمين بأنه مخالف للإجماع.
وهذا أوان الشروع في المقصود؛ وأوَّل ذلك تحرير محل النزاع في المسألة، وذلك بإيراد ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية عن نفسه؛ وذلك في نقاط؛ ليتبين للقارئ مدى الافتراء عليه في تصوير المسألة والتشنيع عليه فيها:
الوجه الأول: تحرير محل النزاع في مسألة شد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم:
أولًا: لا يدخل في محل النزاع مسألة: استحباب زيارة القبور، ومنها زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل مسجده؛ فقد نص شيخ الإسلام على استحبابها، ونصر القول به؛ استنادًا إلى الأدلة الصحيحة الصريحة في استحباب ذلك، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: “نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها”([6]) ، زاد الترمذي في روايته: “فإنها تذكركم الآخرة”([7]) ، وقال الترمذي: “والعمل على هذا عند أهل العلم، لا يرون بزيارة القبور بأسًا، وهو قول ابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق”([8]).
وقد صرح شيخ الإسلام باستحباب زيارة القبور؛ فقال: “والمجيب [يعني: نفسه] قد عُرفت كتبه، وفتاويه مشحونة باستحباب زيارة القبور، وفي جميع مناسكه، يذكر استحباب زيارة قبور أهل البقيع وشهداء أحد، ويذكر زيارة قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا دخل مسجده، والأدب في ذلك، وما قاله العلماء، وفي نفس الجواب قد ذكر ذلك، ولم يذكر قط أن زيارة القبور معصية، ولا حكاه عن أحد، بل كان يعتقد حين كتب هذا الجواب؛ أن زيارة القبور مستحبّة بالإجماع، ثم رأى بعد ذلك فيها نزاعًا، وهو نزاع مرجوح، والصحيح أنها مستحبة”([9]) ، وتأمل إنصافه مع نفسه في آخر مقولته تلك؛ ليقف المنصف على مدى تجرده في إثبات الحق واتباعه، وعدم استعلائه عليه.
ثانيًا: مسألة السفر لمجرد الزيارة للقبور، وهذه المسألة فيها قولان للعلماء([10]) :
أحدهما: إنه منهي عنه؛ وهذا ما نص عليه إمام دار الهجرة مالك بن أنس، ولم ينقل عن أحد من الأئمة الثلاثة خلافه، وإليه ذهب جماعة من أصحاب الشافعي وأحمد.
والثاني: القول بإباحة ذلك، كما يقوله بعض أصحاب الشافعي وأحمد.
هذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية، مع ترجيحه للقول الأول بأن إنشاء السفر لزيارة القبور معصية؛ محتجًّا بجملة من الأدلة، ومن أقواها:
ما رواه الشيخان -البخاري ومسلم- عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى”([11])، هكذا بلفظ الخبر، والمراد به النهي؛ يقول الطبري: “النفي أبلغ من صريح النهي؛ كأنه قال: لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع؛ لاختصاصها بما اختصت به”([12]) .
وقد جاء النهي صريحًا، فيما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: ” لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى “([13]) .
كما جاء بصيغة الحصر، كما في رواية مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد: مسجد الكعبة، ومسجدي، ومسجد إيلياء “([14]) .
ثالثًا: مسألة من جمع في سفره بين قصد المسجد النبوي، وقصد زيارة قبره؛ وهذه المسألة قد أغنانا شيخ الإسلام عن التنقيب عن قوله فيها؛ حيث أوضح رحمه الله أن الناس في زيارتهم لقبره صلى الله عليه وسلم على أقسام:
منهم: من يقصد السفر الشرعي إلى مسجده صلى الله عليه وسلم، ثم إذا صار في مسجده فعل في مسجده المجاور لبيته الذي فيه قبره ما هو مشروع، فهذا سفر مجمع على استحبابه، وقصر الصلاة فيه.
ومنهم: من لا يقصد إلا مجرد القبر، ولا يقصد الصلاة في المسجد أو لا يصلي فيه، فهذا لا ريب أنه ليس بمشروع.
ومنهم: من يقصد هذا وهذا، فهذا لم يُذكر في الجواب([15])، إنما ذكر في الجواب من لم يسافر إلا لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين.
ومن الناس: من لا يقصد إلا القبر؛ لكن إذا أتى المسجد صلّى فيه، فهذا أيضا يثاب على ما فعله من المشروع: كالصلاة في المسجد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم والسلام عليه، ونحو ذلك من الدعاء والثناء عليه، ومحبته وموالاته، والشهادة له بالرسالة
والبلاغ، وسؤال الله الوسيلة له، ونحو ذلك مما هو من حقوقه المشروعة في مسجده، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم([16]) .
رابعًا: إذا تقرر ما سبق: عُلم أنهما مسألتان، بينهما بون صورة وحكمًا:
المسألة الأولى: زيارة القبور من غير السفر إليها ولا إعمال المطي، وهذه المسألة قد نص فيها شيخ الإسلام على استحبابها، كما تقدم بيانه.
والمسألة الثانية: السفر لأجل زيارة القبور، وهذه هي التي ذكر فيها شيخ الإسلام الخلافَ -وقد تقدم- مع ترجيحه للقول بأنها منهي عنها.
وقد أجاد الحافظ ابن عبد الهادي في بيان هذا بقوله: “السفر إلى زيارة القبور مسألة، وزيارتها من غير سفر مسألة أخرى، ومن خلط هذه المسألة بهذه المسألة، وجعلها مسألة واحدة، وحكم عليهما بحكم واحد، وأخذ في التشنيع على من فرق بينهما، وبالغ في التنفير عنه، فقد حُرم التوفيق، وحاد عن سواء الطريق”([17]) .
وما ذكره الحافظ ابن عبد الهادي من التخليط بين المسألتين هو حال كثير ممن اعترض على شيخ الإسلام، وأكثر من التشنيع عليه، ورميه باللوازم الباطلة من بغضه للنبي صلى الله عليه وسلم وعدم تعظيمه – ومن تأمل كلام الإخنائي المعترض على شيخ الإسلام، وجده من هذا القبيل([18]) – وحاشا شيخ الإسلام أن يصدر منه ذلك؛ فقد تقدم في بعض ما نقلناه عنه كيف أنه يعظم النبي صلى الله عليه وسلم ويفتديه بأبيه وأمه، ولكن كما قيل في أمثال العرب: “لو ذات سوارٍ لطمتني!”([19]) .
الوجه الثاني: موافقة ابن تيمية لما فهمه الصحابة رضي الله عنهم من الأحاديث في المسألة
مما يقوي صحة الفهم الذي فهمه شيخ الإسلام من هذه الأحاديث، ويدعمه: أنه موافق لفهم الصحابة رضي الله عنهم من نهيه صلى الله عليه وسلم أن يسافر إلى غير المساجد الثلاث، ولذلك نراهم يرون أن السفر إلى طور سيناء داخل في النهي، وإن لم يكن مسجدًا، وقد جاء هذا المعنى عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم، منهم بصرة بن أبي بصرة، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وابن عمر -رضي الله عنهم أجمعين- ولعل من أهم فوائد هذه الآثار: بطلان دعوى الإجماع الذي زعمه مخالفو شيخ الإسلام، ودونك هذه الآثار:
الأثر الأول: عن بصرة بن أبي بصرة وأبي هريرة رضي الله عنهما:
قال أبو هريرة رضي الله عنه: فلقيتُ بصرة بن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه فقال: من أين أقبلتَ؟ فقلتُ: من الطور، فقال: لو أدركتُك قبل أن تخرج إليه ما خرجتَ، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: إلى المسجد الحرام، وإلى مسجدي هذا، وإلى مسجد إيلياء، أو بيت المقدس…”([20]) .
فدل هذا الأثر على أن الصحابي الجليل بصرة بن أبي بصرة رضي الله عنه كان يرى أن إنشاء السفر لزيارة جبل الطور داخل تحت الحديث: لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد…”، ومعلوم أن الطور ليس مسجدًا، وإنما هو بقعة مباركة، وقد سماه الله تعالى بالوادي المقدس، وكلم الله موسى هناك؛ فقال تعالى: {إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [النازعات: 16]، ومع ذلك فقد فهم الصحابة من الأحاديث عموم النهي عن إعمال المطي والسفر لزيارة الأماكن المقدسة وغيرها من المساجد وغيرها، ولا شك أنهم أعلم من غيرهم فيما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم.
ولمَّا سمع أبو هريرة رضي الله عنه هذا الكلام من بصرة، لم ينكره ولم يعترض عليه، مما يدل على موافقته له فيما قاله ونبهه عليه.
وقد ألمح الحافظ ابن حجر إلى تلك المعاني مختصرة بقوله: “فدل على أنه [يعني: بصرة بن أبي بصرة] يرى حمل الحديث على عمومه، ووافقه أبو هريرة”([21]) .
الأثر الثاني: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
عن قزعة، قال: أردت الخروج إلى الطور، فسألت ابن عمر رضي الله عنهما، فقال ابن عمر: أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم, والمسجد الأقصى”، ودع عنك الطور، فلا تأته([22]) .
وفي هذا الأثر التصريح بالمنع من السفر والخروج لزيارة جبل الطور، مع ما ورد من ذكره في القرآن وتسميته بالواد المقدس، فأين هذا مما لم يرد في فضله أثر صحيح؛ كالقبور ومشاهد الصالحين؟!
الأثر الثالث: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:
عن شهر بن حوشب قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، وذكرت عنده صلاة في الطور، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا ينبغي للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة، غير المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا”([23]) ، وأبو سعيد الخدري رضي الله عنه هو راوي الحديث -الذي رواه الشيخان-: ” لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى “([24]) .
وجه الدلالة من هذا الأثر: أنه عن نفس الصحابي الذي روى حديث النهي عن شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، وهو الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، ولا شك أن فهم الصحابي -الذي روى الحديث- يقدم على فهم غيره، وخاصة إذا كان من غير الصحابة؛ وهذا ما دفع شيخ الإسلام إلى تأكيد فهمه للحديث بما أورده من تلك الآثار؛ بل نجده يصرح بذلك في قوله: “وهذا النهي من بصرة وابن عمر، ثم موافقة أبي هريرة؛ يدل على أنهم فهموا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم النهي، فلذلك نهوا عنه، لم يحملوه على مجرد نفي الفضيلة، وكذلك أبو سعيد الخدري، وهو راوية أيضًا، وحديثه في الصحيحين”([25]) .
الوجه الثالث: ذكر أقوال من ذهب إلى القول بالمنع قبل شيخ الإسلام ابن تيمية، من فقهاء المذاهب الأربعة:
دأب مخالفو شيخ الإسلام في المسائل العلمية على نسبته إلى أنه أول من ابتكر أو اخترع القول في المسألة، وهم بهذا يرومون إلى صد الناس عن قبول ما يمليه عليه اجتهاده، وهذا المسلك بعيد عن الإنصاف، بل هو أشبه بالتعسف في رد الأقوال بالهوى والدفع بالصدر.
وبخصوص مسألة: تحريم شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء والصالحين، فقد وافقه على فهمه جمهرة من فقهاء المذاهب الأربعة -ممن سبق شيخ الإسلام- وقصدًا للتسهيل أرتبها بحسب المذاهب الفقهية:
ممن وافق شيخَ الإسلام: الإمامُ مالك، وبعضُ فقهاء المالكية:
قد سبق الإمام مالك بن أنس رحمه الله إلى القول بمنع الوفاء لمن نذر المشي إلى المدينة أو بيت المقدس، من غير أن يقصد الصلاة في المسجدين المقدسين -المسجد النبوي، والمسجد الأقصى-:
جاء في المدونة: “قال ابن القاسم: قال مالك -فيمن قال: علي المشي إلى مسجد بيت المقدس-: فعليه أن يأتي مسجد بيت المقدس راكبًا فليصل فيه.
قال ابن القاسم: ومن قال: عليَّ المشي إلى بيت المقدس، أو إلى المدينة، فلا يأتيهما أصلًا إلا أن يكون أراد الصلاة في مسجديهما، فيأتيهما راكبًا”([26]) ، وفي التفريع لابن الجلاب، والرسالة للقيرواني مثله([27]) .
وقال ابن القاسم في المدونة أيضًا: “وقال مالك: من قال: لله عليَّ أن آتي المدينة، أو بيت المقدس، أو المشي إلى المدينة، أو المشي إلى بيت المقدس، فلا شيء عليه إلا أن يكون نوى بقوله ذلك: أن يصلي في مسجد المدينة أو مسجد بيت المقدس، فإن كانت تلك نيته وجب عليه الذهاب إلى المدينة، أو إلى بيت المقدس راكبًا، ولا يجب عليه أن يمشي وإن كان حلف بالمشي، ولا دم عليه”([28]) .
ويفهم من هذه النصوص: أن نذر الإتيان إلى المدينة أو المشي إليها بمجرده لا يكون طاعة ولا قربة؛ فإن قاعدة المذهب المالكي: أن النذر لا يؤثر إلا في مندوب؛ قال القرافي: “قاعدة: النذر عندنا لا يؤثر إلا في مندوب، فما لا رجحان في فعله في نظر الشرع، لا يؤثر فيه”([29]) .
وبناء عليه: فكل ما ليس مندوبًا -بمعنى قد استحبه الشارع ورغب فيه- لا يوفى بنذره، وهذا عام في كل ما تعمل المطي لأجله، أما بخصوص مسألة شد الرحال والسفر لزيارة القبور، فقد جاء هذا المعنى مصرحًا به عن بعض أكابر المالكية، وهو القاضي إسماعيل بن إسحاق، ورجح شيخ الإسلام أن يكون هذا القاضي الجليل قد فهم ذلك عن الإمام مالك، وهو ما سيتبين في الفقرة التالية.
ومنهم القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي:
فقد احتج القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي رحمه الله على المنع من السفر لزيارة القبر، بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد»، مما يدل على ثبوت ذلك عنده عن الإمام مالك، ولهذا يقول في كتابه «المبسوط» -لما ذكر قول محمد بن مسلمة: من نذر أن يأتي مسجد قباء فعليه أن يأتيه- قال القاضي إسماعيل: إنما هذا فيمن كان من أهل المدينة وقربها ممن لا يعمل المطي إلى مسجد قباء؛ لأن إعمال المطي اسم للسفر، ولا يسافر إلا إلى المساجد الثلاثة على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، في نذر ولا غيره، وقد روي عن مالك أنه سئل عمن نذر أن يأتي قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن كان أراد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فليأته وليصلّ فيه، وإن كان إنما أراد القبر فلا يفعل للحديث الذي جاء: «لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد»([30]) .
ومنهم القاضي عياض:
قال القاضي عياض: “وقوله: ” لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد” الحديث: فيه تعظيم هذه المساجد، وخصوصها بشد الرحال إليها؛ ولأنها مساجد الأنبياء، ولفضل الصلاة فيها، وتضعيف أجرها، ولزوم ذلك لمن نذره، بخلاف غيرها مما لا يلزم ولا يباح بشد الرحال إليها لا([31]) لناذر ولا لمتطوع؛ لهذا النهي، إلا ما ألحقه محمد بن مسلمة من مسجد قباء، وإلزامه إتيانه لمن نذره؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء راكبًا وماشيًا…”([32]) .
وصريح كلامه أنه لا يلزم ولا يباح السفر وشد الرحال لغير المساجد الثلاث؛ وهذا الأمر يستوي فيه كل أحد، سواء كان ناذرًا أو متطوعًا، وقد أكد نسبة هذا الأمر إلى القاضي عياض غير واحد من العلماء؛ منهم: الإمام النووي([33]) ، والحافظ ابن حجر([34]) ، وغيرهما([35]) .
ممن وافقه من فقهاء الشافعية:
من أشهر من نقل عنه موافقة ما ذهب إليه شيخ الإسلام: الشيخ أبو محمد الجويني رحمه الله؛ قال إمام الحرمين: “وكان شيخي [يعني: والده أبا محمد الجويني] يفتي بالمنع عن شد الرحال إلى غير هذه المساجد، وربما كان يقول: يكره، وربما كان يقول: يحرم؛ تعلقًا بظاهر النهي” ([36]) .
قال النووي: “واختلف العلماء في شد الرحال وإعمال المطي إلى غير المساجد الثلاثة: كالذهاب إلى قبور الصالحين، وإلى المواضع الفاضلة، ونحو ذلك، فقال الشيخ أبو محمد الجويني -من أصحابنا-: هو حرام، وهو الذي أشار القاضي عياض إلى اختياره”([37]) .
ومنهم القاضي حسين:
لم أجد من صرح به من فقهاء الشافعية، إلا أن الحافظ ابن حجر ذكره بقوله: ” فقال الشيخ أبو محمد الجويني: يحرم شد الرحال إلى غيرها؛ عملًا بظاهر هذا الحديث، وأشار القاضي حسين إلى اختياره، وبه قال عياض وطائفة”([38]) .
ومنهم أبو السعادات ابن الأثير:
ويفهم هذا من قوله: “لا تشد الرحال” هذا مثل قوله: “لا تعمل المطي”، وكنى به عن السير والنفر، والمراد: “لا يقصد موضع من المواضع بنية العبادة والتقرب إلى الله تعالى، إلا إلى هذه الأماكن الثلاثة؛ تعظيمًا لشأنها وتشريفًا”([39]) .
وممن وافقه من فقهاء الحنابلة:
الإمام ابن بطة العكبري:
فقد نص صراحة على بدعية السفر لزيارة القبور؛ فقال: “ومن البدع البناء على القبور وتحصينها، وشد الرحال إلى زيارتها”([40]) .
ومنهم أبو الوفاء ابن عقيل:
فقد نص ابن عقيل على النهي عن إنشاء السفر لزيارة القبور؛ فقال -جوابًا عن السفر لزيارة القبور والمشاهد-: “لا يباح له الترخص؛ لأنه منهي عن السفر إليها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد»([41]) .
الوجه الرابع: حجج من نصر القول بالمنع، ممن عاصر تلك المحنة من فقهاء المذاهب الأربعة:
قد عاصر تلك المحنة التي وقعت لشيخ الإسلام -بسبب جوابه بتحريم شد الرحال وإعمال المطي لزيارة القبور- جماعة من فقهاء المذاهب الأربعة، وكان لهم رد فعل إيجابي تجاه ذلك؛ حيث نصروا قول شيخ الإسلام وأيدوه بالحجج والبراهين، ومن هؤلاء:
جواب الشيخ ابن الكتبي الشافعي:
فقال في جوابه: “والذي يقتضيه مطلق الخبر النبوي في قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تشد الرحال…” إلى آخره: أنه لا يجوز شد الرحال إلى غير ما ذكر أو وجوبه أو ندبيته؛ فإن فعله كان مخالفًا لصريح النهي، ومخالفة النهي معصية: إما كفر أو غيره على قدر المنهى عنه، ووجوبه، وتحريمه، وصفة النهي، والزيارة أخص من وجه، فالزيارة بغير شد غير منهي عنها، ومع الشد منهي عنها.
وبالجملة: فما ذكره الشيخ تقي الدين على الوجه المذكور الموقوف عليه، لم يستحق عليه عقابًا، ولا يوجب عتابًا”([42])
جواب الشيخ محمد بن عبد الرحمن البغدادي المالكي:
فقال في جوابه عما جرى لشيخ الإسلام من السجن: ” ما أجاب به الشيخ الأجل الأوحد -بقية السلف وقدوة الخلف، رئيس المحققين وخلاصة المدققين، تقي الملة والحق والدين- من الخلاف في هذه المسألة صحيح منقول في غير ما كتاب من كتب أهل العلم، لا اعتراض عليه في ذلك: إذ ليس في ذلك ثلب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا غض من قدره صلى الله عليه وسلم…”([43]) .
جواب الشيخ عبد المؤمن بن عبد الحق الخطيب البغدادي:
فقال في جوابه: “لا يخفى على ذي فطنة وعقل، أنه [يعني: شيخ الإسلام] أتى في الجواب المطابق للسؤال بحكاية أقوال العلماء الذين تقدموه، ولم يبق عليه في ذلك إلا أن يعترضه معترض في نقله، فيبرزه له من كتب العلماء الذين حكى أقوالهم، والمعترض له بالتشنيع؛ إما جاهل لا يعلم ما يقول، أو متجاهل يحمله حسده وحمية الجاهلية على رد ما هو عند العلماء مقبول”([44]) .
جواب الشيخ جمال الدين يوسف بن عبد ابن البتي الحنبلي:
وقد أجاد رحمه الله في تفصيل ما تحتمله صيغة: “لا تشد الرحال”، ثم أعقبه بقوله: “وقد بلغني أنه رزئ وضيق على المجيب [يعني: شيخ الإسلام]، وهذا أمر يحار فيه اللبيب، ويتعجب منه الأريب، ويقع به في شك مريب؛ فإن جوابه في هذه المسألة قاضٍ بذكر خلاف العلماء، وليس حاكمًا بالغض من الصالحين والأنبياء؛ فإن الأخذ بمقتضى كلامه صلوات الله وسلامه عليه في الحديث -المتفق على صحة رفعه إليه- هو الغاية القصوى في تتبع أوامره ونواهيه، والعدول عن ذلك محذور، وذلك مما لا مرية فيه، وإذا كان كذلك فأيُّ حرج على من سئل عن مسألة، فذكر فيها خلاف الفقهاء، ومال فيها إلى بعض أقوال العلماء، فإن الأمر لم يزل كذلك على ممر العصور وتعاقب الدهور…”([45]) .
الشيخ أبو عمرو بن أبي الوليد المالكي:
فقد أجمل ما فصله شيخ الإسلام في المسألة بقوله: “السفر إلى غير المساجد الثلاثة ليس بمشروع، وأما من سافر إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي فيه ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه رضي الله عنهما، فمشروع كما ذكر باتفاق العلماء، وأما لو قصد إعمال المطي لزيارته صلى الله عليه وسلم ولم يقصد الصلاة، فهذا السفر إذا ذكر رجل فيه خلافًا للعلماء…”([46]) .
وقد سجل الحافظ ابن كثير بعض الأخطاء والمجازفات التي وقعت لمناوئي شيخ الإسلام، ومدى بشاعة ما صدر من بعضهم، ثم أعقب ذلك بقوله: “فانظر الآن هذا التحريف على شيخ الإسلام، فإن جوابه على هذه المسألة ليس فيه منع زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وإنما فيه ذكر قولين في شد الرحل والسفر إلى مجرد زيارة القبور، وزيارة القبور من غير شد رحل إليها مسألة، وشد الرحل لمجرد الزيارة مسألة أخرى، والشيخ لم يمنع الزيارة الخالية عن شد رحل، بل يستحبها ويندب إليها، وكتبه ومناسكه تشهد بذلك، ولم يتعرض إلى هذه الزيارة في هذه الوجه في الفتيا، ولا قال إنها معصية، ولا حكى الإجماع على المنع منها، ولا هو جاهل قول الرسول ” زوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة “([47])، والله سبحانه لا يخفى عليه شيء، ولا يخفى عليه خافية، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]”([48]).
اللهم ارزقنا الإنصاف في القول والحكم، واحفظ قلوبنا وألستنا من الوقوع في علماء الأمة وورثة الأنبياء؛ وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) أخرجه البخاري (4552)، ومسلم (1711)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، واللفظ لمسلم.
([2]) ينظر: العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية لابن عبد الهادي (ص: 54، 380) ببعض التصرف.
([3]) ينظر على سبيل المثال: فتاوى د. علي جمعة ضمن موسوعة الفتاوى الإسلامية الصادرة عن دار الإفتاء المصرية (28/ 28).
([4]) ينظر: فتاوى ابن تيمية في الميزان لمحمد بن أحمد اليعقوبي (ص: 477).
([5]) قد نوقشت هذه المسألة بشيء من التفصيل، ضمن مقالات مركز سلف بعنوان: “حكم شد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم”، ودونك رابطها: https://salafcenter.org/533/ .
([6]) أخرجه مسلم (1977) من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.
([7]) أخرجه الترمذي (1054)، وقال: حديث حسن صحيح.
([8]) سنن الترمذي ت شاكر (3/ 361).
([9]) الرد على الإخنائي لابن تيمية، تحقيق زهوي (ص: 21).
([10]) ينظر: الصارم المنكي في الرد على السبكي لابن عبد الهادي (ص: 18).
([11]) أخرجه البخاري (1189)، ومسلم [511- (1397)]، واللفظ لمسلم.
([12]) عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني (7/ 252).
([14]) أخرجه مسلم [513- (1397)].
([15]) يعني: في جوابه عن السؤال الذي وجه إليه، وقد أقام مناوئوه الدنيا عليه بسببه، وحرفوا القول عنه.
([16]) الرد على الإخنائي ت زهوي (ص: 178- 179).
([17]) الصارم المنكي في الرد على السبكي (ص: 18).
([18]) وقد فند شيخ الإسلام الردود عليه في رسالته القيمة: “الرد على الإخنائي”، وهي مطبوعة مشهورة.
([19]) والمعنى: “لو كان هذا الذي ظلمني ندًّا لي، وكان له شرف وقدر احتملته، ولكنه ليس بكفءٍ، فهو أشد عليَّ”. ينظر: الأمثال لابن سلام (ص: 268).
([20]) أخرجه مالك في الموطأ (1/ 108)، وأحمد في المسند (23848)، والنسائي في المجتبى (3/ 113)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 55)، وقال العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (7/ 252): ورجال إسناده ثقات. اهـ. وصححه الألباني في إرواء الغليل (3/ 228).
([21]) فتح الباري لابن حجر (3/ 65).
([22]) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (3/ 418)، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 65)، وصححه الشيخ الألباني في تحذير الساجد (ص: 94).
([23]) أخرجه أحمد في المسند (11609)، وأبو يعلى في المسند (1326)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 3): هو في الصحيح بنحوه، وإنما أخرجته لغرابة لفظه، رواه أحمد، وشهر فيه كلام، وحديثه حسن. اهـ. وقال الألباني في الإرواء (3/ 230): وهذا سند لا بأس به في المتابعات والشواهد. اهـ.
([24]) أخرجه البخاري (1188)، ومسلم [415 – (827)].
([25]) الرد على الإخنائي (ص: 188).
([26]) المدونة الكبرى (1/ 565).
([27]) التفريع في فقه مالك بن أنس (1/ 280)، والرسالة للقيرواني (ص: 88).
([28]) المدونة الكبرى (1/ 565).
([29]) الذخيرة للقرافي (4/ 85).
([30]) ينظر: الرد على الإخنائي (ص: 44) بتصرف يسير.
([31]) هكذا على الصواب، وفي المطبوع: “إلا”.
([32]) إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 448- 449).
([33]) شرح النووي على مسلم (9/ 106).
([34]) فتح الباري لابن حجر (3/ 65).
([35]) كالعيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (7/ 254).
([36]) نهاية المطلب في دراية المذهب لإمام الحرمين (18/ 430)، والعزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير للرافعي (12/ 392)، والمجموع شرح المهذب للنووي (8/ 475)، وروضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي (3/ 326)، وكفاية النبيه في شرح التنبيه لابن الرفعة (8/ 321).
([37]) شرح النووي على مسلم (9/ 106).
([38]) فتح الباري لابن حجر (3/ 65).
([39]) جامع الأصول لابن الأثير (9/ 283- 284).
([40]) الإبانة الصغرى لابن بطة (ص: 366)، والصارم المنكي في الرد على السبكي (ص: 251).
([41]) ينظر: المغني لابن قدامة (2/ 195).
([42]) العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (ص: 360).
([43]) المرجع السابق (ص: 361).
([44]) المرجع السابق (ص: 364).
([45]) المرجع السابق (ص: 367).
([46]) المرجع السابق (ص: 369).
([47]) أخرجه مسلم (976)، وأبو داود (3234)، والنسائي (2034)، وابن ماجه (1569)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، واللفظ لابن ماجه.